المنشور

لا شيء غير الحق..!

يبدأ الحديث المكتوب عادة بكلمات من نوع: “لا بد”، “مما لا شك فيه”، “من المؤكد أن”، “من الثابت أن”، “لا يختلف اثنان على أن”، أو بكلمات من نوع: “ينبغي”، “يجب”، “من الضروري”.
وليس مطلوباً من أي منا أن يبذل جهداً كبيراً لكي يلاحظ ذلك، تكفي نظرة على خطابنا المكتوب، نظرة سريعة جداً لنخرج بحصيلة وافرة من هذه المفردات سواء في مطالع الكلام أو في خواتمه أو بين ثناياه، فمن النادر أن نجد عبارات أو مفردات تحتمل الشك من نوع: “ربما”، “من الجائز”، “من المحتمل”.
لو دقق المرء في أمر استخدام هذا النوع من المصطلحات لوجد أن باعثه مستقر في العقل الباطن تعبيراً عن حقيقة أننا، وبنسبٍ تزيد أو تقل نتاج ثقافة اليقين. ونعني باليقين هذا الشعور بان ما نراه أو نفكر فيه هو الحقيقة المطلقة، لأنك حين تقول: “أنه لا يختلف اثنان على أن..” الخ، تكون قد جزمت بأنه ليس من حق الثاني، أو الآخر حسب التعبير الشائع أن يختلف معك، لأنك تكون قد قررت سلفاً إن ما تقوله هو الحق، ولا شيء غير الحق.
هناك خطر في ثقافة البداهة هذه، القائمة على التسليم بما نظنه أمراً أو أموراً بديهية أو مسلماً بها، والركون إلى البداهة يشل الفكر، يعطل قابلية المرء في أن يعيد النظر في ما سمعه أو تعوّد عليه، ويقدم له “الحقائق” جاهزة، وليس من شأن الحقيقة أن تكون جاهزة أو منجزة أبداً، الحقيقة تُبنى عبر التجربة والممارسة الذهنية والعملية الدائمة، المنتظمة، المستمرة، وهي ممارسة تفرض أو تقتضي المراجعة الدائمة للأحكام، لتدقيقها وتطويرها وتخليصها من الشوائب والزوائد، وتجديدها وتحريرها من الوهن الذي انتابها.
هل لهذا الكلام من مناسبة؟!
الحق، أن ليس له من مناسبة خاصة، ولا علاقة بحالة هنا أو حالة هناك. إنه ذو صلة بواقعٍ عامٍ نعيشه ويعاني منه خطابنا العربي عامة، وليس الخطاب المكتوب اليوم يختلف في شيء عن هذا الخطاب الشائع منذ زمن أو منفصلاً عنه، إنه قطعة من القماش الأكبر ويحمل الجينات نفسها. وفي واقعٍ متحولٍ، متغير كالذي نعيشه اليوم تتضاعف الحاجة لتحرير تكفيرنا من قيد البداهة والمسلمات والوصفات الجاهزة، والسعي لاجتراح مقولات جديدة نتاج هذا الظرف الجديد أو المتحول.
ولا يقف الأمر عند حدود المفردات أو العبارات، بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك لأن اللغة في أكثر تعريفاتها انتشاراً هي وعاء للتفكير، أي أنها تشي بنمط هذا التفكير ومستواه وأبعاده. الأمر أبعد من المفردات، إنه يتصل بنسق التفكير، بسياقه ومنهجه.
 
صحيفة الايام
9 يناير 2010

اقرأ المزيد

“التنمبه” بدعـة صهيونية!


سادت حقبتي الستينيات والسبعينيات أحلام رومانسية تتعلق بالوحدة العربية والأممية، وإلغاء الطبقات والقضاء على الطائفية السياسية.
إلا أن سلسلة الهزائم التي تعرضت لها حركات التحرر العربي بدءا بهزيمة سبعة وستين ووصلواً إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، وما انتجاه في المقابل من  تنامي ظاهرة الإسلام السياسي، وسيادة القطب الواحد، واتساع نفوذ النظم الاستبدادية، كل تلك العوامل جعلت تلك الأحلام الرومانسية تتبدد – أو ربما – تتوارى مؤقتاً.

لقد أدى سقوط مشروع التحرر العربي بفهومه الأوسع الذي يتصل بتحرير الأنظمة من دكتاتوريتها، إلى اتجاهات جديدة توكل كل أحلام التغيير  إلى الغيب، تزامن ذلك مع تنامي الفساد والمحسوبية واتساع الهوة الطائفية، وقمع الشعوب وإفقارها، حتى وصل المواطن العربي إلى مرحلة غاب عن طابعها تلك الأحلام المتعلقة بالنهضة والحرية، وسادت في المقابل النزعة الفردية.

كان المواطن العربي يحلم بإلغاء الطبقية والطائفية، وبالعدالة والمساواة، وبتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما الآن فهو يطمح إلى الحصول على كل ما من شأنه تنمية ذاته كالحصول على وظيفة ودخل مجزي، وتعليم أبنائه في مدارس خاصة، والسفر سنوياً إلى أوروبا، دون أن يكترث إلى المفهوم الجماعي للنهضة، بل أن اللهث اليومي إلى لقمة العيش والانجرار وراء الكماليات جعل الكثيرين يتجهون إلى طأطأة الرؤوس والتورط في الفساد . 

 ولم تلق الطبقات الكادحة وهي التي تعاني من الفقر والإذلال سبيلاً سوى كرة القدم لتعبر من خلالها عن وطنيتها – أو ربما – عصبيتها، فأصبحت الشعوب ترى في فوز منتخب بلادها نصراً يعوضها عن تحرير الأراضي الفلسطينية أو حلم الوحدة العربية أو الاشتراكية وغيرها من سلسلة الأحلام المُحبطة. كان خير دليل على شدة التمزق العربي الأحداث التي ارتبطت بمباراتي مصر والجزائر الفاصلتين والمؤهلتين إلى كأس العالم لكرة القدم. لقد تفنن جمهور الفريقين خلال تلك المباراتين سواء تلك التي أقيمت في مصر أو التي أقيمت في الجزائر في فرط التعبير عن “وطنيتهم” وكأن الحلم العربي بات على مشارف التحقق.

رفع الشعبان أعلام وطنهما ودقت أجراس الحرب التي بدأت بسلسلة الاتهامات والشتم والتخوين في مختلف وسائل الإعلام،  ووصل  الشحن إلى التشفي بهزيمة مصر عام   1967، التي ردت عليها الجماهير المصرية بمعايرة الشعب الجزائري على دعم نظام الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر للثوار الجزائريين بعد أن كانوا “عبيداً” لدى الاستعمار الفرنسي، حسب تعبير الجمهور المصري، ثم شكك الجمهور المصري بالهوية العربية للشعب الجزائري الذي “لا يجيد نطق اللغة العربية بقدر ما يجيد اللغة الفرنسية”.

هذه الحرب استمرت لتشمل التعدي على مصالح البلدين حيث طال التخريب مصالح مصرية في الجزائر، وأستدعت مصر سفير الجزائر بالقاهرة، وهدد البلدان بقطع علاقاتهما الدبلوماسية، مما دعى الأمين العام للجامعة العربية التصريح بأنه بصدد  التدخل لحل – الأزمة -، في الوقت الذي تقف فيه الجامعة العربية عاجزة  عن حل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تحيق بالدول الأعضاء بدءا باحتلال الأراضي الفلسطينية والعراقية، ووصولاً إلى غياب المشروع العربي المشترك. أن الأزمة ليست أزمة كرة قدم كما قد يعتقد الغالبية العظمة من المتتبعين، إنما هي ظاهرة ترتبط بصلب الأزمة السياسية التي بلغها مشروع التضامن العربي بعد سنوات من القمع والإذلال والتبعية. 

 لن نقول كما قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حينما تحدث إلى جماهيره قائلاً ” يابه قط سمعت عن منتخب الكيان الصهيوني المحتل واصل إلى كاس العالم.. يابه هذي التنمبه (كرة القدم) بدعه اخترعوها الأمريكان والصهاينة ليخدعوا الأمة العربية والإسلامية”.

إن الواقع يشير إلى أن البدعة هي ما يصطلح بـ”الأمة العربية” حيث أن للأمم شروط تتصل بكيان إقتصادي وسياسي مشترك ضارب الجذور منافس للكيانات السياسية والإقتصادية العالمية، إنما “أمتنا” فليس لها سوى اللهث وراء كرة القدم فهي البديل المتاح، علها تعيننا على اللهو عن هزائمنا المتتالية.

اقرأ المزيد

الطبقة العاملة الهندية في البحرين (2)

إذا كانت الأرقامُ بشأنِ أعداد العمال وأجورهم تسبحُ في غموضٍ كبير، فإن الأرباح الناتجة عن أعمالهم تقع في الجانب المعتم من القمر.
وقد حاولتْ العمالةُ الهندية تغيير أجورها المتدنية للوصول إلى مبلغ مائة دينار كحد أدنى للرواتب خاصة في قطاع الإنشاءات والمقاولات، وهو الجسم العمالي المنهك في عمل صعب وخطر.
في إحدى المواجهات الاجتماعية بين المقاولين وعمال بناء الجزر والإنشاءات السياحية الخرافية، طالب العمالُ بتغييرِ رواتبهم إلى مائة دينار شهرياً فقط ولا غير.
يقولُ أحدُ المقاولين إن عدد العمال الذين يعملون في شركته من الهنود يبلغ 800 عامل ومعهم 300 عامل بحريني، وان توقف العمال يوما واحدا يؤدي إلى خسائر تبلغ 150 ألف دينار، ويذكر أن أغلب أعماله(مشاريع عامة للحكومة).
ضخامةُ أموالٍ تُستثمر في مثل هذه القطاعات البنائية الدائمة والمتبدلة التي لا تنتهي فهي (الحلابة الكبيرة للميزانية)، وأجور هزيلة للعمال ومخاطر العمل لا تتوقف، فلماذا التناقض الحاد؟
ولعل مقاربة السفير الهندي لأوضاع العمال الهنود تعطينا صورة تقريبية لأوضاعهم:
(أشار السفير إلى أن “حصة الهند من العمالة الأجنبية في منطقة الخليج هي الأكبر مقارنة ببقية الجنسيات، إلا أنها تعتبر الأقل في البحرين، حيث لا يتعدى حجمها 350 ألف مواطن هندي، 280 ألفا منهم عمال، فيما تقدر العمالة في السعودية بـ 15 مليون شخص.
واعتبر ان ما نسبته 90% من العمالة التي تصل إلى البحرين غير مؤهلة وتعمل في القطاعات التي ليست بحاجة إلى مؤهلات ومهارات عالية)، (جريدة الوقت).
هذه إحصائيات أخرى وأرقام مختلفة، فكل جهة لديها أرقامها بشأن هذه الظاهرة العائمة، وعلينا هنا أن نرى كيفية تجريد ظاهرة العمال من طبيعتهم الإنسانية، فهم مجردُ قوى ومواد خام تُنقل من بلدٍ إلى آخر، فلا نعرفُ الجهات التي تقومُ بعملية النقل المتدنية هذه، وكيف تستفيد من مثل هذا الشحن العائم، وكيف لا يتم تحديد أجورهم من البداية، أي قبل شحنهم، وكيف يُسمح بذلك؟!
(وقدّر السفير جوزيف عدد الشكاوى العمالية التي تلقتها الوزارة في السنوات الثلاث الماضية بـ “10 آلاف و500 شكوى”، مستدركاً “إلا أننا سعينا إلى حل ما يقارب الـ90% منها، فيما تبقى النسبة المتبقية في أروقة المحاكم ونعتقد أنها في طريقها للحل”.
وأشار إلى أن “أغلب الشكاوى تتركز في قطاع الإنشاءات، وهي عدم دفع الأجور بانتظام أو عدم دفعها مطلقاً، أما في بقية القطاعات فهناك شكاوى ولكن أقل حجماً”، المصدر السابق.
فليس ان تلك السلع لا ترفعُ أجورها لدى القوى الإنشائية والمقاولاتية المتنفذة بل ان هذه الأجور لا تدفع في كثير من الأحيان!
وتضيع أوقات العمال بين أروقة المحاكم والبحث عن أجورهم وبين العمل المنهك.
و يضيف سعادة السفير الهندي:
“هناك جهود تبذلها الحكومة الهندية لتوعية العمال قبل وصولهم إلى الدول المستقبلة للعمالة، عبر النشرات الإعلانية في التلفزيون والإذاعة التي تؤكد لهم بضرورة الذهاب إلى المحاكم من أجل تحصيل حقوقهم في حالة انتهاكها والتنسيق مع السفارة، إلا أن الهند تبقى بلداً كبيراً ومساحاته شاسعة، فضلاً عن وجود ما يقارب 280 لغة ولهجة رسمية، وبالتالي من الصعوبة تغطية جميع هذه الفئات”.
أي أن تحصيل حقوقهم ومعيشتهم تبقى صعبة على ضفتي البلدين المصدر والمستقبل، وأغلب الروايات تعيدُ ذلك للقوى المتنفذة في هذه المجتمعات التي لديها قدرة على جلب العمالة عبر التأشيرات الحرة، واستغلالها في الأسواق بشتى الطرق، وهذا جانب لم يتم توضيحه من خلال الصحافة والبرلمان والبلديات حتى الآن.
ولا تعتمد هذه القوى المتنفذة على معايير محددة إلا معيار المنفعة وتحصيل الأرباح.
في حين ان تعامل الشركات الكبيرة خاصة مع هؤلاء العمال يتم من خلال العقود، وتحديد الحقوق، وينطبق هذا بشكل خاص على العمالة الماهرة والموظفين الإداريين، وتظهر المناطق المعتمة في حياة البروليتاريا، هذه الفئات المحدودة الأجور والحقوق، وتتحجم حقوقهم في الشركات الصغيرة، وتضيع أو تصغر في عالم التأشيرات الحرة ولدى أرباب العمل الأفراد والصغار ولدى أصحاب العمل في الزراعة وفي البيوت.
أما في الجوانب النقابية والسياسية فهي تعكس حالة القوى الاجتماعية البحرينية، وتبدو نظرة الخوف من وجود هؤلاء العمال الأجانب، بدوافع دينية وقومية، فتتصور جماعاتٌ معينة ان هؤلاء العمال الأجانب يمثلون خطراً على الوجود القومي أو على الوضع الديني، وهو أمرٌ فيه بعض الصواب مع غياب الاستراتيجية السياسية في التعامل مع هؤلاء البشر المستخدمين بأشكال استغلالية فظة، وذوي تضارب مع السكان في العقيدة والعادات والتقاليد ومستويات العيش، فهم يسعون للتجذر في هذه المجتمعات والوصول إلى حياة أفضل، وهذه أمور يترتب عليها نمو لغاتهم وحقوقهم وحصولهم على مواقع عيش وسكن وحقوق نقابية وسياسية، فتحدث صراعات بين الأهالي وهؤلاء العمال على مواد العيش، وعلى الحقوق.
لكن في المجال النقابي وفي الرؤية السياسية تغدو هذه نظرات ضيقة، لكون الدفاع النقابي عن حقوق هؤلاء العمال، وتحسين مساكنهم وأجورهم، يؤدي إلى تطور أوضاعهم المادية والاجتماعية، ويؤدي إلى تقلص وجودهم الكثيف وحضورهم غير المنظم والفوضوي. وبدلاً من أن يجري الصراع بين العمال أنفسهم ينبغي أن توضع الكرة في ملاعب الوزارات والشركات وأرباب العمل المسؤولين عن استيراد هؤلاء العمال وتكديس الأرباح من عملهم.
إن غياب درس حياة هؤلاء العمال يقود إلى مواقف سياسية محدودة كما نرى في البرلمان ووزارة العمل والنقابات.
 
صحيفة اخبار الخليج
7 يناير 2010

اقرأ المزيد

بناء الكتلة الديمقراطية – 3

رب قائل: كم يشكل عدد أعضاء الجمعيات السياسية ذات الاتجاه الوطني – الديمقراطي، أو في عبارة أوضح: لو جمعنا عدد أعضاء «التقدمي» و«وعد» و«القومي» مجتمعين فكم سيبلغ العدد كاملاً، ومرمى السؤال واضح، أن العدد سيظل في كل الأحوال متواضعاً، لن يتجاوز الألف وربما أكثر قليلا، فهل هذا العدد جدير بأن يشكل الكتلة الديمقراطية التي ندعو لبنائها؟ المشكلة ان هذا المعيار الكمي في التحليل لا يطلقه خصوم التيار الديمقراطي أو المختلفين معه، سياسياً وفكرياً،وحدهم، وإنما يردده بعض منتسبي هذا التيار أنفسهم ، ليصلوا إلى خلاصة عدم جدوى التفكير في توحيد، أو حتى تنسيق، جهود مكونات هذا التيار. قرأت مرة للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في المغرب اسماعيل العلوي اشارة نابهة على صلة بهذا الموضوع، وهو يتحدث عن واقع المغرب، وهو بالمناسبة واقع يشبه واقعنا في العديد من التفاصيل. يقول العلوي:«ان العبرة في التحالفات ليست في التضخيم المصطنع للتنظيمات وأعداد المناضلين، بل المبتغى هو ما ينتج عن دينامية الوحدة من حركية مجتمعية منفتحة على المستقبل، بمقدورها صهر مجهودات مناضلات ومناضلين ينحدرون من آفاق مختلفة، في قوة مادية موحدة، تمكن من تأطير وقيادة الحركة الاجتماعية من أجل التغيير». يمكن أن نضيف على هذا القول ان ما يبدو من ضعف عددي ظاهر في بنية الجمعيات الديمقراطية في البحرين لا يعبر عن كامل الصورة، فوراء هذا العدد المحدود نسبياً، يوجد سياج واسع من المؤيدين والمناصرين والأعضاء السابقين في التنظيمات الوطنية، إضافة الى قطاعات من النساء والشبيبة والطلبة والتكنوقراط والمثقفين وسواهم ممن يُعدون موضوعياً قاعدة اجتماعية، وانتخابية كذلك، للتيار الديمقراطي، بحاجة إلى استنهاض، وهي قابلة لمثل هذا الاستنهاض حين تلتفت فتجد قطباً ديمقراطياً موحداً ماثلاً أمامها، كما أشرنا في حديثنا أمس. تيار الحركة الوطنية الديمقراطية في البحرين قوي أيضاً بأمر آخر، هو الثقل النوعي الذي يمثله بما يمتلكه من كوادر وكفاءات وطاقات بشرية لا تتوفر عليها التيارات الأخرى، فبحكم الرؤية العصرية المتفتحة لهذا التيار، وتملكه لأدوات المعرفة والتحليل العلمي فانه أجدر واقدر من سواه من تيارات على تشخيص الواقع القائم واجتاح الاقتراحات والبرامج والحلول للتغلب على معضلات هذا الواقع سياسياً وتنموياً وثقافياً. على التيار الديمقراطي أن يلتفت بعناية وجدية للمطالبات التي تُوجه اليه من قطاعات مجتمعية آخذة في التزايد، ومن كتاب الرأي في الصحافة المحلية ومن مؤسسات المجتمع المدني بأن يتقدم لتبوء الدور المنتظر منه، فيبعد ثماني سنوات من التجربة النيابية التي هيمن الإسلام السياسي فيها على المشهد البرلماني، انكشفت الكثير من أوجه القصور في أداء كتله، ومحدودية الأفق الذي يمكن أن تذهب اليه. والأخطر من ذلك المخاطر التي تحملها برامج هذه الكتل على تراث الانفتاح والتقدم في المجتمع البحريني الذي كابدت أجيال من البحرينيين في سبيل بلوغه، فوجدنا السلطة التشريعية في قوامها الغالب تتأهب للارتداد عليه مستخدمة ما لديها من وسائل تأثير وابتزاز، ولنا في طبيعة الانشغالات البرلمانية على مدار هذه السنوات ما يؤكد جدية ما نقول. للحديث تتمة.
 
صحيفة الايام
7 ينانير 2010

اقرأ المزيد

الطبقة العاملة الهندية في البحرين

يزيد عدد أفراد الطبقة العاملة الهندية في البحرين على ثلاثمائة ألف، فيُعتبرون أكبر قوة سكانية منتجة.
وقد ذكرتْ وزيرة الشؤون الاجتماعية البحرينية أنه على (الرغم من مساحة البحرين التي تبلغ 740 كيلومترا مربعا فإن العمالة التعاقدية التي تردُ البحرينَ من آسيا وخاصة الهند تمثلُ خمسين بالمائة من عدد السكان، البالغ مليون نسمة، كما تشكلُ العمالةُ التعاقدية من النساء 31 في المائة من عدد العمالة الأجنبية)، الوسط، 3 ديسمبر، .2009
وتقول وكالة فرانس برس:(ووفق أرقام رسمية فان عدد العمال الاجانب في البحرين يصل الى 270 الفاً غالبيتهم الساحقة من الهنود وهم يعتبرون عمالاً غير مهرة).
تعبرُ هذه الأرقامُ المتضاربة المتنوعة بين المسئولين والمستثمرين والصحافة، كما سنرى بشكل أوضح لاحقاً، عن عدم الدقة في تسجيل هذه الظاهرة الاجتماعية (المائعة)، وهي الدجاجة الكبيرة التي تفقسُ البيضَ الذهبي لقوى الاستثمار المتنوع، ونحن هنا في بداية المشكلة حيث لا تمتلكُ الأجهزة المختصة سجلاً دقيقاً كاملاً عن هؤلاء البشر، من هم؟ وما هي أسماؤهم الحقيقية غير المزورة بشتى طرق التحايل، ومدى صحة البيانات التي يقدمونها؟ وأين سيعملون؟ وماذا سيكون دخلهم الفعلي؟ ومن هو رب العمل الثابت؟ وما هي شروط السكن؟ وغير هذا من جوانب تعبر عن الوجود الغامض الكبير لهذه الظاهرة البشرية.
إن وجود الإحصائيات الدقيقة والدراسات عنها في جوانب هذه الظاهرة كافة، هي التي سوف تعطينا إمكانية فهمها أولاً والسيطرة عليها ثانياً، من قبل مختلف الفرقاء الوطنيين والإنسانيين كذلك.
تقدم جمعية المقاولين البحرينية أرقاماً أخرى ولكنها مهمة لمقاربة أعداد العمالة الأجنبية وتوزيعاتها الاقتصادية الهيكلية العامة:
(حسب الإحصائيات المتوافرة لدى جمعية المقاولين البحرينية فإن إجمالي العمالة الأجنبية في مملكة البحرين يصل إلى 500 ألف عامل موزعين على 270 ألف عامل من الهنود الذين يعمل منهم 200 ألف في قطاع المقاولات والإنشاءات و70 ألفا في مختلف القطاعات الأخرى، و230 ألف عامل ما بين العمالة الباكستانية والبنغالية الذين يعملون في قطاع المقاولات والإنشاءات.
عموماً يبلغُ العددُ الأجمالي للطبقة العاملة الهندية في الخليج 12 مليون فرد، ويحولون مالياً ما قيمتهُ 26 مليار دولار سنوياً ويعتبر هذا الدخل مهماً بشكل كبير للاقتصاد الهندي حسبما ذكره الخبير الاقتصادي حسين المهدي، لكنه يمثل نزيفاً اقتصادياً حسبما يفترضه كاتب هذه السطور.
من الواضح ان ثمة ضخامة (غريبة) في أعداد العمال الأجانب في قطاع الإنشاءات، فهم يشكلون أغلبية العمال الأجانب عامة، وهذا تعبيرٌ كذلك عن البُنى التحتية التي لا تتوقف ولا تصلُ إلى أن تكون بُنى تحتية راسخة ودائمة فهي تتغيرُ وتصيرُ غير أساسية بعد بضع سنوات أو حتى بضعة شهور، وهي موقعُ العمال الأجانب الرئيسي ومنبع التداخل بين الرأسمال الحكومي والرأسمال الخاص، ومن المؤكد انها كذلك تمثل البقعة الاقتصادية التي لا تتمتع بشفافية كافية.
من خلال الرصد الاجتماعي الأولي نجد ان ثمة أربع شرائح أساسية من العمال الهنود في البحرين، الأولى هي الشريحة التي تعمل بلا أجر محدد، وهي فئة سائبة، غير معروفة أحوالها في الدخول إلى البلد، وأغلبها من النساء اللواتي يعملن في المنازل و الفنادق والخدمة، ويستقدمهن أزواج أو اخوة ويتركونهن يعملن في تلك البيوت والمؤسسات، ويحصلن على أجور أو إكراميات من الزبائن، وليست لهن أي حقوق، ويعشن مع أهلهن في بيوت جماعية.
أما الشريحة الثانية فهي البروليتاريا المعدمة وأجورها لا تزيد على خمسين ديناراً، وتأتي للعمل في أشغال متدنية، بأشكالٍ كثيرةٍ متعددة، ولدى الرساميل الصغيرة المتنوعة كذلك.
والشريحة الثالثة وهي العمال الأفضل أجوراً والأقرب لأن يكونوا فنيين وتقنيين، وهم يقتربون من أجر يبلغ مائتي دينار، لكن الإيجار والطعام يقتطعان جزءاً كبيراً من تلك الأجور.
والشريحة الرابعة هم الإداريون والفنيون المتعاقدون من شركات وبنوك، وأجورهم أعلى، وذوو عيش أفضل.
أكبر الشرائح عدداً هي الثلاثُ الأوَل، وهو أمرٌ يعبرُ عن الطابع (المتدني) لمهنية هذه العمالة.
إضافة لهذه الفئات الثابتة من العمال الهنود سنجدُ العمالَ غير الثابتين وهم عمال المقاولات والمشروعات الإنشائية المؤقتة الذين يعملون في ظروف عمل سيئة وقاسية، وهم أغلبية العمال الأجانب عامة والهنود خاصة، وهذه الفئة المتجمعة في أماكنِ عملٍ وإنتاج كبيرة، والمرتبطة بعقود، مغايرة للعمال الهنود المتناثرين كعمال خدمة وعمال أجانب في محيط بحريني، ولهذا استطاع أولئك العمال تغيير أجورهم وظروفهم بسرعة أكبر، وقاموا بإضرابات مؤثرة في أرباب العمل سواء كانوا شركات خاصة أو قوى أرباب عمل مرتبطة بالوزارات.
إن تشكل الطبقة العاملة الهندية في البحرين له تاريخ طويل، فقد تشكلت علاقات اقتصادية وسياسية مع الولايات المصدرة للطاقة البشرية المنتجة الهندية منذ عقود طويلة، خاصة ولاية كيرالا، التي قدمت عمالاً ذوي مستوى سياسي أكثر تطوراً من بقية العمال الأجانب.
ثم توسعت العلاقات مع العمال الأجانب وتدفقت بصور كبيرة، وشكلت البُنى التحتية المتغيرة دائماً، والإنجازات الكبرى في البنايات والمعمار العمراني، ووصلت كذلك إلى الفوضوية والاستغلال الكبير وإلى عدم التخطيط، وسنرى صوراً من ذلك لاحقاً.

صحيفة اخبار الخليج
6 يناير 2010

اقرأ المزيد

بناء الكتلة الديمقراطية – 2

الحديث عن بناء الكتلة الديمقراطية ينطلق من معطيات موضوعية على درجة كافية من الصلابة، التي تجعل من هذه المهمة مهمة ممكنة، بمقدار ما هي ضرورية. ومن تلك المعطيات الأرضية التاريخية الممتدة للحركة الوطنية والديمقراطية البحرينية بأفقها الحداثي، وهي أرضية تشكلت على مدار أكثر من نصف قرن، اذا تحدثنا عن نشوء التنظيمات والاتجاهات الوطنية، اليسارية منها والقومية، وفي تاريخ العلاقة بين هذه التنظيمات هناك محطات من التعاون والتنسيق، وربما حتى التحالف أيضا، رغم ان هذه العلاقة شابتها، أيضاً، الكثير من أوجه الاحتكاك والتوتر، الراجعة إما الى اختلاف التقديرات السياسية أو الى المنافسة الحزبية حين تطغى المفاهيم الضيقة على الأفق الواسع للتعاون. لكن في الاجمال يمكن القول ان الأرضية الجامعة للتيار الوطني الديمقراطي تشكلت عبر مسار تاريخي جمع مناضلي مكونات هذا التيار في محطات النضال، وفي زنازين السجون وفي المنافي، وجميعهم كذلك في طبيعة البرنامج الحداثي الذي قدمته تنظيماتهم للمجتمع، من حيث هو برنامج بناء البحرين الحديثة، الديمقراطية، الملبية لحقوق مواطنيها والضامنة لكرامتهم، ومن حيث هو برنامج انصاف المرأة ومساواتها، ومن حيث هو برنامج الانفتاح على العصر وعلى المستقبل، ومن حيث هو برنامج الارتباط بحركة التحرر الوطني والقومي والاجتماعي العربية، وبالحركة التقدمية والديمقراطية في العالم المناضلة ضد الاستعمار وأشكال الهيمنة والاستبداد ونهب ثروات الشعوب. معطى آخر يصب في هذا السياق هو تمايز الحركة الوطنية الديمقراطية في إطار المعارضة بشمولية تمثيلها للشعب بكافة مكوناته. صحيح ان المعارضة، في ظروف اليوم خاصة، هي على درجة من الاتساع بحيث لم تعد مقتصرة على الحركة الوطنية وحدها كما كان عليه الحال في الستينات والسبعينات، وان هناك قضايا ذات طبيعة سياسية ومعيشية تجمع بين فرقاء هذه المعارضة، ولكن القوى التي دخلت صفوف المعارضة في العقدين الأخيرين، ظلت وستظل لأسباب موضوعية معلومة غير قادرة على كسر الشرنقة الطائفية والمذهبية التي تطوقها، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تقدم خطاباً جامعاً للشعب كله، وهذه طبيعة ملازمة لحركات الاسلام السياسي كلها، لا في البحرين وحدها وإنما في العالمين العربي والاسلامي عامة، فكلما ازدادت هذه التيارات»اسلاموية» أوغلت في فئويتها المذهبية. في ظروف الانقسام الطائفي التي تزداد تفاقماً اليوم، فان الأنظار تتوجه نحو القوى القادرة على تجاوز هذا الانقسام، وفي ذاكرة البحرينيين تظل تجربة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات وتجربة التنظيمات اليسارية والقومية منذ منتصف الخمسينات مثالا للبديل المرتجى، حيث تعقد الآمال عليه لإعادة اللحمة للصف الشعبي العام. لكن هذا لن يتحقق من تلقاء ذاته. صحيح أن التنظيمات اليسارية والقومية والقوى الليبرالية عامة موجودة في المجتمع، وهي معروفة لدى الناس، ولكن الناس يبحثون عن قطب كبير يتجمعون حوله، وهذا القطب الكبير ليس موجوداً في أي من تنظيمات التيار الديمقراطي القائمة، فمع التقدير للجهد الكبير الذي يقوم به كل تنظيم من تنظيماتنا الديمقراطية، ألا أننا نظل، جميعاً، قوى صغيرة، بحاجة لأن تكفل جهودها في الكتلة الديمقراطية التي نحن بصدد الحديث عنها. نكمل غداً.
 
صحيفة الايام
6 يناير 2010

اقرأ المزيد

حـلم “برلمان الشـباب”


أطلّ علينا أحد نواب الشعب الأفاضل بتصريح في إحدى الصحف المحلية بضرورة تأجيل موعد تنفيذ مشروع برلمان الشباب، والمشروع هذا بمثابة حلم لجميع الشباب البحريني. لقد أصبح هاجس عدم تنفيذ هذا الحلم يراود كل مهتم بالشأن الشبابي في المملكة، فمع صدور قانون تنفيذ المشروع منذ حوالي الخمس سنوات وإلى يومنا هذا، نسمع بتأجيل تنفيذ هذا المشروع الذي لا ندري هل هو مجرد مشروع حبر على ورق، أم أنّ هناك نية تنفيذه على أرض الواقع؟ 

 فمنذ القمة الأولى للجمعيات الشبابية والشباب يطالبون بتفعيل هذا المشروع إلى أن وصلنا للقمة الأخيرة وأيضا خرجت القمة بتوصية تنفيذ المشروع وإلى الآن لم نسمع بأي تقدم يذكر، فمع نقل الجهة المسئولة عن التنفيذ من المؤسسة العامة للشباب والرياضة إلى معهد البحرين للتنمية السياسية، فقد استبشرنا خيراً بتحرك الموضوع للوصول إلى التنفيذ. صحيح إن المعهد قد شكل هيئة استشارية شبابية مشكلة من جميع الجمعيات والهيئات الشبابية المسجلة تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية، وأن هذه الهيئة قد تم تفعيلها وخصوصاً بعد تبني المعهد رعاية القمة الشبابية الأخيرة، كما نظم المعهد  جولة استطلاعية بوفد شبابي من أعضاء الهيئة الشبابية  إلى المملكة المغربية للاطلاع على تجربة سير برلمان الشباب لديهم وقد كنت ضمن الوفد الزائر، حيث كانت الجولة مفيدة ومثمرة للاطلاع على التجربة في دول الجوار للاستفادة منها في تنفيذ الفكرة في مملكتنا الحبيبة. 

 إلا أن  هناك أشخاصاً لا يريدون لهذا المشروع أن يرى النور، فبعد تدهور الوضع في معهد التنمية السياسية وموضوع إعادة هيكلته الذي لا ندري هل ستواصل الهيئة الشبابية مباشرة عملها في تنفيذ المشاريع التي تهم الشباب كمشروع برلمان الشباب، أم إنها قد انتهت.
لقد اطلعنا سعادة النائب بضرورة التأجيل ولكن لم يطلعنا عن أسباب التأجيل، وهل سيؤجل إلى فصلين تشريعين كما صرح أم أنه سيدفن إلى الأبد؟ 

 الجمعيات الشبابية وجميع الجهات والتكتلات الشبابية في المملكة تود أن ينفذ هذا المشروع بأسرع وقت ممكن وليس تأجيله. يا سعادة النائب لا تنسى أنك تمثل الشعب في المجلس ومن ضمن الذين تمثلهم شريحة كبيرة من فئة الشباب وحلمهم هو تنفيذ المشروع، أعتقد أنه يجب عليك مراجعة مقترحاتك وتصريحاتك والاستعداد للفرقعة الإعلامية بأن برلمان 2010 على الأبواب!
 

اقرأ المزيد

النضال السلمي بلا حـدود


فيما تصر قوى العنف على القنابل النووية ووضعنا في مضمار قتل ضيق، تعمل قوى النضال السلمية بضعف وتشتت وحيرة.
والسبب يعودُ لعقليتها العنفية المضمرة.

النضال السلمي لا حدود له، يوسع الأفق السياسي، يقوي ويقرب الخصوم، ينتج أساليب تقدم مستمرة، يحرر الشعوب وهي مقاربة لحالات تطور.

تعبرُ الجزائرُ عن فخرِها بثورة المليون ونصف المليون شهيد وكان يجب أن تقتدي وتفكرَ بعمقٍ لماذا حدثت هذه المأساة المروعة وبذلت كل هؤلاء الضحايا؟ فكرْ لو أن هؤلاء كانوا اخوتك، ماذا كنتَ ستشعرُ في هذا المصاب؟
ثم لم يترك الجزائريون فرنسا الاستعمارية وذهبوا إليها عاملين بظروف قاسية كأنهم لا يريدون ترك مستعمريهم المتقدمين الذين افتقدوا حضورهم في بلادهم المحررة.

لم يسأل خوارج الحاضر عن تأسيس المغرب الأوسط من قبل خوارج الماضي، فهو تاريخُ حدةٍ سياسية لم يجرِ فيه سلمٌ حضاري طويل.
عنزةُ غاندي كانت أكثر أهمية من مدافع الباكستان، وفي حين تصعدُ الهندُ إلى قمم التقدم الاقتصادي تتفككُ وتتمزق الباكستان ويكون فيها الأبطال أجساماً مفخخة وقتلى بجنون ولا أحدٌ يأبهُ لاحتضارِها السياسي.

لماذا لا تستفيدون من تجربة الاحتلال الإسرائيلي البغيض؟ هو مفيدٌ في جوانب لكم، يعلمكم كيف تتشربون وتتجاوزون اليهود في اقتصادهم وتقنياتهم ومعلوماتهم، هذه فرصتكم للتعلم من أكثر قوى الاستغلال في العالم ذكاءً، وهم أكثر المدارس خطورة ودهاءً في تاريخ الإنسانية، فحولوا شبابكم لعلماء وتقنيين، وحولوا متاجركم البائسة لمصانع صغيرة للمعلومات والتقنية، وأنتم أكثر نسلاً منهم ولستم أكثر ثقافة منهم حتى الآن، ولا تجعلوا المقاومة الدموية هي طريقكم فإنها استمرار للاستعمار وقضاء عليكم، وقد سبح اليهودُ في بحر التقدم الغربي وكان معهم رأس المال الطويل المكين، وعددهم ضئيل ونوعي متطور فوقفوا على رأس العالم الرأسمالي المسيطر على الكرة الأرضية وهم أقل الشعوب عدداً.
ألم نشبع من تاريخ التشنج؟

ولهذا فإن جماعات “النضال” في الجزيرة العربية والخليج يقضون على سبل التطور الوفيرة الغنية في المنطقة، فليست لهم من طرائق التغيير سوى الحرائق والدماء والسيارات المفخخة، والمذابح، وصارت القاعدة بطلة في المدارس الثانوية، وهي تحضرُ المزيدَ من قوى العسكر الغربيين إلى بيوت المحصنات المسلمات.

ضعْ قنبلةً واهرب وتقضي على الاستعمار والعدو وتحرر المسلمين وتنصرهم على أعدائهم الكفرة.
جملٌ سهلةٌ تدغدغُ عقولَ المراهقين وتطيرُ بهم في سماء البطولات، ويقتربون من أبطال المسلمين والمجاهدين والسلف، ولكنهم لا يفعلون سوى تمزيق هذه الدول، وزرع القواعد فيها، ونهب ثرواتها بتقوية الجيوش وتضخيم الميزانيات العسكرية، ولا يدرون أنهم مجرد مواد غبية في استراتيجيات دولية تريدُ حصدَ الأخضر النفطي وتركَ الأعشاب الصفراء المسمومة من حروبٍ أهلية ودمار بعد ذلك لهم.
إن تضخم العسكر على كل الضفاف العربية الإسلامية – الغربية هو المشروعُ المشترك الأكثر حضوراً وسيطرة، ويقوم الأولادُ الأغبياء بدورِهم المرسوم وهم يتمزقون ويفخخون الأسواق ويقتلون العرب والمسلمين خاصة.

في كل قنبلةٍ يزرعُها هؤلاء في المدارس والمعاهد والمتاجر والمعابد هي قفزة في وزارات “الدفاع” وهي توسع في مقابر العرب وقضاء على مشروعات تحررهم وتقدمهم.

هل تدري كم مومس ظهرت بعد إرهاب الجماعات المسلحة في أفغانستان؟
وكم عائلة باعتْ أعراضَها وبناتها؟ وكيف حول هذا أفغانستان لأرضٍ مدمرة وأي تحرير سوف ينتجُ – لو حدث – من كل هذا الدمار الاجتماعي وبيع البشر لأنفسهم وأعراضهم؟

نعم إن النضال السلمي هو بلا حدود، وفيه ألا نستكين لقوى خارجية وقوى داخلية استغلالية، وكلما تجذرنا فيه انفتحتْ سبلٌ جديدة، وتنامت قدراتُنا، وكانت مقاومتُنا أكثر صلابة وأوسع علماً.

والسلام لا يعني الاستسلام بل يعني تراكم قوانا وعدم حرق البشر والأرض في سبيلِ أهدافٍ سياسيةٍ يمكن بلوغها بتضحيات أقل.

أخبار الخليج 5 يناير 2010

اقرأ المزيد

بناء الكتلة الديمقراطية – 1

بدايةً، أرجو ألا ينصرف الاعتقاد، من وحي المقال أعلاه، عن بناء الكتلة الديمقراطية نحو الهاجس الانتخابي، ونحن قد دخلنا عام الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة، لأننا نسعى في هذا المقال، ومقالات تالية، إلى مناقشة ضرورة بناء كتلة ديمقراطية بأفق استراتيجي، وليس فقط بأفق انتخابي، تفرضه الانتخابات القادمة. لكن، رغم ذلك، فإننا ننطلق هنا من ضرورة جعل استعداد مكونات التيار الديمقراطي، قوى وشخصيات لخوض انتخابات 2010، منطلقاً جدياً لوضع أسس بناء هذه الكتلة، التي يجب ألا تظل شعاراً يُرفع، وإنما تتحول إلى مبادرات فعلية على الأرض تزداد الظروف نضوجاً لها. في هذا المجال علينا التذكير بأمرين لهما علاقة مباشرة بحديثنا هذا: الأول: هو ما خطته المكونات الأساسية للتيار الديمقراطي، ممثلةً في المنبر التقدمي وجمعية «وعد» والتجمع القومي من خطوات، وان كانت أولية، في اتجاه اللقاء وتلمس طرق التنسيق فيما بينها، خلال الشهور الماضية، ورغم محدودية ما أنجز في هذا السياق حتى الآن، بالقياس لما هو منتظر من الجمعيات الثلاث، الا انه من المتعين النظر الى هذه اللقاءات على انها خطوة الى الأمام، يتعين التمسك بها والحفاظ عليها من اجل تطويرها، وتجاوز حالة التباطؤ التي مرت بها خلال الأسابيع الماضية، بسبب انشغال بعض الجمعيات بحسم موقفها من الانتخابات القادمة، إن بالمشاركة أو بعدمها، وآن أوان بلورة اتجاهات التنسيق في وثيقة مكتوبة، والأهم من الوثيقة ذاتها إيجاد آليات دائمة لتفعيل هذا التنسيق والارتقاء به إلى مراتب جديدة. أما الأمر الثاني فهو ما توصلت له كل من جمعية التجمع القومي وجمعية «وعد» على التوالي من حسم أمرهما بالمشاركة في انتخابات 2010، بعد نقاش داخلي في صفوف الجمعيتين حسمته الهيئات القيادية فيهما أخيراً بقرار المشاركة، علماً بأن المنبر الديمقراطي كان قد حسم أمر المشاركة منذ العام 2002، انطلاقاً من الرؤية السياسية لـ «التقدمي» التي ارتأت في المشاركة الخيار الصائب والأكثر واقعية، بصرف النظر عن المكتسبات الانتخابية، فالمشاركة هي فعل سياسي ايجابي، برهنت التجربة حتى الآن على صوابه. اليوم أصبحت الجمعيات الثلاث على أرضية سياسية واحدة فيما يتعلق بالموقف من الانتخابات القادمة، وهذا يوفر العامل الذاتي الضروري لتدعيم الحاجة الموضوعية للمزيد من تلاقي هذه الجمعيات حول آفاق التنسيق تجاه المهام الآنية المباشرة، وبينها الاستحقاق الانتخابي بطبيعة الحال الذي لم تعد تفصلنا عنه سوى شهور، وتجاه المهام ذات الطابع الاستراتيجي الأبعد، التي لن يمكن انجازها بدون بناء الكتلة الديمقراطية القوية التي تشكل الجمعيات الثلاث نواتها الصلبة، والتي ستكون مفتوحة بطبيعة الحال للقوى والشخصيات والتجمعات الأخرى، حين تنطلق عجلة هذه الكتلة في المسار المطلوب. أهمية بناء هذه الكتلة الديمقراطية بوصفها استحقاقاً موضوعياً لازماً، يتجاوز رغباتنا جميعاً التي نفترض أنها خيرة، وتنطلق من الحرص على وحدة التيار الديمقراطي، لتتصل بالمصالح المباشرة لكل مكونٍ من مكونات تيارنا الديمقراطي على حدة، ولمجمل التيار الديمقراطي عامة، الذي لن يفي بما هو منتظر منه إذا استمر في حال التشتت الراهن. غداً نكمل.
 
صحيفة الايام
5 يناير 2010

اقرأ المزيد

عقد من الإصلاح في مملكة البحرين

بدت البحرين في احتفالات شهر ديسمبر غير اعتيادية هذا العام قياسا بالأعوام الماضية، فقد أولت الأجهزة الرسمية والأهلية درجة عالية من الترتيبات، لكي يبدو العقد الإصلاحي لجلالة ملك البحرين زاهيا ومعبرا عن المرحلة وانجازاتها، والتي شكلت نقلة نوعية في تاريخ البحرين المعاصر، خاصة وان البلاد عاشت لفترة تزيد عن الثلاثين عاما من الاحتقان والتوتر بين الحكومة والمعارضة السياسية، مما عطل ذلك الصدام والتوتر عملية التنمية وبحذر المؤسسات المالية العالمية من الدخول لبلد بدا لها غير مستقر كمكان هادئ يتوق له الاستثمار والرأسمال العالمي. غير ان صعود جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين إلى سدة الحكم بعد وفاة والده في العام 1999 قد أدخل البحرين في حقبة جديدة مختلفة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث توالت الخطوات الإصلاحية الواحدة بعد الأخرى، كمسألة الميثاق الوطني وصياغة دستور جديد وإعادة الحياة البرلمانية وإطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين وإلغاء مرسوم قانون امن الدولة والاستعداد نحو انطلاقة جديدة لكي تبدأ البحرين عهدا مختلفا في ظل حكمه. من عرف البحرين سابقا وعرفها في العقد الزاهر، فانه بالإمكان تلمس حقيقة المتغيرات والتي تبقى قليلة بحجم طموح مشروع الملك الإصلاحي وحلم التغيير المنتظر في حياة الشعب، الذي يرى بأنه مازال في بداية الطريق وتنتظره السنوات القادمة تحديات كثيرة، على الحكومة والشعب استيعاب طبيعتها ومهماتها، ففي القرن الواحد والعشرين يتجه العالم نحو تحديات مختلفة أيضا، وعلى بلد صغير كالبحرين أن يتكيف معها ويستعد لتداعياتها ومفاجآتها المحتملة، فالمنطقة محاطة بألغام وتوترات عديدة. في عقد الإصلاح البحريني، استمع الناس لخطاب الملك الذي حمل من العناوين العريضة والموجهة للمؤسسات الرسمية قبل الشعبية. خطاب الملك والذي جاء بمناسبة مرور عشر سنوات على عيد جلوس جلالته والعيد الوطني الثامن والثلاثين، حاملا المغزى التاريخي للأوضاع الراهنة وكل السنوات الماضية، حيث توقف الخطاب عند ابرز المحاور. تبقى مسألة جوهرية تلك العناوين المستقبلية التي تعرض لها خطابه الملكي، مناشدا بصورة مباشرة وغير مباشرة الأجهزة التنفيذية بتحويل مرئياته في الدولة إلى واقع عملي، فما تبثه القيادة العليا من أفكار وتوصيات ورؤى فان على الوزارات والمؤسسات في كل قطاعاتها ومجالاتها أن تترجم ذلك الخطاب في صيغة برامج فعلية لكي تنسجم التوجهات الملكية مع آلية فعل ميداني من الجهات التنفيذية. واتسم الخطاب بأهم المحطات والموضوعات المركزية كمسألة التوسع العمراني وتوفير مصادر الطاقة الضرورية للسنوات القادمة واحتياجات التنمية المتزايدة، والبحث عن زيادة الاستثمارات للمملكة، مع ضرورة ترسيخ حالة الوئام والوحدة الوطنية في المجتمع وحماية المنجزات والمكتسبات التي تحققت خلال عهده. ومنح خطابه لثقافة القانون وسيادته أهمية قصوى لكي ينعم الجميع بحق متساو أمام القانون دون إي تفرقة أو تمييز، فكانت الإضاءة تلك محطة هامة لكي تزدهر العملية الديمقراطية وتتوطد باستمرار جنبا إلى جنب في ظل دولة القانون وثقافته المنشودة. كما أشار الخطاب إلى تفعيل دور الرقابة الإدارية وتعزيز الشفافية جنبا إلى جنب مع الرقابة المالية، وإصلاح التعليم وتطوير الخدمات الصحية، والاهم من كل ذلك ضمان الحقوق السياسية للمرأة وتعميق المسيرة الديمقراطية من خلال القناعات المشتركة، دون تلك الأمور لن تكون لا للبحرين ولا لمجلس التعاون حالة من الازدهار والتقدم في عصر التكتلات الكبرى. ما أشار له جلالة الملك في خطابه يحمل من الدلالات الكثير، خاصة وان تقرير ديوان الرقابة المالي سنويا يضع اصبعه على مواطن التقصير والفساد، دون أن يجد من الجهات المعنية التحرك اللازم والفعل المطلوب لتوجيهات جلالة الملك، مما يعطل عملية المسيرة الإصلاحية في مناحي عديدة. بدا الخطاب هذه المرة متمحورا ليس في انجازات الماضي والعقد المنصرم بقدر ما هو أيضا يراعي مستقبل الأيام القادمة، حيث الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية 2030 تتطلب التركيز على محاور هامة من أهمها إنهاء المشكلة الإسكانية بأسرع ما يمكن بتوفير سكن لائق للمواطن البحريني وصون كرامته واحترام خصوصيته. كانت البحرين في ديسمبر 2009 محطة اهتمام دول الجوار خاصة وان الاحتفالات المحلية تلازمت مع قمة الكويت واحتفالات الإمارات بعيدها الثامن والثلاثين، مع مشاريع تناولتها الصحافة الخليجية والعالمية عن أحلام وطموحات ضخمة في المنطقة كمشروعي القطار الخليجي ومحطات الربط الكهربائي العملاقة بين دول مجلس التعاون، ليتحقق على ارض الواقع التكامل الاقتصادي التدريجي والتقارب والتلاحم السياسي والنقدي والمجتمعي والثقافي، من اجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
 
صحيفة الايام
5 يناير 2010

اقرأ المزيد