المنشور

شرخ في برواز الصورة

ثلاثة أشهر بالتمام والكمال مضت على انفجار اخطر ازمة سياسية في تاريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية على اثر المظاهرات الصاخبة التي اندلعت بُعيد انتخابات 12 يونيو الماضي الرئاسية احتجاجاً على تزويرها لصالح الرئيس المقرب من مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي الذي صدق على صحة انتخابه لولاية ثانية.. ثلاثة أشهر مضت ولا يلوح في الأفق حتى الآن ما يشير الى ان الازمة في طريقها الى الزوال كأزمة عابرة، بل كل الدلائل تشير وتؤكد ان هذه الازمة تسير حثيثاً نحو التفاقم والتعقيد والاستعصاء على الحل بين اطرافها.
هذه الازمة – كما هو معلوم – ليست بين نظام ومعارضة غير شرعية خارج النظام، بل هي بين طرفين في السلطة السياسية أو على الادق داخل الطبقة الدينية الحاكمة، هي بين ما يعرف بـ “الجناح الاصلاحي” و”الجناح المحافظ” المتشدد المهيمن بقيادة المرشد على مفاصل النظام الاساسية وهذه الأزمة تدور رحاها وفق قواعد اللعبة السياسية المشروعة التي أقرها وفصلها النظام نفسه على مقاسه عند تأسيس الجمهورية بقيادة المرحوم الخميني، بصرف النظر عن كون المعارضة الاصلاحية التي تمارس حقها في المعارضة وفق قواعد اللعبة الديمقراطية الدينية التي ارساها النظام لها امتداداتها وتقاطعاتها مع أطياف من قوى المعارضة خارج النظام ممثلة لقوى اجتماعية وقومية ودينية ومذهبية متعددة تحاول بدورها ان تستفيد من الخلف من الازمة والالتقاء، فيما يمكن الالتقاء به، مع المعارضة الشرعية الاصلاحية داخل النظام حول المشتركات الآنية لفتح ثغرة في جدار انسداد افق التغيير والاصلاح وتعقده في ظل حكومة المحافظين الحالية برئاسة الرئيس محمود احمدي نجاد.
في الدول الغربية الديمقراطية العريقة التي تمر بأزمات سياسية عاصفة فانها سرعان ما تدار وتحل وفق قواعد اللعبة الديمقراطية ذات التقاليد العريقة المديدة المترسخة وذات القبول السياسي والشعبي من مختلف القوى والاطياف السياسية والاجتماعية المعارضة داخل النظام وخارجه، لكن في الدول التي تعرف بأنظمتها الشمولية، أيا يكن مشروعها السياسي والفكري، دينيا ام ماركسيا، أم قبليا، وأياً يكن الهامش الديمقراطي الذي توفره بموجب قواعد اللعبة التي أرستها، فإن هذه الدول ليس أمامها حينما تتعقد وتنفجر ازماتها السياسية العاصفة ويتعذر عليها حلها وفق تلك القواعد المرسومة سوى حل الازمة من خلال الخروج على قواعد اللعبة والتركيع والقاء مشجب اندلاعها على الخارج وليس سواه.. فكلما اشتدت الازمة اشتد القمع والاستبداد وتكميم الافواه وضاق النظام ذرعا في هذه الاجواء المحتقنة حتى بالرأي الآخر المعتدل الخجول.. هذا بالضبط ما حصل في ظل أنظمة عديدة بالمنطقة، وهذا هو بالضبط ما حصل ويحصل الآن في ظل الجمهورية الاسلامية غداة عيدها الثلاثيني الاخير. ولا يختلف اثنان عاقلان في السياسة ان هذا الطريق هو أقصر الطرق، وان طال، لنهاية أي نظام يلجأ إليه، لانه يعني ببساطة اشهار افلاسه محليا وعالميا.
وعلى الرغم من كل العواصف والزوابع التي عرفتها ايران منذ ثورة 1979م ظلت صورة الجمهورية الاسلامية طوال هذه الفترة، والى حد ما إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية الاخيرة، تتمتع بشيء من المهابة والتماسك في انظار ليس فقط عشاقها ومؤيديها وفي عدادهم الناظرون إليها بإعجاب والمتخذون منها موقفاً اقرب الى الحياد والتحفظ، بل في انظار حتى أعدائها الذين ظلوا يحسبون لقوتها ومكانتها وقوة منطق خطابها السياسي الديني، بغض النظر عما يعتريه من تناقضات أو تضاد مع أسس الفكر الديمقراطي الحديث ومع منطق حقوق الانسان العالمي والمعاصر. لكن هذه الصورة التي ظلت أشبه بالايقونة المقدسة في نظر الملايين من عشاقها، في الداخل كما في الخارج، تكاد تهتز بعدما لحق بها خدش او شرخ بات من الصعب اخفاؤه او المكابرة بعدم وجوده، وهو شرخ يتسع يوماً بعد يوم مع ازدياد القمع والبطش بمن كانوا بالأمس أقرب المقربين الى رؤوس النظام.
اهتزاز الصورة – الايقونة بدأ بتزوير الانتخابات، بغض النظر عن الدفع بمحدوديته، وحاول النظام انكار التزوير ثم اعترف بوجود حالات منه، لكنه لم يتخذ أي اجراءات تأديبية رادعة بحق المزورين تحفظ حقوق المعارضة كما تحفظ سمعة النظام نفسه ومصداقيته كحكم نزيه في حلبة اللعبة الديمقراطية التي فصلها مقدماً على مقاسه، ثم اتسع صدع زجاج برواز الصورة – الايقونة بانفجار ام الكبائر والفضائح في أي نظام، فما بالك اذا ما جاءت في ظل نظام ليس دينيا فحسب، بل دينيا متشددا متزمتا، ألا هي فضيحة التعذيب والاغتصاب داخل السجون بحق المعتقلين التي اعقبت فضيحة تصفية متظاهرين في مسيرات سلمية بالرصاص، ناهيك عن ابادة اعداد منهم في السجون بأشكال مختلفة؟
ومثلما كابر النظام بعدم وجود أي تزوير، ثم عاد واعترف بوجود حالات محدودة منه، ها هو في فضيحة التعذيب يكابر بالادعاء بطهارة ونظافة سجونه من هذا العار، لانها سجون الجمهورية “الاسلامية” لا سجون الطاغوت المقبور، ثم يعود ويعترف بوجود حالات من التعذيب ثم يعود كرة اخرى لينفي، وهكذا دواليك في حلقة مفرغة تعبر عن الحيرة والتخبط الفاضح في كيفية الخروج من الازمة وستر فضائحها المتواصلة فيما شرخ برواز الصورة – الايقونة يتسع ويهتز ويتعمق مؤذناً بتغير خطوطها وظلالها وألوانها المقدسة في أعين العشاق الذين جبلوا على مشاهدتها قريري الأعين على امتداد ثلاثة عقود.

