المنشور

العدو يأتي من الداخل

لاتزال حكوماتُ المنطقة تعيش على مقولة إن أسباب المشكلات والتمردات تعود للخارج كلية، وإنها بريئة من أي مشكلات، مقولة سمعناها من الحكومة الإيرانية ونسمعها من الحكومة اليمنية في شهور نارية!
إن هذه الحكومات وغيرها المماثلة لا تؤمن بالتاريخ، بوجود بُنى اجتماعية فيها صراعاتٌ وتناقضاتٌ وأنها تتطور أو تتصدع أو تتفسخ حين لا يسمح للقوى الداخلية أن تظهر!
وتؤمن على العكس بأن النظامَ – أي نظام – هو عالمٌ سكوني ثابتٌ راسخ.
رؤية تعود لزمن الفراعنة، وأن الشعوب كم ساكن فارغ، وأنها هي الموجود المطلق المتحد برب الأرباب، وهي رؤية عميقة الاستبداد، ضحلة المستوى، متحجرة، غير إنسانية!
بعد كل جهاد الأديان السماوية، بعد جهاد القرآن ضد الفرعونية، بعد تضحيات السلف والأئمة، بعد نضالات الحداثة وشهداء معارك التحرير، يطل علينا هذا الوعي الذي لا يقبل الحوار مع الشعوب المطحونة بالمدافع والغلاء والاستغلال!
أو يحيل الديمقراطيات إلى لعبة.
كيف تدهورنا هكذا؟
كيف غاب سعد زغلول، كيف مات الوفد، كيف ذبلت الاستنارة، كيف صار مصدق تمثالاً من الشمع، ولماذا (أبطالنا) دائماً من هؤلاء الضباط وأرهابيي الجبال الذين لا يريدون أن يتركونا بسلام، بعيش مثل بقية الآدميين على هذه الكرة الأرضية الفسيحة؟!
ولماذا جاء السلال بتخلفه وفرض تخلفاً على اليمن، ليصير جمهورية القات في أكبر إنجازاته وليتخرج ألوف من مثقفي القات والانتهازية؟!
ويصبحُ ذبحُ الشعب ثورةً، كما يصبح خنق شعب آخر ثورة؟!
لماذا تقوم الجمهوريات، وهي الأمل، وهي الرمز الذي ناضل من أجله الملايين وضحوا، بترفيع المَلكيات وجعلها نموذجاً وبجعل الجمهوريات مسخرة؟!
حين يقول الإعلام الجمهوري مثل بقية الإعلامات إن المشكلات سببها الخارج، وان الجسم الوطني سليم معافى، فهو يرفض أبسط لغة السياسة وكون الصراعات داخلية بشكل رئيسي، وأن التأثيرات الخارجية ممكنة فقط في حالة وجود مشكلات داخلية عميقة، ومن دون هذه المشكلات الداخلية العميقة، يستحيل أن تتحرك قوى شعبية واسعة في البلد.
لا يتم تحويل الجمهوريات إلى مسخرة إلا بتشكيل قمع غير مسبوق في هذه الدول، وتتحول الجيوش إلى عصابات باعتْ الدينَ من أجل الدنيا، وطلبتْ الجنانَ والكراسي والشركات فسلختْ جلودَ الشعوب، وداست على كل قيم الأديان والأفكار الحديثة الإنسانية، لكون ضباطها الكبار الذين لم يعرفوا طريقاً للنعمة، أرادوا الغنى العريض من خلال فوهات الدبابات!
من ثكناتهم المتواضعة، ومن مراتبهم البسيطة، حطموا العلاقات الوطنية والإنسانية، وعبر شعارات ثورية زائفة، يريدون أن يكونوا أرستقراطيةً جديدة!
لكن الشعوب العربية والإسلامية لم تعد هي نفسها مثلما كانت بعقليات طفولية بريئة، تندفع لتأييد البيانات الثورية الصاخبة، والملطخة بالدماء.
العدو لم يأت من الخارج، العدو جاء من تراكم المشكلات الداخلية، من تراكم جبال الفساد، من المناقصات التي لا ترسو إلا عليهم، من الفوائض التي لا تتراكم إلا في جيوبهم.
العدو يأتي حين سدوا كلَ أبواب الكلام والتعبير، مثل مياه سد مأرب، خلقته فئرانُ المطابخ الحكومية، فتفجرَ بينهم وفاض في الحياة الشعبية غضباً.
والغريب أن هؤلاء الغرباء منتجي الفتن القادمين من الخارج كما تقول الحكومات يبقون كثيراً ويحاربون ببسالة، وينتصرون في مواقع كبيرة، فكيف يغدون عملاء من الخارج؟!
العدو يأتي من الفساد ومن التهام الأراضي الخصبة ومن الشطآنِ الغنيةِ مزرعة البنوك والفنادق، يأتي من المحسوبيات الكبرى، حين تكون الميزانية مفتوحةً للبذخ وبخيلةً تجاه حاجات الفقراء، حين يغدو البترولُ نعمةً في جهةٍ ونقمةً في جهة أخرى!

صحيفة اخبار الخليج
28 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

في المسألة الخنازيرية دوليا ومحليا (1-2)

