المنشور

مانديلا قبل الرحيل





  • قبل أسبوعين، احتفلت جنوب إفريقيا بالذكرى السنوية العشرين
    لإطلاق سراح الزعيم
    الأسود نيلسون مانديلا من المعتقل، بإقامة الاحتفالات في مختلف مناطق البلاد… وأمس تم تشييع مجيد
    مرهون، الذي اشتهر بـ «مانديلا البحرين»، لطول مكثه في السجن.

    إطلاق سراح مانديلا كان خطوة مهمة على طريق إنهاء نظام الفصل العنصري
    (الأبارتهايد) في جنوب إفريقيا، وقد أصبح
    أحد أيقونات النضال ضد العنصرية والظلم الذي يمارسه
    الإنسان ضد أخيه الإنسان. فالرجل الأبيض الذي فرّ بدينه من مذابح أوروبا العنصرية قبل
    ثلاثة قرون، أقام دولة
    تميّزه عن الأفارقة السود، ولاحقا ضد الملونين الذين جاء
    بهم من شبه القارة الهندية. واستمر النضال المدني طوال
    قرن كامل، حتى سادت القناعة لدى البيض بضرورة تغيّر هذا النظام العنصري الشاذ، باتجاهٍ
    أكثر إنسانية وعدلا.

    كان النظام العنصري دولة نووية، تسندها كل القوى الكبرى التي تساند «إسرائيل» اليوم، ولم
    يثنِ ذلك الأفارقة عن استمرار المسيرة الطويلة المطالِبة بالتغيير. ولعلنا نتذكّر أن المهاتما غاندي
    إنما تلقى أول دروس
    مقاومة الظلم في جنوب أفريقيا، بعدما تعرّض إلى مواقف
    مهينة، غيّرت مجرى حياته، ليتحوّل ذلك المحامي الفاشل،
    إلى زعيم الحركة المناهضة للاحتلال البريطاني، حتى نالت بلاده الاستقلال.

    مانديلا كان أحد النشطاء الذين قاوموا التفرقة العنصرية، وكانت تراودهم أحلام العدل والإنصاف والمساواة، وحُكم عليه بالسجن
    المؤبّد العام 1964، بتهمة محاولة قلب نظام الحكم. وقضى أغلب سنوات سجنه في جزيرة «روبن»، التي أصبحت
    محجّا للزوار، وأصبحت
    زنزانته الصغيرة رمزا ترفرف عليه نسمات الكرامة والشموخ.

    في 11 فبراير/
    شباط 1990 أطلق سراحه تحت ضغوط محلية ودولية، بعدما تخلى عن
    دعم النظام حلفاؤه حتى الإنجليز والأميركان. وفي العام
    1994 انتخب رئيسا لجنوب إفريقيا، وقاد بلاده على طريق المصالحة مع الذات. لم يظلم
    ظالميه، ولم
    يفكّر بمنطق الثأر، شأن النفوس الكبيرة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ولقي ذلك صدى عالميا، وكُرّم بمنحه جائزة نوبل
    للسلام.

    في الذكرى العشرين
    لإطلاقه، وقد بلغ سن الحادية والتسعين، احتفل مع عددٍ من
    أصدقائه القدامى الذين قضوا زهرة شبابهم في السجون ضد الظلم والعنصرية والاضطهاد. ودعا
    إلى حفل العشاء زوجته
    السابقة ويني، وابنته زيندي، وحارسه الأبيض الذي أقام معه
    علاقة سوية عزّزت من رؤيته الإنسانية الناضجة.

    في الاحتفال الأخير،
    قال مانديلا إنه يشعر بأنه يكبر، ولكنه ليس خائفا… ومن
    حقّه ألا يخاف بعد أن ترك بلدا متحرّرا من العقد، يسير على نهج سياسي آمنٍ وسليم. وفي السنوات السابقة قبل رحيله، كلما شاهد
    والدي (ره) مانديلا على التلفزيون، قال بعفوية: «مسكين مانديلا، سجنوه 27 سنة»، فقد كان يحبّه كثيرا. ولم
    يكن مسكينا، فقد عاش
    حرا، وأنجز الحرية لشعبه ببيضه وسوده وملونيه، والمساكين
    من يؤمنون أنهم عبيد، ويجب أن يبقوا عبيدا.

    أمس رحل مانديلا البحرين،
    السجين اليساري مجيد حميد مرهون، الذي حُكم بالمؤبد أيام
    الاستعمار البريطاني،
    بعد إدانته بمحاولة اغتيال أحد رجال الحامية البريطانية. وظل
    يتقلب بين السجون من جزيرة جدا حتى انتهى إلى سجن «جو»
    جنوب البحرين، حيث ألف الكثير من المعزوفات الموسيقية، التي نالت تقديرا دوليا في الخارج، بينما ظل يحمل لقب «سجين سابق» في بلادٍ
    لا تسقي أو تكرّم غير الغريب.

    الوسط 24 فبراير 2010

  • اقرأ المزيد

    رحيل عازف السكسفون الحزين

    أذكر عندما كنا طلبة في جامعة الصداقة بموسكو والتي كانت تحتضن الطلبة من جميع أنحاء العالم النامي كنا نقوم بتوزيع اسطوانات الفنان  المناضل مجيد مرهون عند لقاءاتنا مع الاتحادات الطلابية الأخرى.
     
    كانت المقطوعات الموسيقية التي ألفها الفنان مجيد مرهون في السجن وتم تهريبها إلى الخارج لتقوم بعزفها فرقة الإذاعة السيمفونية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية «كذكريات « و «نوستالجيا» تمثل أفضل ما كنا نملكه كطلبة بحرينيين ونستطيع أن نقدمه للعالم.
     
    كنا نفخر بأن يكون لدينا موسيقار بهذا الحجم تعزف موسيقاه من قبل فرق موسيقية عالمية كما كنا نفتخر بان يكون من بين مناضلينا سجين أمضى أكثر من 20 عاما بين قضبان السجن دون أن يفقد روعته وحبه للحياة والجمال والوطن.
     
    لم يكن من الصدفة أن يعشق السكسفون حتى قبل دخوله إلى السجن فإن حياة الفقر التي عاشها في طفولته في حي العدامة في الحورة طبعت أحاسيسه بمسحة من الحزن، وأي آلة موسيقية يمكن أن تبكي بجمال بقدر هذه الآلة، ولذلك كان مجيد مرهون أول من اشترى هذه الآلة في البحرين.
     
    ورغم أنه لم يكمل دراسته ولم يدرس الموسيقى في أي معهد أو كلية متخصصة إلا أنه ومن داخل السجن استطاع أن يدرس النوتة والتوزيع والتأليف الموسيقي ليتفوق حتى على من تخرج من الجامعات بعلمه وحسه الرقيق.
     
    كان الجميع يطلق عليه « مانديلا البحرين» ومع أن مانديلا أصبح رئيسا لبلاده بعد أن سقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلا أن مجيد مرهون بقي في الظل بعد أن أطلق سراحه دون أن تهتم به الدولة فلم يقدر له أحدا إسهامه في النضال ضد الاستعمار البريطاني وحتى أعماله الفنية لم تقدر بأي شكل من الأشكال من قبل هيئة الإذاعة والتلفزيون.
     
    بالأمس رحل عنا مجيد مرهون بعد أن قدم مثالا لحياة قد لا يفهمها الكثيرون، فرغم فقره في صغره ورغم قضائه أجمل سنين حياته في السجن، ورغم مرضه إلا أنه ظل يحارب الظلم بالنضال والفقر بالفن والسجن بالعلم والقراءة و التأليف.
     
    بالأمس رحل عنا عازف السكسفون الحزين بعد أن جعل البحرين أكثر جمالا… فقبلة من القلب لهذا الرجل العظيم.
     
    صحيفة الوسط
    24 فبراير 2010
    اقرأ المزيد

    هيكل.. وجيل الشباب السبعيني

    خصّص محمد حسنين هيكل الحلقة الأخيرة من سلسلة أحاديثه في “الجزيرة” لدور الشباب المحوري والمهم في الثورات والتغيير السياسي والاجتماعي متناولاً على وجه التحديد الحركة الطلابية المصرية نموذجا لحديثه التي انطلقت هباتها المتتالية منذ عام 1968 واستمرت حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي. هيكل اعترف، ولو متأخراً، بأن جيل هذه الحركة ظُلم كثيراً ولم تتح له الفرصة الكافية لأن يُعبّر عن نفسه ولتستفيد الثورة من طاقاته الإبداعية الثورية من أجل التغيير والتصحيح، وبيّن هيكل دور هذه الحركة الطلابية في دفع عبدالناصر الى إصدار بيان 30 مارس كمنطلق للتغيير وهو البيان الذي صدر في عام 1968 نفسه.
    وكانت الحركة الطلابية قد انفجرت على إثر صدور الأحكام على ضباط سلاح الطيران المتسببين في هزيمة يونيو .1967 لكن وباعتراف هيكل لم تكن أسباب اندلاع المظاهرات الطلابية أحكام الطيران فقط بل اتضح ان هذه الحركة تحمل شعارات انتقادية وأفكارا جديدة وأهدافا للتغيير ولتجديد الثورة وان لم يقل ذلك صراحةً.
    وهيكل الذي بيّن دور هذه الحركة في دفع عبدالناصر إلى إصدار بيان 30 مارس ثم دورها بعدئذ في انتفاضة يناير 1977 التي انفجرت بسبب ارتفاع الأسعار، غفل أو تغافل عن دورها العظيم التاريخي في أوائل السبعينيات بعدئذ لتعرية الفساد والدكتاتورية وانحرافات السادات عن الثورة وتخاذله وتلكئه عن قرار حرب تحرير سيناء. فلولا ضغوط الحركة الطلابية وتضحياتها حينذاك لما تردد السادات عن الانخراط في المشاريع الاستسلامية قبل حرب اكتوبر، وبخاصة في ضوء بروز توجهاته اليمينية مبكراً للنكوص عن مبادئ الثورة والتقارب نحو أمريكا وافتعال العداوة مع الاتحاد السوفيتي صديق العرب الأول في مواجهة اسرائيل والداعم الأساسي لهم سياسيا وعسكريا لخوض أي معركة ضدها.
    وبدا واضحاً من حديث هيكل الخجل والتردد من الإشارة صراحة الى أن القمع والإهمال والتهميش هو الذي كان وراء اجهاض ووأد أحلام جيل أواخر الستينيات والسبعينيات حتى آلت الأمور الى ما هي عليه الآن من بروز أجيال شبابية ضائعة بين الانحرافات الاجتماعية والانزواء والانكفاء على همومها وشئونها الخاصة وبين انخراطها في تيارات الإسلام السياسي المتطرفة وذلك في ظل ضمور وانحسار اليسار وقوى التغيير الوطنية والديمقراطية عامة.
    * * *
    } الشباب والجمعيات السياسية
    لعل ما ذكره محمد حسنين هيكل عن جيل الشباب المصري الذي برز في أواخر الستينيات بعد هزيمة 67 وطوال السبعينيات تقريبا من حيث ما قام به خلال تلك الفترة الذهبية من دور تاريخي كبير في النضال من أجل التغيير السياسي ينسحب تماما على جيل شبابنا السبعيني الطلابي الذي برز نهوض حركته السياسية التغييرية ثم هبوطها بالتزامن تماماً مع صعود وأفول الحركة الطلابية المصرية. وواجه ذاك الجيل السبعيني البحريني الظروف القاسية نفسها التي واجهها الجيل السبعيني المصري وأدت إلى انحساره ومن ثم بروز أجيال جديدة منذ مطلع الثمانينيات مختلفة جذريا في توجهاتها واهتماماتها عن ذلك الجيل السبعيني الاستثنائي الذي ستظل الحركات السياسية تفتقر إليه ردحاً من الزمن على الأرجح.
    ولعل هذا هو محور التحدي الذي باتت تواجهه اليوم الجمعيات السياسية الوطنية منذ إنشائها في أوائل العقد الحالي، فأنت لاحظ معي جيدا فإنه بالرغم من كل مبادراتها وأنشطتها السياسية وما تعقده من تحالفات مع الجمعيات الإسلامية فإنها جميعها تفتقر الى القواعد الشبابية التي تعد بمثابة العمود الفقري لقوة أي قوة سياسية وعماد الحزب ورأس حربته لتوسيع قاعدته الجماهيرية وللتغيير السياسي. ونظرة واحدة متفحصة إلى وجوه الغالبية العظمى من الحاضرين في كل فعاليات تلك الجمعيات منذ انشائها قبل نحو عشر سنوات ترينا أن الغالبية العظمى منهم هي من الجيل السبعيني الذي أضحى اليوم في الخمسينيات من عمره. ولماذا نذهب بعيداً؟ أليس عدد أعضاء كل الجمعيات العمومية للجمعيات التي انعقدت منذ مطلع العقد هو هو لم يتغير ان لم نقل قد قل؟

    صحيفة اخبار الخليج
    24 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    الهجماتُ مستمرةٌ على إخوان مصر

    يمر أسبوع من دون أن تلقي السلطات المصرية القبضَ على مجموعةٍ من جماعةِ الاخوان المسلمين المحظورة، التي تمثلُ كذلك المعارضة العلنية المشروعة في مجلس الشعب المصري!
    تناقضٌ سياسي فج، ورأسا المجتمع المصري منفصمان ومتوحدان! وهذا التناقض العجيب بحاجة إلى التوضيح.
    إنهُ تعبيرٌ رمزي كذلك عن عجز قوى الحداثة العربية عموماً عن التلاقي حول ثقافة سياسية مشتركة وحل مشكلات المواطنين المعلقة.
    أكبر بلد عربي، وأهم قوة تحديثية عربية مشلولة في واقع الأمر عن إيجاد شيءٍ جديد في جسمِ الأمة المتمدد من الخليج إلى المحيط المشلولِ غيرِ القادرِ على اتخاذ موقف عصري تحديثي ديمقراطي خلاق!
    الإخوان المسلمون على الرغم من كل تطوراتهم الفكرية والسياسية لايزالون في خندقٍ معارض للحداثة، التي هي جوهر العصر السياسي.
    إن بؤرةَ المسألة تكمنُ في أن الديمقراطية التي سلموا بتداولها بين الفرقاء السياسيين تتطلب العلمانية، التي لم يقاربوها.
    فمقاربتُها تتطلبُ إعادةَ النظر حتى في تسمية حزبهم:(حزب الاخوان المسلمين)، فهو يعني حزباً ذكورياً، لا تمثيل فيه للنساء، ويعني انه حزبٌ غيرُ مصري، لأن المسيحيين مستبعدون منه.
    كيف يستطيع حزبٌ معارضٌ يمثل نسبة كبيرة من المصريين أن ينفي المواطنين المسيحيين المصريين من داخله؟!
    كذلك فإن ظهورَهُ باعتبارهِ الحزبَ الإسلامي الوحيدَ ينفي كذلك إسلامية المواطنين الآخرين الذين لا يؤمنون بتصورات الحزب السياسية والفكرية!
    إن توحد الحزب مع المطلقات الدينية والذكورية المفارقة للتاريخ الراهن، تجعلهُ حزباً جامداً من الناحيةِ السياسية وغيرَ قادرٍ على استثمارِ الفرصةِ السياسية الكبيرة المؤاتية له لكي يقومَ بتغييرٍ تاريخي منتظر في مصر.
    إن هذا الغبشَ الايديولوجي يحدثُ لأسبابٍ كثيرةٍ متعددة ومتداخلة، إنه بسبب الجمود الكبير الذي ارتبط به الحزب، فالجماعة السرية لها تقاليد شمولية تفرضُ نفسها، ويصعبُ عبرها حدوث تعددية داخلية عميقة، وبالتالي فإن الفكرَ السياسي يغدو متصلباً.
    كذلك فإن تعبيرَ حزبِ الاخوان عن الفئات الوسطى المدنية الحرة خلال هذه العقود، جعله في تضاد مهم وأساسي بالرأسمالية الحكومية البيروقراطية الفاسدة، المعرقل الأكبر للتطور الاقتصادي وللحريات السياسية والفكرية، من دون قدرةٍ على طرح برنامج الرأسمالية الديمقراطية الحرة البديل عن نظام رأسمالي شمولي.
    إن عدم طرح ذلك لا يقود إلى الحداثة بل إلى الجمود في المحافظة الدينية، وهي محافظةٌ ليست ذات غنى فكري إسلامي كبير. فلم تُنتجْ تصوراتٌ فكرية خلاقة هنا، بل جُعلت العباداتُ والمعاملاتُ في مركزِ الإنتاجِ السياسي للحزب، بدلاً من الأفكارِ الحديثة والعقلانية الدينية، والمقاربة مع الغرب الديمقراطي.
    هنا نجد ان الأحزابَ التركية المعبرة عن الطبقة الوسطى، حصلت على فرصٍ تاريخية أكبر للتماثل مع طبقتها، بسببِ انتشارِ الرأسمالية الإنتاجية الخاصة لزمنٍ كبير، مع تآكل الرأسمالية الحكومية البيروقراطية على مدى عقود، لكن الأتراك الاخوان المسلمين لم يجمدوا تنظيماتهم السياسية، ونقلوا البؤرةَ السياسيةَ من العباداتِ إلى الأفكارِ السياسية التحديثية التي غدت المحورَ في ممارساتِ التشكيلات الحزبية الدينية – العَلمانية، وجعلوا العبادات في الخلفية الاجتماعية، فيستطيع أي مواطن أن ينضم للحزب مهما كانت آراؤه الدينية، وهنا لعبتْ العَلمانيةُ المحدودة كذلك دورَها في تطوير الحزب النهضوي (الديني)، في حين ورث الاخوان المسلمون أثقالَ دولةٍ عسكرية امتدت نصف قرن، ورغم انفضاض الفئات الوسطى عنها، ومعها جمهورٌ واسعٌ من الفقراء، فإنها لم تعطِ القوى الاجتماعية إمكانات كبيرة للملكيات الفردية الإنتاجية الواسعة، فشلت البيروقراطيةُ الاقتصادَ والحياةَ السياسية الاجتماعية.
    لكن بالمقابل لم يتخذ الإخوانُ المسملون المصريون مرونةً سياسية كبيرة كنظرائهم الأتراك، فظلوا متمسكين بالتنظيم التاريخي، وثوابته الجامدة، وتشكلتْ منه تنظيماتٌ أخرى بعضُها مسلحٌ إرهابي مما رسم علامةَ استفهام كبرى حولهم خاصة للفئات التحديثية التي هي مفاتيح التغيير السياسي.
    إن صعوبات الاخوان أكبرُ من نظرائِهم الأتراك، فالأتراكُ يواجهون مجتمعاً سنياً مهيمناً أُعد طويلاً لبروزِ الطبقة الوسطى، وليست فيه جذور حضاراتٍ مغايرة لها، في حين أن الإخوان المصريين يقابلون مجتمعاً إسلامياً مسيحياً ذا جذور وثنية حضارية كبيرة، وهذا يتطلب ثقافة وطنية وإنسانية وديمقراطية كبيرة، لتاريخ مصر ولتاريخ الإسلام!
    رأسا مصر بحاجةٍ إلى الحوار المشترك، مثلما أن الرأسمالية الحكومية والرأسمالية الخاصة بحاجةٍ إلى خطةٍ اقتصادية تنموية مشتركة تتأسس بشكلٍ ديمقراطي، وللأسف فقد عودنا الخصومُ الكبارُ على تمزيقِ الخرائط الوطنية أكثر من إعادةِ بنائها!

    صحيفة اخبار الخليج
    24 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    هل نغلق النوافذ؟

    هذه الغلواء التي تنتاب مجتمعنا، وتتجلى في أشكال من التطير تجاه مسائل أو مظاهر مختلفة، مرة من حفل غنائي ومرة من برنامج تلفزيوني وثالثة من كتاب يتناول قضية إشكالية، ورابعة من أمر آخر مشابه، وتستنفر في هذه الغلواء أدوات ووسائل شتى من قبة البرلمان إلى المجالس والمنتديات في دليل واضح على ضيق في الأفق أو قصر في النظر في زمن بات فيه الفضاء كله مفتوحا، ولم يعد بوسع احد أن يغلق هذا الفضاء لان ذلك ببساطة فوق طاقته وإمكانياته.
    ورغم أن النقاش يدور حول برامج وفعاليات يمكن أن توصف بأنها ترفيهية لا تستدعي كل هذا الضجيج، ألا أن الأمر يعكس تطيرا من أخطارٍ وهمية مردها هذا الخوف مما بات عالم اليوم يطرحه من أشكال تعبير، هي أمر واقع، سواء كانت محط إعجاب أو سخط، وليس من شأن هذه الأشكال أن تهدد ثقافة أو “هوية” المجتمع بالطريقة التي يجري تصورها.
    وبعيدا عن هذا الضجيج والملابسات المحيطة به، فإن الثقافة هي فضاء للحوار والتفاعل. وفي الثقافة الوطنية والقومية لأي مجتمع، بما في ذلك مجتمعنا، من العناصر ما يؤهلها لأن تكون ندا للثقافات الأخرى فتمتص منها ما تراه مُفيدا ومُثريا، وتلقي بما تراه خارج سياقها أو عنصرا نافرا في نسيجها.
    ثمة رأي يقول أن حجم التدفق الإعلامي، إذا ما انطلقنا من تلك الفكرة القائلة أن الإعلام هو نفسه ثقافة أو شكل من أشكالها، إنما يتوجه نحو مكامن الخطر في بيئتنا الثقافية، التي لم تعد بالقوة التي كانت عليها يوم كان فعلنا الحضاري أقوى أثراً وفاعلية، وبالتالي فعلينا اليقظة والحذر تجاه ما يبث إلينا من مواد.
    وتصل الدعوة أحياناً حد إغلاق النوافذ والأبواب تجاه كل ما هو قادم من خارج بيئتنا الثقافية والحضارية، رغم أن إغلاق النوافذ في هذا العصر بات عصيا ومستحيلا. وهناك من يتحدث عما يدعوه “ الأمن الثقافي”، وهو مصطلح اشتق كرديف لمصطلحات سائدة في حقول أخرى كمصطلح الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.. الخ، وهي كما نعلم مصطلحات بُنيت في إطار البحث عن استراتيجيات عربية للحد من انكشافنا على الخارج، لكنه في حال الثقافة يبدو مصطلحا هجينا لأنه يحاول التوفيق بين حقلين مختلفين هما الأمن والثقافة.
    والحق إننا نحتاج بالفعل إلى الأمن الثقافي، ولكنه ذلك النوع من الأمن الذي يتيح للثقافة العربية أن تحلق بحرية ودون قيود، وان يوفر للمبدعين مناخ الإبداع والعطاء دونما خوف أو قلق، وحين تُحلق ثقافتنا المبدعة عاليا نشعر بأن أجنحتنا قوية، أقوى من ثقافة الاستهلاك والاستلاب.
    أما إقامة حواجز بيننا وبين العالم فهو ضرب من الوهم، ولم يعد أمرا متاحا أياً كانت النوايا، لأننا حتى لو أقمنا لأنفسنا بيوتاً معزولة عن الخارج، فإنها في عصر العولمة لن تكون سوى بيوت من زجاج يرى الآخرون كل ما يدور داخلها.
     
    صحيفة الايام
    24 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    مجيد مرهون… قصـة كفاح


    واجه الفقر وشظف العيش بسلاح التفوق العلمي، فكان متفوقاً في دراسته. بنى أحلامه طوبة فوق طوبة بإرادة الحياة، بالموسيقى وعزف السمفونيات. عبّر عن أفكاره بالنفخ على آلة الساكسفون. لم يكن فناناً وحسب؛ بل كان مناضلاً سياسياً من الطراز الفريد.

    قضى زهرة شبابه خلف القضبان. واجه مصيره المشرف في السجن المؤبد. قضى تلك الأعوام مرفوع الرأس، شامخاً كالطود العظيم. اثنان وعشرون عاماً كان حكماً قضائياً مبرماً ضد “مجيد” وذلك نتيجة للعمل البطولي الذي قام به ضد رجال الاحتلال البريطاني للبحرين.

    وهو قابع في سجن الشرف والبطولة بجزيرة جدا، وصل إليه خبر شيوع أعماله في العالم، وإن الفرق الموسيقية العالمية الشهيرة تعزف مقطوعاته، وكان ذلك مطلع أو منتصف الثمانينات. يقول: “لأول مرة في حياتي عرفت حلاوة النصر الكبير”.

    إضافة لكونه عضواً في فرقة أجراس الموسيقية، فإنه أنجز الكثير من الأعمال الموسيقية التي حازت الإعجاب العالمي، وكأنه لم يكن قبله أو بعده موسيقياً بحرينياً لامعاً بمثل قامة مرهون.

    بعد خروجه من السجن، قام بمواصلة الكتابة في “القاموس الموسيقي الحديث”، الذي بدأ العمل فيه وهو في سجن جدا. وأنجزه.

    ويشير الأخ الزميل خالد المطوع في إحدى مقالاته الصحافية الرصينة إلى أن “مجيد مرهون لم يخرج من ظلمات زنزانته تلك مشبعاً بالأحقاد والكراهات لجلاديه وطاعنيه وقامعيه… لم يبن مجده النضالي من تسخير واستغلال الغير، وضرب الجموع والحشود ببعضها بعضاً كي ينل قطافاً مريئاً”.

    كم إننا بحاجة إلى أن يتم تخليد ذكراه، ولو إن وزارة الثقافة والإعلام تتبنى مقترح الزميل المطوع في إطلاق مهرجان موسيقي عالمي يحمل اسم الموسيقار مجيد مرهون، ليكون رداً للجميل، لمن رفع اسم البحرين عالياً في المحافل الدولية.

    هكذا عاش “مرهون” وعلى ذلك مات، فأي عيش هذا، وأي بصمة خالدة لهذا “المجيد” في العالم؟! رحمه الله تعالى، فقد كان يسارياً مخلصاً ليساريته والطبقة العاملة والكادحين. رحمك الله يا مجيد وأسكنك فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون.


     
    البلاد 24 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    المبحوح والبلطجة الإسرائيلية العالمية

    في مسألة اغتيال المبحوح وُضعت الدولُ الغربيةُ الديمقراطية الكبرى أمام مسألة شائنة مباشرة وعنيفة، فهذه الدول التي تقول إنها مع القانون وضد اغتيال البشر وضد الإرهاب وغير هذا من شعارات، تقفُ عاجزةً كطفل صغير أمام البلطجة الإسرائيلية التي تلاعبت بالمؤسسات الرسمية البالغة الأهمية لهذه الدول الكبرى من انتحال أسماء مواطنيها إلى تزوير جوازاتها والقيام بعمل إجرامي تحت مظلاتها المشتركة!
    دولٌ كبرى تحولت إلى دول صغيرة متقزمة وأهانت نفسها وشعوبها!
    دولٌ ترفعُ شعارات الحضارة وعملقة شكسبير وإنسانية موليير وعظمة همنجواي، فإذا هي مجرد محلات لسماسرةٍ صغار وباعةٍ لكتب أرسين لوبين!
    هي حكوماتٌ لم تحصلْ بعد تواجه أسئلة شعوبها وطبقاتها العاملة تضربُها على رؤوسها المخدرة بالسمسرة السياسية والفساد.
    البلطجة الإسرائيلية هنا هي عمل صغير، وجزء بسيط من سنوات حروب وتعديات كلها تتم بذات الطريقة، لكنها تتأسس على التقاليد السابقة نفسها، وقد صعدتْ إلى درجة كبيرة من الوقاحة، والاستخفاف بمعايير العالم الجديد، حتى يتم تزوير جوازات الدول الكبرى في مطار إسرائيلي، ومن دون اللجوء حتى إلى أعماق وزارة الداخلية، ويتم سحب هويات المواطنين الغربيين وهم في بيوتهم وأعمالهم، ليروا أنفسهم فجأة كمشبوهين عالميين!
    الدول الديمقراطية العلمانية الكبرى يتم بهدلتها بشكلٍ عالمي، ويتم (جرجرتها) إلى فضائح مسرح المنوعات الرخيص من خلال بلطجي يقبعُ في تل أبيب يرفضُ تسليم نفسه للشرطة العالمية.
    فضيحة معاكسة لقضية دريفوس الفرنسية الشهيرة التي ترافع فيه بقوة أميل زولا عن دفاع عن مواطن فرنسي من الديانة اليهودية، لكن فرنسا الآن تفتقر إلى كاتب مثل أميل زولا، ويسود فيها النصابون وجماعات الأدب الشكلاني وباعة الأصوات والضمائر لمن يدفع، اختفى جان بول سارتر وحلتْ (الايدي القذرة)!
    تحول دريفوس اليهودي المظلوم إلى صهيوني مجرم عابر للقارات، ينهبُ الأراضي ويأكلُ لحومَ الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين في الصباح من دون أن يُحاسب على كميات اللحم والدم الممتزجة في محكمة شيلوك الصهيونية.
    لقد قبلت الدول الغربية اعتبار إسرائيل خارج القانون، وخارج تاريخ الحداثة والعلمانية والديمقراطية وكل القيم التي عملت لها النهضة الأوروبية خلال قرون، فشكلتها دولةً دينيةً مضادة لتطورها، وقامت شعوبٌ أوروبية عديدة بدعم هذه الدولة سكانياً، نافيةً تاريخها ونضالها الذي تقوم به في بلدانها.
    فعاشت إسرائيل على تاريخ ما قبل الحداثة وما قبل القانون، رغم أن كل حجرٍ مؤسس فيها مقام على دم وجثة، وغدت إسرائيل تنتمي إلى ما قبل التاريخ الحداثي، كجزءٍ من الأسطورة المقدسة الكابوسية لأوروبا، كجزء من التعويض عن الجرائم المسيحية ضد اليهود، وغدا الإرث اليهودي كالعالم الباطني والضمير تجاه الديانة المسيحية الاستعمارية السائدة، وصارت إسرائيل عالماً لا يمكن محاسبته واعتباره كياناً مثل أي دولة أخرى تطبق عليها القوانين التي تطبق على الدول والبشر!
    ولهذا نرى الاحتجاجات ضد الجرائم الإسرائيلية باهتة ومحدودة في أوروبا وأمريكا، بعكس الاحتجاجات ضد الظواهر الأخرى كمؤتمرات العولمة مثلاً.
    ورغم أن الدول الغربية تمتلك الأغلبية في مجلس الأمن، وقد استمر الاحتلال الإسرائيلي للضفة وغزة منذ 5 يونيو 1967، كأطول احتلال في النصف الثاني من القرن العشرين، فإنه احتلال لطيف وخارج النقد والتظاهر، ولا تقوم الدول الكبرى بتهديد إسرائيل للانسحاب وإلا واجهت عقوبات بضائعية أو نقدية!
    وحتى العرب تقبلوا الاحتلال الإسرائيلي من دون أن يحولوا حتى هذه المناسبة الكارثية إلى احتجاجات دورية مثلاً.
    ثم تحولت إسرائيل إلى قوة انتقامية باطشة مهيمنة بشكل كلي على المنطقة مع تفكك الدول العربية والإسلامية وأخيراً مع تمزق صفوف الفلسطينيين وتناحرهم ودخولهم في صراعات السيادة والفساد!

    صحيفة اخبار الخليج
    23 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    عن علي دويغر أيضا

    في دراسته المهمة عن:«الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني” التي وضعها عام 1972، انطلق علي دويغر من حقيقة أن صناعة النفط في البحرين لم تأتِ جراء النمو الطبيعي للصناعة المحلية، وإنما جراء التوسع الدولي للرأسمالية والرغبة في الحصول على مصادر طاقة رخيصة، ليناقش الآثار المختلفة لنشوء صناعة النفط على النمو السكاني، وليحلل أوجه التركيبة السكانية في مجتمع البحرين.
    ينقل الباحث عن أحد الدارسين ان صناعة النفط تعد من أكثر الصناعات كثافة، وهذا ليس نابعاً من استخدام الحرفيين وبالطبع ليس من جراء استخدام ميكانيكيين مهرة، بل من جراء استخدام التكنولوجيا والإداريين ومجموعات المبيعات وما شابه ذلك.
    وتُعد هذه الدراسة، فيما أرى، مصدراً جيداًً للباحثين الراغبين في تتبع تطور التركيبة السكانية في المجتمع البحريني منذ العقود الأولى للقرن العشرين، لأنها دراسة كتبت بمنهجية، واستعان فيها الباحث لا بنظريات النمو السكاني وتحليل آليات التخلف في المجتمعات النامية فحسب، وإنما أيضاً بمادة امبريقية ثرية من الإحصائيات والبيانات ذات الصلة بتطور النمو السكاني في البحرين آنذاك.
    من أكثر فصول الدراسة تشويقاً الفصل الذي نظر فيه علي دويغر في ما أسماه “المسألة المدينية – الريفية”، التي يذهب فيه إلى انه ليس من الضروري رسم خطوط بين ما هو مديني وما هو ريفي في حال البحرين، فالمدن هي مراكز تجمعات سكنية في بلدٍ لا تتجاوز مساحته (آنذاك) عشرين ميلاً، خاصة وأن الإحصائيات الرسمية، كما تشير الدراسة، لا تقدم تصنيفات مختلفة للسكان من وجهة النظر هذه، في غياب مفهوم المدينة الصناعية على النحو الدارج في الغرب، وهذا عائد إلى التضارب في توزع الثروات الطبيعية والقدرات البشرية، التي تُلاحظ في أغلب الاقتصاديات العربية.
    في تقديري الشخصي، لو أن علي دويغر بحث التحولات في المرحلة اللاحقة لدراسته المهمة هذه، لكان قد لاحظ أن الفروقات في التكوين الثقافي والاجتماعي والنفسي تظل قائمة على كل حال بين سكان المدينة وسكان القرى، خاصة قبل التداخل الكبير الذي حدث في العقود القليلة الماضية بسبب المشاريع الإسكانية الجديدة التي نشأت في حزام القرى، ولا تبدو البحرين في منأى اليوم عن ما بات يدعى في السوسيولوجيا العربية اليوم بترييف المدينة، لا من زاوية الهجرة من الأطراف للمدينة كما هو حادث في البلدان العربية الأخرى، لأننا نشهد هجرة نزوح معاكس عندنا من قلب المنامة والمحرق إلى الأطراف، وإنما تحديداً من الزاوية الثقافية، إن صح القول، المتصلة باختراق أشكال الوعي التقليدي للبيئة المدينية ذاتها.
    وهذا الاستنتاج يعيننا على فهم بعض مظاهر الحراك الاجتماعي السياسي في البحرين اليوم، من زاوية صعود التيارات المحافظة، وتقهقر مواقع القوى الحديثة، دون أن نغفل العوامل الذاتية أيضاً العائدة لقصور أداء القوى الحديثة وحجم ما تعرضت له من قمع وإقصاء على مدار عقود.
    يعقد علي دويغر، وهو يبحث التركيبة السكانية، مقارنة بين قانوني الجنسية في البحرين، القديم الصادر عام 1937، والذي صدر بعده في عام 1963، وهي مقارنة مفيدة ، ليلاحظ أن التوزع العمري يتأثر، مباشرة، بثلاثة عوامل متغيرة هي الهجرة والولادات والوفيات، مشدداً على أن عامل الهجرة هو المتغير الذي يلعب الدور الأكبر.
    وهو استنتاج يظل صحيحاً اليوم أيضاً.
     
    صحيفة الايام
    23 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    الموجة الثالثة للأزمة تضرب «خنازير» أوروبا

    شبح الأزمة العالمية يجول في أوروبا الآن، حيث ضربت موجتها الثالثة هناك. وقد يكون تشبيهنا مبالغاً فيه، لكن الاتحاد الأوروبي يعطي الانطباع وكأنه سفينة توشك على الغرق ويحاول كل من ركابها النجاة بنفسه. في العام 2010 قد يشكل عجز الموازنة في أيرلندة 117%، البرتغال 83%، إسبانيا نحو 10%، أما العجز الأكبر ففي اليونان 127%. وقد أخذ بعض الاقتصاديين الأوروبيين يفرزون هذه البلدان غير المحظوظة في الاتحاد الأوروبي في مجموعة خاصة أطلقوا عليها تندرا اسم مجموعة الخنازير PIGS مشتقة من الأحرف الأولى لأسمائها.
    ويقدر الكثيرون أنه إذا استشرت موجة العجوزات في منطقة اليورو فسيحدث ذلك هزة كبيرة في الاقتصاد العالمي تفوق بقوتها آثار أزمة الرهون العقارية وانهيار ليمان بروذورز. وأن ذلك سيضع على المحك مصير عملة اليورو والاتحاد الأوروبي برمته. وفي هذه الأيام يستذكر الكثيرون الاقتصادي الشهير، حامل جائزة نوبل ملتون فريدمان الذي تنبأ في بداية هذا القرن بانهيار اليورو وتفكك الاتحاد الأوروبي.
    وزراء مالية منطقة اليورو الذين اجتمعوا الأسبوع الماضي لبحث الأزمة الاقتصادية في اليونان بينوا للإعلام أنهم ليسوا بوارد الحديث علانية عن أية خطط لتقديم الدعم المالي لهذا البلد. وحسب كلمات ممثل المجموعة الأوروبية جان كلود يونكر للبي بي سي، فإن الحديث عن ذلك سيكون ضرباً من اللامعقول. وإذا كان القرار بسرية النقاشات يدعو إلى الاستغراب كونه يمس مصير العملة الأوروبية الموحدة، فالأرجح هو أن الغرض من وراء السرية هو إخفاء غياب وحدة الموقف لدى الدول الأوروبية حول هذا الموضوع، وكذلك لكي لا تسري الأوهام لدى بقية مجموعة بلدان PIGS بآمال على مساعدات الاتحاد الأوروبي.
    أعطى الحاضرون في اللقاء لليونان مهلة حتى 16 مايو/ أيار 2010 من أجل إعداد خطة إجراءات عاجلة بهذا الصدد. ذلك يعني أنهم ينتظرون منها قبل كل شيء خفض النفقات على البرامج الاجتماعية وزيادة الضرائب، بما فيها زيادة ضريبة القيمة المضافة والضرائب على استهلاك مواد الطاقة، وكذلك إدخال ضرائب جديدة على الاستهلاك اللوكس.
    قبل هذا، وأثناء القمة الاقتصادية لمجموعة السبع كان المصرف المركزي الأوروبي ممثلا بجان كلود تريشه قد وقف إلى جانب إعطاء اليونان فرصة أن تعيد بنفسها ترتيب بيتها الاقتصادي من الداخل لتستطيع خفض العجز من 127% من الناتج الإجمالي المحلي العام الماضي إلى أقل من 3% العام .2012 إن ترك الاتحاد الأوروبي لليونان كي تواجه مصيرها بنفسها يحمل بذور ليس الاضطراب السياسي الشامل الذي بدأ يهز الاستقرار في اليونان، أو ينذر بانتشار ذلك إلى مجموعة بلدان PIGS فقط، وإنما بزعزعة منطقة اليورو وتهديد كيان الاتحاد الأوروبي. فالحركة الاحتجاجية الجماهيرية الواسعة للنقابات اليونانية تبين بشكل قاطع أن أية حكومة لن تستطيع إجبار اليونانيين على شد الأحزمة على البطون، حتى ولو كان ذلك تحت تهديد العقوبات التي قد يفرضها الاتحاد الأوروبي.
    سوف لن يستطيع الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف إلا أن يتحمل مسؤولياته تجاه اليونان. لكن الواضح أنه كلما تأخر في فعل ذلك، وكلما فشلت الحكومة اليونانية في حل الأمور في الداخل، خصوصاً وأن يدها مقيدة في اتخاذ أية قرارات بشأن سعر صرف عملة اليورو، فإن حركة الاحتجاج الجماهيرية ستزداد احتداداً وتعقيداً. وستكون إجراءات حل أزمة الاقتصاد اليوناني فيما بعد أكثر كلفة على الاتحاد الأوروبي من الآن. وقد يتطور الأمر إلى أنه لن يستثنى من بين الحلول المطروحة أمر طرد اليونان من منطقة اليورو أو تخفيض عملة اليورو نفسها.
    إن وصول الاقتصاد اليوناني إلى حافة الإفلاس وظهور مشكلات مماثلة في بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي خفض كثيراً من تفاؤل المستثمرين بشأن عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي. وحسب استطلاع للرأي أجراه Bank of America – Merrill Lynch بين مديري الأصول تعتبر أوروبا اليوم أقل مناطق العالم جاذبية للاستثمار. أما في أوروبا نفسها فإن المزاج العام في تدنّ. ففي شهر يناير الماضي هبطت نسبة المتوقعين لانتعاش الاقتصاد من 74% إلى 51%. وبدا واضحاً أن مجموعة PIGS ليست القائمة النهائية للبلدان الأوروبية التي تعاني من عجز الموازنات. وحسبما تشير وسائل الإعلام، فإن 20 من بين 27 بلداً أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعاني من عجز في الميزانية يفوق 3% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وأصبح تخطي هذا الحد بمرتين أو ثلاث يعتبر مؤشرا اعتياديا أكثر منه استثناء. وحسب بعض التوقعات، فإن متوسط عجز الموازنات سيبلغ 75% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في مجموع الاتحاد الأوروبي.
    وكما بالنسبة لليونان كانت المفوضية الأوروبية قد أعطت لاثني عشر عضواً آخرين في الاتحاد مهلة تتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات لحل مشكلة العجز. وحيث إن الخبراء يشكون في إمكانية هذه الدول تحقيق ذلك، فإن وضعاً سيئاً ينتظر اقتصاد الاتحاد الأوروبي واستقراره السياسي. وهذا يتطلب من صانعي القرار الاقتصادي والسياسي مراقبة تطورات الأوضاع بيقظة كي لا نقع ضحية مفاجآت كالتي حدثت وتحدث مع تتالي موجات الأزمة العالمية في السنوات الأخيرة..
     
    صحيفة الوقت
    22 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    ذكرى الميثاق.. تلك اللحظات الرائعة!

    في الذكرى التاسعة للتصويت الشعبي على ميثاق العمل الوطني اضحى البحرينيون يستذكرون الرابع عشر من فبراير بمشاعر متباينة، لكنها حتما لا تخلو من زهو يتبعه حنين لتلك الأيام واللحظات التي حملت لهم جميعا أخبارا سارة، مع تحولات لا شك أن زخمها كان طاغيا على المزاج العام حينذاك، حين أحالت أجواء الميثاق وبشائره وضع البحرين السياسي والاجتماعي إلى وضع فيه الكثير من الحماسة الوطنية والثقة بالمستقبل، علاوة على ما هيأت له من تلاحم وطني، توارت لأجله دعوات الفرقة والتشرذم وظلامية المشهد على خلفية أحداث التسعينات وما سبقها، فكان ذلك في حد ذاته دافعا كافيا لانصراف تلك الجموع الحاشدة في الرابع عشر من فبراير من العام 2001 إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الاستفتاء الشعبي الذي كان علامة فارقة في تاريخ البحرين الحديث، بما مثله من نقلة نوعية أزاحت من خلالها البحرين هما ثقيلا كان رابضا ومتربصا بهذا الوطن وشعبه بعد حقبة سوداء عقيمة.
    فها هي الذكرى السنوية للميثاق تستفز فينا الرغبة لتلك الأيام المجيدة، وتلح في طرح الكثير من تساؤلاتها التي نعجز أحيانا كثيرة عن مجرد الإجابة عليها، أو أن نتوارى خجلا من أملنا المقبور في دواخلنا، نظرا لما أصبح يكتنف المشهد العام في بلادنا من تعقيدات هي بحق مربكة لسلاسة وانسيابية وأريحية تأملناها وسعينا مجتمعين لبلوغها، متناسين جراحاتنا وجراحات وطن سيظل يستفز فينا هو الآخر رغبة الشعور بالانتماء والبناء والنهضة، مهما أرهقتنا المسافات وتقطعت بنا الدروب وداهمتنا المنغصات المحبطة في طريق بحثنا عن أجمل الأيام التي هي وعد وغاية يجب أن نسعى لها مهما كلفنا ذلك من جهود وتضحيات، ففيها أملنا وطموحات أجيال عديدة قادمة عليها أن تتعلم كيف تتعايش مع بعضها بود واحترام وتحضر.
    وحري بنا أن نستعيد قراءة مفاصل مهمة من ميثاقنا الوطني، ففيه الزاد والأمل وفيه الرجاء وسمو الغايات، لكننا حتما لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي للارتفاع بواقعنا ومضامينه، وأن نعبر معا حدود الحديث المرسل المليء بالعواطف إلى واقع أكثر عملا ورحابة وتعددية وتراحما وقبولا بالآخر.
    في ذكرى الميثاق التاسعة كان موعدنا الأسبوع الماضي مع تدشين صرح ميثاق العمل الوطني، بما يعنيه من رمزية، لنجدد العهد بالمضي في مسيرة إصلاح لا تتوقف نحو بلوغ أهدافنا الوطنية، والحق يقال إن البحرين قد قطعت بعد مرور اقل من عقد من الزمان أشواطا بعيدة وعلى أكثر من مستوى، لكنها حتما تحتاج أن تقطع أشواطا أخرى لازالت منتظرة على طريق تطوير تشريعاتها ونظمها وقوانينها وإداراتها وما حصل ليس هو غاية ما ينشده شعب البحرين، فهذا الشعب التواق دائما للمستقبل سيظل طموحه لا يحده سقف، فعلى الرغم مما تم اتخاذه من خطوات حتى الآن، ستظل عملية التطور الديمقراطي وتحديث مؤسسات الدولة على أسس دستورية، وتطوير ممارسات حقوق الإنسان وبناء دولة المؤسسات والقانون وتحقيق مستويات فضلى من العدالة وتكافؤ الفرص والشراكة في صناعة القرار عبر المؤسسات التشريعية المنتخبة، والمضي في تحقيق مزيد من الرخاء الاقتصادي هي مجالات أساسية يمكن لمملكتنا أن تقطع فيها أشواطا مباركة، إذا ما اهتدينا إلى الطريق الصحيح نحو تحقيق طموحاتنا بعيدا عن ما يمور في المشهد العام، ليستفاد منها في بلوغ درجات أكبر من العمل الوطني الحقيقي، بحيث ننأى بهذا الوطن عن تلك الحالات المتكررة لنصل به إلى مراحل النمو والاستدامة والتطور، وهذا ما نفهمه من كلمة جلالة الملك الأخيرة، عندما أعلن «أن صرح ميثاق العمل الوطني سيظل رمزا لاستمرار عملية الإصلاح الشامل في مختلف المجالات من سياسية واقتصادية وتعليمية وصحية، على ان تقوم الوزارات والمؤسسات بوضع سياساتها وبرامجها لتحقيق هذا الاستمرار»، كذلك أوضح جلالته قائلا «نحن حريصون على قيمنا النبيلة ونتطلع للتمسك بها جميعا أفرادا ومؤسسات، حفاظا على تلك اللحظات الرائعة عندما توافقنا على تفعيل الميثاق بما يكفله من حريات، وخاصة حرية التعبير للمواطنين والعمل يدا بيد لاستكمال المسيرة وسد النواقص».
    في ذكرى الميثاق السنوية، تبقى تلك هي رسالتنا لكي نكون أمناء بحق على ما توافقنا عليه، وهي غاية ممكنة ومتاحة لكنها لن تتحقق من دون شراكة شعبية حقيقية في صياغة قرارنا الوطني نحو إشادة مؤسساتنا الدستورية والحفاظ على منجزنا الحضاري.
     
    صحيفة الايام
    22 فبراير 2010

    اقرأ المزيد