صحيفة اخبار الخليج
14 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الأقدار في المسلسلات الرمضانية

يتدهور الوعي العربي في المرحلة الراهنة لغياب قوى وطنية معتمدة على قطاعات عامة مؤثرة، وتجيء عملية تدهور القطاعات العامة مع تصاعد القطاعات الخاصة المشغولة بمصالحها الذاتية، فتضيع عمليات فهم الواقع خاصة على المستوى الجماهيري.
ومن هنا تتشابك تأثيراتُ القوى الدينية الفاقدة القراءات الموضوعية للواقع مع تنامي الجماعات السحرية والانتهازية الاقتصادية، فتتغلب في المسلسلات الرمضانية مفرداتُ السحر والشعوذة والقدرية، ويصير بطلُ مسلسل “تاجر السعادة” الأعمى المرح الساخر المناضل من أجل الجمهور وتجميع قواه ضد المستغلين إلى أن يكون مشعوذاً دجالاً، والتحول يتم رغم بطئه فإنه بلا مقدمات عميقة، فالمسألة لا تعتمد على عمق بقدر ما تعتمد على حشو الحلقات، فالرجل الكفيف يتمتع بقدرات خارقة، وينتقل ببساطة من فن إلى آخر، ثم يجد المسلسل أنه لا فائدة من هذا العرض البسيط الذي وصل إلى طريق مسدود، فيحيله إلى ساحر متمكن يقرأ الكف والفنجان ويستطيع خداع الجمهور عامة.
وهناك جانب مسل وثقافي ممتع في المسلسل حيث تغرف زوجة الكفيف الأولى الكثير من الأناشيد والأمثال والقصص الشعبية بأسلوب فكاهي، لكن المسلسل لا بناءَ جديا عميقا فيه.
وهو يقدم معلومات مشوهة عن “علم الكف”، وكيف أن القدر الإنساني مرسوم من الخارج سواءً في خطوط اليد أم في الأبراج، ويدعم ذلك بفكاهات تحاول إدخال مثل هذه الخرافات في العقول.
نجد في المسلسلات صور الشوارع العربية التي تتفاقم فيها المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، فالجماهير الفقيرة المنهكة في كل مكان، رغم قيام الحبكات الدرامية بعزل صور الشخصيات والأحداث عن عمق هذه المشكلات والقضايا، فالمسلسل كغيره لا يعتمد على شخوص تقاوم أو تفعل شيئاً مؤثراً.
تعتمد المسلسلات على حكايات ضحلة، هي نفسها حكايات الغرام، وصراعات العائلة، فهناك دائماً قصة حب تحولُ بينها عواملٌ داخل الأسرة كالأب المسيطر الريفي في مسلسل “أفراح ابليس”، والصراع في المسلسل لا يعدو أن يكون صراعاً بين عائلتين كبيرتين في الريف على ملكية أرض ويتجسد الصراع في علاقات الزواج غير الموفقة التي تدوم حلقاتها ويومياتها الباردة طويلاً، ولكن ليس ثمة أي تغلغل في قضايا الريف الذي هو موقع المسلسل بل لا يكاد الريف أن يظهر.
والعودة للعلاقات العائلية والزوجية والبقاء عند هذا المستوى هي عودة لأفلام الأربعينيات والخمسينيات، ولكن تلك كانت عبر تمثيل قوي وقصص درامية، أما هنا في هذه المسلسلات فمجرد إحداث تمطيط من أجل الوصول إلى عدد ليالي الشهر، فنجد أن أسباب الخلافات ذاتية، كوجود شخصية شريرة في العائلة الأخرى يغذي دوماً أسباب الصراع، من دون أن يتحول أو حتى يغير ملابسه الفضفاضة.
وقد اعتمدت المسلسلات السورية الاجتماعية على مثل هذه العروض الشخصية والجزئية الخالية من أي صراع اجتماعي.
وهذا ما يجري في مسلسلات مصرية أخرى مثل “ما ليش غيرك”، وفي هذا المسلسل (تتفجر) الأحداث في البداية بسبب قتل شاب يعمل في المزرعة لمالكها بشكل مصادفة فجة، فالشاب يعرضُ عليه في الحقل انه يريد الزواج من ابنته فرفضه بشدة وضربه فما كان من الشاب سوى أن قتله، ولكن هذه الفجاجة في البناء الدرامي اُعتمدت أساساً لتطور الأحداث التالية التي لم يكن فيها سوى حس الانتقام والتلاعب به، ثم علاقات الزواج المتداخلة.
ليس ثمة وقائع موضوعية، وتصرفات قائمة على نضال وتحد من القوى الشعبية، أو بناءات على شخصيات نموذجية تعطي أمثولات كبرى، بل تسود الاعتباطية والمصادفات والنماذج الانتهازية التي تـُبنى من دون أي أساس.
يتغير المكافح ويصير مشعوذاً في غمضة عين تاريخية، والعامل يصيرُ قاتلاً، والمحامي المدني في “ابن الأرندلي” يتلاعب بالبيضة والحجر، بل بمجموعة من النساء والثروات التي تبلغ الملايين، وفي أزقة اجتماعية مجدبة، لا تنتج قيمة بعد كل هذه البهلوانيات المرحة والمقالب والمساخر. صحيح ان الأداء هنا قوي وحيوي، لكنه يقوم فوق حالات اجتماعية اعتباطية.
ويصبح المحامي قناص الثروات مزواجاً ونحن نتابع زيجاته وتهريجه بانتظار دلالات ما عميقة من دون فائدة.
وفيما يكون إنتاج القطاع الخاص بهذا الاحتفاء بالسحر والدجل والمصادفات والأقدار تعبيراً عن غياب أي مشروع نهضوي، بل هو البحث عن الربح الموحل، يعرضُ القطاعُ العامُ المصري بالتعاون مع القطاع الخاص، مسلسلاً قيماً هو “صراع الجواسيس”، يؤكد فيه قيم التخطيط والعلم والنضال.
فهنا يغدو الصراع ضد جهاز الموساد الإسرائيلي ليس قدريا بل هو جزء من انتشال شاب مصري مهاجر من الشبكة التي وقع فيها، والتي تضافرت وقتذاك مع احتلال سيناء والهجمات الوحشية على العمق المصري مثل قتل العمال وضرب مدن القناة، وتتحول كل حلقة إلى سفر وتصوير في بلدان أوروبا التي جرت فيها عملية الصراع هذه، وبناء شخصيات دقيقة وأحداث متنامية متوترة، ويقوم المعمار الفني على شخصية فتاة “سامية فهمي” هي ابنة لعائلة وطنية ذات جذور ثقافية صلبة، تنخدع بشخصية الحبيب المتهافت الذي يصير جاسوساً، فتصارع أشلاءها وحبها وحياتها من أجل أن تـُفشل هذا الاختراق.
لقطاتٌ دقيقة جمالية، وشخصياتٌ مرسومة بعمق، وأداء متطور، وضمن عقلية موضوعية وطنية تسيطر على واقعها.

صحيفة اخبار الخليج
14 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

حركات عابرة للحدود

هناك حركات لا يمكن إلا أن تأخذ الطابع العالمي، طبيعتها تحمل في ثناياها فكرة التضامن بين المنخرطين فيها، وهي إن انطلقت من بيئات محض محلية، سرعان ما تجد حركات قرينة لها في أماكن أخرى من الكوكب، تفكر بالطريقة ذاتها، وربما تستخدم الآليات نفسها في العمل والتعبئة. منذ القرن التاسع عشر وربما قبله لم يكن من الممكن أن يجعل العمال على مستوى أوروبا وأمريكا واستراليا وسواها من يوم العمل ثماني ساعات فقط بعد أن كان يمتد نحو نصف اليوم أو أكثر لولا التضامن بين عمال هذه البلدان. في ظرف اليوم ازدادت هذه الفكرة رسوخاً، فآليات العولمة، رغم أنها في الجوهر عنت تدويل رأس المال العالمي وفتح الأسواق وتحويل العالم برمته إلى سوبر ماركت واحد كبير يبيع ذات السلع وفي كل مكان، إلا أن العولمة حملت معها نقائضها أو فلنقل أعراضها الجانبية كتلك الآثار الناجمة عن تناول دواء ضد مرض معين، فيحدث أن يحمل معه آثارا أخرى على جسم المريض لا فكاك له منها إن أراد تناول هذا الدواء. ولم تعد حركة العمال والفئات المهمشة وحدها هي التي تحمل الطابع التضامني العالمي، وإنما هناك حركات أخرى لا تقل أهمية كالحركة النسوية وحركة مناهضة الفقر، وفي مقدمة هذه الحركات حركة الدفاع عن البيئة، التي أنشأت ما يشبه “الأممية” الخضراء الجديدة التي تعم العالم، في مواجهة المخاطر المحدقة التي تواجه الحياة بسبب استنزاف ثروات الكوكب التي ستفنى إذا ما استمرت معدلات الاستهلاك الجنوني الراهنة. في “ما لا تقوله الكلمات”، وهو كتاب يقدم بعض الطرق للحد من سوء تفاهم الثقافات وضعه اديث سيزو يلاحظ أن فضائل العولمة يبشر بها أولئك الذين يفيدون منها، أي أولئك الذين في متناولهم السفر من طرف الكوكب إلى طرفه الآخر، وبالملاحة في فضاء الانترنت، والذين يفيدون من المبادلات العالمية لمنتوجات وخدمات اقتصادية، تقنية وفكرية وفنية. مع ذلك فلنراهن على أن المضمون الفعلي لما هو عملي وما هو محلي يختلف اختلافا ملحوظاً. إن شابا عاطلا عن العمل في الهند أو حتى في أمريكا ذاتها لا يمكن أن يفكر بالطريقة التي يفكر فيها موظف كبير في البنك الدولي!

صحيفة الايام
14 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

أزمة الجامعة أم أزمة الديمقراطية؟

على عكس التوقعات التي كانت ترى ان هناك انفراجاً سوف يحدث في قضية الطالبة نور، فقد جاء بيان جامعة البحرين ليقول ان الحكمة هي السمة المشتركة لكل مؤسسات الدولة، وجامعة البحرين واحدة منها، وان هذه المؤسسات لا تقصر ولا تخطئ وبالتالي فهي لا تتراجع ولا تعتذر، بل ان الآخرين جمعياً، صحافة وطلبة ومؤسسات المجتمع الأهلي الذين يخطئون والذين يجب ان يتحملون مسؤولية أخطائهم.
وليقول لنا بعد ذلك ان هذه القضية ليست فردية ولا تتعلق بطالبة واحدة أو جميع طلاب وطالبات الجامعة والتعليم الثانوي والعالي، ولا حتى بوزارة التربية والتعليم وما تضم من إدارات وهيئات ومدارس، وإنما الموضوع اكبر من كل ذلك بكثير، انه يتعلق بحال الديمقراطية، أو بالأحرى بأزمة الديمقراطية في هذا البلد…
فبيان الجامعة يعترف في بدايته ان انتقاد وإدانة الإجراء العقابي الذي اتخذته ضد الطالبة كان جماعياً، ومع ذلك فالجامعة تمسكت به وثبتته من كافة الإدارات المعنية بها بما فيها رئاسة الجامعة وربما مجلس الأمناء والوزارة، وهو بعد ذلك يرجع سبب اتخاذ هذا العقاب القاسي إلى ان البيان أو المنشور أو الأوراق التي وزعتها نور هي بيان سياسي صادر من جمعية الشبيبة، وبالتالي فان الطالبة تدخلت في السياسة، وان تدخلها هذا “مخالف لقوانين الجامعة التي تنص على عدم شغل الطالب لأي منصب إداري في جمعية سياسية خارج الجامعة وعدم إدخال الشعارات والتوجهات السياسية خارج الجامعة إلى داخل أسوار الجامعة”.
والأدهى من ذلك ان إدارة الجامعة تعتقد ان النقد الذي تضمنه البيان الذي وزعته نور “يتضمن ألفاظا غير لائقة” وانه “يؤدي إلى تأجيج للصف الطلابي ضد إدارة الجامعة، وهذا ما لا تسمح به لا إدارة جامعة ولا إدارة اي مؤسسة أخرى”.
خلاصة هذه العبارات وغيرها التي وردت في بيان الجامعة هي أنها تفكر بعقلية متخلفة ومتزمتة وخارج العصر الذي تعيشه البحرين وهو عصر الإصلاح الديمقراطي الذي يدعم ويحترم ويصون حرية التعبير باعتبارها حقًّا من حقوق الإنسان والركن الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية، وعندما تمنع أو تحرم الجامعة الطلبة من حرية التعبير عن آرائهم السياسية والاجتماعية والوطنية والتعليمية وغيرها فإنها بذلك تقف ضد سياسة الدولة في اعتماد النظام الديمقراطي، وتشجيع نشر الديمقراطية في كل ربوع الوطن، ودعم ممارستها في كل بيت وصرح علمي وتعليمي، وفي أماكن العمل والشارع والأندية والجمعيات.  فالديمقراطية هي مجموعة مبادئ حياتية لا تتجزأ ولا يتم انتقاء الأماكن التي يسمح بممارستها فيها وتلك التي تمنع من دخولها، وحرية التعبير كدعامة أساسية من دعائم الديمقراطية هي تعني أيضا النقد والتخطئة والاعتراض والمطالبة بالإصلاح والتغيير، وبما أنها تسمح وتحترم الراي الآخر فمن حق إدارة الجامعة ان تصدر بياناً مضاداً لبيان الطالبة نور تفند ما ورد فيه من انتقادات، وتناقش ما تضمنه من مطالبات، وتبين ملحوظاتها على ما تعتقد انه عبارات غير لائقة أو تحريضية ضد إدارة الجامعة، ما قامت به الجامعة من ردة فعل عقابي وقاس على مبدأ إصدار بيان الطالبة وما جاء فيه، فهو دليل على ان الديمقراطية لم تدخل جامعة البحرين حتى اليوم رغم مرور حوالي عشر سنوات على المشروع الإصلاحي الديمقراطي، وان هذا الجامعة مازالت تعيش في زمن التسعينات من القرن الماضي عندما كان طلبتها وأساتذتها وموظفوها الذين يعبرون عن آرائهم التعليمية والسياسية يعتقلون ويفصلون من الجامعة، اعتماداً على هذه “اللوائح” التي تعتبرها إدارة الجامعة “قوانين” وأنظمة جهلاً منها بماهية القانون والفرق بينه وبين اللائحة.
وبالتالي فالقضية التي نحن بصددها قد جاءت لتفتح العيون من جديد على ان الإصلاح الديمقراطي لم يدخل بعد مؤسسات الدولة، ولم تعرفه عقول المسؤولين بصفة عامة، فمؤسسات التعليم غير ديمقراطية، ومؤسسات الإعلام لا تمارس الديمقراطية ولا تسمح بالنقد، ووزارات كثيرة مازالت تغضب من الاختلاف معها وتحارب الراي الاخر وتقمعه بأي شكل من الأشكال، أو تعمل على شرائه واستمالته حتى يكثر من الحديث عن “الايجابيات” ويتوقف عن التعرض للسلبيات.  وانه إذا لم تصدر مبادرة أو أكثر تعمل على تصحيح الوضع الحالي، نشر الديمقراطية وفرضها في مؤسسات الدولة وفي عقول المسؤولين وفي القوانين السائدة، فان على شعب البحرين ان يتعامل مع قضية الطالبة نور على أنها أزمة ديمقراطية وقبل ان تكون ازمة جامعة، وان الإصلاح الديمقراطي الذي بشرنا به لم يلامس إلا القشور…           

صحيفة البلاد
13 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الحرس “الثوري” يتقدم أكثر نحو السلطة

تداخلات وتناقضات غريبة تجري في الحياة السياسية الإيرانية العامة، لكن ما هو واضح هو أن كتلة الدينيين، أي قوى المراجع الكبيرة، قد أخذت تفقد السلطة بصورة واضحة، وأخذت مؤسسة الرئاسة كتعبير متوار حتى الآن للحرس تفرضُ نفسها بقوة.
إن اتخاذها إجراءات علمانية كترفيع النساء، يؤكد رفضها التبعية للمحافظين الدينيين الذين ساندوها، فارتفعت فوق أكتافهم ورفضت توجيهاتهم، ثم خضعت لهم بعد توحدهم ضدها.
قريب الرئيس نجاد لايزال مستمرا وهو لم يتراجع عن تصريحاته المؤيدة لإسرائيل.
توجه الرئيس – قبل فترة – لتعيين نائبة له.
انفضاضُ كثيرٍ من المحافظين عن تأييد الرئيس، فالرجل يتوجه لتجاوزهم.
تبدو السياسة الدينية المحافظة (المستقيمة) قد حُجمت، وظهرت سياسة دينية براجماتية يمينية، ترفض الديمقراطية وتعلي حكم العسكر.
أصبح الدينيون منقسمين ومضطربين متصارعين وهو ما كان يعملُ الحرسُ الثوري على خلقه بينهم، كما وُسع هذا التغييب عبر تصفية الكوادر السياسية القيادية المؤيدة لنهج التغيير، وفصل الموظفين الكبار في وزارات مهمة كالداخلية والخارجية.
إن الدولة – عبر هذا النهج المتسرب في عظام النظام السياسي – تريد نهجا عمليا محددا، ومن الضروري أن تقاربَ الدولَ العسكرية في الشرق بتوجهها التقني وبتطويرها للاقتصاد العسكري، وهذا ما لا يستطيع الدينيون قيادته وحسمه.
كان الصراع مع القوى الحكومية المدنية الدينية قد بين أن العسكريين هم القابضون على تروس الدولة، وهم الذين يستطيعون تحريكها تجاه أي رقاب وأي قوى، ولكن القوى الدينية المسيطرة ايديولوجيا على النظام راحت تتصارع، وتتفتت، فصعدَ العسكريون وغدت لهجة الرئيس أكثر قسوة ضدهم، وأقل احتراماً.
وربما حسنت عملية خفض مواقع الدينيين من صورة الرئيس، وقد قام هو بذلك للتنفيس عن الناس، وبالادعاء أن الرئيس وجماعته أصحاب نظام مدني حديث، وهي عملية خداع وجذب لبعض القوى المدنية، لكي تنفذ الحربة العسكرية في جسم الشعب أعمق مما نفذت.
إن القوة هي التي تحسم، خاصة أنها قوة ووراءها مؤسسات شعبية كبيرة، ويتحول حتى المرشد الأعلى إلى مجرد رمز، وغدت حتى اعتراضاته لا يؤبه لها من قبل الرئيس الذي غدا متغطرسا بسبب القوة الحقيقية التي تقف وراءه، وبسبب انتقادات المرشد له.
لقد أعطى الدينيون أنفسهم الحرسَ إمكانية قمع الجمهور الثوري وسحقه، فقاموا بخطأ المجلس النيابي نفسه في زمن نابليون الذي أمره بقمع الجمهور الثوري، فتحول نابليون بعد أن حقق المهمة القذرة إلى أن يكون هو الطاغية ضد هذا المجلس نفسه.
يتوجه النظام الإيراني لأن يكون على الطراز الروسي، نظاما عمليا، تحركهُ القوى العسكرية والاستخباراتية العليا، وقد تراجع موقع الحزب فيه، وهنا في إيران يتراجع موقع الدينيين والحزب الجمهوري الإسلامي، وفي هذا جوانب متناقضة سلبية وإيجابية.
ولكن الخطورة الكبيرة تكمن في مدى مشروعاتهم العسكرية والتوسعية، فقد نشهد مخاطر جسيمة على السلام من قبلهم ومن قبل مغامراتهم.
إنها تجربة مماثلة لروسيا وتتجسد على صعيد آخر من خلال مناوئة الغرب واتخاذ طريق مستقل غير ديمقراطي عنه، رغم أن روسيا مرنة أكثر من إيران بهذا الصدد، فإن الأمر يتعلق بطبيعة النظام العسكري – الصناعي الإيراني الوليد والمتنامي في دوريه الوطني والإقليمي، الذي تغدو له المؤسسة الديمقراطية ملحقا سياسيا، وقد قام بدوسها في الشهور الأخيرة.
هذا جزءٌ من خلل نظام الدكتاتورية الجماعية الدينية الذي طـُبق، والذي وضع السلطة في يد العسكر والمخابرات.
لا يستطيع الحرس أن يقبض على السلطة بشكل كلي ومباشر حاليا، بسبب بقاء المعارضة المدنية رغم فشلها في التحول لمعارضة شعبية كاسحة، وحين يتم القضاء على هذه المعارضة سوف يلتفتُ الحرسُ للقوى الدينية المحافظة (المعارضة) له ويقمعها، فمن جمع الموارد الاقتصادية والعسكرية لابد له من قطف ثمار السياسة.
إن القوى المدنية المعارضة هي الآن الخصم اللدود له، وهي كلما استماتت في التحدث بلغة دينية فقدتْ الجمهور الذي أرهق من هذه السياسة الدينية وبرامج فقرها، متصورة أن هذه اللغة هي المنقذ لها من القمع، وأنها هي الجسر مع الجماهير، وبهذا سوف تذبل من الذاكرة السياسية ومن ترك أي شيء سياسي مهم.
فكان يُفترض أن تهاجم بقوة مفردات النظام الدكتاتوري الديني وتكشف الفئات الاستغلالية فيه وتدعو إلى تغييره وإلى نشر الحريات بقوة، لكن تشبثها بالدكتاتورية الدينية كسلطة أفقدها تميزها المنتظر.
ستكون الضحية التالية للحرس هي شيوخ الدين المحافظين وستكون الأزمة الكبرى هي موقع المرشد الأعلى في حالة غيابه المنتظر المتعدد الأسباب، حيث سيحدد المرشد القادم الحرسُ، لتتوجه إيران إلى سيطرة العسكر بصورة مباشرة.

صحيفة اخبار الخليج
13 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

غواتيمالا على خطى تشيلي

تستعيد أمريكا اللاتينية عافيتها السياسية وتاريخية حركتها النضالية من اجل العدالة الاجتماعية التي كانت تتوق لها منذ عهد سيمون بوليفار وهو يؤسس لتحرير القارة من سيطرة الاستعمار الاسباني والأوربي عامة . ويشد رحاله بحلمه لتوحيد القارة، التي ظلت لعقود طويلة منذ موته حتى الان، تتقاسمها شركات الموز والسلاح والقتل والنهب المتواصل حتى باتت القبائل الهندية والتعدد الاثني فيها تعيش على هامش البؤس العالمي بتدني دخل الفرد في اغلب بلدانها والذي لا يتعدى الدولارين إلى ثلاثة دولارات للفرد . ناهيك عن تتالي الأنظمة العسكرية والدكتاتوريات المتلونة التي استباحت حياة الناس وحاولت تدمير كرامتهم الإنسانية بتحويل الإنسان في تلك القارة إلى مجرد سلعة رخيصة بالإمكان رميها في الزبالة، لذا كان من السهولة على من صمموا مشروع الحرب القذرة في القارة في سبعينيات القرن المنصرم، بأن لا ترمش جفونهم ولا تدمع أعينهم برحمة عندما كانوا يقذفون بالمعارضين من الطائرات من مستويات عالية . بل وتفننت فرق الموت في بعض تلك البلدان بقسوتها في حرق المعارضين في الشوارع العامة ، وفي تعذيب وخطف المعارضين سياسيا لهم ، ودون حياء اخفت هوية المفقودين بدفنهم دون اية رموز ودلالات على قبورهم . بين أقبية الموت والتعذيب والقتل والإبادة المستمرة وبين حقيقة التاريخ الذي لا يمكن إيقافه أو منعه من المضي في اتجاه معاكس لك في يوم من الأيام تقف الأيدي القاتلة في قفص الاتهام تنشد الرأفة في الحكم. لهذا لم تكن غواتيمالا في أمريكا الوسطى إلا واحدة من تلك الدول التي سكنتها وحشية الأنظمة العسكرية والأجهزة البوليسية، في حرب أهلية مسلحة دامت 36 عاما بين الحكومة العسكرية والمعارضة التي قاد اليسار جبهتها في الغابات والجبال والمدن والأرياف ، حرب مات فيها أكثر من مائتي ألف إنسان وفقد فيها أكثر من 40 ألف شخص ما زالت السلطات الحالية تفتش عنهم نتيجة ضغط الحركة المناهضة لمرتكبي الجرائم والمدافعة عن الضحايا والانتهاكات، التي حدثت في تلك الحقبة السوداء . تلك الحيوية والنشاط المتواصل في منظمات المجتمع المدني والحقوقي دفع بعائلات المفقودين والقتلى العمل ليل نهار من اجل ملاحقة المتهمين والبحث عن ملفاتهم الخفية. هكذا نطق القاضي في محكمة غواتيمالية بسجن فيليب كوسانيرو لمدة 150عاما، أي بالحكم خمسة وعشرين عاما عن كل شخص منهم، لضلوعه تصفيته ستة أشخاص من النشطاء الفلاحين ضد النظام بعد تعذيبهم وإخفائهم بدفنهم ليلا، فلقد كان واهما كوسانيرو ، احد رجال الاستخبارات المدنيين، إن الظلام سيكون حاجبا على فعله وبأن الزمن كفيل بتدمير منطقة النسيان !! وبمثل ما الجرائم لا تتساقط بالتقادم، فان الذاكرة الإنسانية ومرارة العائلات لا يمكنها أن تنام أبدا من جراء الفجيعة. اليوم يتم في بلدان عدة من القارة المحاسبة بهدف إغلاق ملف إنساني ساهم على بناء الحقد الاجتماعي بين الناس والسلطة الحاكمة وتحول الصراع السياسي والحوار السلمي إلى صراع للقتل والعنف والموت. في ” جواتالوم ” تلك القرية الغواتيمالية ما بين عامي 82-84 شهدت لحظة الاختفاء والموت فكان صمت الليل يخفي أنين البشر وهم تحت التراب . ولكن لجان حقوق الإنسان بمحاكمة المنتهكين للعدالة والقانون. تواصل بإصرارها على محاكمتهم لجرائمهم في ظل القضاء والقانون العادلين، من اجل تقديم عدالة إنسانية لعائلات الضحايا. والخروج من شبح الماضي نهائيا والدخول لمستقبل أفضل وحياة جديدة تختفي فيها كل أشكال الانتهاكات الإنسانية والمجتمعية . وفي الوقت الذي نطق فيه قاضي المحكمة في غواتيمالا، كان قضاة تشيلي يستكملون ملفاتهم التي بدؤوا فيها منذ وقت طويل بتقديم رجال من الجيش والقوات الجوية ووكالة الاستخبارات السرية التشيلية ، الضالعين بتصفية وتغييب المئات وإخفاء ما يقرب من 3197 شخصا دفنوا بعد التعذيب دون معرفة مكانهم ودون شواهد على قبورهم ودون صلاة قداس على أرواحهم، مما ترك العائلات طوال الوقت تواصل البحث عن قبور وأمكنة أحبائها . وتعتبر مذكرة التوقيف الصادرة بتاريخ 3سبتمبر2009 من قبل القاضي فيكتور مونتيغليو ثاني اكبر مذكرة من حيث عدد الموقوفين ( 129 موقوفا) بتهمة تصفية المعارضة السياسية في تشيلي إذ كان عدد المذكرة الأولي (74 موقوفا ) والتي قدمها نفس القاضي سنة 2007 . ولم تترك فرق الموت في حروبها القذرة أي إنسان يعارضها سياسيا، بعد إن حولت بلدانها إلى جحيم، كما أشارت الروائية التشيلية إيزابيل الليندي في روايتها ” بيت الأشباح ” حيث صار البيت / الوطن الرمز المقابل للبيت مجرد مكان للكوابيس الحائمة لاختطاف أرواح الناس الأبرياء . ولم تخرج تشيلي حتى الآن من جراحها العميقة التي عاشتها لمدة طويلة منذ حكم الدكتاتور بينوشيت، المفقودون وحدهم يشكلون علامة فارقة في محطة التاريخ السياسي العدواني والوحشي عن كونهم بشر بلا هوية في مماتهم ، ولكنهم نصف موتى ونصف أحياء إلا بعد أن تتم معاينتهم كحقيقة ملموسة، لكي يتم تسجيلهم في دفتر الوفيات بعد صلاة الرحمة وشاهد رخام منقوش بتاريخ واسم الضحية .
 
صحيفة الايام
13 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

جودة التعليم على المحك!

يبدو أن التوجه الرسمي نحو تحقيق جودة التعليم قد تسارعت خطاه خلال الفترة القليلة الماضية، فبعد أن كانت السياسات التعليمية طيلة العقود الثلاثة الماضية، في مجملها تعتمد لغة شعاراتية خالصة، يبدو أننا أخيرا أصبحنا نتجه ناحية تفعيل الكثير من القرارات التي ظلت مجمدة لفترات طويلة نتيجة لغياب الرؤية الشاملة وعدم وضوح الأهداف، أما وقد أصبحت لدينا الآن رؤية اقتصادية تنموية تمتد حتى العام 2030 ، فان الأمر لابد له أن يختلف، وتلك إيجابية يجدر تشجيعها والتأكيد عليها، شريطة أن تكون تلك الرؤية والأهداف واضحة وتتكامل مع توجهات التنمية الشاملة التي لا يمكن عزل مكوناتها عن بعضها كما كان يحدث في السابق، والأمر الآخر هو أن رؤية البحرين الاقتصادية هذه، والتي تعتمد في جزء رئيس منها على جودة التعليم ومخرجاته، لا يجب أن تطولها عوامل التعرية أو حتى تعارض المصالح وتداخلها، كما حدث لمشروع آخر مهم كمشروع تنظيم سوق العمل، الذي تتباين حوله رؤى متعددة سلبا وإيجابا شأنه شأن أي مشروع آخر، لكنها أفصحت عن إعاقات حقيقة له منذ البدء، ولذلك مسببات لا يمكن إغفالها على أية حال، خاصة عندما تتشابه ردّات فعل المعنيين في المشروعين. جودة التعليم باتت أمرا مطلوبا بشدة سواء في ظل وجود رؤية اقتصادية أم في عدم وجودها، وذلك بسبب ما افرزه الواقع من عيوب وتراجعات في هذا الجانب، بدأت بواكير ملامحها منذ أن تبنت الدولة ومنذ نهاية السبعينات مشروع العشرة الآف متدرب الذي انتهى كما انتهى غيره دون إبداء الأسباب، وكذلك مشروع مثل تطوير التعليم الصناعي الذي كم سمعنا عنه الكثير دون أن نلمس وجوده على أرض الواقع، ودون أن تساءل الميزانيات التي رصدت للمشروعين، ويبدو واضحا أن احد أهم الأسباب هو عدم الجدية الدولة حينذاك في التعاطي مع أمر التعليم العام والتعليم الجامعي فيما بعد، مما فرخ أجيالا من أنصاف المتعلمين غير القادرين على مسايرة عملية التنمية التي شهدت قفزات نوعية فضحت جودة السياسات القائمة وعرت عيوبها. لم نستغرب أبدا ردود الأفعال التي انتابت بعض القائمين على بعض جامعاتنا ومدارسنا الخاصة التي نشأت وتوالدت في العقد الأخير كالفطر، دون مبرر مفهوم سوى الفراغ الذي أوجده غياب الرؤية التعليمية الواضحة، ومحاولة الاستفادة مما وفرته الدعوات المسلوقة للاستثمار في التعليم من فرص مواتية لبعض من يمتلكون رؤوس الأموال، وليس بالضرورة القدرة والطموح على تطوير جودة التعليم، للدخول في هذا المجال للاستفادة مما تدره من عوائد استثمارية مجزية، مستغلين النقص الحاد في قنوات التعليم العالي في البحرين التي لديها جامعة وحيدة أنشئت لتتسع لثلاثة الآف طالب لكنها أصبحت مجبرة على استيعاب ما يربو على العشرين ألفا! علاوة على ما وفرته الظروف المواتية القادمة من دول الجوار من فرص واعدة للاستثمار المرتجل في التعليم الجامعي تحديدا. وتأسيسا على هذا الفهم ندرك أيضا كنه الاعتراضات التي تابعناها عبر وسائل الإعلام من قبل غالبية المستثمرين في المجال التعليمي، والذين يبدو أن قرارات مجلس التعليم العالي الأخيرة قد داهمتهم دون مجرد الاستعداد للتعاطي الايجابي معها وهم الذين اعتادوا العمل وتحقيق الأرباح دون حسيب أو رقيب بحسب ما كشفته التقارير الصادرة من نواقص لا يمكن القبول باستمراريتها. نشد على أيدي المسؤولين عن جودة التعليم رغم أنهم غابوا طويلا عن دائرة الفعل البناء، حتى جاءت رؤية البحرين الاقتصادية لتزيل غبار سنوات من الإهمال والعبث، ولا مجال هنا للعواطف طالما قبلنا بضرورات وأهمية التغيير نحو الأفضل، ونثق أن أمام البحرين فرصا تبقى واعدة كي تعود مجددا مركز استقطاب حقيقي للاستثمار في التعليم العالي والجامعي، شريطة الاستمرار في تحقيق شروط المساءلة وعدم التراخي في القرارات .
 
صحيفة الايام
13 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

عن الجامعة والطلاب:النظرة الأبوية

ارتبطت الحركة الطالبية دائما، في العالم قاطبة، بالحراك السياسي. فالجامعة هي الخزان البشري الهائل الذي تصب مياهه في بحر السياسة، قدر ما هي المقلع الذي تنطلق منه “احجار” البنيان الوطني في مختلف البلدان. فطلاب اليوم هم حكام الغد: رؤساء ووزراء ونوابا واداريين وقادة رأي.
واذا كان من غير المنطقي ان تكون السياسة هي “المقرر” الوحيد في ذهن الطلاب، وعلى حساب تحصيلهم الدراسي الجامعي، فمن غير المنطقي، بالتأكيد، ان يحال دون الطلاب والتطلعات السياسية.
ولعل مراجعة لكبريات القضايا والبحوث والانجازات والتطورات العالمية في القرن العشرين الماضي تكون كفيلة باظهار ان تلك كلها نشأت في الجامعة افكارا وطموحات واحلاما قبل ان تتبلور حقائق ملموسة كان لها اثرها الفعال في تغيير حركة التاريخ… ولا ضرورة للامثلة فهي في متناول الجميع.
فمن الجامعات انطلق ربيع باريس في العام 1968 وكان له تأثير خطير في تغيير وجه فرنسا. حتى ولو سبقت الاتهامات بان وكالة المخابرات الاميركية كانت المحرك الخفي لتلك التطورات بالغة الاهمية، نكاية بالكبير الكبير الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول.
ومن الجامعة اللبنانية (الوطنية الرسمية) انطلق في العام 1970 “ربيع” آخر… وانبثقت منه “حركة الوعي” التي صار قادتها رجالات النخبة السياسية والثقافية والاجتماعية.
ولن يغيب عن الاذهان مشهد وزير التربية “انذاك” غسان تويني وهو يحاور الطلاب داخل الجامعة، فيفترش واياهم الثرى، ويجلس معهم على ادراج الباحات الخارجية، فيستمع اليهم ويسمتعون اليه ويناقشهم، ويوسع صدره لـ”زلات” السنتهم احيانا، فيتقبل ذلك برحابة وترحاب، وينقل مطالبهم الى مجلس الوزراء… ولم يكتف بهذا، بل يختار من بينهم كوكبة من الاكثر جرأة والاشد “وقاحة”، اذا صح التعبير، ويوظفهم في “النهار”.
هذان مثلان من غرب وشرق عن التعاطي مع الطلاب… ولو شئنا ان نعدد لاعطينا عشرات النماذج. والا انه لا يفوتنا ان نذكر ان الرئيس الاميركي باراك اوباما خصص يوم اول من امس الاربعاء، حيزا ثمينا من وقته للقاء الطلاب والتحاور معهم في الموضوعات التي تعنيهم، وما يعني الطلاب ويستأثر باهتمامهم يعني، بالضرورة الواجبة، الامة برمتها. ولعل الموضوع الابرز في حوار البيت الابيض كان “الطلاب والسياسية”.
نسوق هذه العجالة لمناسبة ما يشهده المجتمع البحريني هذه الايام مما تعارفوا على تسميته بـ “ازمة الطالبة نور” ولا نبالغ اذا دعونا الى المرونة والتعامل مع الاجيال الصاعدة بروية وهدوء وتفهم وخصوصا بمحبة ابوية. ونحن نعرف، عن قرب، ان ثمة قيادة في البحرين ترى الى الشعب من منظار ابوي. والطلاب هم الشريحة الاولى بالحصول على هكذا نظرة.
 
صحيفة البلاد
12 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

نور حسين وعقاب جامعة البحرين

بدا قرار جامعة البحرين بحق الطالبة نور حسين شديدًا على غير العادة، فالطالبة التي ارتكبت جرم توزيع بيان طلابي يعبر عن هموم شريحة من المجتمع، والتي رفضت التوقيع على محضر للجنة تحقيق كتب فيه ما لم تقله وشطب منه ما سألت عنه من انتماءاتها السياسية والآيديولوجية، كان جزاؤها أن تحذف درجاتها من الفصل الدراسي الماضي كاملةً على رغم نجاحها فيها.
موضوع نور لم يعد شخصيًا، ولم يعد يعنيها وحدها، بل يعني آلاف الطلبة المنتسبين إلى جامعة البحرين، الذين قد يتعرضون للموقف ذاته أو ربما موقف شبيه، نتيجة نقص درايتهم بقوانين الجامعة وأنظمتها الكثيرة والمتشعبة.
لكن اللافت أن من ترأس لجنة التحقيق هو مسؤول في دائرة التوجيه والإرشاد في الجامعة، ومع ذلك لم تتضمن توصيات إدارة الجامعة تجاه نور أية توجيه أو نصيحة أو إرشاد، بل قرارًا قاسيًا جاء نتيجة ما وصفته الجامعة بأنها «لم تبدِ ندمًا ولا أسفًا تجاه فعلتها تلك».
التعبير عن هموم الطلبة ومشكلاتهم وهواجسهم أمر طبيعي داخل الحرم الجامعي وخارجه، إذ لا توجد مؤسسة كاملة خالية من النقصان. كما أن حرية التعبير عن الرأي مكفولة بشروط وأسس. ربما تكون اللغة المستخدمة في البيان غير موفقة، غير أن مضمونه لم يكن سيئًا، بل واقعًا يعيشه الطلبة في جامعة البحرين، في كلية العلوم التطبيقية ومستقبلها الغامض، وفي خفض الدرجات المعروف بـ «الكيرف داون»، وفي قلة صلاحيات مجلس الطلبة، وغيرها مما شمله البيان.
وإن كان توزيع البيان خطأ، فإن الخطأ لا يعالج بخطأ أكبر منه؛ إذ يمكن نصح نور وتوجيه اللوم لها، ثم توقيعها على تعهد بعدم توزيع بيانات شبيهة داخل الحرم الجامعي الذي يمنع مثل هذه الأمور، ثم اتخاذ قرار أكثر صرامةً وشدةً لو عاودت التكرار. ولكن أن يتم اتخاذ قرار صارم بهذه الطريقة منذ المرة الأولى فذلك يثير علامات استفاهم متعددة لدى الطلبة.
فبعض الطلبة يرى أن عقاب نور رسالة من إدارة الجامعة لكل من تسول له نفسه الاختلاف مع الجامعة أو توزيع بيانات طلابية شبيهة، وخصوصًا أن الجامعة قد اكتفت بتأنيب الطلبة الذين يوزعون أشرطة ومنشورات دينية ليست الجامعة هي المكان الأمثل لها، فقد اتخذت قرارًا شديدًا تجاه طالبة جلّ ما فعلته توزيع بيان آمنت بمحتواه الذي يعني كل الطلبة.

صحيفة البلاد
11 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

الــــعـــمـــلــيـــــــات الانـــتــحــــاريـــــة

قبل بضعة أسابيع‮ (‬17‮ ‬يوليو‮ ‬2009‮) ‬تناولنا باستفاضة،‮ ‬في‮ ‬مقال بعنوان‮ ‘‬شبح الموت الذي‮ ‬يطارد العراقيين‮’‬،‮ ‬الحرب القذرة وغير المعلنة التي‮ ‬تشنها مجموعات إرهابية ضد فقراء وبؤساء العراق من المدنيين العزل الذين لا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالحرب الأيديولوجية الإقليمية،‮ ‬وتجسيداتها الباردة والساخنة في‮ ‬أكثر من ساحة عربية وإسلامية‮.‬ وقد أردنا حينها من ذلك التنبيه ولفت الأنظار الهائمة وغير المكترثة إلى المخاطر الكارثية التي‮ ‬تشكلها هذه العمليات الإرهابية الغادرة على مجمل الأمن القومي‮ ‬العربي‮ ‬وكل المكتسبات التنموية،‮ ‬الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي‮ ‬راكمتها المجتمعات العربية على مدى سنوات تعميرها في‮ ‬العصر الحديث‮.‬ اليوم نعيد طرق الموضوع بعد أن تحولت العمليات الإرهابية إلى طقس تدميري‮ ‬مجنون‮ ‬يُغرَّر به مئات الشباب العربي‮ ‬والمسلم في‮ ‬كافة البلدان الإسلامية وبلدان المهجر التي‮ ‬فتحت أبوابها للعرب والمسلمين للعمل وبدء حياة جديدة لهم فيها،‮ ‬وبعد أن تحول هذا الطقس إلى فيروس‮ ‬يوشك أن‮ ‬يصير وباءً‮ ‬يأتي‮ ‬على الأخضر واليابس في‮ ‬بلاد العرب والمسلمين‮.‬ الخطورة في‮ ‬هذا الأمر هو نجاح الجماعات الإسلامية الإرهابية التي‮ ‬تُنعت تلطيفاً‮ ‬ومداورةً‮ ‬بالتشدد والتطرف،‮ ‬في‮ ‬تحويل هذا الطقس العدمي‮ ‬إلى ثقافة مؤسسة أيديولوجياً‮ ‬دينياً‮ ‬ومحقونة بمرغبات ومحفزات أخروية على أيدي‮ ‬شيوخ التنظير والإفتاء الإرهابي‮ ‬الذين‮ ‬يجهدون ليل نهار في‮ ‬إضفاء المسوح الدينية على تخريجاتهم التكفيرية وخلع نعوت الجهاد والاستشهاد على الأعمال البربرية التي‮ ‬ينفذها تلامذتهم انصياعاً‮ ‬لتكليفاتهم‮ ‘‬الشرعية‮’!‬ وهذا ما‮ ‬يفسر ذلك المخزون الغزير من الانتحاريين الذين‮ ‬يقذف بهم مشايخ التكفير والتدمير الشامل في‮ ‬ساحات‮ ‘‬الوغى‮’.. ‬في‮ ‬العراق وباكستان وأفغانستان ومصر والسعودية والمغرب والجزائر وموريتانيا واليمن والكويت والأردن وتونس والهند وكشمير وأندونيسيا وتايلند وبريطانيا وأسبانيا ونيجيريا وغيرها من البلدان التي‮ ‬تستهدفها المجموعات الإرهابية لأي‮ ‬سبب،‮ ‬ولأتفهه حتى،‮ ‬كما حصل مع فرنسا التي‮ ‬تلقت تهديدات من أعلى قيادات التنظيمات الإرهابية بشن هجمات إرهابية داخل أراضيها لمجرد أنها حظرت النقاب في‮ ‬إطار منعها للرموز الدينية كما هو حال القلنسوة اليهودية والصليب المسيحي‮ ‬وبما‮ ‬يتفق مع ممارستها لسيادتها على أراضيها وليس أراضي‮ ‬الآخرين‮.‬ وبموجب فتاوى تكفير وإجازة قتل الآخر المُختلف فقد تم إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الأرواح في‮ ‬العديد من بقاع العالم على أيدي‮ ‬آلاف الانتحاريين الذين تم اللعب بعقولهم وتحويلهم إلى قنابل بشرية‮ ‬يستخدمها أولئك المشايخ،‮ ‬سواء منهم القابعون‮ ‘‬تحت الأرض‮’ ‬وخلف جدران التخفي‮ ‬في‮ ‬المناطق الجبلية والقبلية هنا وهناك،‮ ‬أو المقيمون بين ظهرانينا‮ ‬يعيشون ويهنأون بحياتهم اليومية الرغيدة،‮ ‬بل ويتبوأ كثير منهم مناصب رسمية دينية ومدنية داخل مؤسسات الدول المفترض أنها تناهض الإرهاب بكافة أشكاله،‮ ‬على الأقل وفقاً‮ ‬لخطابها المعلن‮.‬ الغريب والمثير أن هذه العمليات الإجرامية المدمرة،‮ ‬وهذا التحشيد والتحريض عليها وتعبئة طوابير الانتحاريين للزج بهم في‮ ‬صومعة التقتيل والتدمير،‮ ‬لا تلقى الرد المناسب والموازي‮ ‬لعِظم خطوبها من جانب السلطات وأجهزة الميديا العامة والخاصة وقوى المجتمع النافذة دينياً‮ ‬ومدنياً،‮ ‬ولكأن الجميع‮ ‬غير مكترث البتة للسموم الخطرة التي‮ ‬تنثرها هذه المجاميع الإرهابية‮.‬ بل إن أجهزة الميديا،‮ ‬العامة والخاصة،‮ ‬لا تتردد في‮ ‬التماهي‮ ‬عاطفياً‮ ‬مع أعمال هذه المجاميع،‮ ‬إن من خلال الدعاية بمفردات منتقاة لعملياتها الإرهابية،‮ ‬والتي‮ ‬بالمناسبة‮ ‬يندر أن‮ ‬يُخلع عليها هذا التوصيف،‮ ‬فهي‮ ‬تصنف كعمليات انتحارية وحسب،‮ ‬أو من خلال بث وإذاعة أنباء ومقابلات وشرائط ونقل تصريحات زعماء المنظمات الإرهابية واستدعاء واستدرار تعاطف الرأي‮ ‬العام معهم‮. ‬كما‮ ‬يقدم بعض أجهزة الميديا العربية العمليات الانتحارية في‮ ‬قالب تبريري‮ ‬فاقع‮ ‬يقارب المفهوم المتداول للجهاد هذه الأيام على منابر الدعوة والتعبئية وفي‮ ‬الميديا بأنواعها‮. ‬ أكثر من هذا،‮ ‬أي‮ ‬أكثر من إسدال ستار الصمت عليها وأكثر من إشهارها وتسويغها إعلامياً،‮ ‬هنالك خطباء مساجد‮ ‬يحرضون عليها شاهراً‮ ‬ظاهراً‮ ‬باسم‮ ‘‬مجاهدة الكفار والمشركين والنصارى‮’ ‬ويتلقون رواتبهم الشهرية من حكوماتهم الصامتة‮ ‘‬المحايدة‮’ ‬إرهابياً‮. ‬وذلك بخلاف المطبوعات من الكتيبات والنشرات والكاسيتات والأقراص المدمجة التي‮ ‬توزع بالمجان،‮ ‬وهي‮ ‬الحافلة بكل أنواع الحض على الكراهية والتحريض ضد الآخر المختلف‮.‬ وما‮ ‬يزيد الطين بلة أن هذا التوجيه والترتيب الأيديولوجي‮ ‘‬البروبغاندي‮’ ‬الممنهج‮ ‬يتسع ليطال المناهج التعليمية التي‮ ‬يجري‮ ‬تلقينها للنشء مذ نعومة أظفارهم‮..‬ وهكذا فالمسألة أو لنقل‮ ‘‬الثقافة الانتحارية‮’ ‬‭-‬‮ ‬إن جاز التعبير‮ ‬‭-‬‮ ‬هي‮ ‬أكبر وأعقد مما قد تبدو عليه،‮ ‬برسم سعة حجم‮ ‘‬المتورطين‮’ ‬والمنغمسين في‮ ‬بذر بذورها وتخليقها ومن ثم إشاعتها على النطاق الواسع الذي‮ ‬هي‮ ‬عليه اليوم‮.‬ ما الذي‮ ‬يعنيه هذا؟ إنه‮ ‬يعني‮ ‬ببساطة أن الإقليم العربي‮ ‬والإقليم الإسلامي‮ ‬الأرحب‮ ‬يضعان نفسيهما في‮ ‬موضع لا‮ ‬يحسدان عليه ويعرضهما لسهام النقد اللاذع من قبل مجتمعات بقية الأقاليم العالمية الأخرى،‮ ‬إذ‮ ‬يعرضان نفسيهما كأصحاب خطاب مزدوج واحد للخارج‮ ‬يجري‮ ‬بموجبه تطمين الأسرة الدولية بأن العالمين العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬يقفان إلى جانب الأسرة الدولية في‮ ‬مكافحتها للإرهاب واستعدادهما الدائم للمساهمة في‮ ‬الجهود الدولية الرامية للتخلص من خطره المهدد للأمن والسلم الدوليين،‮ ‬وآخر للداخل‮ ‬يتماهى،‮ ‬مواربةً‮ ‬في‮ ‬الغالب،‮ ‬مع الاتجاهات الفكرية والتطبيقية للجماعات الأصولية التكفيرية في‮ ‬السر والعلن،‮ ‬بما‮ ‬يجعل من‮ ‘‬المذهب الانتحاري‮’ ‬منظومة فكرية وتربوية وإعلامية ومالية ولوجستية متشابكة لحد التكامل‮ ‬يصعب فصل مكوناتها عن بعضها البعض كما‮ ‬يحدث أحياناً‮ ‬لأغراض شتى من بينها‮ ‘‬الزوغان‮’ ‬عن استحقاق مواجهة المنظومة كظاهرة‮.‬ ولعل هذا ما‮ ‬يفسر عدم حدوث تحرك فردي‮ (‬على مستوى الدول فرادى‮) ‬أو جمعي‮ (‬على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي‮ ‬أو الجامعة العربية مثلاً‮) ‬لتحريم وتجريم العمليات الانتحارية باعتبارها أعمالاً‮ ‬إرهابية،‮ ‬وكذلك‮ ‬‭-‬‮ ‬ترتيباً‮ ‬‭-‬‮ ‬عدم تقديم المحرضين عليها من مشايخ التنظير للإرهاب والدعوة،‮ ‬الصريحة والمغلفة،‮ ‬لإقصاء وتكفير الآخر المختلف،‮ ‬للعدالة بتهمة إثارة الفتن وتعريض الأمن القومي‮ ‬والأمن الاجتماعي‮ ‬للأخطار‮. ‬وعلى ذلك فإن أحداً‮ ‬لا‮ ‬يتوقع أن‮ ‬يتوقف مسلسل المجازر والقتل الجماعي‮ ‬وأعمال التدمير الإرهابية المروعة التي‮ ‬ينفذها الإرهابيون‮ (‬أو الانتحاريون كما‮ ‬يحلو للإعلام المراوغ‮ ‬تسميتهم‮) ‬بتوجيهات من مشايخ التكفير والتحريض ما لم تبادر الحكومات ومنظمة المؤتمر الإسلامي‮ ‬والجامعة العربية لتحريم العمليات الانتحارية قانوناً‮ ‬وميثاقاً‮.‬
 
صحيفة الوطن
12 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد