المنشور

التـنسـيق في انتخابات 2010 خطوة لا تقبل المساومة !


مع خروج مؤتمر جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» الاستثنائي بقرار المشاركة، انفتحت أمام الجمعية مجموعة من القضايا التي يمكن أن نطلق عليها صفة: الاستحقاقات، أو الملفات، أو الإستراتيجيات المرحلية، التي يتطلبها قرار المشاركة، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

1. علاقة «وعد» مع القوى الممثلة للتيار السياسي الإسلامي. فقد ورثت «وعد» من مرحلة مشاركتها في انتخابات 2006، وما تلاها من تطورات على ساحة التحالفات السياسية تركة حددت علاقاتها مع هذا التيار، هي اليوم بحاجة إلى التوقف عندها ومراجعتها. والمراجعة لا تعني بالضرورة التراجع عنها، لكنها في الوقت ذاته، تقتضي النظر إليها من جديد، وبرؤية الخبير المجرب القادر على القراءة بعمق وموضوعية إفرازات تلك المرحلة ونتائجها السياسية والتنظيمية المباشرة على العمل السياسي بشكل عام، وعلى التيار الوطني الديمقراطي، ومن بين صفوفه «وعد» على نحو خاص، كي تخرج هذه القراءة الحصيفة من كل ذلك ببرنامج للتحالف، أو التنسيق معه في حال موافقة الطرفين، وليس «وعد» وحدها بناء أي شكل من أشكال التنسيق فيما بينهما للمرحلة القادمة.

2. علاقة «وعد» مع التيار الوطني الديمقراطي المنظم. وهنا، ولكي لا نظلم «وعد» دون سواها من الجمعيات الأخرى، ينبغي على الجميع، وكما يقول الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته المشهورة «القدس عروس عروبتكم»، (لا أستثني أحدا)، امتلاك الشجاعة الكاملة والوقوف علنا والاعتراف بأن ليس هناك من جمعية بريئة من وضع التشظي المأساوي الذي تعاني منه جبهة هذا التيار، إن صح لنا الحديث عن جبهة. بوسع كل جمعية على حدة أن تلقي باللوم على الأخرى، لكن «من منهم بلا خطيئة فليرمِ الأخرى بحجر». وبفضل هذا الموقف غير المفهوم ولا المبرر، بقيت مهمة تشييد جدران بناء هذه التيار في أسفل سلم أولويات كل جمعياته. وبالتالي كانت هي أكثر من سواها الأكثر خسارة جرّاء هذا التمزق، الذي ينخر صفوفه.

3. علاقة «وعد» مع منهم خارج هذين الإطارين، ولن نغوص عميقا في محيط هذه «القوة السياسية»، لكونها تشمل الكثير من الأفراد والمؤسسات المتناقضة المصالح، وللبعض منها برامجه الخاصة التي قد تتناقض وبرامج التيار الوطني الديمقراطي، ومن ثم هي بحاجة إلى جردة أخرى، كي لا نحمل «وعد»، أو سواها من الجمعيات الأخرى مسؤولية حمل هذا العبء. الذي قد ينوء كاهلها جميعا تحت ثقله.

كان لابد من الاستعانة بهذه المقدمة المقتضبة التي توصلنا إلى ما نحن بصدد معالجته، والذي هو تناول الحديث المتصاعد عن «القائمة الانتخابية الموحدة» التي يمكن للتيار الوطني الديمقراطي أن يخرج بها، وأن يخوض، بالتالي انتخابات 2010 تحت رايتها. انقسم شارع التيار الديمقراطي إلى عدة فرق عند تناوله هذه المسألة. فهناك من ذهب بعيدا، ولديه الحق فيما دعا إليه، كونه يعبر عن طموح بعيد الأفق، في دعوته إلى ضرورة الإعلان عن تلك القائمة وفي أسرع وقت. وساق الكثير من الأدلة، والشواهد، والمبررات التي تعزز دعوته لقوى هذا التيار كي تنظر في هذه المسألة بجدية وتدرس نتائجها الإيجابية على العلاقات القائمة بينها أولا، وعلى نتائج الانتخابات ثانيا. مقابل هذه الدعوة، نجد هناك، ومن بين صفوف ذلك التيار، من يرى أن المرحلة ما تزال مبكرة، من وجهة نظره، لأي حديث عن مثل هذا الشكل الراقي من أشكال التحالف، التي ما تزال ظروف العلاقات التي تحكم جمعيات التيار الوطني الديمقراطي لا تسمح بها، أو بالأحرى غير مهيأة لنسجه. يعرض من يدعو لذلك قائمة طويلة من النتائج الفاشلة والانعكاسات السلبية لمشروعات سابقة حاولت جمعيات هذا التيار التوصل إلى صيغ تعاون عندما طرقتها، وبالتالي فليس هناك ما يشجع، في الوقت الحاضر، إلى الذهاب إلى مستوى «القائمة الانتخابية الموحدة». وبين هذين القطبين، هناك دعوات تقف في منتصف الطريق بينهما، مقترحة مجموعة من الصيغ التي تقترب من هذا القطب أو تدنو من ذاك، دون الانحياز المطلق الكامل لأي منهما.

من الخطأ الخروج، وفي مقالة صحافية متواضعة مثل هذه بقرار حاسم وصريح حول أفضل الصيغ، وإن كنا لا نملك منع أحلام «القائمة الانتخابية الموحدة» من دغدغة عواطف المواطن المتطلع بلهفة كي يراها وقد فكت قيود أسرها التي ربطتها بها خلافات ذلك التيار الضيقة الأفق، وتحولت إلى حقيقة واقعة بدلا من استمرار بقائها حلما في مخيلة ذلك المواطن. لكن واقع الأمر يفرض على المواطن الرضوخ للحقيقة المرة التي تضع القرار الذي لا يملكه أحد سوى القوى ذاتها، بين أيديها، طامحا أن هذا لا يعني أيضا ترك الحبل على القارب، والانتظار، مهما كانت المبررات، حتى يأتي الفرج من الخارج. بكلمات أدق، وطالما أن كل من قوى التيار لا يكف ادّعاء «وصله بليلى، وليلى منهم جميعا براء»، والمقصود بليلى هنا «العمل الوطني الديمقراطي المشترك»، فلم يعد هناك أي ما يفسر رفضهم الجلوس إلى طاولة حوار واحدة، والوصول إلى قرار حاسم يحدد الصيغة الأفضل القابلة للتحقيق على أرض الواقع التي تنظم الإستراتيجية الانتخابية لذلك التحالف.

من حق كل جمعية أن تحتفظ ببرنامجها الانتخابي بشكل مستقل، ومن حق كل واحدة منها، أيضا، أن تنسج التحالفات السياسية التي تنسجم وخطها السياسي، لكن ليس من حق أية واحدة منها ان تدير ظهرها للأخرى، أو أن تتخاذل في الاقتراب من بعضها البعض في طريقها نحو الصيغة التحالفية الانتخابية الأفضل التي تتناسب والظروف التي ما تزال تحكم العلاقات فيما بينها. وإن كان من واجب المواطن الباحث عن مجتمع ديمقراطي في مملكة دستورية دعم هذا التيار، فمن الأولى بهذا التيار أن يحترم هذه الرغبة وأن يجسد ذلك الاحترام، على أرض الواقع. فلم يعد هناك من يقبل المساومة على الخروج بقائمة، أو حتى قوائم، وهذا أضعف الإيمان، تعكس تلك الروح التحالفية المطلوبة.


 
الوسط السبت 16 يناير 2010م

اقرأ المزيد

أين المنطق في رفض هيئة مكافحة الفساد؟!


لم يعد لغزاً أن ترفض الحكومة المقترح بقانون المقدم من قبل مجلس النواب بشأن إنشاء هيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد، فكل المؤشرات كانت تتجه لرفض الحكومة لهذا المقترح، بل إنّ الحكومة سبق وأن رفضت مقترحات عدة مشابهة منذ الفصل التشريعي الأول تحت نفس المبررات والأعذار الواهية، وهي هنا تفصح علانية وبوضوح لا لبس فيه عن حجم الفساد المستشري في مختلف أجهزة ووزارات وهيئات الدولة، وهذا ليس منطق مزايد أو متجني، فكافة المؤشرات تفصح عن حجم مهول للفساد و(لوبياته) وعصاباته.

 وما أفصحت عنه التقارير الرسمية لوحدها فقط دون سواها من قضايا فساد وتلاعب بالمال العام، هي في حقيقة الأمر موجودة على طاولة الحكومة والنواب منذ سنوات عدة، ولم تشأ الحكومة أن  تحرك ساكنا حيالها، فلم نسمع عن إقالة مسئول أو محاسبة مقصر أو ردع متجاوز أو متعد على المال العام، حتى يمكننا أن نطمئن ولو قليلا إلى سلامة الأوضاع المالية في الدولة برمتها. 
من هنا فنحن لا نستغرب سلبية الرد الرسمي على تشكيل هيئة وطنية لمكافحة الفساد، لأن ذلك هو الرد الطبيعي المتوقع بكل أسف من الطرف الرسمي، فهل من المنطق أن يحاول الطرف الرسمي إقناعنا بأنّ مجرد وجود قوانين وتشريعات تعنى بالفساد هو في حد ذاته رادع لقوى الفساد كما تدعي الحكومة؟ إذا فليكن قانون العقوبات لوحده رادعا للجريمة ولتكن التشريعات المعنية بغسيل الأموال والدعارة وغيرها من الجرائم كافية لوقف تلك الجرائم!

 أتساءل أهو ضحك على الذقون أم تلاعب بمشاعر شعبنا عندما تتذرع الحكومة وترفض وتبرر وهي التي صادقت  منذ فبراير من العام 2005 على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وما يستتبعها من إجراءات يأتي على رأسها تشكيل الهيئة ووضع إستراتيجية وطنية تكفل محاصرة الفساد، بحيث تشارك فيها مختلف القوى  والجهات المعنية بمكافحة الفساد من حكومة وجهة تشريعية ومؤسسات مجتمع مدني، فهذا هو الوضع الطبيعي إذا أريد لنا أن نطمئن بحق إلى أن  ذلك هو  جزء من  مسار الإصلاح الذي نعرفه جميعا بكل ما تعنيه تجلياته وأبجدياته من معاني لا تخطئها العين أو يتجاوزها الحدس!

لكن تأبى الجهات الرسمية على الدوام على ألا أن  تتمادى في لغة النفي، فلا توجد حاجة لهيئة مكافحة الفساد، ولا حاجة لهيئة لمناهضة وتجريم التمييز بكافة أشكاله، ولا حاجة لهيئة لوقف التجنيس السياسي، ولا حاجة  لقانون الذمة المالية ولا تعاون مع لجان التحقيق التي تؤشر على الفساد في مواقع كثيرة في جسد الدولة المتعب بممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام، وأخيراً لا تعاون جدي مع لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة، ولا إرجاع لكل ما نهب من أراضي عامة إبان سنوات الشقاء والظلمة، وفي المقابل تكافأ قوى الفساد على سرقاتها وتجاوزاتها  بمناصب رفيعة وامتيازات، تكفل لها مزيداً من الغرور والتعالي والغطرسة والوجاهة، وتسهيل مهماتها ومشاركة رؤوسها في خبطات الفساد وسرقات المال العام.

محزن حقا أن نتحدث ونحن في عهد الإصلاح الذي انتظرناه عن وجوه كالحة لا تخجل،  تستمر في عبثها بأموالنا العامة وبثروات أرضنا  وبحرنا من دون أن  تترك لنا متسعا من الوقت نستعيد فيه الأنفاس، في وقت تراجع معظم دول العالم غنيها قبل فقيرها كافة سياساتها  المالية وإجراءاتها الرقابية والمحاسبية لتكفل حماية أموالها العامة من العبث، وكأننا نعيش  لوحدنا بعيدا  في معزل عن كوكب لم يتوقف عن إمدادنا على الدوام بأمثلة وأرقام وحقائق مفزعة لوجوه الفساد وممارساته التي أفقرت شعوبا وهدت دولا وأشعلت حروبا ودمرت أجيالا وخربت اقتصاديات وضمائر .

أمر معيب أن يرفض الجانب الرسمي كل تلك التقارير الدولية الرصينة التي تؤطرنا كدولة في موقعنا الطبيعي – كما هيأ له الجانب الرسمي- في مؤشرات الفساد، ليحكم عليها بالتجني وعدم الموضوعية، في الوقت الذي يقدم لها الدليل تلو الآخر على عدم الجدية لوقف وجوه الفساد والسرقات في المال العام والأراضي والشواطئ والبحار والجزر والمحميات.

 بل كم هو معيب حقا أن  تستند الحكومة  في ذلك وهي ترفض تشريعات وهيئات مكافحة الفساد، حين تستند إما على أغلبية نيابية لا تعنيها قضايا الفساد في شيء بقدر ما تعنيها مصالحها الشخصية والفئوية، أو على مجلس معين يراد لوجوده أن يكون مُعيقا ومُعطلا لقوانين تجاوز عددها حتى الآن أكثر من 24 قانوناً  مركونة في الأدراج لأجل غير مسمى دون مبرر موضوعي مقنع.

هل في كل ما ذكرناه هنا تجاوز أو حتى مجرد إغفال للحقيقة؟!
متى نستفيق .. متى نصحو..  بل متى سنتعلم؟!
 

اقرأ المزيد

الرأسمالية الخاصة في البحرين (1)

حضرَ التطورُ التجاري في منطقة الخليج خلال القرن الثامن عشر وما تلاه، الأجواءَ لنمو المدنِ الصغيرةِ في الخليج، وخاصة المدن البحرينية، حيث تمثلُ جزرُ البحرين سفينةً صلبةً راسية في منتصفِ الخليج العربي جاهزةً لمدِ العابرين بالمؤنِ والمياه ولتسلم البضائع وتصدير بعض المنتجات، ولم يكن بالإمكان لتلك المدن الصغيرة أن تكونَ سوقاً واسعة، نظراً إلى قلة السكان، وضآلة الإنتاج، لكن إنتاج اللؤلؤ لعبَ دوراً في ظهور السوق، على الرغم من هيمنة العلاقات ما قبل الرأسمالية فيه.
ولعبتْ سلعةُ اللؤلؤِ دوراً في ربط البحرين بالسوق العالمية، وقامت بالدور التحضيري لنشأة السوق بشكلِها الرأسمالي، وفي عقدِ العشرينيات كان الصراعُ على أشدهِ لتطوير إنتاج الغوص، وتحويله إلى نمط عصري، لكن ذلك لم يتم. وتعطي (محكمة السالفة) صورةً عن تداخل كبار الشيوخ والتجار البحرينيين والأجانب في حلِ إشكاليات هذه المهنة وقضاياها، مع غياب المنتجين، وهي صورةٌ عن بدايةِ ظهور جهاز رسمي وأهلي مشترك لبحث قضايا السوق ومشكلاتها العملية.
إلا أن تطورَ السوق الرأسمالية البحرينية لم يعتمدْ على سلعة اللؤلؤ الغالية، لأنها استنزفتْ ذاتَها في تخلفِها التقني ولتدني العلاقات الإنتاجية التي ترفعُها لأعناقِ الحسان بعد ذلك، وطرحت اليابان نسخاً مقلدة جعلت السوق في حالة انهيار متعدد الأشكال. ولهذا سنجدُ في سنة 1935 حالةً أشبه بالمجاعة:
(توفي في المنامة 83 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال وذلك بعد تجمع حوالي 2000 شخص خارج منزل أحد التجار بعد سماعهم أن ذلك التاجر سوف يقوم بتوزيع مساعدات على الفقراء والمحتاجين، وبسبب تدافعهم داخل ممر ضيق يؤدي الى ذلك البيت ولضيق التنفس حاول بعضهم الخروج بأقصى سرعة فسرت حالة من الهلع والرعب فتدافعوا وسقط الكثيرون منهم على الأرض حيث سحقوا وراح منهم 83 قتيلا).
في هذا العقد الثلاثيني المرير الذي يمثلُ عقدَ الكساد والفقر وضعف السوق الوطنية، تم اكتشاف النفط وتصدير أول شحنة منه بكمية تجارية في 1 يونيو 1932، لكن هذا التصدير لم يفعل شيئاً كبيراً في تلك الحالة الاقتصادية المتدهورة لكن التغيير قد بدأ.
إن القوةَ الاقتصادية التي كانت تنمو هي التجارة الخاصة، وقد ظهرت أسواقٌ بحرينية عديدةٌ في المنامة والمحرق والقرى، وراحت هذه الأسواقُ تجذبُ تجاراً من مختلف البلدان.
ولعبت الشركاتُ البريطانية دوراً أساسياً بربط البحرين بالسوق العالمية:
(أما التجارة فقد اعتمدت بالأساس على موقع البحرين الاستراتيجي، وقد نمت مع بدايات القرن العشرين بشكل ملحوظ. فعلى الرغم من استعمال السفن التجارية الكبيرة العاملة بالبخار التي كانت تمتلكها الشركات البريطانية والتي أخذت تحل محل السفن الشراعية وتؤدي إلى انحطاط التجارة فإن البحرين لم تتأثر اقتصادياً باستعمال هذه السفن، ولاسيما أن شركة الملاحة الهندية البريطانية يBritish India Steam Navigation Company التي سيطرت على النقل البحري في الخليج اتخذت من البحرين مركزاً لتصريف البضائع التي تجلبها من الهند وغيرها من الموانئ الرئيسية، ومن ثم توزع على مناطق الخليج العربي، فضلاً عن ذلك فقد بدأت أنواع البضائع التي تصدر من الهند إلى البحرين تتغير خلال الربع الأول من القرن العشرين من بضائع هندية إلى مصنوعات بريطانية، (تاريخ غرفة التجارة البحرينية، بقلم د. صلاح عريبي).
لكن كان لابد من ظهورِ عناصر تجاريةٍ وطنية بحرينية تدرسُ مثل هذا الدور وتقلده ومن ثم تتفوق عليه لاحقاً، وتعربه، وكان هذا من دور عائلة كانو خاصة.
وكانت عائلة كانو إحدى هذه الإسر التي انجذبت إلى هذه البقعة قبل قرنين من الزمن، وراح مؤسُسها الأولُ يكرسُ تجارتَهُ الخاصة بصعوبةٍ وسط سوق ضعيفة.
(يعد بيت كانو من أبرز البيوتات التجارية الخليجية، والمتتبع لتاريخ هذا البيت العريق الذي يرجع في الأصل إلى شمال الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، ومن ثم ساحوا على ضفاف الخليج، الكويت، العراق، فارس، فالبحرين منذ بداية القرن التاسع عشر حيث استقروا فيها تحت عمادة الحاج بلال، ذلك الإنسان الذي أخذ يشتغل ببيع المواد الاستهلاكية من خلال متجره الصغير في سوق المنامة)، (صحيفة العهد، سيرة عائلة كانو). (أدت عقودُ القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين إلى حدوثِ عمليات تراكم في الرأسمال التجاري، وتمدده في تجارة اللؤلؤ وفي العقار، لكن التحول سيظهر مع بداية تلك الدفعة الأولى من النفط التي أبحرت في أول يونيو سنة .1932
وتظهرُ في حياةِ أسرة كانو لمحاتٌ عن صعود الرأسمالية التجارية إلى حقول الخدمات المختلفة والتوجه للرأسمال المالي في ذروة التطور.
(يرجع بيت كانو التجاري إلى المؤسس الحقيقي عميد الأسرة الحاج يوسف بن احمد كانو المولود عام 1868م، وهو الذي تحمل مجموعة شركات كانو اسمه). وظهر مكتب تجاري للعائلة في الخبر، سنة 1948، وظهرت وكالة السفريات فيها كذلك وتنامت شركات النقل والملاحة والخدمات المالية وغيرها من خلال تلك التجارة الأولى من البحرين حتى فاضت على المنطقة.)، (المصدر السابق). (تعطينا هذه الأسرةُ نموذجاً عن نمو الرأسمالية التجارية إلى حقولٍ اقتصادية شتى، وبطبيعة الحال كان النمو يستثمر كل الاحتياجات الاقتصادية المختلفة التي تظهر في البحرين والمنطقة، خاصة في سلعة (النقل)، هذه السلعة التي ستغدو محور التطور لعقود طويلة، وذات الأهمية البالغة، تتجاوز صغر السوق البحرينية وضيقها، وطبيعة نظامها، إلى فضاء منطقة مفتوحة الاحتمالات الاقتصادية والسياسية، وذات خيارات كثيرة، مما جعل العائلة التي لم تزل تحتفظ بطابعها العائلي الاقتصادي، تغدو من أكبر الفاعليات الاقتصادية في المنطقة والعالم!
إن البضاعة العادية التجارية تتحولُ لدى العائلة إلى ميدان آخر، والرأسمالُ التجاري ينتشرُ في رأسمالٍ مختلفٍ مهم، لتتنامى الفوائض وتتوجه إلى الرأسمال المالي، من دون المرور بالرأسمال الصناعي، بخلاف الرأسمال الغربي في بدء ظهوره بأوروبا الجنوبية والغربية.

صحيفة اخبار الخليج
15 يناير 2010

اقرأ المزيد

الخطاب الوحدوي

 

 


«الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»
هكذا يصنف علي بن أبي طالب (ع) الناس والبشر، إما إخوان في الدين وهو ما يتسم به شعب البحرين الذي دخل الإسلام من دون ان تسفك قطرة دم على أرضه، أو أخوان في الإنسانية.

من يريد ان يشكك في هاتين الأخوتين هو ضال ومضل، كيف لا يكون كذلك، وهو الذي يريد ان يضرب كل جامع بين الاخوة.
ليس من عاداتنا اطلاق النعوت والتصنيفات على الآخر، ليس كغيرنا يكفر هذا لأنه ليس من ابناء ملته، ويحرم زيارة الجار لأنه ليس معه في المذهب، ويقول لا تبيعوا أرضا له ولا تشتروا منه، ولا تزوجوا ابناءه، ولا ولا ولا.

ابدا والله، لسنا كذلك، بل نحزن حين نسمع اي خطاب لا يجمع القلوب على كلمة سواء… نغتم، حين نرى ان هناك من لا يريد للوحدة الوطنية ان تتعزز.

ان أهل هذه الارض الطيبة يعرفون تمام المعرفة ان الطائر لا يستطيع ان يطير الا بجناحين، كما هي أرضنا، وكما هم أبناؤها الذين تراهم يدا واحدة في السراء والضراء.

لذلك جاء سمو ولي العهد، ليخرس كل الالسن التي تريد ان تلعب بالنار، التي لو اشتعلت فإنها لا تبقي ولا تذر.
ان المواطنين بشتى أطيافهم، استمعوا الى هذا الخطاب الوحدوي، بقلوبهم قبل آذانهم، لأن القلوب أوعية وخيرها أوعاها، ولا نشك ان كل قلوب اهل أوال واعية، تنظر بالبصيرة قبل البصر.

ان اللعب بنار الوحدة الوطنية يهدد الأمن الاجتماعي، ولن يشعر احد بمخاطر فقدان الأمن إلا إذا فقد هذا الأمن، فهناك نعمتان مجهولتان الصحة والامان.
 
صحيفة الايام
15 يناير 2010

اقرأ المزيد

حقوق الإنسان العربي والإفلات من العقاب

مع ان تقرير المحقق الدولي جولدستون حول جرائم الحرب العدوانية الفاشية العنصرية الصهيونية على السكان الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة خلال العام الماضي نجح نجاحا معقولا في رصد اهم جرائم تلك الحرب حتى بالرغم من اضطراره الى توخي قدر من التوازن في لغة التقرير بحكم موقع – جولدستون – الدولي الحساس الدقيق وتبعيته لمنظمة دولية تحكم قراراتها التوازنات والاعتبارات الدولية، ناهيك عن تأثير القوى الكبرى في آليات صنع تلك القرارات وعلى رأسها الولايات المتحدة، فان أكثر ما تميز به في هذا النجاح عن غيره من تقارير حقوق الانسان الدولية المختلفة، ان صح التقدير، يتمثل في وضع يده على ظاهرة بالغة الأهمية والخطورة ولطالما، على الأرجح، غفلت عنها تلك التقارير الدولية، ألا هي ظاهرة افلات المجرم من العقاب على جرائمه وهو هنا السلطة العنصرية الصهيونية المتمثلة في قيادة وحكومة الدولة العبرية اليهودية.
ولا شك ان اهمية التشديد على خطورة هذه المسألة في تقارير حقوق الانسان العالمية تتجلى في تذكير المجتمع الدولي أو افهامه ضمنيا بوضوح بعبثية اعمال لجان التحقيق والتقارير الصادرة عن منظمات حقوق الانسان طالما ان الانتهاكات والجرائم الفظة التي ترتكبها اي سلطة في اي دولة من دول العالم هي في مأمن من العقاب او المحاسبة، وهذا بالضبط ما يشجعها على التمادي في ارتكاب المزيد منها طالما انها أمنت العقوبة بل حتى المحاسبة المعنوية اللفظية، والاهم من ذلك فإن المجتمع الدولي وعلى وجه التحديد مختلف منظماته المعنية بحقوق الانسان سيجد نفسه مضطرا، سنويا عاما بعد عام وعقدا اثر عقد، يجتر تشكيل لجان التحقيق واصدار القرارات المنددة بانتهاكات حقوق الانسان من دون تقدم ملموس جوهري اللهم تقدما طفيفا في احسن الاحوال.
بهذا المعنى فإن الرسالة التي تنشدها منظمات حقوق الانسان في العالم لا ينبغي ان تقتصر على رصد مظاهر وحالات انتهاكات حقوق الانسان في العالم أو التحقيق فيها ومن ثم التنديد بها فحسب، على الرغم مما لهذه الاجراءات من اهمية في فضح وتعرية المجرم وهتك الستار الحديدي الذي يتوهم بقدرته على حجب جرائمه، بل التنديد بكل قوة بالجهات الدولية التي تمكنه وتوازره للإفلات من العقوبات.
وغني عن القول ان اسرائيل ما كانت لترتكب كل الجرائم التي ارتكبتها بحق ابناء الشعب الفلسطيني ناهيك عن جرائم الحرب التي ارتكبتها خلال حروبها العدوانية على دول الطوق العربية، وعلى الأخص لبنان، ومن ثم تماديها باطراد في تلك الجرائم عددا ووحشية لولا انها في مأمن حصين محصن من العقاب، وقد عجز العرب وكل المجتمع الدولي عن اختراق ذلك الحصن المنيع الجبار منذ تأسيسها وانضمامها الى المنظمة الدولية قبل 60 عاما ونيفا.
ولا نكشف سرا بأن اسرائيل وان كانت في مقدمة دول العالم المتحصنة جيدا من ان يطولها العقاب على جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان فإنها ليست الدولة الوحيدة على الساحة الدولية الفالتة من وجه العدالة وقبضة القانون والجزاء العادل، بل جل او كل دول العالم المتورطة في جرائم وانتهاكات لحقوق الانسان، وما تماديها هي الاخرى في هذه الانتهاكات والامعان في ممارستها بكل حرية وعلى نحو متزايد واكثر وحشية عاما اثر عام منذ عقود الا بفضل نجاحها في الافلات من العقاب.
وعلى الارجح فإن إعراب تقرير حقوق الانسان العربي الذي اصدره مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان تحت عنوان “واحة الإفلات من المحاسبة والعقاب” وإعرابه عن قلقه البالغ من تفاقم هذه الظاهرة انما جاء من وحي ما ابداه مسبقا تقرير جولدستون من اهتمام بهذه المسألة وذلك لما لهذه الظاهرة من تأثير خطر في تفاقم الجرائم التي ترتكبها الانظمة الشمولية والعنصرية والاستبدادية بحقوق الانسان، ومن ثم عدم اكتراثها البتة بتحقيقات وتقارير حقوق الانسان المكتفية بالتنديد من دون القدرة على ان تذهب ابعد من ذلك.
وصفوة القول ان الحد من ظاهرة الافلات من العقاب بحاجة الى جبهة عالمية لمجابهة القوى التي تمكن اسرائيل والانظمة الدكتاتورية من ذلك الافلات، والضغط عليها لشل قدرتها على مساعدة تلك الانظمة، وهذا بحاجة الى نضال تراكمي أممي عنيد وصعب من رص الصفوف وتضافر الجهود من قبل كل القوى الشريفة والمؤيدة لحقوق الانسان على مختلف الأصعدة المحلية والاقليمية والدولية، ومن دون ذلك ستظل ظاهرة الافلات من العقاب مرجأة الى اجل طويل غير معلوم والأخطر من ذلك فإن الانتهاكات ستستمر بوحشية وتفاقم.

14 يناير 2010
صحيفة اخبار الخليج
 

اقرأ المزيد

بناء الكتلة الديمقراطية – 5

لابد أن يثار السؤال: مِمَن يجب أن تتشكل الكتلة الديمقراطية التي ندعو اليها. وهذا مصدر وجاهة ما أثاره صديقنا أحمد جمعة وهو يعقب على ما أثرته في الحلقات الثلاث الأولى من هذه الأسئلة، في مقال نشره منذ أيام قليلة في “الأيام”، حين انتقد فكرة حصر مكونات التيار الديمقراطي في ثلاث جمعيات فقط هي التجمع القومي والمنبر التقدمي وجمعية وعد.
لكن هذا يتطلب منا العودة إلى الوراء قليلاً لرؤية حقيقة أن الحركة الوطنية البحرينية الحديثة التي تشكلت في الخمسينات تكونت من ثلاث اتجاهات رئيسية، هي التيار اليساري – الماركسي ممثلاً في جبهة التحرير الوطني البحرانية، وحركة القوميين العرب التي منها تفرعت تشكيلات عديدة متفرقة، ولكن من الجسم الرئيسي للحركة انبثقت الجبهة الشعبية حين أعلن الجناح اليساري في الحركة، على المستوى العربي، تبنيه للماركسية –اللينينية بعد المراجعة التي تمت اثر هزيمة الخامس من يونيو / حزيران 1967.
وأخيراً هناك حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انقسم أعضاؤه في نتيجة انقسام الحزب الأم، عربياً، إلى جناحين سوري وعراقي، وفيما استمر الجناح العراقي مستمراً في العمل تحت تسمية حزب البعث، الذي منه تشكل التجمع القومي اليوم، فان من المحسوبين على الجناح السوري تشكلت جبهة تحرير شرق الجزيرة العربية، وبعد ضرب الجبهة فان الجزء الأكبر من كوادرها انضووا في وقت سابق تحت راية الجبهة الشعبية.
هذه الحقيقة التاريخية تشير إلى أن أضلاع هذا المثلث هي القوام الرئيسي للتيار الوطني الديمقراطي، ومن هذه الأضلاع الثلاثة تشكلت التنظيمات الثلاثة بعد المشروع الإصلاحي: جمعية العمل الوطني الديمقراطي، التجمع القومي الديمقراطي، المنبر الديمقراطي التقدمي، التي هي الامتداد الراهن لتلك التكوينات التاريخية في ظروف اليوم.
هنا لابد من استدراكات مهمة: ليس كل من كانوا أعضاء في جبهة التحرير الوطني وفي الجبهة الشعبية وفي حزب البعث في المراحل التاريخية المختلفة هم بالضرورة أعضاء في التنظيمات الثلاثة القائمة اليوم: “التقدمي”، “وعد”، “القومي”، والأسباب هنا متعددة ولسنا في وارد تعداد هذه الأسباب لتنوعها.
ولكن هؤلاء جميعاً يشكلون قاعدة للتيار الديمقراطي، ولدى الكثير منهم من الخبرة والحكمة والحصافة ما يؤهلهم لأن يلعبوا دوراً مطلوبا منهم في ظروف اليوم، حتى لو آثروا أن يبقوا خارج الأطر التنظيمية الثلاثة، وللأمانة فان بعضهم يقوم بهذا الدور فعلاً بنسب متفاوتة، وفي تقديرنا أن من شروط هذا الدور، لكي يكون فعالاً وايجابياً، ألا يضعوا أنفسهم في خانة التحامل والخصومة والتصيد مع هذه التنظيمات حتى لو اختلفوا مع بعض أوجه سياستها، وإنما ينطلقوا من موقع الحنو والحدب على هذه التنظيمات برغبة مساعدتها على أداء دورها في الواقع المعقد الجديد الذي نعيشه، والتغلب على ما يمكن أن تقع فيه من أخطاء، وهذا أمر ربما عدنا إلى طرحه لاحقاً.
يظل أيضا أن التيار الوطني الديمقراطي أوسع من التنظيمات الثلاثة المذكورة ومن محيطها من المناضلين المخضرمين غير الأعضاء ومن الأنصار والأصدقاء، فهو يتشكل أيضاً من مؤسسات المجتمع المدني الحديث، وكذلك من التنظيمات الصغيرة التي تشكلت في نتيجة الانشقاق على بعض التنظيمات الرئيسية، وهذا أمر سنأتي على شرحه في حلقة قادمة من هذه السلسلة.
 
14 يناير 2010
صحيفة الايام

اقرأ المزيد

سنمضي في طريقنا من أجل الوطن


تدخل نشرتنا “التقدمي” عامها الثامن في هذا الشهر “يناير” 2010، قبل سبعة أعوام صدر العدد الأول من نشرة “أخبار المنبر” الأسم السابق للنشرة في يناير من عام 2003، كأول نشرة سياسية حزبية يصدرها تنظيم سياسي علني في البحرين، بعد السماح للقوى السياسية البحرينية بالعمل بالعلن منذ سبتمبر من عام 2001، تحت تسمية الجمعيات السياسية. 

 كانت البداية متواضعة، صدرت النشرة في أربع صفحات، وتطورت لاحقاً في الشكل والمضمون والإخراج الفني وإعداد المادة، ومنذ مايو عام 2007 صدرت باسم “التقدمي” وفي شهر يونيو 2008، حدث تغيير آخر وهو إصدارها بشكل الصحافة “تابليود” ولا زالت مستمرة على هذا الشكل من الإخراج الفني. 

 والشيء الذي يحسب للنشرة “التقدمي” بأنها تواصل الصدور شهرياً، في الأول من كل شهر، في الوقت الذي لا يوجد رفيق متفرغ للنشرة، فالصحافة اليوم يراد لها فريق صحفي مهني ومتفرغ، من كتابة التقارير والتحقيقات الصحفية والمتابعة اليومية للأحداث والمستجدات في الوطن أولاً بأول، وفريق خاص للإخراج الفني ومحررين يتابعون كل ما يجري في الوطن، وهذا يراد له رصد ميزانية كبيرة من قبل التنظيم وهي غير متوفرة حالياً. 

 و بالرغم من كل هذا، نحاول بأن نقدم للقراء معلومة جديدة، وأخبار عن ما يقوم به حزبنا، من أنشطة وفعاليات على شتى الأصعدة، ونعتز ونتشرف بوجود أعمدة ثابتة في النشرة لعددٍ من رفاقنا الشباب، ونحاول ان نستقطب الشباب الموهوبين من أجل الكتابة في النشرة، مع تسليط الضوء على تاريخ الحركة الوطنية البحرينية من خلال كتابات رفاقنا المخضرمين، ليتعرف هذا الجيل والذي سوف يأتي على تضحيات ونضالات شعبنا وحركته الوطنية منذ الخمسينيات من القرن الماضي وحتى بداية الأنفراج السياسي في عام 2001.
 
ويبقى همنا الأول قضايا الناس، والدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، والكتابة عن الملفات الحيوية، والتي توجع قلوب الآلاف من المواطنين، وتحديداً ملفات الإسكان، البطالة ومعاناة الخريجين من الطلبة الجامعيين، وسوء الخدمات الصحية المقدمة، البيئة ومشاكلها، وقضايا معيشية وسياسية لازالت تؤرق المواطن، من تدني الأجور “الرواتب” لفئات وقطاعات واسعة من أبناء هذا الوطن، سياسة التجنيس وآثارها المدمرة على الوطن والمواطن، التي تصر بعض الأجهزة المتنفذة في مؤسسة الحكم، بأن تمضي فيها، وتأزم الوضع الأمني والأجتماعي في الوطن، وسياسة التمييز المتبعة في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية “الداخلية والدفاع” نموذجاً، سرقة الأراضي والبحار والسواحل، فمن يتصور بلدنا الذي هو أرخبيل من الجزر لا يتمتع المواطنون بسواحلها، لأنها اصبحت ملكاً خاصاً للمتنفذين وبعض من أبناء العائلة الحاكمة. 

 هذه قضايا مهمة، تهم المواطن، لا بد من أيجاد حلول جذرية لها من قبل الحكومة وهي المسئولة عن الاستقرار الاجتماعي والأمني، أما أعضاء مجلس النواب فهم مستمرين في المناكفات والمشاحنات الطائفية والمذهبية، في هذه المناسبة نؤكد بأننا سنبقى نناضل من أجل وطن حر وشعب سعيد.
 
 

اقرأ المزيد

“التقرير الاستراتيجي” ومؤسسة حقوق الإنسان

لم أفاجأ شخصيا بأن يحظى “التقرير الاستراتيجي البحريني 2009” بكل ذلك الاهتمام المنقطع النظير وردود الفعل المختلفة من قبل وسائل الإعلام والصحافة المحلية والعربية فضلاً عن الأوساط والقوى والرموز السياسية، فقد سبق للتقرير الأول أن حظي باهتمام مماثل، وان كان التقرير الثاني الأخير ــ على ما يبدو ــ يفوق الأول في الاهتمام وردود الفعل الواسعة النطاق.
فحينما يتوخى معدو أي بحث أو تقرير استراتيجي قدراً معقولاً من المنهجية العلمية الموضوعية في إعدادهم للدراسة أو التقرير، فإنه لابد ان يكسب احترام وتقدير الجميع أو جلهم على الأقل، وبضمنهم حتى المعارضون في هذا الجانب أو ذلك الجانب من النتائج التي توصل إليها أو التوصيفات التي استعرضها.
على العكس من ذلك فيما لو اتسمت منهجية التقرير وخلاصة ما توصل إليه من نتائج بالأحكام المسبقة المتعسفة وبالتحيزات المطلقة الأقرب الى اللغة الدعائية الفجة الكاذبة المناقضة على نحو صارخ لما يموج به المشهد السياسي الداخلي من مظاهر وتحديات خطرة بعيدة كل البعد عما تعمد التقرير تزويقه لمجرد إرضاء الجهات الرسمية العليا المعنية في أي دولة كانت.
بهذا المعنى فإنه يسجل للمشرفين على التقرير الاستراتيجي البحريني والمساهمين في تحريره أنهم احترموا على الأقل وعي وعقل ليس النخبة السياسية التي لا يمكن استغباؤها فحسب، بل حتى المواطن البحريني العادي البسيط الذي يساء الى عقله أيما إساءة فيما لو عمد التقرير الى انتهاج لغة تبسيط وتسطيح اعراض ومظاهر القضايا الخطرة أو التعتيم عليها في حين يموج بها مسرح السياسة المحلية بكل تجلياتها اليومية وتعشي عيون عشرات الآلاف من الأجانب والمقيمين قبل ان تعشي عيون المواطنين المكتوين أصلاً بنيرانها.
وبهذا المعنى أيضا فإنه يسجل للتقرير أيضا أنه توخى المحافظة على رصيد سمعته العلمية عربيا ودوليا كمؤسسة بحثية علمية تتحلى بأبسط مقتضيات مبادئ وقواعد وأصول البحث العلمي بعيداً عن لغة التهريج والإسفاف الدعائية التي من شأنها ان تسيء الى أي مؤسسة أبحاث علمية تحترم نفسها أيما إساءة، وعلى العكس من ذلك فإن الالتزام ولو بحد أدنى من أدوات ومبادئ المنهجية العلمية إنما سيصب حتما في صالح ليس السمعة العلمية للمؤسسة التي أصدرت التقرير فحسب، بل الدولة التي تتبعها إداريا، وبخاصة على الصعيد الدولي، حيث سيعزز من مصداقية “نهجها الإصلاحي” أمام العالم.
وكما هو معروف فإن التقرير الاستراتيجي البحريني الذي أصدره مركز الدراسات والبحوث قبيل بضعة أيام من انتهاء العام المنصرم (2009م) نجح في وضع يده على 12 قضية تأثرت بها البيئة السياسية المحلية وشغلت الرأي العام المحلي خلال عامي 2008 ــ 2009، وهي على التوالي: قضية التلوث البيئي، قضية الجامعات الخاصة والتعليم العالي، قضية التضخم والغلاء، قضية حرية الصحافة، الأزمة المالية وأثرها في البحرين، القضايا الحقوقية، قضايا الفساد، البطالة، النشاط البرلماني، العمالة الوافدة وإلغاء الكفيل، قضية الحوار الوطني، قانون الأسرة.
التقرير الاستراتيجي عني بإفراد فصل مستقل، ألا هو الفصل الثاني، لتناول قضية محلية مهمة على درجة من الخطورة والحساسية ألا هي القضية الطائفية فيما خصّص الفصل الثالث لأنشطة الجمعيات السياسية والثقافية ودينامية المجتمع البحريني التي من تجلياتها، كما يشير التقرير، التظاهرات والمسيرات التي وصفها بشجاعة موضوعية تحسب له بأنها “أصبحت سمة الحياة السياسية في المجتمع البحريني”.
أما الفصول الأخرى، من الثالث حتى الفصل العاشر الأخير، فقد خصص معظمها للقضايا الخليجية والعربية والدولية التي تهم المملكة وتتأثر بها كعضو فاعل في بيئاتها الثلاث المنعوتة (الخليجية والعربية والدولية) ولعل أهم تلك الفصول ذات الصلة الجوهرية المترابطة والمتشابكة مباشرة بالقضايا الداخلية الآنفة الذكر “الفصل الثامن” المخصص لعرض ورسم المشهد الاقتصادي بكل تضاريسه المحلية، و”الفصل العاشر” الأخير الذي يرصد ما جاء في التقارير الدولية المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في البحرين خلال عام 2009، وبضمنها المتخصصة، كتلك المتصلة بحرية الصحافة، والاتجار في البشر، ومؤشر السلام العالمي، ومؤشرات الحكم الصالح، والتمكين التجاري.. إلخ.
ومع ان التقرير قد يؤخذ عليه أنه يطغى عليه الأسلوب المنهجي الذي اتبعه معدوه ما يمكن نعته بـ “عرضحال” حذر لعرض وتشخيص أعراض ومظاهر الحالة البحرينية أكثر من عنايته بتحليلها بما يستشرف آفاق سيرورتها ومقاربة سبل الخروج من معضلاتها فإن الاعتراف بأي حالة وتشخيصها تشخيصا واقعيا وكذا تسمية الأمور بمسمياتها هو في حد ذاته يعد انجازا يمكن البناء عليه لتطوير منهجية التقارير المقبلة.
ولئن كانت ثمة جهة أو مؤسسة رسمية معنية بالاستفادة من منهجية تقرير البحرين الاستراتيجي، بصرف النظر عن نواقصها، التي ــ المنهجية ــ بفضل موضوعيتها نالت إعجاب أو احترام الجميع في داخل البحرين وخارجها فأحسب أن مؤسسة حقوق الإنسان “الوليدة” هي على رأس المؤسسات الرسمية المهمة المعنية بذلك في تقاريرها المقبلة المنتظرة ولا أظن بأنها ستكون أقل شجاعة في الموضوعية من التقرير الاستراتيجي وتقارير ديواني الرقابتين المالية والإدارية.

صحيفة اخبار الخليج
13 يناير 2010

اقرأ المزيد

بناء الكتلة الديمقراطية – 4

في نوع من التحوير لمفهوم الكتلة التاريخية الذي كان أحد الأدوات المفاهيمية في المنظومة المنهجية للمفكر الايطالي انطونيو غرامشي، دعا محمد عابد الجابري إلى إقامة الكتلة التاريخية في البلدان العربية التي تضم اتجاهات وتنظيمات من أهواء سياسية وفكرية مختلفة لانجاز المهام المتفق عليها في المدى التاريخي المنظور.
في بدايات المشروع الإصلاحي في العام 2001 استعار الأخ عبدالله جناحي هذه الفكرة من الجابري داعياً لتطبيقها في البحرين، لكي تشمل هذه الكتلة إضافة الى مكونات التيار الوطني الديمقراطي الاتجاهات الاسلامية الداعية الى الديمقراطية والمؤمنة بها وكذلك ما وصفه الأخ عبدالله بالجناح الاصلاحي في الحكم.
أتت هذه الدعوة في ذلك المناخ المفعم بالتفاؤل والأمل، وشخصياً رأيتُ فيها، يومذاك، محاولة للدفع بالنقاش نحو التأصيل الفكري الذي يتجاوز هواجس السياسة اليومية التي تستغرق الناشطين فيها، فلا يعود بوسعهم رؤية سوى التفاصيل المتلاحقة، دون التبصر كفاية في السياق الذي تندرج فيه، أو يمكن أن تؤدي اليه.
سارت مياه كثيرة تحت الجسور خلال السنوات الماضية، بحيث ان حلم بناء الكتلة التاريخية تجاوزه الزمن، لأنه سرعان ما ظهر أن لكل الذين أظهروا حماسهم لمشروع الإصلاح عند انطلاقته مفهومهم الخاص لهذا الاصلاح، وأن لدى ممثلي هؤلاء من القوى السياسية والاجتماعية والأجهزة الحكومية رؤيتهم وأجندتهم التي لا تتطابق، وربما حتى لا تتقاطع بالضرورة، مع رؤية سواها، بل ان مصلحة بعض هؤلاء تكمن في التعاطي مع المكونات المتفرقة المجزأة، لا مع الكتل الكبيرة الموحدة.
ينقص الدعوة لإقامة الكتلة التاريخية، في ظروفنا اليوم شروط كثيرة، من أهمها وفي مقدمتها عزوف، لا بل ورفض من يفترض أن يكونوا أطرافاً فيها لمثل هذه الفكرة، التي لا يجدون فيها ما يجذبهم طالما كانت المصالح الفئوية الآنية لهم سيجري تأمينها، وهذا ما يحدث بالفعل أمام أعيننا جميعاً.
ولا يقل أهمية عن ذلك ضعف من يفترض فيهم أن يكونوا النواة الصلبة للكتلة التاريخية، فهشاشة هذه النواة تجعل من الفكرة كلها متعذرة، لان هذه النواة، إذا كانت صلبة، هي التي يجب أن توجه الكتلة في الاتجاه الصحيح، اتجاه البناء الديمقراطي العصري بما يستلزمه من حقوق سياسية ودستورية ومن خطط تنموية جادة تحارب الفساد المالي والإداري وتؤمن مصالح الفئات الكادحة الواسعة.
ونعني بهذه النواة التيار الوطني الديمقراطي، المطالب، أولاً، بالتوافق على منطلقات عمل رئيسية، تتطلب من أطرافه حواراً معمقاً وأكثر جدية، وهذا مصدر دعوتنا لبناء الكتلة الديمقراطية التي نراها أولاً: مهمة ممكنة وواقعية، ونراها ثانياً: مهمة ضرورية وملحة، وتتطلب منا جميعاً مقاربة جريئة للتغلب على العوائق التي نراها ذاتية كامنة في تنظيماتنا أكثر مما هي موضوعية، لا بل يصح القول ان الظروف الموضوعية، كما كنا قد أشرنا إلى ذلك في بداية هذه السلسلة من المقالات، باتت أكتر نضجاً وملائمة للشروع في مهمة بناء هذه الكتلة الديمقراطية.
للحديث تتمة غداً
 
صحيفة الايام
13 يناير 2010

اقرأ المزيد

قصيدة الرياح


محمد الفيتوري شاعر سوداني ولد عام 1936 ، وهو من رواد الشعر الحر. درس بالمعهد الديني بالاسكندرية ثم انتقل إلى القاهرةحيث  تخرج فى كلية العلوم بالازهر الشريف.

الشاعر محمد الفيتوري ويده المتعبة أحد المنفيين داخل وطنه حيث لم يعد المنفى مجرد حرمان من العيش على أرض تصالحت معها النفس والروح بل أن تغيب وأنت حاضر… فقليلون هم الذين يعرفون أن الشاعر الذي غنى لأفريقيا وعاش لأفريقيا وسيموت لأفريقيا لم يعد قادرا على الكتابة بيده اليمنى بعد أن شدت أجمل الألحان مسجلة الماضي والحاضر والمستقبل. يد الفيتوري المرتعشة بعد أن أصيب بجلطة دماغية أصبحت تأبى أن تطاوع ترنيمات يمليها عبقر شعره الذي قال عنه  مرة إنه يذهب إليه ولا ينتظر مجيئه عكس الشعراء الآخرين. اسقطت  عنه الجنسية السودانية أيام حكم جعفر النميري عام 1974 بسبب خلافه معه ويقال أن ذلك بسبب قصيدته بمناسبة اعدام النقابي المناضل الشهيد الشفيع احمد الشيخ وتبنته الجماهيرية الليبية و اصدر له جواز سفر ليبى. وعمل مستشارا ً ثقافيا ً في السفارة الليبية بإيطاليا. 

عمل محررا ً أديبا ًبالصحف السودانية و المصرية و اللبنانية، وعين خبيرا ً إعلاميا ً بالجامعة العربية1968- 1970. شغل مناصب عديدة  منها مستشارا ً وسفيرا ً بالسفارة الليبية ببيروت ، ثم مستشارا ًسياسيا ً وإعلاميا ً بسفارة ليبيا بالمغرب.
 
 
 
 
قصيدة الرياح 
  
 




رُبَّمَا لمْ تَزَلْ تلكم الأرض







تسكن صورتها الفلكية







لكن شيئاً على سطحها قدْ تكسَّر







رُبَّمَا ظل بستانُ صيفك







أبْيضَ في العواصف







لكنَّ بْرقَ العواصف







خلف سياجكَ أحْمر







رُبَّمَا كانَ طقسُك ، ناراً مُجوسِيَّةً







في شتاءِ النعاس الذي لا يُفَسَّرْ







رُبَّما كُنْتَ أَصغر







ممَّا رَأَتْ فيكَ تلك النبواءتُ







أَو كنتَ أكْبَرْ







غير أنك تجهل أَنَّك شَاهِدُ عَصْرٍ عتيقْ







وأن نَيازِكَ مِنْ بشرٍ تتحدَّى السماء







وأن مَدَارَ النجوم تغير
!!





هَاقَدْ انطفأتْ شرفاتُ السِّنين







المشِعَّةُ بالسِّحْرِ واللُّؤْلؤ الأَزليِّ







وَأَسْدَلَ قصْرُ الملائكة المنشِدينَ سَتائِرِهُ







وكأنَّ يَداً ضَخْمَةً نسجت







أُفقاً مِنْ شرايينها







في الفضَاءِ السَّدِيمىّ







هَا قَدْ تداخَلَتْ اللُّغَةُ الْمُستحِيلةُ







في جَدَل الشمْسِ وَالظُّلمَات







كأنَّ أصابعَ مِنْ ذَهبٍ تَتَلَمَّسُ







عبر ثقوب التضاريس







إيقَاعَهَا







تَلِْكُمْ الكائِنَاتُ التي تتضوَّعُ في صَمِتَها










لم تُغَادِرُ بَكاراتَها في الصَّبَاح







وَلَمْ تشتعل كرة الثَّلْجُ بَعْد
…!





فَأَيَّةُ مُعْجِزَةٍ في يَدَيْك







وَأَيَّةُ عَاصَفَةٍ في نَهَارِكْ







إنِّي رأيتُ سُقُوطَ الآله







الذي كانَ في بُخارِسْت







كما لوْ بُرْجُ إيفل في ذات يَوْمٍ







كما لوْ طغَى نَهْرُ السِّين







فوْقَ حوائطِ باريسْ







كانَ حَرِيقُ الإله الذي







مَاتَ في بُوخَارِسْتَ عَظيماً







وَكانَ الرَّمادُ عَظِيماً







وَسَالَ دَم’’ بَارد’’ في التُّرَابْ







وَأُوصِدَ بَابْ







وَوُرِبَ بَابْ







وَلكنَّ ثَمَّةَ في بوخارِسْت بلادي أنَا







لا تزولُ الطَّواغِيتْ







أَقْنِعَة’’ تشرِكُ الله في خَلقه







فهي ليستْ تشيخ







وليْسَتْ تَمُوتْ
!





وَقَائمةُ هي ، باسم القضيَّة







وَْأَنْظِمةِ الخطب المِنْبَريَّة







وَحَامِلة’’ هى ، سِرَّ الرِّسَالةُ







وَشَمْسَ العدالةْ







وَقَادِرة’’ هي ، تَمْسَخُ رُوحَ الجمالْ







ولا تعرف الحقَّ







أو تعرف العدل







أوْ تَعرِفُ الاسِتقَاله







وفي بوخارسْت بلادي







أَزْمِنَة تكنِزُ الفَقْرَ خَلفَ خَزَائِنِها







وَسُكون’’ جَرِيحْ







وَأَشبَاحُ مَوْتَى مِنَ الجُوع







تخضرُّ سيقانهم في الرمالْ







وتَيْبَسُ ثُمَّ تقِيحْ
!





وَمَجْد’’ من الكبرياءِ الذليلة







وَالْكذِب العربيِّ الفصيحْ







كأنّك لمْ تأتِ إلاَّ لِكيْ تُشعِلَ النَّارَ







في حطب الشَّرقِ وَحْدك







في حطب الشرقِ وَحْدَكَ







تَأْتِي
..





وَشَمْسُكَ زَيُتُونَة
’’





وَالبَنَفْسَجُ إكليلُ غَارك







ولا شيء في كُتبِ الغَيْبِ غَيرُ قَرَارِك







إنِّي رَأيتُ رِجَالاً







بَنَوْا مِنْ حِجَارة تارِيِخهِمْ وطناً







فَوْقَ حائِط بَرْلين







وَانْحَفَرُوا فيه







ثم تَوَارَواْ وَرَاءَ السِّنين







لكيْ لا يُنَكِّس رَايَتَهُ المَجْدُ يوماً







على قُبَبِ الميِتِّينْ







وكيلاَ تَدُورَ على الأَرْضِ







نَافَورَةُ الدم والياسمين







وفي بُوخَارِسْتَ التي







سَكَبَتْ رُوحَهَا فيك







وَازْدَهَرَتْ في نُقوش إزارِكْ







في بُوخارِسْتَ انتظَارِكْ







سماء’’ تكادُ تَسيل احْمِرَاراً







وَأيدٍ مُقَوِّسَة’’ تَتَعانَقُ خَلْفَ الغيومْ







وَآجُرَّةُ مِنْ تُرابِ النُّجُومْ







تَظَل تُبعثِرُهَا الرِّيحُ






خَلْفَ مَدَارِكْ



اقرأ المزيد