المنشور

ماركس الرمزي وشبحية دريدا ( 6 – 6)

ظهرت التفكيكية – التقويضية على يد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في ثلاثة كتب أصدرها عام 1967، وقد بدأ دريدا نظريته بنقد الفكر البنيوي الذي كان سائداً آنذاك بإنكاره قدرتنا على الوصول بالطرائق التقليدية إلى حل مشكلة الإحالة، أي قدرة اللفظ على إحالتنا إلى شيء ما خارجه، فهو ينكر أن اللغة “منزل الوجود”)، (التفكيكية من الفلسفة للنقد الأدبي، مصدر سابق).
لا يمكن للوعي ألا أن يقوضَ الوجودَ السلبي، والأنظمةَ المتخلفة، والأفكارَ الناقصةَ غير الغنية، وغيرَ ذلك من الرؤى، ومن دون أن يفعل ذلك يقوضُ نفسَه. الوعي في علاقةٍ خلاقةٍ مع الوجود، إنتاجيةٍ نقضيةٍ تحليليةٍ صاعدة، ومن دون أن يفعل ذلك في كل أشكال الوعي يتدهور، ويتفتت، ويتمزق، ويذوب.
ولقد رأينا كيف فعل دريدا بوعيه في علاقته مع ماركس، أحاله إلى شبح، وعجز عن متابعة ماركس التاريخي، ماركس في علاقته بالطبقة العاملة، في إنتاجه المتنامي للنقد، لتحليل البنية الرأسمالية العامة الغربية الغنية المتناقضة، ولعدم تحليل ماركس للشرق، لعالمية الرأسمالية وتطوراتها التاريخية، لأن دريدا لا يحيل الظاهرات إلى تمثـُلٍ للوجود، لا يرى ماركس نموذجاً تتشكلُ فيه مسارات وتناقضات مرحلة أوربية – عالمية. أي تحليل ماركس وقد كشف قوانين البنية الرأسمالية في ظهورها الأوروبي وليس في تناميها العالمي. ودريدا لا يميز بين مستويات الرأسماليات العالمية، بين مستواها الغربي المتقدم، والشرقي المتخلف، وفي صراعهما المتباين عبر حركات التحرر الوطني و(الاشتراكية)، وفي وحدتهما الصراعية الراهنة كتطورٍ مركب للتشكيلة الرأسمالية. فيرى الرأسمالية الغربية فقط ويدينها أخلاقياً ولا يحللها. يرفض ليبرالية فوكوياما ولا يرى بديلاً لأنه رأى ماركس شبحاً.
إن تحليلَ ماركس كنموذجٍ يعني تحليلَ بنيةٍ، يعني متابعة علاقات موضوعية بدأت منذ عصر النهضة، واستمرت حتى زمان العولمة، زمان تشكل الرأسمالية الكونية. إن عدم الاعتراف بموضوعية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية داخل نص ماركس، يجعلُ مسألةَ نقدهِ وتجاوزهِ غيرَ ممكنة. إن المناهجَ التجريبية الظاهراتية ترفضُ الإقرارَ بذلك، وهو جزءٌ من طبقيتها الرجراجة وتقلباتها، ومن هنا تحدث لها مقاربات مع الواقع حيناً، ومع الوهم حيناً آخر. وهذا يتعلق بتكويناتها المختلفة والتأثيرات الخارجية في كل مرحلة ومنطقة وكذلك لسمات الأشخاص ومواقفهم.
ولقد امتد عدم النمذجة إلى هاملت وشكسبير وفوكاياما وغيرهم، لقد قطع دريدا بين خطاباتهم وطبقاتهم وعصورهم، لقد ناقشَ أفكارَهم وهي مقطوعةُ الأوصال، منفية في جزر أدبية خرافية، وانهال في منولوجات فلسفية جميلة في العديد من الأحيان، دارساً صوراً عميقة، كاشفاً رموزها الداخلية، لكن في تلك الجزئيات المفصولة عن بعضها بعضا، لأنها تفتقدُ الترابط الموضوعي مع المادة الاجتماعية، وهنا تستطيع المناهج الظاهراتية في تحليلاتها الجزئية الوصول إلى آراء هامة كما فعل في تعريته للرأسمالية الغربية الجديدة، وعبر الرجوع إلى معطيات موضوعية في الواقع الاقتصادي وفي الأعلام وفي الحياة الاجتماعية. وبطبيعة الحال وقعت هذه أيضاً في تلك الجزر المتباعدة، في الجزئيات المفصولة عن بعضها بعضا. في انهمار الصور واللغة المتابعة للأشباح، فلا تنتج تراكماً كبيراً.
(فماركس يحبُ صورةَ الشبح، وإنه ليحتقرها، ويتخذها شاهداً على معارضته، فقد كان بها مسكوناً، ومنهكاً، ومحاصراً، ومسلوباً) !، ص .204 هل كان ماركس كذلك؟
إن المنهجيةَ شبحية، فلابد أن يفككَ تناقضات ماركس نفسه، أن يرى ماركس الشاب العاطفي الحاد، القادم من الشارع ليثوّر العالم، الذي يعري هذا العالم بصخب وموضوعية في جوانب، ويدمج أوروبا بالعالم في خطاب مجرد، وليرى ماركس الكهل، ماركس الناضج الذي له منهجية أخرى. وكل من النموذجين يعبرُ عن تجربة ورؤية، وهناك واقعان مختلفان تشكلا فيه كل منهما بتعبير وفكر.
المنهجية الشابة لها علاقة بألمانيا غير المكتملة في نموها الرأسمالي، التي جلبت أشباح العصور الوسطى بكل ميراثها الدموي، التي تعلقت بنيتشه وهيدجر الممدوحين لديه، التي أنتجت بسمارك ثم هتلر، ثم المقابر الجماعية الكونية كافة، هذه ألمانيا التي حاول ماركس في مراهقةٍ هزيمتها قبل أن تصيرَ دركوالا أوربياً هائلاً، نتيجة لخطابه(الشيوعي) المراهق، ثم ذهب إلى انجلترا بديمقراطيتها وعلومها، هناك صار مقارباً لموضوعية أكبر كانت حصيلتها كتابه المهم الذي لم يحظ باهتمام مهم من الباحث. هنا كانت العلاقات والأرقام والشواهد ومئات المصادر والتحليل الطويل لرأس المال، الذي ظل يبحث عنها في جبال من الكتب ثلاثة عقود من السنين، هنا المنهجية المتجاوزة البيان وعصورا من الوعي البشري. هنا(حجر الزاوية الذي رفضه البناؤون) أو الأشباح الفكريون فيما بعد، فكان ماركس مهتماً بتحليل البُنى، ببحث العلاقات الموضوعية، وليس بالأشباح.
التفكيك يحتاج إلى الغوص في قعر الأرض الاجتماعية المتضادة، لنباتاتها الصغيرة التي تعملقت فيما بعد، ودرسها في هذا التنامي، لكن كما قلنا فإن الفئة المتوسطة الصغيرة المطحونة بين الطبقتين الكبريين، لها منهجياتها المقاربة لمصالحها ولأفق تطورها ولسوقها الثقافية، ومن الصعب أن تنقلب من ذاتها، لكن المقاربة مع الموضوعية، والمشاركة في تفكيك الشرور والأخطاء وكشف التناقضات مهمة، كما فعل دريدا نفسه في العديد من فقرات كتابه المُحلل هنا.

صحيفة اخبار الخليج
15 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

قنديل في مهب اللهب

كان قد مضى على هزيمة الخامس من يونيو / حزيران 1967 عامان فقط. وقع الهزيمة في النفوس كبير، لكن النفوس نفسها لم تنكسر، أو لعلها لم تكن قد انكسرت بعد يومها. المكان: دمشق، والمناسبة: مهرجان للمسرح العربي، والزمان: عام 1969، وشخوص الحدث ثلاثة: الراحلان نجيب سرور وممدوح عدوان والكاتبة صافي ناز كاظم الذين انعقدت بينهم خلال ذلك المهرجان صداقة جميلة. كان الثلاثة شباباً بين منتصف العشرينات حتى منتصف الثلاثينات من أعمارهم، ولم تقو برك الأحزان في نفسي ممدوح عدوان ونجيب سرور على كسر روح الدعابة والسخرية المرة من كل شيء، بما في ذلك من وقائع المهرجان الذي كان الثلاثة يشاركون فيه. أكثر من ذلك لم تقو هزيمة حزيران على مصادرة الأمل لديهم. قول ممدوح عدوان كان لسان حالهم: “انتظر الحلم القادم من ليل الموت/ لا بأس إذا انتظر اليائس عاما أو عامين”. كان المؤمل ألا يطول الانتظار، لكنه طال، طال كثيراً، وليس هنا محل إعادة سرد بقية الحكاية المعروفة. اتفق الثلاثة على زيارة مدينة تدمر السورية. كانت صافيناز كاظم شغوفة بأن ترى المدينة التي حكمتها زنوبيا، لترى كيف هي المدينة التي حكمتها امرأة، فطلبت من ممدوح ترتيب الزيارة التي وافق عليها نجيب سرور أيضاً، وهو بعقب بروحه المصرية الصميمة الساخرة: “وهي اسمها تدمر ليه؟ كانت بتدمر إيه؟”. ليست تدمر قريبة من دمشق كما حسب نجيب سرور وزميلته، ولكن الثلاثة بعد طريق طويل وصلوها ليتفقدوا بقايا زمن عظيم ولى. منذ شهرين أو ثلاثة روت صافيناز كاظم حكاية هذه الرحلة في مقال لها ب«الهلال”. كان عليها تعداد الفقدانات الكثيرة: الشباب المفعم بالآمال والشقاوة الذي ولى، المبدعين المتألقين اللذين رحلا: نجيب وممدوح، الأول في نهاية السبعينات الماضية مسكونا بالخيبة والفجيعة، والثاني الذي كانت قد التقته قبل رحيله في ردهات مؤتمر بالقاهرة أقامه المجلس الأعلى للثقافة فلم تتعرف عليه بعد أن هده السرطان، فكتبت تقول : “لم يعد صديقي، فصديقي هو الشاعر الشاب الذي كان وجهه زاهيا كاللؤلؤة”، هو الذي هتف يوما: “سأظل كآخر قنديل/ بفتيل لا يتعبه التلويح/ مرتعشا في العتمة حتى تطفئني الريح”. كان عند وعده، انه مثل نجيب سرور قنديلا من قناديلنا النادرة التي صمدت بوجع عسف الريح حتى آخر رمق، فهل تهبنا الحياة قناديل بديلة تضيء وحشة أعمارنا وسط هذا الخراب العربي؟
 
صحيفة الايام
15 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

تقرير جولدستون.. وفساد “السلطة”

في أوائل العام الجاري، وتحديداً بعد فترة وجيزة من انتهاء حملة الابادة الحربية الوحشية الاسرائيلية على السكان المدنيين في قطاع غزة التي ارتكبت خلالها قوات الاحتلال الصهيونية أبشع جرائم حرب بحق شعبنا الفلسطيني منذ اغتصاب أرضه عام 1948م، كنت قد كتبت مقالا توضيحيا في هذه الزاوية على اثر مقال للأخت الفلسطينية الاستاذة نائلة الوعري ابدت فيه انزعاجها الشديد من مقال لي بهذه الزاوية اتهمت فيه السلطة الفلسطينية بالفساد في الداخل كما في الخارج، واستشهدت بمظاهر الفساد الخارجي بكثرة البعثات الدبلوماسية الفلسطينية المعتمدة في بلدان عديدة من العالم وبضمنها بلدان عربية لا ضرورة قصوى لتكبيد الميزانية الفلسطينية باستمرارها او بوجود كل تلك الاعداد من أعضاء البعثات الدبلوماسية في اكثر البلدان، دع عنك نزوع معظم هذه البعثات الدبلوماسية الى سلوك نمط حياة معيشية أقرب الى الرغد، على شاكلة نمط حياة البعثات الدبلوماسية لدول العالم الغنية ومنها دول الخليج نفسها، ناهيك عن ان جل البعثات الدبلوماسية الفلسطينية، ان لم يكن كلها، تستحوذ حركة “فتح” على تمثيلها باسم السلطة الفلسطينية في ظل تغييب أي تمثيل ولو نسبي شكلي لفصائل المنظمة الاخرى، وعلى الأخص الجبهتان الشعبية والديمقراطية فضلاً عن المستقلين، ناهيك عن تقصير هذه البعثات في واجباتها خلال حرب الابادة على غزة.
وأذكر حينذاك كان من ضمن من اتصلوا بي للتعليق على مقالي قنصل البعثة الدبلوماسية الفلسطينية بالبحرين الأخ الفاضل الاستاذ جهاد القدرة الذي وعدته بتلبية دعوته الكريمة لي على مائدة لشرب فنجان قهوة نتبادل خلالها الآراء حول هموم القضية الفلسطينية. وقبل ايام قليلة شاءت المصادفات البحتة ان اتعرف إلى الدبلوماسي الفلسطيني الأخ الاستاذ القدرة وجهاً لوجه في احدى الحفلات الدبلوماسية العامة بواسطة احد معارفنا من الدبلوماسيين المصريين، فكان ان بادرني بالعتاب لتأخري في تلبية دعوته الكريمة لي لفنجان قهوة دردشة مشتركة، فقلت له مازحاً وأنا أفتعل الضحك في لهجة تجمع بين الجد والهزل: مازلت عند وعدي لك يا استاذ جهاد لكن بشرط واحد. فرد ما هو هذا الشرط؟ فقلت: ألا يكون حوارك معي يهدف عبثيا إلى اقناعي بعدم وجود فساد في السلطة الفلسطينية. فرد عليّ محدثي متداركاً شيئاً من الحرج: الفساد يا عزيزي موجود ليس في السلطة الفلسطينية فحسب بل في كل دول العالم.. فرددت عليه: عندك حق، لكن ان يوجد فساد في حكومات العالم قاطبة فهذا أمر يمكن تفهمه، وان كان مرفوضا مبدئيا، لكن أن ينخر قيادة حركة تحرر وطني مازال شعبها يئن منكوباً تحت أسوأ وأحط انواع الاحتلالات العنصرية في تاريخنا المعاصر، حتى ان سمت تلك القيادة نفسها “سلطة فلسطينية”، فتلك مصيبة ومأساة ما بعدهما مصيبة ومأساة بل لم تعرف أي حركة تحرر وطني عربية مثيلاً لهما في تاريخنا العربي الحديث. ولم أشأ ان استطرد أكثر من ذلك مبدلاً موضوع دردشتنا القصيرة الى موضوعات اخرى غير سياسية لكي لا أفسد أول لقاء تعارفي عابر بيننا.
بعد يومين فقط من تلك المناسبة تذكرت هذا الحوار على اثر تفجر فضيحة طلب السلطة الفلسطينية تأجيل مناقشة تقرير رئيس لجنة تقصي حقائق جرائم حرب الابادة العنصرية الصهيونية على شعبنا العربي في قطاع غزة برئاسة ريتشارد جولدستون وذلك تحت ضغوط امريكية اسرائيلية مفضوحة وبالتنسيق مع بعض الاطراف العربية.
وعلى الرغم من محاولة الرئيس الفلسطيني محمود عباس تنصله من مسؤولية هذا الطلب – الفضيحة وطلبه تشكيل لجنة للتحري فيمن يقف وراء تلك الفضيحة فإنه سرعان ما ووجه بطوفان من المعلومات والحقائق كشفتها اطراف عديدة فلسطينية وعربية واسرائيلية ودولية تقطع جميعها بما لا يقبل أي مجال للشك بوقوفه شخصيا وراء ذلك الطلب الذي حاول بمختلف الوسائل التنصل من مسؤوليته، فكان ان وقعت السلطة الفلسطينية نفسها في حيص بيص مُجِرة أذيال خيبتها وفضيحتها المدوية أمام شعبها والعرب والعالم بالتخبط تارة بقرار تشكيل لجنة تحقيق مدة اسبوعين للبحث عن المسؤول عن طلب سحب التقرير، وتارة اخرى بطلب احالة الموضوع إلى مجلس الأمن، وتارة ثالثة بطلب إعادة بحث الموضوع في مجلس حقوق الانسان الدولي، وكان أكثر المفارقات خزياً ان جاءت مواقف الامانة العامة لجامعة الدول العربية وعدد من الدول العربية، ناهيك عن مواقف منظمات حقوق الانسان الدولية، وعلى رأسها “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، أكثر تقدماً من موقف السلطة الفلسطينية المخزي التي توهمت ان ردود الفعل الغاضبة ستنحصر في “حماس” فقط، ولم تتوقع البتة اندلاع ثورة الغضب العارمة التي عبرت عنها كل فئات وقطاعات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وكل ألوان الطيف السياسي التي شعرت جميعها بنزيف الطعنة الغادرة لدماء اشلاء اطفال ونساء وشيوخ وشباب غزة ضحايا الارهاب الصهيوني الغادر.
ان تأجيل بحث تقرير جولدستون لم يكن سوى اغتيال لقضية آلاف الضحايا الابرياء ولدماء أولئك الشهداء الابرار وتثبيط عزائم كل الشرفاء في العالم وداخل منظمات حقوق الانسان الذين تضامنوا مع الشعب الفلسطيني ابان العدوان على غزة في أواخر ديسمبر وأوائل يناير الماضيين، ولا مبرر للقول إن هذا التأجيل هو لاتاحة الفرصة لتحقيق اكبر اجماع لصالح توصيات التقرير، فما كان الشعب الفلسطيني يتوقع البتة تحقيق المعجزات لتأديب اسرائيل عمليا من خلال تنفيذ تلك التوصيات، بقدر ما كان الغرض اساساً منه استغلاله كسلاح اخلاقي بتوجيه لطمة معنوية دولية قوية لاسرائيل توثق فضح وادانة المجتمع الدولي لها لوحشيتها وعنصريتها في عدوانها على غزة.
لكن حتى هذا السلاح الاخلاقي وهو السلاح الوحيد المتبقي في ايدي الفلسطينيين والعرب لبز اسرائيل به امام العالم وتأكيد مظلوميتهم وعدالة القضية الفلسطينية شاءت السلطة الفلسطينية إفساده أي جعله سلاحاً فاسداً، عديم الجدوى، وليس ثمة تفسير لذلك سوى غريزة نزعتها الفسادية بخضوعها لابتزاز امريكا واسرائيل وحلفائهما الاوروبيين المالي والسياسي بالتهديد بتوقيف الدعم المالي عنها.

صحيفة اخبار الخليج
14 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

رمزية ماركس وشبحية دريدا (5 – 6)

يدعو دريدا في كتابه (أطياف ماركس)، إلى قراءة ماركس ويقول:(وسيكون من الخطأ إذا لم يُقرأ ماركس وتـُعاد قراءته ومناقشته)، ص .41
يبدو ماركس هنا باستمرار كشبح، كطيف زائل، (ولابد من تقدير جهوده على الأقل)، والاعتراف بدوره!
إن الأشباحَ تحيي ذواتها وتشبحُ الرموزَ التاريخية الباقية في بحار الزمن الاجتماعي، إنها هي التي ذابت أو تكاد تغرق في موضات الوعي السائد، وفي موجات الوعي المُبتلعة، والتي تصيرُ نجوماً في سماء الاستهلاك الثقافي تتصورُ انها الركائز الباقية، وليست أشباحاً، ليست جزءًا من حطام ثقافي، قابل للتجدد في حطام آخر وهكذا.
والاهتمام بماركس كشفقةٍ فكريةٍ غربية ضرورية لأسباب:
(ومنذ اللحظة التي أخذت فيها آلة الدوغمائيات والمعدات الايديولوجية(الماركسية): (دول، أحزاب، خلايا، نقابات، وأمكنة أخرى من أمكنة الإنتاج العقدي) بالاختفاء، فإنه لم يَعُد لنا عذر)، ص .41
لقد زالت الشموليات الشرقية الاشتراكية وأصبح لماركس إذًا مكانة ما. إن غياب التحليلات الموضوعية تقود إلى نتائج إحسانية مثل هذه.
لقد رأينا كيف انتشرت الأفكار الماركسية في الشرق وفي أمريكا اللاتينية بشكل عاصف، وكيف قُرئت هذه الأفكار في كثير من الأحيان، بمستويات تناقضاتها الداخلية: أي بكونها دعوة للثورة الاشتراكية الراهنة، وبكونها قراءات إصلاحية لأنظمة متخلفة ولأنظمة رأسمالية متطورة كذلك. إن فقرات كثيرة في(كتاب البيان) (تكرر ذكره أكثر من عشر مرات في كتاب الأطياف) و(كتاب الايديولوجية الألمانية) (تكرر أربع مرات)، هذان الكتابان الشبابيان غير الناضجين لماركس وأنجلز، قد تم نشرهما باعتبارهما هما الفكر الماركسي وفيهما فقرات تدعو للثورة الاشتراكية المباشرة العنيفة وإزالة الطبقات فوراً وغيرها من المهام التي تتحقق في قرون وبشكل متدرج.
وحين اتحدتْ هذه الفقراتُ بثوراتِ الشرق الاجتماعية والوطنية تحولتْ الأنظمةُ إلى الاشتراكيةِ المُزيّف فهمها، التي صارت متحدة بالغيب الديني (الماركسي)، وهي ليست سوى رأسماليات حكومية، ودكتاتوريات، أُنجزتْ فوق ضلوع العمال، ولكنها في مجريَي التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي لدول الشرق حققت إنجازات اقتصادية كبرى، وأخطاء رهيبة كذلك، ثم تقزمت كثيراً وتشوهت بشكل هائل في دول صغيرة الخ. وقد تداخلت فيها الثنائيات المختلفة: ديمقراطية ودكتاتورية، ماركسية عمالية وبيروقراطية رأسمالية، تضحية واستغلال الخ.
لكن هذا لا يعني توقف التجربة وعدم إعادة إنتاجها بشكل ديمقراطي، وهذا يتطلب من باحث أن يقرأ ذلك ولا يعتمد على الاختزالات والظلال الأدبية السريعة المروق وعلى تيار الوعي والرموز الفلسفية المبهمة في خضم قراءة مارد سياسي.
لكن الوصول إلى الاستنتاجات الفكرية يبقى هو المهم، إن الجمل الماركسية المقطوعة السياق التي غدت في اللينينية حجر الزاوية، تبقى مجرد وقود في حطب آسيوي، ومجرد تحريك لدكتاتوريات قومية كامنة كبرى، وفيها كذلك أدوات اجتماعية وسياسية مستمرة، ونهضة لملايين الكادحين، لكن المهم والباقي ليست تلك الفقرات غير الموضوعية، لكن ما يبقى هو المنهجية، أي درس الظاهرات في خضم البُنى الاجتماعية واكتشاف قوانينها. هذه التي ترفضها أغلبية الفئات الوسطى الصغيرة المتذبذبة في الغرب والشرق، والمتلاعبة فوق حبال صراع الطبقات، الراكضة وراء مصالحها المحدودة، التي تصنع منها رؤىً.
إن شبحية شكسبير في مسرحية هاملت تعودُ لتضييعهِ قوانينَ السببية الاجتماعية، مثلما ضيعها دريدا، وفي الأدب يغدو ذلك فناً، وفي الفلسفة يصيرُ غفلةً، لكنه يعتمد على نظرة الكاتب الذي توصل لبعض السببيات الاجتماعية ودمجها في إبداعه، ولم يتوصل لسببيات أخرى، فتغدو ثغرة في الوعي الواقعي المباشر السائد في المسرحية الشكسبيرية، وهذه الشبحية الافتتاحية المُشعلة لحدث المسرح والمفجرة لشخصية هاملت، تعود لطابع السحرية الباقي الذي يدخل كتعويض عن ذلك الفقدان التحليلي، وهو أمرٌ سيغني تفكيكية دريدا في عدم تحليل ماركس.
أما ترديد ماركس للشبحية فهو يأتي في مسار آخر، وفي لغة تعبيرية أخرى، وفي بنية أخرى، في لغة صراع سياسي كوني، في مبارزة غير متكافئة بين طبقات شعبية صاعدة وأعمدة المال والطغيان في أوروبا منتصف القرن التاسع عشر، ويـُقصدُ فيها استخدام اللغة الدينية السحرية على سبيل السخرية، هذه اللغة السائدة في الرموز التي وجه إليها النقد ذاك. هي عملية تقزيم لتلك الرموز السائدة في الحكم، وإعلاء للعمال على مسرح الحقائق والعلم كما يتفهمه، كما يشير دريدا نفسه في بعض مواقع الكتاب الخاطفة.

صحيفة الايام
14 اكتوبر 2009

اقرأ المزيد

عذرا وزير الداخلية…






  • ليعذرني وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة لأن اختلف معه في
    تصريحاته المتكررة بشأن التجنيس، والاختلاف مع من تودّ وتعزّ لا يُغيّر في المودة
    شئيا، لأنني أعتقد بأن الوزير له من حسن الخلق وطيب المعاملة والأصل ما يفسح
    المجال للاختلاف معه مع الاحتفاظ بتلك المودة.



     



    اختلف معه بشأن تعريف التجنيس أولا؛ لأن التجنيس المعمول به حاليا يخلط
    الحابل بالنابل. فلدينا في البحرين شعب أصلي بالمعنى الذي تنطبق عليه مواصفات
    الأمم المتحدة للشعوب الأصلية بكل ما في الكلمة من معنى. فالذين يُطلَق عليهم «البحارنة»
    لهم أجداد مدفونون في البحرين منذ آلاف ومئات السنين، وهؤلاء لا يمكن أن يقول أحد
    بأنهم تم تجنيسهم، وهؤلاء لم يأتوا من المحمرة، بل إنهم كانوا موجودين على هذه
    الأرض منذ مئات وآلاف السنين، ومن هذا الشعب يأتي الشيخ ميثم البحراني، الفيلسوف
    الكبير الذي عاش قبل أكثر من سبعمئة سنة، وهو الذي تحاول بعض الجهات تجاهله ودثر
    تراثه. ولقد تعرّض البحارنة إلى ظلم واضطهاد موثق تاريخيا؛ ما اضطر عددا منهم
    للهجرة إلى بلدان مجاورة خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لحماية أنفسهم
    وأعراضهم.



     



    إن هؤلاء رفضوا التخلي عن هويتهم الأصلية أينما كانوا، وتحكي لنا الوثائق
    (المتوافرة لكل العالم) أن بعضا من أبناء هذا الشعب الكريم ممن اضطر للهجرة – بسبب
    الظلم الذي وقع عليهم – إلى مدينة المحمّرة الإيرانية (ومدن ساحلية أخرى أيضا) قد
    تعرّضوا لضغوط شديدة جدا من الحكومة الإيرانية في مطلع القرن العشرين لفرض الجنسية
    الإيرانية عليهم، إلا أنهم احتجوا لدى المعتمدية البريطانية (التي كانت تسيطر على
    جنوب إيران وعلى سواحل الخليج آنذاك) وتدخلت بريطانيا حينها ومنعت السلطات
    الإيرانية من فرض الجنسية الإيرانية عليهم لأنهم من أهل البحرين أصلا وفصلا. وكان أمثال
    هؤلاء كثيرون ممن بقوا في بلادهم وعمّروها – رغم كل الظروف – وهم الذين صوّتوا
    لصالح استقلال البحرين كدولة عربية تحت حكم عائلة آل خليفة العام 1970، وهم الذين
    صوّتوا لصالح الميثاق الوطني العام 2001.



     



    الشعب البحريني الحديث متداخل حاليا، وهناك فئات عديدة وجدت على أرض
    البحرين منذ مئات السنين أو منذ عقود طويلة، ومنهم الهولي والقبلي والعجمي وغيرهم
    من الفئات التي أغنت النسيج المجتمعي المتعدد من كل جانب… وهؤلاء أيضا لا نستطيع
    أن نقول إنهم تم تجنيسهم. فهؤلاء لهم مساهمات كبرى في انطلاق نهضة البحرين، وهم
    الذين وقفوا لصالح عروبة البحرين واستقلالها ونموها، ولا يمكن أن نتحدث عنهم وكأن
    الجنسية مُنحت إليهم.



     



    وإذا حذفنا الفئات أعلاه من تعريف التجنيس يمكن أن نرى أن تصريحات الوزير
    ليس متفقا عليها، ولا يمكن أن نقول بأي حال من الأحوال «إن 95 في المئة من الذين
    تم تجنيسهم جعفريون»… اللهم إلا إذا صدق البعض خرافة أن البحرين (مع شعبها) لم
    تكن موجودة في التاريخ، وإنما نزلت من السماء فجأة على الأرض قبل فترة محدودة من
    الزمن.

     الوسط  13 أكتوبر 2009م



     

  • اقرأ المزيد

    تشارلز بليغريف




  • شخصية السير تشارلز بليغريف عادت إلى الاهتمام السياسي في البحرين، وهناك
    حديث عن استعداد المخرج البحريني بسام الذوادي لإنتاج فيلم عن شخصية «المستشار»
    الذي كان مسئولا عن إدارات الدولة ما بين 1926 حتى 1957. كما قام مركز البحرين
    لحقوق الإنسان في شهر رمضان بنشر ترجمة لجزء من يوميات بليغريف، وهي اليوميات التي
    كان يكتبها يوما بيوم عندما كان مسئولا عن إدارة الدولة، وكانت هذه اليوميات قد
    انتشرت (باللغة الإنجليزية) على مواقع الإنترنت… ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع بليغريف
    فإن يومياته أصبحت مصدرا مهما لكل من يهتم بدراسة تاريخ البحرين الحديث. بليغريف
    ولد في العام 1892، وجاء إلى البحرين بوظيفة مستشار في العام 1926، وخرج من
    البحرين بعد انتفاضة الخمسينيات في العام 1957، وتوفي العام 1969.



     



    وقد كتب بليغريف ثلاثة كتب، وهي مذكراته الرسمية Personal Column (وهي تختلف عن
    اليوميات المكتوبة في المفكرة الشخصية اليومية والتي نشرت حديثا على الإنترنت)،
    وكتاب عن واحة سيوة Sewa Oasis وكتاب عن «ساحل القراصنة» يرصد كيف أن بريطانيا التي لم تكن تهتم
    بالخليج في القرون الماضية، وأنها إنما تدخلت وفرضت سيطرتها على كل مياه الخليج من
    أجل منع هجمات القراصنة على سفنها التجارية وهذا كان سبب توقيع «اتفاقية 1820» مع
    مشايخ الخليج. وقد ترجمت مذكراته الرسمية وكذلك كتاب ساحل القراصنة، مع تعديلات،
    لأن القارئ العربي قد لا يتحمل صراحة المستشار.



     



    ولكن بليغريف لم يترك الكتب الثلاثة فقط، فاليوميات التي نشرت على
    الإنترنت (وترجم جزء منها) تقارب عدد صفحاتها الألفين وهي شيء جديد أضيف مؤخرا.
    ولكن هناك معلومات كثيرة أخرى نشرت كتقارير رسمية عن حكومة البحرين، وهي متوافرة
    في المكتبات الكبرى، بما في ذلك مكتبة «مركز الإمارات للدراسات والبحوث
    الاستراتيجية» في أبو ظبي، وهذه التقارير غنية جدا بالمعلومات التي يحتاجها أي شخص
    يدرس البحرين، وحتى أن رسالة الدكتواره المهمة التي أعدها المفكر الكويتي محمد
    الرميحي عن البحرين في العام 1970 اعتمدت كثيرا على هذه التقارير.



     



    بليغريف أصدر ونشر مابين 1926 و1957 نحو 30 موازنة للدولة، و30 تقريرا
    ختاميا لحسابات الدولة، وهذه التقارير تحتوي على معلومات كثيرة وشفافة، وهي ترصد
    واقع ومجريات البحرين سنة بسنة في تلك الفترة. والملاحظ أن هذه الموازنات
    والتقارير السنوية «اختفت» مع رحيله من البحرين العام 1957، والناس لم يروا موازنة
    إلا ربما في العام 1974 في أيام المجلس الوطني، ومؤخرا منذ العام 2002 -كل سنتين-
    بدأ مجلس النواب يرى موازنات للدولة، وبين فترة وأخرى يتسرب تقرير هنا وهناك عن
    حساب ختامي أو تقرير عن ديوان للرقابة… ولكن كل هذا النشر وكل التفصيلات التي
    نراها هذه الأيام مازالت دون مستوى تدفق المعلومات الذي كان متوافرا في البحرين
    مابين 1926 و1957


     

    الوسط  27 سبتمبر
    2009م

  • اقرأ المزيد

    تخلفنا من صنع أيدينا



    التقارير الاستراتيجية التي تصدر من المؤسسات الدولية ومن الدول الكبرى
    كثيرة، ولكن بعضها مهم لأنه يحمل في طياته معالم سياسات تؤثر علينا بصورة مباشرة
    أو غير مباشرة. فالتحديات التي تناقش على المستوى الدولي تتطرق إلى ملفات التحدي
    النووي، والإرهاب، وتغير المناخ، والأزمة المالية العالمية، وانتشار الأمراض
    الخطيرة، والفقر، الخ… ونحن كمسلمين وعرب نبقى خارج إطار التفاهم الدائر حاليا
    لحل المشكلات العالمية الكبرى، فيما عدا دخول المملكة العربية السعودية مؤخرا في
    مجموعة الدول العشرين والتي تسعى حاليا للاتفاق حول سياسات لإنعاش الاقتصاد
    العالمي.

    لكننا مازلنا بصورة عامة، نعيش في الجانب الآخر من المعادلة، إذ ينظر
    إلينا الآخرون وكأننا نحن المشكلة، وهم الحل… وبالتالي فإن الحروب في بلداننا،
    والإرهاب ينطلق من بلداننا، ونحن أقل من يهتم أو يعرف أي شيء عن المحافظة على
    البيئة، وليست لنا علاقة بمساعدة مناطق الجوار (مثل اليمن والصومال) للخروج من
    أزمات الفقر والجوع وفشل مؤسسات الدولة… وإذا كانت لدينا ثروة نفطية، فإن الكثير
    منها يذهب لشراء السلاح غالي الثمن من الدول الكبرى وذلك بهدف تكديسه إلى أن يتحول
    إلى خردة، ومن ثم نتورط به لعدم تمكننا حتى من إعادة تدويره.

     

    دول العالم العربي والإسلامي لديها فرص كثيرة لكي تلعب دورها بصورة
    استراتيجية، وذلك لكي تصبح جزءا من الحل في اجتماعات الأمم المتحدة والمؤتمرات
    التي تنطلق في نيويورك، وتتواصل حتى نهاية العام الجاري في كوبنهاغن… ولكننا
    منشغلون بمشكلاتنا الداخلية، وبحروب باردة بين بلداننا أكثر من التنسيق لنلعب دورا
    استراتيجيا أكبر. ومن يشاهد بعض الفضائيات حاليا يرى كيف تدور الحرب الباردة بين
    دول الجوار، وهذه جميعا تستنزف الطاقات، وتنتج ثقافات الكراهية، وتفسح المجال
    لإضعاف قدراتنا الاستراتيجية.

     

    والمشكلة أيضا أن الوضع العام ينعكس على مجمل سياساتنا المحلية، فتجد أن
    معظم نفقات الحكومة في البحرين، مثلا، تتوجه للأمن والدفاع، وما يتوافر لخدمة
    المواطن (في السكن مثلا) تتم إدارته نحو غايات غير سليمة تعزز الفرقة والتمييز في
    المجتمع على أسس طبقية وطائفية. وحتى جامعتنا الوطنية مشغولة في اجتماعات وصرف
    معاشات لأخصائيين استجلبوا من كل حدب وصوب ليس من أجل اكتشاف دواء ينفع الإنسانية،
    وإنما من أجل إصدار قرار لطرد طالبة عبرت عن رأيها. وعندما نقارن هذا المستوى من
    الطرح في أوساطنا بما يجري في مناطق العالم الأخرى (بما في ذلك عدة دول إفريقية
    كانت فقيرة سابقا) نكتشف بعض أسباب تخلفنا، وأن ما لدينا من ثروة ومؤسسات (حتى
    العلمية منها) نستخدمها فقط لإرجاعنا إلى الوراء، لنؤكد بذلك ما تقوله التقارير
    الاستراتيجية عن منطقتنا بأنها تمثل «مشكلة» و «عالة»، وهذا


    التخلف إنما هو من صنع
    أيدينا وليس نتيجة مؤامرة خارجية علينا.

     

      

    الوسط 23 سبتمبر 2009م

     







    اقرأ المزيد

    مدى قانونية قرار الجامعة بشأن نور حسين

    في البداية يتوجب الاعتذار لمن يلمس جفافا في لغة هذه المقالة أو تغليبا للجانب القانوني، فالمقاربات القانونية البحتة لقضايا عامة وتحويلها لمادة صحافية مقروءة ومشوّقة ليست مسألة يسيرة كما تصورتها، ولابد من الاعتراف بأن قلمي عجز عن تحقيق هذه الغاية التي لم أحرص عليها بقدر حرصي على بيان الجوانب القانونية وتبادل الآراء التي قد تطرح في هذا الشأن لتعميم الاستفادة.
    ليست كافية ولكنها خطوة إيجابية تحسب لمجلس جامعة البحرين الذي استجاب لنداء العقل والضمير، حين أوقف تنفيذ الجزاء الذي أصدرَته لجنة التحقيق بإلغاء فصلٍ دراسيٍ واحد اجتازته الطالبة نور حسين بنجاح، ونأمل أن يكون الإنذار النهائي محلا لإعادة النظر فيه أيضا، ففضلا عما يلحقه قرار كهذا بسمعة أي صرح أكاديمي، هناك جوانب قانونية وحقوقية نرى ضرورة أخذها في الاعتبار. فعلى الرغم من أن الجزاء الذي تم توقيعه على الطالبة وعدّل لاحقا، كان سيتسبب في ضرر بالغ لمستقبل الطالبة إلا أن الجانب الذي سنبحث فيه ليس قسوته، بل مشروعية القرار الذي أوقعه ومسَاسَه بحقوقٍ دستورية وقانونية، والآثار القانونية المترتبة عنه، لذا فإن المسألة ليست كما يتصور البعض قضية طالبة واحدة، بل هي قضية نضال من أجل سيادة القانون ومن أجل حقوق وحريات الأفراد بوصفهم مواطنين وطلاب جامعيين، فلائحة المخالفات المسلكية التي أستند عليها القرار، تضمنت بنودا عديدة تتعارض مع القواعد القانونية والقضائية العامة ومبادئ العدالة، فللجنة التأديب حق توقيع أي من الجزاءات المنصوص عليها في المادة (3) من اللائحة وفقا لما تراه مناسبا، ومعظم القرارات التأديبية تعتبر نهائية لا يجوز استئنافها، والتطبيق العملي لبنود اللائحة يكشف عن اعتقاد خاطئ بأنه يمكن سلب اختصاص القضاء، حيث جاء في المادة (17) أن مجلس الجامعة هو الجهة المختصة بتفسير اللائحة، فماذا يتبقى للطالب ومن ينصفه من قرارات إدارية تستند للائحة متخمة بالعديد من البنود المخالفة لأحكام الدستور والقانون والمواثيق الدولية، بحيث لا يمكن جبر ضررها إلا باللجوء للقضاء ليقول كلمته.
    ومما قاله القضاء في حالات مشابهة: «إن تقدير الجزاء متروك لتقدير من يملك توقيع العقاب التأديبي، غير أن السلطة التقديرية، مقيدة بعدم جواز إساءة استعمال السلطة، وهذا يمكن إثباته دون عناء حين يكون عدم التناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الموقع عنها واضحا، ومناط مشروعية هذه السلطة شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى، ألا يشوب استعمالها غلو».
    إن إدارة الجامعة مقيدةٌ بالبنود والإجراءات الأخرى المنصوص عليها في ذات لائحة المخالفات المسلكية، من حيث تطبيقها نصا وروحا، الأمر الذي كان غائبا عن بال من أصدر القرار، فلا يجوز تجزئة القواعد العامة بتطبيق ما يعجبنا واستثناء ما لا نرغب فيه، حتى لا تُصمُ قراراتنا بالتعسف وإساءة استعمال السلطة وعدم التناسب بين المخالفة والجزاء، فالقرار لم يتدرج في الجزاء التأديبي بفرض مشروعيته، كما أنه لا يجوز الجمع بين جزاءين أو أكثر للمخالفة الواحدة، ويراعى عند توقيع الجزاء تناسبه مع درجة المخالفة وتكرارها (المادة 5)، والقرار عموما يعوزه المنطق لبيان الصلة بين المخالفة والجزاء المطبق، وسبب توقيعه بالذات على التحصيل العلمي للطالبة الذي اجتازته بنجاح، وما هي الأهداف التربوية أو المصلحة العامة التي استهدفها القرار، كونه صادرا عن إحدى جهات الإدارة التي حالها حال الجهات الأخرى تخضع سلطتها التقديرية في إصدار قراراتها لرقابة القضاء الذي يقرر توافر شرط المصلحة العامة، فالسلطة التقديرية لأية جهة إدارية ليست سلطة مطلقة؟.
    إن هذا القرار فعلا غريب والأغرب هو أن يُسمح بتمريره دون تمحيص من النواحي التربوية والحقوقية والقانونية، فالقرار واللائحة المستند لها يشوبهما مخالفة أحكام الدستور كونهما يتعارضان مع الحقوق الواردة فيه بشأن حق المشاركة في الشئون العامة (المادة 1) وحرية الرأي والتعبير ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما (المادة 23) وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 27)، وإن كانت لائحة المخالفات المسلكية في الجامعة أو أية لائحة أخرى تتضمن عقوبات من هذا النوع، فإن ذلك يعني أنها توقع عقوبات على ممارسة المواطنين لحقوق وحريات يكفلها ويحميها الدستور، وهذا غير جائز لأنها بذلك تتجاوز حكم المادة (31) من الدستور التي قيدت القوانين واللوائح التي تصدر، بأن لا ينال تنظيمها أو تحديدها للحقوق والحريات من جوهر الحق والحرية. أما إذا لم يكن هناك نص، فإن ذلك مخالف للقاعدة القانونية التي تقول إنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني»، وأيا كان النص أو التفسير الذي استندت له الجامعة في قرارها الإداري المتضمن عقوبة شطب نتائج امتحانات الطالبة، فإنه مخالف للقانون وأحكام القضاء في هذا الشأن: «فأداء الطالب للامتحانات وإصدار الجامعة قرارها بإعلان نتيجة الامتحان من الناحية القانونية، هو قرار إداري نهائي إيجابي صريح، ينشئ مركزا قانونيا جديدا، هو اعتبار الطالب ناجحا أو راسبا وتحديد مرتبة النجاح المقررة له وترتيبه بالنسبة لغيره من الناجحين والآثار المترتبة على النجاح والمستمدة من القوانين واللوائح».
    والقرار الصادر بإعلان نتيجة الامتحان هو القرار الذي يستمد منه صاحب الشأن مركزه القانوني في النجاح، ويترتب على ذلك أن النتائج التي تحصل عليها الطالب تصبح ملكه وحده قانونيا ومعنويا، ولا يمكن لأية جهة أن تتصرف فيما لا تملكه حتى الجامعة التي اعتمدت نجاحه، إلا إذا ثبت لها عدم أحقيته في تلك النتائج لأسباب مشروعة متصلة بالامتحان ذاته، منصوص عليها في القانون واللوائح كأن يكون هناك تزويرٌ أو قيام شخص آخر بأداء الامتحان بدلا عنه أو ثبت غشه في الامتحان.
    وقد استقرت أحكام القضاء على «أن القرارات الإدارية التي تُولّدُ حقا أو مركزا شخصيا للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك المراكز».
    جلّ ما نتمناه أن تتسع صدور وعقول المسئولين عن هذا الصرح العلمي الذي نفخر به، للرأي الآخر وللنقد البناء الموجّه للنصوص والممارسات وليس للشخوص.
     
    صحيفة الوسط
    13 اكتوبر 2009

    اقرأ المزيد

    ماركس الرمزي وشبحية دريدا ( 4 – 6)

    إن التناقض الكبير بين الغرب والشرق، تأسس في مرحلية الاستعمار بين (الشرق العامل البروليتاري والشرق المالك البرجوازي). هذا ما تعمم في فترة بين نهاية القرن التاسع عشر ومنتصف الخمسينيات من القرن العشرين.
    إن هذا التعميمَ ايديولوجي مضللٌ بطبيعة الحال، ولكنه كان يمتلك شيئاً من الموضوعية أيضاً. وفي انتقال الماركسية الشعبوية المعتمدة على (البيان) قامتْ بالارتكاز على مثل هذه التعميمات ثم جرتها لتاريخ الشرق.
    في (اللينينية) تكرست شعبوية البيان، الذي كانت له امتدادته في كتب ماركس، مثل (الايديولوجية الألمانية) حيث يدعو للثورة البروليتارية من دون ضرورة لوجودِ أسسٍ واسعة للنظام الرأسمالي، وهذا كان لينينيةً ألمانيةً، لكن حتى هذه (الايديولوجية ..) لم تـُطبع في حياة ماركس، فغدت الماركسية تمشي كدين مقدس.
    أي أن لينين في توجهه لثورة اشتراكية لم يكن يصدر من وازع شخصي محض، وكان اختراق مسألة التشكيلة الرأسمالية وتجاوزها قد بدأ من ماركس نفسه:(حر وعبد، ونبيل وعامي/ فلترتعد الطبقات السائدة/ يا عمال العالم اتحدوا). إن إمكانية اختراق نظام رأسمالي – إقطاعي، وإقامة نظام ديمقراطي، وذي إصلاحات تقدمية، مختلف عن تحطيم التشكيلة الرأسمالية.
    إن النظامَ الرأسمالي يختلفُ عن (التشكيلة) الرأسمالية، فإزالة التشكيلة أمر يعني إزالة مفردات النظام الرأسمالي الأولية كالنقود والدولة والطبقات والسوق.. الخ، ويعني نظاماً عالمياً، لكن تغيير النظام الرأسمالي وتمزيق جوانب كبيرة منه ليس مثل ذلك.
    هذا الخلط بين النظام والتشكيلة، بين الإصلاحات وإلغاء الرأسمالية، كانت قد صُوبت من ماركس نفسه في رأس المال، من دون وضوح كلي منه، وليس في البيان كما أشرنا سابقاً، لكن هذا التصويب تم تجاهله وراحت الحركة الماركسية في الشرق ترتكز على البيان بدرجة أساسية.
    وفي تطبيق الثورة الروسية سنة 1917 وبعد التأميمات وغيرها عادت إلى السوق والنقود وتطوير الرأسمالية سنة 1921، بعد أن حُجمت الدكتاتورية اللينينية لكن الدكتاتورية الروسية العامة لم تـُحجم بل تفاقمت.
    هذا جعل من الماركسية بالنسبة إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية مجموعة من الأشباح السياسية والعسكرية على قول دريدا، لكنها بالنسبة إلى جزء كبير من الشرق ظلت حليفاً مهماً ثم قائداً كونياً.
    مهما كانت النتائج للبيان فإن ماركس ظهر كشخصية عالمية فاعلة في تاريخ الرأسماليات، كنقيض لها وكمؤسس لها أيضاً! بين أن يكون قائداً لزوال الرأسمالية وقائدا لتشكيل الرأسمالية، هذه هي القراءات المعقدة للشعوب، في تفاوت مستويات تطورها، وفي تباين فهمها للماركسية.
    سوف نحاول أن نرى ذلك عبر قراءة دريدا للماركسية عبر كتابه السابق الذكر: (أطياف ماركس). هذا الباحث الذي تم الاحتفال بأعماله في البحرين وصدر كتابٌ عنه هذه السنة .2009
    لا يُذكر هذا الباحث الفرنسي المولود في الجزائر بأي شيء مثير، ربما حادثة واحدة صغيرة اضطُهدَ فيها، لكنه باحث غارق في الكتب والأبحاث. هو جزء من ذلك المناخ الذي أشرنا إليه، حيث الفئات الوسطى الصغيرة التي تم صُنع شريط فكري لها من قبل البنية الرأسمالية المسيطرة، عبر الظاهراتية الممتدة من كانط، التي يقومُ فيها الفكر بمناقشة سطوح الظاهرات المتبدلة دوماً في موجات أشبه بموضات الملابس والتسريحات، وهو حين رفض تحليل الواقع كبنية، لم يرفض أن يحلل ظاهراته المتطايرة منه، المفصولة عنه، تجنباً لخروجه من دائرة التداول السلعي، ومن الاصطدام بجذور الواقع والسلطات، رغم أن ذلك لم يكن كلياً، فهناك بعض التيارات التي استندت إلى تطور الوعي الديمقراطي والوعي التقدمي وطورت أدوات التحليل كذلك كالبنيوية الوظيفية مثلاً.
    إن موجات الوعي هذه الأشبه بالموضات تغدو أشباحاً، فهي أشبه بالنجوم فترة ثم تغوص في مياه العتمة، لا يبقى منها شيءٌ كثير، تزول لعدم ارتباطها بموجات اجتماعية كبيرة، ولهذا نرى دريدا يكرس كتابه لمناقشة الأشباح حين يناقش شخصية ماركس التي (ملأت الدنيا وشغلت الناس).
    شخصية باحثة مثل دريدا انجذب ليناقش الأشباح حين يناقش تلك الشخصية الحافلة بالأحداث والمؤججة للأحداث، ويملأ كتابه الشديد الغموض بهذه المناقشات التحليلية المجردة الملموسة المتقطعة المتناثرة، الأدبية، داخل كيان يفترض أن يكون غير أدبي، لكون الظاهرات الأدبية توجه التحليل خارج البنى الاجتماعية المرفوض تحليلها والغوص فيها بأوروبا والعالم.
    لدينا أشباح كثيرة وأهمها شبح الملك هاملت من مسرحية شكسبير المعروفة. ويقوم بربط شبح هاملت بشبح الشيوعية الوارد في (البيان) وفي كتب أخرى لماركس.
    يظهر شبحٌ في بداية مسرحية هاملت للأمير الابن هاملت ويدعوه للانتقام لمقتل أبيه. الشبح هو الأبُ القتيل نفسه، ويظهر في حالة درامية عنيفة مليئة بالظلال التعبيرية، ويتشكل كقفزة غير واقعية، مضادة للمسار التكويني الواقعي للبناء الدرامي الشكسبيري هنا. إن هذا القطع الايديولوجي في هذه المسرحية الواقعية، يرتبط بمسارات لا فنية، وأسطورية شرقية، لكنها أُخذت كتفعيل للفعل الدرامي من الخارج، من الوهم.
    بين الجذور الأسطورية الشرقية للشبح، وظهور المسرحية الشكسبيرية هذه في بداية عصر النهضة الأوروبي، العقلاني المتنامي، ثمة قطيعة كبيرة مع النص الماركسي، مع مفردة الأشباح التي ظهرت في البيان. ولكل مقطع في سياقه الزمني، وبنيته، دلالات.
    لكن دريدا ضخم تضخيماً كبيراً من (الشبحية)، وغدت مسرحية هاملت هي المحللة، وغُيّب ماركس كثيراً، فهذه تحدث القطيعة مع النص الماركسي في بنيته الاجتماعية، وقطعه عنها، وتعليقه في الفضاء الشبحي، ثم إطلاق العنان للخيال والمنولوجات الذاتية والتدفق اللغوي ذي العتمة الشديدة والتعميمات الغريبة الغامضة ثم ظهور لبعض التحليلات السياسية المفاجئة العميقة الجيدة الطالعة بجزر نائية لا تمتلك أي علاقات مع الشبحية تلك ثم العودة الدائمة للشبحية الشكسبيرية.

    صحيفة اخبار الخليج
    13 اكتوبر 2009

    اقرأ المزيد

    روح المنامــــة

    منذ عامين نشرنا في مجلة “البحرين الثقافية” ملفاً عن ذاكرة المكان شارك فيه أدباء ومثقفون وفنانون بحرينيون عن علاقتهم بالمكان، ومن بين الشهادات التي حواها الملف مقتطفات من كتاب الفنان التشكيلي المعروف عبد الكريم العريض: “حصاد الفن” الذي تحدث فيه بشكل حميم عن علاقة أعماله التشكيلية المبكرة بمفردات العاصمة التي نشا فيها في بيتهم القديم القريب من سوق الطواويش. في الملف أيضا كتب بدر عبدالملك عن ذاكرة المنامة انطلاقاً من منطقة الحورة التي كانت تغتسل كل صباح بالبحر يوم كان ثمة بحر في البحرين، وقادنا بدر إلى الكثير من مفردات الحياة اليومية في تلك المنطقة التي منها خرج مبدعون كبار معروفو البصمات في المنجز الفني والإبداعي في البحرين، تشربوا روح المكان وجمالياته. أما الناقد جعفر حسن فقد أتحفنا بشهادة جميلة عن المنامة التي أينما يممت فيها فلا بد أن تقع عيناك على المنائر التي تعلق فوقها الهلال، المنامة التي هي أيضا امرأة تلبس جلباباً طرزته المآتم التي تحتضن الأفراح والأتراح. المنامة هي ميناء البحرين المفتوح على العالم من خلال سوقها وبوابتها الشهيرة: باب البحرين الذي يأخذنا إليه بسحر فريد رمضان في مطالع وثنايا رواياته، حيث العاصمة تستقبل منه الوافدين الجدد إليها من بر فارس وعمان والبصرة والهند فتأسرهم بما فيها من تنوع في المشاهد واللهجات واللغات، وهي تتهجى أولى مفردات الحداثة، فيتجاور في المكان نفسه المسلمون والمسيحيون واليهود والهندوس والعرب والعجم، ذلك الهجين الذي من صلاله تشكلت المنامة الجميلة. يمكن لك أن تتوغل في المنامة القديمة التي تتجاور وتتلاصق فيها الأحياء يوم لم يكن السني مشغولاً بسنيته والشيعي مشغولا بشيعيته على النحو الذي فعله بنا أمراء المذاهب اليوم الذين صادروا أو أوشكوا منجز التسامح والتعايش الذي طبع المدينة البحرينية وهي تتشكل في سيرورة التكون الأصيل والعميق، ثقافة وفناً ومسلكاً للعيش. ستجد تلك الأجواء في “رهائن الغيب” لأمين صالح وهو يحكي حي الفاضل الشهير، وسنجدها في شهادة معبرة كتبها عبدالقادر عقيل عن منامة ستينيات القرن العشرين يوم كان كل شيء”كلاس” كما يقول: زمن فرقة البيتلز وبطل الملاكمة محمد علي كلاي المراوغ كفراشة الذي نزعت منه البطولة لأنه رفض الذهاب لمحاربة الفيتكونج في فيتنام وزمن نادي الترسانة والصالون الأخضر. المنامة هي أيضا دور السينما والمكتبات التي كان بوسعك لا أن تقرأ فيها نجيب محفوظ ووسادة إحسان عبدالقدوس الخالية أو “نظاراته السوداء” فحسب وإنما تطالع على أغلفة الكتب وجه هوشي مينه الأليف وعناد الجنرال جياب عبقرية فيتنام العسكرية وكتب سلامة موسى وجورج حنا وترجمات فيكتور هيجو وجاك لندن ومكسيم غوركي. من صفحات تلك الكتب طلعنا وتشكلنا. في كل واحد من أبناء ذلك الجيل ذرة أو أكثر من تلك الكتب. لم أدرك تماماً، أنا القادم من السهلة، منامة الستينات، لكن أعرف جيداً منامة السبعينات، يوم أقمت فيها فعلياً نحو عامين رفقة حسن المحروس وعبد الرضا عبد الرسول في بيت هذا الأخير ليس بعيداً عن مأتم مدن، بعد أن فصلنا نحن الثلاثة ومعنا ثلاثة آخرين من مدرسة الحورة الثانوية ضريبة تزعمنا لإضرابات طلبة الثانوية من اجل حرية العمل النقابي. أين هذه المنامة التي كانت.
     
    صحييفة الايام
    13 اكتوبر 2009

    اقرأ المزيد