بعد مضي نحو سبعة أشهر على انفجار الضجة العالمية حول تفشي وباء انفلونزا الخنازير الذي انطلق من اقصى غرب الكرة الارضية بالمكسيك لينتقل في غضون اشهر معدودة الى مختلف بقاع العالم وقاراته شرقا وشمالا وجنوبا، لا يبدو ان ما يثار في قلبها على الاصعدة المحلية والدولية من جدل حول مدى مخاطر الوباء الداهمة في طريقه الى الانحسار، بل على العكس من ذلك فإن هذه الضجة آخذة في التصاعد، فمن الجدل الاعلامي العالمي حول مدى درجة خطورة الوباء، الى الجدل حول الاجراءات المبغي اتخاذها عالميا لمحاصرته، الى الجدل حول مدى ضرورة التطعيم لقاحيا لكسب المناعة التي يستعصي على الفيروس اختراقها، الى الجدل والمماحكة حول مدى سلامة هذا اللقاح وخلوه مما يسبب الاعراض المرضية القاتلة التي اعتبرها البعض اشد فتكا من الفيروس ذاته، الى الجدل حول دور شركات الادوية في اثارة الفزع العالمي وتهويلها من وباء انفلونزا الخنازير لانتاج اللقاحات المضادة له وترويجها في الاسواق العالمية بأبهظ الاثمان التي تدر ارباحا فلكية خيالية، الى الجدل السياسي الطبي حول مدى دور المخابرات المركزية الامريكية في تصنيع الفيروس مختبريا وبيولوجيا وتسريبه وفقدانها السيطرة عليه، فيما اتهم البعض الآخر “القاعدة” بأنها وراء تصنيعه بيولوجيا لتفتك به الامريكيين، مثلما اتهمت قبل ذلك بأنها وراء “الجمرة الخبيثة” غداة احداث سبتمبر 2001، ثم ثبت فيما بعد عدم صلتها به.
لقد قلنا في مقال سابق إن كل الفرضيات المطروحة على ساحة الجدل العالمي سواء حول منشأ الفيروس، طبيعيا ام من تدبير جهات بشرية، وحول وسائل واجراءات مكافحته، وحول مدى سلامة هذه الاجراءات وحول مدى وقوف جهات صناعية تجارية في تهويل الفزع العالمي والخوف من الوباء للترويج لصناعاتها الدوائية.. كل هذه الفرضيات لا ينبغي استبعادها من ساحة الجدل حتى تستطيع اثبات قوة صحتها وتماسكها بناء على ما تملكه من حجج وبراهين واسانيد موضوعية غير قابلة للشك، او تعجز هذه الحجج عن الصمود ويثبت بطلانها وتهافتها او يكون بعض تلك الفرضيات او كلها “بين بين” اي فيها نصيب من الوجاهة والصحة وفيها نصيب من المبالغة او البطلان.
ونستطيع في حدود متابعتنا الاعلامية لجديد ومستجدات الجدل العالمي حول تلك الفرضيات ان نوضح ونستنتج ما يلي بصورة المقاربات والترجيحات النسبية لا الاحكام القاطعة مادام الجدل العالمي حول تلك المسألة مازال محتدما ومادام كل يوم تتكشف حقائق جديدة على ساحة هذا الجدل المتواصل حول المسألة الخنازيرية محليا ودوليا:
أولا: ثمة أطباء وعلماء كبار وعالميون يستبعدون اي دور تآمري في تصنيع الفيروس مختبريا ونشره، ويرجحون ان منشأه طبيعي وليس مدبرا. احد هؤلاء الاطباء وهو البروفيسور الروسي العالمي ديمتري فيخروف (عالم متخصص في مكافحة الفيروسات وعلم الأوبئة)، قال: إن فرضية المؤامرة في انتشار او نشر فيروس انفلونزا الخنازير تجعل من المصنعين مختبريا اناسا ساذجين لا يأخذون بعين الاعتبار حتى لو هدفوا توجيهه الى جماعة محدودة فإنه يصعب السيطرة عليه بعدئذ واستبعاد ان يطاولهم الفيروس ذاته في مرحلة من مراحل تطور انتشاره عالميا ليصيب فئات واسعة، هنا ينبغي التذكير تاريخيا – والكلام لكاتب السطور – انه حينما ارادت الولايات المتحدة قصف هيروشيما بالقنبلة الذرية كسلاح ابادة شامل فتاك، فإنها اوعزت للطيار بإلقائها من مظلة لكي لا تسقط فورا وتصل اشعاعاتها سريعا الى الطائرة قبل خروجها من فضاء المدينة فتفتك بطيارها الذي اباد مدينة كبيرة في ثوان يقطنها مئات الآلاف من البشر.
ويضيف فيخروف أنه لكي تنجح مؤامرة تصنيع الفيروس ونشره فإنه يحتاج الى التكاثر وهذه عملية معقدة لا تتم الا من خلال عملية تراكم وتغيرات مكثفة لا تتحقق الا من خلال اختراق الفيروس اجسام آلاف البشر من الناس او الحيوانات او الطيور.
ثانيا: ان ثمة قدرا من التهويل الاعلامي العالمي من حجم خطورة الفيروس، وان كان هذا لا يعني التقليل او الاستخفاف من شأن خطورته، وان هذا التهويل من قبل وسائل الاعلام يعد مفهوما باعتباره حديث الساعة عالميا وبات يقلق البشرية جمعاء ويشغل بالها، بصرف النظر عن استغلال شركات الادوية لهذا المناخ الذي يجتاح العالم من القلق للتهويل من الوباء دعائيا عبر الاعلام واغتنام الفرصة الذهبية للتسويق لمنتجاتها الجديدة اللقاحية التي تدر عليها ارباحا تقدر بالمليارات.
ولعل واحدة من المفارقات المضحكة في التهويل الاعلامي والتجاري الراهن عالميا ان معظم الاطباء والعلماء العالميين المتخصصين يجمعون على ان ضحايا الانفلونزا العادية الموسمية هم اكبر حتى الآن من ضحايا انفلونزا الخنازير، بما في ذلك اعداد القتلى الذين صرعتهم، ففي حين وصل عدد ضحايا هذه الجائحة الجديدة حتى مطلع اكتوبر الجاري الى 350 ألف مصاب توفي منهم 4 آلاف في كل العالم يؤكد البروفيسور فيخروف ان عدد المصابين سنويا في كل روسيا بالانفلونزا العادية الموسمية يصل الى 30 مليون انسان يموت منهم 1% وهي نسبة اعلى من ضحايا انفلونزا الخنازير، وان كان من الصعب حصر اعداد المصابين بوباء الانفلونزا الاخيرة على وجه الدقة لعدم ذهاب كل المصابين الى المستشفيات فور اصابتهم ولعدم وجود مختبرات طبية متطورة أو حتى عادية لدى العديد من دول العالم الفقيرة.
ثالثا: انه بغض النظر عن تربص شركات الدواء العالمية لاستغلال هذا المناخ من الفزع العالمي من مخاطر الوباء لتصنيع لقاحات وعقاقير مضادة له وتسويقها عالميا، الا ان هذه اللقاحات هي في الغالب سليمة لا مخاوف طبية منها، واعراضها عادية مؤقتة كأعراض اي لقاحات اخرى. وهذا ما يذهب اليه معظم الاطباء والعلماء لا شركات الادوية المصنعة للقاحات فقط، ناهيك عن ان المتهم الأول بتصنيع الفيروس الا هي الولايات المتحدة نفسها تقوم بأكبر حملة توعوية دعائية لشعبها لأخذ اللقاح وقد طلب الرئيس أوباما إلى الكونجرس تخصيص مليار دولار لسداد مشتريات منه من احدى الشركات السويسرية.
اكثر من ذلك فإن المدافعين عن سلامة اللقاحات التي انتجتها شركات الادوية يستندون في مبرراتهم إلى منطق المفندين نفسه لنظرية المؤامرة في وقوف جهات غربية خلف تصنيع الفيروس مختبريا كسلاح بيولوجي، فمثلما يفترض أن هذه الجهات ليست على تلك الدرجة من السذاجة ليتناسوا ان هذا السلاح ذو حدين وانه بالامكان ان يأتي الدور عليهم ليطاولهم الفيروس ذاته فإن شركات الادوية العالمية الكبرى مثلما تهمها مراكمة الأرباح الخيالية فإنه يهمها ايضا المحافظة على سمعتها التجارية العالمية وان مستقبلها التجاري معرض للزوال اذا ما ثبتت خطورة لقاحاتها المصنعة ومن الامر الطبيعي ان ترفع المسئولية القانونية عنها مقدما مادامت القضية تتعلق بأمراض الانسان المعقدة.

صحيفة اخبار الخليج
27 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

لا إبداع سياسيا بحرينيا

لا تحدث تغييرات ايجابية في حياة المواطنين، يظل الجمود نفسه وتتفاقم المشكلات. الخدمات الصحية والتعليمية والاسكانية والاعلامية والبلدية على أحوالها المتجمدة..
لقد وعدتنا الكتل الدينية السائدة بالقيام بتحولات كبيرة على صعيد المعيشة والخدمات، لكن أحوال التلوث البيئي والازدحام المروري والجمود المعيشي في تفاقم.
نحن نجمع هنا بين الخدمات والتحولات السياسية، بسبب ان هذه الكتل تجمع بين العضوية البرلمانية والبلدية، اي انها تمسك بأغلبية العمل الشعبي السياسي، وكلها ذات مرجعية دينية اسلامية، ولا تواجه تحديا مهما من الكتل السياسية الاخرى، أي انها قادرة على التوحد وتقديم مشروعات سياسية وخدماتية تغير هذا الجمود الذي نعيشه.
لكنها تحتفظ بحدودها الخاصة من دون قدرة على التعاون والتوحيد وتشكيل تيار سياسي فاعل.
وسوف يقال انهما كتلتان سنية وشيعية، وكل منهما له مرجعيته السياسية، فتيار يقول انه موال للنظام، وقريب من الحكومة، وبالتالي لا يقبل باحداث تحولات مثيرة للقلق في الصف الرسمي. في حين ان الآخر يقول انه ينتمي لقطاع شعبي متضرر من الاوضاع الاقتصادية الراهنة، وان لديه برنامجا، لكنه لم يحول هذا البرنامج الى تحولات، ونقد عميقة وصريح للوزارات المختلفة.
لا نظن ان التيار الديني الآخر سوف يرفض برامج سياسية معقولة لتغيير وضع الفوائض الحكومية المجهولة الحركة. ولوضع الشركة القابضة التي تمتلك الملايين، وللقيام بمراقبة دقيقة للشركات العامة وكشف أحوالها. لا نعتقد ان التيار الآخر سوف يمانع من هذا كله، فهو تيار ينتمي كذلك لهذا الشعب ويتحسس من نقد الناس له، ومن عدم نشاطه المرجو من ملاحقة الاخطاء، وتحريك هذا الجمود في الوزارات، وفي عدم وجود التخطيط، وفي انهمار القوى الاجنبية العاملة الى البلد الضيق والذي تتفجر شرايينه الداخلية من كثرة الزحام وضعف الخدمات وتبخر الرواتب الضعيفة!
ان الجمود السياسي للتيارين الرئيسيين في البرلمان يجعلنا نتساءل ما هي اسباب هذا؟ لماذا لا يوجد ابداع سياسي لهما؟
الا يريان المشهد العراقي السياسي وحراك الكتل المستمر وتداخلها وايجاد تحالفات جديدة وطنية تقفز على الهوة التي صنعوها بين السنة والشيعة؟
هل هذا يعود لعدم الثقافة وقلة القراءة والتعلم من التجارب السياسية ومتابعة تطور الاحزاب والقوانين؟
لم نقرأ فتوى دينية لهذه الكتل، لم نقرأ كتابا أو مقالة عميقة، فهل بهذا المستوى المعرفي نستطيع ان نمشي سياسيا على ارض ملغومة تحتاج الى عمق فكري ودهاء سياسي وبعد نظر وطني؟
واذ تشعر الكتل السنية بانفضاض الناس من حولها، وتساؤلاتهم الحادة بشأن ضعف أدائها السياسي، يشعر المواطنون الشيعة بأن الوفاق لم تقدم لهم بما ينتظر منها من حراك سياسي فاعل، ومن فتح الملفات الملتهبة، وتغيير أحوال الشعب في القضايا الكبرى على الاقل.
وما حراك بعض شباب القرى وعودة اسم حركة أحرار البحرين للأسلوب القديم نفسه سوى مؤشر على ان حركة المعارضة الشيعية التي يفترض منها تجميع قوى الحراك السياسي البرلماني من أجل قوانين واصلاحات مهمة، لم تقم بواجبها على الوجه المطلوب.
لتعترف الجماعات الدينية السياسية الداخلة في العمل البرلماني كلها بأنها ضعيفة سياسيا وانها مكونة من تضخم عددي، مع غياب النوعيات السياسية والاقتصادية المتميزة فيها، وهذا الضعف الكبير في مواجهة حكومة متمرسة، يضعف الاستقرار الاجتماعي الهش الذي نعيشه بين عولمة مقتحمة حتى في البيوت وبين جود اقتصادي مريع واتساع للهوة بين الاغنياء والفقراء.
لابد لهذه الكتل اذا ارادت ان تؤدي دورها بأمانة من التحول الجذري الداخلي، من القراءة والدراسة، ومن قيام التحالفات ومن الاستعانة بالكفاءات، ومن تجاوز العقلية المذهبية الضيقة والجمود السياسي الديني، ومن التقارب السياسي الوطني المنشود، فقد مل المواطنون من الانشقاقات والصراعات الجانبية، ويكفي لكم مثلا قيام البرلمانيين العراقيين بتوسيع التحالفات وتغيير البرامج مع وجود الاحتلال واستمرار المذابح وكثرة القوميات!

صحيفة اخبار الخليج
27 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

عن بيان وزارة العدل

حسناً فعلت وزارة العدل والشؤون الإسلامية حين أصدرت أمس بياناً ردت فيه على بعض الدعوات الرامية إلى تكريس التقسيم المذهبي للجمعيات السياسية الإسلامية، عبر الدعوة للقاء للجمعيات السياسية السنية، وهو أمر يمكن أن تقابله دعوة مشابهة بعقد لقاء لنظيراتها الشيعية، ويكون العنوان في الحالتين هو تنسيق الجهود ومواجهة حال التشتت في صفوف جمعيات كل طائفة على حدة، الأمر الذي لا يمكن أن يفسر إلا على انه دعوة لمواجهة جمعيات الطائفة الأخرى. والحق أن التقسيم المذهبي للإسلام السياسي في البحرين، السني والشيعي منه على حد سواء، هو حقيقة موضوعية، لعدم تمكنها كسر بوتقتها المذهبية والانفتاح على مكونات المجتمع المختلفة، ولا علاقة للأمر هنا بحسن النوايا أو سوئها، وإنما هو نابع من الطابع المنغلق لمثل هذه التكوينات الذي يجعلها عاجزة عن أن تكون ذات تكوين متعدد، خاصة إذا أدركنا أن التعبئة المذهبية القائمة للانتصار لهذه الطائفة أو تلك هي جذر أساسي من جذور تكوين هذا النوع من الهيئات أو الجمعيات. صحيح أن الجمعيات الديمقراطية والوطنية والليبرالية متعددة هي الأخرى، ولكن مصدر هذا التعدد عائد إلى تنوع التوجهات الفكرية والمسارات التاريخية المختلفة لنشوئها، ولا علاقة له، لا من قريب أو بعيد بالانتماء المذهبي والطائفي، فهذه الجمعيات على تعددها تتسع لكافة مكونات المجتمع البحريني الاثنية والمذهبية والاجتماعية. وغاية القول إن من يدعون للقاء للجمعيات السياسية السنية لا يؤسسون لتقسيم غير قائم. هذا التقسيم موجود فعلاً، ولكن خطورة هذه الدعوات تكمن في أنها ترمي إلى إضفاء المشروعية والطابع المؤسساتي للمواجهة ذات الطابع المذهبي والطائفي لا بين الجمعيات السياسية وحدها وإنما بين الطائفتين. ومرة أخرى نستدرك فنقول إن هذا الطابع المؤسساتي للمواجهة بين تمثيلات الطائفتين المذهبية قائم هو الآخر، ولكن بصورة مواربة أو خفية بعض الشيء، أو فلنقل خجولة إلى حدٍ ما، ربما لأن الكثيرين لايزالون يجدون حرجاً في الإفصاح عن هذا النوع من الاستقطاب، ويفضلون مداراته بخطاب عمومي من نوع: “كلنا في الإسلام أخوة”، أو ما شابه من شعارات لا تنفي الانقسام القائم، الذي من مصلحة الكثيرين أن يتعمق ويتوطد إمعاناً في حجب الطابع الاجتماعي للصراع، واستبداله بطابع مزيف هو الطابع المذهبي أو الطائفي. من دعوا للقاء الجمعيات السنية، وهي دعوة قد تستبع دعوة مشابهة على الضفة الأخرى كما قلنا، يريدون إسقاط المسكوت عنه في هذا المجال، وجعله معلناً، فتغدو مسألة المواجهة بين الطائفتين امراً مستساغاً ومألوفاً وطبيعياً، ومن هذه الزاوية نجد أن الإشادة واجبة بما قاله بيان وزارة العدل من أن الجمعيات السياسية تعمل على تنظيم وتمثيل المواطنين بصفاتهم كمواطنين وليس بذواتهم أو تصنيفاتهم الدينية أو الطائفية. وحسناً فعلت الوزارة، كذلك، حين ذكرت بنص المادة الثانية من قانون الجمعيات القائل: “ولا تعتبر جمعية سياسية كل جمعية أو جماعة تقوم على محض أغراض دينية”. كما إن الإشادة واجبة بالاستدراك الذي قدمه رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني حول ما نسب إليه بهذا الخصوص حين قال إن المقصود خطاب عام وشامل يهدف لحاجة الوطن لتعاون جميع أبنائه وقواه السياسية والفعاليات المختلفة للعمل من أجل المصلحة العامة.
 
صحيفة الايام
27 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

أسرة الأدباء (6) تكملة المخاض الصعب

عاشت الأسرة وكتّابها ضمن المخاض الصعب ذاك، دون دعم رسمي، ولم تسمح لهم بإصدار مجلتهم الخاصة المعبرة عن توجهاتهم ومدارسهم الأدبية والفكرية، كما ان المقرات المستأجرة اليتيمة لأسرة فقيرة، لن تثنيها عن عزيمة المواجهة والتواصل الداخلي، وستتكيف وتتنفس الأسرة بطريقتها الخاصة في التمثيل الخارجي للإبداع البحريني الفتي، وستتماس مع المؤسسات الثقافية الخارجية، الأهلية والرسمية في الوطن العربي. ومع توتر الوضع السياسي في فترة المجلس التشريعي وصدور قانون امن الدولة سيئ الصيت، ودخول البحرين حقبة جديدة من الانغلاق والتشدد والملاحقة البوليسية للكلمة، بحيث وردت تعليمات للصحف وغيرها بمضايقة وملاحظة كل ما تكتبه الأسرة، بل ومنعت الصحف مفردات كثيرة، لكونها كانت خطابات تحريضية وتوعوية للشارع السياسي. بدأنا نرى غيوم الظلمة تتكاثف، غير إن قتامتها ازدادت مع اغتيال الصحافي عبدالله المدني وما تبعه من استشهاد عضو في الأسرة هو الشاعر سعيد العويناتي. كان لموت سعيد هزة على الشارع البحريني من الجانب السياسي، ولكن هزته كانت مضاعفة على الأسرة وأعضائها كون العويناتي شاعرا فتيا في بيتها وسياسيا ملتزما بأفكار تقدمية، فبلغت الرسالة المؤلمة وهزتها تلك الساحة الثقافية، وتحولت الطرقات والمصابيح إلى شموع ذابلة، وساد كابوس الحزن والرعب المستوطن، فتاريخ البحرين حتى تلك اللحظة لم يشهد موت إنسان في المعتقل السياسي بسبب التعذيب وقسوته المتناهية، إن لم تكن رسالة القسوة تلك هدفها نشر الترهيب وإغلاق مسامات الكلمة الحرة. في فترتي اعتقال 72-75 التقيت بالأخ حداد وعبدالحميد قائد، وعلى الشرقاوي، وعبدالله خليفة، غير إن المحطات اليومية الأخرى في الندوات والمكتبات ودار الغد وغيرها، ستكون مساحة اكبر للتعرف على أغلبية المبدعين الشباب كالشاعر سعيد العويناتي وعبدالقادر عقيل وعلي عبدالله خليفة، أما أمين صالح فقد كان زميل دراسة. وفي خضم المعركة كان الأدباء في زيارات منتظمة إما للسجن السياسي أو لمكاتب التحقيق، بل وبلغتهم رسائل الترهيب، حيث قال احد الشخصيات المهمة في جهاز الدولة بعبارة واضحة “كيف تريدونني أن اقتنع بأن الأسرة ليست جهة سياسية وأعضاؤها فلان وفلان وفلان”، مثلما قال المحقق هيكنز لواحد منا، لو أشرت أين مركز الشرطة في المحرق لأومؤوا لك هناك، ولو سألتهم أين مقر الجبهة الشعبية لقالوا لك إنه بيت “علي الشيراوي!!”، وكان الأدباء الشباب وغيرهم من الفنانين والمثقفين، يتغذون ويتسامرون في ذلك البيت الكريم. وما من شخص منا يوم الجمعة زار المحرق إلا ووجد قدمه في بيت الشاعر قاسم حداد أو علي الشيراوي، حيث الناس كانت تمارس حياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية معا، وتلك سمة من سمات الشخصية البحرينية والمرحلة الساخنة والمنفرجة والمنفتحة في ذات الوقت. كتب تصادر ومكتبات تراقب وكلمات تحذف ومقالات تعلق وأصوات تلاحق وتخنق، ولكن “الصوت” الشعري والقصصي والإبداعي يظل داخل السجن أو خارجه مستمرا حتى مع موت الشاعر أو سجنه. ونتيجة لذلك المخاض الصعب ستجد نفسها الأسرة تنأى عن الاحتفاء بشاعرها المذبوح أو المغيب خلف القضبان، بل وصار للهمس السياسي معنى مكتوم وللحديث الفكري المتواري خلف الجدران مهمته في ممارسة دور المثقف المبدع في تطوير الوعي الاجتماعي العام، بل وشكل حضوره جزءا من ذلك المجرى الثقافي المستمر في بلدنا. وسيذهب بعض من مؤسسيها نحو عوالمهم الخاصة، بعد أن توهم الأوائل من الشباب المبدع أنهم سيحظون بمشروع نقدي مستمر من الدكتور الأنصاري بحيث يقيّم نتاجاتهم الجديدة، والذي فضل اختيار مواضيع كلاسيكية في الأدب، تجنبه الحديث والاقتراب من التحليلات السياسية لذلك النوع من الإبداع المتمرد والعنيد والواقف في خندق المواجهة رافعا شعاره -ودون تراجع- الكلمة من اجل الإنسان، وستجد الأسرة في مخاضها الصعب نقادا جددا وأعضاء في الأسرة، يهتمون بنتاجات الأدباء الشباب، كالأستاذ احمد المناعي والدكتور إبراهيم غلوم، وان كانت عملية المخاض ستدفع بهذا القدر أو ذاك نحو قراءات وكتابات نقدية عدة، من طراز كتابات الدكتور المحادين والبنكي وغيرهما، دون أن تفقد الأسرة ينبوعها الإبداعي ولا رجالاتها الحقيقيين، حاملي مشعل الكلمة في ظلمة الوقت والمكان. التحمت المدينة السياسية المنامة بالمحرق ثقافيا داخل إطار جديد اسمه الأسرة، مثلما كانت تلتحم سياسيا على مدار تاريخها السياسي المضطرب، دون أن تغيب القرية البحرينية الأكثر تماسا مع حدود مركز المدينة، فجاءت أصوات شابة تتوق للإبداع من السنابس والديه كأحمد الحجيري ويوسف حسن ومن بلاد القديم سعيد العويناتي. وإذا ما كانت أصوات القرية في البدايات محدودة، فإنها مع عملية التطور خلال الأربعة عقود صارت مستودعا خصبا للإنتاج والغزارة والعطاء، فقد خلت القرية في تلك الفترة من أي صوت نسائي، فبدت شاحبة تماما مما يعني أن المجتمع الريفي، والثقافة والتطور والحداثة يومها كانت تحمل من الدلالات الشيء الكثير، وعيا ومضمونا وحراكا مجتمعيا، لهذا ليس صدفة أن تخلو الأسرة من أعضاء أصولهم من مناطق كالحد والرفاع وقلالي والزلاق والبديع وبني جمرة والدراز، حيث غلبت الاهتمامات على الشؤون الرياضية والنمطية الثقافية.
 
صحيفة الايام
27 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

الديمقراطية غير الليبرالية تدمر الوطن


الديمقراطية التي أعدمت سقراط هي ذات الديمقراطية التي ستعدم هذا الوطن، لأنها ديمقراطية غوغائية غير ليبرالية، وهنا تكمن المعضلة الرئيسة في عدم جدواها في تقدمنا، «فالرفاق حائرون.. يفكرون.. يتساءلون في جنون» كيف الديمقراطية تكون مصدرا للتقهقر والتخلف والسكون، فبدون الثقافة الليبرالية التي تحمي قيم الفردية والتعددية والتسامح وقبول الآخر وتضمن الحريات وحقوق الإنسان والأقليات لن تجلب الديمقراطية إلا دكتاتورية الأكثرية والشمولية والعنصرية والطائفية، وهي ديمقراطية مدمرة ما لم تستند إلى أرضية ليبرالية صلبة، فالديمقراطية التي تعادي الليبرالية لا تنتج إلا نقيضها من قمع وظلم وإكراه في الدين وإقصاء الآخر وأحادية الفكر، فتصبح الحرية حينئذ مهددة من قبل المتطرفين والعنصريين والمستبدين الذين تأتي بهم الديمقراطية غير الليبرالية.

وهو ما يؤكده الكاتب الصحافي الأميركي فريد زكريا، ذو الأصل المسلم، ورئيس تحرير نيوزويك إنترناشونال ومؤلف كتاب مستقبل الحرية «أن الديمقراطية التي تنشأ دون دعائم الليبرالية السياسية تؤدي إلى الفاشية والديمقراطية المتعصبة»، وتقود «إلى وضع استبدادي أسوأ من الوضع السابق عليها». فالمجتمعات غير الليبرالية التي تطبق الديمقراطية تمنح الحرية لأعداء الحرية، ويا للمفارقة العجيبة، فهي توصل من لا يؤمنون بالديمقراطية الحقيقية إلى الحكم ليستخدموها كمطية في هدم أساسها وجوهرها.

لذلك فرقت في مقالي السابق بين تطور دبي الليبرالية وتخلف الكويت الديمقراطية، وبالرغم من أن الدستور الكويتي في الأصل دستور ليبرالي فإن القوانين غير الدستورية (لأنها غير ليبرالية بطبيعة الحال) تجرده من معناه وتفرغه من محتواه، وهو تناقض شنيع وتجاوز مريع بحق المواطن والوطن. فقد تأتي الديمقراطية غير المتسامحة بنظام أسوأ من طالبان، وهو ما يحاول فرضه أصوليونا بالتدريج ابتداء من حرمان إعطاء الجنسية لغير المسلم إلى منع الاختلاط إلى فرض الضوابط الكثيرة التي تحد من الحريات الشخصية وانتهاء بمحاولة فرض الحجاب على الجميع.

والحقيقة التي نغفل عنها كثيرا هي أن الغرب لم يتطور بالديمقراطية بل بالليبرالية الدستورية التي مهدت الأرضية للديمقراطية الحقيقية، لتتأصل تلك الثقافة في النظام التربوي والاجتماعي والسياسي ويصبح منهج وأسلوب حياة عوضا عن اختزالها في أدواتها وآلياتها الشكلية من تصويت وصناديق اقتراع (كما هو حاصل لدينا).. فلبرلة الثقاقة هي مقدمة طبيعية لدمقرطة السياسة وليس العكس، لتنصهر الطوائف والمذاهب والأعراق في بوتقة المواطنة التي أسستها الثورة الفرنسية عام 1879م، والتي قامت على «مبادئ حقوق الإنسان والمواطن». ولتبني دولة المؤسسات والقانون التي تؤمن كرامة الانسان من خلال المساواة واحترام الحريات، ولتنتصر قيم الحداثة والمواطنة الحقيقية حين أصبح الناس أكثر استنارة ونضجا فأبعدوا كل معايير التمييز على أساس الدين والمذهب والعرق. وهذا لا يعني إطلاقا أنهم استأصلوا الدين اجتماعيا أو لم يعترفوا به سياسيا، كما يتوهم البعض، فهناك الكثير من الأحزاب المسيحية التي تؤمن بالحريات والدولة المدنية، على عكس ما يحصل لدينا من طغيان الفكر المتزمت (الذي يريد فرض رؤيته الخاصة على المجتمع) على الفكر الإسلامي المستنير (الذي يؤمن بالتنوع والاختلاف).

إن الديمقراطية غير الليبرالية مأزق وبلاء عظيم تجذر في عالمنا المنغلق، حيث صعد الدكتاتوريون والأوتوقراطيون والطغاة إلى الحكم عبر الانتخابات، فلم نستفد من تجربة انتخاب هتلر النازي وموسوليني الفاشي اللذين أدخلا بلادهما في حرب مدمرة قتلت أكثر من ستين مليونا. والأمثلة دوننا كثيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وصول «حماس» المستبدة التي تميز المواطن الفلسطيني حسب انتمائه الديني، واحتكار رجال الدين في إيران لحق الترشيح والانتخاب. والشواهد على انتهازية جماعات الإسلام السياسي أكثر من أن تحصى كتصريح نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر قبيل الإعلان النهائي لفوزها في الانتخابات في 1991 «بأن الديمقراطية كفر وأن هذه الانتخابات سوف تكون الأخيرة في الجزائر، وأن الحكم في الجزائر سوف يكون إسلامياً بمجرد فوز الجبهة في الانتخابات»، وتأكيد مرشد الإخوان المسلمين في مصر أنهم «سيتعاملون مع الأقباط (في حال فوزهم بأي انتخابات قادمة) بموجب فقه أهل الذمة».. كما ستحرم عليهم (أي الأقباط) تولي المناصب الرئيسة للدولة، بالإضافة إلى انتهازية القوى الأصولية في الكويت في استغلال أدوات الديمقراطية ليصادروا السلطة أولا، ثم يحاربوا بعد ذلك الأسس التي قامت عليها ويهدموا جوهرها في محاولاتهم إقصاء الآخر وإلغاء التعددية والحرية وإشغال الناس بالقشور وتوافه الأمور.

فالديمقراطية وحدها لن تضمن التقدم، وقد تقود إلى الفشل والفوضى، بل قد تفضي إلى نتائج كارثية إن هي تخلت عن أساسها وهي الليبرالية، لتغدو ديمقراطية غوغائية، فيقول المفكر كمال غبريال إن «الكثير من جرائم التاريخ كان للجماهير الغوغائية اليد الطولى في ارتكابها ليس فقط بتحريض من محترفي الغوغاء تحقيقاً للدوافع الشخصية، إنما أيضاً بالمبادرة الذاتية للجماهير تفريجاً عن نوازعها وميولها التي غالباً ما تعادي كل جديد، وتغتنم الفرص لممارسة العنف والتخريب الجماعي».
ومع كل ما نشهده في واقعنا السياسي والاجتماعي.. هل من شك أننا نعاني بسبب ديمقراطية غوغائية مدمرة؟


جريدة الجريدة 
12/10/2009

اقرأ المزيد

إلى نـقـابـة عمال ألـبـا …!


في الاحتفالية التي أقامها قطاع العمال بجمعية المنبر التقدمي تكريما لعمال شركة ألمنيوم البحرين يوم الخميس الموافق 2 ابريل 2009 تألق  الشاعر إبن الطبقة العاملة عبدالصمد الليث  في أنشودته المهداة إلى نقابة  ألبا تقديرا لنضال عمالها وتفانيهم في العمل  ودورهم في الدفاع عن حقوق العمال في عموم شركة ألبا و في تطوير نضالات الحركة العمالية في البحرين.
 

  


إلى نـقـابـة عمال ألـبـا …! 
 



إعـزف نـشـيــدك واحـمـل قـلـبـك الـوتـرا

                                واجـعـل قـصـــيــدك لـلـتـكـريـم مـنـتــثـرا


إهـتف بـمـن حـضروا : هـيـا معي وخذوا 
                               مـن تـحـفـة الـحـب إكـلـيـــلاً ومـفـتــخــرا


إهـدوه صـدقـا لـمـن في الـلـيــل شق دجى 
                               وحـقّ أن يـحـتـفـي بـالــرائــديـــن ســرى


في مـصـنع الـمـوت وعي الـكـدح جـمّعـنا 
                                بـوحـدة صـار فـيــهـا الـكــل مـنـصـهـــرا


وضـاق عــيــش بـمـن أبــدى مـسـاءلــــة  
                                 وقـــــال : لا.. لـلـذي قــد رام مـــزدجـــرا


كـان الـنــضــال وكـان الــدرب لاحــبـــه  
                                شــوك ووعــر وكـان الـعـسف مـسـتـعــرا


كـان الـنـقــابي مـطـلـوبـا لـمـن ظـلــمــوا  
                              كـان الـنـقــابي إسـمــا يـلـفــت الـنــظـــــرا


فـطــورد الـقـول والـفـعـل الـلـصـيـق بـه   
                                وصـار طـالــب حــقّ عــنــدهم خــطـــــرا


وعـاش مـن عـاش في قـهـر ومـخـمـصة  
                                ومـات مـن مـات هــمـّا كـاظــمــا حــــذرا


نــالـت قـيـود الـبـلايـا مـن مـعـاصـمـهــم  
                               واسـتـنـزلـوا في سـجـون والـعــذاب بــرى


وجــال عـبـر الـمـنــافي شـرق أرصـفــة   
                               وغــربــهــا مــفـــردا مـن مـــائــه وثـــرى


هـذا الـعـزيـز كـنـجـم الـصـبـح مـطـلـعـه 
                                قـد غــاب في غـربــة الأوطان مـصـطـبـرا


ولاح فـي نــفــق الإظــلام ضـوء حـجـى 
                              واسـتـبـشـر الـنـاس أن قـد يـبـصـروا قـمرا


خـــاب الـتـشــاؤل وازدادت كــمــائــنــه  
                               واطـفــئــت فـي خـيــام الأهــل نـــار قــرى


حـتى ورت نـفـخـة الـتـمـيـيـز فاشتـعـلت 
                                للــطــائــفــيـــة نــــار تـقــدح الـشــــــررا


فـي فرحــة قـمعت.. في صـيحة قـرعـت  
                               جـرح الـهـضــيــم فـأمـسى راعـفـا عـطــرا


عــادت حـلـيــمـة لـلـمــاضي وعــادتــها  
                              لـتـنـقـض الـغـزل أنـكــاثــا ونـحـن نـــــرى


صكـّت بـمــطـاطهـا عـيـن الأصـم كـمــا    
                               صــادت بــشـوزنــهـا الأطــيــار مـبــتــدرا


وعـاد لـلـسيـف بـعـد الكـيـف واصطبغت  
                             بـالـحـيــف أقــنــيـــة تـشـكـو لـنـــا الـكــدرا


وعـاد لـلـعـطـش الـطـــامـي وعـتـمـتـــه  
                              نـخـل الـمـشـوق فـيــرمي ضـيــمــها جـزرا


بـالسـلـم نــدعـو لـمـا نـصـبــو ونـعـلــنـه  
                             بــحــيــث يـمسي شـعــارالـنـهـجً مـنـتـشــرا


وكـان مـا كـان حـتـى جــدّ مـن زرعــوا   
                             حـبّ الـبــذار لـتـجـنــوا يــومـكـم ثــمـــــــرا


فــيــــا نـقــابـة ألـبــا .. يـا طـلـيـعـتـنــــا  
                             يــا رافـدا لـلـسـقــاء الــثــر حـيــث جـــــرى


ويــا رفــاق الأمــاني والـعــلى أبـــــــدا   
                              يريــــدكـم شــعـــبـــكـم لـلـمـنـجــزات ذرى


دومـوا عـلـى الـعـهـد والـوعد اللذين أتى 
                           بـرنــــامـج بـهـــمــا واسـتـوثــقــوه عـــــرى


حــذار يـا شـرفـاء الـفـعـل حــيـث لـكــم 
                             رصـد الأعــادي بــمــا أبــدى ومــا جـهـــرا


يـكـيــدكـم فــتــنـــاهوا عــن مـجــامـلــة  
                            أو حـبّ ذات فـمــاضـيــنــا رأى عــبـــــــــرا


لا تـسـكـتــوا إن أتى بـعـض بـمسـألــــة  
                            لـم يـسـبـر الـرأي فـي مــردودهـــا أثــــــــرا


لا تـركـنــوا لـمــزايــا فـهـي بـهــرجــة  
                           واسـتـذكــروا بــائـس الـعــمــال والـفــقـــــرا


لا تــلـبـسـوا ثــوب مـن يـنـسى قـواعده 
                            إن الــعــواري ثــيــــاب لا تــلــي قــــــــــدرا


لا تـأخـذوا من جـفـاكم حيـن عارضـكم  
                           فـربــمــا كــان فـيــه الـخـيـــر مـســتــتــــــرا


لا تـطـلـقـوا الـحـرف مـخـتـالا بزخرفه   
                            فــربّ قــول لــمــن قــد قـــالـــه أســـــــــــرا


لا تـقـطـعـوا صـلـة الخطـّـاء واجـتـهـدوا 
                            أن تـكـســبـوا شخص مـن قــد زلّ واعـتــذرا


ضـعـوا لـكـم مـن مـرايـا الصدق منـقبـة   
                           واسـتـنـطـقــوهـا لـتـجـلــو نـقــدكــم خــبـــرا


أن الـرفـيــق رفـيـق الـنـصح من عرفت 
                            عـلى الـمـحـك سـجــايــا صــدقــه ســيــــــرا


واسـتـخـلـفـوا صـفـحـة الإيـثـار مـاثــرة  
                            مـن سـالـف ورعـــيــل عــايــش الـخــطـــرا


هـــا أنــنــا قــد طـرحــنـاها مــبـــــادرة  
                            تــلـــمــلــم الـشـمــل والآحــــاد والـــزمــــرا


عـشـتـم وعــاشت لـنـا الـبـحرين موطننا  
                           ومــنــــبــر نــال مــن أمـثــالــكــم ظــفــــــرا 





  





                  

     





عـبـد الـصـمـد الـلـيــث         

2 ابريل 2009                 

خاص للموقع
 

مقالات أخرى للكاتب


http://www.altaqadomi.com/ar-BH/ViewArticle/6/2321/Articles.aspx

اقرأ المزيد

العملة الخليجية بعد عبور الدولار خطه الحرج

بالرغم من النفي الخليجي المباشر والروسي المداور لمباحثات سرية ضمت دولا خليجية وقوى دولية حول فك الارتباط بين الذهب الأسود والدولار، فإن وزير النفط القطري عبدالله العطية ‘بق البحصة’ كما يقول الشاميون. نقلت وكالة الأنباء القطرية الأربعاء عنه قوله بأن الجدل مستمر ‘حول ما إذا كان من المفيد الاعتماد على الدولار كعملة لبيع النفط أو البحث عن سلة عملات كمخرج من هذا الجدل’.
رغم ضعف الاقتصاد العالمي فإن تسارع اتجاه أسعار النفط لتتخطى حاجز 80 د/ب الذي وضعته بلدان أوبك كحد أعلى أظهر أن ضعف الدولار هو أحد أهم أسباب هذا الارتفاع الذي بدوره سيفقد قيمته بسبب ضعف الدولار ذاته، بينما سيشكل مدعاة لحفز التضخم في اقتصاداتنا من جديد.
على أن العلاقة بالدولار غدت مسألة مصيرية ليس بالنسبة لتسعير النفط فقط، بل والعملة الخليجية القادمة أيضاً. فمنذ مقالنا الأسبوع الماضي والدولار مستمر في الهبوط، وليس في ذلك ما يثير. المثير هو أن اليورو ظل يختبر متانة الدولار عند خطه الحرج، أي 1.5دولار لليورو. الأربعاء عبر اليورو هذا الحاجز لأول مرة منذ 14 شهراً. فقد وصل سعر العملة الأوربية 1.5003 دولار ، أي الأعلى منذ أغسطس/ آب .2008 وإجمالاً فإن اليورو تقوى أمام الدولار منذ مارس/ آذار 2009 بنسبة 15%. السياسيون الأوروبيون يعتبرون سعر 1.5 دولار لليورو كارثة للسياسة والصناعة الأوروبيين، كما نقلت The Daily Telegraph عن مساعد الرئيس الفرنسي أنري غينو، وكما يشير بروفيسور جامعة باريس ميشيل أليتا فإن اليورو الآن يفوق قدرته الشرائية التكافئية بنسبة 40%، وأنه لهذا السبب بالذات فقد حولت كل من Peugeot وRenault عمليات إنتاجهما إلى بلدان أوروبا الشرقية منذ ,2004 أما شركة Airbus فأصبحت تنتج طائراتها من طراز A320 في الصين.
وبالمناسبة فإن تصرف الصينيين أصبح يقلق السياسيين الأوروبيين كثيراً. فقد كانوا منذ العام 2005 يصفون باستمرار تحكمهم باليوان مطلقين له العنان كي يتقوى. لكنهم، وإن بشكل غير رسمي، ثبتوا من جديد سعر عملتهم مقابل الدولار منذ بداية الأزمة. وهاهم لأكثر من عام يبقون على عملتهم مرتبطة بالدولار ليجنون بذلك مكاسب تصديرية جمة. وبفضل هذه السياسة تمكنت الصين في سبتمبر/ أيلول الماضي من مراكمة 68 مليار دولار (ولفارق أسباب جوهرية أرجو ألا يسقط أحد ذلك كحجة ‘لأهمية’ ارتباط عملتنا بالدولار). غير أن الصين صارت تستثمر احتياطاتها الجديدة في سندات الخزانة الأوروبية بشكل رئيسي، دافعة باليورو نحو الأعلى. وحسب وزيرة المالية الفرنسية كرستين لاغارد فإنه لا يجب السماح بأن تدفع أوروبا ثمن العلاقة غير الصحية بين أميركا والصين. ‘نحن نريد دولاراً قوياً’ – مرددة الوزيرة قول كثير من المسؤولين الأوروبيين. وبهذه السياسة المزدوجة تضرب الصين عصفورين بحجر فهي تؤمن لصادراتها ليس السوق الأميركية الأهم، بل والأوروبية التي لا تقل أهمية.
وفي الوقت نفسه تشير Daily Telegraph إلى أن الصين وغيرها من الاقتصادات الآسيوية النامية بلغت الوضع الذي لم تعد معه قادرة على الاستمرار في اصطناع خفض أسعار صرف عملاتها دعما لصادراتها، لأن ذلك سيجعل الفوضى تدب في اقتصادها بسبب دعم انتفاخ الفقاعات. فالسلوك ‘المركنتلي’ الذي ساد في آسيا على مدى العقود الأخيرة أصبح يتراجع بسبب التوقعات التضخمية.
وبين كل هذا يبقى المسؤول الحقيقي عن اختلال أسواق صرف العملات هي السياسة النقدية المفرطة في ليبراليتها والتي يمارسها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والتي تقرّب أفول الدولار، حسب التقرير الذي أصدره الأسبوع الماضي مصرف HSBC البريطاني. هذه السياسة ستجبر دول الاقتصادات الناشئة كالصين على تشكيل بناء نقدي جديد. وقد نقلت Daily Telegraph عن رئيس قسم النقد في HSBC ديفيد بلوم أن وضع الدولار المؤلم الآن يذكر بوضع الجنية الإسترليني بعد الحرب العالمية الأولى.
إن غالبية بلدان آسيا، الشرق الأوسط، أميركا اللاتينية، وإفريقيا لا تستطيع أن تسمح لنفسها باقتراب أسعار معدلات الفائدة لديها من الصفر. ‘فالطلاق’ سيكون بينا، لأن أميركا ماضية بالفعل نحو معدل الفائدة الصفري في العام 2010 بهدف أن تتجاوز أميركا أزمتها الذاتية.
كل يتصرف حسبما تقتضي مصالحه. أما إذا كانت عملتنا الخليجية سترتبط بالدولار الأميركي، وبالتالي بأسعار الصرف ومعدلات الفائدة هناك، فمعنى ذلك أن العملة الخليجية لن تستطيع خدمة سياسة نقدية إقليمية تستجيب لحاجات تطور اقتصاد المنطقة.

صحيفة الوقت
26 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

أوباما و”نوبل”.. وآفاق التغيير

لربما كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات من أكثر رؤساء جمهوريات العالم شكوى مما خلفه له، على حد زعمه، سلفه الراحل الزعيم العربي والرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر من “تركة سياسية ثقيلة”، وظل يتظلم ويجأر من هذه التركة في سياق خطابات سياسية متعددة له، هو الذي ظل طوال حياة عبدالناصر الرئاسية على امتداد ما يقرب من 20 سنة (1952م- 1970م) مدافعا وشريكا، كما يفترض، في صنع ذلك الارث السياسي الناصري، بل بفضله آلت السلطة إليه فوراً بعد مماته ثم انقلب عليه بزاوية 180 متنكراً ليس لكل ذلك الارث السياسي فحسب، بل مجهزاً على المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتحققة في الحقبة الناصرية وهذا ما كان يقصده السادات من ارث ثقيل.
لعل المعيب في شكوى السادات وعدم منطقيتها انها تمثل نكوصا نفاقيا فجا عن تجربة سياسية لنظام وطني غير تعددي في الحكم هو كان ليس شاهداً عليها فحسب بل مشاركاً فيها. لكن ألا تصح الشكوى من تركة ثقيلة لاسلافه الرؤساء السابقين إذا ما أبداها رئيس جديد يحمل الكثير من الطموحات السياسية ويرفع شعار التغيير في ظل نظام سياسي تعددي عريق في تداول السلطة كالرئيس الامريكي المنتخب الجديد باراك اوباما؟ ربما.
لكن المؤكد ان الذين يتطلعون الى حدوث تغيير هذه التركة السياسية جذريا وكنسها بين عشية وضحاها انما يتوهمون أيما توهم. وأي تركة هذه؟ انها تركة ستة عقود متواصلة من الحروب الظالمة التي خاضتها الولايات المتحدة في الخارج، انها تركة نصف قرن من القواعد العسكرية العدوانية التي فرضت على شعوب بلدان عديدة في العالم، تركة نصف قرن من دعم أحط وأقذر الانظمة الدكتاتورية والشمولية في العالم بدءاً من أمريكا اللاتينية ومروراً بافريقيا والشرق الأوسط وانتهاء بآسيا، ومن ضمنها على وجه الخصوص النظامان العنصريان الجنوب افريقي المقبور والاسرائيلي الصهيوني على أرض فلسطين العربية المغتصبة، وهو النظام العنصري الاستيطاني الاستعماري الوحيد المتبقي في العالم بفضل دعمها له اللامحدود سياسيا وعسكريا وماليا على امتداد ستة عقود متواصلة منذ انشائه، دع عنك تسلطها السياسي على أنظمة وحكومات عديدة في العالم ونهب ثروات بلدانها، إنْ من خلال ما تفرضه من اتفاقيات اقتصادية ثنائية مجحفة، وإنْ من خلال أذرعها المؤسسية الاقتصادية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير.
ومع ذلك فإن الرئيس الامريكي المنتخب الجديد اوباما إذ يومئ تلميحاً لهذه التركة التاريخية الثقيلة لا ينتقدها بمجملها، ولا يقدم نفسه باعتباره المنقذ المخلص لتخليص شعبه والعالم منها، لا بل ليس بوسعه أصلاً فعل ذلك لو أراد، إذ هو ليس مقيداً بتركة ثقيلة مزمنة من مواريث السياسات الخاطئة والشريرة التي ترسخت داخليا وخارجيا فحسب، ومازال يصعب ازالتها بجرة قلم واحدة، بل الأهم من ذلك مقيد بنظام مؤسسي رأسمالي عريق لا يستطيع اوباما سلخ جلده عنه كأنه ابن غير شرعي للمؤسسة التي وصل بقوانينها الى السلطة، وحيث تتحكم في هامش حركته موازين قوى دقيقة حبكتها ونسجتها ورسختها تاريخيا نخبة وساسة الطبقة الرأسمالية وأبدعت تصميم البناء المعماري لهذا النظام الرأسمالي بما يجنبه هزات وزلازل السقوط حتى لحظة تاريخية فاصلة يصل فيها هذا النظام الى أرذل مراحل الشيخوخة والعجز وهي لحظة مازالت بعيدة زمنيا لم يأزف ميقاتها بعد.
بهذه المعاني كلها المتقدم ذكرها فإذا ما عولت الآمال على أوباما باعتباره أهون الشرين قياسا بالرئيس السابق جورج بوش الابن فهو بالفعل لن يكون بمقدوره في هذه المرحلة سوى ان يكون “اهون الشرين”، حتى لو كان طموحه الشخصي اكبر من ذلك، أي ان يكون أقرب إلى الخير داخليا وخارجيا وأفضل من مجرد أهون الشرين استناداً إلى شعاراته ووعوده بالتغيير على صعيدي السياسات الداخلية والسياسات الخارجية.
واذا ما استطاعت قوى الخير والسلم والديمقراطية وحقوق الانسان داخل بلاده وفي بلدان العالم قاطبة الضغط باتجاه تقليل تأثير قوى الشر فيه من المحيطين به داخل المؤسسة الحاكمة والضاغطة عليه وعلى حكومته من خارج هذه المؤسسة قدر المستطاع وبأدنى نسب التغيير الممكنة، فإن نجاح هذه القوى يُعد أكبر انتصار للشعب الامريكي والبشرية في هذه المرحلة التاريخية، سواء خلال ولايته الحالية أم من خلال ولاية ثانية اذا ما قرر الترشح إليها والفوز في انتخاباتها، لأن ذلك سيمهد الأرضية حتماً لانتصارات مستقبلية في معركة الصراع التاريخي الطويلة من اجل احداث نقلة تغيير ملموسة في المؤسسة السياسية الامريكية الحاكمة.
وبهذه المعاني لربما نتفهم، إلى حد ما، دواعي ودوافع لجنة نوبل لمنحه جائزة نوبل للسلام، بصرف النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع حيثيات قرارها جزئيا أو كليا، وهو القرار الصاعقة الذي أحدث عاصفة من الجدل العالمي لم تهدأ بعد. حتى أوباما نفسه لم يسلم من صاعقة المفاجأة من القرار وبخاصة انه لم تمض على تسلمه زمام الحكم في أمريكا سوى تسعة أشهر حيث عبر عن دهشته من الاعلان بفوزه بها وقال بتواضع غير مفتعل انه لا يستحقها وقال إنها رسالة لكل العالم للالتزام بالعمل على خلق عالم جديد قادر على مواجهة التحديات بشكل جماعي.
ومن الواضح وبالرغم من ان اللجنة حاولت تسويغ قرارها استناداً الى ما زعمته بما قام به اوباما خلال التسعة الأشهر الماضية من أعمال لخدمة السلام ونزع التسلح النووي واعادة شحن الدبلوماسية الدولية بالحيوية واعلاء التعاون بين الدول والشعوب، فإنه من الواضح انها توخت من قرارها تقييده معنويا بهذه الجائزة بحيث تكون قيدا ورقيبا ضميريا على افعاله وسياساته المقبلة لتنسجم ومدى استحقاقه الجائزة.
لكن إلى أي حد حقا من الهامش يستطيع اوباما ان يجعل على الاقل سياسات ادارته داخليا وخارجيا اقل معاداة لمصالح الشعب الامريكي ولمصالح اغلبية شعوب العالم المتضررة من سياسات الولايات المتحدة مقارنة بأسلافه الرؤساء السابقين منذ ظهور الولايات المتحدة كقوة عظمى على المسرح الدولي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؟ ذلك ما ستجيب عنه الأشهر الثلاثة المقبلة والسنوات الثلاث المتبقية من ولايته الأولى، هذا إذا ما نحينا جانباً ما ظهر حتى الآن من سياسات غير مشجعة وقلنا من المبكر جعلها معيارا لتقييم ولايته وهو مازال في بداياتها.
 
صحيفة اخبار الخليج
26 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

عمال المدن وعمال القرى

إن ظهور العمل بالأجر بدأ مع دخول الشركات والبنوك الغربية إلى البحرين، وتركزت هذه في المدن، خاصة مدينتي المنامة والمحرق، وفيما قبل ذلك لم يكن نظام العمل بالأجر سائداً، وتحول بعد الأربعينيات من ظاهرةٍ محدودةٍ مرتكزة على عمال المؤسسات التجارية وجماعة عمال النفط، إلى نشاط اقتصادي سائد، واختفت الأعمال غير المحسوبة بالأجر فتحول العمال إلى طبقة واسعة، مع تنامي فوائض النفط وظهور المؤسسات الحكومية والخاصة.
لم يكن لعمال ومزارعي الأنشطة السابقة كالغوص والزراعة، أجور محددة بل يتم التعامل معهم بالقطعة والأنصبة في عمليات الإنتاج، مما يزيل الحدود بين الأجر والسلف، مع غياب التسجيلات الدقيقة لمدد العمل وثماره.
لكن العمال بالأجرة أختلفت ظروفهم، وغدت محددة، ومحسوبة، وكان ذلك من جراء كون المؤسسات حديثة، ذات جذور غربية، وأدى وجودهم في المدن وانبثاقهم الواسع من الأجيال القديمة ومن تدفقات الأجيال الحديثة المتعلمة، ونشوؤهم في ظرف نمو المنظمات القومية واليسارية الحديثة، أن تشربتْ الجموعُ بحداثةٍ معينة تلحظ في مسالكهم الشخصية، فلم يكن ثمة محدودية اجتماعية تسيطر عليهم، واتسم سلوكهم بالحرية، كالمشاركة في دور الطرب والغناء والسفر وحضور المسرحيات وقراءة الكتب والصحف، وفي الحي المدني كانت المؤسسة الدينية غير ذات سطوة على تفكيرهم، وبهذا تداخلت جموعهم التي هي في أغلبها جموع أمية أخذ التعليم طريقه إليها بتدرج طويل، مع تلك التنظيمات، التي نشرت بينهم أدبياتها.
كون هؤلاء العمال المدنيون على مدى عقود، أجيالَ المنظمات السياسية وخاصة اليسارية منها، وصار العمال الشباب قواعدها، مما زادها حضوراً في المؤسسات الصناعية والاقتصادية المختلفة.
وليس معنى هذا أن القرى لم تكن تنتج عمالاً، بل كان يتدفقُ منها عمالٌ على مدى كل هذا التاريخ. لقد كانت منطقة سترة منتجة كبيرة للعمال، خاصة لشركة النفط ولأعمالها المختلفة من حفر الآبار إلى إنشاء مصنع التكرير والقيام بالأعمال اليومية المختلفة.
لكن عمال القرى أخذوا يتدفقون بمعدلات أسرع في سنوات لاحقة، خاصة في السبعينيات والثمانينيات وما بعدها بشكلٍ أكبر من عمال المدن، التي توقفتْ عن ذلك الفيض العمالي الواسع كما كان من قبل، فقد غدت الأنشطة الاقتصادية كثيرة، وجذبت القطاعات الحكومية العسكرية والأمنية العمال اليدويين خاصة، وارتفعت الأجور فيها، بينما غدت الأعمال اليدوية غير مرغوبة فيها.
وتوسعت المدينتان المحرق والمنامة وخاصة الأخيرة التي احتضنت الشركات والبنوك بشكلٍ كبيرٍ عما كان سائداً من قبل.
وهكذا فإن الفيضَ السكاني في المدن توجه إلى المهن الإدارية والفنية والاقتصادية، وتصاعدتْ الأنشطةُ الاقتصاديةُ الخاصة، وبهذا فإن الفيضَ العمالي تقلصَ وإن لم يختفِ تماماً، فلاتزال هناك بروليتاريا تظهرُ ولكنها تتوجه إلى المهن الدنيا في الأجهزة الحكومية والشركات الخاصة.
يمثل حراكُ العمالِ والشغيلة عامةً الأسسَ الموضوعية لجذور المنظمات السياسية المختلفة، فحراكُ عمالِ المدن بين الأربعينيات والسبعينيات، أنتجَ حراكَ المنظمات القومية واليسارية التحديثية، فكانوا هم القواعد الأساسية لتحركاتها، ومن دون وجود عمال ذوي ثقافة مدنية متفتحة لم يكن بإمكانِ هذه المنظمات أن تجد مناصرين.
لكن الأحوال تغيرت مع توقف التدفق العمالي الواسع، وصعود الفئات الوسطى في المدن بصورةٍ كبيرة، وعوامل الضغوط على الحركات القومية واليسارية، فجنحتْ الفئاتُ الوسطى لخطاب اليمين السياسي خاصةً الذي وجدتهُ في الجماعات الدينية السنية، وفيما بعد توسع هذا أو رُحّل إلى المدن الجديدة.
كما أن خطابات تلك المنظمات اليسارية خاصة ركز في العمال، في الوقت الذي أخذ حضورُهم المدني يتقلص.
زاد الحضور الريفي للعمال، وأخذت مناطق كثيرةٌ في الريف وبعض الأحياء المدنية الفقيرة في إيجاد سيل من الرجال والشباب العمال، وغدا عمال القرى هم الأكثرية في واقع المنتجين البحرينيين وأعطى هؤلاء العمالُ المنظمات الدينية الشيعية حضورها وتوسعها. أدت مشكلاتهم وفقرهم وغياب الثقافة الحديثة إلى ضخامة لتلك المنظمات، رغم أن الجذور الاجتماعية تختلف بين هذه القواعد العمالية والقيادات الراجعة للملاك وشيوخ الدين.
إن تباين الفئات المكونة للطبقة العاملة البحرينية وتاريخية نشوئها المعقد، وتضاد الحداثة والتقليدية في تشكيلِ أجيالِها، جعلها غير قادرةٍ في الفترة الأخيرة على الوحدة والدفاع عن مصالحها بقوة، فهي لا تملكُ وحدةً فكرية نقابية قوية، كما أن وجود عمال أجانب أكثر منها جعل العمالَ البحرينيين في وضع منافسة قاسية، كما أن مشاعر الموجة(الدينية) نأتْ عن التوحد مع العمال الأجانب والدفاع عن ظروفهم، مما جعل الطبقة العاملة البحرينية والأجنبية في حالة استغلال هائلة وظروف صعبة كبيرة.

صحيفة اخبار الخليج
26 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد