المنشور

من أجل إصلاح الحال

أمر مهم أن يلتفت المجتمع إلى قضاياه الكبرى الحيوية التي تحتاج إلى حل، كقضايا البطالة والتجنيس والفساد المالي والإداري وطرق التصرف بالمال العام، ولكن ليس أقل أهمية من ذلك إدراك أن الهدف من هذا الالتفات لهذه القضايا وإثارتها ليس دفع الأمور نحو المواجهة، بقدر ما هدفه إبراز حاجة المجتمع لحل هذه القضايا أو حلحلتها على الأقل وصولاً لإيجاد مخارج لها، تؤمن للبلاد مقداراً أكبر من الاستقرار وللناس مقداراً أكبر من الطمأنينة إلى المستقبل والثقة في آفاق عملية الإصلاح السياسي المنشود. أي أن الهدف من إثارة هذه القضايا وطرحها للنقاش، يجب أن يكون موجهاً نحو البحث عن حلول لها، والتخفيف من حدتها وانعكاساتها المباشرة على حياة المواطن البسيط الذي يطمح لحياة كريمة. وتحسن الجمعيات السياسية صنعاً إذا ما أكدت على مثل هذا الطرح، وأبرزت حرصها ليس فقط على تقديم البيانات والمعطيات التي تظهر حجم هذه القضايا، وإنما أيضاً عبر اقتراح الحلول والمخارج الواقعية لهذه الملفات المتأزمة. حين نطالب السلطتين التنفيذية والتشريعية بالتوجه الجدي لحل القضايا غير المحلولة، فليس الهدف من ذلك إعلان أننا في مبارزة معهما لإبراز عجزهما عن تقديم الحلول لهذه القضايا، وإنما إبراز أن الرأي العام يطالبهما بالتصدي لهذه القضايا، باعتبار أن تلك هي مسئوليتهما المباشرة، لأنه ليس من شأن المجتمع المدني، مهما كانت قوته أو درجة وعليه أو تنظيمه أن يحل قضايا إشكالية ذات طبيعة اجتماعية واسعة كتلك التي أشرنا إليها، وليست تلك هي مهمته على كل حال. هدف قوى المجتمع المدني أن تشكل قوة ضاغطة باتجاه البحث عن حلول لتلك القضايا، والتي لن يؤدي التلكؤ في مقاربتها بجدية في اتجاه حلها إلا إلى تفاقمها، وبالتالي زيادة صعوبة حلها فيما بعد، فضلاً عن التداعيات الاجتماعية والسياسية السلبية التي سوف تترتب عليها، ولو أخذنا ملف أي ملف إشكالي من تلك الملفات التي تجابه البلاد اليوم، فإن من الصواب أن توظف الجمعيات السياسية وقوى المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المخلصة ما لديها من وقائع ومعطيات وما تمتلكه من خبرات وكوادر في اتجاه اقتراح الحلول والمخارج لها، لنظهر في صورة القوى التي لا تكتفي فقط بالنقد والرفض، وإنما في صورة القوى التي تمتلك البديل الأفضل القادر على إقناع الناس بأهليتنا كقوى سياسية حية ومستقبلية. نحن نقر على سبيل المثال بضعف أداء مجلس النواب وقلة النواب المؤهلين فيه الذين يتوفرون على كفاءات في المجالات التشريعية والاقتصادية والتنموية وما إليها، ونقر كذلك بالقيود الكثيرة المفروضة من لائحته الداخلية ذاتها، لكن هذا الإقرار ليس مبررا للاكتفاء بالقول أن المجلس عاجز عن إيجاد الحلول، وبالتالي إهمال وسائل الضغط المختلفة التي تحقق الرغبة الحقيقية للناس ولقوى المجتمع المدني التي يمكن ان تضع هذا المجلس أمام المسؤوليات المطلوبة من أعضائه. والأمر يصح بمقدار أكبر على الدولة التي يطالبها المجتمع المدني بمسئولية التعاون في حل هذه الملفات لأن أبعادها الاجتماعية والمعيشية المعقدة تُشكل عقبات جدية في وجه عملية التنمية، ويشكل الاستعداد لحلهــــا معيـــاراً أساسيـــاً، لا بــل المعيار الأساسي، للرغبة في بلوغ عملية الإصلاح أهدافها المنشودة.
 
صحيفة الايام
25 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

كونوا شملانيين وكفى


لم يكن ثمة من رد على دعوة الاصطفاف المذهبي التي دعا لها البعض همسا ودعا لها النائب الشيخ السعيدي علنا أبلغ من تكريم أحمد الشملان، الإنسان الذي تخطى حواجز المذهبيات والأيديولوجيات والعصور.

يكاد الشملان ونفر قلائل يكونون من بين الذين اعتقلوا في كل الموجات والهبات النضالية لشعب البحرين التي عاصرها في حياته لا فرق بين أيام القوميين فاليساريين فالإسلاميين لأن بوصلته كانت إنسانية.

وليلة الاحتفاء بمقر المنبر التقدمي بصورته في عيون رفاق الدرب ومعاصري النضال، تميز منصور الجمري عن الكلمتين الأخريين بأنها كانت كلمة شملانية فعلا تستلهم شخصية الشملان وكونيته وخاصة حين قال منصور الجمري إن غياب شخصية كالشملان تتسامى فوق الاختلافات وتطرح مشروعا وطنيا جامعا هو أحد أسباب التشطير الطائفي.

لم يستخدم الشملان أبدا في كل مقالاته عن الحركة الدينية كلمة ‘الظلامية’ و’الرجعية’ التي يحلو لليسار المدرسي العزف عليها بين فترة وأخرى.
ولم يضع الشملان لحظة واحدة كل الحركة الإسلامية في سلة واحدة كما يفعل الكثير من اليساريين اليوم، لا لشيء إلا لأن الكسل الذهني يدفعهم لاستسهال حشد المختلفين في سلة واحدة ليسهل التخلص من عبء التمييز بين التيار الديني المناضل والتيار الديني المحافظ، وبين العمامة المجاهدة والعمامة الراقدة وبين الخطاب الديني الوطني والخطاب الديني الطائفي، ويرفع أصحاب الكسل الذهني شعار لا خير يرجى من الحركة الدينية وأنها في النهاية سوف تصطف طائفيا شاءت أم أبت غاضين النظر عن الوقائع التي تكذب نظرياتهم.

لو أن الشملان جلس أيام التسعينيات الملتهبة ليستمع لنصائح المنظرين الطبقيين وهم يقولون له حينئذ هذه ليست ساحتك، بحسب تعبير منصور الجمري، هذا مجرد عنف ديني ضد الدولة الحديثة، هؤلاء أسوأ أصلا من طغيان الدولة، وغير ذلك من الكليشيهات المعلنة والخفية، لما كان الشملان هو الشملان ولتمكنت القوى المضادة للتغيير يومئذ من القول هذه حركة دينية مذهبية محضة لا مطلبية ولا سياسية، لكن الشملان على قلة العدد وخذلان الناصر أبطل هذه النظرية المضادة للإصلاح بفعله وقوله. وكأنه يتمثل عبارة الشاعر مظفر النواب وهو يستهجن موقف اليسار من نضال الحركات الدينية، والذي في بعض البلدان العربية اتسم بالتواطؤ أو بالصمت في أحسن الأحوال متسائلا في إحدى قصائده: كيف يحتاج دمٌ بهذا الوضوح / إلى معجم طبقي لكي نفهمه؟.

وعلى الضفة الأخرى لو أن الشيخ الجمري رحمه الله جلس تلك الأيام يستمع إلى تنظيرات السلفية الشيعية وهم يقولون التعاون مع اليسار حرام وأنهم شر أهل الأرض، ولا يأتي منهم إلا الخراب وأن طغيان الدولة أهون من التعاون معهم، لما كان هو الجمري ولتمكنت القوى المضادة للتغيير من حصار الحركة الإصلاحية الدينية في غيتوها وعزلها عن محيطها من القوى الوطنية والديمقراطية التي كان لها السبق والريادة في تاريخ البحرين في طرح خيار الديمقراطية والتمثيل النيابي والحل الدستوري.

لكن الجمري بشخصيته التي مثلت عن حق شملان الدينيين أو أن الشملان كان جمري اليساريين تمكنا لأول مرة في تاريخنا القريب منذ الهيئة الخمسينية من خلق اصطفاف وطني ديني إصلاحي تمكن برغم كل العوائق من تحقيق على الأقل الجزء الأول من مشروعه وهو إعادة الحياة النيابية بفضل هاتين البصمتين المحليتين الواضحتين مع من رافقهما من الذين تعالوا على اختلافات المنابع.


ندرك اليوم أننا نعود القهقرى، حيث الزمن أبخل من أن يجود بمثل هؤلاء الآن، وحيث إن الصوت الأكثر ضجيجا اليوم ينادي بوحدة الطائفة الشيعية أو السنية أو الأيديولوجية كل ضد الآخر، متنازعين على كعكة يقول عنها الأستاذ إبراهيم شريف محقا هي كعكة غير موجودة أصلا في الوقت الذي نتنازع على التهامها.


 
الوقت  23 نوفمبر 2009
 

اقرأ المزيد

أحمد الشملان .. التجربة في سياقهـا الإنسـاني


ربما كان كتاب فوزية مطر «أحمد الشملان، سيرة مناضل وتاريخ وطن» (أكثر من 1024 صفحة)، هو الجهد (الفردي) المميز، حتى الآن، في حقل التسجيل الميداني لتاريخ النضال السياسي في البحرين، فقد بذلت السيدة فوزية مطر  (وحدها) السنوات الأربع الأخيرة في إنجاز مشروع على قدر كبير من الصعوبة. ويحق لنا الشعور بامتنان صادق إزاء جهدها النادر، ونحن نقرأ تاريخاً قريباً يستعاد بأسلوب وثائقي طريف وفذ، تاريخ منظورٌ إليه من وجهات نظر عدة، تختلف على أشياء كثيرة لتتفق على شخصية الكتاب موضوع البحث، وهو أحمد الشملان بتجربته النضالية في سياقها الوطني الإنساني الرحب. لكي نتعرف على ما يمكن اعتبارها الخميرة النوعية لما يفترض أننا ( نتمرغ) الآن في معطياته (الديمقراطية)، التي يجري تداول مفرداتها، كما لو أنها من مكرمات الساحر، مغفولاً عن القدر الأكبر من التضحيات العظيمة التي بذلتها الأجيال الحديثة طيلة القرن العشرين الماضي. أقول «ربما»، لكي أشير إلى مساع عدة (فردية، جماعية، ومؤسسية) أعلنت، حسب علمنا، عن نيتها كتابة تاريخ الحركة السياسية، منذ سنوات، وهي لا تزال تتعثر في رفوف وإدراج وأذهان أصحابها، لا تتحقق لأسباب مختلفة، لتأتي فوزية مطر، وبدوافع الحسّ التاريخي، متداخلاً مع رغبة أداء التحية الشخصية الحميمة لأحمد الشملان، فتلقي ضوءاً بالغ السطوع، (سبراً وجرأة وإنصافاً)، على مرحلة تاريخية غنية ومتنوعة من تجربة قدمت فيها القوى الشعبية ما لا يحصى من التضحيات، في سبيل ما يمكن وصفه بتحقيق حلم التحولات الاجتماعية والسياسية في هذه المنطقة الأصغر من العالم.

2
وقد أحسنت المؤلفة صنعاً بتمهيدها بمقدمة تاريخية جزلة عن عائلة صاحب السيرة، حيث تعرفنا، للمرة الأولى، على بعض المعلومات التاريخية لعائلة الشملان ليس بوصفها معيناً لعدد مهم من الشخصيات النضالية التي ساهمت بقوة في التاريخ السياسي في البحرين، ولكن أيضاً لكون هذه العائلة كانت شريكاً مؤسساً لنشوء البحرين الحديثة بشكل من الأشكال، اجتماعياً، علمياً، وحضارياً.
كما أن التقسيم الذي اتبعته المؤلفة في فصول الكتاب كان موفقاً من الناحية التقنية، وكان دليلاً للمنهج المتماسك الذي اشتغلت على هديه المؤلفة، وبالتالي سيكون سلسا وممتعاً بالنسبة إلى القارئ الذي سيشعر بالترابط الأليف وهو يبحر في مئات الصفحات المكتنزة بالمعلومات، المشاعر، والاحتدام الإنساني.
والتقسيم نفسه أيضاً، كان أميناً بتوفير السياقات الدقيقة لرصد للدور الغني والبالغ التنوع، الذي بذله أحمد الشملان في شتى مراحل نضاله، وعندما أسهبت المؤلفة في ثنايا بعض الفصول، إنما كانت لتشبع البعد التاريخي لهذا الحدث أو ذاك، وظني أن في معظم هذه الاستطرادات جاء الكتاب موفقاً في إلقاء ضوء وتناول جديدين على بعض التجارب الملتبسة، التي ستحتاج المزيد من البحث والتقصي والدراسة من قبل الآخرين، يظل لفوزية مطر فضل التوقف الرصين عندها.
والجدير بالتفات القارئ أن بناء الكتاب بمجمله كان بناءً حيوياً ذكياً، ذكاء من يدرك طبيعة المادة التاريخية الخام التي بين يديه، ويحسن نسجها وتقميشها ثم إعادة خلقها بين فصل والآخر، لكي تسهم، من زوايا مختلفة وفي مرات مختلفة، في إضاءة الوقائع. وبهذا تكون فوزية مطر قد وضعت التجربة الفردية، الذاتية، الشخصية، تحت إضاءات مختلفة لإنارة تجربة أكثر شمولاً، عمومية، واتساعاً. وفي هذا العمل ضرب من «الوعي العادل»، إذا صح التعبير، في النظر إلى التاريخ العام، من دون التقليل من أدوار الأفراد الذين ساهموا في صياغته. كل ذلك بأسلوب يفيض عاطفة وحميمية.

3
ويتوجب أن نشير إلى تلك المشاهد الحميمة الفياضة بالعاطفة التي ميزت بعض المواقف في سرد الكاتبة، ليس فقط في معرض كلامها عن التجربة الشخصية في علاقتها بصاحب السيرة باعتباره حبيباً، رفيقاً، وزوجاً، وهذا بين أهم وأسمى ما تستدعيه طبيعة هذا المؤلف، ولكن ستتجلى العاطفة الفياضة والصادقة عندما يأتي الكلام عن التجارب الإنسانية التي تنشأ في تلافيف العمل النضالي والحزبي، حيث نكتشف العمق الإنساني الحميم الذي يتفجر، بأشكال مختلفة النوع والدرجة، بين رفاق ورفيقات يجدون كياناتهم الحقيقية في مثل هذه اللحظات الذي تشكل المعطى الكوني للنضال. ومن يعرف المؤلفة سيثق بأنها كانت على سجيتها الخالصة وهي تصوغ جملها برهافة ورفق حنونين، معبرة عن أن اكتشافها في تجربة أحمد الشملان النموذج الجميل، لما يمكن أن يتكرر في صيغ وتفاصيل لا تحصى بين المئات من الأشخاص وهم يخوضون نضالاتهم، سعياً لصنع العدل والخير والجمال لشعبهم ووطنهم. والحق أنني شعرت بالكثير من أنامل أشخاص أعرفهم جيدا، وقدمهم الكتاب بحنان بالغ، وهم يشتركون مع فوزية مطر وأحمد الشملان، بمختلف مراحل تجاربهما، لنسج تلك الملامح والمشاعر والعلاقات التي تصقل الروح الإنسانية الأكثر جمالاً وبقاء في أشكال الفعل السياسي والأيديولوجي كافة.

4
من بين معاني الإنصاف التي أعنيها – (في غمرة ما يطلع علينا به كثيرون في منشورات رائجة الآن في سنوات «السهل المنبسط الراهن»، يستعرضون تجاربهم بأنفسهم وعن ذواتهم بضعف وبؤس يستدران الشفقة) – أعني إنصاف التجارب الصامتة، (وليس مثل الصمت الأخير لأحمد الشملان نموذجاً صارخ الدلالة)، والمسكوت عنها، (من دون أن يكون السكوت ذهباً هذه المرة). وهو إنصاف يليق بأحمد الشملان الذي اجتاز الدرس الأكثر ضراوة في تجربته النضالية، من دون أن يعلن عن ذلك ومن دون أن يباهي أيضاً. وظني أنه الآن سيطمئن قرير العين والقلب وهو يرى تجربته ماثلة في تدوين شامل وصادق مثلما صنعت زوجته أم خالد، وبشهادة الرفاق الأمناء على التجربة.

5
يذكر أيضاً أن الكتاب يقدم لنا أحمد الشملان منذ طفولته، وهي طفولة تشبه طفولة الآلاف من أجيالنا، لكنها ستأخذ مسارات تختلف عن الكثير من مسارات الآخرين، ومن دون أن تشبهها مآلات الكثير من سير المناضلين المعاصرين له. وهنا بالضبط ما ينبغي أن نتوقف لكي نتلمس التجاعيد والتفاصيل الإنسانية الحميمة التي ستميز حياة أحمد الشملان، حيث سيشهد كل من عايشه عن كثب، بأن ملامح خاصة ستجعله شخصية على قدر كبير من الرهافة والشفافية، ربما لا تشي بها طبيعته وظاهره الصارمين لأول وهلة. وسيرصد الكتاب مسيرته في مناطق عدة من الوطن العربي، عبر مرحلة الدراسة والمرحلة الظفارية في عمان، منذ حركة القوميين العرب حتى جبهة التحرير مروراً بتجربته الأهم في الحركة الثورية والجبهة الشعبية. ثم العمل العلني في تسعينات القرن الماضي وبداية القرن الجديد مع ما عرف بلجنة العريضة.

6
في كتاب فوزية مطر، سنتعرف على أهم المفاصل المعاصرة لتحولات النضال السياسي من خلال الجبهتين الأبرز في حقل العمل السياسي، في فترات العنفوان والإخفاقات الشاملة لنضالهما، بقدر كبير من السرد الرصين. وباللغة الخالية من الركاكة، فكراً وتعبيراً. وسنعرف أحمد الشملان مناضلاً من خلال شهادات رفاقه في مسيرة الخمسين سنة الأخيرة. وهو الذي امتحن النضال في الحركتين (الجبهة الشعبية وجبهة التحرير)، ليعيش فترات الانتعاش والإحباط، من دون أن يستسلم، ومن دون أن يكفّ عن التشبث بما يؤمن، وهو الذي نال ما لا يقاس من العذابات، ليس أقلها الإصابة العنيفة بجلطة الدماغ التي يقاومها ببسالة نادرة. تلك هي طبيعة أحمد الشملان الإنسانية، صرامة الشخصية، مهابة السمت، رهافة الروح، والإصرار على المواقف. وليس من غير دلالة أن يكون (حازم العاصي) هو الاسم المستعار الذي اختاره أحمد الشملان في إحدى مراحل كتابته النضالية.

7
وإذا جاز لنا تحية السيدة فوزية مطر على هذا الإنجاز الحيوي، جديد الشكل والمضمون، في باب التأليف السياسي عندنا، سوف نقصر عن التعبير عن شعورنا العميق بالتقدير لها وهي تجعلنا نقرأ تاريخاً مازال ماثلاً، أخذنا منه الدروس في عنفوانه، ونتحمل مسؤولية تاريخية في الفشل والإخفاقات التي كنا جزءاً منها، ونؤكد أن في الكتاب، بالقدر الكبير من المعلومات والشهادات التي قدمها، مزجاُ سلساً بين التجربة الفردية لأحمد الشملان ومفاصل المشاهد المتتابعة من تجارب حركتي النضال التي اجتاز الشملان لحظات الأمل واليأس فيهما، لكي يعطينا الكتاب في نهاية الأمر جرعة قوية من ضرورة قراءة التاريخ، ليس فقط للذين يباهون بالماضي، لكن خصوصا لمن يزعمون صناعة المستقبل وتاريخه. فمن لا يتقن قراءة التاريخ لن يحسن كتابته.
وحتى إذا اختلف البعض مع بعض منهجيات الكتاب، فسيكون هذا دليل عافية معرفية، من شأنها أن تغني إنعاش عضلات الأمل في الفكروالعمل.
ويحسب لفوزية مطر، التي وضعت كل خبرتها العلمية والعملية في تحقيق هذا الكتاب، أنها تصدر في كتابها عن وعي بخطورة ما تفعل، ولعل في صنيعها المميز كانت تتحرك بدرجة الحذر القصوى، بلا إفراط ولا تفريط. فقد كمنت أهمية كتابها خصوصاً في كونه لا يزعم أنه يقدم الحقيقة كاملة في حقل بحثه، حتى لكأننا نلاحظ أحياناً أن هناك وجوه لحقيقة واحدة بعدد الشهادات، ففي ثنايا مثل هذه البحوث ستبدو لنا حقائق كثيرة غير مكتملة، ومتقاطعة مع معظم المسارد والشهادات التي تظل إسهاماً فردياً في موضوع جماعي. ولعل ما يشوب بعض تلك الشهادات التماهي بين آليات التسجيل في دور الشهادة التوثيقي، فيختلط على بعضهم الفرق بين الشهود والقضاة. فحين يرتفع حماس الشاهد سرعان ما يتقمص دور القاضي (قصداً أو عفواً)، الأمر الذي سيدفع المؤلفة لتبدأ عملها الرصين بوضع الشهادة في سياق آخر يمنحها قدراً من المصداقية. والحق أن الجهد الذي بذلته الكاتبة في تسجيل وتفريغ وصوغ الشهادات، ثم إعادة بنائها، هو جهدٌ منح أكثر الشهادات خفّة وجهاً قادراً على بذل المعلومة في مكانها الصحيح. ليشكل الكتاب، في نهاية التحليل، أحد أهم اللبنات التأسيسية في مجاله. ليحق لنا القول أننا لم نتعرف في الكتاب على سيرة أحمد الشملان فحسب، ولكننا أبحرنا في سياقات نضالية شاملة وقراءة ملامح متفاوتة من تجربته.

8
حتى إذا طاب للبعض، ممن شهدوا (بكلامهم) في الكتاب، أن يبالغوا، ببعض الحماس، في إظهار بطولات شخصية، فإن هذا سيكون دائماً من باب لزوم ما لا يلزم، لكننا نتفهمه ونستوعبه، ما دام سيسهم في إيقاظ ذاكرة الآخرين، لاستعادة الأحداث ووضعها في السياقات المناسبة بين وقت وآخر. فيجوز للبعض أن يكون موجوداً إذا تعلق الأمر بتأكيد أدوار الآخرين، خصوصاً عندما لا يزال هؤلاء أحياء يشهدون.
فالتاريخ، حتى عندما يسهم في صناعته الأفراد، فهو ليس ملكاً شخصياً لأحد، لكنه مسؤولية حضارية للجميع. والملامح التي يقدمها كتاب فوزية مطر عن تجربة أحمد الشملان في تاريخ وطنه، هي بمثابة ضوء القناديل الصارمة التي تساعدنا على الثقة بأن ثمة تاريخاً مازال ماثلاً يتوجب عدم تغييبه، وعدم ترك غيرنا يتجاوزه، والأهم، ضرورة تدريب الذاكرة على استحضاره بوصفه دروساً للسجال الفكري، وليس باعتباره طوطماً محصناً لا يأتيه الباطل من أي مكان، ولا هو أوسمة للمباهاة. 
واستطراداً، يمكن القول بأن مثل هذه الالتفاتات الشعبية العميقة والرصينة والصادقة، هي نموذجٌ مدهشٌ للعدالة والإنصاف، تحمي تاريخ النضال من مثالب المساعي الخائبة لتعويض الضحايا «المستمرة» للعنف والعسف من أية جهة كانت.

9
المفاجأة الأدبية التي أسعدتني شخصياً، تمثلت في الأسلوب الطيع السلس الذي كتبت به فوزية مطر فصول كتابها، حيث جاءت لغة الكتاب في أسلوب أدبي تميز بالجزالة والرصانة وقوة الجملة وبساطتها في آن، حيث استطاعت فوزية أن تتفادى الثرثرة والمبالغات في متن كتابها، تلك المبالغات الحماسية التي ربما شابت بعض شهادات الكتاب، والتي كانت المؤلفة مضطرة لنشرها تمسكاً بأمانة الوثيقة، غير أننا نتفهم مثل هذه المبالغات الشخصية في بعض تلك الشهادات، عندما نعرف السياقات السياسية التي تشكل الخلفيات الواقعية لأصحاب هذه الشهادات، فمن حق كل شخص أن يبوح بكوامنه المكبوتة، رجاة أن يبلور هذا فهمه للتجربة، من دون أن يغفل عن محاذير التداخل الرهيف بين حدود تاريخه الشخصي وتخوم التاريخ الجماعي الذي يتعلق بالتجربة المتصلة بعشرات ومئات الشركاء في هذه التجربة أو تلك.

10
من بين ما يظهره الكتاب، أيضاً، عبر السرد والشهادات، تلك التضحيات الدورية التي كانت القوى الوطنية تقدماها بين حقبة وأخرى، في سبيل وضع الشمس في أفق هذا البلد، وإن كان كثير من هذه التجارب يتوالى بقدر نادر من استخلاص الدروس، غير أن هذا لم يكن يقلل من صدق وإخلاص الأجيال وهي تتقدم نحو ذلك الأفق، بكثير من الأخطاء، لكن بقدر كبير من الوعي بطبيعة النضال سعياً نحو المجتمع الحديث، في واقع شديد التخلف والتعقيد.
كما ستتجلى في هذا المشهد كيف أن سلطة بهذه الضراوة كانت على استعداد (دوري هي الأخرى) للفتك والتنكيل بزهرة الشباب تحت طائلة حجة حماية الأمن في مواجهة شعب أعزل. وفي هذا يكمن أخطر ما يقترح علينا تأمله هذا الكتاب.

11
هذا كتاب سيكون مهماً لمختلف فئات القراء، وتنوع منازعهم، في حقول السياسة والتاريخ والاجتماع والثقافة، وخصوصاً دراسة الكائن في التجربة الإنسانية: النظر والممارسة.
وبطبيعة الحال هو كتابٌ قد يفزع من أوشكتْ ذاكرتهم على العطب، أو الذين يرغبون في المحو والنسيان. المنهمكون الجدد في الشاغل السياسي، الجادون منهم خصوصاً، وهم يصوغون رؤاهم الجديدة للراهن والمستقبل، سوف تعني لهم وتهمهم قراءة هذا الكتاب كثيراً، لمعرفة تجربة أحمد الشملان وجيله، على أن يأخذوا الدرس من دون نفي الأستاذ.

12
كنتُ من بين الذين حالفهم الحظ في قراءة الكتاب مبكراً، شاكراً للصديقة، فوزية مطر، عنايتها الكريمة، (وكنت عن كثبٍ من دأبها النادر) وهي تسهر على تحقيق ما عجزتْ، أو تأخرتْ، عنه المؤسسات والجمعيات والقوى السياسية ومراكز الدراسات الراهنة.
حيث كان حرياً أن نعتني بدراسة وتأمل هذه التجارب، واستنباط دروس الضرورة التاريخية: (لتعدد الرؤية ووحدة النضال)، بدل الانشغال بما يهمش التجارب ويضعف السعي ويكبح الأحلام وينعش الوهم.
 
الوقت 6 نوفمبر 2009
 
 

اقرأ المزيد

من غبشـة وطـن


 

أيام أحمدالشملان…! 
  


   
-  4-

 



مـن غـبـشـة وطــن…!

 

يـا صـوت الـربـيـع ونـغـمـة الـريـحــان…
تـعـلـّمـت الـسـهـروالـشـوڱ…
مـن طـبـع الـرُفـاڱـه ومـن مـدار الـنـاسْ
شـايـل …
بـالـفـعــايـلْ…
لـلـفـســايـل راسْ
تـجـرّعـت الـهـوايـل كـاسْ
حـرفـك مـا طـفـاه الـلـيـــلْ…
لا يـخـفـت رنـيــن احـساسْ
تـوڱـد جـمـر شـِعـرك…
يـومـي لـلـنـيـشـان
مـثـل خـطـوة بـحـر…
يـســڱي نـخـل عـطـشـانْ
مـثـل غـنـوة سـفــر…
فـيـهـا الـمـتـاع ألـحـــانْ
مـثـل سـلـوة أثــر…
لـلـسـايـر الـولـهــانْ
مـثـل نـشـوة مـطــر…
وتـوّڱــّظ الــذبـــلان
وريـت شـمـوع صـبــرك…
لـلأمـل مـكـتــوبْ
لـبـسـت سـنـيـن جـرحـك…
لـلـزنــازن ثــوب
يا سـفـــّان…
مـا مـدّ فـي مـهـب الـريــح…
إيــد شــراع…
بـيــن وبـيــن…
نـوب ونــوبْ
بــڱى سِـيـف الـمـحـبـّه
مڱـصـد الـعـشـّـاڱ
 ما خـلـوّ هـدفـهـم صــــوبْ
والـتــاريــخ …
يـهـتـف لـك…
تـعـيـش لـديــرة الـعـنــوان…
يـا إنـســان…
يـا فــرحـة نــجــم ضـــوّى…
يـدوم بـلـَمــّة الـمـِلـْحــــانْ
مـن غـبـشـة وطــن…
يـا أحــمــد الـشـمــــــــلان
 
عبدالصمدالليث
16 نوفمبر 2009
 

اقرأ المزيد

مخاطرُ الصراعات العسكرية في الخليج والجزيرة

تتصاعد عملياتُ التوتر والصراعات العسكرية بقوة غير عفوية، وهي تمثلُ مواجهةً كبرى بين دول الغرب والدول العربية من جهة، وبين محور إيران – القاعدة من جهةٍ أخرى.
ليست كلُ الدولِ العربية مُنضمةً إلى هذا المحور الغربي، لكنها الدول الكبيرة المؤثرة، فحكومة سوريا في الآونة الأخيرة تحاول أن تأخذ موقعاً وسطاً.
ما يجري في إفغانستان أو باكستان أو اليمن أو الصومال أو لبنان(سابقاً) يعتبرُ حروباً موجهةً ضد (مصالح الغرب) وأعوانه!
وقد وجد الحرسُ الثوري في إيران نفسه في معركة وجودية مصيرية(أكونُ أو لا أكون)، وأدتْ تطوراتُ نموهِ العسكري وصعوده السياسي، إلى بنائهِ قوةً ضاربة جرّتْ قسماً بشرياً مهماً في إيران إلى التعبئة لأوامره المباشرة، وقد تشكلتْ معه قوى دينية اجتماعية كبيرة خلال التحولات السياسية ونشوء الرأسمالية الحكومية ذات الوجهين القومي الفارسي والمذهبي الإثناعشري.
وقوته الاقتصادية انغرزت في المؤسسات العسكرية والتقنيات العسكرية، أما الاقتصاد المدني فهو لم يتجذر فيه. فلم تعدْ لديه خياراتٌ سياسيةٌ كبيرة وهو نتيجةُ فيضانٍ عسكري إيراني داخلي، لكن هذا الفيضان لم يعدْ مطلوباً لدى الجمهور الإيراني الذي كرسَ جمهوريتهُ ولم يعدْ أحدٌ يهددها حقيقة، مثلما كان الأمرُ أثناء اقتحام نظام العراق السابق، والتي وصلت فيها التوظيفاتُ العسكريةُ إلى التهام الميزانيات الوطنية.
وكان نشوء الخيار الأخضر داخل المدن الرئيسية تعبيراً عن رفض الطريق الأحمر الدموي الذي يقودهُ الحرس، فالناسُ تريدُ زرعَ الحياةَ وتوسيع الإنتاج لا شن الحروب!
أما (القاعدة) فهي نتاجُ رأسماليي الجزيرة العربية المغامرين الذين حصلوا على ثروات كبيرة في الانتعاش الاقتصادي النفطي، ويريدون القفزَ على التطور السياسي السلمي المتدرج في الجزيرة، واتباع أساليب الغزو البدوي، والاستفادة من الصراعات القبلية والمناطقية والمذهبية وتوظيفها في صعودهم للسلطة.
تتركز تكتيكاتُ الحرس والقاعدة على تحريكِ المناطقِ الفقيرة النائية والفاقدة الأمن المركزي، لجعلها مناطقَ حراكٍ عسكري معارضٍ متمرد، وتحويلها إلى سلطات مستقلة، وجعل المنطقة في توتر دائم.
تعاون هاتين الجهتين السياسيتين العسكريتين على نشاط موحد يعبر عن سياسة اليأس، فليس ثمة مشروع سياسي ممكن ومتحضر، فمعارضة الغرب الشمولي مطلوبة في سياق الاستقلال والحداثة والديمقراطية، وهي لابد أن تتشكلَ في مدنِ المنطقة الكبرى، ومن قبل القوى العريضة والحداثية، لا في مناطق العزلة والعصابات.
فتتم في هذه السياسة تغذية رموز وقوى سياسية محافظة ومذهبية واشباع شهيتها للزعامة وأنها تستطيع أن تقود وتنفصل بل أن تحرر البلد من التبعية و(الارتماء في أحضان الامبريالية)!
إنها محدودية قوتين تريدان جر المنطقة لمستويهما، فتركزان في مناطق الاحتشاد القبلي ذي الكثافة السكانية والتجيهزات العسكرية التقليدية، مع رفدها بإمكانيات حديثة، ولهذا فإن تغذية هذه المناطق بالأفكار الدينية النصوصية المتعصبة، هو شكلٌ متقاربٌ وموحد في حالات غياب العقلانية والاجتهاد.
ولكن هذا لا يعني غياب المدن في الجزيرة والخليج عن هذا التخطيط المتنامي، لكنه يبتعد الآن بسبب قوة السلطات المركزية فيها، وعدم وجود حالات الفلتان الأمني كما في الجبال، ولكنه يمكنه مستقبلاً أن يتخذَ أشكالاً تلائم هذه المدن مع استمرار المشكلات الاجتماعية والاقتصادية من دون حلول جذرية.
إن سياسة الحدة العسكرية في العاصمة صنعاء تعطينا مثالاً لما يجب أن يتم تجنبه، ومن الضروري عدم جلب سياسات صدام حسين للجزيرة، التي اعتمدت على مجابهة كل شيء بالعنف، والآن تقومُ نتائج هذه السياسة بتهديد شمال الجزيرة كما تهدد أحداث اليمن خاصرتها.
دعم سياسة الخضر في إيران والقوى الديمقراطية العلمانية في منطقة الجزيرة وإصلاح مناطق الفقر، وخاصة سياسة إعطاء الفلاحين والحرفيين الأراضي الزراعية والأدوات، وخلق أسوجة اجتماعية طويلة من المزارعين المستقلين، هذه من الممكن أن تبعد البدو والمشردين والفقراء في هذه المناطق عن اليأس ومشاركة المغامرين في أعمالهم.

صحيفة اخبار الخليج
24 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

عن مهام مجالسنا البلدية

كان جاك شيراك، الرئيس الفرنسي السابق، رئيساً لبلدية العاصمة باريس فترة طويلة. نجاحاته، بوصفه عمدة للعاصمة، هي التي هيأت له الطريق ليصعد إلى رئاسة الجمهورية. في البلدان الديمقراطية عامة ينظر إلى المجالس البلدية نظرة جادة بوصفها الشكل الرئيسي للحكم المحلي الذي يعزز اللامركزية الإدارية، ويرسخ مبادئ الممارسة الديمقراطية، ويقيم الصلة المباشرة بين النائب البلدي، والحزب أو الجهة السياسية التي يمثلها وبين الناخبين من أهالي المنطقة التي يقودها هذا المجلس البلدي، لأنه يتصدى للقضايا المباشرة واليومية للمواطنين ذات العلاقة بمصالحهم الحيوية وتطلعاتهم نحو حياة أفضل في مناطقهم، تتوفر فيها شوارع منظمة واسعة وحدائق عامة ومراكز ثقافية وتسويقية ودور سينما ومسارح ورياض أطفال. يمكن للناخبين أن يحكموا على جدارة الأحزاب وعلى مدى صدق تبنيها لقضايا الناس من خلال ما يقوم به الممثلون البلديون لهذه الأحزاب. وبشكل عام يفضل الناخبون، في المجتمعات الديمقراطية، انتخاب أولئك المرشحين الذين تمتلك أحزابهم كوادر مؤهلة وبرامج اجتماعية واضحة، مما يفسر النفوذ البارز للأحزاب اليسارية في المجالس البلدية في العديد من هذه المجتمعات. هذه أمور جوهرية لا يعرفها الكثيرون في بلادنا، بمن فيهم الممثلون البلديون أنفسهم الذين ما زال الكثير منهم حتى هذه اللحظة لا يدرك كنه العمل البلدي ولا طبيعة الصلاحيات المعطاة للمجالس البلدية، ولا السبيل الصحيح لاستثمار ما هو متاح من هذه الصلاحيات ومن ثم السعي لتطويرها. أتذكر هناك ما قاله أحد البلديين في البحرين في الفصل البلدي السابق من أن مشروعاً مثل مشروع ترميم البيوت الآيلة للسقوط الذي أحيل للمجالس البلدية كان يمكن له أن يكون رافعة لفوز أعضاء المجالس البلدية مرة أخرى، لكن بالنظر إلى الطريقة التي أداروا بها هذا الملف فإنه أصبح عاملاً لسقوطهم لا لفوزهم. ومع معرفتنا بالقيود الكثيرة المفروضة على المجالس البلدية ومزاحمة أجهزة الدولة لصلاحياتها في الكثير من الأوجه، لكن مع ذلك فان على أعضاء المجالس البلدية تكريس وقائع فعلية على الأرض تعزز من صلاحيات هذه المجالس، باعتبارها رافداً لمسيرة التنمية المستدامة وطرفاً أساسياً في عملية تأهيل المدن والقرى والارتقاء بمستوى مقتضيات الحداثة وانجاز خدمات ملموسة لمواطني المناطق التي يمثلونها. منذ أسابيع قليلة أقام المنبر التقدمي ندوة لأعضاء المجلس البلدي في المحافظة الوسطى، دار جزء من النقاش فيها حول هذا الجانب تحديداً، باتجاه بلورة مثل هذه الرؤية لدور المجالس البلدية وهي رؤية نتمنى لو أن رؤساء وأعضاء المجالس البلدية استوعبوها جيداً وحولوها إلى برامج ملموسة للنهوض بأوضاع ناخبيهم وأوضاع مناطق هؤلاء الناخبين. في هذا السياق مفيد التساؤل عن مرشحي الانتخابات البلدية القادمة الذين لم نسمع بهم أمام هذا اللهاث نحو مقاعد المجلس النيابي، مما يعكس جهلاً أو استخفافاً بدور ومهام العمل البلدي، وعجزاً عن الوفاء بأعبائه الحقيقية، وهذا هو أحد مظاهر الخلل الرئيسية في الارتقاء إلى أعباء التحول نحو البناء الديمقراطي المنشود.
 
صحيفة الايام
24 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

طالبان.. رأسان في جسد وزيرستان

يحدد المكان الجغرافي والطبوغرافي سياسيا طبيعة الصراع بين حكومة باكستان وجيشها الجرار لمنطقة وزيرستان، والمدعومة دعما كاملا من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الدائمين ضد حركة طالبان اللتين تبدوان كجسد عقائدي واحد وراسين تنظيميين مختلفين، لأسباب تكتيكية واضحة أيضا، فحركة طالبان باكستان تعمل في تربة بلادها وحركة طالبان الأفغانية تعمل في تربتها، وتعمل الحركتان شكلا والواحدة مضمونا، ضد حكومة بلادهما باعتبار أن الحكومتين ضالعتان في تحالفهما مع الولايات المتحدة، فطالبان بشقيها الباكستاني والأفغاني قائمتان على أسس مناهضة للكفرة الذين يريدون لباكستان وأفغانستان مجتمعا مختلفا عن منظور المشروع المزمع إقامته في البلدين، فحلم إقامة الإمارة الإسلامية بكل تفاصيلها الشرعية أمر قائم لدى الحركتين التوأم، واللتين في الأساس كانت مولودة ومتناسخة من روح وجسد حركة طالبان الأفغانية / الأم ومن بذرة وتجربة وتاريخ أفغانستان القديم في حقبة الحرب ضد جيش الاتحاد السوفيتي. جميعنا يعرف تسلسل المسألة العسكرية والسياسية منذ خروج الاتحاد السوفيتي عام1985 وتحول أمراء الحرب إلى اقتتال داخلي لمحاولة ملء فراغ الحكومة الأفغانية السابقة تحت حماية الجيش السوفيتي، وفي خضم تلك الفترة 1985-1990 ستصعد المسرح السياسي لأفغانستان زمرة من طلبة المدارس الدينية والذين أطلقوا على أنفسهم حركة طالبان، ورفعوا شعار وراية تطهير أفغانستان من تلك الجماعات المتقاتلة من اجل كعكة البلاد وتحولها إلى ساحة حرب أهلية ضارية . لم تدم طويلا تلك الفترة الوردية لحركة طالبان في العالم العربي والإسلامي ولا في البيت الأبيض، فمثل ما انتهى شهر عسل مرحلة الاتحاد السوفيتي، فان البيت الأبيض والعالم الغربي في حقبة العولمة، سيلتفت للعدو الجديد. لم يكن بين أفغانستان وباكستان مسافة سياسية حينها ولا عسكرية فالطرفان تعاونا وتحالفا قدر المستطاع، وفتحوا بوابة البلدين للجماعات المجاهدة حتى صارت لهم أفغانستان وباكستان «الفردوس المفقود» كما يحلو للشاعر الانجليزي اليوت تسميتها. هذا الفردوس لن تطول الإقامة به برخاء وحرية كاملة، فقد ورط تنظيم القاعدة البلدين في معركة تفوق طاقته، وأراد أن يشعل العالم «بثورة جديدة عالمية الطابع» على كل مواقع الامبريالية الأمريكية. هكذا حلقت طائرات الناتو والقوات الأمريكية من قواعد مختلفة في الجوار الأفغاني، بل وطارت من مسافات بعيدة لتدك كل موقع ومعقل لحركة طالبان كرد على الهجوم المباشر على مركز التجارة العالمي والبنتاغون. لحظتها دخل العالم حربا خفية ومعلنة وواضحة على شبح تم تضخيمه كصورة للإرهاب فاختلطت أوراقه، فانشغل كل مركز بحث عالمي بتلك الظاهرة الجديدة، الإرهاب العالمي «القاعدة» وتنظيمات إسلامية متنوعة في الأسماء «فانتعشت تلك الحرب» غير أن عين وقلب البيت الأبيض مسكونان في بغداد لخوفهما من العراق اكبر من خوفهما من الجماعات الإسلامية. نشطت في 2000 ـ 2009 محطات الفضاء في بث الأشرطة، واستمعنا بين الحين والآخر أصوات الانفجارات، فيما بدا الجيش الأمريكي يدخل معقل صدام وكأنه في نزهة حربية لم يتوقعها بتلك السهولة. سقطت تفاحة بغداد في الحضن الأمريكي، وتم إعادة بناء دولة مفككة تركت تنزف بجراحها، ولكن البيت الأبيض لم ينس بقعة مهمة اسمها وزيرستان، بحثا عن طرائد مهمة بعد أن اصطاد أهمها ووضعهم في معتقلات متعددة كما هو سجن غوانتانامو الشهير. كانت تنتظر الولايات المتحدة حسما عسكريا سريعا ومكثفا على فلول جماعات هربت من جحيم جبال تورا بورا، وكاد دخان الانفجارات وصوتها والمواد الكيماوية يدخلها في جنون الصدمة. بعد الطوفان الأمريكي أوت تلك الفلول إلى الجبال ملاذا فالتقت الجنسيات الإسلامية المتنوعة بعد أن اخفت كل حركات الجماعات الإسلامية في أسيا الوسطى فلم تنجح لا في أوزبكستان ولا طاجيكستان ولا أذربيجان ولا الجمهوريات الصغيرة، فما كان من المحبطين المنهزمين إلا الهروب نحو مناطق جهادية قريبة، فكان حضن وزير ستان مفتوحا وصارت الحدود الجبلية ملعبا لمن يريد أن يتدرب ويندس نحو المدن الداخلية والخارجية لكي يتمكن من القيام بتفجيراته. والنغمة لا تزال متواصلة. كيف لم تستطع دولة كباكستان بجيشها المدعوم ماليا وتقنيا من الولايات المتحدة بفشلها في اصطياد رؤوس مطلوبة من قيادة القاعدة أو طالبان بشقيه الباكستاني والأفغاني إن لم تكن هناك خزانات سرية ومستودعات مضمونة تؤمن لمثل أولئك الهاربين فردوسا مؤقتا. وكلما شهدت أفغانستان ضربات من «طالبانها» سمعنا باكستان تضطرب ويهددها طالبانها أيضا والذين يناطحون العسكر بشتى السبل وبإمكانيات عسكرية وبشرية محدودة قياسا لمن يواجهونهم في العدد والعتاد. قد تجدي الان ومؤقتا عملية «التطهير العسكري» لوزير ستان لكي تبدأ عملية المناورة السياسية ومن أهمها عزل المقاتلين الأجانب عن شعب وقبائل باكستان وعزل حركة طالبان الباكستانية عن بيئتها الثقافية والسياسية والقبلية وإظهارهم على أنهم ضد الدين والناس قبل أن يكونوا ضد الحكومة نفسها فما تحدثه من انفجارات عشوائية تصيب الأبرياء تترك أسئلة وحيرة لدى الشارع الباكستاني والأفغاني !!. إن لم تكن باكستان في حرب أهلية كاملة فإنها تؤسس لمشروع تلك الحرب إن لم تحسم بسرعة العملية العسكرية في وزير ستان المعركة المنتظرة. وكلما قدمت أفغانستان نفسها كمشروع ديمقراطي وتنموي فان انعكاساته على وزير ستان ايجابية ولكن ورطة أفغانستان وحكومتها الفساد وتغلغل أمراء الحرب في كل مكان ومن أهمها وزيرستان الحاضن لكل هؤلاء الهاربين من جحيم النار والاعتقال بحثا عن الفردوس الموهوم. جبهتان على الضفة الأفغانية والباكستانية يحاربهما العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة مانحة القوات المحلية بركتها ودعمها وصلواتها الأبدية. وإذا ما كان تنين طالبان يتمدد في الجغرافيا الأفغانية والباكستانية منطلقا من محطة أساسية هي وزير ستان فان الحرب والمواجهات العسكرية فيها هي المدخل الجوهري لإعادة الاستقرار النسبي في باكستان وأفغانستان المنتظرة قدرها الجديد في إعادة جولة الانتخابات الرئاسية والتي كانت رسالتها مهمة لمن يهمه الأمر عن إن العالم الحر لن يسمح بهذا النوع من التجاوزات المكشوفة للفساد والمعادي للديمقراطية والشفافية حتى وان كانت في تربة حساسة ومعقدة للغاية .
 
صحيفة الايام
24 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

مشروع « نورانا» واحتجاج أهالي القرى


لا أفهم ما الذي يزعج أهالي قرى كرباباد والحلة وكرانة وباربار والدراز وجنوسان والمقشع من مشروع «نورانا», فحسب الشركة المطورة للمشروع فإنه سيكون «عنوانا مميزا ذا وجهة بحرية خلابة تطل على قلعة البحرين التاريخية».

هذا المشروع الذي سيكلف أكثر من مليار دولار على مساحة مليوني متر مربع سيشتمل على «فلل سياحية وشقق مطلة على البحر ووحدات تجارية وأماكن ترفيه وسياحة ومكاتب».

المشروع الذي يملكه أحد المصارف «الإسلامية» وعدد من المستثمرين الاستراتيجيين من دول مجلس التعاون الخليجي يهدف إلى «تكوين مجتمع سكني متكامل… يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية المحلية… ويحدد معالم جديدة للتنمية المستدامة… ويعزز السياحة… ويوفر مرافق ترفيهية للاستجمام… ويقدم أساليب حياة جديدة».

ولذلك فإن أحد المسئولين في الشركة المطورة للمشروع يعبر عن سعادته البالغة لحصول الشركة على الموافقة البيئية لدفن البحر ويقول في تصريح صحافي بالحرف الواحد «نحن سعيدون للغاية بالحصول على الموافقة البيئية من الجهات المختصة في البحرين للبدء بالإجراءات اللازمة لأعمال دفن موقع المشروع».

إن كان هذا المسئول بهذه السعادة لدفن البحر المطل على هذه القرى فما الذي يحزن أهاليها… لا أفهم.

ألن يستفيد أهالي جنوسان من أماكن الترفيه والسياحة ويذهبوا لهذه الأماكن بصحبة أطفالهم وعوائلهم ليستمتعوا بالشواطئ والمطاعم الفخمة بدلا من الساحل الموجود الآن المليء بالأوساخ والقاذورات؟ ألن يستأجر أهالي كرانة المكاتب الموجودة في المشروع لتكون قريبة من منازلهم بدلا من زحمة المواصلات؟
ألن يستفيد أهالي الحلة من الإقامة في الفلل الفخمة والشقق المطلة على البحر بدلا من بيوتهم الخربة الآن؟
ألن يستفيد بحارة الدراز من المرفأ لوضع «يخوتهم» فيه بدلا من ترك «طراريدهم» على الساحل وهي عرضة للسرقة؟

وأخيرا، ألن تستفيد جميع هذه القرى من دفع عجلة التنمية الاقتصادية فيها والتمتع بأساليب الحياة الجديدة التي سينعمون بها والحصول على فرص عمل ذات رواتب خيالية؟

إن كان أهالي القرى سيستفيدون من كل ذلك فلماذا إذا كل هذه الاحتجاجات والاعتصامات بحجة أن الأرض التي سيقام عليها المشروع كان من المفترض أن يقام عليها مشروع إسكاني يستفيد منه نحو 500 مواطن من هذه القرى وإن هذا المشروع سيقضي على حلمهم بالحصول على وحدة سكنية.

ولماذا القول بأن هذا المشروع مخالف للمخطط الهيكلي للبحرين وأن عمليات الدفان غير قانونية ولم تحصل على موافقة المجلس البلدي.
ولماذا يشيعون أن عمليات الدفان ستقضي على البقية الباقية من السواحل لتكون حكرا على أصحاب الأموال فقط, وإنها ستساهم في القضاء على ما تبقى من الثروة السمكية والحياة البحرية بعد أن تقلصت أنواع الأسماك التي كانت تتواجد في المياه الإقليمية لمملكة البحرين إلى ما يقرب من 60 نوعا بعد أن كانت أكثر من 270 نوعا.

ولماذا الكذب بأن المجتمعات المسيجة «وهي المدن الممنوع دخولها أو حتى النظر إليها لغير الساكنين فيها» ستصبح في وسط قراهم بعد أن كانت تنشأ في الأطراف البعيدة من البحرين بحيث لن يتمكنوا من رؤية البحر في حين أن البحرين مكونة من 33 جزيرة؟
أليس كل ذلك مجرد مبررات واهية؟


الوسط  23 نوفمبر 2009م

اقرأ المزيد

على طريق قمة التعاون.. أية عملة وأي نظام عالمي نريد؟

أقل من ثلاثة أسابيع وتلتئم قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الكويت الشقيقة. لم يبق من الوقت سوى قليله قبل أن تتخذ القمة قرارها بشأن الوحدة النقدية ووحدة النقد – العملة الخليجية المشتركة. لا يزال الجدل محتدما حول مكونات هذه العملة وموعد إطلاقها. لكن الجدل الأهم هو حول ارتباطها بالدولار الأميركي، وكذلك تسعير النفط بالعملة الأميركية. وقد يرى البعض في هذا ظاهرة إيجابية، خصوصاً بعد أن اعتاد كثير من المسؤولين، ومعهم كثير من الاقتصاديين على ‘قدرية’ الارتباط بالدولار. كان لهذا الجدل أن يحسم قبل وقت كاف من الآن. فالجدل الحقيقي يجب أن يدور الآن حول إسهام مجلس التعاون الخليجي في إعادة بناء النظام النقدي والهرم المالي العالميين. باستمراره يحصرنا هذا الجدل للأسف في حلقة ضيقة ومفرغة، محورها الدولار. أما كل العالم فيتحدث ليس فقط عن البديل للدولار كعملة احتياط عالمية، بل وماهية العملة الجديدة، مكوناتها، الجهة أو الجهات المصدرة لها ومعايير وثبات سعرها التبادلي، بكلمة.. عن النظام النقدي المالي العالمي الجديد.
لم تجد فكرة الرئيس الروسي ميدفيديف التي طرحها قبيل انعقاد أول قمة لمجموعة العشرين لمكافحة الأزمة حول إصلاح النظام النقدي العالمي قبولا أثناء تلك القمة. بعد ذلك بأشهر أصبحت فكرة إيجاد عملة عالمية جديدة بديلاً للدولار تلاعب أذهان الخبراء العالميين. ومنذ أشهر أصبحت بلدان أكثر فأكثر تنخرط في عملية البحث عن بديل للدولار، بما في ذلك في منطقتنا (قطر والكويت، ناهيك عن إيران). غير أن التطور الدرامي هو أن صندوق النقد العالمي (سنرمز إليه ‘صند’)، الذي طالما أتحفنا بدراسات تقول بأن ارتباط العملات الخليجية بالدولار هي الخيار الأفضل، أصبح هو الآن، وفي حركة مناورة، يحاول تزعم مسيرة الإطاحة بالدولار. ذلك يعني أن آفاق العملة الجديدة صارت أكثر واقعية، لكن السؤال: أية عملة؟ وهنا حلبة صراع عالمية جديدة.
المدير التنفيذي لـ’صند’ دومينيك ستروسكان يقول بأن العالم لم يعد يحتمل الاعتماد على عملة تصدرها دولة لوحدها، كما ساد الحال بعد انقضاء عهد المعيار الذهبي. وعليه يرى ستروسكان أن العملة العالمية الجديدة يجب أن تتشكل فقط من سلة العملات المعمول بها حاليا، قاصدا بذلك حقوق السحب الخاصة (SDR). ورغم أن فكرة الارتباط بالوحدة الحسابية الداخلية في ‘صند’ (SDR) لم تجد قبولا لدى كثير من الخبراء العالميين، فإن الصندوق لا ينوي الاستسلام بعد. سرعان ما هبَّ خبراء سابقون وحاليون في ‘صند’ لتطوير فكرة ستروسكان بتوسيع سلة (SDR) بإدخال عملات عدد من بلدان الاقتصادات الناشئة. المدير التنفيذي السابق لـ’صند’ ميشيل كومديسيو يرى وجوب تحديث السلة لتضم عملات بلدان كالصين والهند والبرازيل. لاحظوا أن المدعوين الجدد للمساهمة في الاتحاد النقدي الجديد هم ثلاثة من بين بلدان مجموعة عمالقة الاقتصاد العالمي الجدد الأربعة BRIC، أي باستثناء روسيا التي كانت أول من دعا أصلا إلى إصلاح النظام النقدي العالمي كما ذكرنا أعلاه.
وهكذا، فنحن أمام خطة أو مؤامرة عالمية جديدة، سمها ما شئت، لفرض حل يحقق للولايات المتحدة هدفين في آن: فأولاً، رغم أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بن برنانكي كان قد وعد الاثنين الماضي بدعم الدولار ليصبح ‘قويا من جديد’، إلا أنه يدرك قبل غيره مصير الدولار المحتوم، كونه أحد صناع هذا المصير. وعن سبق إصرار على الأغلب. وإذا كان لا مناص من استبدال الدولار، فلتبق العملة البديلة من صنع وتحت إشراف ‘صند’، حيث السيطرة الأميركية لا تزال شبه مطلقة. إذن، فسواء بالدولار أو بالـSDR يجب أن تبقى أميركا هي المهيمنة في النظام النقدي والمالي العالميين.
ثانيا، إذا كان لا بد من توسيع سلة الـSDR فلينطوِ ذلك على مؤامرة تستهدف تفكيك مجموعة BRIC باستبعاد روسيا منها والاستفراد ببقية أعضائها. وعلى هذا الأساس يرى البعض (بغير تندر لحد الآن) أن ما يحاك ربما يشكل الخطوة التالية لقيام الحكومة العالمية العتيدة بكل ما قد يجره ذلك على العالم من نتائج. غير أن السخرية الحقيقية يمكن أن تحدث بعد أن يتضح أن هذه الفكرة ذاتها قد غدت أضغاث أحلام. فالعالم يتغير حقا، لكن باتجاه فقدان الولايات المتحدة لدورها الريادي في هذا التغيير. هذا الدور التغيري يجب أن تتقاسمه مجموعات دول العالم المختلفة، فهل سيكون لمجلس التعاون الخليجي مكان بينها في صياغة النظام العالمي الجديد.. من دون التعلُّق بأميركا وحدها؟
 
صحيفة الوقت
23 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

أرمزٌ أم رصيدٌ؟!

تحاول الكتلُ (المعارضة) و(الموالاة المفترضة!) أن تدعي معارضة ونضالاً وتضحياتٍ جساماً من أجل الجماهير، وهذا حقٌ مشروع لها، إذا واصلت نضالها المفترض هذا، ولم تعتبره جسوراً للثراء!
فيبدو أن أدوات هذه الكتل في عملية التغيير التي تهم الأغلبية الشعبية من مواطنين وعمال أجانب، تتوجه للتآكل، وتبدو عمليات الفضح الاجتماعية مسلطة عليها بقوة.
قوى (المعارضة) التي كان ينبغي أن تناضل بقوة وعمق فقدتْ التناسقَ بين وجودها في البرلمان والبلديات ووجودها بين الناس، فأغلبيتها المفترضة لم تتحركْ بنضالٍ جماهيري قانوني سلمي مهم، واستطاعت قوى خارج النضال البرلماني أن تسرقَ الأضواءَ منها، فراحتْ شرعيةُ أغلبيتها داخل هذه الجماهير تغدو محل شكوك.
ربما يرجعُ هذا إلى عدم نشاطِ أعضاءِ البرلمان والبلديات المعارضين بقوةٍ بين الناس، واكتفوا بحضورهم الاستعراضي للتصوير في مناسبات الاحتجاج، ولكن الجمهور لا يريد حضوراً استعراضياً، بل يريد قدرة سياسية تستطيع أن توجد شيئاً قانونياً يؤثر في معيشتها.
إن المستويات السياسية لأعضاء البرلمان والبلديات المعارضين كانت محدودة في فهم المرحلة والظروف وشبكة الصراع المعقدة، وإذا استمروا بالمادة المعرفية السياسية نفسها يكونون كارثة على جماعتهم قبل غيرهم!
إن محاولات دغدغتهم بالأموال يجب ألا تصرف انتباههم عن القضايا المركزية للنضال الوطني، وهو – أي النضال – في البداية يحتاج إلى الارتفاع عن قفص المذهبية السياسية، والتركيز في كشف السلبيات في الأداء الحكومي، وفتح الفرص أمام الرأسمالية الوطنية في النمو الاقتصادي، وعلى ارتفاع مستوى معيشة العمال والموظفين، ولكن أين هذا من الأداء السياسي للمعارضة والموالاة اللتين تداخلتا وذابتا في بعض؟!
لكن هل خصصوا أوقاتاً للبحث والدرس وتكوين المشروعات القانونية والأسئلة العميقة التي تكون بؤرتها مصالح الجمهور، والتضييق على فوضى الاستقدام من الخارج، وعلى عدم وجود تخطيط في الاقتصاد وفي النمو العمراني والمواصلات والأوضاع البيئية المتردية؟!
بحت الأصواتُ من أجل أن يستعينوا بخبراء في الاقتصاد والقانون خاصة. وهم لا يجهلون ذلك، ولكنهم يقولون لماذا الحدية والكشف العميق؟ دعونا نعوم على هذا الغموض السياسي ما دام الجمهور يجهل هذه التعقيدات، وهي فرصة نجمع كم مليون! والكلُ يركبُ قاربَ الدين المجني عليه!
إن بعض الفئات الوسطى الصغيرة وجدتها فرصةً بسبب ضعف وعي العمال خاصةً، من أجل أن ترتفع إلى مقاعد البرلمان والبلديات، وهي لاتزال تعمل لذلك، مع وجود غموض اجتماعي في المواقف، ومستويات المعرفة! فالمشكلة لا تأتي من هؤلاء البرجوازيين الصغار الذين وجدوها فرصة للثراء، بل من العمال الذين لا يملكون معرفة سياسية فينخدعون ببساطة.
وهذه الظاهرة قد تكون في كل التيارات السياسية، وهي مقتصرة على اليمين واليسار، ولكن ممثلي القوى السياسية البرجوازيين أدركوا عدم وجود قوة عمالية يقظة على الساحة، وظنوا أنها زالت تماماً، وهي فرصة ليقوموا بالألعاب السياسية لكسب الأموال، وكم عبارة مدهونة هنا بالسم، وكم شعار صارخ أحمر مرسوم بقلم الشفاه وكم وكم، ظنوا انها كافية لخداع جمهور لم يعرف الألعاب السياسية البرلمانية والانتخابية.
إن يقظة الجمهور العمالي والموظف في الريف خاصة ضرورة في هذه الأيام لتطوير مصير البلد باتجاه أن تكون القوانين لمصلحة أغلبية الشعب.
نريدُ رموزاً مناضلة لا يهمها الثراء والأرصدة المتجمعة بل تكون أرصدتها في عقول الناس!
فذلك سوف يدفعها للبحث وكشف الحقائق من دون خوف. ونريد رموزاً نظيفة تخرج من بين الشارع وتتجاوز القوى الملوثة!

صحيفة اخبار الخليج
23 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد