المنشور

علي دويغر: قامة شامخة من هذا الوطن

كثيرون يعرفون علي دويغر المناضل اليساري العنيد الذي أسهم بدور قيادي حاسم في تاريخ جبهة التحرير الوطني وفي النضال الوطني عامةً، وكابد الكثير من أوجه المعاناة جراء ذلك، لكن القليلين الذين يعرفون علي دويغر الباحث الذي قدم دراسات مُهمة عن خصائص التطور الاجتماعي السياسي في البحرين، بينها تلك الأطروحات التي نال عنها درجاته العلمية في جامعة لوند بالسويد.
من أبحاثه المهمة بهذا الصدد “تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين”، “تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل في البحرين”، و«الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني”، فضلاً عن دراسات أخرى تتصل بقضايا الإصلاح الزراعي.
في دراساته اتبع علي دويغر منهج التحليل العلمي، المادي التاريخي، في رصد وتحليل البنية الاجتماعية والطبقية في مجتمع البحرين في الفترات التي غطاها في بحوثه، فهو على سبيل المثال يقدم في بحثه عن آثار صناعة اللؤلؤ والنفط توصيفاً للتركيب الطبقي في المجتمع البحريني، ملاحظاً أن المظاهر الإقطاعية ظلت فاعلة رغم تقدم علاقات الانتاج الرأسمالية مع مجيء النفط، مما أوجد تركيبة طبقية غريبة، أو حالة خاصة، وهو بهذا كان يتلمس مبكراً ما يتركه النفط من تأثيرات في بنية اجتماعية محافظة.
ومع تنبهه إلى أن صناعة النفط أوجدت طبقة عاملة صناعية، ألا أن الكثرة الكاثرة من العمال غير الماهرين بسبب ضعف مستويات التعليم، وغير المنفصلين عن البيئة المحافظة التي أتوا منها، يجعل منهم بروليتاريا رثة تعيق تبلور وتماسك الطبقة العاملة الحديثة، ويلاحظ، في الآن ذاته، وجود قطاع لا بأس به من العمال يعملون في مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وهذا التشظي يحمل تأثيراً سلبياً على تشكيل الوعي الطبقي.
ويرى أن البرجوازية الوطنية، آنذاك، صغيرة العدد وهي تجارية الطابع، وتعاني من اختراق السوق من قبل الرأسمال الأجنبي والشريحة المتنفذة من البرجوازية المتحالفة معه والمستفيدة من مزايا هذا التحالف.
برز اسم علي دويغر منذ منتصف الخمسينات في القرن الماضي، حيث كان من ضمن الحلقة الريادية الصغيرة التي تبنت الأفكار اليسارية والتقدمية في وقت مبكر نسبياً بالقياس للطبيعة الخاصة لمستوى التطور الاجتماعي والسياسي في هذه المنطقة، وسيصبح علي دويغر أحد المساهمين في تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية التي تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والخمسون لتأسيسها.
درس دويغر في كلية التجارة في جامعة بغداد وانخرط في الحياة الطلابية النشطة التي نشطت في إطار النهوض الوطني في العراق عشية وبعد ثورة الرابع عشر من يوليو/ تموز 1958، وبسبب تسارع التطورات السياسية هناك حيل بينه وبين البقاء في العراق، حيث عمل بعد ذلك في قطر، قبل أن ينتقل للكويت ليصبح مديراً لتحرير جريدة “الهدف”، لكنه لم يمكث هناك طويلاً بسبب تناوله للأوضاع السياسية في مقالاته.
سيضلع بدور مهم في قيادة جبهة التحرير الوطني بعد عودته، وتبدو بصماته واضحة في أول وثيقة برنامجية متكاملة في التاريخ الوطني، ألا وهي برنامج جبهة التحرير الوطني، وسيعتقل لمدة ثمانية شهور في عام 1964، ليودع المعتقل ثانية اثر اندلاع انتفاضة مارس 1965، حيث مكث في سجن جزيرة جدا عامين وثمانية شهور، ليكون بذلك آخر من غادر المعتقل آنذاك.
علي دويغر قامة وطنية كبرى في تاريخ الوطن قمينة بأن يسلط المزيد من الضوء على دورها.
 
صحيفة الايام
22 فبراير 2010

اقرأ المزيد

أزمـة تلـو الأزمـة ..!

  • من يتابع هذا الذي أثير ولا يزال يثار في شأن ملف أراضي الدولة وسواحلها
    والتعديات التي تمت بشكل مستفز على ثروة البلاد الطبيعية، وما خلصت إليه لجنة
    التحقيق البرلمانية في مخالفات الدفان والتجريف ، والمداولات التي جرت تحت قبة
    البرلمان التي تم فيها مناقشة تلك التوصيات، وما ظهر فيها من محاولة صارخة بتبرير
    هذه التجاوزات والتعديات والمخالفات من منظور أنها أصبحت أمراً واقعاً وأنه ليس
    من  ” شيم العرب استرجاع الهبات
    ” كما قال رئيس مجلس النواب، من تابع ذلك سيدرك أننا نعيش أزمة .


  • ومن يمعن في تصريح وزير الإسكان بأن مخزون الأراضي للمشاريع الإسكانية
    سيلبي الطلبات حتى 2015 ويربط هذا بذاك سيأسف لواقع الحال، وسيعي بأننا نعيش أزمة
    .



     



    ومن يتأمل في مجمل أحوال البلاد والعباد، ويدقق في كيف تجري الأمور، وبمجمل
    الحياة العامة،  تعتريه الدهشة ويأخذه
    العجب ويتملكه الانبهار، وسيدرك بأن هناك أخطاء وخطايا ترتكب بحق الوطن وبحق الناس
    وبحق المستقبل. كما سيدرك بأنه ليس من العسير أن يمتلك رفاهية التفاؤل ونحسب أنه
    سيصل إلى قناعة بأننا نعيش أزمة .. فأحوال ومطالب وشكاوي وأولويات الناس حول
    الأسعار، والإسكان، والتجنيس، والنمو السكاني، سوء استثمار أملاك الدولة
    ،والتحولات والظواهر الاجتماعية التي نشهدها وأثرها على منظومة قيم المجتمع
    وتوجهاته وسلوكه،  والفقر المدقع الذي
    يرفرف بجناحيه على مواطنين كثر، والتعليم ومخرجاته، واستغلال الدين، والحريات،
    والنواب الذين أصبحوا قنابل موقوتة، والفساد المالي والإداري والأخلاقي الذي يتجلى
    في عدة صور أمامنا والتي يستحيل إخفاؤها والتي رفعت كثيراً من الناس إلى الواجهة
    ليصبحوا غصباً عنا من عليّه القوم .. من يفعل ذلك سيزداد يقينه بأننا حقاً نعيش
    أزمة ..



     



    ومن يتابع تصريحات الوزراء والمسؤولين التي يتناولون تلك الملفات، ويتعرضون
    إلى القضايا الضاغطة على الناس بكثير من السطحية وعدم الشفافية، سيجد أن دل ذلك
    على شيء فإنما يدل على إخفاقاتهم وموارباتهم حتى وأن أدعوا أنهـم “
    شفافيون” وملتزمون بمبادئ الوضوح والشفافية ، وسيخلص إلى نتيجة بأننا حقاً في
    أزمة .



     



    ومن يواصل بإصرار في التأمل في ملفات واقعنا ويتوقف ويدقق بذهن متوقد عند
    التفاصيل والجزئيات أمام ظاهرة تغييب المعايير وتعيين عديمي الكفاءة، ومن ينظر في
    آليات تصعيدهم، وسيادة منطق البطانة والحاشية بأكثر الطرق فجاجة وغطرسة في مواقع
    شتى من مواقع العمل والمسؤولية ، والتركيز على أناس بعينهم مشمولين بكل رعاية
    ليتسلموا مسؤوليات شتى في آن واحد وفي مواقع عدة وكأن البلد أجدبت وأصابها العقم ،
    من يفعل ذلك ويتأمل سيخلص إلى أننا بالفعل في أزمة .



     



    وعندما نلاحظ ونراقب بالعقل المتيقظ أداء من باتوا يعدون أنفسهم سياسيون
    وقادة رأي والذين يظنون – رغم أن بعض الظن أثم – بأن حياتنا السياسية بدأت بهم ولا
    قيمة لها ولنا من دونهم ، والذين يبذلون كل ما بوسعهم لكي يؤلفوا ويخترعوا مبررات
    لتأكيد شرعية وجودهم في الساحة سنجد إذا لاحظنا ذلك وجهاً من أزمات واقعنا .



     



    وأي متابع حصيف لواقع حالنا لاشك أنه سيجد آفة الطائفية تنتشر لتصيب الدين
    والوطن والمواطن بكافة وجوهها لتجعل الحسابات والاعتبارات المذهبية أو الطائفية هي
    السائدة في السياسة ، في المجتمع، وفي وجدان الناس وتصبح سوقاً للتداول والتنافس
    على المصالح والمحسوبية وتضييع الحقوق ، وتسلم زمام الأمور إلى الانتهازيين الذين
    يسبحون بحمد الطائفية للمحافظة على مصالحهم وتسلم زمام الدين، وأمور السياسة
    والشأن العام إلى أهل النفاق والشقاق، هذا المتابع سيجد بأننا نعيش أزمة وأي أزمة
    ، ومن يتابع ويتأمل في أداء من يفترض أنهم يمثلون الشعب من النواب، ويجد بأن كثير
    منهم حملوا ولازالوا يحملون معاول الهدم في إشارة كل ما يثير النعرات والمشاحنات
    التجاذبات سيخلص إلى قناعة بأننا وصلنا إلى تيه نخشى إلا يظهر عليه أفق .



     



    في النهاية رجائي ودعائي إلا أكون بالغت في استعراض بعض مما يعترى واقعنا
    من أزمات قائمة  ومزمنة وعارضة وناشئة
    ومفتعلة بمقدورنا إيجاد حلول لها إذا ما شئنا ذلك ، ولم نعمد إلى الإفادة من
    مفاعيل هذه الأزمات بالنفع الشخصي، أو للجهة التي تنتمي ِإليها، طائفة كانت أم
    مذهباً، أو تكتلاً ، أو تياراً، أو حزباً أو جمعية أو جماعة، وهي في كل الحالات
    أزمات تجعلنا متعبين بحاضرنا وقلقين على مستقبل بلادنا .

  • اقرأ المزيد

    زمـن الميثـاق.. زمـن الحريـة!

  • إن الحرية هي أفضل وأكمل ما يملكه الناس، ولذلك فهناك
    مدينة واحدة فقط هي
    عندما يملك المرء الحرية
    الطبيعية للعيش بسلام» أفلاطون.


    بهذه المقولة التاريخية باتساعها الفلسفي والمجرد، باستطاعتنا أن نفكر
    بطريقة أفضل ولكن
    ليست بطريقة أكمل، وبأن نفتش عن
    حريتنا الناقصة دائما، لكونها لا تكتمل
    أبدا ولن نراها أبدا لكوننا
    نصنع الحرية على الدوام دون توقف. يتلازم ذكرى الميثاق التاسع
    مع عنوان مشروع كتابي الذي لازال في الأدراج يبحث عمن يتبناه ربما
    لكونه مازال ابنا عاقا في عالم السياسة، أو لا يرضي كل الأطراف لكونه مشروعا في طور الولادة فقد كتبت مقالات الكتاب
    وموضوعاته مع ولادة
    مشروع الميثاق ومناخه الساخن
    والديناميكي بالسجال والاختلاف، وكنا يومها مع اللحظة
    التاريخية في المضي مع المزاج العام لمجتمع يخرج من زنزانة كبيرة اسمها الطوق الصارم وحالة الاحتقان الطويلة، فنتذكر حالة
    منفي وسجين في زنزانة ضيقة خرج لمساحة كبيرة من بوابة السجن
    ليشاهد أمامه عالم يضج
    بالأسئلة والحيرة والبحث عن
    المخارج الممكنة.



     


    كان الإنسان البحريني في تلك اللحظة مع الميثاق فجاءت النسبة كبيرة وخيالية في
    عرف الشعوب المقترعة،
    ومازال معه لأن نصوصه لم تستنفد
    مهماتها ولم تمتحن جميعها على ارض الواقع، رغم ان المواد
    المكتوبة فيه وثيقة تاريخية كبيرة تنتج ذاتها، ليس لزمن ولادتها وحسب
    وإنما لأزمنة ابعد من السنوات التسع، التي برهنت بحراكها وتناقضاتها
    وشدها وجذبها، جزرها ومدها، بأن مسار الحركة الاجتماعية والجماهيرية
    ظلت رغم التعرجات تنشد للأعلى وللتقدم حتى وان كنا نخطو ببطء في بعض الأحيان
    ونندهش في أحيان كثيرة. ظل الميثاق بالنسبة لي حينها ومازال علامة تاريخية
    كبيرة في حياة شعبنا، فمن كهف الظلمة خرج لنا الضوء وما زلنا نحاول
    المسك بشعاعه الواسع دون جدوى، أما لقلة صبر الذين يريدون التاريخ أن
    يصنع لحظته المنشودة أو يصبح المتغير جوهريا في اللحظة دون أن يعي أن التراكم عنصر مهم للتغير للانتقال إلى نوعية
    ومرحلة جديدة.



     



     



    اذكر كيف
    كانت المقالات مزعجة للبعض
    والذين رفضوها، ولكنهم في نهاية المطاف انصاعوا للحقيقة
    وللتاريخ وللمعطيات، وبالتعلم من أن الثورة لا تصنع في المخيلة ولا التغيير يأتي فجأة بالأمنيات والتمرد والرفض الأعمى.
    كانت مقالاتنا نبضا ووجعا وبكل مقاييسها، أثارت ضجتها
    وأسئلتها ونهوضها عند لحظة الغليان
    قبل حالة الفيضان والتبخر، لكون
    هناك من الجماعات التي رأت في الميثاق
    خلاصها أو عدم خلاصها فسقط
    الطرفان في «الحدية» الطرفية الأقرب لحافة الهاوية، فيما
    كنا نرى أن الميثاق بنصوصه الأفضل وعلينا أن نمارس كيفية التطوير
    والتغيير، مثله مثل الديمقراطية التي بحاجة لدروس ومعلم، لمناخ ومسافات وثقافة متجددة، لتناقضات ممكنة وتناقضات لا يمكن
    حلها والدخول فيها
    بحثا عن العلاج دون كلل أو
    تراجع، فكل الصدامات التاريخية تحركت بين خطين متصارعين أفرزت
    ثالثهما جديدا وحمل في رحمه جنينه القادم.



    الميثاق يشكل لي اليوم من عمري الشخصي سياسيا هو مرور عقد على تذوقنا
    للحرية في وطننا،
    والشعور بأنك تمر من بوابة
    المطار بابتسامة ملونة، تمر عبر الأشعة السينية والأجهزة ولكنك
    تقبلها لكونها لا تمسك بسوء دون معنى. الميثاق أعطانا كما أعطيناه الحرية
    المتبادلة والأمان، حتى وان مرت على تلك السنوات التسع من الميثاق رياح
    ساخنة وومضات عابرة نقلتنا بين الشك واليقين، لكي ينتصر في النهاية فكر
    اليقين على فكر الشك بأن الميثاق والديمقراطية والتنمية مستمرة برغم العثرات لأنها خيار البحرين الاستراتيجي، ومرهونة
    حيوية المشروع والميثاق الجزء الأساسي منه، بما نمارسه
    ونستوعبه ونحاول الولوج فيه بتلك
    الصدمات الكهربائية المزعجة
    لعلاجنا القديم، المسكون بهاجس الأمن والخوف من الغد وتدهور
    الحريات وضياع شعب وتاريخ بأكمله دون فائدة.



     



     



    لهذا ترتفع
    الأصوات المتشائمة لكونها لا
    ترى إلا نصف الكأس، ولكنها تحتار أيهما تختار الفارغ أم
    المليان ؟!، فمحور العين متمركز عندها في احد النصفين، وهنا علة الرؤية للأشياء ولمدى معرفة المسافات، معرفة استقامتها
    في الاعوجاج أو
    اعوجاجها في الاستقامة، فنحن
    بعد ما يقرب من عقد للمشروع الإصلاحي ما زلنا ننتظر الكثير
    من المن والسلوى، والتي لا تأتي بقبس من فوهة الجبل، وإنما بتدمير القديم
    المتهالك وكل ما هو لا يجوز وبتطوير كل ما هو ممكن وعلينا إصلاحه، مثلما
    هو اليوم ضجيج الناس المسحوقين بفكرة استملاك بيوت إسكانية بعد انتظار
    طويل، فتاتي الولادة العجيبة ببيوت ذكية ممسوخة، ولولا فطنة القيادة
    السياسية لمرارة الإجراءات العاجلة وإعادة تقويمها بشكل عاجل لاستمرت
    الكارثة بتوليد كوارث حولها، فهل نفهم نصوص الميثاق كلها أو جزءا منها على الأقل حول معنى مقولة كرامة الإنسان البحريني،
    فالكرامة موضوع هام
    للغاية في ضمائر الشعوب
    والحضارات، التي أنتجت في نهاية المطاف وثيقة حقوقية سامية
    كحقوق الإنسان، والتي نرى جزءا منها في الميثاق ساطعا ومحسوسا.



     


    صوتنا للميثاق مثلما كتبنا عنه
    عندما كان البعض عدوانيا معنا،
    وكتبنا عندما بدا المختلفون
    ثوارا والذاهبون إلى الوادي خونة، لأننا بتنا نرى كل حسب
    تجربته وزاوية الرؤية المحفورة في دماغه وروحه، وليس حسب صنمية الأشياء السائدة في ديمومة الجمود والغليان الكاذب. زمن
    الميثاق هو زمن
    الحرية ولا يمكننا فصلهما عن
    بعض، وكلما تراجعت الحرية فإننا بوعي أو بدون وعي ندوس
    بأقدامنا على الميثاق وروحه، وكلما فتحنا فضاء الميثاق ومارسنا نصوصه فتحنا أفقا للحرية لا متناه في الزمن إلى حد
    الكمال الأفلاطوني. الزمن الذي بدأ بالميثاق في»مدينتنا» ولكنه
    لن يتوقف بفعل الحرية.



     



    الأيام 21 فبراير 2010

  • اقرأ المزيد

    حسـن مـدن فـي الكتابة والسياسة والمنفى


    كانت مناسبة طيبة لقراء الكاتب والمثقف البحريني حسن مدن، ليقتربوا من تجربته في الحياة والكتابة، يسرتها لهم حلقة جديدة من برنامج «نلتقي مع»، على شاشة فضائية دبي، الذي تقدمه الدكتورة بروين حبيب.

    يحضر مدن منذ 15 عاما في عمود يومي في صحيفة «الخليج» الإماراتية كاتبا متنوع الاهتمامات، يتوجه بتأملاته وانتباهاته إلى قرائه ذوي الأمزجة المتنوعة، ممن صاروا على مدى هذه السنوات يتجاوبون بتفاعل مع المقال، ومع كاتبه المثقف الذي يزاوج بين فاعليته، ناشطا سياسيا يترأس جمعية المنبر الديموقراطي التقدمي، ذات التوجه اليساري في البحرين، وكاتبا في الأدب والخاطرة والتأمل والشأن الثقافي. وقبل ذلك وبعده، هو صاحب تجربة في الحياة لها خصوصيتها، حيث عاش 25 عاما بعيدا عن وطنه، في حالة نفي وإبعاد قسري، قبل أن يعود مع انطلاقة المشروع الإصلاحي الذي أعلنه ملك البحرين في العام 2001.

    أطل حسن مدن على جمهور برنامج بروين حبيب بوداعة وبساطة، فاستشف مشاهدوه، والمستمعون إليه، فيه أنسا طيبا، يكاد يشابه الألفة بينه وبين قارئه اليومي، كما أمكن لغير متابعي مقالاته في صحافتي الإمارات والبحرين، ان يتعرفوا الى تجربة مثقف عربي اشتملت على محطات حارة في غير بلد عربي، فقد أقام مدن في القاهرة طالبا جامعيا يدرس الحقوق، ثم عاش قليلا في بغداد، قبل أن يستقر لسنوات في بيروت، ثم يغادرها إلى دمشق التي تركها لاحقا للدراسة في موسكو، حيث حاز الدكتوراة في الآداب والفلسفة، وبعدها يستقر في الإمارات، قبل العودة إلى البحرين. سألته بروين عما كانت عليه في هذه المدن أحلامه وطموحاته وهواجسه ومشاغله، فأجاب مشيرا إلى جيله الذي كان مأخوذا بالحلم وبالوعود الكبرى والآمال العديدة، من دون ان يعرف ان مرحلة الخسران والهزائم ستكون طويلة.

    لم يعمد المثقف البحريني، صاحب كتاب «ترميم الذاكرة» وغيره، إلى ادعاء بطولات سياسية وفكرية لديه، بل بالكاد يتعرف المستمع إليه في البرنامج إلى ما قام به بالتحديد منذ انخراطه المبكر في العمل السياسي والتنظيمي في بلاده، ثم في عضويته في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في القاهرة، وتاليا، ناشطا في تجمع يساري محظور، هو جبهة تحرير البحرين. قال ان تضحياته قليلة، قياسا لما قام به آخرون من أهل بلده ومثقفيه وسياسييه ومناضليه، كما أن اعتقاله كان لأسبوعين أو ثلاثة، غير أنه بكثير من الوجع، أشار إلى حرمانه من جواز السفر، ومن العودة إلى بلده، وفي أثناء إقامته في بيروت يعرف بالمصادفة بوفاة والديه.

    كان في محله ان تذهب بروين حبيب في محاورتها ضيفها إلى المناطق التي يشترك فيها الحياتي الخاص مع الثقافي والسياسي العام، لأن في تجربة حسن مدن مساحات غنية منها، لا سيما في أثناء اشتباكه المباشر مع الشأن السياسي، بإطاريه الحزبي والتنظيمي، قبل إقامته في الإمارات عشر سنوات، عمل في أثنائها مسؤولا في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ومديرا لتحرير مجلة «الرافد». وهي فترة كان فيها عطاؤه الإبداعي في الكتابة والبحث والدرس والتأمل في الظواهر الثقافية خصبا ومتنوعا، وعبّر عن ذلك بتقدير كبير في إطلالته التلفزيونية في «نلتقي مع».

    تكتمل هذه المرحلة حين العودة إلى البحرين، ليجدها بلداً آخر غير الذي غادره في شبابه الأول، والذي في الذاكرة والصور البعيدة، فينخرط في عمل سياسي له إطاره الجمعوي التنظيمي، صدورا عن قناعته الأولى بأن على المثقف ان يضطلع بدور في مجتمعه، وبفاعلية من لديه إرادة التغيير. وهنا يؤشر مدن إلى صعوبة الوضع الراهن في البحرين، جراء صعود التيارات الطائفية وغير الحداثية. وفي هذا المناخ، تعمل جمعية المنبر الديموقراطي التقدمي، باعتبارها امتدادا تنظيميا للتيار اليساري العريق في البحرين، والذي كانت مشهودة تضحيات مناضليه وشهدائه ومعتقليه.

    طاف الحوار مع حسن مدن في «نلتقي مع» على شؤون تنوعت في العام والخاص، وبدا هذا الكاتب، بوداعة حضوره ورهافة تأملاته، حريصاً على البساطة الراقية والعميقة، حين يخوض في قضايا السياسة والكتابة والقراءة، وفي حديثه عن أصدقائه وصديقاته الذين لم يسم أحدا منهم، وفي قوله ان الصداقة شكل من الحب، وفي تشديده على الحداثة في الثقافة والسياسة أفقا لمجتمعاتنا العربية، وكذا في إجاباته الصريحة بشأن كتابته عمودا صحافيا يوميا، وهو ما لم يكن متأكدا من نجاحه فيه في البدايات، وقناعته في هذا الصدد ان المقال جنس أدبي إبداعي راق، وان دلت الغابات من الأعمدة اليومية في الصحافة العربية على استسهاله والاستخفاف به، على ما قال.
     

    جريدة” السفير” اللبنانية
    18/2/2010

    اقرأ المزيد

    الصراع على تشيخَوف



      tchekhof3.jpg
     
    أوّل من اعترف بـ أنطون تشيخوف (1860- 1904) كاتباً حقيقياً هم الأدباء تحديداً، أمثال لِسْكوف أوّلاً، ثم غريغورَفِتْش، وليس النقّاد. وإذا ما

    أخذنا بترتيب ذلك الزمان، فهناك غارشِن، وصَلْتِكوف شِّدْرين، وكورولينكو الذي ظلّ يعترف به طيلة حياته. هؤلاء جميعاً كانوا يختلفون عن
    تشيخوف بمكوِّنات الكتابة، وفي أكثر الأحيان بالنظرة إلى العالم، غير أنهم كانوا يعترفون بأنه “يقوم بانقلاب في الأدب”، حسب التعبير الذي كان
    غريغورَفِتْش أوّل من أطلقه. بعد ذلك سيقول ليف تولستوي: “تشيخوف هو بوشكِن ناثراً”. وفي القرن العشرين يضع باستِرناك، بالأحرى بطله
    يوري جيفاغو، تشيخوف وبوشكِن في مرتبة واحدة. أمّا ميرِجكوفْسكي فلم يكن بهذه القطْعية، ولكنه
    قيِّم تشيخوف عالياً، وكتب عدة أعمال رائعة
    عنه. بينما لم يكن النقد يفهم تشيخوف، كما لاحظ كورْنِي تشوكوفسكي، واستمرّ على هذا الحال من عدم الفهم مدة خمسة وعشرين عاماً.
    وكان بين أقران تشيخوف ومعاصريه حسّادٌ صغار، وناسٌ على قدْر كبير من المحدودية، مصابون بعقدة ساليِيري. فقد وقعت، مثلاً، حادثة تشبه
    النكتة. إذ بينما كان تشيخوف يصعد الدَّرَج في مبنى “مجلس الأَشراف” إذ بنظره يقع على كاتبين واقفين في صحن السلَّم، هما: الكاتب المسرحي
    وجِين، والكاتب بَتابينكو. كان يوجِين ممسكاً بزرِّ بَتابينكو وهو يقول له: “فلتعلمْ أنّك أنت الأوّل في الأدب الروسيّ اليوم”. وفجأة رأى تشيخوف صاعداً، فأردف مسرعاً: “وهو، طبعاً، وهو طبعاً”!
    مّا في القرن العشرين فقد تغيَّر الحال، وجاء الجديد، جاء إلى عالم الأدب كوكبة جديدة من الكتّاب، موجة جديدة، هي ما نسمّيه بالعصر الفضِّيّ،
    فأخذت المواقف من كتّاب هذا العصر الفضِّيّ تنحو منحى آخر تماماً. لقد كان هؤلاء ينظرون إلى تشيخوف نظرتهم إلى شخص كرَّسته التقاليد،
    شخص يتناقض مع كثير ممّا جاؤوا به إلى الأدب ومعهم في الحياة. 
     يجوز القول إن كتّاب اتجاه معيَّن لم يتقبّلوا تشيخوف بالمرّة، وكتّاب اتّجاه آخر تقبّلوه. والأرجح هو أنّ المسألة كانت فردية في كلّ حالة من تلك
    الحالات، وإن كانت تظهر تكتلات غريبة ضدّ تشيخوف. إذ يمكن القول، مثلاً، إنّ الشاعرات الأبرز الثلاث: زيناييدا غيبيؤوس، وآنّا أخْماتَفا،
    ومارينا تْصفيتايِفا، كنَّ لا يطقنَ ذِكر تشيخوف. غير أن كلاً منهنَّ كانت تفسِّر موقفها منه على طريقتها، وهذا ما أسفر عن سلسلة كاملة من
    الكتابات التي تفسِّر نفور النساء الشاعرات من تشيخوف. فإذا ما أخذنا الرمزيين وجدْنا الأمور مختلفة كلها. إذ كان أندريه بيلي مستعداً تقريباً
    للاعتراف بأنّ تشيخوف أوّل الرمزيين في الأدب الروسي. وظلَّ ألكساندر بلوك ردحاً طويلاً من الزمن لا يُفصح عن موقفه من تشيخوف إلى أن
    شاهد “الأخوات الثلاث” في المسرح الفنّي فأصيب بالذهول، وقال فيما بعد إنه “تقبَّل تشيخوف وأحلَّه في روحه إلى الأبد”. أمّا فاليري بريوسَف
    فبالعكس، لم يتقبَّل تشيخوف، وظلّ على هذا الموقف، وكان ينوي كتابة مقالة ضدّ “بستان الكرَز”.
    ولعلّ آراء الأَكْميِّين بـ تشيخوف كانت أكثر تجانساً. ذلك أن آنِّنسكي الذي مهَّد لهم الطريق كتب مقالة شهيرة يقارن فيها تشيخوف بـ دَستَيِّفسكي
    وتولستوي، فيشبِّه هذين الأخيرين بـ “قمَّتَي جبلين، بسنديانتين جبّارتين”، ويصف الأوّل بأنه “جُنَينةٌ من الأزهار الملوّنة”. على أن في مقالته
    عن”الأخوات الثلاث” ما يُشعِر بأن هذه المسرحية لامست أعماق روحه كفنّان وكإنسان. فقد أدرك أنّ “الأخوات الثلاث” وكلّ ما يكتبه تشيخوف إنما هو عن أبناء جيله.
    لقد أثار نفور أخماتَفا من تشيخوف أكبرَ قدْر من الاهتمام بين معارفها ومن كانوا يلتقون بها. فكتَب عن هذا الموضوع كلّ من أناتولي نايمَن وليف
    لوسِف، ثم كوشنِر، ونَتاليا إيليِنا على وجه الخصوص، وليديا تشوكوفسكَيا، وجميعهم كانوا معجَبين أشدَّ الإعجاب بـ تشيخوف وبـ أخماتَفا على حدٍّ
    سواء. هؤلاء كان يتعذّر عليهم فهمُ هذا النفور. ويمكن القول إنهم كانوا ممزَّقين بين هذين المعبودَين، وكان لكلٍّ منهم حُجّته. بعضهم كان يعتقد بأن
    أخماتَفا تسعى إلى أن تزيح ما كانت هي نفسها قد نشأت منه. كانت ترغب بالخلاص من ذكرياتها عن طفولتها الريفية، الخلاص من الفتاة الريفية
    آنيا غورينكو (كنيتها الحقيقية). وكانت كتابات تشيخوف تحول بينها وبين تحقيق ذلك. على أن أولئك الذين كتبوا مذكراتهم عن أخماتَفا أشاروا هم
    أنفسهم إلى أن أشعار أخماتَفا مبنية في كثير منها وَفقاً لقوانين المكوِّنات التي تقوم كتابات تشيخوف عليها: نمط العيش، التفاصيل المأخوذة من
    الحياة اليومية، واكتشاف الشعر في ذلك كله ـ إنه الموروث التشيخوفي الذي تقتفي أثره بجلاء. وكان هناك تفسير آخر. فكثيراً ما يحدث أن يرى
    كاتبٌ ما أن الخلاص كامن في القطيعة مع من يؤثِّر عليه. كما يوجد تفسير ثالث، وهو ينطبق على تْصفيتايِفا أيضاً، فحواه أن هذا الموقف ناتج عن
    قراءة تشيخوف قراءة سطحية، عابرة. إذ تشير تْصفيتايِفا إلى قصتين أو ثلاثٍ من قصص تشيخوف، ما يخلق انطباعاً بأنها لم تقرأ له شيئاً آخر،
    ولكنّ ما قرأته كان يبعث فيها النفور. فقد كانت تقارن، مثلاً، بين نثر تشيخوف والنثر الذي كتبه باسترناك شديد التعقيد في مطلع شبابه. وهنا يمكن
    للمرء أن يفهمهم، لأنّ أنصار تشيخوف، أولئك الذين كانوا يَعُدّون أنفسهم معجَبين به ويكرِّسون أساطير المثقّفين عنه، كان رأيهم على درجة من
    القوّة تستدعي نفور غير المعجبين بـ تشيخوف. على أنّ فلاديمِر ماياكوفسكي في شبابه، وهو المعروف بالتمرّد وتحطيم كلّ شيء، كتب مقالة
    بعنوان “تشيخوفان اثنان”، بدأها تحديداً من القول بأنّ الناس ينظرون إلى تشيخوف عادة بوصفه محامي المُذّلّين والمُهانين، ومُغنّي الحزن
    البشريّ. كلاّ، – يقول ماياكوفسكي، ـ إنّ تشيخوف واحدٌ من ملوك الكلمة، فنّان / مجدِّد، كاتبٌ أعطى اسماً جديداً لكلّ شيء يحيط بنا، أعطى
    مبادئ جديدة لبناء الجملة…إلخ. ففي نظر ماياكوفسكي الفنّانِ / المجدِّد، كان تشيخوف غالياً ورفيع القيمة لهذه الأسباب. علماً بأنّ ماياكوفسكي
    نفسه لم يكن يتقبّل مسرحيات تشيخوف.

     

    اقرأ المزيد

    “الليبرالي” يحتاج أولاً إلى الحرية

    إن الليبرالي يدعو إلى الحرية وهو بحاجة إليها.
    إن أغلب متحدثي الليبرالية واليسارية الناعمة هم أناسٌ يطمحون إلى مشروعات رأسمالية، لكنهم عاجزون عن إنتاج رأس المال.
    ولكي يصير الموظف ليبراليا يجب أن يترك وظيفته الحكومية ويعبر عن التاجر وعن المالي والصانع، فالكلمات المجردة لا تصلح للتعبير عن ليبرالية وطنية في بلد ما.
    إن وظيفته الحكومية وإنتاجه الفكري داخلها لا يسمحان له بمعرفة هموم طبقته، وبتأسيس مقاربة فكرية للحياة الاقتصادية والاجتماعية.
    لابد أن يتعرف مشاكل الصناعيين والتجار ورؤاهم، ويغزلها برؤاه الانتقادية السياسية، لكي يكون لهذه الطبقة موقع سياسي مؤثر، ولكي يكون لها معبر من خلال بيانه.
    ولكي ينقل كذلك لهذه الطبقة مشكلات الناس والعمال والوطن، ولكي ينشئ جسوراً بين اندفاعِها الربحي وأوضاعِ المعسرين والمعدمين والعمال والميسورين، حتى لا تجمع الكرهَ لها، ولكي تدري بأوضاع الناس، ولكي تحصل على جمهور مؤيد من بين المواطنين، يزكيها لانتخابات وتطورات اجتماعية قادمة.
    حين يقوم الموظف الصغير الحكومي بإنتاج أفكار ليبرالية لا يصارع وظيفته بطبيعة الحال، فهو نتاجُ الوظيفةِ الحكومية التي لا تنتجُ أفكاراً ليبرالية إلا عبر القراءة لا عبر الإنتاج ودرس الواقع.
    إنتاجُ الأفكار الليبرالية يتشكلُ بالصراع من أجل البرجوازية الخاصة وحرياتها. هذا مثله مثل اليساري المتحالف مع الدينيين، لا تنشأ يساريته ولا تنمو إلا من خلال الصراع الفكري مع الدينيين، فالجمهور لكي يتطور لابد له من تقييد الحكم المطلق لشيوخ الدين كذلك في شؤون الحكم العام، بمعنى ألا يفرضوا سطوةً كليةً في الحياة السياسية الاجتماعية التي هم متخلفون عن إدراك طبيعتها المعقدة.
    مثلما أن للرأسمال الحكومي حدا يجب الوقوف عنده، والحد لا ينزل من السماء بل من فعل النضال البرلماني الديمقراطي الوطني العام.
    هناك مراحل نشوء وتطور لليبرالية، فالليبرالية هي جسمٌ اجتماعي تاريخي يتكون عبر مراحل، إنها تعيشُ الآن حالةً تكوينية غير محددة، لأنها لاتزال في المجال الثقافي، وفي المجال السياسي الكامن، ثم تنتقل للمجال السياسي الظاهر، عبر تجمع عناصر الوعي الليبرالي والاقتصاد. وهذا نتاج العلاقات بين الجانبين، ولمدى تطور العقول الليبرالية الحرة، ولمدى تطور الرساميل الوطنية.
    إنها نتاجٌ لتطور الرأسمالية الوطنية التي تجمعُ ثمارَ فكر القطاع العام الديمقراطي المنفصل عن البيروقراطية وثمرات الرأسمالية الخاصة المنفصلة عن الأنانية الكلية.
    لابد من تقليصِ هيمنةِ الحكومة على الاقتصاد وعلى الحياة الاجتماعية ولابد من تحولها إلى إدارة سياسية فقط، والليبرالي – حين يقوم بذلك – يتطور سياسيا، أي عبر نمو الشركات الخاصة البحرينية فعلاً، وعبر تغلغلها في مجالات جديدة في الاقتصاد والعلوم والثقافة والإعلام، وقدرتها على إعادة تغيير الواقع.
    التطور الرأسمالي القادم يتطلب هذا النمو، وتضخم المؤسسات الحكومية العددي، يعرقل التطور، ويعرقل إعادة توزيع عمل السكان، وتقليص العمالة الأجنبية، وتثوير قوى الإنتاج العلمية، وتغيير طابع السكان الإنتاجي، وتغيير تقسيم العمل بين العمل الذهني والعمل اليدوي، عبر توسيع الأول وتقليص الثاني الخ.
    إن الليبرالي الحكومي هو ليبرالي لايزال شموليا، ولذا فإن مفرداته أدبية، غير اقتصادية، لا يعرف ما هي الرأسمالية العامة والرأسمالية الشرقية وقوانين تطورها.
    إنه يعتبر التغلب على الشموليين مسألة ثقافية، وليس نتاج التحجيم الديمقراطي للقطاع العام البيروقراطي وتوسع الحريات والأعمال في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة وتوسيع حريات العقل في البحث والنقد وتجذرها في البلد.
    لماذا نركز هنا في الليبرالي؟ لأنه الذي يقدر أكثر من غيره على إنتاج الديمقراطية بمعايير الواقع الممكن.

    صحيفة اخبار الخليج
    20 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    ‮ ‬الشبه بين الاتحاد السوفييتي‮ ‬السابــق والولايــــات المتحــدة الراهنـــــة

    الرأسمالية،‮ ‬بتشكيلاتها المختلفة،‮ ‬الكلاسيكية‮ (‬نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين،‮ ‬والهجينة المائلة لتطعيم اقتصادياتها ونهمها الجشع بأبعاد اجتماعية تخفيفية وتلطيفية‮ ‬‭-‬‮ ‬نموذج الرأسمالية الألماني‮ ‬والاسكندينافي‮ ‬منذ منتصف القرن العشرين الماضي‮)‬،‮ ‬والأخرى البالغة التحرر لحد التوحش‮ (‬نموذج الرأسمالية الأمريكية الذي‮ ‬لم‮ ‬يحاول قط الاعتبار بالمكون الاجتماعي‮ ‬للفكر التنموي‮ ‬المعاصر‮) ‬‭-‬‮ ‬نقول الرأسمالية كنظام اقتصادي‮ ‬اجتماعي‮ ‬ظلت على مدى التاريخ المعاصر للمجتمع البشري‮ ‬وتحديداً‮ ‬القرون الأربعة الأخيرة،‮ ‬هي‮ ‬النموذج التنموي‮ ‬الوحيد الأكثر ثورة في‮ ‬إحداث التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية الكبرى والعميقة شكلاً‮ ‬ومضموناً،‮ ‬خياراً‮ ‬أصيلاً‮ ‬ومستقبلياً‮ ‬لنهوضها التنموي‮ ‬الشامل،‮ ‬وذلك بما توفره من فرص لإطلاق المبادرة الاقتصادية والابتكار والإبداع وتحقيق الذات‮.‬
    ولم‮ ‬يواجه النظام الرأسمالي‮ ‬الذي‮ ‬نجح كنموذج في‮ ‬التحول للعالمية بعد توحيد الأسواق العالمية على أسس الحرية الاقتصادية،‮ ‬لم‮ ‬يواجه على مدى القرون الثلاثة السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر،‮ ‬أي‮ ‬تحدي‮ ‬يذكر من جانب نموذج تنموي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يطرح نفسه بديلاً‮ ‬جدياً‮ ‬للنموذج التنموي‮ ‬الحر أو الليبرالي‮. ‬حتى جاء القرن العشرين وحمل لهذا النموذج أول نظام اقتصادي‮ ‬اجتماعي‮ ‬يطرح نفسه بديلاً‮ ‬أكثر نجاعة وأكثر عدالة للإنسان والحضارة المعاصرين،‮ ‬وهو النموذج الاشتراكي‮ ‬الذي‮ ‬ظهر أولاً‮ ‬في‮ ‬روسيا في‮ ‬عام‮ ‬1917‮ ‬ومن بعد في‮ ‬عدد من البلدان الأوروبية والبلدان الآسيوية والأفريقية واللاتينية‮.‬
    وتشاء المصادفات التاريخية أن‮ ‬يكون ظهور هذا الخيار النهضوي‮ ‬البديل بمثابة أول محفز للرأسمالية،‮ ‬كنظام سياسي‮ – ‬اقتصادي،‮ ‬لكي‮ ‬تجدد نفسها‮. ‬وهو ما حدث بالفعل،‮ ‬حيث ظهر النموذج الألماني‮ ‬للرأسمالية الاجتماعية والنماذج الاسكندنافية التي‮ ‬زاوجت بين حرية الأسواق والأبعاد الاجتماعية والإنسانية للاشتراكية‮.‬
    إلا أن هذا التغيير وهذا التجديد والتحديث لم‮ ‬يطل نموذج الرأسمالية الأمريكية،‮ ‬وهو أمر نعزوه جزئياً‮ ‬إلى الدور القيادي‮ ‬الذي‮ ‬اضطلعت به الولايات المتحدة على مدى‮ ‬72‮ ‬سنة هي‮ ‬عمر الاتحاد السوفييتي،‮ ‬لاسيما إبان الحرب الباردة‮ (‬1946‮-‬1991‮) ‬في‮ ‬محاربة الاتحاد السوفييتي‮ ‬واشتراكيته المبشرة بالملكية العامة على حساب الملكية الخاصة‮. ‬وهذا ما جعلها‮ (‬أي‮ ‬الولايات المتحدة‮) ‬تتقوقع على نفسها وتتخندق لصد الهجمات الإيديولوجية والحيلولة دون تسرب وتغلغل النفوذ السوفييتي‮ ‬داخل‮ ‘‬قلعتها الحصينة‮’‬،‮ ‬تماماً‮ ‬كما تقوقع وتخندق الاتحاد السوفييتي‮ ‬داخل صومعته،‮ ‬دون أن توفر كل منهما‮ (‬الولايات المتحدة ومنظومة الاتحاد السوفييتي‮) ‬لنفسيهما فرصة إعادة تقييم وتطوير وتحديث نظامهما اللذين نال منهما التقادم وعدم مواكبة مستجدات واستحقاقات العصر‮.‬
    ومن عجائب الصدف أن تتاح للنظامين المتضادين فرصة متزامنة لكل منهما للإصلاح وإعادة البناء،‮ ‬إلا أن الاثنين فرطا فيها،‮ ‬وقد كان من الممكن لو استغلاها أن لا‮ ‬يكونا قد وصلا إلى المصير الذي‮ ‬انتهيا إليه‮.‬
    في‮ ‬مطلع ستينيات القرن الماضي‮ ‬وتحديداً‮ ‬خلال الفترة مــــــن‮ ‬1961‮-‬1963‮ ‬انتخـــــــــب الشعــــــــب الأمريكي‮ ‬المرشح الديمقراطي‮ ‬من ولاية ماساشوسيتس جون كنيدي‮. ‬وقد جاء الرجل ومعه فريق عمله الحكومي‮ ‬بطموح لإحداث نقلة نوعية في‮ ‬الحياة السياسية والنظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮. ‬إلا أن خططه لإصلاح الاقتصاد وإبرام اتفاق رئيس مع الاتحاد السوفييتي‮ ‬لخفض الأسلحة الاستراتيجية ذهبت أدراج الرياح،‮ ‬حيث كان قد ألقى خطاباً‮ ‬مميزاً‮ ‬بعد انتهاء أزمة الصواريخ الكوبية مع الاتحاد السوفيتي‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬1962‮ ‬أشاد فيه بالدور الرائع الذي‮ ‬لعبه الاتحاد السوفييتي‮ ‬في‮ ‬إلحاق الهزيمة بالنازية في‮ ‬الحرب العالمية الثانية،‮ ‬وشهدت هذه الفترة انفراجاً‮ ‬غير مسبوق في‮ ‬علاقات البلدين قام خلالها الرئيس السوفييتي‮ ‬نيكيتا خروشوف بزيارة للولايات المتحدة استمرت ثلاثة عشر‮ ‬يوماً،‮ ‬تم خلالها إبرام اتفاقية للحظر الجزئي‮ ‬للتجارب النووية عام‮ ‬‭.‬1963
    إلا أن ما أسماه الرئيس الأمريكي‮ ‬الأسبق دوايت أيزنهاور بالمجمع الصناعي‮ ‬الحربي‮ ‬وما حذر من مخاطره على الديمقراطية الأمريكية،‮ ‬كانت له،‮ ‬وعلى ما‮ ‬يبدو،‮ ‬كلمة أخرى،‮ ‬إذ شاء أن‮ ‬يضع نهاية برصاصات‮ ‬غادرة لحياة وطموحات الرئيس كيندي،‮ ‬وأن‮ ‬يسدل الستار على أول محاولة جدية من داخل النظام الأمريكي‮ ‬لترشيده وعقلنته من خلال عملية بناء‮ (‬بيريسترويكا‮) ‬تمنح النظام مزيداً‮ ‬من مصادر القوة والمنعة وتوفر له فسحة أرحب للتطور والتعامل مع التحديات المستجدة‮.‬
    في‮ ‬الاتحاد السوفيتي‮ ‬السابق أيضاً‮ ‬تقلد نيكيتا خروشوف منصب زعيم الحزب الشيوعي‮ ‬الحاكم ورئاسة الدولة في‮ ‬عام‮ ‬1953‮ ‬إثر وفاة جوزيف ستالين‮. ‬وقد استمر حكم خروشوف حتى عام‮ ‬1964‮ (‬أي‮ ‬إلى ما بعد عام من اغتيال كنيدي‮). ‬وقد تميز حكم خروشوف بمعادة الستالينية وإرساء الدعائم الأولى لسياسة الانفراج الدولي‮ ‬والتعايش السلمي،‮ ‬أبرم خلالها مع الرئيس كيندي‮ ‬اتفاقية الحظر الجزئي‮ ‬للتجارب النووية في‮ ‬عام‮ ‬1963‮ ‬كما أسلفنا‮. ‬كما عمل خروشوف على تحسين الأوضاع المادية للسكان والإفراج عن المعتقلين السياسيين وتطوير القطاع الزراعي‮. ‬أما ضربته الكبرى فكانت تلك التي‮ ‬فجرها في‮ ‬المؤتمر العشرين للحزب في‮ ‬عام‮ ‬1956‮ ‬حين فاجأ الجميع بإعلان الحرب على الستالينية وتطوير الديمقراطية وتقوية الشرعية للنظام السوفيتي‮.‬
    ولكن وكما حدث مع كينيدي‮ ‬فلقد تمت تنحية خروشوف بصورة مفاجئة وسريعة في‮ ‬الأسبوع الأول من أكتوبر من عام‮ ‬1964‮ ‬بعد أن استدعاه المكتب السياسي‮ ‬إلى موسكو من شبه جزيرة القرم حيث كان‮ ‬يقضي‮ ‬إجازة هناك،‮ ‬ووجه له أعضاء المكتب السياسي‮ ‬اتهامات بأنه لا‮ ‬يحقق العدالة الاشتراكية ولا‮ ‬يقيم وزناً‮ ‬للمسؤولية الجماعية،‮ ‬وطلب منه سوسلوف الاستقالة،‮ ‬إلا أنه رفض تقديم استقالته‮. ‬وفي‮ ‬الرابع عشر من أكتوبر تمت تنحيته من جميع مناصبه فانعزل من‮ ‬يومها في‮ ‬عزبته الريفية حتى وافته المنية في‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮ ‬‭.‬1971
    بعد وفاة خروشوف بعشرين عاماً‮ ‬انهار الاتحاد السوفييتي‮ ‬على‮ ‬يد الرئيس ميخائيل‮ ‬غورباتشوف الذي‮ ‬أراد إصلاح الإعطاب في‮ ‬النظام ولكن بطريقته الريفية الغوغائية،‮ ‬حيث تعامل مع هيكل ومؤسسات الدولة على طريقة الأطفال حين‮ ‬يعجزون عن إكمال بناء اللعبة فينثرونها‮ ‬يأساً‮ ‬وكمداً‮ ‬من عدم التوفيق في‮ ‬إتمام البناء‮.. ‬فهدم‮ ‘‬المعبد‮’ ‬على رؤوس الجميع‮.‬
    اليوم هناك في‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية‮ ‘‬غورباتشوف‮’ ‬أمريكي‮ ‬اسمه باراك أوباما‮. ‬هذا الرئيس الذي‮ ‬وصل كالحلم لسدة الحكم في‮ ‬البيت الأبيض‮ ‬يحاول إحداث تغيير نوعي‮ ‬في‮ ‬النظام الأمريكي‮.. ‬تغيير‮ ‬يرقى إلى مستوى البريسترويكا الغورباتشوفية‮. ‬فهل سيكتب له النجاح أم أنه سيلاقي‮ ‬المصير الذي‮ ‬انتهى إليه كيندي‮ ‬وخروشوف؟
    هذا ما سنحاول الإجابة عليه في‮ ‬المقال القادم‮..‬
     
    صحيفة الوطن
    20 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    كتابة للشفاء من أسقام الحياة

    ثمة قاعدة متداولة، شائعة ومتوارثة أيضاً تؤكد أن “العقل السليم في الجسم السليم”. ونحن جميعاً أسرى هذا الاعتقاد الذي هو بمثابة يقين رغم أننا لو تأملنا في سيرة الكثير من العباقرة والمبدعين لها أن نرى أن الكثيرين منهم كانوا ذوي أجسام عليلة، ناحلة، نخرها المرض، ولكنهم مع ذلك أبدعوا وهم في هذه الحال أجمل وأروع أعمالهم.
    ويمكن أن نسوق في هذا المجال عدة أسماء، بينهم على سبيل المثال لا الحصر بدر شاكر السياب الذي كتب من على فراش مرضه بالمستشفى الأميري بالكويت عدداً من قصائده الخالدة، وأمل دنقل الشاعر المصري الذي اختطفه الموت مبكراً كتب أعماله الأخيرة وهو على سرير المرض، وأنضج أعمال سعدالله ونوس وأعمقها وأبعدها أثراً كتبها في السنوات الأخيرة يوم تسلل السرطان إلى خلايا جسده المنهك، وكرر في أكثر من مناسبة، بما في ذلك كلمته الشهيرة بمناسبة يوم المسرح العالمي أنه يقاوم السرطان بالكتابة.
    وواصل الراحل إداورد سعيد نشاطه الفكري والأكاديمي بهمة رغم إصابته هو الآخر بالسرطان الذي تمكن منه أخيراً. ونعرف من التاريخ أن المفكر الإيطالي الشهير انطونيو غراشي كتب أهم أعماله على الإطلاق، أي دفاتر السجن، وهو يعاني من أمراض مختلفة لم تمهله طويلاً بعد خروجه من السجن الذي قضى في قرابة عشرين عاماً، وتضمنت هذه الدفاتر خلاصاته الأساسية في الفكر والثقافة والحياة.
    وكان الروائي ديستوفسكي يعاني من نوبات الصرع التي تجتاحه بين الحين والآخر، ويظن بعض النقاد إن هذه الحالات كانت إحدى مخصبات الخيال الروائي والإبداعي الذي أسعفه في تحليل دواخل النفس البشرية بالصورة التي جعلت البعض يعتقد أنه سبق فرويد في بعض حقول التحليل النفسي.
    والحق أن العلاقة بين الكتابة والمرض حالة تدعو أو تحرض على التأمل، خاصة حين نلاحظ إن كتابات هؤلاء الكتاب والمبدعين المرضى الذين أشرنا إلى نماذج منهم أكثر صحة وعافية وتألقاً من كتابات آخرين يتمتعون بكامل الصحة.
    وليست هذه على كل حال مسلمة أو شرطاً أو حكماً كأن تقول بأنه لكي يكتب الكاتب كتابة مبدعة وأصيلة عليه أن يكون مريضاً، ولا لفقدت كل المطالبات بتحسين ظروف الكتاب ورعايتهم وتأمين العناية الصحية والمادية لهم كل مبرراتها.
    الأجدى في مثل هذه الحالة التفريق بين كتابة صحية وأخرى مريضة، تشبه تماماً ذلك التفريق الضروري بين الفكر الحي، الصحي، وبين الفكر المريض المتهالك. ورغم أن التاريخ، إجمالاً، أنصف الكتابة الحية المبدعة وخلدها، فإن الكتابة المريضة، رغم مرضها، قادرة بما يمتلك أصحابها “الأصحاء والأقوياء” من تأثير ونفوذ على الانتشار ولو إلى حين وعلى أن تخلق نوعاً من الوعي الزائف، أو زيف الوعي الذي يتراءى لنا في مواضع مختلفة من حياتنا.
    وما دمنا في إطار الحديث عن العلاقة بين المرض والكتابة، جري بنا الإشارة إلى ما يسميه البعض مرض الكتابة، الذي يمكن أن يتحول في حالات كثيرة إلى مرض مزمن لا علاج له، إلا إذا انطلقنا من تلك القاعدة التي تعطي الدواء من نفس الداء، كأن تكون الكتابة نفسها نوعاً من التنفيس أو التسكين من أعراض وآلام المرض الذي ينتاب من يدمنها.
     
    صحيفة الايام
    20 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    حول حماية المستهلك

    الباحث المتخصص في شؤون حماية المستهلك د. عبداللطيف بارودي تطرق في مقدمة بحثه حماية المستهلك (المفاهيم والواقع الراهن والمؤشرات المستقبلية) الى اهمية وجود قواعد ونظم فاعلة تحكم حركة التجارة وتنظم عمل الاسواق، وتطرق ايضاً الى الاسباب التي تدفع العديد من الشركات والتجار والمنتجين والمتعاملين بالمواد والخدمات لاتباع اساليب غير مشروعة للاثراء السريع ومن بين هذه الاساليب الملتوية استخدام وسائل الغش المختلفة ومن هنا تدعو الحاجة كما يقول لوجود نظم رقابية لتتبع المخالفات وان تتبع هذه النظم الجهات المختلفة (حكومية وشعبية).
    وفي اطار زيادة المنافسة نتيجة الكساد الاقتصادي يقول: يتجسد بشكل واضح تطبيق عبارة “الزبون دائماً على حق” من خلال مفهوم حماية المستهلك وحصوله على حقوقه المشروعة مثل: حق الاختيار والمعرفة والاستماع الى آرائه والتثقيف والتعويض واشباع حاجاته الاساسية والعيش بامان والحياة في بيئة صحية وهي الحقوق التي اقرها الاتحاد الدولي لجمعيات حماية المستهلك واعتمدتها الامم المتحدة عام 1985 كاساس لوضع السياسات والتشريعات الخاصة بحماية المستهلك وتشجيع التعاون الدولي في هذا المجال.
    ان اهمية هذا البحث تقترن باهمية الدوافع لاصدار التشريعات اللازمة لحماية المستهلك وتأهيله بحيث يستطيع تحديد مصالحه والدفاع عن حقوقه واختيار السلع والخدمات بالسعر المناسب كي يؤمن احتياجاته التي تنسجم مع رغباته وذوقه. ومن هنا يقول “ما يشهده العالم حاليا من تطورات اقتصادية واجتماعية متسارعة تتمثل في ظهور التكتلات الاقتصادية والاقليمية والدولية في ظل العولمة والتوجه الجاد للانفتاح الاقتصادي العالمي لتحرير التبادل التجاري السلعي والخدمي وانتقال الاموال والقوى العاملة بين جميع الدول جعلتنا نشعر باننا نعيش في كتلة اقتصادية واحدة تتأثر الدول بنتائجها حسب قوتها الاقتصادية وبنيتها البحثية والعلمية والتقنية التي تؤهلها للهيمنة على هذا العالم، وهذا بالطبع سيؤدي لشدة المنافسة بين المنتجات الوطنية والاجنبية سواء في السوق الوطني والاقليمي او الدولي لتعزيز المقدرة التنافسية لكل بلد من ناحيتي الجودة والسعر وستؤثر هذه المنافسة على المستهلك ايجاباً وسلباً الامر الذي يتطلب ازالة المنعكسات السلبية (الصحية الغش التضليل والابتزاز التجاري) وبالتالي لابد من اصدار التشريعات اللازمة لحماية المستهلك.
    على اية حال من اهداف هذا البحث طرح ومناقشة المتغيرات التي تؤثر على آليات اتخاذ القرارات وطبيعة النظم المؤسسية لمنشآت الانتاج والمؤسسات النقدية وتنظيم الاسواق وفي ظل المنافسة والاحتكار كيف يتم التعامل مع ذلك من خلال البحوث والدراسات واتخاذ الاجراءات التي تؤمن حماية مصالح الدولة الوطنية والعناية بالمستهلك.
    وبشيء من التفصيل، اشار البحث الى المبادئ الارشادية لحماية المستهلك التي اقرتها الامم المتحدة ولاسيما تلك التي توفر السلامة المادية للمستهلك من خلال اعتماد الحكومات والسياسات والنظم القانونية وانظمة السلامة والمعايير الوطنية والدولية بما يضمن ان تكون المنتجات المصنعة مأمونة اينما وجدت وابلاغ المستهلكين المعلومات الهامة المتعلقة بسلامة الاستعمال، وان يلتزموا بسحبها والتعويض المناسب في حال وقوع خطر من جراء استعمال هذه المواد، وكذلك تعزيز وحماية المصالح الاقتصادية للمستهلك من خلال السياسات التي تضمن قيام المنتجين والموزعين والبائعين بالتقيد بالمواصفات والمعايير الالزامية وتحد من الممارسات التجارية التي تلحق الضرر بالمستهلكين وتشجيع المنافسة النزيهة والفعالة والمعاملات العقدية المنصفة وبالاضافة الى ذلك وضع برامج التثقيف والاعلام الهادفة لتوعية واعلام المستهلكين تمكن المستهلك اختيار السلع بشكل واع لحقوقه ومسؤولياته وادخال مثل هذه البرامج في المناهج التعليمية.
    خلاصة القول، ان بحث “البارودي” عمل بحثي متخصص مضامينه العامة تتوافق مع المبادئ التوجيهية لحماية المستهلك الصادرة عن الامم المتحدة ومع ذلك هل يمكن توفير مثل هذه الحماية من دون نظم رقابية فاعلة تحد من الظواهر السلبية والممارسات اللااخلاقية التي تضر بالمستهلك؟ سؤال كان من الاولى ان يتناوله البحث بالقدر الكافي وخاصة ان النظم الرقابية في الدول العربية تشكو من قصور في التطبيق.
     
    صحيفة الايام
    20 فبراير 2010

    اقرأ المزيد

    انتخبوا.. لا تنتخبوا !!

    انتخبوا هذا المرشح .. لا تنتخبوا ذاك، هذا يده ملطخة بدماء العراقيين، وذاك يده بيضاء، المالكي ‘شمس أذابت جليد الإرهابي، ويافطة أخرى لعلاوي كتب عليها: أنقذ العراق بانتخاب إياد علاوي، وهناك الجعفري وعبد المهدي، والهاشمي والطالباني وبرزاني، وكلهم حكموا العراق باسم الكتل المتنفذة، وجلهم متشابهون، قوميون وشوفينيون، طائفيون، وكلهم محاربون من ‘أجل السلام . . الخبز . . العمل’، ضد ‘الإرهاب والفساد والطائفية’، وكلهم يكافحون من أجل الفقراء ويستنكفون المحاصصة الطائفية، وبالطبع لا أحد يشكك في وطنية هذا ولا ذاك، لكنهم جلهم ساهموا في تعذية ‘سستم’ المحاصصة الطائفية فانقلبوا عليه الآن، ربما يكونون صادقين، ‘لعن الله الشاك!!’، أما الذين بح صوتهم، ضد المحاصصة الطائفية في العراق الجديد، وسجلهم ناصع البياض، بشهادة ‘هيئة النزاهة’ التي لم تسجل عليهم أية قضية فساد، وأية قضية إرهاب، ولم يبرروا الاعتداء على حدود وطنهم، فقد تساوا بقدرة قادر مع الجميع وصاروا في سلة واحدة، بخلط أوراق الدعاية الانتخابية!!.
    بات على الناخب العراقي على ما يبدو، في ظل هذه المساواة في القسمة، مطلوب منه قبل أن يضع ورقة صغيرة في صندوق الاقتراع ‘المصيرية’ لبلاده في الانتخابات المقبلة التي يجمع العراقيون على أنها حاسمة، أن يرجع بطفولته إلى الوراء في فن الاختيار، ليقرأ: ‘عقرا بقرا، قال لي ربي عِد للعشرة’، بين بوسترات القوائم الانتخابية، فواحدة لهؤلاء الوطنيين الشرفاء، وآخر لأولئك الشرفاء الطيبين، وكلاهما جميلان: ‘واحدة بهلعين أحطها وواحدة بهلعين’ .. وتسألون لماذا؟ .
    إذا كان المقترع، تغريه الدعايات الانتخابية، فإنه سيحتار في اختيار الأفضل لتشابه المفردات الدعائية الإنشائية والبليغة، وإذا كان يعرف من سينتخب، سيؤشر على الأصلح لتحسين حال العراق، وليس بحاجة لمن يرشده إليه عبر دعايته، ولكن الأمور لا تسير بالشكل الطبيعي للمفاضلة بين الفرق المتنافسة، بتداخل المال السياسي والنفوذ، وكما يقال: ‘من يملك المال، يملك ثلثي القوة، إن لم يملكها كلها’، فإن الذين يناصرون فقراء العراق بالطبع لا يملكون لا المال ولا الجاه، فإن قوائمهم لن تحصل سوى على الأصوات النظيفة التي تنشد التغيير بحسها الوطني المضحي دائماً بالغالي والنفيس، من أجل عراق ديمقراطي حر، مزدهر وشعب سعيد.
     
    صحيفة الوقت
    19 فبراير 2010

    اقرأ المزيد