المنشور

قصة ترجمة “مذكرات بلجريف”

لما كانت حرية التعبير والنشر في عالمنا العربي ما برحت تمر بمحنة منذ فجر الدولة العربية الحديثة، وإن خفت بدرجة نسبية ضئيلة في عدد من الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية، فإن كثيرة هي الروايات والقصص الملحمية المثيرة والمؤلمة والمشوقة في آن واحد التي خاض مؤلفوها مع أجهزة الرقابة الاعلامية ببلدانهم معارك ضارية، حول اصداراتهم، من كتب وافلام وروايات ومسرحيات وصحف ومقالات، لكن القليل من أصحاب هذه الاصدارات الاعلامية، وعلى الأخص مخرجو الافلام وكتّاب الروايات والقصص والمسرحيات ومؤلفو الكتب ومترجموها وأصحاب الصحف وكتّاب المقالات الدائمة المنتظمة، هم الذين دوّنوا قصصهم التي تروي ملاحم معاناتهم المريرة مع أجهزة الرقابة العربية على الرغم من من انها لا تخلو من طرائف وعبر، بعضها اكثر فائدة من مؤلفاتهم نفسها، وبخاصة الانتاجات التي أطبقت شهرتها الآفاق في بلدان الرقابة الاعلامية المتشددة، وأثير من حول منعها ضجات كبرى متواصلة ظلت تتجدد بين حين وآخر، وبضمنها تلك الاصدارات الثقافية التي ولدت بفعل الرقابة ولادة خديجية مشوهة، سواء أكانت عملا نثريا أم ادبيا ام فنيا، كأن يكون سينمائيا أم مسرحيا أم مؤلفا مترجما أم غير مترجم في مختلف مجالات المعرفة.
ان تدوين قصص المخاضات العسيرة لولادة تلك الانتاجات والاصدارات لا تخلو، كما ذكرنا، من دروس وعبر ومغزى مفيدة لمعرفة العقلية السائدة في ظل تقلص هامش حرية التعبير إلى ادنى حد ولاسيما حينما يكون المنع او التعديل او حذف اجزاء من الانتاج الصادر يأتي عبثيا او اعتباطيا مضحكا مبنيا على فهم مغلوط من قبل الرقيب او فوبيا تتملكه من عواقب تمرير العمل فيما لا ينطوي هذا العمل الصادر ذاته على أي محاذير او محظورات حقيقية حتى بمعايير تابوهات النظام نفسه السياسية والأخلاقية والدينية.
ولربما يعد المترجم والقاص البحريني مهدي عبدالله هو واحد من القلة بين المثقفين البحرينيين الذين دونوا تجاربهم مع الاصدارات العسيرة لمؤلفاتهم، والمتمثلة تحديدا في اصدار واحد من أهم المصادر والمراجع المهمة لتاريخ البحرين المعاصر الا هو كتاب “مذكرات بلجريف” الذي يتناول فترة تاريخية مفصلية بالغة الأهمية يبلغ مداها 30 عاما (1926-1956)، وهي الفترة ذاتها التي قضاها المستشار البريطاني السابق في عهد الحماية البريطانية للبحرين بصفته مستشارا لحكومة هذه الأخيرة. وقد حاضر بحصيلة تدوينه في محاضرة استضافته فيها جمعية تاريخ وآثار البحرين.
على ان الحكاية التي سردها المترجم مهدي عبدالله عن قصته مع اصدار الكتاب في المحاضرة ليست كلها تدور عن الرقابة، بل ما تحدث عنه في هذا الشأن ليس سوى شذرات واشارات سريعة عابرة وذلك لان الرقابة البحرينية، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، وهي فترة ترجمة الكتاب على حلقات في مجلة “صدى الاسبوع” ثم جمع هذه الحلقات واصدارها في كتاب، نقول لأن الرقابة البحرينية لم تتدخل بصورة مباشرة، بل كان التدخل بحذف فقرات وفصول من الكتاب يتم إما بفعل الرقابة الذاتية للمترجم نفسه وإما بفعل الرقابة الذاتية لرئيس تحرير المجلة التي كان ينشر فيها الكتاب مترجما على حلقات.
وبالتالي فإن المحاضر اختار ان يشمل حديثه حول قصته مع اصدار الكتاب مترجما قضايا ومسائل أخرى، مثل تناول أهمية الكتاب، وأبرز موضوعاته المهمة، وأهم احداث الخمسينيات التي تناولها بلجريف في مؤلفه، وأسماء قيادة الهيئة، واهم مطالبها، وانطباعات المترجم عن الكتاب نفسه الذي ترجمه، وأخيرا تبيانه الفرق بين الأصل الانجليزي للكتاب مقارنة بالنسخة المترجمة التي قام باصدارها في الكتاب موضوع المحاضرة.
وفي تقديري فان الفقرات التي ألقاها المحاضر عما تم حذفه من صفحات وفصول وفقرات في الكتاب، وانطباعاته عن الكتاب، وكذا مقارنته بين الأصل الانجليزي والنسخة المترجمة، كل ذلك كان أهم موضوعات المحاضرة التي حبذا لو توسع فيها وركز فيها، لربما جاءت أعظم فائدة من سرده موضوعات الكتاب وبضمنها سرد أحداث الخمسينيات وان بصورة مختصرة معروفة سلفا.
مهما يكن فان كتاب “مذكرات بلجريف” أو “العمود الشخصي” حسب الترجمة الحرفية هو أهم الكتب التي ترجمها المترجم مهدي عبدالله على الاطلاق من بين كل أعماله المترجمة، سواء التي جاءت في مقالات منشورة او في كتب، وهو ما اكده المحاضر نفسه مبينا ان مبعث اعتزازه بالكتاب يكمن فيما حققه له من نجاح ورواج كبير، ولما حققه له كذلك من شهرة مدوية حتى بات يعرف لدى الكثيرين ممن لا تربطه علاقة بهم بـ “مهدي صاحب ترجمة بلجريف”، وهذا بلا شك يدل على ما يكنه البحرينيون من عشق كبير لتاريخهم وعلى الأخص صفحاته المجهولة المثيرة الأشبه بالاسرار والالغاز، ككتاب بلجريف باعتباره شخصية مهمة كانت ليست مجرد شاهدة على احداث تلك الفترة التاريخية الفاصلة فحسب، بل مؤثرة فيها لما كانت تملكه من دور وتأثير كبيرين في صنع القرار السياسي الرسمي لتلك الفترة ذاتها.
وإذ جاءت أسئلة ومداخلات الحضور خصبة اثرت موضوع المحاضرة، فإن أهم تلك المداخلات وأعظمها قيمة كانت للدكتور عيسى أمين رئيس جمعية الذي فجّر خلالها عدة مفاجآت صاعقة من العيار الثقيل، كرفضه وصم بلجريف بالشر المطلق وتجريده من أي ايجابيات، وككشفه عن وجود صفحات من يوميات بلجريف طوال سني اقامته في البحرين وتخص عامين محددين مفقودة أو منزوعة، وكتبرئته بلجريف من مسؤولية الأحكام التي صدرت بحق قادة حركة الهيئة، وكدحضه خطورة المرض الذي ألم ببلجريف عشية مغادرته البحرين عام 1957 مؤكدا ان مرضه كان عاديا وليس ذا خطورة، وغير ذلك من الامور والمعلومات المجهولة الاخرى المهمة عن بلجريف التي كشفها الدكتور أمين في مداخلته المطولة.
ولربما سنحت لنا الفرصة في المستقبل القريب لتناول هذه القضايا أو جانب منها.

صحيفة اخبار الخليج
21 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

تكوينات الطبقة العاملة في البحرين (1)

إن الطبقةَ العاملةَ البحرينية التي تكونتْ بعد الأربعينيات من القرن العشرين، تشكلتْ في الصناعات الاستخراجية، أي ما ارتبط بصناعة الاستخراج والتكرير النفطية، وذلك شكلَ جسما اقتصاديا محدودا، يظلُ دائما هامشيا على قوانين البنية الاقتصادية، أما بقية القطاعات فهي لم تكن صناعية أو قريبة من الصناعة، فهي أعمالٌ تجارية أو خدماتية ذاتُ تمركزٍ قليلٍ قياساً لدول أخرى، ومن هنا لعبت البؤرُ الاقتصاديةُ الاستخراجية والتحويلية الصناعية والخدماتية الكبيرة المهمة دورا إقتصاديا مركزيا وغدت مراكز مهمة في نضالِ العمال من أجلِ تغيير ظروف العمل وتحسين الأجور بأشكالٍ متعددةٍ تعكسُ تباين القوى الاجتماعية في كل مرحلة.
ولم ينمُ الهيكلُ الاقتصادي الصناعي بدرجةٍ أساسيةٍ بل أدتْ فوائضُ النفط إلى تصاعدِ الأقسام والمستويات الاقتصادية الخدماتية المختلفة كالبنوك والمؤسسات التجارية والشركات المخلتفة.
كان هذا يشكلُ قفزةً على طبيعة الاقتصاد الإنتاجي البسيط، فتصاعدتْ الفوائضُ المالية إلى هياكل اقتصاديةٍ غيرِ مخططٍ لها، وشكلتْ سوقاً غيرَ مبرمجة ولا متسقة، فتنامتْ العملياتُ الاقتصادية في كل اتجاه، حسب قوانين العرض والطلب ومن لديه أغلب الفوائض النفطية، في الداخل والخارج.
ظلت الصناعاتُ الاستخراجيةُ المحوريةُ المحدودة تمثلُ الهيكلَ الاقتصادي الأساسي، ونتجتْ عنها صناعاتٌ متوسطةٌ وصغيرة، وظهرتْ نسخٌ جديدةٌ في العقود التالية في مواد خامٍ ومُصنعة أخرى شكلت صناعاتٍ جديدةً لا تختلفُ عن هيكليةِ الصناعات السابقة، وإن تغيرتْ مواقعُها وتبدلَ عمالُها المواطنون إلى أجانب.
هي الاستراتيجيةُ الاقتصاديةُ نفسُها التي وُضعتْ في بدايةِ الستينيات، من دون قراءةٍ جديدةٍ لطبيعة التطور الصناعي العالمي الثوري، ولكن من أجلِ ضخِ الفوائضِ في الأجهزةِ الحكوميةِ وما يصلُ إلى السوق من دخلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ منها، من دون العناية بقضايا التلوث ومشكلات الاختناق المروري وانحصار الخريطة الجغرافية الوطنية في مثلث واحد ضيق.
هذه السياسةُ الاقتصاديةُ غيرت خريطةَ الطبقة العاملة البحرينية، وكما أن الاقتصادَ لم يعد وطنيا، فكذلك الطبقة العاملة في البحرين لم تعدْ وطنية، بل صارت وطنية – مناطقية – عالمية.
وفي حين كان الجسمُ البحريني هو الأغلبيةُ في السابق، صار الأقلية، وهذا التكوينُ الموضوعي لا علاقةَ له بالمشاعرِ الوطنية والقومية، بل هو جزءٌ من إشكالياتِ البنيةِ الاجتماعية، أي من كونِها تقومُ على صناعةٍ استخراجيةٍ لمادةٍ ذاتِ سعرٍ مرتفع غير موجهة وطنيا، وتندفعُ الفوائضُ بلا خطةٍ مُبرمجةٍ وطنية وتبدلُ البنيةَ الوطنيةَ القديمةَ المرتبطةَ باقتصادٍ سابقٍ مرتبطٍ بسعرِ نفطٍ منخفض.
إن عمليةَ الانتقال شكلتْ صدمةً اجتماعيةً وتحولاتٍ لم تتمْ السيطرة عليها في بنيةٍ اجتماعيةٍ صغيرة، وإذا كانت لها نتائجٌ مختلفةٌ ومتحدة في المستويات كافة، وفي الظاهراتِ الوطنية عامة، فإننا نركزُ الآن في انعكاساتِها على الطبقة العاملة التي لم تعدْ بحرينيةً خالصةً، لنحاول قراءة هذه التأثيرات داخلها من خلال بُناها ومستوياتِها المرصودةِ رصدا كميا فقيرا.
إن التناقضَ الأولي في هذا الجسم الاجتماعي هو بين ما هو وطني وما هو أجنبي، وهو أمرٌ يؤدي إلى تفككِ أجزاء الطبقة، بسببِ غيابِ أسلوبِ الإنتاج الحديث المتماسك:
“قدرتْ ورقةُ عملٍ صادرة عن منظمة العمل الدولية ارتفاعَ نسبةِ العمال الأجانب مقارنة بالسكان في البحرين عام 2010 بـ (1،39%)، مشيرة إلى أنهم يمثلون ما نسبته (58،58%) من إجمالي القوى العاملة.
وأوضحتْ ورقةُ “هجرة اليد العمالة الدولية والعمالة في الوطن العربي” المقرر عَرضُها في جلسات المنتدى العربي للتشغيل الذي تنظمه منظمتا العمل الدولية والعربية، أن العمال الآسيويين يستحوذون على النسبة الأعلى مقارنة ببقية الجنسيات، فقد بلغ عددهم (542) ألف عامل، مقارنة بـ (38) ألف عربي، و(12) ألف أوروبي وأمريكي.
وتطرقت الورقة التي تناقش أوضاع العمالة الأجنبية في المنطقة العربية إلى أن النساء الأجنبيات يشكلن غالبية العاملين في المنازل في البحرين، حيث بلغ مجموع تلك العمالة في عام 2007 ما يقارب (64) ألفا، منهم (7،64%) من النساء”، جريدة الوقت البحرينية،20/10/.2009
علينا أن نستعيرَ الأرقامَ من المنظمات العربية من أجل رؤية بعض الصورة المحلية، وهي صورةٌ توضحُ التناقضَ بين قوتي العمل الرئيسيتين: المحلية والأجنبية، وهي أرقامٌ تقفُ فقط عند أرقام الهجرة والجوازات، ولا تستطيع أن تضيف إحصائيات أعمق في بُنى قوى العمل الغائرة.
وإذا كان التناقضُ قد تجسدَ بين الرجالِ المحليين والأجانب، على مستوى كميةِ بيعِ قوى العمل خارج البيوت، فإنه كذلك يتجسدُ بين النساء داخل البيوت وفي المشاغل الصغيرة، وهو يوضح كذلك ضخامة الأيدي العاملة النسائية المستخدمة في المنازل، أي في أشكالِ عملٍ بذخية وهامشية.

صحيفة اخبار الخليج
21 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

أيام الشملان: تظاهرة للوطن

في الرابع عشر من هذا الشهر افتتح المنبر التقدمي أيام أحمد الشملان، وهي مهرجان وطني – ثقافي وفني وسياسي، يستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر، وسط حضور حاشد من مختلف الفعاليات الوطنية والسياسية والثقافية التي أجمعت على مكانة أحمد الشملان في تاريخ البحرين المعاصر، كونه أحد أبرز الرموز الوطنية في النضال ضد الاستعمار وأعوانه وفي سبيل الاستقلال الوطني والديمقراطية. يبعث الفخر في نفوسنا أن أحمد الشملان، هذه القامة الوطنية الشامخة، هو الرئيس الفخري للمنبر التقدمي، ولكن شخصية الشملان هي محط إجماع وطني، بما تمثله من تجاوز للتحيزات الضيقة، وفي مقدمتها التحيز الطائفي، الذي غدا سمة المرحلة الراهنة كما جرى التنويه في الندوة التي قدم فيها بعض رفاق الشملان في المحطات النضالية المختلفة شهادات حول عطائه الوطني. أحمد الشملان مثله مثل المناضل الوطني الراحل أحمد الذوادي، ومثل المناضل عبدالرحمن النعيمي منّ الله عليه بالشفاء نموذج للقادة الوطنيين الذين شكلوا وعي مرحلة بكاملها من تاريخ البحرين، حيث وحدوا في صفوف تنظيماتهم المناضلين الوطنيين من مختلف التحدرات الطائفية والاجتماعية، وجمعوهم على برنامج وطني شامل، موجه للمستقبل، ينطلق من الولاء للوطن لا من الولاء للطائفة. لذا لا غرو حين تلتف نخب البحرين السياسية والإبداعية والثقافية حول فعاليات مهرجان أحمد الشملان، لا بالحضور فقط، وإنما بالمشاركة الواسعة في إحياء هذه الفعاليات، رسماً وغناء وعزفاً وكتابة وتحدثاً، ففي ذلك ليس مجرد إظهار لما يحظى به الشملان من محبة وتقدير لدى الجميع، وإنما أيضاً إظهار الالتفاف حول القيم والأفكار والتوجهات والمبادئ التي يجسدها التيار الوطني الديمقراطي الذي يعد الشملان أحد أبرز وجوهه وقادته. حق على هذا الوطن أن يحتفي بأحمد الشملان ورفاقه من القادة الوطنيين، الذين لم يكونوا مجرد مناضلين سياسيين، وإنما كانوا شخصيات اجتماعية مرموقة ساهمت في تشكيل الوجدان الوطني والوعي الثقافي للشعب البحريني، وتركوا بصماتهم الواضحة في صوغ تاريخنا، الذي لا يمكن النظر إليه معزولاً عن مساهماتهم في صنع هذا التاريخ. واذ نعبر عن سعادتنا لهذا الالتفاف حول أيام أحمد الشملان التي ستتوالى فعالياتها في الأيام القادمة، حيث في الانتظار أمسية شعرية غدا، وحفل موسيقي وغنائي حاشد يوم السبت القادم بنادي الخريجين، فضلاً عن ندوتين أخريين تقامان في الأسبوع القادم، فإننا نتطلع إلى أن يكون الاحتفاء بأحمد الشملان وغيره من قادة النضال الوطني احتفاء رسمياً أيضاً. سبق أن طالبنا بأن تكون هناك شوارع أو مدارس بأسماء الراحلين أحمد الذوادي وليلى فخرو وهشام الشهابي، ونضيف اليوم اسم أحمد الشملان أيضاً، إذا أردنا أن نقدم للأجيال القادمة تاريخنا برؤية وطنية شاملة، تستوعب كافة مكونات هذا الوطن ورموزه، في مسعانا لإعادة تشييد ذاكرتنا الوطنية، لأن هؤلاء الرموز ليسوا ملكاً لحزب أو تنظيم بعينه، ولا حتى لتيار من التيارات الفكرية والسياسية، وإنما هم قادة للوطن، يجب أن ينالوا ما هم أهل له من تقدير وإنصاف، فبأفكارهم وتضحياتهم وجهودهم تشكلت بعض أوجه البحرين الحديثة التي بلغناها بعد مشقات لا يعلم عنها شيئاً الكثيرون من متصدري المشهد اليوم الذين لم يخبروا السنوات الصعبة ولم يذوقوا مراراتها.
 
صحيفة الايام
21 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

النواب .. وتقرير الرقابة المالية!!

جهود ديوان الرقابة المالية واضحة جداً وهي محط تقدير لانه وباختصار استطاع في تقاريره السنوية ولاسيما الاخيرة منها لعام 2008 ان يكشف وبحرفية يشكر عليها عن مخالفات وتجاوزات مالية وقعت في 58 جهة رسمية خضعت للرقابة. وفي الحقيقة ان دل هذا على شيء فانه يدل على حرص هذا الجهاز في سعيه لحماية المال العام. ومع ذلك هناك مخالفات مالية لم يشملها هذا التقرير وبالتالي لماذا لم تخضع هذه المخالفات للرقابة؟ سؤال سيظل قائماً طالما تلك المخالفات قائمة بعيدة عن الرقابة. والشيء المهم والملفت للنظر في هذا التقرير هو انه كشف عن مصروفات جهات لم تسجل في الحساب الختامي الموحد للدولة وقد بلغت هذه المصروفات 30.5 مليون دينار مما يعد في نظر اصحاب الاختصاص مخالفة مالية للمادة (38) من قانون الميزانية العامة التي تنص على انه “يعتبر في حكم المصروف ما يستحق عن عمل أدى فعلاً او خدمات او سلع تم تسلمها خلال السنة الماضية ولو لم تستكمل اجراءات صرف هذه الاستحقاقات لاي سبب من الاسباب قبل نهاية السنة المالية”، على العموم فإذا كان يهمنا كل ما احتوى عليه التقرير من هذه التجاوزات فان المهم ايضاً هو لماذا وقعت كل هذه التجاوزات؟ كيف نتجنبها مستقبلاً؟ ولماذا غابت المحاسبة طيلة الدورات البرلمانية الماضية؟ والمهم للغاية هو ما هو الدور الذي يفترض من المجلس التشريعي القيام به تجاه نتائج التقرير؟ كل هذه الاسئلة نطرحها وبإلحاح على نوابنا الافاضل الذين اكدوا في تصريحات لا حصر لها ان المخالفات التي وردت في التقرير جاءت محبطة ومخيبة للآمال. نعم، نطرح هذا الاسئلة على اصحاب السعادة لاعتقادنا ان دورهم الثابت والاساس هو حماية المال العام المبدأ الذي لا يقبل المساومات والتنازلات لقاء مصالح سياسية وحزبية ضيقة. وثمة مسألة اخرى تهمنا هنا وهي ما الدور الذي ينبغي ان تفعله الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي لا تزال ردود فعل بعضها تجاه هذا التقرير خجولة!! على اية حال، فاذا كان واجبنا كنواب هو تفعيل الجانب الرقابي والتشريعي للمجلس فان مسؤوليتنا النيابية تحتم علينا ونحن نشهد كل هذه التجاوزات تفعيل المحاسبة التي ينبغي ان تكون على قدر كبير من الجدية والمسؤولية. وبعبارة اخرى ان لب المسألة فيما نعتقد هو ان ما يجري من عدم اكتراث تجاه قضايا كثيرة تتعلق بالفساد الاداري والمالي يعود اساساً الى ان اغلب الكتل النيابية لا تمتلك الاستراتيجية الواضحة لمكافحة الفساد والمفسدين!! والادهى من ذلك لا يمكن ان تكون هناك محاسبة حقيقية طالما تتعارض هذه المحاسبة مع المصالح الحزبية والذاتية! وهذا يعني ان الناخب الذي دغدغت عواطفه البرامج الانتخابية عليه اعادة النظر في هكذا نواب في الانتخابات النيابية المقبلة. وليس هناك ما يثير الرثاء اكثر من تصريحات بعض النواب فهناك من يقول: المخالفات التي اوردها التقرير كثيرة رغم انني لم اطلع على كل ما جاء به لكن ما قرأته في الصحف، كنا على علم مسبق به لانه موجود منذ فترة لكننا لا نملك الدليل عليها.. وهناك من يصف التقرير “بالمصيبة” داعياً الى محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين.. ان مثل هذه التصريحات التي لا تخرج عن دائرة التهديد والوعيد تثار بشكل متكرر في مناقشة كل تقرير وها هي تتكرر حول تقرير 2008. ان مكافحة الفساد ليس بالتمنيات او التصريحات التي غالباً ما توظف للاستهلاك المحلي ولإبراز وتلميع الصور وانما بالاداء البرلماني الجاد الذي يفعل كل هذه التصريحات والامنيات الى واقع ملموس لمواجة كل ما يعيق الحقوق الديمقراطية وتنمية البلاد وتقدمها على مختلف الصعد .. فهل يعي اصحاب السعادة هذا الدور؟
 
صحيفة الايام
21 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

لقاء «الكراهية».. والجدل العراقي

ثمة قضيتان شغلتا الرأي العام العربي هذا الأسبوع نتناولهما في هذا الملف »نهاية الأسبوع«: الأولى »رياضية سياسية«، تركنا الرياضة للرياضيين لندخل في إسقاطاتها السياسية بقدر ما استطعنا من تناوله، والقصد هنا »لقاء الكراهية« بين مصر والجزائر فيما اصطلح عليه بـ »موقعة أمدرمان«، وما شابهها بالبعد التاريخي في إشارة سياسية إلى المعركة الفاصلة بين جيوش المهدية والجيش البريطاني، عندما هزمت جيوش الإمام محمد أحمد المهدي القائد البريطاني غردون باشا في 1885، ودخلت الخرطوم. أما المسألة الثانية، وبالمصادفة العمياء حدثت يوم الأربعاء الماضي عندما نقض نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي مادة (1) في قانون الانتخابات الذي أقره البرلمان العراقي الأسبوع الماضي باستخدام حقه الدستوري في آخر يوم من انتهاء المهلة لتصديق الرئاسة عليه، ففجّر جدلاً واسعاً بين العراقيين رغم الاتفاق المبدئي عند غالبية الكتل العراقية على حيف وإجحاف هذه المادة، لكن هذا النقض رافقته مخاوف قد تؤدي إلى تأجيل موعد الانتخابات المقررة في يناير/ كانون الثاني، وهي مخاوف عبّر عنها رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي رفض هذا النقض، واعتبره »تهديداً خطيراً« للعملية السياسية الجارية في العراق.
الاحتجاج على البند الأول من قانون الانتخابات ليس جديداً، بل انطلقت حملة احتجاج سلمية غير مسبوقة، منذ اليوم الأول لإقرار البرلمان لهذا القانون تطالب بإعادة القانون إلى مجلس النواب »من أجل تعديل المادتين الأولى والثالثة بما »يؤمّن كامل المساواة في الحق الانتخابي لجميع المواطنين العراقيين، ويكفل ضمان عدم استيلاء الكتل الكبيرة الفائزة على أصوات ناخبين لم يصوتوا لها«، لكن جديد الأزمة أن نائب الرئيس لم يعلن نقضه إلا في اليوم الأخير ليدخل العراق مجدداً في امتحاناته العسيرة، والعبارات المفخخة إلى جانب سيارات الموت المفخخة.
أما معركة »أمدرمان« التي اعتقدنا أن مدافعها سكتت بانتهاء »المباراة« وصعود الجزائر إلى نهائيات كأس العالم وتمثيل العرب فيه، وكدنا أن نقول: »صافي يا لبن بين الأشقاء«، حتى فوجئنا في اليوم التالي (أمس الخميس) »من أن اتصالات على أعلى مستوى سياسي جرت بين القاهرة والخرطوم للتدخل وإنقاذ البعثة المصرية التي تعرضت إلى اعتداءات الجماهير الجزائرية عقب النهاية الفاصلة للمباراة«، وفق إعلان وزير الإعلام المصري أنس الفقي.
وعلى خلفية معلومات عن اعتداء على عدد من المصريين في السودان، أكد السفير المصري لدى الخرطوم في وقت مبكر صباح أمس »أنه جرى إرسال قوات خاصة إلى السودان لتأمين خروج الجماهير المصرية من العاصمة السودانية، فيما تحدثت أنباء عن حصار 130 فناناً مصرياً، وأن الجماهير الجزائرية اشترت عدداً كبيراً من الأسلحة البيضاء من متاجر الخرطوم واستخدمتها في هذه الاعتداءات«..
لا نعرف إنْ كان هذا التصعيد مجرد إشاعة، أم حقيقة، لكن الذي نعرفه تماماً، أن هذا الوضع لا يطاق.
 
صحيفة الوقت
20 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

تفاوتاتٌ كبيرةٌ في الرواتب والأجور

لايزال الغموضُ يحيطُ بعدد العمال البحرينيين والأجانب، وكنا نطالب اتحاد العمال بإفادتنا بهذه الأرقام، وبقراءات لعدد العمال البحرينيين وبعددِ العمالِ الأجانب وفئاتهم وتنوعاتِهم في المؤسسات المختلفة وبأجورِهم خاصة وبأسبابِ تنوعِ العملِ بالأجرةِ بين القطاعين العام والخاص وغير ذلك من قضايا محورية في حياة الشغيلة البحرينيين والأجانب، فإن ذلك من أجلِ جردٍ وطني إحصائي لقضيتنا المركزية، قضية الطبقة العاملة، البحرينية والأجنبية المزودجة.
وعادة تقدمُ الأجهزةُ الرسميةُ من جانبٍ آخر أرقاماً حراكية يُقصد بها الغموض وعدم الوضوح وعدم التحديد للحركة الاجتماعية الملموسة، فتأتي بأرقام أعداد العمال البحرينيين والأجانب ومن دون تحديد الأجور التي تتم من خلال ذلك أو حتى تتوارى منها قراءة الظروف المباشرة.
لكن اللوحة تشير إلى استمرار غلبة العمالة الأجنبية على البحرينية:
((بلغ إجمالي توظيف (البحرينيين وغير البحرينيين) 578 ألفا و307 أشخاص في نهاية الربع الأخير من عام 2008 مقابل 552 ألفا و107 أشخاص في نهاية الربع الثالث من العام ذاته، أي بارتفاع بلغ 26 ألفا و200 موظف للفترة الزمنية نفسها.
جاء ذلك في آخر الإحصائيات الواردة من هيئة سوق تنظيم سوق العمل حيث تحرص الهيئة العامة على جمع وتحليل البيانات والمعلومات المتعلقة بسوق العمل وخاصة المتعلق بإجمالي التوظيف (بحرينيين وغير بحرينيين)، وعدد رخص العمل (الفيزا) الجديدة والمجددة بالإضافة الى عدد الباحثين عن العمل، ومعدل الأجور والرواتب التي يتسلمها العاملون في القطاع العام او القطاع الخاص.
وقد أبرزت آخر إحصائية لسوق العمل ان إجمالي عدد الموظفين العاملين البحرينيين (العمالة المحلية) قد ارتفع بـ 16 ألفا و378 موظفا في الربع الأخير من عام 2008 حيث كان العدد 140 ألفا و96 شخصا في نهاية الربع الأخير مقابل 134 ألفا و718 شخصا في نهاية الربع الثالث من العام الماضي.
أما غير البحرينيين (العمالة الأجنبية)، فتشير الأرقام الى ان العدد الإجمالي بلغ 438 ألفا و211 شخصا في الربع الأخير من عام 2008 مقابل 417 ألفا و389 شخصاً، أي بزيادة بلغت 20 ألفا و 822 شخصا.
(أخبار الخليج، 21مايو، 2009).
وإذا كنا قد لاحظنا أعدادَ العمال في الحراكِ السنوي الغامض هذا فإن الأجورَ لم تُذكر هنا، رغم أن الحديثَ في ذاتِ الإحصائية يشيرُ إليها!
تستخدم لغة الإحصائيات هنا لغة غير دقيقة مثل تعابير: عمال، وموظفين، وهي كلها تشير إلى كسل لدى هذه الأجهزة فهي تكتفي بسحب الأعداد التي توافرت وجُمعت ثم تضعُها في إحصائية باعتبارها شيئاً مهماً.
علينا أن نبحث عن واقع الأجور والرواتب في كل من القطاعين العام والخاص، فالأجور هي خلاصة الموقف الاقتصادي:
(يشير سلم الرواتب في القطاع الحكومي إلى انه يبدأ بـ 200 دينار شهرياً، في حين لا يوجد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص الذي يعملُ فيه أكثرُ البحرينيين، حيث يتدنى الأجرُ إلى أقل من 40 دينارا. وتنفذُ وزارةُ العملِ مشاريعَ لتشجيع القطاع الخاص على توظيف المواطنين العاطلين ودعم الرواتب ولكنها تستهدفُ أجوراً متدنية تتراوح بين 200 دينار لخريجي الثانوية و300 للجامعيين، مما يجعل الوزارة أداةً لتوفير العمالة الوطنية الرخيصة للقطاع الخاص)، موقع التجمع اليساري.
إن القاع الأجوري التحتي الغائر في الأرض الاقتصادية لا قرار له، مثلما أن الرواتب العالية لا سماءَ تحدها!
في الحكومة تتمتع الفئات العليا والمتوسطة برواتب عليا خيالية، وفي القطاع الخاص ثمة فئةٌ قليلةٌ تتمتع بمثل هذه الرواتب في حين تنزل الأجور نزولاً حاداً إلى القاع!
(جدولٌ يبينُ معدلات الأجور في القطاع الخاص للمؤمنِ عليهم البحرينيين والأجانب وفقا لما تنشره الهيئةُ العامةُ للتأمينات الاجتماعية ):
– أعلى أجر يتسلمه موظفٌ هو 000،50 دينار شهرياً.
– هناك موظفون عددهم 679 تفوق رواتبهم 4 آلاف دينار.
– 585،9 (تسعة آلاف وخمسمائة وخمسة وثمانون موظفاً) تفوق رواتبهم ألف دينار.
– 856،111 : (مائة وأحد عشر ألفاً وخمسمائة وستة وخمسون موظفاً) تتراوح رواتبهم ما بين 50 و99 ديناراً.
465،50 :(خمسون ألف (عامل) وأربعمائة وخمسة وستون) أقل من 50 دينارا)، موقع التجمع اليساري.
(الفوارق في الأجور في القطاع الخاص تتراوح بين خمسين دينارا و50 ألف دينار. ورغم ذلك فان متوسط الأجور في القطاع الخاص للعام الماضي لم يتجاوز 214 ديناراً وفقا للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية.
– أن اكثر من 162 ألف بحريني وأجنبي يتقاضون أجوراً أقل من 99 دينارا شهريا
ويتمتع العاملون في القطاع الحكومي بظرفٍ أفضل نسبياً من العاملين في القطاع الخاص فيما يتعلق بنظام التقاعد، والعلاوات الاجتماعية لأرباب الأسر، وعدد ساعات العمل التي يبلغ معدلها 35 ساعة أسبوعياً. بينما لا تقل عدد ساعات العمل في القطاع الخاص عادة عن 48 ساعة أسبوعياً.)، موقع التجمع اليساري.
إن معدل الثلاثمائة دينار لا يكفي للحياة المعيشية للأسرة العادية، والمعدل المناسب هو الخمسمائة دينار، التي يمكن أن تكفي أسرة من دون عدد كبير من الأفراد، ومن دون إيجار ضخم، فهناك معدلاتٌ هائلة متصاعدةٌ للأسعار وجمود مغاير لأجور العاملين.
لا بد من الحفر داخل هذه الإحصائيات وأسبابها وتلوناتها بين فئات الموظفين والعمال إلى هذه الدرجة من التباينات الشديدة.

صحيفة اخبار الخليج
20 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

إصلاح القوانين المنظمة للحريات العامة … قانون التجمعات مثالاً

ترتدي مسألة إصلاح القوانين المنظمة للحريات العامة أهمية كبيره لأي دولة مثل البحرين تمر بمرحله انتقالية من مرحلة اتسمت تشريعاتها بتقيد الحريات العامة وإطلاق يد السلطات في التضييق عليها إلى مرحله يراد لها (تحقيق نهج ديمقراطي يرسى هيكلا متوازناً يؤكد الشراكة السياسية والدستورية بين الشعب والحكومة) كما جاء في ميثاق العمل الوطني وأكدت عليه المذكرة التفسيرية لتعديلات دستور مملكة البحرين .

لذلك فان إصلاح القوانين المنظمة للحريات العامة ترتدي هذه الأهمية مند التصويت على ميثاق العمل الوطني وانطلاق المشروع الإصلاحي، فقد كان من المفترض أن يترافق ذلك مع إطلاق عملية تشريع تهدف إلى استبدال سياسة التشريع القديمة القائمة على تغليب الهاجس الأمني علي أي شيء آخر بسياسة تشريعية جديدة تكون قائمه علي التوازن المرن بين الأمن وبين إطلاق الحريات العامة عبر إزالة ما كان يعترض ممارستها في القوانين من قيود وتنقيتها مما تضمنته من تدابير وأوضاع مقيدة لهذه الحريات .

لذلك لابد لهذه العملية من أن تبدأ وكلما تأخرت كلما زادت من الصعوبات والعقبات التي قد تواجه عملية الإصلاح في جميع مجالاته السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها من المجالات . فلا يمكن أن يكون هناك إصلاح سياسي حقيقي من دون أن يترافق معه إصلاح قانوني وتشريعي يطلق بموجبه للمجتمع وللإفراد العنان لممارسة الحريات التي نص عليها الدستور من دون قيود غير مبررة حتى يطلعوا بدورهم ومسؤولياتهم في عملية الإصلاح .

إن إصلاح القوانين يتم عبر وضع سياسة تشريعية جديدة تضمن إيجاد التوازن المرن بين أمن الدولة وبين إطلاق الحريات العامة للمجتمع وأفراده . اعتماداً على المبدأ الذي قرره الدستور في المادة (31) وهو أن (لا ينال القانون من خلال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية)

وكون الحديث يدور عن قانون التجمعات فان هذا التشريع يجب أن يراعي أيضاً روح ونص المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في هذا الشأن التي وافقت مملكة البحرين على الانضمام إليه في عام 2006 والذي تطالب الدول الأطراف بأن ( يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به في قوانينها وأن لا تضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أوحماية حقوق الآخرين وحرياتهم).

فالتدابير والشروط التي توضع لتقييد ممارسة المجتمع والأفراد للحقوق والحريات العامة يجب أن لا تخرج عما بينته المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهى اشتراطات واستثناءات معقولة هدفت إلى تنظيم ممارسة هذه الحريات من دون أن تنال من جوهر الحرية أو الحق وهذا أيضاً ما يؤكد عليه دستور مملكة البحرين .

لذلك ونحن بصدد الحديث عن قانون التجمعات يجب أن يراعى:

1-  أن يكون الحق في التجمع السلمي مباح ومعترف به من قبل الدولة ومنصوص عليه في قانونها
     كحق أصيل للمجتمع والأفراد وأن يكون الحق في التجمع والتظاهر السلميين مباح قانوناً وان
     يكون هو الأصل والقاعدة ويكون التقيد والمنع هو الاستثناء .

2-  أن لا توضع أية شروط أو أوضاع أو تدابير من شانها التضييق على ممارسة هذا الحق
     أو تحد منه أو تجعل السماح به رهن بموافقة  السلطات .

3-  أن لا توضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تكون ضرورية لصيانة
     الأمن أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة  أو الآداب العامة أو تلك
     التي تكون ضرورية لحماية الآخرين وحرياتهم .على أن ينص القانون علي أوضاعها
     على سبيل الحصر وان لا يترك للسلطات سلطة تحديدها أو تحديد مضمونها. وان
     لا تصاغ عباراتها بشكل فضفاض  يسمح للسلطات التعسف في تفسيرها أو تأويلها. 

هذه هي سياسة المشرع الدولي وهى التأكيد وعلى نطاق واسع على حق التجمع السلمي عبر وضع التزام على الدول الأطراف على احترامه والنص عليه في تشريعاتها الداخلية، وعبر حصر الحالات التي يجيز فيها للدول على سبيل الحصر تقييد ممارسته على سبيل الحصر استثناء من الأصل وهو الإباحة .

لقد صدر قانون التجمعات بموجب مرسوم تحت اسم المرسوم رقم (18) لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العام والمواكب والتجمعات، وتم تعديل بعض مواده بموجب القانون رقم  (32) لسنه 2006، وكما هو ملاحظ فإن القانون صدر بموجب مرسوم وعلى خلاف ما نص عليه الدستور الذي اشترط أن يصدر بموجب قانون عندما نص على وجوب أن تنظم الحريات العامة بموجب قوانين وذلك منعا حتى صدورها بموجب مراسيم تصدر بصورة استثنائية يكون لها قوة القانون . لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة (31) من الدستور على أن (لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور إلا بقانون أو بناء عليه)، وكان هدف المشرع الدستوري من اشتراط ذلك ضمان أن لا يصادر التشريع عند تنظيمه ممارسة الحريات من جوهر هذه الحريات، لذلك تشدد المشرع واشترط أن لا يتم تنظيم أو تحديد الحريات العامة إلا بموجب قوانين حتى يضمن أن لا تصدر إلا بعد أن تتم مناقشتها وإقرارها من قبل ممثلي الشعب في البرلمان، وهذه السياسة التشريعية للمشرع الدستوري في مسألة الحريات والحقوق نجدها واضحة في أحكام الدستور حيث يحرص المشرع على أن لا يصادر القانون الحقوق والحريات العامة، لذلك فقد اشترط الدستور في الفقرة الثانية من المادة (31) منه على ( وجوب أن لا ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية).

و بالرغم من أن قانون التجمعات قد نص في المادة (1) منه على أن الاجتماعات العامة مباحة إلا انه عاد و قيده في المادة (4) من القانون وجعله رهناً بموافقة مدير الأمن العام، فلمدير الأمن العام حسب القانون ان يمنع أي تجمع إذا رأى ان من شانه الإخلال بالأمن العام أو بسبب الغاية منه أو بسبب ظروف الزمان والمكان الملابسة له أو لأي سبب آخر غير ذلك.

كما ان المادة (11) من القانون قد ضيقت على حرية ممارسة حق التجمع والتظاهر السلمي، فحظرت المادة تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات بالقرب من المستشفيات أو المطارات أو المجمعات التجارية أو الأماكن ذات الطابع الأمني.

وكما هو واضح فلقد كان هدف المشرع عند وضع القانون تقييد حرية الاجتماع العام ورهنها بموافقة مدير الأمن العام، ليس هذا فحسب بل ووضع تحت تصرفه ترسانة واسعة من الذرائع والأسباب التي يتمكن من الاستناد إليها في منع عقد أي اجتماع عام، وقد صيغت هذه الأسباب بعبارات فضفاضة تسمح بتأويلها بما يتلاءم مع كل حادثة أو مع كل ظرف مما يكون معه الحديث عن إباحة التجمعات العامة الذي تنص عليه المادة الأولى من القانون ضرباً من المستحيل، و ينطبق ذلك أيضاً على حق التظاهر المنصوص عليه في المادة (9) من القانون.

ان قانون التجمعات يخالف من أوجه عديدة روح ونص المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فلقد صادر القانون حق التجمع السلمي الذي يطالب العهد الدولي بأن يكون حقاً مباحاً ومعترفا به من قبل الدولة عندما جعله رهناً بموافقة مدير الأمن العام،   وعندما وضع تحت تصرفه ترسانة من الاستثناءات التي تسمح له التعسف في استخدامها لمنع وتعطيل هذا الحق،  أما بسبب ان من شانه الإخلال  بالأمن العام وأما بسبب الغاية منه وأما بسبب ظروف الزمان والمكان الملابسة له أو لأي سبب آخر خطير وكل ذلك طبعا حسب تقديرمديرالأمن العام .

كما ويتعارض القانون مع الالتزام الذي تضعه الوثيقة الدولية على عاتق الدول الأطراف بان لا تضع الدول أمام ممارسة هذا الحق من التدابير أو الشروط ما يصادره أو يقيده أو يحد منه أو يرهنه بموافقة السلطات، و ان لا تضع من التدابير أو الشروط إلا تلك التي تكون ضرورية لتنظيم هذا الحق وفي حدودها الدنيا الذي يتطلبها هذا التنظيم،   ومن الواضح أن السياسة التشريعية التي وضع على أساسها القانون كانت تقوم على تغليب الهاجس الأمني بدلاً من تنظيم هذه الحريات بشكل متوازن . و لذلك فقد كانت ترى في الحريات العامة تهديد للأمن يجب تقييده.

لذلك رأي أن من الضروري من وجه نظر المشرع أن يربط القانون تنظيم ممارسة الحريات مثل حرية التجمع السلمي أو التظاهر السلمي بموافقة السلطات الأمنية،  وان يضع تحت تصرفها ترسانة من الأسباب والذرائع والتدابير التي يمكن الاستناد إليها من التحكم بشكل تعسفي بهذه الحريات إما باتجاه منعها واما باتجاه تقيدها أو بالحد منها .

لذلك ومملكهة البحرين قد طوت صفحة الماضي ودخلت مرحلة جديدة قوامها (توسيع دائرة المشاركة الشعبية في أعباء الحكم والإدارة) كما تؤكد على ذلك المذكرة التفسيرية للتعديلات على الدستور. فانه لابد من تغير السياسة التشريعية بما يتناسب وأهداف المرحلة التي تشير إليها المذكرة التفسيرية،  مما يتطلب سن تشريع جديد للتجمعات ينظم الحق في التجمع والتظاهر السلميين بشكل مغاير عن القانون الحالي يكون فيه حق التجمع والتظاهر السلميين مباح بموجب القانون ومعترفاً به من قبل الدولة كحق أصيل،  وان تكون فيه الإباحة هي الأصل ويكون فيه التقييد هو الاستثناء على ان ينص في القانون على حالاته على سبيل الحصر وفقأ لضوابط واضحة بعيده عن الصياغات الفضفاضة.
 

اقرأ المزيد

التناقض الرئيسي في الرأسمالية الحكومية

يختلف التناقض الرئيسي في الرأسمالية الغربية عنها في الرأسمالية الحكومية الشرقية، فحسب ماركس فإن التناقض الرئيسي في الرأسمالية الغربية يبدأ من البضاعة، من هذه الجرثومة الصغيرة في البناء الكبير، بين العملِ الملموسِ والعملِ المجرد، بين البضاعةِ كمنجزٍ داخل المصنع وبين البضاعةِ كسلعةٍ توجهُ للسوق، بين القيمةِ والقيمةِ التبادليةِ، بين الأجرِ والربح.
لكن التناقضَ في الرأسماليةِ الشرقيةِ يبدأُ من أكبرِ جهازٍ سياسي – اقتصادي متداخلٍ، وهو جهازُ الدولة، ففي تعبيرِ “الرأسمالية الحكومية” يتمظهرُ هذا التناقضُ في شكلهِ الأولي.
الرأسماليةُ لا تصيرُ حكوميةً بادئِ ذي بدءٍ، الرأسماليةُ هي خاصة، هي ملكيةُ أفرادٍ، فكيف يصير رأسُ المال غير ملكٍ لأفراد؟
في خروجِ الرأسماليةِ من الغرب لتصديرَ ذاتِها إلى العالم، تقومُ بتعميمِ طريقةِ إنتاجِها على البشرية، فتغدو إجباريةً مفروضةً على البشر الآخرين الذين لم يصلوا إلى هذا المستوى فتدخلُهم في أعاصيرِها، فيصيرُ الشرقُ رأسمالياً لكن حسبَ بناه الاجتماعية، حسب قوانين تطوره الخاصة، وبناهُ اعتمدتْ دائماً على أداةِ الدولة كأهمِ وسيلةٍ في صنعِ التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية عبر التاريخ، فالعبوديةُ الشرقيةُ كانت عبوديةً عامة، والإقطاعُ كان يقومُ على ملكيةِ الأراضي الخصبة العامة الخاضعة للدول من دون أن تتخلص كلياً من العبودية، وبهذا فإن الرأسماليةَ الشرقية في تكونِها غدتْ بالضرورة من صياغاتِ الدولِ الغربية والشرقية المتصارعةِ على السيادة عليها، والمتداخلة في تشكيلِ بُناها الاقتصادية – السياسية، حسب ظروف كلِ بلدٍ شرقي.
ليس هدفُ الرأسمالياتِ الحكومية الشرقية تشكيلَ التنميةِ والازدهار والتطور، بل هدفُها هو أن تشكلَ رأسمالياتٍ خاصة!
في هذا التناقض تكمنُ الحركةُ الصراعيةُ المشكلةُ لتواريخِ الدولِ الشرقية، ويبدو التناقضُ أشدّ حدةً حين تتمظهرُ الدولُ الاشتراكية في الشرق عبر قولٍ ايديولوجي بأنها جاءتْ لإزالةِ الرأسمالية وسحقها من الوجود، لكنها تشكلُ المقاربةَ الأكثر تطوراً للرأسمالية الغربية الخاصة!
إنها بعدُ لم تتطابقْ معها، لأن سيرورة تطورها مختلفة، لكن رأس المال الخاص ظهرَ من داخل القطاع العام، وهيمن عليه، وكل الحيثياتِ الأخرى عن المؤامرات والأخطاء ليست سوى قراءات شبحية للتطور الرأسمالي الغائر، حين يغدو الرأسمالُ العامُ مُداراً ببيروقراطية تقطعُ أوصالَ عموميته على مر العقود وتخرجُ العفريتَ من داخل الزجاجة الاشتراكية.
في الدولِ الشرقية الأخرى الشائعة تصيرُ المقاربةُ مع الرأسمالية الغربية أقل من ذلك، خاصةً أنها تشكلتْ عبر إراداتٍ متصارعةٍ غربيةٍ شرقية معاً على الملكيات العامة. لكن في أغلبها تم تسليم نصف أو ثلث الدخول للطبقة الحاكمة، ثم تسلمتْ كذلك إدارة ما تبقى من الملكية العامة. وسواءً تجلى ذلك في حزب ثوري يحكم أم في أسرة أم في قبيلة أم في فرد، فإن الدخولَ المقتطعةَ بالقانون الأساسي، وهو القانون الذي يستحيلُ أن يكونَ مماثلاً للقانون الأساسي العام في الغرب الذي يفصل السلطة عن الثروة دستورياً، تبقى هي ركيزةَ الطبقةِ الحاكمة وأساس توسعِها كذلك في الملكية العامة الباقية المقروضةِ بأسنانِ هذه القطط السمان.
فهي إذ تتوسعُ بملكياتِها الخاصة عبر شتى ألوان الاستثمار، تتوسعُ كذلك في تلك الملكية العامة بشتى أشكال الإجراءات الحكومية والتوظيفات والخطط الاقتصادية، فتجعلُ من الملكيةِ الحكومية حصالةً وأداةَ تعبيدٍ لطرقِها ولنمو شركاتها وجلب المعلومات الاقتصادية والسياسية لاستثماراتها وشركاتها في الخارج وأدوات مساحتها وكهربة أرضها من أجل نمو أعمالها الخاصة.
ليس فعل الرأسمالية الحكومية هي فعلُ دولةِ المساواة والاشتراكية والديمقراطية والتنمية والاستقلال والإسلام والعروبة والوطن الواحد والحكومة الشعبية والانقاذ، فكلُ هذه لافتات ايديولوجية خادعة، فالرأسماليةُ الحكوميةُ تهدفُ في النهاية إلى ظهورِ طبقةٍ رأسمالية حاكمة على أنقاض التجارب السابقة المفوهة بشتى العبارات.
لكن أن يأتي هذا الظهور بالسلاسة والحب هو أمرٌ غير ممكن، لأن الملكية الحكومية تعني الأمة المالكة التي تكتشفُ فجأة إفلاسَها، وأنها غيرُ مالكةٍ لأملاكِها، وعليها أن تدفعَ شتى أنواع الدخول لوقوف البناء الاقتصادي المسروق ثانية، وأغلب حالات التغيير والافلاس والصراعات.
إن المراجل السياسية والعسكرية التي تدور هنا وهناك هي بعضٌ من ملامح هذا المخاض العسير لولادات ذلك العفريت الكبير: الرأسمالية الخاصة، متعاونة مع الحكومية أم قائمة فوق انقاضها، أم متصارعتين حتى الهلاك العام لهما معاً.
تلك احتمالات عديدة لابد من قراءتها لتكتمل الصور.

صحيفة اخبار الخليج
18 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

برسم النواب والحكومة وديــوان الرقابــة الماليــة

دون الدخول في تفاصيل تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير، وهي تفاصيل، لا تختلف في حجم فداحتها، عن تلك الواردة في التقارير السابقة للديوان، يطل برأسه السؤال الكبير: ماذا بعد التقرير؟ ويمكن لنا أن نعمم الأمر فنقول: ماذا بعد التقارير؟ هل سنظل على هذا المنوال، نصدر في نهاية كل سنة تقريراً، يشهد له الجميع بالمهنية العالية، ويجري الحديث عنه أياماً قلائل في الصحافة، وربما تقيم جمعية أو أكثر، من الجمعيات السياسية ندوة حوله، ثم بعد ذلك يطويه النسيان. بحثت في أوراقي عن مقال سبق أن نشرته في زاويتي هذه، ولكنه تاه للأسف بين ركام الورق، ومازلت أذكر أن عنوانه كان بعنوان: »لكي لا يصبح التقرير ترياقاً«، كتعقيب على أحد التقارير السنوية لديوان الرقابة المالية الذي، كما قلت، نشهد للقائمين عليه بحرفية العمل وجودته، ولكن الخشية نفسها تظل قائمة، هي أن يتحول التقرير إلى ما يشبه حبة البندول التي تسكن الألم وتهدئه، ولكنها لا تعالج الداء، الذي هو في حالنا داء الفساد، والذي يرصد التقرير بعناية الكثير من أوجهه. جيد أن يكون لدينا ديوان للرقابة المالية، وجيد، لا بل وعظيم، أن يصدر هذا الديوان تقريراً سنوياً، بعد أن اعتدنا على مدار عقود أن نتكلم عن الفساد دون أن يجري رصد ما أمكن أو ما هو ظاهر من أوجهه. التقرير حلَّ بعض المشكلة، أو سعى لذلك على الأقل، فما يقدمه من بيانات عن التجاوزات المالية التي يرتقي بعضها إلى مقام الفساد البين، يضع أمام المعنيين وقائع دامغة عن حجم الممارسات المخالفة للقانون، والمنتهكة لحرمة المال العام، وهي وقائع جديرة بالوقوف المطول أمامها، وسبق القول إن مجلس النواب بالذات على تتالي دورات انعقاده في هذا الفصل التشريعي لم يحرك ساكناً تجاه ما تضمنه التقرير في نسخه السنوية، رغم أن التقرير يُقدم له ما هو كافٍ من أدلة وبراهين. التقرير يطرح على بساط البحث القضية الكبرى، وهي هل يوجد فساد بدون مفسدين؟ صحيح أن عجلة الفساد إذ تدور فإنها تخلق لنفسها آلية دفعها الخاصة، حين تتحول إلى نسق عام يستوعب أو حتى يجرف، معه متورطين كثر، لكن هذه العجلة لا تتحرك من تلقاء ذاتها، وإنما بإرادة شبكات أو أفراد لهم مصالح مباشرة في الموضوع. لسنا ميالين للتعسف بحيث نصم كل الوزراء أو الوكلاء أو كبار المسؤولين في الوزارات التي رصد التقرير تجاوزات فيها بالضلوع في الفساد، ولكن هذا يجب ألا يعفيهم من تحمل مسؤولية ما يجري في الوزارات والأجهزة التي يديرونها، وهناك وزارات بعينها وردت بيانات عن تجاوزات خطيرة فيها في تقارير ديوان الرقابة التي صدرت حتى الآن، ولكننا لم نسمع حتى الآن عن أية مساءلة. مجلس النواب معني بالأمر، وبمقدار لا يقل فان الحكومة معنية به وعن هذه التجاوزات، كما إن ديوان الرقابة المالية نفسه معني، لأن من صلاحياته تحريك دعاوى ضد الضالعين في التجاوزات التي يرصدها، ولكنه، على مدار السنوات الست التي أصدر فيها تقاريره، لم يفعل شيئاً من ذلك.
 
صحيفة الايام
18 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

“الدراسات الاستراتيجية”.. وسر نجاح الرأسمالية

جاء العدد الجديد من مجلة الدراسات الاستراتيجية (خريف 2009) التي يصدرها مركز البحرين للدراسات والبحوث أكثر دسامة وتنوعاً مقارنة بالعدد السابق (عدد صيف 2009)، فقد بلغ حجمه 320 صفحة، هذا بخلاف عدد صفحات القسم المخصصة للدراسات المترجمة الى اللغة الإنجليزية التي تبلغ 94 صفحة. أما من حيث ثراء العدد تنوعاً فيمكن تلمسه من عناوين موضوعات العدد وتنوع الباحثين وقد جاءت على النحو التالي:
في باب الدراسات: جدلية السيادة والقانون.. لعمر الحضرمي، أجيال العراق الجديدة بين أولوية الأمن وتداعيات التنمية الإنسانية.. لأحمد شكارة، الشراكة المجتمعية في إطار استراتيجية خليجية موحدة.. لأحمد سالم، تحليل الأوضاع الاستراتيجية الخليجية.. لموسى القلاب.
في باب التحليلات السياسية: عدم الانحياز.. لرخا حسن، العلاقات الأمريكية الروسية.. لرضي السمّاك، المسار التاريخي للرأسمالية.. لرابح لوينسي، تشريعات مكافحة الفساد في الخليج.. لعبدالنبي العكري.
في باب الكتب والمؤتمرات: الدبلوماسية بين العالم.. لعبدالمحسن المارك (عرض نعمان جلال)، الخليج والأمم الآسيوية.. لعبدالله المدني (عرض نعمان جلال)، التنمية السياسية في المجالس الرمضانية.. لمعهد التنمية السياسية (عرض حسام سالم)، السياسة الخارجية الأمريكية.. لهادي قبيسي (عرض عمرو عبدالعاطي)، أزمة الفكر والهوية العربية.. لجورج قرم (عرض ميساء الذوادي).
ومن أهم دراسات العدد التي تضفي عليه سمة التنوع، سواء من حيث مادة الموضوع أم من حيث جنسية الباحث، دراسة لأحد الباحثين من الشقيقة الجزائر ألا هو الدكتور رابح لوينسي (الاستاذ بجامعة وهران) تحت عنوان “المسار التاريخي للرأسمالية وعلاقته بالتقدم الغربي”، وتتناول مسار صعود الرأسمالية منذ بداياتها قبل نحو خمسة قرون ومرورا بانهيار غريمتها الاشتراكية ممثلة في أنظمتها الشمولية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وانتهاء بالأزمة الاقتصادية الحالية التي تشهدها الرأسمالية نفسها.
وفي هذه الدراسة.. يأخذنا معدها في رحلة تاريخية بدءا من مقدمات ظهور النظام الرأسمالي، ومروراً بالعوامل التي ساعدت على تطوره في أوروبا تحديداً، وانتهاء بتحليله للآليات التي ابتكرها النظام الرأسمالي ومكنته من الاستمرار والتوسع. ولعل هذا القسم الأخير من الدراسة هو أكثر أقسام الدراسة تميزاً بالتحليل مقارنة بالقسمين الأوليين اللذين غلب عليهما الطابع السردي الاقتباسي أكثر من الطابع التحليلي المعمق بالرغم من أنهما شغلا أكثر من نصف حجم الدراسة.
وفي سياق هذه الدراسة يطرح الباحث لوينسي ملاحظة على درجة من الأهمية ويعد تحليل أبعادها وحده الكفيل بتفسير وهدة التخلف والارتداد الحضاري التي سقط فيها العرب منذ قرون مقارنة بخروج الغرب منها خروجا حضاريا صاروخيا، ان جاز التعبير، ومفاد هذه الملاحظة أنه في الوقت الذي نما فيه نوع من الرأسمالية التجارية في العالم الإسلامي، على حد تعبير الباحث، فإنها عجزت عن ان تتحول الى رأسمالية صناعية، في المقابل تمكنت الرأسمالية التجارية الأوروبية من التحول الى رأسمالية صناعية حسبما أوضح الباحث ذلك في موضع آخر من دراسته ذاتها.
لكن الباحث للأسف لا يتناول – ولو بإشارات عابرة شديدة التركيز – أسباب فشل العرب في توليد طبقة رأسمالية صناعية على أراضيهم ويقرر ارجاء ذلك الى دراسة أخرى. وفي تقديرنا أنه اذا ما أمكنه إعداد دراسة تحليلية معمقة تاريخيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا حول هذا الموضوع تحديدا فستكون من أهم الدراسات التي تفسر علميا أسباب ارتداد العرب حضاريا في مقابل صعود الغرب سريعا، وإن كان في تقديرنا أن دراسة من هذا القبيل الأجدى أن تضطلع بها مجموعة باحثين كبار ذوي تخصصات مختلفة في المجالات المذكورة لتفسير ظاهرة عدم ولادة طبقة رأسمالية صناعية من رحم الطبقة التجارية التقليدية السائدة خلال الهزيع الأخير من الحضارة العربية ــ الإسلامية.
أما الآراء والاستنتاجات المهمة الأخرى التي يطرحها لوينسي فيمكننا ان نجملها باختصار فيما يلي:
1 ــ ان اكتشاف فاسكو دي جاما رأس الرجاء الصالح أضر بالمصالح التجارية العربية.
2 ــ إن اكتشاف كولومبوس أمريكا كان نقطة تحول نحو صعود الرأسمالية الجنينية الى ما هي عليه في وقتنا الحاضر، وذلك لأن هذا الاكتشاف عاد عليها تجاريا بأموال ضخمة مكنها لاحقا ضخها في إنشاء المصانع الكبيرة.
3 ــ إن تجارة الرقيق هي الأخرى درت أرباحا خيالية على التجار الأوروبيين، رغم أنها تجارة لا أخلاقية يندى لها جبين البشرية.
4 ــ إن تمكن الرأسمالية “الوليدة” في أوروبا من طرح أفكار جديدة، بما في ذلك حول كيفية تنمية الأموال والاستثمار في الصناعة كل ذلك أسهم تدريجيا في تطوير قوى الانتاج وتشجيع الاختراعات والبحث العلمي.
5 ــ إن انتقال جيش من عمال الأرض في القرى الى المدن للعمل في المصانع وفر فرصة ذهبية للرأسمالي الصناعي لاستغلالهم بأجور زهيدة مادام ليس أمامهم سوى العمل لسد الكفاف أو الموت جوعا (وهذا ما يذكرنا بحال العمالة الآسيوية المهاجرة إلى الخليج).
6 ــ إن الرأسمالية المالية لم تحقق نجاحا كبيرا إلا منذ أواخر القرن الـ 19م إثر سيطرة البنوك على الاقتصاد.
7 ــ ان النهب الاستعماري المنهجي لثروات الشعوب المستعمرة كان وراء تمكن الغرب من تحسين ظروف عماله وتعويم أو تأجيل انفجارهم الطبقي في حين ظل عمال المستعمرات على حالهم السيئ المزري، الذي يزداد تفاقما سواء في زمن الاستعمار أم في عصرنا. وان الغرب مازال بوسائل جديدة يمارس هذا النهب حتى بعد استقلال المستعمرات بفضل تمكنه من عرقلة قيام أنظمة وطنية ديمقراطية مستقلة، بل دعم قيام أنظمة تدين له بالتبعية والولاء. وبالتالي فإن النهب الاستعماري وآليات الرأسمالية لهما الفضل الأول فيما بلغته الرأسمالية من تطور هائل اليوم.
وبالإضافة الى ملاحظتنا على ما يغلب على الجزء الأكبر من الدراسة من طابع سردي اقتباسي فان الدراسة يغلب عليها أيضا التحليل الماركسي التقليدي في تفسير صعود الرأسمالية وقوتها أكثر من التحليل الماركسي التجديدي، ان صح القول، ناهيك عن تغييب الباحث تغييبا مطلقا لدور العامل الديمقراطي في ذلك الصعود وفي تكيفها مع الأزمات الدورية وقدرتها على الخروج منها معافاة، لكن كل ذلك لا يقلل بطبيعة الحال من قيمة الدراسة كما تمثلت في النقاط السبع الآنفة الذكر وغيرها من النقاط الأخرى.

صحيفة اخبار الخليج
17 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد