المنشور

11 سبتمبر.. ماذا يعني لشعب تشيلي؟


من نافلة القول إن تاريخ الحادي عشر من سبتمبر 2001 أضحى يضاهي في قوة الذاكرة الجماعية الأمريكية تواريخ الأحداث والمناسبات الكبرى المهمة في التاريخ السياسي الحديث للولايات المتحدة بل العالم بأسره، وذلك لما شكله هذا الحدث من هزة سياسية كبرى صعقت الولايات المتحدة والعالم والمتمثل في ضرب برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك والبنتاجون بواشنطن في ذلك اليوم المشئوم، وهو الحدث الذي مازالت تداعياته وانعكاساته على صعيدي السياستين الداخلية والخارجية للولايات المتحدة تتوالى إلى يومنا هذا.

لكن في حين بات الأمريكيون يحفظون عن ظهر قلب ما يرمز إليه ذلك اليوم التاريخي من عام 2001 من مغزى سياسي فور الإشارة إليه أو حتى النطق بيومه مجردا من ذكر اقترانه بذلك الحدث، فإن القليل من الأمريكيين أنفسهم بل من سائر شعوب العالم وساستها من يتذكر ما يرتبط بهذا اليوم تحديدا من ذكرى مشئومة في تاريخ تشيلي الحديث والمتمثلة في وقوع واحد من أبشع وأخطر الانقلابات العسكرية الدموية في تاريخ القارة الأمريكية وتاريخ العالم برمته وذلك حينما قام الجنرال التشيلي بينوشيه بتنفيذ ذاك الانقلاب بتنسيق وتخطيط ودعم مسبق من المخابرات المركزية الأمريكية “السي.آي.إيه” على الحكومة الشرعية الدستورية الديمقراطية المنتخبة برئاسة الرئيس المنتخب سلفادور الليندي.

إن ذكرى حوادث ذلك اليوم المشئوم التي راح ضحيتها الكثير من وطنيي وشرفاء الشعب التشيلي، سواء في مقاومة الانقلاب دفاعا عن الحكومة الشرعية، أم ممن سيقوا إلى غياهب السجون ومقاصل التعذيب والمشانق التي نصبت وبضمنهم آلاف الشباب الوطنيين الذين سيقوا إلى استاد المدينة المركزي الذي حول إلى معسكر كبير للاعتقال مازالت حية طرية في ذاكرة الملايين من شعب تشيلي وشرفاء العالم، دع عنك آلاف من فرض عليهم النفي الاختياري في الخارج أو أجبروا على مغادرة وطنهم.

لا أحد بالطبع من الطبقة السياسية الأمريكية أو نخبتها الديمقراطية الحاكمة يريد أن يتوقف اليوم لإجراء مراجعة شجاعة لواحدة من أكثر جرائم أمريكا السياسية في التاريخ المعاصر بحق شعب مسالم مجاور لها لم تحترم حقه في الحياة ولا حقه في تقرير مصيره الداخلي بنفسه، فلم تكن واحدة من القوى السياسية لهذا الشعب تتبنى “الإرهاب” أو تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، جل ما في الأمر أن نتائج الانتخابات النيابية الحرة التي جرت في أوائل سبعينيات القرن الماضي والقائمة على التعددية السياسية لم يرق لها ما أسفرت عنه من فوز ساحق للأحزاب اليسارية التي شكلت فيما بينها حكومة ائتلافية متحدة عرفت بحكومة الوحدة الوطنية، وشرعت هذه الحكومة الجديدة مستخدمة صلاحياتها الدستورية بتأميم عدد من الشركات والاحتكارات التي لها استثمارات هائلة في تشيلي.

إن ما حدث في تشيلي في الحادي عشر من سبتمبر عام 1973 ليس عارا لا يمحى في سجل السياسة الأمريكية الدولية فحسب، بل يعد واحدا من أعظم الدروس على كذب ورياء الولايات المتحدة لدى تشدقها بالسعي إلى نشر حقوق الإنسان والوعي الديمقراطي في العالم أو المساعدة على إقامة الحكومات الديمقراطية في العالم هي التي لطالما دبرت وخططت للانقلابات العسكرية على حكومات عدد من الدول الديمقراطية التي لا تروق لها سياساتها أو لا تنسجم مع مصالحها، لا بل لم تتورع عن حماية عدد كبير من الدكتاتوريات والشموليات في العالم ودعمها بمختلف وسائل الدعم مادامت تحقق مآربها ومنافعها الاقتصادية والاستراتيجية حتى لو كانت تلك الدكتاتوريات لا تتمتع بأي رصيد شعبي في الداخل ولا تستند إلى أي شكل من أشكال الشرعية الدستورية.

ومن المفارقات التاريخية التي لا تخلو من مغزى أن من دبر وخطط لانقلاب بينوشيه على حكومة الرئيس التشيلي المغدور الليندي هو واحد من رؤساء الحزب الجمهوري، ألا هو الرئيس نيكسون الذي ترتبط باسمه واحدة من أشهر الفضائح السياسية الأمريكية في الخروج على قواعد اللعبة الديمقراطية المصممة على مصالح النظام الرأسمالي الأمريكي نفسه وذلك عندما ثبت ضلوعه في فضيحة التجسس على الحزب الديمقراطي المعروفة بفضيحة “ووترجيت” التي جرت إبان معركة الحملة والاستعدادات الانتخابية التي تنافس فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري وانتهت بوصول مرشح الثاني (نيكسون) إلى البيت الأبيض.

في صيف هذا العام وتحديدا عشية الذكرى الـ 36 الأخيرة لانقلاب بينوشيه غيب الموت أرملة الرئيس المقتول في ذلك الانقلاب الدموي المشئوم سلفادور الليندي، ألا هي السيدة هورتنسيا بوسي دي الليندي بعد أن قضت 36 عاما الأخيرة من حياتها حزينة على رحيل رفيق عمرها ومثلها الأعلى في الحياة والنضال السياسي ولاسيما أنها كانت شاهدة على قتله بتلك الصورة البشعة الغادرة في قصره الرئاسي في فجر الحادي عشر من سبتمبر من ذلك العام بتواطؤ مفضوح من الدولة الديمقراطية الأولى في العالم، كما كانت شاهدة برباطة جأش على كل المآسي والكوارث السياسية التي وقعت في بلادها على امتداد ما يقرب من عقدين في ظل الحكومة الفاشية للانقلابيين بقيادة بينوشيه ولكنها ظلت رغم حزنها صامدة ومثلا أعلى لبناتها وعائلتها ولكل رفاقها ومناضلي حزبها (الحزب الاشتراكي) والأحزاب اليسارية الأخرى المؤتلفة مع حزب زوجها في حكومة الوحدة الشعبية المنتخبة.

وعشية الذكرى المشئومة ذاتها صدر مؤخرا في الولايات المتحدة كتاب يحمل عنوان “11 سبتمبر الآخر” لتذكير الأمريكيين بأن هذا اليوم وإن حمل مغزى مرعبا لا يودون تذكره رغم أنه محفور في ذاكرتهم بحدث وقع في عام 2001 فإنه يحمل في المقابل مغزى مرعبا لأبناء الشعب التشيلي لارتباطه بحدث وقع عام 1973 متمثلا في انقلاب عسكري على حكومة بلادهم التي انتخبوها بكامل إرادتهم الحرة، انقلاب بتخطيط ودعم من جارتهم الكبرى وأستاذتهم وأستاذة العالم في الديمقراطية: الولايات المتحدة.

في مقدمة الكتاب وجه المشاركون في تأليفه رسالة إلى جارهم الشعب الأمريكي بأنهم متضامنون معه في مواجهة الإرهاب الذي تعرض له في 11 سبتمبر 2001، ولكنهم أرادوا تذكير الأمريكيين بأن شعبا آخر هو شعب تشيلي تعرض لمأساة كبرى في 11 سبتمبر آخر في عام 1973 لا تقارن بما تعرضوا له من مأساة في ذات اليوم من عام 2001، وان الولايات المتحدة تتحمل المسئولية التاريخية عما تعرض له هذا الشعب من معاناة سنوات طويلة.

فهل يقدم الرئيس الأمريكي الديمقراطي أوباما على خطوة شجاعة بالاعتذار أو رد الاعتبار لتشيلي على ما ارتكبته بلاده بحق شعبها المغبون المظلوم؟ نشك في ذلك.

صحيفة اخبار الخليج
11 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

الديمقراطية الإيرانية والعسكر

أوضحنا في موضوع سابق بعض جذور الصراعِ الاقتصادي بين الرأسماليتين الحكومية والخاصة الإيرانيتين في تاريخهما الراهن، ولكنه أمر لا يكشف الأدوات الفكرية المستخدمة وهي عامل خطر في تشكيل الصراع وتطوره.
ولابد من القول إنه من الصعوبة العثور على الإحصائيات عن أحجام كل من الفريقين، خاصة الرأسمالية الخاصة المغيبة الحضور في الأرقام والوجود الاجتماعي معا.
ولكن من الواضح ضخامة شركات القطاع العام التابعة للدولة وخاصة للحرس الثوري، الذي غدا من الملاك الكبار للمؤسسات الاقتصادية والعسكرية والتقنية.
ونظرا لتضاؤل حجم الرأسمالية الخاصة، رغم بروزها الكبير في السوق التجارية، فإن وجودها السياسي يغدو كذلك ضئيلا، خاصة في هذه المرحلة.
ولهذا فإننا نلمح أطيافها من خلال تعبيرات سياسية وفكرية، أكثر منها مصطلحات حداثية منتمية بوضوح للحداثة وللديمقراطية والعلمانية.
فالمضمون الاقتصادي الرأسمالي الحر، وخاصة المصانع المملوكة لأفراد، تكاد لا تظهر في اللوحة الاقتصادية العامة، وكذلك فإن مصانع الدولة المهيمنة على الثروة النفطية والغازية تغدو هي المتحكمة في أغلبية الثروة وتوزيعها، فتظهر هنا سحابة الخليفة الأموي المسيطر حيث يكون مطرها النفطي في بعضِ الجيوب، وهو أمر يجعل الرأسمال الخاص الصناعي خاصة ذليلا وتابعاً لرأسمال المصانع الاستخراجية المملوكة لجناح معين مهيمن في السلطة.
لكن التعبيرات الايديولوجية لا يمكن أن تتخفى تماماً، ورغم ان مذهب الجعفرية هو مذهب مناضل في تاريخ المذاهب الإسلامية، لكن جرى له ما جرى لبقية المذاهب الإسلامية من تحكم الدول الغنية وهيمنتها عليه، ومن الصعب ظهور التعبير عن عامة المسلمين من خلال عباءات هذه المذاهب بعد هذه القرون الطوال من التحكم وإعادة الإنتاج.
ومع هذا فإن ذلك لا يعدم من وجود علماء مناضلين يظلون استثنائيين بين الجموع التابعة للدول، التي تفتي بمعاشها لمن بيده الأرزاق، أما أن يتابعوا بدقة بين ما يجرى في الواقع وكيفية تمثُله دينياً وتجسيده سياسياً حداثياً وديمقراطياً فذلك أشبه بالمستحيل.
ولكن يكفي أنهم يشيرون إلى ما هو عام ديمقراطي هو في مصلحة الأغلبية الشعبية، ولهذا جرى انحياز ثلة من علماء الفقه الشيعي (للثورة الخضراء)، رغم البطش الكبير بها، وقد دعت هذه النخبة للحرية وانتقدت تزوير الانتخابات، لكنها لم تستطع أن توحد العامة والخاصة من أجل الديمقراطية. ولذلك أسباب تاريخية طويلة.
إن الأدوات الفكريةَ المستخدمة من قبل طليعة الثورة الخضراء هذه متوارية، ذات ظلال كثيفة، معقدة، لاتزال في مرحلة تقية فكرية، تتلبس الأردية التقليدية في محاولتِها للتعبير عن نضال ديمقراطي، وأقصى تجلياتها كانت لدى عبدالكريم سروش، الذي توجه حتى للإرث الفكري النبوي وقام بتحليله، لكن منظري الثورة الخضراء ظلوا في الأردية الدينية، وهي أردية محافظة، تجعلهم مع الطبقة الغنية التقليدية المتحكمة في الثروة، وهم في ذات الوقت يريدون التحديث والديمقراطية!
لا يعني هذا ضرورة الخروج من الأردية الدينية، بل تعني فصل البرنامج السياسي عن الدين، الدين الذي قامت ذات هذه القوى المتحكمة في القرون السابقة بتفصيله على مقاس الحكام المسيطرين على الثروة العامة، بطريقة الغيمة الأموية وتوزيع خيراتها.
ولهذا فإن الفئةَ الخضراء تمثل مرحلةً انتقالية تتوجه نحو إبعاد قيادة الحرس الثوري عن التحكم في الدولة، وهي قضية بالغة الحساسية والأهمية لإيران والمنطقة، وتغدو معركة جبهويةً تخص معظم الإيرانيين من أجل تفادي مخاطر العسكرة والحروب، ولتوجيه الفوائض نحو التنمية الداخلية والسلام، ومن هنا حرص قادة الجماعة على عدم توسيع الشعارات والتحليلات، واقتصارها على نقطة سياسية تكتيكية، لكنها تعبر كذلك عن جثومهم بين الطبقة الغنية المسيطرة، وإعادة العلاقة بين كتلِها السياسية والاقتصادية، لا أن تخرج أو تزاح هذه الطبقة كلياً.
كما تعبر التكتيكات المستخدمة في نضال الشوارع السلمي عن هذه العقلانية السياسية المحدودة، التي تضغط حتى تحقيق مطلبها. ولو تحقق مطلبها الراهن فإنه لن يتم تغيير فرد رئيس الجمهورية بل خاصة أساساً سيتم تغيير الفئة المسيطرة من القوى الحاكمة وهي الحرس الثوري. وبالتالي فإن تغييراً جذرياً لن يحدث لبنية النظام، ولكن إصرار القوى المحافظة على عدم التنازل سوف يوسع الأهداف والتغييرات لتغدو الحريات أعمق ويتوجه النظام لسياسات مختلفة وهذا سيظهر في حينه وفي ملابساته.

صحيفة اخبار الخليج
11 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

واقع وآفاق الموسيقى والأغنية البحرينية

لم تنل الموسيقى والأغنية البحرينية الاهتمام الرسمي المناسب منذ عقود ، بل وأحيانا جرى محاربتها في البحرين . فبعض  مسئولي الموسيقى والأغنية   هم بالأساس  متطفلون على الفن أو هم تداركوا و تطفلوا عليه لاحقاً . وهم ليسم على مستوى القدرة ولا الكفاءة  للمحافظة على تراثنا الموسيقي ورعايته ناهيك عن  الإشراف على تطوره  وتقدمه ، متطفلون تشبثوا بمواقعهم  رغماً عن كل الفنانين والممتهنين للفن الغنائي والموسيقي و لسنين طويلة ، ولم يكن بالمستطاع اقتحام مواقعهم ولا التأثير من خارجها  في ما يقرون ويوجهون ويسلكون تجاهها . فأصبح الجسد الفني تحفة عارية في العراء ! تحفر التضاريس فيها ما تحفر ، ويدوس عليها  الجاهل لجهله أو لعدم اكتراثه ، وقد يطمع أحدهم في بيعها بالسوق الشعبي لمن يدفع أقل ! 


 




واقع وآفاق الموسيقى والأغنية البحرينية






 

 


أقدم الشكر الجزيل  للإخوة إدارة وأعضاء أسرة الأدباء والكتاب لدعوتهم الكريمة ، وأشكر لهم اهتمامهم بهذا الموضوع وأرحب بالإخوة الحضور الكرام .

      هل ياترى يستحق موضوع الموسيقى والأغنية في البحرين كل هذا الاهتمام ؟

ألا تتوفر كل أنواع الأغاني والموسيقى لمن يشاء ؟ . هي تبث على مدار الساعة عبرالفضائيات العربية والأجنبية بشتى أنواعها ، كما هي متوفرة في الأسواق لمن يدفع ثمن النسخة الأصلية أو المزورة والمسروقة  منها . اذن لم الإصرار على إبقاء الموسيقى والأغنية البحرينية بالذات في حلبة المنافسة ؟ لم يكن حسب علمي  للأغنية البحرينية في يوم ما زخم غير عادي ، ولم يكن لها سوى بضع مستمعين خارج رقعة الخليج العربي ، خاصة وان بث إذاعة البحرين طوال تلك السنين  لم يكن يتجاوز رقعتها الجغرافية قبل دخولها عصر الاتصالات .

إذن ما هو المبرر للاهتمام والاستنفار الآن من أجل إعادة الروح لها بعد أن زهقت او تم إزهاقها ؟

أعزائي ، 

لم تنل الموسيقى والأغنية البحرينية الاهتمام الرسمي المناسب منذ عقود ، بل وأحيانا جرى محاربتها في البحرين . فبعض  مسئولي الموسيقى والأغنية   هم بالأساس  متطفلون على الفن أو هم تداركوا و تطفلوا عليه لاحقاً . وهم ليسم على مستوى القدرة ولا الكفاءة  للمحافظة على تراثنا الموسيقي ورعايته ناهيك عن  الإشراف على تطوره  وتقدمه ، متطفلون تشبثوا بمواقعهم  رغماً عن كل الفنانين والممتهنين للفن الغنائي والموسيقي و لسنين طويلة ، ولم يكن بالمستطاع اقتحام مواقعهم ولا التأثير من خارجها  في ما يقرون ويوجهون ويسلكون تجاهها . فأصبح الجسد الفني تحفة عارية في العراء ! تحفر التضاريس فيها ما تحفر ، ويدوس عليها  الجاهل لجهله أو لعدم اكتراثه ، وقد يطمع أحدهم في بيعها بالسوق الشعبي لمن يدفع أقل !

إن واقع الأغنية والموسيقى البحرينية ومبدعيها هو واقع مزري يستحق العطف والرثاء .

وأستدرك وأتساءل … إن طالما الناس يا إخوتي لا زالت تأكل وتشرب وتباشر التزاماتها الضرورية فما الداعي للاهتمام بشيء يدعى موسيقى أو أغنية في البحرين ؟ إنه ياسادتي ترف !. هل سمعتم عن بحريني مات أو مرض بسبب نقص فيتامين أو بروتين الموسيقى ؟ أشك في ذلك . بل أن هناك من الناس من يتجنب العدوى منها  ويعتبرها خطراً على حياته وعلى مبرراتها . فلم لا نقر جميعاً عدم حاجتنا إليها ونفض الموضوع ؟!

هذه الآفة التي تدعى (موسيقى وغناء) ، تغض مضاجع الكثيرون ، فمن تحية العلم الى ترقيص الأطفال وتنطيطهم ، حتى مراسم الأعياد والزفاف ونشرات الأخبار والمسلسلات والمسرحيات ، و كل ما تنتجه الإذاعات ومحطات التلفزة .  بل وفي ثقافات أخرى تُقحم نفسها  في الاحتجاجات والمظاهرات والجنازات ،،،،، كل موسيقى كل موسيقى ؟.

في البحرين الى وقت ليس ببعيد  كانت تنسب إلى المولع بالموسيقى والغناء كل النعوت الساخرة ! ، تبدأ من – عربيد – إلى كل مفردات قاموس النعوت الرخيصة.  فالثقافة المتوارثة لدينا هي أن المولع بالموسيقى والغناء هو مجرد صعلوك منبوذ ، وما اهتمامه إلا انحطاط للاهتمام السوي .

لقد عانى الجسد الموسيقي  في البحرين من الأمرين ، فعليه أن يرضي ذاته وأن يناضل و يقاوم لإرضاء قطاعات  مجتمعه المتنافرة موسيقياً  فقط لأجل منحه مقدار من الاحترام  والاعتراف بتميزه في مجاله ، وبحقه للانتماء الحسن لمجتمعه.

وهذا في اعتقادي ما يفسر توقف الكثير من الفنانين عن مواصلة مشوارهم الفني والانسحاب من الساحة. 


    
    (الإعلام وتطور الموسيقى والأغنية البحرينية ؟)

عجيبة صحافتنا الفنية في البحرين ،،،، ففيها يجوز لمسؤول الصفحة الفنية مالا يجوز لغيره ، فهو بقدرة قادر يتربع على كرسي أبو النقاد ، يحط من قدر هذا ويحلق بذاك ، وإن لم يكلف نفسه الاستماع لأعمال هذا وذاك ،!! . كما لا ننسى بأن أخونا مسؤول الصفحة الفنية  دائماً هو  يمتلك قدرة الفطاحل ، فهو موهوب في التحليل  الموسيقي ، وإن أردت على نضم الشعر الفصيح والمريح ، وعلى عمل الإستبيانات لأحسن عشرة أعمال في السوق أسبوعيا ، ولا ينسى استعراض ما يرده من رسائل المعجبين والمعجبات و فرد المساحة الكافية من صفحته لكيل المديح والإطراء لذاته !. هو حرٌ  يا إخوتي ، ومن العبث التدخل في أذواق الناس وفي تصاميم قصورهم  !!  عليهم بالعافية .

في إعلامنا الصحافي الفني ،  تبحث عن لمحة أو ومضة لأي فنان بحريني ،  مستغيثاً و مستعيناً بتلسكوب هابل علك تنجح . صحافة فنية ومجلات اعتادت على  CUT AND  PASTE  – أقطع وألصق ،  ومن أي مصدر يردها أو يتوفر على مكاتبها إلا أخبار و نشاطات الفنان البحريني الذي من وجهة نظرها القاصرة لا يستحق ملء بوصة مربعة من مساحة مملكتها الخاصة! وقس على ذلك .

أما الإذاعة والتلفزيون فعليك التخمين إن كانت هي تلفزيون وإذاعة مصرية أم  كويتية أم لبنانية أم غيرها ، ولن تتيقن بأنها تبث من البحرين إلا حين إذاعة  نشرات الأخبار !!!.

يا سادتي الكرام  ، إن كل مؤسسات الإذاعة والتلفزيون في أي مكان من العالم تتنافس و تتشاجر وتستنفر وتقدم الإغراءات  للفوز بحق ملكية تصوير وبث حفلات وأعمال الفنانين المحليين الموسيقية والإبداعية الأخرى ، فهي تعلن من خلالها عن هويتها وتميزها . أما هنا في البحرين فكان الفنان يستجدي المسؤولين  للتكرم بإصدار الموافقة على تصوير و توثيق حفلاته ونشاطاته  دون طلب مقابل مادي ولا حتى أدبي في بعض الأحيان . يعني بالبحريني الفصيح  -  ببلاش . وإن هم أصدروا موافقتهم الكريمة ، فعلى هذا الفنان رد التكرم بأحسن منه ، وإصدار الشكر والتقدير والإمتنان لهذه الإلتفاتة الغير مسبوقة  !  ثم يهلوس هذا الفنان الغلبان  ويبقى متوجساً ، ( بيحبني ، ما يحبنيش )، ( يبثو العمل ، لا  ما يبثوه ) ، ( يقطعوه لا ما يقطعوه ) . وقس على ذلك .

وإن كنت موسيقي أو مغني و ترغب  في الشهرة الفنية أو بعض من الرعاية ، فما عليك إلا أن تغني كلمات أو ألحان من تأليف أحد الإعلامين   ! وسوف تمل سماع أغانيك لكثرة بثها بعد ذلك. 

        ومن الموسيقى ما قتل ؟؟

هنا في البحرين ، دأب المسئول عن فعالية مهرجان البحرين للموسيقى منذ تعينه على إبراز نفسه كالمؤلف الموسيقي الوحيد الأوحد في البلد ، ضارباً بعرض الحائط كل الطاقات الفنية البحرينية الأخرى ، رغم تفوقها الإبداعي البارز عليه -  من وجهة نظري .
وأنتهز هذا المسئول  صلاحيات منصبه و عمد على تكليف  معظم الفرق الموسيقية المشاركة في المهرجانات والمستضافة  من الخارج على حساب وزارة الإعلام والدولة ، عمد بتكليفها لعزف ما يكتبه من  الموسيقى الخاصة جداً به ، ضمن عروضهم الفنية للجمهور خلال حفل المهرجانات  !!!. موسيقى أجزم بأنها لا تمت  إلى البحرين بأية صلة . وأتمنى من كل قلبي أن لا يكون ذلك ثمن لاختيار فرقهم من بين عامة الفرق وتأمين استضافتهم ، أرجو وأتمنى وأسعد .

        يحكى أن للأغنية والأنشودة دور في تربية النشىء!

في البحرين مع نهاية السبعينيات ، بدأت تظهر وتتداول بقوة  آراء تحرم الموسيقى والغناء ، ومن جهات مختلفة . وشيء فشيء بدأت تشن الحرب على كل ما هو منغم ، وبدأ جمهور الأغنية في البحرين يتقلص ، وينتقل بعضه الى الجهة المناوئة لوجودها . وأصبح أي ولي أمر طالب أو طالبة يمتلك كامل الحق في رفع حق النقض الفيتو ضد تدريس مادة التربية الموسيقية في مدارس أبناءه  الحكومية !!!  وعلى وزارة التربية والتعليم النزول عند رغباته و الخضوع لصلاحياته ، وحرمان كل طلبة المدرسة الآخرين من تعلم الموسيقى !!! ثم وللأسف  يتم تحويل مدرس الموسيقى الى تدريس مادة الزراعة أو الى فني بقسم التسجيل ، وإن لم يتوفر ذلك  فلا بأس  اعتباره مدرس احتياط !… يحصل كل ذلك  بعد أن ابتعث هذا الكادر إلى أحد المعاهد من قبل الدولة  لنيل شهادة في  تخصصه  لمدة خمس الى ثمان سنوات خارج البحرين ، وصرف على دراسته ما صرف من الدنانير والعملة الصعبة !!!!

      هل من دور يرتجي من هذا الفن ؟

إن  تناولنا لموضوع الموسيقى والأغنية البحرينية  من وجهة نظر الكثيرين هو أمر تافه ، أتفق مع حُجج  بعضهم . هل من الضروري  ياترى بذل العناء و تخصيص ندوة للحديث عن الموسيقى والغناء  ؟  وهل من جذوة  ترجى لهذا الحديث إن سلمنا بأهميته ؟؟

يدرك الأفارقة ما تملكه الموسيقى والغناء من إمكانيات مؤثرة وفعالة ، وهم يحاربون بها  الآن طاعون الفقر والايدز ! ؟ وفي البحرين قبل أسابيع قام بعض الموسيقيين الشباب بشن حملة ضد المخدرات وبالأسلوب ذاته متخذين المجمعات التجارية مكان لحملتهم ،،، برافو قد ينجح شباننا  .

ومن ضمن أهداف قيام فرقة الحنونة الفلسطينية هو الحفاظ على المأثور الشعبي أهازيج وتيمات لحنية وتطاريز وغيرها ، وتأكيد هويتها الفلسطينية العربية،  لما لذلك  من اعتبارات تاريخية تستند إليها نضالاتهم وتؤكد للعالم من خلالها حقهم في أرضهم وميراثهم الشعبي المستباح غصباً. فهل يا ترى يشجع الفلسطينيون تداول  وتدريس  الموسيقى والأهازيج والأناشيد الفلسطينية  في مدارسهم ، أم مدرسي التربية الموسيقية هناك كذلك يتم تحويلهم الى معلمي  احتياط ! ؟؟. هم يدافعون عن هويتهم ، فأنا ياإخوتي استلمت قرص مضغوط  إهداء من أحد الأصدقاء ممن أعتز بصداقته  ووعيه ، إذ كتب يقول ضمن إهدائه – ]هذه مجموعة من (( أغاني اليهود  العرب )) [  !!!! ،  وبعد استماعي اليها فإذ هي عبارة عن مجموعة أغاني من كافة أرجاء الوطن العربي . صوت من اليمن ، وطقاطيق من مصر ، ومالوف من تونس ، و موشحات من المغرب وغيرها من الموسيقى العربية ! …. والإعتراض عندي هو أن يكون التراث القومي العربي  معنون لليهود العرب فقط !!!  وكأنما الأغاني والموسيقى العربية هي  لليهود العرب دون غيرهم من العرب !!!  والفلسطينيون يعون ذلك  ويَدْرُسُون  ويُدَرِسُون الموسيقى والغناء في مدارسهم ، ويحاربون بسلاح  تراثهم ضمن كل الوسائل ، مدركون خطورة إخفاقهم في هذا الميدان بالذات ، وما ستجره عليهم تداعيات ذلك من خسائر .

إن الموسيقى والغناء  فنون يمكنها حمل سلاح ، وهي  كما  اللسان إن صنته صانك وإن خنته خانك . وعلينا  اختيار ما نفصح به من خلالها .  وإن لم نشاء فهي جزء من هويتنا وتراثنا ، وأعتقد بأن فنوننا الموسيقية تستحق أن ندافع عنها وعن حقنا في وجودها وانتماءها .

     لمحة على واقع الموسيقى والأغنية في البحرين ؟

أرتبط الغناء في البحرين عامة بأماكن مزاولة الفنون الشعبية – الدور -  والى وقت قريب فإن العامة من الناس تتجنب هذه الدور وتنصحك الابتعاد عنها لكي لا تصاب بلوثة ما يدور بداخلها من طقوس ، وإن شئت سمها فنون أو جنون ! .

البحرين مقارنة بالكثير من دول العالم وحتى تلك المتأخرة مدنياً – إن صح التعبير ، فإن تاريخها  الموسيقى هو تاريخ حديث نسبياً . و المتخصصون أكاديمياً في فنون الموسيقى لا يتعدى عددهم  الثلاثون في أحسن الأحوال ، نصفهم على الأقل لا يزاولون الفن إلا في حدود ما تتطلبه وظائفهم . فجيل الفنان أحمد الجميري  ومحمد جمال هو أول من تتلمذ الموسيقى أكاديمياً على ما أعتقد  نهاية الستينيات من القرن الماضي . و نحن وحتى هذه اللحظة من أواخر عام 2004 لا نملك في البحرين معهد للموسيقى تابع للدولة تشرف عليه هيئة تعليمة مؤهلة ،  يخرّج كوادر من المتخصصين أو الموسيقين المحترفين كما في دولة الكويت على سبيل المثال ،  حيث  برز عدد جيد من الكوادر الموسيقية التي تركت بصمات واضحة ومؤثرة ساهمت ولازالت بقوة في تنشيط الجو الفني هناك ، هذا الى جانب ما يضخه هذا المعهد من كوادر مؤهلة سنوياً داخل الساحة الفنية الكويتية والعربية و بشكل منتظم .

لم تعرف البحرين الاستثمار التجاري و الاقتصادي  في مجال الفنون بشكل عام ، وفي الموسيقى والغناء بشكل خاص إلا بقدرٍ محدودٍ جداً . وتراجع هذا المؤشر خطوات إلى الوراء  بعد وفاة المنتج المغامر الفنان أحمد جمال وذلك  لفاعلية دوره وريادته في هذه الساحة .

وفقدت الأغنية البحرينية بالذات  من بين الفنون الأخرى أية  قدرة  على التطور والمنافسة جنباً الى جنب مع  نضيراتها في المنطقة لعدم توفر قانون حماية الملكية الفكرية والأدبية لعقود طويلة من عمر الأغنية القصير ، فضاعت حقوق الفنانين وتم التلاعب المادي والأدبي  بنتاجهم جهاراً نهاراً من قبل تجار الكاسيت الذين توزعوا الأدوار بين تاجر للجملة ينسخ ويوزع من دون وجه حق ، وتاجر المفرد الذي  يغتني نسخة بدينار واحد ويعيد استنساخها .
الحرامية الذين وضعوا في جيوبهم كل عرق وإبداع الفنانين البحرينيين دون وجه حق ، و دون أي رادع  قانوني أو أخلاقي إن كنا نتعشم أخلاق خاصة بالتجارة . وعليه أصبحت هذه الفئة تتاجر بأعمال الفنان البحريني لصالح جيوبها الخاصة مستخدمة أردأ النسخ وأقبحها ، والتي  يتداولها الجمهور عندنا لقاء  ثمن غير عادل لمنتج مغتصب يفتقد في ذات الوقت كل المعاير والمواصفات التي ارتضاها الفنان لعمله وبذل المال والجهد  لإصداره إستنادأ إليها .

هذه لمحة سريعة  لواقع الموسيقى والأغنية البحرينية . أما آفاق المستقبل المنظور القريب والمتوسط لهذه الفنون فهو للأسف لا يبشر بما أتمنى لها ، خصوصاً إذا ما إستمر الحال كما الحال .

فإن لم ينل الفنان البحريني  ما يستحق من التقدير والاحتضان من الدولة أولاً ومن وسائل الإعلام الوطنية بكافة أنواعها ، فلا قدر لما ينتجه إن هو أصلاً استطاع تحت هذه المعضلات أن ينتج ما له قدر .


     فهل شاخت أوتار الموسيقى والأغنية البحرينية ؟


إذا كان هناك من يسمع ،،،  من لديه الولاء والإنتماء لهذه الأرض الحلوة ، لمقامها وتراثها ، من يمتلك وازع وغيرة للحفاظ على ما تملك وما تستحق أن تملك . إذا كان هناك من يعترف للفنون وللموسيقى من بينها ، بدور وحق . إذا كان هناك من يستطيع المساعدة فهذه إستنجاداتي ،  ولن أعجب إن كان عمي أصمخ .

على الجهات المعنية بالثقافة الوطنية متمثلة بالقطاع الرسمي و الخاص ، كل من موقعه ، العمل على تحقيق البنية التحتية اللازمة لقيام فن موسيقي وغنائي محترم  ولائق ، أرصد ما أعتبره بإلحاح ضمن أهم أساساته . 

أولاً- رصد ميزانية بكرم حاتم الطائي ، وتأسيس معهد موسيقي تابع للدولة ، وعلى أعلى المستويات ، يجند له بالإضافة إلى كل الطاقات والكوادر الوطنية المتوفرة طاقم من خبراء علم تدريس فنون الموسيقى  كما في المعاهد العريقة . يحضى بالاعتبار الرسمي الكامل ، ويكرم المتفقون فيه كما التخصصات الأخرى ، يمنح  شهادة البكالوريوس المعترف بها للمتخرجين . ويوفر الدراسات العليا لطالبيها . يساهم في الحفاظ على تراثنا الموسيقي ،و ينظم الفعاليات الفنية الراقية . معهد يعكس لعامة الناس ما للموسيقى من دور إيجابي في المجتمع ، ويوفر البديل عن الهرج الرائج الذي نعاني منه . وأنا أطلب بإلحاح من الجهات المعنية الإسراع في إقرار هذا المطلب بالذات الذي سيعيد الاتزان لما يجري من خلل ولخبطة في ساحة الموسيقى والغناء.

ثانياً- قيام نقابة للفنانين الموسيقيين تلم شملهم المشتت و تساهم في رسم الخطوط العريضة لمسار تطور الموسيقى والأغنية البحرينية ، نقابة حرة تدعم الفنان وتآزره عند المحن ، تدافع عن حقوقه المادية والأدبية ، وتقف بصلابة لوقف الانحدار الحاصل للأغنية العربية بشكل عام ، تساهم في تطهير الأغنية مما علق بها من خزعبلات ماجنة كما هو شائع الآن  .

ثالثاً- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب عند اختيار أخصائيي الموسيقى في وزارتي الإعلام والتربية والتعليم ، كوادر لا تفتقر إلى الكفاءة والإبداع والنزاهة ، كوادر لا ينقصها الولاء للبحرين وتاريخها الثقافي العريق، كوادر تتجرد عن كل مصالحها الذاتية الضيقة ، وتضع الفن والفنان البحريني فوق كل  تطلعاتها الشخصية المادية منها والمعنوية ،كوادر ترى في تألق الفنان البحريني تألقاً لها ، وفي تراجعه تراجعاً لها ، تفتح الطرق وتذلل الصعاب وتزيل العوائق ، هي مؤهلة لبذل الجهد والتفاني بإخلاص لخدمة هذه المسؤولية الوطنية .

رابعاً- إعادة الاعتبار لما يسمى بالفنان البحريني في وسائل الإعلام وغيرها ، والقبول والإقرار بدوره في فريق العمل من أجل البحرين  وتعزيز تميزه . وتسويق إبداعه أسوة بمنتجاتنا العامة واعتبار إبداعه استثمار وطني ثقافي واقتصادي يوفر له الدعم والرعاية أسوة بالاستثمارات الوطنية الأخرى .

خامساً- وقف عملية إقصاء الموسيقى من المدارس الحكومية ، وإتاحة الخيارات أمام الطلبة وأولياء أمرهم من دون حرمانهم من  اختيار تعلم الموسيقى  ، وفي كل مدارس البحرين الحكومية دون استثناء . وإدخال الوسائل الحديثة لعلم تدريس الموسيقى وتأهيل مدرسي المادة للتعامل معها وتوفير المصادر المتنوعة والضرورية لذلك  بدل ما نشاهده الآن من طرق ووسائل تدريس بالية عفى عليها الزمن .

سادساً- ترميم قسم الموسيقى في المكتبة العامة وملء الأرفف الفارغة  بما جد واستجد ، والعمل على إعادة ما نهب منها ، وتطوير المصادر و التقنيات بها ، ودعمها بالأجهزة اللازمة وعصرنتها .

سابعاً- تشجيع عودة القطاع الخاص والتجار الوطنيين  لممارسة دورهم التنويري في دعم الثقافة في البحرين ، وتفعيل نشاط الإستثمار الوطني في الحقول الثقافية المختلفة بما فيها الموسيقى .

ثامناً- إقامة صالة عروض خاصة بالفنون الموسيقية تتوفر فيها كل المواصفات الحديثة ، يراعى ضمن تصاميمها تخصيص مقر لنقابة الفنانيين ، ويقتطع جزء من ريع هذه الصالة لصالحهم .

أعتقد بأن الوضع سيصبح مثالي محفز للإبداع اللائق بالبحرين وأهلها إن تم إنجاز ذلك ، وسنستعيد اتزاننا المفقود في هذا الحقل الثقافي ، أعتقد .

أعتذر إن أطلت عليكم ، أشكر حضوركم  وأكرر الشكر لإخوتنا أعضاء الهيئة الثقافية
بالأسرة. و دامت هذه الأسرة في خدمة الثقافة .    

  
  

   سلمان زيمان 
29 نوفمبر 2004 
أسرة الأدباء والكتاب البحرينية

 
 

اقرأ المزيد

سياسة المقايضة في التوظيف تعمل على تدوير البطالة


تسعى الدولة عبر مؤسساتها وهيئاتها ووزاراتها لمعالجة البطالة والتخفيف من حدتها وتناميها إلا أن علاج مشكلة البطالة والتي تتوالد وتتسع عاماً بعد عام لا يمكن أن يتم بشكل سطحي وترقيعي أو بحلول مؤقتة تـُعطي انفراجاً موسمياً أو وقتياً حتى تعود إلى محورها من جديد، ولسنا هنا بصدد الطعن في الجهود الرسمية المبذولة لعلاج البطالة سواء منها ما تبذله وزارة العمل أو هيئة تنظيم سوق العمل ورديفها صندوق العمل الذي يسعى ببرامج تدريبية لتأهيل كوادر وطنية للولوج في سوق العمل بكفاءة عجزت عن توفيرها وخلقها مخارج التعليم مما يعني إعادة إنفاق! .
 
وحسبما أُعلن رسمياً قد رُصد مبلغ 24 مليون دينار لتدريب وتأهيل خريجي الجامعات العاطلين عن العمل حتى يتسنى توظيفهم خصوصاً خريجي “العلوم الإنسانية والاجتماعية” ، علماً بأن هناك فرصاً لتوظيفهم في حقل التعليم موزعين على 102 مدرسة حكومية،  ولاشك أنها مسألة غير مهضومة أن تمتد البطالة لخريجي الجامعات والمؤهلات العلمية وبالتالي يُعاد من جديد تأهيلهم وتدريبهم بملايين الدنانير حتى تتوافق إمكانياتهم وقدراتهم مع حاجة سوق العمل.
 
 إنها ظاهرة تدل على مدى تخبط الإستراتيجية التعليمية وضياع المنظور الوطني الشامل في إعداد الكوادر الوطنية لإدارة عجلة الإنتاج والمشاركة في التنمية الاقتصادية فوجود البطالة بين صفوف الجامعيين يعني توطين البطالة لدينا واتساع رقعتها، وما يزيد الطين بلة أن وزارة العمل لازالت تـُفسر البطالة على أنها تقتصر على الراغبين في العمل والباحثين عنه علماً بأن علينا أن نقيس البطالة بقوة العمل المعطلة في المجتمع وكل فرد في المجتمع قادر على العطاء والإنتاج والإسهام في التنمية وفي ذات الوقت هو خارج حلقة المشاركة والإنتاج.
 
 ومثالاً على ذلك أن ما تملكه الوزارة من إحصائيات عن البطالة هو ما تملكه عن قوائم مدونة لديها وعلى قوائم الانتظار وليس الحجم الفعلي للبطالة في مجتمعنا، ناهيك عن حقيقة البطالة المقنعة والتي تسهم الوزارة في خلقها بسبب سياسة الفرض والترقيع وسياسية المقايضة في عملية التوظيف حينما تتجه هيئة سوق العمل بمقايضة المؤسسات والشركات فمقابل حصولهم على رخص عمل للعمالة الأجنبية عليهم أن يوظفوا اثنين أو أكثر من العمالة المحلية في أسلوب مقايضة بتوظيف عشوائي، بل وكما تعلم الوزارة وهمي،  ففي كثير من الأحيان يتم توظيف المواطن قسراً فيجد رب العمل أن لا مفر له من الرضوخ لسياسة المقايضة حتى يحصل على حاجته من العمالة الأجنبية وهذا ما يُفسر تضخم العمالة الأجنبية لتصل إلى 781396   بعام 2008 بعد أن كانت529192  بعام 2002 وذلك طبقاً لما أوردته الإحصائيات الرسمية.
 
أن العمالة الوطنية بسبب سياسة المقايضة تلك تدور في حلقة مفرغة وعدم استقرار وظيفي لأسباب عدة منها العمل المناسب أو الأجر المناسب، فتنتقل في عملية تدوير للبطالة بشكل مستمر من مرحلة التوظيف القسري إلى مرحلة نقطة البداية من التعطل والبحث عن عمل، هذه معضلة للأسف الشديد تخلقها سياسة التوظيف التي تتبعها وزارة العمل أو هيئة سوق العمل دون النظر بشكل جدي لآلية جذر المشكلة واتخاذ السُبل الكفيلة بحلها ضمن سياسة وطنية راسخة وواضحة بعيدة عن الحلول الآنية ذات المدى القصير.
 
 لقد كانت هيئة سوق العمل تؤكد على الدوام في إستراتجية عملها على أنها ستعتمد سياسة التدريب والتأهيل للعمالة المحلية لخلق أفضليتها في سوق العمل فهل يتحقق ذلك عبر سياسة المقايضة في التوظيف وآلية الفرض على أرباب العمل الذين لديهم الإمكانيات البارعة في المراوغة وإعادة الكرة إلى مرمى الوزارة من جديد والعودة من جديد إلى نقطة الصفر.
 
إن قطاع الإنشاء والتشييد اليوم هو من تتوفر لديه إمكانية فرص العمل والتوظيف ومن يحتل الصدارة في سوق العمل ولكن هذا القطاع تتدنى الأجور فيه ويعتمد اعتماد شبه كُلي على العمالة الأجنبية سواء الماهرة منها أو غير الماهرة فهل حقاً ؟ هناك إمكانية لبحرنة هذا القطاع في ظل مستوى الأجور السائدة فيه وظروف العمل الشاقة التي يتسم بها. هل صندوق العمل سيخلق بعام 2012 حوالي 40000 من الأيدي العاملة الوطنية الماهرة لسد حاجة هذا القطاع وبأجور مناسبة.
 
قد تكون تلك حقيقة لا أحد ينكرها علماً أن أبناء البلد وحجم قوة العمل المحلية لدينا لا يمكنها تغطية الحاجة الفعلية لسوق العمل وبالتالي لا غنى لنا عن العمالة الأجنبية لسد النقص ولكن أمام هكذا حقيقة كيف نفسر وجود تفشي بطالة بين أبناء البلد وفي ظل واقع كهذا ومعادلة اقتصادية تقول أن هناك خللاً في الميزان فإذا كان العرض يفوق الطلب فلماذا تنعدم فرص التوظيف ونجد أصحاب المؤهلات الجامعية بحاجة للتأهيل من جديد والبحث عن سُبل توظيفهم أليست هذه مفارقة غريبة.  
 
نشرة التقدمي نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

التجنيس والسكان الأصليون


ملف مناهضة التجنيس يجب أن لا يفرغ من محتواه ويتحول إلى صراع تاريخي حول من هم السكان الأصليون في البحرين, فليس من مصلحة أحد تحويل هذا الملف لإثبات أن الشيعة أو السنة هم السكان الأصليون, إن ذلك موضوع آخر تماما ولا يمتّ إلى ملف التجنيس بصلة.
 
إن أراد أحد أن يبحث في هذا الموضوع فليكن بحثه أكاديميا وتاريخيا ولا يجب أن يتم إسقاطه على الواقع المعاش في الوقت الراهن, فإن ذلك يعمّق الخلاف الطائفي ويضيف إليه بعدا آخر كان آباؤنا وأجدادنا قد تجاوزوه منذ فترة طويلة.
 
صحيح أن هناك حديثا حول إعطاء بعض العوائل العربية التي تعيش في خارج البحرين جوازات سفر بحرينية بهدف استغلالها في الانتخابات النيابية لتغليب جهة على أخرى ولكن ذلك أيضا مسألة أخرى فهؤلاء يعيشون في أوطانهم معززين مكرمين ولا يفكرون بالهجرة إلى البحرين مهما كانت الإغراءات.
وكما أنه ليس من الصحيح العودة إلى التاريخ القديم لإثبات أن هذه العائلة كانت بحرينية أصيلة أم أنها نزحت من دولة مجاورة؛ ففي المقابل ليس صحيحا التحجج بأن كانت هذه العائلة أو تلك من أصول عربية أم فارسية, فالبحرينيون ليسوا شعب الله المختار.
 
لقد عاش الجميع في البحرين – شيعة وسنة وعجم – في نسيج اجتماعي واحد وقد تزاوجوا من بعضهم البعض وبالرغم من أن «العجم» لم يكونوا يتمتعون بحقوق الجنسية البحرينية إلا أنهم قد استوطنوا البحرين من عشرات السنين ولم يعرفوا وطنا آخر غير البحرين فأجدادهم قد ولدوا هنا كما أن البعض منهم لم يقم بزيارة إيران في حياته ولذلك كان إعطاؤهم الجنسية البحرينية وفقا للقانون ولم يشكل تجنيسهم أي اختلال في التركيبة السكانية أو النسيج المجتمعي, بعكس من تم تجنيسهم في الفترة الأخيرة.
 
شخصيا لا أعارض التجنيس بسبب أن المجنسين الحاليين هم من الطائفة السنية وإنما أعارضه لأن من تم تجنيسهم لم يكونوا يوما من الأيام من نسيج هذا المجتمع ولا يعرفون عاداته وتقاليده ولم تتح لهم الفرصة لكي يختلطوا بالمجتمع حتى أن بعضهم لم يسكن البحرين أو يعش فيها في حياته, شخصيا أعارض التجنيس لأن هدفه لم يكن نبيلا وإنما أريد به كسر التوافق الاجتماعي وتعميق الخلاف المذهبي من خلال تغليب فئة على أخرى وبشكل قسري, أعارض التجنيس لأن من تم تجنيسه ليس لديه ولاء للوطن وإنما ولاؤه لمن قام بتجنيسه, أعارض التجنيس لأن من تم تجنيسه حصل على مميزات لم يحصل عليها المواطن حتى المواطن السني, أعارض التجنيس لما قام به المجنسون الجدد من جرائم لم تكن موجودة في المجتمع في السابق, أعارض التجنيس لأنه ضد وطني. 



 
الوسط 02 نوفمبر 2009م

اقرأ المزيد

البحرينيون أقلية في وطنهم منذ الآن


تصريح مهم أطلقه وزير العمل مجيد العلوي أمس الأول خلال افتتاحه الاجتماع الخليجي حول حرية انتقال العامل الأجنبي من أن الوافدين قد تجاوزا بالفعل نصف السكان لأول مرة في البحرين ما يعني أنه ومنذ الآن أصبح البحرينيون في مسار التحول إلى أقلية في وطنهم.
 
الوزير لم يذكر أرقاما محددة أمام الوفود الخليجية التي حضرت للاطلاع على تجربة البحرين في مجال إصلاح سوق العمل في البحرين ولكن الإحصاءات والتصريحات الرسمية تشير إلى تدني نسبة المواطنين في إجمالي السكان إلى 10في المائة في الإمارات و16 في المائة في قطر والى النصف في البحرين بعد أن كانت قبل فترة بسيطة تساوي الثلثين.
 
سرعة وتيرة ازدياد العمالة الأجنبية في البحرين تستلزم وضع سقف محدد للعمالة الأجنبية, وفي ظل احتياج سوق العمل لهذه العمالة فإنه لا بديل عن إطلاق حرية انتقال العامل الأجنبي من صاحب عمل لآخر مهما ما لاقاه هذا القرار من تذمر أصحاب الأعمال.
 
ومع أن المنطق يفرض الاستغناء عن العمالة الفائضة وخصوصا مع تداعيات الأزمة المالية العالمية على الدول الخليجية ومنها البحرين إلا أن أرقام هيئة تنظيم سوق العمل تقول عكس ذلك فقد بلغ إجمالي عدد تصاريح العمل التي تم إصدارها في الربع الأخير من العام 2008 (وقت حدوث الأزمة) من غير رخص الخدم ومن في حكمهم وتصاريح المستثمرين وتصاريح العمل المؤقتة 27 ألفا و 236 تصريح عمل مما يشير إلى زيادة مضطردة بالمقارنة مع الوضع في نفس الربع من العام 2007 والتي بلغت 23 ألفا و182 تصريح عمل جديد. كما شهد العام 2008 ازدياد توظيف العمالة الأجنبية مقارنة بالسنوات الماضية إذ بلغ عدد العمالة الأجنبية 438 ألفا و211 عاملا في نهاية العام 2008 بعد أن كان 417 ألفا و 389 عاملا في الربع الأخير من العام 2007.
 
كل عامل أجنبي يكلف الدولة أكثر من230 دينارا سنويا فهذه الأعداد المتزايدة من العمالة الأجنبية تتشارك معنا في الدعم الحكومي للسلع والكهرباء والماء والصحة والطرق.
 
كل ذلك لا يتحمل القطاع الخاص تكلفته وإنما ينعكس على جودة و وفرة الخدمات التي يحصل عليها المواطن من قبل الدولة وأبسط مثال على ذلك ما قاله أحد الأطباء من أن الدولة بدأت بالاكتفاء بالدرجة الثانية من جودة الأدوية لكي تستطيع أن توفر أكبر قدر منها لعلاج الجميع (المواطنين والأجانب) .
 

الوسط  27 أكتوبر 2009م
 

اقرأ المزيد

الجمهوريات العربية وإشكالية التوريث

منذ مطالع العقد والجدل السياسي حول تحويل الجمهوريات العربية إلى جمهوريات وراثية في الحكم شبيهة بالبلدان الملكية متواصل يثور بين الفينة والاخرى سواء على مستوى الساحة السياسية العربية بوجه عام أم على المستوى القطْري الداخلي في الجمهوريات التي تحوم الشكوك حول نيات مبيتة لرؤسائها لتوريث الحكم من بعدهم الى ابنائهم الكبار.

ولم يكن هذا الجدل قبل ذلك، وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي، غائبا بل كان مطروحا بصورة اقل درجة من البروز اذ كانت ثمة شكوك اثيرت حول نيات رؤساء جمهوريات ليبيا ومصر والعراق وسوريا واليمن لتأهيل ابنائهم البكر لوراثة الحكم من بعدهم حينما يأزف رحيلهم عنه، ثم تعززت هذه الظنون في اواخر التسعينيات على اثر تسلم ابن حافظ الاسد “بشار” السلطة والحكم غداة وفاة ابيه الذي قام بتأهيله مسبقا وليا للعهد بعد مقتل ابنه الأكبر “باسل” في حادث سير. أما في العراق فقد انتهت الشكوك التي تثار في نيات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين تأهيل ابنه البكر عدي بإسقاط النظام من قبل قوات الغزو الأمريكي عام .2003

ومع ان الشكوك مازالت تثار وتتجدد بين الفينة والاخرى فيما يتعلق بليبيا واليمن الا انها تكاد تتركز حاليا في مصر بوجه خاص عبر اثارة الظنون ووجود نيات للرئيس المصري حسني مبارك لتأهيل وتوريث الحكم من بعده لابنه جمال.
ومع ان الرئيس مبارك قد نفى مرارا خلال السنوات القليلة الماضية اي صحة لتلك الظنون، مؤكدا ان مصر ليست سوريا وذلك في اشارة غامزة تعقيبية على من يستشهدون بالرئيس السوري حافظ الاسد الذي رغم انه لم يكن يصارح شعبه بنياته الحقيقية لتوريث ابنه بشار للحكم ثم فوجئ الجميع بتنفيذ رفاقه في السلطة ما يشبه الوصية المخفية او غير المعلنة بتعديل فوري للدستور ليمكنوا البرلمان من انتخابه للجمهورية خلفا لوالده.

ولم يكن الرئيس مبارك وحده الذي يحاول تبديد هذه الظنون بل حتى ابنه جمال نفسه يبذل جهودا هو الآخر لتبديد أو الغاء تلك الشكوك حول توريثه او اغلاق هذا الملف على الاقل في الظروف الراهنة.

لكن كل تلك التطمينات بدت كأنها غير كافية لاقناع قوى المعارضة بأن شكوكها في هذا الصدد ليست في محلها فاستمرت تثير زوابع المخاوف، بل تؤكدها بين الفينة والاخرى مستعينة في دلالاتها هذه بالصمت “المريب” من قبل الدوائر المعنية داخل السلطة وذلك بعدم الرد على ما تبديه من شكوك حول بعض المظاهر والمواقف التي تصدر عن قمة هرم السلطة نفسها، او لجوء تلك الدوائر الى الرد الغامض الملتبس الذي يعزز تلك الشكوك لديها.

وازاء حالة اللايقين رفعت قوى المعارضة في السنوات الاخيرة شعارات من قبيل “ما يحكمش” او “لا للتوريث”، وتشكلت جماعة من المعارضة تحت اسم “كفاية” منذ عشية اعادة انتخاب الرئيس لولاية خامسة عام .2006
في الآونة الأخيرة اثيرت هذه المسألة من جديد بقوة بمناسبة انعقاد مؤتمر الحزب الوطني الحاكم، فكان ان سُئِل جمال مبارك في مؤتمره الصحفي، باعتباره احد قادة الحزب، عمن سيكون مرشح الحزب الحاكم في انتخابات الرئاسة عام 2011؟ فرد “لكل حادث حديث”، واضاف: “لا يوجد تفكير حالي لتحديد اسم مرشح لتلك الانتخابات”.

لعل من ابرز الباحثين العرب الذين تناولوا مسألة التوريث في الانظمة الجمهورية العربية المعاصرة الباحث اللبناني خليل أحمد خليل وقد اعد دراسة بذلك تحت عنوان “التوريث السياسي في الانظمة الجمهورية العربية المعاصرة” صدرت في كتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.. واهم ما في هذه الدراسة ان الباحث يؤصل جذور ظاهرة التوريث السياسي في الجمهوريات العربية بأنها كانت موجودة قبل انتقالها الى طور توريث الحكم الى الابناء في اشكال اخرى تتمثل في توارث الاحزاب الحاكمة والمؤسسات العسكرية التي استولت مجموعات منها على السلطة والحكم او في صورة احتكار الرئاسة من قبل طوائف او عائلات كما في النموذج اللبناني ناهيك عن تقادم هذه المجموعات في السلطة.

والمشكلة ان قوى المعارضة المصرية تنسى انه سواء صحت مخاوفها من وجود نيات في الرئاسة لتوريث الحكم للابن تحت اي عنوان او مسوغ دستوري او حزبي أم لم تصح فإن التحدي الكبير الذي ينتصب امامها والقضية الكبرى هي قضية ومعركة مدى قدرتها على الدفع باتجاه الاصلاح الشامل وليس الانجرار نحو التركيز في قضية فرعية، فإذا ما سلمنا مع الباحث اللبناني خليل بوجود مظاهر واشكال اخرى من التوريث كامنة داخل الانظمة الجمهورية العربية على نحو ما ذكرنا، آنفا، فماذا عسى سيفيد المعارضة المصرية اذا ما جيء بمرشح رئاسي آخر قوي مدعوم من الحزب الحاكم والسلطة السياسية غير ابن الرئيس ليواصل بدوره نهجا محافظا لا يساعد على تجذير الاصلاح السياسي سوى انها في هذه الحالة كسبت استبدال التوريث بالمعنى القرابي العرقي، الى التوريث بالمعنى الحزبي.. فهل هذا ما يرضيها؟

صحيفة اخبار الخليج
10 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

لماذا لم يكن الحراكُ الجنوبي في الشمال؟

صراعات مذهبية واجتماعية وسياسية متداخلة، ودكتاتوريات تتصارع على أجساد الشعوب، والموارد تضيع مرة على البذخ ومرات على الحروب ومن أجل استمرار البذخ!
ما الذي قلب الزيدية في اليمن على الشافعية؟ ما الذي جعلها تتغير من الموادعة والسلام إلى الحرب؟
على مدى سنين كانت الزيديةُ متميزة ومغايرة لبقية المذاهب الشيعية، وكانت مقاربة لأهل السنة، حيث ترفض شتم بعض رموز الصحابة، وتطرح مقاربة تاريخية معتدلة في مسألة الخلافة الإسلامية الأولى، ولكن حكم الزيدية أو الشافعية أو غيرهما من المذاهب للعامة الإسلامية لم يكن مختلفاً، فحين تتسلط المذاهب المسيسةُ على عامة المسلمين فهي ذاتها من حيث الاستغلال، لا فرق بين درزية تؤمن بالحلول وسنة تؤمن بالبعث.
تفارقت المذاهب المسيسة لليمين عن برنامجية القرآن السياسية، المقاربة لعامة المسلمين ومصالحها، ولهذا حين يحكم أحد المذاهبِ السياسية في فرقة من فرقه، فإنه لا يختلف عن الآخر المذهبي من حيث طابع الحكم الشمولي وخدمة أصحاب النفوذ والمال، ثم هناك تفاصيل لا تغير الجوهر.
وحين نرى كيف تتبدل الزيدية في اليمن من استقلال عن بقية المذاهب الإمامية، إلى اندماج سياسي بالقيادة الإيرانية، فإن هذا لا يعني أي تغيير في بنى المذهب الزيدي، حيث رقدت المذاهب السياسية (الإسلامية) في نوم اجتماعي مشترك، واعتبرت وسادة الأغنياء الكبار هي وسادة نومها السياسية ومصالحها.
وإذ يتبدل وضع الزيدية من حكم متنفذ إلى قوى مهمشة في الساحة اليمنية، ثم إلى قوى منبوذة ومستغلة من عاصمة (جمهورية) عسكرية، وهمشت الاقاليم والجماعات الأخرى وحولت الأحزاب والبرلمان إلى ديكورات، فإن الزيدية السياسية تبحث عن حلفاء ومعاونين، من خلال مستواها المذهبي ومن ثقافتها المحدودة في التصحر الذي تعيش فيه.
لقد حدثت اتصالات على مدى التاريخ بين إيران واليمن وأجزاء الجزيرة العربية الأخرى خاصة، في حراك المذاهب الإسلامية لإنتاج معارضات لحكومات الأقليات، وهو أمر طبيعي، وجزء من قوانين تاريخية متجذرة في حراك الأمم والشعوب الإسلامية، والضعيف يستمد قوة من حليف، وقد جرى ذلك قبل قرون وهو ليس من بدعِ هذه الأيام كما يظن من لم يقرأ التاريخ، لكن المذاهب لا تتغير، وأساسياتها تبقى كما هي، فعلى كثرة تحالفات الدروز فإن مذهب الدروز لم يتغير.
فكل هذا نشاط سياسي خارج عن بنية المذهب، وهي مواقف يقوم بها الزعماء وتتغير مع تغيرهم، والمذاهب كلما وجدت بيئة إصلاحية سلمية، وتبدلت سياسة المركز من العنف إلى التعاون ومن احتكار الثروة إلى توزيع الثروة الوطنية بشكل عقلاني، تنامت العناصر السلمية والديمقراطية داخلها، فلا تلجأ إلى المغامرات العنفية وإلى التحالفات غير الوطنية.
والأمر يتوقف على مدى حكمة أو حماقة الزعماء، فهناك زعماء يقودون للتهلكة والمغامرة وهناك زعماء يبحثون عن حلول وسط وعن تطور وطني عقلاني مشترك.
وقد وُجدت الحكمة الغائبة للأسف في اليمن فصنعاء تمادت في استغلالها وبطشها بالاقاليم وفي التحكم بالثروة الوطنية، وإلا ما ثارت الأقاليم بشكلٍ مشترك ضدها، فإذا كانت صعدة تختلق تآمرا فلماذا الجنوب يتمرد هو الآخر؟ فما تداخل الاضطربات شمالاً وجنوبا إلا بسبب سوء إدارة مركزية!
إن الحاكم الحكيم يقرأ ما هو معتدل وعقلاني في المذاهب الدينية ويستثمره في سياسة توحيدية وطنية، فيعرف احتياجات تلك المناطق الفقيرة ويمدها بالخدمات، وهو أمر يجعل سجاجيد القوى الحادة تُسحب من تحت أقدامها. بل يقوم بالحوار مع زعمائها وقواها الشعبية المختلفة لإقامة تعاون حتى لو كان بحجم شعرة معاوية.
أما أن الحاكم ليس لديه سوى سياسة إرسال الدبابات والمدافع، على طريقة صدام حسين، فإنه يقدم للمتطرفين في الشمال والجنوب أدوات ومبررات ليقوموا بما يقومون به من انتفاضات حمقاء في الشمال وحكيمة عقلانية في الجنوب!

صحيفة اخبار الخليج
10 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

الحداثة العربية تراث أيضاً


يمكن أن نعكس العنوان أعلاه، فنقول التراث العربي حداثة أيضاً، فيظل القول صحيح. والمقصد هنا أنه كما في الحاضر العربي حداثيون ومحافظون، فان التراث العربي جمع الظاهرتين في جدلهما وسجالهما المعهود، وبالتالي يصح السؤال القائل: هل للحداثة العربية تاريخ خاص بها، بمعنى هل ثمة جذور للحداثة العربية داخل التراث العربي الإسلامي، وهل صحيح أن يوضع التراث دائما في مواجهة الحداثة، أي يجري التعامل معهما كنقيضين علينا أن نختار الانحياز إلى أحدهما، وبالتالي على المرء إما أن يكون “تراثيا” أو أن يكون “حداثيا” أو في أحسن الحالات توفيقيا بين الأمرين، ساكنا “منزلة بين المنزلتين”؟!

هذا سؤال ليس بجديد، والإجابة الدارجة عليه تذهب للموافقة على أن الأمر كذلك حقا. إذا ما استثنينا حالات نادرة من جهود باحثين عرب في التراث، برؤية معاصرة أو حداثية. نشير منها بشكل خاص إلى جهود المفكر العراقي الراحل هادي العلوي الذي انكب عمرا بكامله على دراسة عيون التراث العربي الإسلامي: فكرا وفلسفة ولغة وكلاما ومنطقا، وقدم للمكتبة العربية أسفارا ستظل الأجيال اللاحقة تذكرها.

 الكتاب القيم للشاعر والكاتب محيي الدين اللاذقاني الموسوم “آباء الحداثة العربية”، الذي يتضمن بين دفتيه مداخل إلى عوالم ثلاثة من أبرز رموز الثقافة العربية هم على التوالي: الجاحظ والحلاج وأبوحيان التوحيدي. برأي اللاذقاني، ومعه في ذلك أسباب وجيهة بناها على دراسة وتمحيص، أن هؤلاء الرموز كانوا آباء الحداثة العربية. وأن المثقف أو المبدع العربي الذي نهل الحداثة غالبا من مصادر غربية لم يكلف نفسه عناء البحث عما في تراثه من مساهمات فكرية وإبداعية، هي بمقاييس ذلك الزمان، حداثية.. وهذا يتطلب الكف عن وضع الحداثة في مواجهة “القدامة” ولا اعتبارها، أي الحداثة، مجرد أحداث تعاصرنا أو تجري في زمننا في مواجهة أحداث أو أفكار نشأت في الماضي، سواء كان قريبا أو بعيدا، لأن نصا تراثيا، أو سيرة حياة مفكر عاش في العصر الأموي أو العباسي، قد تكون أكثر حداثة ونضجا ومعاصرة من نصوص تكتب اليوم وقد تكتب حتى في المستقبل. الحداثة، حسب اللاذقاني، هي “قوة صاهرة تجمع خلاصات الجذر مع تجارب العصر”، وبهذا المعنى فإن تراثنا العربي، كما تمثل في رموز من نوع الجاحظ والحلاج والتوحيدي، “يمتلك قابلية التحول إلى طاقة حيوية دافعة” تعطي قوة للتيارات الفكرية والإبداعية المعاصرة، ولكي يتم ذلك فإن ما ينقصنا هو إعادة تقديم ذلك بأسلوب معاصر.

ولا نتوخى مثل هذه القراءة للي عنق التراث ونصوصه لتستقيم مع الحاضر أو مفرداته أو أفكاره، أو تفسيرها من وجهة نظر أحداث اليوم، وإنما عبر قراءة في بنية التراث، من حيث هو تراث، له سياقه ولغته ومستوى المعرفة الملائم له. الحداثة العربية إذن ليست يتيمة أو مقطوعة الجذور، ولكن خطيئة الحداثيين العرب أنهم تنازلوا طوعا عن جذورها التراثية، وقدموها كوصفة بديلة لهذا التراث، فلم يفعلوا سوى أنهم زادوا هذه الحداثة غربة على غربتها.


 
صحيفة الايام
10 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

مؤتمر الأطراف الخامس عشر لتغير المناخ في‮ ‬كوبنهاجن‮ (‬2‮-‬2‮)‬

متابعة لموضوعنا أعلاه في‮ ‬جزئه الثاني،‮ ‬نقول إن كل تلك الضغوط التي‮ ‬تمارس الدول المتقدمة على الدول النامية في‮ ‬الاجتماعات التحضيرية التي‮ ‬عقدت على مدار هذا العام وآخرها في‮ ‬برشلونة‮ (‬من‮ ‬2‮-‬6‮ ‬نوفمبر‮ ‬2009‮) ‬قبل الوصول إلى مؤتمر الأطراف الأهم في‮ ‬مصير المفاوضات المتعددة الأطراف للدول الأعضاء في‮ ‬اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وبروتوكول كيوتو منذ الاتفاق الذي‮ ‬جرى في‮ ‬كيوتو عام‮ ‬‭,‬1997‮ ‬وهو مؤتمر الأطراف الخامس عشر‮ ‬cop-15‭)‬‮)‬‭ ‬الذي‮ ‬سيعقد في‮ ‬كوبنهاجن خلال الفترة من‮ ‬7‮-‬18‮ ‬ديسمبر المقبل‮.‬ نقول إن كل تلك الضغوط وكل تلك التكتيكات التفاوضية المراوغة هدفها إيصال الدول النامية إلى حالة من القناعة القسرية لأن توافق على أخذ التزامات بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسب تتراوح ما بين‮ ‬15٪‮-‬30٪‮.‬ كيف؟‮ ..‬من الناحية القانونية المنصوص عليها في‮ ‬الاتفاقية الإطارية والبروتوكول فإن المنطقي‮ ‬هو أن تلتزم الدول المتقدمة بما أقرته الاتفاقية عليها من التزاماتها وما حدده البروتوكول لها من نسب تخفيض للانبعاثات‮ (‬5٪‮ ‬في‮ ‬المتوسط خلال فترة التخفيض الأولى من‮ ‬2008‮ ‬إلى‮ ‬2012‮ ‬وصولاً‮ ‬إلى مستوى الانبعاثات الذي‮ ‬كان سائداً‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬1990‮). ‬وبما أن معظمها لم‮ ‬يوف بهذه الالتزامات عبر الآليات التي‮ ‬أتاحها لها البروتوكول وهي‮ ‬أولاً‮: ‬آليــة التنفــيذ المشترك للمشـاريع بين الدول الصناعية المتقدمة نفسها‮ ‬‭(‬Joint Implementation‭).‬ ثانياً‮: ‬آلية التنمية النظيفة‮ ‬‭(‬Clean Development Mechanism‭ – ‬CDM‭)‬‮ ‬والتي‮ ‬تقوم بموجبها الدول المتقدمة بتنفيذ وتمويل مشاريع لخفض الانبعاثات وتأمين الاستدامة التنموية في‮ ‬الدول النامية بحيث‮ ‬يحسب أي‮ ‬تخفيض في‮ ‬الانبعاثات نتيجة لتنفيذ هذه المشاريع كجزء من تنفيذ الدول المتقدمة لالتزاماتها المنصوص عليها في‮ ‬البروتوكول‮.‬ ثالثاً‮: ‬آلية تجارة الانبعاثات أو تجارة الكربون‮ ‬‭(‬Carbon Trading‭)‬‮ ‬حيث سمحت المادة‮ ‬17‮ ‬من البروتوكول بالتجارة في‮ ‬الفائض من حصص التخفيض لدولة مع دولة أخرى من دول المرفق الأول‮ (‬أي‮ ‬الدول المتقدمة‮).‬ ورغم تطبيقها هذه الآليات إلا أن الدول المتقدمة لم تستطع مقابلة استحقاق‮ ‬2012‮ ‬ما‮ ‬يستوجب تمديد العمل بهذه الالتزامات وبنسب أعلى من نسب فترة التخفيض الأولى،‮ ‬وهو ما تؤكد عليه الدول النامية إذ تطالب بأن تأخذ البلدان المتقدمة دوراً‮ ‬ريادياً‮ ‬في‮ ‬تخفيض انبعاثاتها وأن تحدد أهدافاً‮ ‬عالية للتخفيض على المديين المتوسط‮ (‬2020‮) ‬والبعيد‮ (‬2050‮).‬ هنا تنبري‮ ‬الدول المتقدمة كسبيل للتهرب من هذا الاستحقاق،‮ ‬لمطالبة الدول النامية بالمقابل وتحديداً‮ ‬الدول النامية ذات الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وسنغافورة وحتى بلداننا الخليجية،‮ ‬بضرورة قبولها بنسب تخفيض لانبعاثاتها ما بين‮ ‬15٪‮ ‬إلى‮ ‬30٪‮!‬ ولذلك قد‮ ‬يستغرب البعض من هذا الموقف للدول المتقدمة التي‮ ‬طالما أقامت الدنيا وأقعدتها تباكياً‮ ‬على المناخ العالمي‮ ‬وتغيراته المحدقة بكوارث تهدد الكوكب الأرضي،‮ ‬وطالما زايدت بطرح استراتيجيات لتخفيض الانبعاثات ذات سقوف عالية،‮ ‬بما فيها ما‮ ‬يخرق قواعد الاتفاقية ومنها‮ ‘‬أن لا تكون الإجراءات المضادة‮ ‬‭(‬Response Measures‭)‬‮ ‬التي‮ ‬تتخذها الدول المتقدمة للخفض لها أضرار وانعكاسات سلبية‮ (‬اقتصادية‮) ‬على الدول النامية‮’.‬ فشتّان بين تعهدات أوباما في‮ ‬خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في‮ ‬سبتمبر الماضي‮ ‬والتي‮ ‬قال فيها أن الولايات المتحدة ستكون رائدة في‮ ‬قيادة حملة خفض الانبعاثات والتخفيف من آثار التغير المناخي‮ ‬وما بين ممارسات المفاوضين الأمريكيين في‮ ‬الاجتماعات التمهيدية ومنها اجتماع بانكوك الذي‮ ‬عقد بالمناسبة بعيد خطاب أوباما،‮ ‬حيث ظل المفاوضون الأمريكيون على مواقفهم المتشددة المنطلقة أساساً‮ ‬من مناوءة بروتوكول كيوتو الذي‮ ‬كان حدّد للولايات المتحدة نسبة مساهمة في‮ ‬خفض الانبعاثات تشكل‮ ‬25٪‮ ‬من إجمالي‮ ‬الانبعاثات العالمية،‮ ‬والاستمرار في‮ ‬اشتراط انضمام الدول ذات الاقتصادات الصاعدة لاسيما الصين والهند لدول المرفق الأول‮ (‬الدول المتقدمة‮) ‬الملزمة بالتخفيض‮.‬ في‮ ‬الكلام المنمق لا أحد‮ ‬يسبق الدول المتقدمة ولكن على أرض الواقع فإن هذه الدول وقادتها أبخل من البخل نفسه في‮ ‬دعم الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري‮ ‬وتقديم الدعم والمساعدة للدول النامية‮.‬ نعم هم حريصون على الاختلاء بالدول النامية الفقيرة مثل الدول الجزرية الأكثر هاشة بالنسبة للتغيرات المناخية،‮ ‬والدول الأفريقية والكاريبية الفقيرة بوعود معسولة‮ ‬غير ملزمة التنفيذ،‮ ‬من أجل شق صف مجموعة الـ‮ ‬77‮ + ‬الصين أقوى مجموعات التفاوض التي‮ ‬تمثل الدول النامية وأكثرها تأثيراً‮ ‬على مجرى المفاوضات‮. ‬ إضافة إلى ذلك ابتداع تصنيفـات ماكـرة للدول النامية من قبيل‮ ‬‭”‬The most poorer countries‭” ‬‮(‬الدول الأكـثر فقـراً‮)‬،‮ ‬و‮ ‬‭”‬The most vulenerable countries‭” ‬‮(‬الدول الأقـل هشاشة بالنسبة لتغير المناخ‮)‬،‮ ‬و‮ ‬‭”‬Least Developing countries‭” ‬‮(‬الدول الأقل نمواً‮)‬،‮ ‬و‭”‬Emerging countries‭” ‬‮(‬الدول الصاعدة‮) ‬وذلك من أجل خلق التمايز والفرقة بين الدول النامية في‮ ‬عملية التفاوض والتصويت على المقترحات والقرارات‮.‬ في‮ ‬هذا المقام‮ ‬يجدر بنا أن ننوه إلى اندفاع بعض منظمات المجتمع المدني‮ ‬في‮ ‬ديارنا العربية،‮ ‬ربما من دون قصد كي‮ ‬لا نتجنى عليها،‮ ‬نحو توجيه سهامها،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬سهام أطراف التفاوض للدول المتقدمة،‮ ‬باتجاه الدول العربية النفطية محملة إياها مسؤولية تزايد الانبعاثات باعتبارها بلدان منتجة للوقود الأحفوري‮. ‬هؤلاء الذين‮ ‬يلبسون قبعات عربية ويخلعونها ليضعوا محلها قبعات الممولين الأجانب أضرارهم المعنوية التفاوضية لا تقل عن أضرار الدول الصغيرة مثل ميكرونيزيا التي‮ ‬تنتمي‮ ‬لمجموعة البلدان النامية اسماً‮ ‬وللدول المتقدمة فعلاً‮. ‬ ولذلك نتمنى من القائمين على هذه المنظمات التي‮ ‬ركبت موجة التغير المناخي‮ ‬أن تتوخى الموضوعية والمصلحة العربية العليا حين تناولها لموضوع التغير المناخي.
 
صحيفة الوطن
9 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد