لا ندري كيف يمكن أو يسمح لقضية توزيع بيوت مشروع إسكاني أن تتحول إلى قضية رأي عام تنضح بالتمييز والطائفية والأسئلة التي لا تجد لها إجابات  شافية من قبل الوزارة المعنية، وتضيع بسببها روح ومضامين المواطنة التي حسبناها وحسبها شعبنا بكل فئاته وتياراته الحية وشرائحه أنها هي من ستقودنا للتأسيس معاً لدولة المؤسسات والقانون.

ليس مقبولا أن يتم الإيغال في تقسيم البلد لصالح نزوات وهواجس مريضة طالما أرهقتنا جميعا نحن أبناء هذه الأرض الذين عرفنا على مر تاريخنا أننا شعب متسامح ومتحد حتى في أحلك الظروف وأصعبها.  مرفوض فعل تلك النفوس المريضة التي ما فتئت تعيث فينا تقسيماً وتخريباً وتمزيقاً وهي تحظى بمباركة جهات رسمية ونافذة، ويتم السكوت على أفعالها تلك  دون رحمة بهذا الوطن وشعبه، أولئك الذين يتوهمون أنه سيظل بلدا تحكمه نوازعهم المريضة تلك غير عابئين بما سيخلده التاريخ من أفعال بل وجرائم بحق شعبنا ووطننا الذي نراه وطنا يحتضن كلا مقوماته وشرائحه دون تمييز، ويرون أرضه وبحره وسماءه ملكا خاصا لهم ولأولئك الذين لا هم لهم ولا هدف إلا تخريب وتدمير كل ما بناه  جميع أبناء هذا البلد دون استثناء عبر تاريخهم الحافل والمشرف  بعرقهم وسواعدهم.

ولأن وطننا وشعبنا يستحق الأفضل دائما فأننا بالتأكيد نرفض تخبط بعض الجهات الرسمية في قراراتها وفي قراءاتها وفي ما تضمره من أمراض – حتى لا نقول من أحقاد- تجاه هذا الوطن وشعبه. فليس منطقياً أن تدار توجهات الدولة الرسمية بالنسبة لقضية مثل قضية الإسكان،  وهي على رأس كل قضايانا المعلقة، بمثل تلك المعايير المختلة، وما يعنيه ذلك من مصاعب جمة أمام الدولة  والناس، الذين لا زال معظمهم يعيشون فترات انتظار تمتد لتصل إلى أكثر من عشرين عاما، حيث لا زالت الدولة عاجزة بالفعل أن تحل تلك القضية المؤرقة للسواد الأعظم من الفقراء ومتوسطي الدخل، مكتفية بتقديم الوعود تلو الوعود دون أن نتلمس من خلالها حلولاً موضوعية. 

 فها هي قائمة المنتظرين تتضخم عاماً بعد عام  دون أمل للخروج منها، فبعد أن كنا نتحدث منذ فترة وجيزة عن وجود أكثر من أربعين ألف من الطلبات على قائمة الانتظار الإسكانية، ها نحن نتحدث عن أكثر من خمسين ألفاً! وبعد حين سنتحدث عن ما يفوق ذلك بكثير والميزانيات المرصودة للإسكان تعجز، وميزانيات التعليم تعجز، وميزانيات الصحة والكهرباء تتهالك فيما تتضخم ميزانيات الأمن والدفاع ويزداد التجنيس السياسي دون رادع، مترافقاً مع غياب أي أفق يسمح لنا بالتقاط الأنفاس والتفكر في واقعٍ باتت حلوله أكثر تعقيداً وتداخلاً، أضف إلى ذلك ما نعايشه من شحة بل وانعدام للأراضي المخصصة للمشاريع الإسكانية وذلك باعتراف  اكبر القيادات الإسكانية فمن أين سيأتي الحل يا ترى؟ لا ندري!

وحتى لا نذهب بعيدا ، كيف يصح  أمر  توزيع وحدات ما كان يعرف منذ  فترة وجيزة بمشروع إسكان القرى  الأربع ( النويدرات والمعامير وسند والعكر) وقد وعد الأهالي عبر مراسلات كانت جميعها تؤكد لهم أن توزيع أكثر من 230 وحدة سكنية في هذا المشروع سيتم على أرضية ما أعلنته وفعّلته الوزارة منذ ست سنوات، والذي تمت تسميته بمشروع امتدادات  القرى. 

فجأة وبدون سابق إنذار يتم التحول  إلى مفهوم أقدمية الطلبات وبشكل استثنائي في هذا المشروع بالذات، وهو في الحقيقة مفهوم لا يمكن أن نختلف حوله وسيبقى مطلوباً، ولكن المشكل في الأمر هو أن تكون هناك انتقائية لمشروع بعينه! مما يطرح معه تساؤلات كثيرة حول حقيقة التوجهات الرسمية ومدى صدقيتها  ومن هي الجهات التي تقف خلف هذه الفوضى التي فقدت عقالها، والتي ما فتئت تبحث لها عن أساليب وطرق  عمل لا تخلو من خبث في تدمير ما تبقى لنا من وحدة مجتمعية وكأن ما نعايشه من انقسام وتشرذم طائفي لم يعد كافياً!

باعتقادي  أن الرسالة التي توجهها الدولة لمن اعتصموا من المحتجين من أهالي القرى الأربع في خيمتهم المهترئة طيلة أكثر من 535 يوما، هي إذهبوا واشربوا من مياه البحر! وإلا ما معنى أن تتعطل لغة الكلام لدى مسئولي وزارة الإسكان؟ ولماذا يتم تجاهل مناشدات البلديين والنواب وقبلهم الناس الفقراء الذين كم حلموا مع أسرهم بقرب نهاية مدد انتظارهم الطويلة ؟!

ليس مقبولاً أن يتم تجاهل كل الأصوات الصادقة التي نادت ولا زالت  بتحقيق العدالة للجميع على قاعدة المواطنة التي يجب أن تكون هي بوصلة من يمتلكون الحكمة في هذا البلد. 

 ذلك نهج مدمر، فتلك القضية وتداعياتها ستفجر حتما المزيد من المعاناة للأهالي وللدولة، وستعزز الفرز الطائفي والغلو والعصبيات المريضة بداء الطائفية والفئوية، والتي يتم اللعب على أوتارها من قبل أولئك الذين يبيعون وطننا كل يوم وكل حين في سوق النخاسة، وستترك بصماتها المسيئة للصورة الحضارية التي كم جاهد شعبنا وقواه الحية لترسيخها حول تسامح وحضارية أبناء هذه الأرض. 

 لم ولن  نكن يوما ممن يصبون الزيت على النار، بل سنظل مطالبين بتطبيق العدالة ومضامين المواطنة الدستورية لكل أبناء شعبنا دون استثناء، ولن نرضى أن تجير القضايا والمطالب المعيشية والحقوقية لتفعل فعلها المسيء في تمزيق وحدة شعبنا وسنظل دعاة وحدة لتماسك نسيج شعبنا، مهما علا الخطب وتعالت الأصوات النشاز التي كم يفرحها هذا الفعل، فهي في المحصلة فئات طفيلية تعتاش على دمار وخراب الديار وتمزيق لحمتنا الوطنية وصولا لأهدافها المرسومة سلفاً، لكنها حتما لا تستطيع أن تبني وطنا طالما منينا النفس بأن نعيش أجمل أيامه التي طال انتظارها.

 
نشرة التقدمي – سبتمبر 2009