المنشور

تحديات العلمانية البحرينية (2)

لم يكن بإمكان مدينة المحرق أن تكوّن طبقةً تجارية، أو ثقافةً حضرية ديمقراطية، رغم نشوء التعليم المبكر فيها، وظهور المجالس والمنتديات الثقافية والتعليمية، وكانت الرموزُ النادرةُ التي تعودُ للزمنِ التقليدي الثقافي كالشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة وعبدالله الزائد وعبدالرحمن المعاودة تؤكد الماضي الثقافي المبهر للمدينة وكذلك عملية الانطفاء الثقافية وعدم قدرة هذه الرموز على إنتاجِ ثقافةٍ وطنيةٍ ترضعُ من التحديثِ لصعوبةِ المهمة وضخامة العراقيل.
وهذا يعكس من الناحية الاجتماعية الغائرة عدم وجود حوار مؤسساتي بين الشيوخ والعامة، وبين المدينة والقرية، فقد انقسمتْ القبائلُ انقساما حادا، بين قمة وسفح، وتحول العامةُ إلى ما يشبه الرقيق في نظامِ الغوص، وسنجدُ هذه المرارةَ متفجرةً حادةً في شعر علي عبدالله خليفة، الذي ارتسمتْ في قصائدهِ عظامُ الغواصين الملتهبة وغرقُهم المستمرُ في الليلِ الاجتماعي، الذي تجسدَ بحراً لا يرحم وعلاقات اجتماعية استغلالية بشعة، غير إنسانية، وكذلك صَورتْ تلك الأشعارُ التي أُنتجتْ في المحرق طبيعةَ المثقف البحريني في المدينةِ كفردٍ ينتظرُ المخلص، القادم، فيراهُ في البطلِ الشعبي، وفي الإنسان العامي الذي ينزلُ للصراع في الشارع، ويرحل، ويتحول لديه إلى أسطورةٍ، ورمز، أو يراه كذلك في الرمز السياسي العربي القومي: ناصر.
إن تحول العامة إلى ما يشبه الرقيق في نظام الغوص خلقَ عامةً مسحوقة غير متعلمة، حادةَ المزاج، بسببِ هذا الانحصار المعيشي وهذه المدينة الضيقة المزدحمة التي هي أشبهُ بسجنٍ كبير، وتشرّب الشبابُ هذه الأزمةَ وهذه العواطف الحادة وهذا الصخبَ السياسي المتفجر في المقاهي الكثيرة المنتشرة، وقام الراديو بربطِها بأحداث العالم، ولهذا فإن تأييدها لأدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية غير مستغرب، فهي تبحثُ عن بطلٍ يقومُ بتوجيهِ ضرباتٍ حادة وقوية للاستعمار، أي أن يذلَ عدوَها البريطاني، مثل كل الشعوب الأخرى المكتوية بسيطرةِ الاستعمار ولا تملكُ قيادةً وطنيةً حصيفة، مثل غاندي في ذلك الوقت تماماً، الذي كان موضع سخرية من هذه الجماهير، وكان يجابهُ الامبراطوريةَ العجوز بعنزةٍ، وراح يشاركُ في الحربِ العالمية الثانية ضد الهتلرية البغيضة.
عبدالله الزائد الذي تعاون مع السلطة البريطانية كان حصيفاً بعض الشيء في فتح قنوات التعاون في مثل تلك اللحظة التاريخية المهمة، التي تجسدتْ ورقا صحفيا وأدبيا بحرينيا لعبَ دورا كبيراً أكبر من هذه اللحظة وأطلق بداية الكتابات البحرينية المختلفة في المقالة والقصة والنقد والشعر التي قامتْ بالدورِ التوحيدي الثقافي كمقدمةٍ للتوحيد السياسي. لكن الزائد لم يكمل مشواره بسبب ان قدراته الفكرية والنفسية لم تكن متماسكةً وقادرةً على الاستمرار والتجدد وخلقِ إنتاجٍ مستمرٍ متابعٍ لمدينةٍ “نهضوية”.
انحصارُ عبدالله الزائد وجفوةُ مدينتهِ له، مظهران لعجزٍ مشترك، فالمثقفُ الفردي النهضوي غيرُ باحثٍ عن أدواتٍ تحليليةٍ وتعبيرية مواكبةٍ لتطور المدينة، والمدينةُ المأزومةُ بعامةٍ مسحوقةٍ غيرِ صبور، تبحثُ عن إنقاذ سريع، يتحققُ في لحظات، حتى لو كان مدمراً، على هيئة هتلر، أو على هيئات آخرين يتابعون الصفعات الحادة للاستعمار البغيض فيما بعد ويسببون تحديات واختراقات وربما كوارث، وإذا كان هتلر بعيداً ليس عن المحرق فقط بل عن الخليج ككل، إلا من طائرة عابرة تلقي قنبلة فاشلة، فإن نماذجَهُ سوف تتالى مع أزمات دول الشرق المتصاعدة، وتقارب المحرق بقوة من الراديو ذي السلطة الكبيرة في الشوارع، ويمكن أن تُدار المدينة من الخارج عبره.
إن الأزمةَ المعيشية والهياجَ النفسي وفقدان آفاق التحول الموضوعي، ومحدودية العناصر المتعلمة والمثقفة، وهشاشة “طبقة” التجار، غير المتجذرة في حداثة وقوة اقتصادية، والجذور العسكرية القبلية للمدينة، حيث يُحل كلُ شيءٍ بالقوة وحدها، هي كلها تجعلُ عنصرَ البطلِ العفوي والعاطفي الحاد والمتوجه للموجات السياسية القوية الطافية في البحر الاجتماعي هو القوةُ الصانعةُ للأحداثِ اليومية في المدينة، إنهُ ينفعلُ بقوةٍ بها، وينقلها للجماهير “المتعطشة للنضال القومي”، أو للنضال التقدمي العمالي، أو للإسلام النقي. “حماسة” قوية لا تعطيه فترةً للدرس، فقواهُ العاطفيةُ مشتعلة، وهو ينزلُ بقوةٍ لأزقةِ المدينة صارخاً، ويجمعُ عدداً كبيراً، مفجراً كميةً كبيرة من المفرقعات الكلامية، ثم يلوذُ بالفرار في الدروب الضيقة الممتنعة عن القمع.
لقد تشكلت بيئةٌ طبيعيةٌ مماثلة للكثير من الأحياء الشعبية في المدن العربية، وإن كانت بشكل مصغر، لكننا نجدُ السببيات الاجتماعية نفسها التي أحدثت التحولات الكبيرة بقفزاتها وبانهياراتها.
وفي القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كان الوعي ينقسم بشكل ثنائي مذهبي حاد يعكس التضادات بين القبائل والريف، بين المدينة والقرية، ولم تتشكلْ جسورُ الاتصال، وتكوين الشعب البحريني، إلا عبر تلك الفترة وعبر روابط الاقتصاد الحديث، وتقوقعتْ المذاهبُ بشكلٍ حاد، ولم يكن بالإمكان إيجاد حركة سياسية وطنية عبر ذلك، وهذا ما سهل الوجود البريطاني، فكان الوعي المضاد هو الذي كونته الفئاتُ الوسطى بين هذين الوجودين الاجتماعيين، وهو الذي قاد لتكون الحركات السياسية الحديثة. ولكن المذاهب حتى فيما بعد ربما غدتْ مرنةً في بعض الأحكام الفقهية لكنها بقيت على الوجود الهيكلي المذهبي الذي تشكل في القرون السابقة.
ولم تزد المقاربةُ العلمانية البحرينية هنا على فكرة التسامح والشعار الإسلامي التوحيدي العام، والأخوة الوطنية المحدودة المتصاعدة.
إن المذاهب تحتفظ بخصائص تكونها الماضوي، ومن الصعب أن تعيدَ تشكيلِ نفسِها حتى على المستوى الإسلامي العام في بضعة عقود، ومن هنا تغدو الأفكارُ الوطنيةُ العلمانية دعوةً إلى تركِ خلاف المذاهب، وتكوين مجرى سياسي وطني مشترك تتطلبهُ الضروراتُ الخطرة في الحياة السياسية.

صحيفة اخبار الخليج
1 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

العمالة السائبة مجدداً.. أين الخلل ؟!

يعود الحديث مجدداً عن قضية العمالة السائبة والتي كنا نحسب أنها بدأت في التلاشي تدريجيا، الحديث هذه المرة يأتي من قيادات في جمعية المقاولين البحرينية، لا أحسب انه مرتبط فقط بحمى انتخابات الغرفة القادمة، بقدر ما يؤشر على خلل ظل مستفحلا لعقود عجزت عن التعاطي الايجابي معه حتى الآن مجموعة التشريعات المصادق عليها، بعد أن دارت حولها نقاشات مستفيضة لم تخل أبدا من تدخل أطراف عديدة ذات مصالح متباينة. فقد لفت نظري ما تحدث عنه مؤخرا كل من رئيس جمعية المقاولين عيسى عبدالرحيم ونائبة إبراهيم يوسف عن حجم تلك العمالة، اللذين أكدا أن حجم العمالة السائبة المنتشرة في أسواقنا تصل إلى 40 ألف عامل، وأن التناقص كان ضئيلا خلال السنوات التي أعقبت تطبيق قانون تنظيم سوق العمل الذي عولنا عليه كثيرا في انتشال السوق من تلك التجارة الرائجة وغير الحضارية. ما يثير حقا هو تأكيدهما على أن استغلال العمالة الوافدة لازال احد مصادر الثراء لدى البعض ممن أوصلوا سعر تأشيرة العمالة إلى ما يقارب ألفي دينار بحريني، مما يطرح معه الكثير من التساؤلات حول جدوى التنظيم والعمل عليه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه وربما أكثر، فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تطبيق قانون التنظيم الذي اذكر جيدا حجم المماحكات والوعود التي دارت حوله وقدمت آنذاك لطمأنة من يعنيهم الأمر، وكنت أحد المدافعين الأشاوس عن القانون نظرا لما كان يحمله من مضامين ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وإنسانية، كنا نرى فيها مدخلا أوليا لإصلاح ما أفسدته السياسات السابقة، وما أفرزته من جشع لدى الكثيرين ممن يتاجرون بعرق الفقراء والعمال، وبعد أن كثرت شكاوى العديد من السفارات الأجنبية جراء ذلك، مما حرك فينا ولازال الدفاع عن أهمية إيجاد مثل تلك التشريعات الناظمة، علاوة على ما كان يحويه سوقنا العام من تشوهات وإعاقات أضرت كثيرا بنمو السوق وكبحت تطوره تلك الصورة المشوهة، التي أظهرت سوقنا وكأنها في بعض وجوهها سوقا لبيع وشراء تلك العمالة المهولة من المستخدمين لحساب نزوات الثراء السريع التي يبدو أنها لازالت قائمة بكل أسف. لازلت اذكر جيدا كيف حاول بعض المستفيدين من القانون القديم كسر حماسنا تجاه تطوير قانون سوق العمل والتشريعات المرادفة له، حيث تتباين المصالح والأهواء، وكان يحدونا حينها طموح ترشيد السوق والانحياز لمصلحة الاقتصاد الوطني وبالتالي مصالح كل من التجار والعمالة البحرينية. الآن وبعد مرور تلك الفترة الكافية من الزمن على تفعيل القانون نستطيع القول أن من راهنوا على إعاقة تنظيم سوق العمل، قد نجحوا إلى حد كبير في تكثيف الانطباع السلبي انطلاقا من مرتكزين أساسيين، أولهما أن الرسوم المفروضة على المؤسسات قد عجلت بخروج المئات من الشركات من السوق، وهذه النقطة بالذات تحوّط لها المشروع في البداية وقدمت بشأنها وعود والتزامات انعكست في ثنايا المشروع وتفاصيله الدقيقة، لكنها الآن تبدو مؤجله لسبب لا نعرفه، على الأقل هذا ما تقوله التصريحات الأخيرة بشأن استمرار وجود هذا العدد المهول من العمالة السائبة، أما الشق الثاني الذي تم تكثيفه من قبل من ينأون المشروع فهو أن القانون لم يطبق إلا على المؤسسات الصغيرة دون الكبيرة، وهذا أمر يمكننا ملاحظته في دعوة جمعية المقاولين للتوازن وتطبيق العقوبات على من يتاجرون بتلك العمالة السائبة دون عقوبات وضوابط. اذكر أيضا النقاش البرلماني الساخن حول العمالة السائبة في بعض جلسات الفصل التشريعي الأول، حيث كان وزير العمل مجيد العلوي من أشد المطالبين بعدم ازدواجية القرارات الرسمية حتى يسهل ضبط المخالفين، وها نحن نجد ذات الشكوى تعود مجددا من قبل رجال الأعمال في دعوتهم لتشكيل لجنة تجمع وزارات العدل والعمل والداخلية والصحة لضبط الأمر وكأن شيئا لم يتغير! مؤشرات عدة لا تنبئ أبدا عن الجدية رغم وجود القانون والحديث المستمر حوله، ترى أين تكمن الإعاقات ومن يقف وراءها، ولماذا تكسر إرادة إصلاح السوق، وهل الخلل في القانون أم في التطبيق أم في الاثنين معاً ..وأين يكمن الخلل؟!
 
صحيفة الايام
1 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

أسرة الأدباء (6) تكملة المخاض الصعب

عاشت الأسرة وكتّابها ضمن المخاض الصعب ذاك، دون دعم رسمي، ولم تسمح لهم بإصدار مجلتهم الخاصة المعبرة عن توجهاتهم ومدارسهم الأدبية والفكرية، كما ان المقرات المستأجرة اليتيمة لأسرة فقيرة، لن تثنيها عن عزيمة المواجهة والتواصل الداخلي، وستتكيف وتتنفس الأسرة بطريقتها الخاصة في التمثيل الخارجي للإبداع البحريني الفتي، وستتماس مع المؤسسات الثقافية الخارجية، الأهلية والرسمية في الوطن العربي. ومع توتر الوضع السياسي في فترة المجلس التشريعي وصدور قانون امن الدولة سيئ الصيت، ودخول البحرين حقبة جديدة من الانغلاق والتشدد والملاحقة البوليسية للكلمة، بحيث وردت تعليمات للصحف وغيرها بمضايقة وملاحظة كل ما تكتبه الأسرة، بل ومنعت الصحف مفردات كثيرة، لكونها كانت خطابا تحريضيا وتوعويا للشارع السياسي. بدأنا نرى غيوم الظلمة تتكاثف، غير ان قتامتها ازدادت مع اغتيال الصحفي عبدالله المدني وما تبعه من استشهاد عضو في الأسرة هو الشاعر سعيد العويناتي. كان لموت سعيد هزة على الشارع البحريني من الجانب السياسي، ولكن هزته كانت مضاعفة على الأسرة وأعضائها كون العويناتي شاعرا فتيا في بيتها وسياسيا ملتزما بأفكار تقدمية، فبلغت الرسالة المؤلمة وهزتها تلك الساحة الثقافية، وتحولت الطرقات والمصابيح إلى شموع ذابلة، وساد كابوس الحزن والرعب المستوطن، فتاريخ البحرين حتى تلك اللحظة لم يشهد موت إنسان في المعتقل السياسي بسبب التعذيب وقسوته المتناهية، إن لم تكن رسالة القسوة تلك هدفها نشر الترهيب وإغلاق مسامات الكلمة الحرة. في فترتي اعتقال 72-75 التقيت بالأخ حداد وعبدالحميد قائد، وعلى الشرقاوي، وعبدالله خليفة، غير ان المحطات اليومية الأخرى في الندوات والمكتبات ودار الغد وغيرها، ستكون مساحة اكبر للتعرف على أغلبية المبدعين الشباب كالشاعر سعيد العويناتي وعبدالقادر عقيل وعلي عبدالله خليفة أما أمين صالح فقد كان زميل دراستي. وفي خضم المعركة كان الأدباء في زيارات منتظمة إما للسجن السياسي أو لمكاتب التحقيق، بل وبلغتهم رسائل الترهيب، حيث قال احد الشخصيات المهمة في جهاز الدولة بعبارة واضحة « كيف تريدونني أن اقتنع بأن الأسرة ليست جهة سياسية وأعضاؤها فلان وفلان وفلان» مثلما قال المحقق هيكنز لواحد منا، لو أشرت أين مركز الشرطة في المحرق لأومؤوا لك هناك، ولو سألتهم أين مقر الجبهة الشعبية لقالوا لك إنه بيت «علي الشيراوي!!»، وكان الأدباء الشباب وغيرهم من الفنانين والمثقفين، يتغدون ويتسامرون في ذلك البيت الكريم. وما من شخص منا يوم الجمعة زار المحرق إلا ووجد قدمه في بيت الشاعر قاسم حداد أو علي الشيراوي، حيث الناس كانت تمارس حياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية معا، وتلك سمة من سمات الشخصية البحرينية والمرحلة الساخنة والمنفرجة والمنفتحة في ذات الوقت. كتب تصادر ومكتبات تراقب وكلمات تحذف ومقالات تعلق وأصوات تلاحق وتخنق، ولكن «الصوت» الشعري والقصصي والإبداعي يظل داخل السجن أو خارجه مستمرا حتى مع موت الشاعر أو سجنه. ونتيجة لذلك المخاض الصعب ستجد نفسها الأسرة تنأى عن الاحتفاء بشاعرها المذبوح أو المغيب خلف القضبان، بل وصار للهمس السياسي معنى مكتوم وللحديث الفكري المتواري خلف الجدران مهمته في ممارسة دور المثقف المبدع في تطوير الوعي الاجتماعي العام، بل وشكل حضوره جزءا من ذلك المجرى الثقافي المستمر في بلدنا. وسيذهب بعض من مؤسسيها نحو عوالمهم الخاصة، بعد أن توهم الأوائل من الشباب المبدع أنهم سيحظون بمشروع نقدي مستمر من الدكتور الأنصاري بحيث يقيّم نتاجاتهم الجديدة، والذي فضل اختيار مواضيع كلاسيكية في الأدب، تجنبه الحديث والاقتراب من التحليلات السياسية لذلك النوع من الإبداع المتمرد والعنيد والواقف في خندق المواجهة رافعا شعاره – ودون تراجع – الكلمة من اجل الإنسان، وستجد الأسرة في مخاضها الصعب نقادا جدد وأعضاء في الأسرة، يهتمون بنتاجات الأدباء الشباب، كالأستاذ احمد المناعي والدكتور إبراهيم غلوم، وان كانت عملية المخاض ستدفع بهذا القدر أو ذاك قراءات وكتابات نقدية عدة، من طراز كتابات الدكتور المحادين والبنكي وغيرهم، دون أن تفقد الأسرة ينبوعها الإبداعي ولا رجالاتها الحقيقيين، حاملي مشعل الكلمة في ظلمة الوقت والمكان. **. التحمت المدينة السياسية المنامة بالمحرق ثقافيا داخل إطار جديد اسمه الأسرة، مثلما كانت تلتحم سياسيا على مدار تاريخها السياسي المضطرب، دون أن تغيب القرية البحرينية الأكثر تماسا مع حدود مركز المدينة، فجاءت أصوات شابة تتوق للإبداع من السنابس والديه كأحمد الحجيري ويوسف حسن ومن بلاد القديم سعيد العويناتي. وإذا ما كانت أصوات القرية في البدايات محدودة، فإنها مع عملية التطور خلال الأربعة عقود صارت مستودعا خصبا للإنتاج والغزارة والعطاء، فقد خلت القرية في تلك الفترة من أي صوت نسائي، فبدت شاحبة تماما مما يعني إن المجتمع الريفي، والثقافة والتطور والحداثة يومها كانت تحمل من الدلالات الشيء الكثير، وعيا ومضمونا وحراكا مجتمعيا، لهذا ليس صدفة أن تخلو الأسرة من أعضاء أصولهم من مناطق كالحد والرفاع وقلالي والزلاق والبديع وبني جمرة والدراز، حيث غلبت الاهتمامات على الشؤون الرياضية والنمطية الثقافية.
 
صحيفة الايام
1 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد