المنشور

انتخابات مزورة بشكل «نزيه»

«في ندوة صغيرة عن المحبة
سمعته يقول:
السيد الوطن
وكلنا بنوه الفقراء
مهما تطل أو تقصر الطريق
فلن نكون الخاسرين دائماً…
يجيء يوم أبيض في قمة الزمن
نكون فيه ما نكون».
(الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة)

*****

تذكرت هذه الأبيات لشاعرنا الكبير علي عبدالله خليفة، والتي كنت أحفظها عن ظهر قلب من سبعينات القرن الماضي عندما كنت أتابع وقائع الانتخابات العراقية ونتائج أرقامها الأولية، حيث بيّنت عدم حصول اليسار العراقي، والقصد، قائمة «اتحاد الشعب»، على الأصوات الكافية لتبوء أي مقعد في البرلمان المقبل… وحين خرج «المتشمتون» بنتائج القائمة في بعض المقالات مثل «عدم صلاحية الحزب الشيوعي العراقي في هذه المرحلة نتيجة فشله في هذه الانتخابات»، أو ينبغي تبديل التسمية لهذا الحزب، فيما ذهب آخرون من خارج الحزب إلى المطالبة بـ»تنحي حميد مجيد موسى» السكرتير العام للحزب، وكأن هذه الانتخابات نهاية العالم، ويكفي أن يساريي العراق غير مشمولين بـ»الاجتثات»، وأسماؤهم ليست مدرجة ضمن الممنوعين بالدستور العراقي، ولا توجد دعوة واحدة عليهم بتهم الفساد والرشوة، أو مساندة الإرهاب والميليشيات وعصابات الإجرام، ولم تسجل على وزيرهم قضية رشوة أو متاجرة بالمال العام، وكذلك على نوابهم ووكلاء الوزارات من أعضائهم، ولم «تحج» قيادتهم، لا إلى «قم»، ولا إلى الرياض، أو اعتصمت أمام السيد السيستاني، أو في مسجد الأمويين في دمشق، أو طلبوا مالاً من عمان أو أنقرة، أو استخدموا المال السياسي، أو المال العام في دعايتهم الانتخابية التي شاركوا فيها رغم معارضتهم للقانون الانتخابي السيئ الذي يسرق الكبار فيه أصوات الناخبين للكتل الصغيرة، الذين لم يصوتوا لهم في الأصل لضيقهم من التعددية البرلمانية.
قائمة اتحاد الشعب التي حصل مرشحوها على أكثر من خمسين ألفاً من الأصوات في النتائج الأولية، وحصل موسى على نحو عشرة آلاف صوت، وهي نتيجة جيدة من الأصوات لكنها لم تصل إلى عتبة التأهل للحصول على مقعد للبرلمان، بينما حصل الآخرون دون الألف من الأصوات ومنحوا مقعداً في مجلس النواب، في مفارقة عجيبة، فقط لأنهم من القوائم الكبيرة بعد تدوير أصواتها، ليس وحدهم من شكك في نزاهة هذه الانتخابات، بل حتى الكتل الكبيرة: قائمة علاوي والمالكي شككتا بالتناوب عندما كانت نتائجهما تتأرجح بين المتقدم والمتأخر، بداية شكا علاوي.. فسكت لتقدمه، وأقر المالكي بوجود خروقات «لكنها ليست كبيرة ولا تستدعي إعادة الفرز»، وعند تراجعه، صارت الخروقات كبيرة، وطالب بإعادة الفرز لـ»اطمئنان» الناخب على صوته، وانضم الرئيس جلال طالباني هو الآخر للمنادين بإعادة الفرز، إضافة إلى قائمة «أحرار» بزعامة رجل الدين العلماني إياد جمال الدين، وقائمة «وحدة العراق» بزعامة وزير الداخلية جواد بولاني، ثم قائمة حزب الأمة بزعامة مثال الآلوسي، يضاف إلى ذلك كله جبهة التوافق وآخرين.. وخلاصة القول هل كل هؤلاء يزعمون بعدم نزاهة الانتخابات أم أن الانتخابات هذه «مزوّرة بشكل نزيه؟».
اليسار العراقي قبل التحدي وشارك في الانتخابات رغم قانون الانتخابات الجائر، وعدم وجود قانون الأحزاب، وقانون تحديد الصرف على الإعلانات الانتخابية، ونزلت قائمة اتحاد الشعب إلى الشارع بمشروعها الانتخابي الذي لا تخجل من كونها مدافعة عن الكادحين وشغيلة اليد والكر، والأدب والشعر والمسرح والثقافة التنويرية وهي تحصد تنامي نشاطها وسط الشباب والشابات وسمعة نوابها ووزيرها ووكلاء الوزارات، وأطلقوا حملتهم للتواصل مع جماهيرهم بأساليب «قديمة ومبتكرة» عن طريق طرق الأبواب والعيادة الطبية المتنقلة لخدمة الفقراء، وهي سمات من سماتهم، دون أن يرتهنوا إلا لعراقيتهم، ولأنهم لا يملكون، فقد خسروا معركة، لكنهم لم يخسروا الحرب إلى النهاية.. وكما قال شاعرنا «لن نكون الخاسرين دائماً»، فمن يتسلح بالوعي لا تستطيع أية قوة تغييبه.
 
صحيفة الوقت
2 ابريل 2010

اقرأ المزيد

انتخابات العراق والاستقطاب

إن مستويات العامة المحدودة الثقافة التي خرجت من قبضة نظام دموي طويل لا تتيح لها أن تنتخب حكومة ديمقراطية، أو جماعات ديمقراطية حقيقية.
ورطتنا الديمقراطية التسريعية المرتجلة ودفعتنا لمواجهات على مستوى كل بلد وعلى مستوى منطقة الخليج خاصة.
فقد جرت من دون تحضيرات ثقافية وتنويرية طويلة، ومن دون إبعاد تسييس المذاهب، ولكن حتى البلدان الأكثر استقراراً لم تقم بمثل ذلك التحضير العلماني الديمقراطي المطول.
فالدول العربية خلال خمسة عقود نقضت عملية التنوير التي جرت قبل ذلك، وصعدت القوى الشمولية المختلفة نظراً لتخلف الجماهير العربية الاجتماعي.
ولهذا فإن القوى الطائفية في العراق شعرت بالخوف من وجود قائمة تعتمد فصل الدين عن السياسة، فهذا هو مرتكزها لخداع الجماهير واستغلالها.
تترابط هنا القوى الطائفية مع التوجهات العسكرية للنظام الإيراني، فهو لا يريد سلاماً للمنطقة، ولا حلاً لمشكلات الشعوب المأزومة بالفقر والتخلف وبقهر النساء وبتدهور الثقافة، وهيمنة القوى الأجنبية، عسكراً وشركات وعمالاً وإعلاماً.
وهذا التمدد الطائفي العراقي – الإيراني يوجد مواجهة مناطقية، ويعرض الشعوب لأفدح الأخطار، ويجعل الأنظمة الأخرى تبرر نفقاتها العسكرية الهائلة، وتلكؤها في برامج التنمية وحل المشكلات المعيشية المتفاقمة وتخبط المدن وتلوثها الخ.
هذا التمدد مكون من جمهور أكثر إيغالاً في الخضوع الديني اللاعقلاني، جمهور الخوف من الذوبان في الآخر، جمهور نشر الرعب بين المسلمين، مثل نظيره القاعدي المرعوب من الحداثة والديمقراطية.
جمهور لم يتشكل في مدن حرة، وكان دائماً محاصراً من قوى العنف والتعصب، ويوجد الجيتو الخاص به، لكن مثل هذا الجيتو الآن خطير، فهو يرتكز على أسلحة فتاكة، ودولة تنمي ترسانتها العسكرية وتهدد بأكبر الحروب!
ورغم ان مسألة تشكيل الحكومة في العراق مسألةٌ داخلية، وخاضعة لكثير من الاحتمالات فإن انتصار أو هزيمة الطريقة الطائفية في تشكيلها تبقى خطيرة ومهمة وكبيرة.
إن تفكك التحالفات الطائفية ونمو قوى وطنية حرة سيفتح المنطقة لتطور سلمي مهم، أما إذا تغلبت العقلية الطائفية فذلك مقدمة لحرق المنطقة.
لكن جذور الثقافة الشعبية ترتكز على اللاعقلانية والنفعية المباشرة واللامستقبلية، عبر الخضوع الطويل للقوى الطائفية مُولدة مثل هذا الإنتاج المفخخ لتفجير الحياة.
الحرس الإيراني يريد المسرح العراقي معداً للتدخلِ ولإبقاء القوى الطائفية داخل خنادق العداء.
لهذا فإن الاستقطاب مع إيران ككل، وعدم إيجاد التمايزات داخلها، يقوي مسألة العسكرة والخنادق، والشعب الإيراني ليس بحاجة لمزيد من الحصار والعقوبات، بل بحاجة للسلع والعلاقات الثقافية الواسعة، ونشر الفرح والعلوم والإعلام في صفوفه، بحاجة لتوسع القطاعات الخاصة وعدم التضييق على معيشته، بحاجة للسياحة والانفتاح، بحاجة لتبادل العلاقات الاقتصادية المفيدة، بحاجة لدعوات رجال الدين والمثقفين والسياسيين الديمقراطيين، بحاجة لدعم الفضائيات المتبادلة الساعية في التقارب ونشر الوعي الديمقراطي والعيش المشترك والسلام.
بحاجة لإقامة جمعيات الصداقة والسلم بين الجانبين العربي والإيراني، لوضع حد للحروب وعقلية العداء والحذر.
لا بد من مواصلة اختراق الحصار، وإقامة شتى العلاقات مع الشعب الإيراني، من الدول العربية والإسلامية خاصة، وتبقى مسألة التهديد العسكري في مجالها الخاص المحاصر بطبيعة الحال.
إن الشعوب العربية والإسلامية كجسور لتطور إيران يمكن أن تلعب أدواراً أكبر من الدول الغربية وسياسات الحصار والتشدد.
إن القوى الدينية المتشددة من الجانب الآخر مضرة هي الأخرى بالهجوم على العقائد الإمامية، فهي تؤجج هذه العمليات الحصارية العسكرية البغيضة، ومن الضروري قراءات الإسلام بأشكال مختلفة تسامحية ديمقراطية نهضوية، تلغي هذه القراءات الحربية.
هذا ينطبق على الجانب العراقي فكلما زادت العلاقات الاقتصادية والثقافية معه تفتحت سبل العيش لقطاعاته المختلفة، وانجذبت لمناطق الخليج والعرب، وتشكلت قواعد جديدة مختلفة عن أزمنة الدكتاتوريات.

صحيفة اخبار الخليج
2 ابريل 2010

اقرأ المزيد

حرص القيادة ومهنية لجنة التحقيق

كنت قد تمنيت كحالي من المواطنين الذين لا تهمهم الطائفية ويحاربون ضدها، لأنها مقيتة قاتلة تحرق القلوب قبل الأوطان، تبعدنا، تشتتنا، تكون اسرتنا فيه مقسمة ضائعة، كنت كغيري أغبطتني مواقف النواب في غالبيتهم حين رأيتهم مجتمعين لا مختلفين، في قضايا مصيرية، مهمة لأبناء شعبنا، كقضية ملف أملاك الدولة.
ولابد من توجيه الشكر لجميع نوابنا الافاضل، وعلى الخصوص رئيس واعضاء لجنة التحقيق، في أملاك الدولة على ما قدموه من مهنية عالية، وإن كنا نختلف معهم في بعض التوجهات، إلا اننا من نوجه هذا الشكر من مبدأ (قل للمحسن أحسنت).
ومن ذات المنطلق، نشكر جلالة الملك، الذي سارع في التدخل من أجل الوطن كله، حين أمر بتشكيل لجنة وزارية لدراسة توصيات لجنة التحقيق، والتوصل الى ما يعيد أي تجاوز الى نصابه، وهذا لا يدل على حرص جلالة الملك فقط، وإنما دليل على بقاء هذا المشروع الاصلاحي بزخمه، ولأننا مواطنون يهمنا هذا المشروع، نقف جنودا له من أجل ان يبقى هذا المشروع الحيوي بزخمه، لنحقق معا أجمل الايام التي لم نعشها بعد، كما عبرت عنها مرئيات جلالة الملك في خطاباته السامية.
ربما لم يقبل البعض ما أفرزته لجنة التحقيق في أملاك الدولة، إلا ان أملاك الدولة العامة ليست عرضة للمزادات العلنية، بل هناك من يحميها ويصونها من القيادة الرشيدة ومن أبناء الشعب المخلصين، الذين وقفوا صفا فولاذيا واحدا حتى يعود الحق لأهله.
الناس تنتظر كل ما يسهل من تقديم الخدمات لهم، من مراكز صحية، ومدارس، ومراكز شبابية، وأندية، ومتنزهات وحدائق، وهو هم يشترك فيه الجميع، وتشترك معهم السلطات، وفي مقدمتهم رأس هذه السلطات.
اننا ننتظر بشغف ما ستتوصل اليه اللجنة الوزارية حتى نحصد في هذا الدور التشريعي الاخير ما ننتظر انجاز، وهذا دليل على ان اي انجاز لن يتحقق إلا إذا توفرت مقومات الحصاد، وأبرزها هي وحدة ابناء الشعب، ووحدة ممثليهم، التي تجسدت في وحدة الموقف في الحفاظ على الأملاك العامة من الضياع.

صحيفة الايام
2 ابريل 2010

اقرأ المزيد

تطور مفهوم المواطنية في البحرين من 1954 – 2002 (2)


نشير هنا إلى تطور مفهوم المواطنيّة في البحرين قبل فترة الاستقلال ولغاية فترة الإصلاح السياسي. أيّ من خمسينات القرن الماضي ولغاية عام 2002. إذ ظهرت خلال هذه الحقبة مواقف وطنيّة، اتسم فيها أغلب المواطنين بالإخلاص ومقاومة المستعمر أو برغبتهم في حياة سياسيّة كبقية البشر الذين ينعمون بالحريّة، لذلك توطدت أقدامهم على أرضيّة صلبة، وتوحدت مواقفهم واستطاعوا بفضل ذلك تحقيق بعض ما ناضلوا من أجله، وبخاصة في الفترة الممتدة من 1973 إلى 2000 هذه الفترة التي تعتبر من أصعب السنوات التي مرّت على المواطنين البحرينيين في مختلف المجالات لاسيما في المجال السياسي لأنّها تعتبر نتيجة حصاد كل تطورات السنوات السابقة. وسنستعرض في تسلسل تاريخي موجزًا لأهم محطات الأحداث والتطورات، التي نرى ضرورة تدوينها هنا لنفهم المواقف الوطنيّة ومدى توافر مفاهيم المواطنيّة، وهل كانت تلك المواقف الوطنيّة، عفوية لدى المواطن البحريني؟ أو أنها كانت ردات أفعال آنية؟ إنّ إشارتنا التاريخيّة، لا تعني أننا سنبحث عن التاريخ السياسي للبحرين، وهو ليس من أهداف هذه الدراسة. وعليه سنقسم الفترات التاريخيّة التي أمكننا أن نعثر على وجود مفاهيم للمواطنيّة فيها إلى خمس مراحل تقريباً.

لقد مرّت البحرين منذ بداية القرن العشرين بمحطات مضيئة في تاريخها السياسي. فقد شهدت البلاد بروز حركات سياسيّة طالبت بتطوير نظام الحكم وتطوير الإدارة فيها إبان عهد الحماية البريطانيّة، وكان لتلك الحركات أثرها الفاعل في تشكيل الهيئة الوطنيّة.
أما في ما يتعلق بالسنوات التي سنوردها، فلا تعنينا الفترة في عدد أيامها وأشهرها، بل يعنينا تاريخ البحرين السياسي السابق والتركيز على المرحلة المعاصرة.

فمن الناحية التاريخيّة توالت الحركات السياسية منذ عام 1919 مروراً بحركة الخمسينات في الفترة من عام 1954 إلى 1956. ومن مرحلة الاستقلال في عام 1971 وإصدار الدستور، وتأسيس البرلمان ما بين من 1972 و1975. والسنوات التي تلتها من الثمانينات وحتى بداية التسعينات. وتعتبر هذه الفترة من أصعب الفترات التي مرّت على المواطنين لأنها لم تؤدٍ إلى نتائج ملموسة أو معلنة من مظاهر المواطنيّة؛ وذلك للإحباط الذي أصاب أغلب الناس، إلى أن جاءت الفترة الإصلاحيّة في بداية عام2000  متمثلة في مشروع ميثاق العمل الوطني، وإصدار دستور المملكة، والانتخابات البلديّة والبرلمانيّة في عام 2002 في ظل مملكة دستوريّة.


 أ- مفهوم المواطنيّة في المرحلة الأولى في الفترة من 1954- 1956


كانت حركة منتصف الخمسينات أكثر الحركات السياسيّة نضوجاً في تلك الفترة. فكان من نتائجها تأسيس هيئة الإتحاد الوطني، وما يهمنا هنا هو الهدف الذي قامت الحركة به وهو القضاء على الفتنة الطائفيّة التي عصفت بالبلاد حينذاك، إضافة إلى المطالب الإصلاحيّة. فبعد أن نشب الخلاف بين الطائفتين( السنيّة والشيعيّة) أثر قضايا خاصة، اتهم كل فريق منهم الآخر بإثارة الفِتن… )١( هنا برزت المواقف الوطنيّة لدى الأفراد المصلحين من الشعب من كلا الطرفين، فعقدوا لقاءات مشتركة وتم الاتفاق على إنشاء الهيئة الوطنيّة التي تضم مختلف الطوائف. ولولا الشعور الوطني من قبل تلك المجموعة التي ترأست الهيئة، لتأزم الوضع الاجتماعي وأدى إلى كوارث وطنيّة.

ففي فتنة محرم عام 1953 كانت البلاد تعاني نار الطائفيّة التي أشعلها الاستعمار البريطاني والتي أدت إلى استمرار أجواء التوتر الطائفي إلى أن عقد الاجتماع الأول وكان من أهدافه الإعلان عن نهاية الخلافات الطائفيّة، والالتقاء تحت شعار واحد وهو تحقيق مطالب الهيئة الوطنيّة. بعد ذلك التقت الأطراف الممثلة لكل فئات الشعب في أول اجتماع موسع في منزل أحد أعضاء الهيئة وكان هدف الاجتماع هو المصارحة بين الطائفتين لتنفيس الاحتقان وحتى لا تتصاعد الحوادث نتجَ عن هذا الاجتماع تشكيل الجمعيّة العموميّة للهيئة من 120 شخصاً، وتم انتخاب ثمانية كأعضاء لإدارة الهيئة. ومن أهم القرارات التي اتخذتها الهيئة تأسيس مجلس تشريعي ووضع قانون جنائي ومدني عام للبلاد، والسماح بتأليف نقابة للعمال، وتأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام… لذلك رأينا بعض المفاهيم الجديدة والتي لم تكن متداولة قبل هذا التاريخ، كالاستقلال الوطني، والوحدة الوطنيّة، ووأد الطائفيّة البغيضة، والمصلحة العليا للوطن فوق المصالح الطائفيّة والفئويّة، وإزاحة المستشار البريطاني. وطرح أسلوب النضال السلمي من أجل تحقيق المطالب المشروعة… كل تلك المفاهيم والأهداف شكلت دافعاً لتعميق الوعي الوطني وترسيخ الوحدة الوطنية.
ما نخلص إليه انّ الهيئة قد أسست لقاعدة عريضة، سنرى امتداد أسلوب عملها الذي انعكس على العمل الوطني خلال السنوات اللاحقة. وقد ترسخت الوحدة الوطنيّة من أجل انطلاقة قوية للبحرين نحو المستقبل.


ب – مفهوم المواطنيّة في المرحلة الثانية في الفترة ما بين 1965- 1969


أطلق الشعب على هذه الفترة ( انتفاضة مارس 1965) وكان سبب تلك التسمية ما حدث لعمال شركة نفط البحرين( بابكو) من قرار الشركة بفصل 1500 عامل لن نتطرق لأسباب القرار ودواعيه. ولكن ما يلفت النظر هو وحدة العمال واتحادهم على أهداف محددة. وأنّ أولئك المطالبين بحقوقهم، كانوا خليطاً من المواطنين البحرينيين من مختلف الطوائف.

وبفضل الدعوات التي اعتبرت مفاهيم متطورة، وذات أبعاد فكريّة كالمطالبات الحقوقيّة،والإنسانيّة النابعة من وطنيتهم في مجال عملهم، ومن توجهات بعض قادة المنظمات التي كانت موجودة في تلك الفترة، فقد تم تحقيق بعض تلك المطالب مثل الموافقة على إنشاء اللجان العماليّة… ما يعنينا من هذه المواقف الوطنيّة التي سردناها أنها ولدت من شعور المواطن بالإحباط والتفرقة في المعاملة، خلافًا لما كان يلمسه من المعاملة المختلفة للموظفين والعمال الأجانب، ما أدى إلى توحيد الصفوف ورصها ونبذ الخلافات المذهبيّة والطائفيّة، فاجتمعت الكلمة على هذا المطلب الرئيسي.

هذا الموقف السليم هو مبدأ من مبادئ  المواطنيّة وإن جاء بصورة مطالبات واعتصامات سلمية، لأنّ الظرف الموضوعي للناس لم يكن يسمح بطرح قضاياهم بأسلوب آخر، وإلا لم تكن الحاجة لمثل هذا الأسلوب لنيل الحقوق المشروعة. وما يدعو إلى العجب أنها جاءت عفويّة «بنت ساعتها». ما يعني أنّ بعض مبادئ المواطنيّة لا تمنح ولا توهب مجاناً وبخاصة إذا لم تكن الأرضيّة ممهدة ويمكن العبور منها بدون مشاكل. هذا ما حصل في تلك المرحلة من تاريخ البحرين.


ج- مفهوم المواطنيّة في المرحلة الثالثة في الفترة من  1970- 1975


هذه الفترة هي فترة إعلان الاستقلال الوطني، واجراء الإصلاحات السياسيّة. بدءًا من سَن دستور للبلاد وإقامة الحياة البرلمانيّة التي لم تستمر طويلاً. بعد أن حصلت البحرين على الاستقلال الوطني في 14 أغسطس عام 1971 وتحوِّل الاسم من إمارة البحرين إلى دولة البحرين، وتغير لقب الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من حاكم البحرين إلى أمير دولة البحرين، وقد جاء هذا التحول إثر إعلان حكومة حزب العمال في بريطانيا الانسحاب من شرق السويس في 18 يناير عام 1968، وجرى تنفيذ هذا الإعلان نهاية عام 1971، وخلال تلك الفترة طالب شاه إيران ضم البحرين إلى إيران، إلا أنّ التقرير الذي رفعه مندوب الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنظمة الدولية بعد لقائه العديد من الشخصيات والفعاليات البحرينيّة، أوضح فيه إجماع البحرينيين على أن تكون البحرين دولة مستقلة، وطالب أغلبهم بأن تكون دولة عربيّة. وقد صوت إلى جانب هذا القرار 12 دولة لصالح البحرين واستقلالها كدولة عربيّة وعضو في الأمم المتحدة والجامعة العربيّة في 14 أغسطس عام 1971.

إنّ 16 ديسمبر هو يوم ذكرى جلوس الأمير السابق وتنصيبه حاكماً للبحرين عام 1961. يتبين من تلك الأحداث ظهور نقلة نوعيّة في مفهوم المواطنيّة وهي مبدأ الانتماء والولاء. وقد أثبت الشعب انتماءه للوطن وولاءه له، ووقف صفاً واحداً نابذًا كل الخلافات والصراعات التي كانت قائمة بين الطرفين، فأصبح أعداء الأمس يدًا واحدة ترفع الصوت مؤكدة على عروبة البحرين وعلى استقلالها.

وبعد عملية الاستقلال طالب الشعب الحكومة بمطالب شرعيّة فلبَّتِ الحكومة من جانبها النداء وحققت بعض المطالب وأهمها تشريع دستور جديد لدولة البحرين فأُنشئ مجلس تأسيسي جزء منه مُعيَّن يعيّنه أمير البلاد وآخر منتخب، وقد ناقش المجلس التأسيسي على مدار ستة أشهر وضع دستور عام 1973 واعتبرت بعض القوى الوطنيّة الفاعلة أن هذا الدستور يتضمن مبادئ ديمقراطيّة وحقوقاً للمواطن البحريني، فجاءت بعد ذلك الدعوة إلى انتخابات المجلس الوطني (البرلمان) حيث شاركت فيه القوى الوطنيّة وقاطعتها بعض القوى الأخرى، فجاءت نتائج الانتخابات في 7 ديسمبر 1973 بنجاح كبير للحركة الوطنيّة. وطرحت في المجلس قضايا تهم حياة المواطنين بصورة خاصة وقضايا تهمُّ الدولة بصورة عامة. وصدرت بعض القوانين مثل: قانون العمل والقانون الجنائي والمدني، والمطالبة بتشكيل محكمة دستوريّة، وفصل السلطات الثلاث: التشريعيّة، والتنفيذيّة، والقضائيّة. كذلك وضع ميزانية عامة حديثة للدولة وتحديد وفصل أملاك الدولة من الأراضي عن أملاك الأسرة الحاكمة…الخ. وهنا نرى التطور في مفاهيم المواطنيّة التي طرحها النواب والتي أرادوا تعزيزها مثل تمهيد الطريق لبناء دولة مدنيّة عصريّة نصّ عليها دستور البلاد. وقد جاءت هذه الطروحات السياسيّة في ضوء تخفيف الضغوط البوليسيّة والقمع في تلك الفترة، وكان ذاك الوضع أشبه بالوضع الحالي (مرحلة الإصلاح الجديد) حيث تأسست النقابات وسمح بالإضرابات العماليّة وعقد المزيد من الندوات السياسيّة.ألا أن الوضع تغير بصورة عكسيّة وبرزت هنا صورة قاتمة، فحدثت اعتقالات ضد مناضلي القوى الوطنيّة في يوليو 1974. وقد تم تقديم مشروع قانون (أمن الدولة) الذي سرى على مدى ثلاثين عاماً بحجة أنّ الحركات الوطنيّة تقدم اقتراحات وتسعى إلى تشريع قوانين بشكل مغاير لتقاليد المجتمع العربي المسلم، إلا أنّها لم تفلح في هذه الجدليّة؛ وذلك لوعي الحركة الوطنيّة ونضالها من أجل رفع المعاناة عن المواطنين. ومن الطبيعي عند بعض الأفراد أن تتغير بعض المواقف وبالتالي تتغير المفاهيم الوطنيّة عندهم. فمنهم من استغل الوضع المتأزم وغيَّر نهجه تحاشياً لأي مكروه يصيبه، فظهر مفهوم معاكس للمواطنيّة وهو(الانتهازيّة). وبعضهم التزم الصمت( السلبيّة واللامبالاة). وآخرون واجهوا كل أنواع العقوبات… وفي ضوء هذه التطورات عاش المواطن البحريني خريف قانون أمن الدولة الذي استمر نحو ثلاثة عقود في حالة من الخوف والرعب من هذا القانون الذي منع كل تطلعات المواطن إلى الحريّة الشخصيّة وإلى حرية الصحافة وإنشاء الجمعيات والنقابات وغيرها.


ما نود التأكيد عليه هو أنّه لم يكن بإمكان أحد أن يُوَثِق لهذه المرحلة بصورة خاصة في حينها، وإلا أُعتُبِرَ من المناهضين للسلطة، لذا فإنّ ما تم جمعه هنا بناء على قراءتنا لتلك الأحداث، ومعايشتنا لجزء منها في فترة السبعينات، وما قرأناه في الصحف التي كانت تصدر في الخارج. ومن الصعوبة بمكان الحصول عليها الآن لتوثيقها. وعليه فقد شُلَّت الحياة السياسيّة في البحرين، وقامت الأجهزة الأمنيّة بالاعتقالات ومطاردة المواطنين ونفيهم، وتمّ حل المجلس الوطني عام 1975. الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع الأمني وتردي الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، فانتقل العمل السياسي الذي كان يعمل بصورة علنية إلى العمل السري في الداخل، وتوحدت المعارضة في الخارج، وعمدتْ إلى رصّ صفوفها وتنظيم حركاتها، رغم تباين توجهاتها العقائديّة والفكريّة، وهنا كذلك ظهرت ولاءات ومواقف من نوعآخر، ولاء للتنظيمات والطوائف. ومواقف انتهازيّة عند بعض الأفراد. ومنفوئد مسار التحول الديمقراطي والسياسي في تلك الفترة. وأن جرت محاولات للإصلاح ساندتها بعض المؤسسات ذات الصلة بالشأن السياسي ومنظمات حقوق الإنسان هذا بالإضافة إلى التطورات والتغيرات الدوليّة التي طرأت على المنطقة بصورة عامة و كذلك الرغبة الصادقة من لدن أمير البحرين الذي تولى الحكم بعد وفاة الأمير السابق، الأمر الذي دلّ على صدق الشعور الوطني.


د- مفهوم المواطنيّة في المرحلة الرابعة في الفترة من  2000- 2002


منذ أن تسلم أمير البحرين مقاليد الحكم بعد وفاة والده الأمير السابق، أعلن عن بدء المسيرة الإصلاحيّة التي بدأها بالقرارات التاريخيّة بتفريغ السجون، وعودة المُبعَدِين وإطلاق حريّة التعبير والاجتماع، وتشكيل الجمعيات السياسيّة، وما تلتها من قرارات وخطوات خاصة متعلقة بالانتخابات البلديّة والنيابيّة والتي تشكل الخطوات الأولى على طريق الديمقراطيّة والعمل المؤسساتي المستند إلى مؤسسات المجتمع المدني بكل هيئاته وطوائفه.

وبناء على الأمر الأميري رقم 36 ورقم 43 لسنة 2000م، )١(  شُكلت لجنةٌ وطنيّةٌ عليا لإعداد مشروع الميثاق الوطني. كذلك صدر الأمر الأميري رقم 8 تاريخ 23 يناير2001 الذي دعا الشعب رجالاً ونساءً بتاريخ 14-15 فبراير2001 إلى الاقتراع على مشروع الميثاق الوطني، الذي أقرته اللجنة الوطنيّة العليا للميثاق بتاريخ 18 ديسمبر2000.

وقد صوت أغلب الشعب على الميثاق الوطني بنسبة 98,4%  مما يدل على رغبة الشعب في التخلص من مخلفات الماضي وتبعاته. بعد ذلك صدر المرسوم الأميري رقم 5 تاريخ 24 فبراير 2001 )١(  والذي تَشكّلت بموجبه لجنة سُميَت بلجنة تعديل بعض أحكام الدستور. فصدر دستور المملكة بعد أن تم تعديل بعض بنوده. قام الأمير بالتصديق عليه تحت مسمى” دستور مملكة البحرين”؛ رغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي؛ وسعياً نحو مستقبل أفضل ينعم فيه المواطن بمزيد من الرفاهيّة والحريّة في ظل تعاون جاد وبنّاء بين الحكومة والمواطن، يقضي على معوقات التقدم.

أخذ هذا التعديل بجميع القيم الرفيعة والمبادئ الإنسانيّةالتي تضمنها الميثاق والتي تؤكد أنّ شعب البحرين قد أخذ ينطلق في مسيرته إلى مستقبل مشرق، مستقبل تتكاتف فيه جهود جميع الجهات والأفراد، وتعمل فيه السلطات بصدق لتحقيق الآمال والطموحات. وقد انبثقت تعديلات الدستور من أنّ شعب البحرين راغب في الإصلاح والتجديد وينبذ التعصب والتقوقع والجمود. وتحقيقاً لذلك كان من الضروري أن ينفتح الحكم على كل تراث الإنسانيّة شرقاً وغرباً ليأخذ منه ما يراه نافعاً وصالحاً لشعبه وملائماً لقيمه وتقاليده ودينه، منطلقًا من أنّ النظم الاجتماعيّة والإنسانيّة لا تنتقل كما هي من دون توليف من مكان إلى آخر وإنّما هي خطاب إلى عقل الإنسان وروحه ووجدانه، تتأثر بانفعالاته وظروف مجتمعه ونمط حياته لذا جاءت التعديلات الدستورية ممثلة للفكر الحضاري المتطور فأُقيم النظام السياسي على الملكيّة الدستوريّة القائمة على الشورى وعلى إشراك الشعب في ممارسة السلطة. وهو الذي يقوم عليه الفكر السياسي الحديث، إذ يختار الحاكم عددًا من أصحاب العلم والمعرفة والاختصاص والخبرة ليؤلفوا مجلس الشورى كما يختار الشعب بالانتخاب نوابه ليتكون منهم مجلس النواب، وبذلك يحقق المجلسان معاً الإرادة الشعبيّة ممثلة في المجلس الوطني.

لا شك في أنّ هذه التعديلات الدستوريّة تعكس إرادة مشتركة بين الملك والشعب، وتحقق للجميع العمل بالقيم الرفيعة والمبادئ الإنسانيّة التي تضمنها الميثاق.
ما نخلص إليه أنّ مفاهيم المواطنيّة في هذه الفترة قد تطورت بصورة نسبية أفضل، وقد انتشرت المفردات التالية على كل شفة ولسان: الوحدة الوطنيّة، إنشاء مؤسسات المجتمع المدني، مشاركة الشعب في تشريع القوانين، الديمقراطيّة والشفافيّة، الانتخابات الحرة، حقوق الإنسان…الخ. هذا التطور في مفاهيم المواطنيّة، جاء من خلال تلاقي الإرادة الشعبيّة مع إرادة الملك، الذي قام بحركة إصلاح كبيرة في البحرين، وما الميثاق والدستور إلا ثمرة المطالب التي طالب بها الشعب والرغبة الصادقة من لدن الملك، لذلك فإنّ تلك المفاهيم والمبادئ المتعلقة بالمواطنيّة أصبحت اليوم من ممارسات المواطن الحياتيّة، وفي المقدمة العمل السياسي العلني، ونمو دور المرأة ونمائه في المجتمع، وممارسة دور فعاّل لحركة حقوق الإنسان والحركات الثقافية والأندية الفنية والجمعيات العلمية وما إلى ذلك.

وقبل أن ننهي هذا الفصل لنا رأي في كل ما ذكرناه. إنّ المواطنيّة على الرغم من التحديات الكثيرة لا تزال هناك ميول قويّة لنسق تفكير الدولة المشرقيّة الأبويّة التي تنظر إلى أفراد المجتمع كرعايا وإلى فترة قريبة كان المسمى الرسمي للمواطنين هو رعايا الدولة.

إنّ قضية المواطنيّة من أكبر الإشكالات التي تعيشها الدول العربيّة بصورة خاصة، لإنّ مسألة الانتماء تظهر في العديد من الدول العربيّة والخليجيّة على وجه الخصوص بشكل لا يشير إلى ترسخ مفهوم المواطنيّة الحقيقية؛ فالولاء لا يزال على العموم للحاكم أكثر مما هو للوطن.

لذا نرى ضرورة مناقشة مفهوم المواطنيّة في سياق تطلعنا إلى المستقبل أكثر من انشدا دنا إلى الماضي. إنّ جزءاً من التهميش في مفهوم المواطنيّة يعود إلى عوامل متعددة  فبالإضافة إلى فكرة الدولة الراعيّة هناك الفكر الجامد «الستاتي» القائم على شعارات دينيّة هي بالأحرى تقاليد وممارسات عفا عليها الزمن لا تمت إلى الدين بصلة ومع ذلك فقد طغت على مفهوم المواطنيّة وطمسته إلى حدِّ ما. فالأفكار المذهبيّة والطائفية وللأسف أسهمت  في تشويه فكرة المواطنيّة.
فهل ستعمد الدولة إلى مقاومة هذه الأفكار لاسيما في مجال التعليم والتربية؟ فترسِّخ مفهوم التربيّة على المواطنيّة في أساليب التعلم وطرائقه؟ ووسائله وأدواته؟


3- مضمون التربيّة على المواطنيّة في البحرين


ما يمكن أن نطرحه هنا في ما يخص تدريس هذه المادة ، ابتداء من المرحلة الأساسيّة أو المرحلة الثانوية، إنّ هذه المادة ليست من المواد التي تستدعي مستوى عاليًا من الإدراك والفهم والاستيعاب، لا تتوافر إلا لدى طالب المراحل العليا من التعليم، وبالتالي فإنّ الطالب في المرحلة الابتدائية لا يمكنه استيعاب هذه المادة، لكننا نؤكد على أنّ القضية لا تكمن في العمر الزمني، أو المرحلة الدراسيّة، وإنّما بإمكان القائمين على إعداد مناهج وإعداد محتوى المادة إدخال بعض المبادئ التي من مستوى استيعاب الصغار، وعلى المعلم الماهر أن يقوم بتوصيل تلك المبادئ بطرائق مشوقة، وأساليب تربويّة ناشطة، وإجراءات عمليّة مستساغة… فليس للمعلم أن يلقي محاضرة على الأطفال في المراحل الابتدائيّة حول حقوق الإنسان أو التفكير الناقد، كما يلقيها على طلبة المراحل الدراسية العليا.

أنّ تدريس المواطنيّة تتنوع وتختلف باختلاف سياسة كل دولة، وبصورة عامة نشير إلى أهم المرتكزات التي تطرحها أغلب وزارات التربيّة والتعليم.
– إنها تركز على اهتمامات سياسيّة حقوقيّة أو وطنيّة حزبيّة من أجل نشر الثقافة الوطنيّة وتأصيل مبادئ المواطنيّة. بينما يتم التركيز في بعض الدول غير العربيّة مثلاً على الترويج لمبادئ الحوار والتفاهم والاهتمام بالتنوع الثقافي وتوسيع الدائرة الإنسانيّة لدى المواطن.

– إنّ غالبية الدول تُدرّس بعض مبادئ المواطنيّة من خلال مواد المنهج كالمواد الاجتماعيّة، مثل: حقوق الإنسان، الحقوق الثقافيّة، والحقوق الاجتماعيّة، ودولة القانون والمؤسسات، وحقوق الأفراد، والديمقراطيّة، واحترام الفرد واحترام الآخرين…

– إنّ حاجات المجتمع والمستجدات السياسيّة والاقتصاديّة والعلميّة والتنوع الثقافي في دول العالم قد فرضت على المتخضِّصين في المناهج أن يوسعوا دائرة اهتماماتهم المحليّة ويبحثوا عن بدائل جديدة تساعدهم على معالجة موضوع المواطنيّة في إطار ثقافي منفتح على كل الآراء.

– إنّ الحقوق الإنسانيّة والتي هي جزء من مبادئ المواطنيّة مثل العدالة والحقوق والواجبات والمساواة والديمقراطيّة، فإنّ تدريسها من خلال منهج التربيّة على المواطنيّة كممارسات ونشاطات مدرسيّة ليس صعباً أو مستحيلاً، فمن خلال لجان الطلبة والخدمة المجتمعيّة، والزيارات الميدانيّة، والفعاليات الوطنيّة والدينيّة في المدرسة أو خارجها يمكن للمدرسة تنفيذ ذلك. صحيح إنّ هذا الوضع قائم في أوربا وبعض دول الشرق الأقصى، إلا أنّه من الممكن أن نطالب بإجراء ذلك في بلداننا العربيّة وذلك من خلال جمعيات المجتمع المدني، التي نطالبها أن تتبنى هذه القضية، وكذلك من خلال ممثلي الشعب في البرلمانات المنتخبة، وأيضاً، من خلال وسائل الإعلام بأنواعها، ومن خلال الندوات واللقاءات التربويّة الداخليّة منه والخارجيّة. أما أن نلتزم الصمت وننتظر مكرمات الآخرين، فمن الصعوبة بمكان تحقيقه من قبل الأنظمة، لأنها ترى أنّ هذا الوضع الذي تسير عليه لا يشوبه أي عيب. ولنا في مملكتنا، البحرين أنموذج على ذلك، فقد شرعت وزارة التربيّة والتعليم في تحسين مدخلات التعليم في ظل سياسة الإصلاح العام، ومن ضمن هذا الإصلاح، إصلاح التعليم. فقد تم تطبيق تدريس الحقوق الدستوريّة على جميع المراحل التعليميّة، ضمن تدريس مادة المواطنة )١( ومنذ العام الدراسي2000-2006. وتدريس التربيّة على المواطنيّة في مختلف المدارس. وفي العام الدراسي 2006 – 2007. طبقت الوزارة المرحلة الثانية من تدريس مادة التربيّة على المواطنيّة في المدارس الحكوميّة)1( وخٌصصت لهذه المادة حصة واحدة في الاسبوع. وقد تم الانتهاء من تأليف كتب هذه المادة التي أخذت في الاعتبار التغييرات والتحولات الديمقراطيّة في الدولة، وبما ورد في إعلان برامج الأمم المتحدة بشأن ثقافة السلام المحددة في المجالات الآنية:1- إشاعة ثقافة السلام من خلال التعليم والتنميّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة المستدامة. 2- احترام جميع حقوق الإنسان.)2( 3- المساواة بين المرأة والرجل. 4- المشاركة الديمقراطيّة. 5- التفاهم والتسامح والتضامن. 6- الاتصال القائم على المشاركة.  7- حريّة تدفق المعلومات والمعرفة. 8- أخيراً السلم والأمن الدوليان.

أما بالنسبة إلى المدارس الخاصة، فقد جاء في التوصية: ” أوصت لجنة الوكلاء في اجتماعها رقم (938) المنعقد بتاريخ 31 يناير 2007 تدريس مقرر مادة التربيّة على المواطنة في المدارس الخاصة وهي على النحو التالي:

1- تدريس مادة التربيّة على المواطنية في جميع المدارس الخاصة (للطلبة البحرينيين والعرب والأجانب)
2- تدريس مادة التربيّة على المواطنة في المدارس الخاصة يكون ضمن حصة تاريخ مملكة   البحرين وجغرافيتها. وفي المدارس الرسمية ضمن مادة التربيّة على المواطنيّة.
3- ترجمة وثيقة المنهج وكتاب مادة التربيّة على المواطنة إلى اللغة الإنجليزيّة.
4- متابعة تدريس مادة التربيّة على المواطنة من قبل إدارة الإشراف التربوي.
5- تدريب معلمي المدارس الخاصة ومعلمي المدارس الحكوميّة في ما يتعلق بكيفية تدريس هذه المادة للطلبة.

إنَّ كل ما ذكرناه وما قمنا به من إشارات حول مضامين التربيّة على المواطنيّة في البلدان العربيّة والبلدان غير العربيّة، يؤكّد ضرورة الإفادة من الدول المتقدمة في هذا المجال، لأنّ البعد العالمي في موضوع المواطنيّة بات من الأمور الحتميّة، حيث قرّبت المسافات بين الدول جغرافياً وثقافياً، وإنّ إعداد المواطن لتفهم عادات الشعوب الأخرى وتقاليدها سيسهم في إشاعة ثقافة السلام التي تنادي بها الأمم المتحدة. وهنا أخص بذلك البحرين، باعتبار أنّ هذه الدراسة تتعلق بها، لذا وجب علينا الإفادة من هذا التوجه العالمي، وإلا سنظل نراوح في مكاننا وقد دخلنا القرن الحادي والعشرين من حيث الزمن، إلا أنّنا لا زلنا نُعلم أبناءَنا بطرائق قد تجاوزها الزمن وتخطاها.
تناولنا في القسم الأول من هذا الفصل مقومات التربيّة على المواطنيّة، كذلك الانتماء الوطني والولاء… وتطور مفهوم المواطنيّة في البحرين، وأهمية تدريس التربيّة على المواطنيّة وعلاقتها بالمناهج التعليميّة.

أما في القسم الثاني فسيتم التركيز على أهداف المناهج الدراسيّة ومحتوى الكتب المدرسيّة في البحرين والمتعلقة بتدريس اللغة العربيّة والجغرافيا والتاريخ في المرحلة الأساسيّة وسنشير إلى دور المناهج في تعزيز مبدأ التربيّة على المواطنيّة من خلال تلك المناهج والكتب. لذا يجدر بنا أن نشير بإيجاز إلى مفهوم المنهج ودوره في النظام التربوي. أضف إلى ذلك دور المدرسة في إعداد التلميذ للحياة وفي التربيّة على المواطنيّة.
 


المصادر:


)١(  سعيد الحمد ، في ذكرى تأسيس هيئة الاتحاد الوطني، جريدة الأيام، العدد5692، [ ملحق خاص] الخميس 7/10/2004، ص1-32.

)١(   مرسوم أميري رقم 36 لسنة 2000.


 (1
)  مشروع ميثاق العمل الوطني لدولة البحرين، ص5.

)١(  لولوه الخليفة، “يطبق على جميع المراحل التعليمية: التربيّة، تدريس الحقوق الدستوريّة ضمن المواطنة في العام المقبل”، جريدة  الأيام[العمود1-5]، العدد 5606، السبت22أغسطس2004، ص1 -26 .

 (1  عبد الله المطوع، ” التربيّة تطبق أول منهج لتربيّة المواطنيّة “، جريدة الأيام [العمود2]،، العدد 6081، الثلاثاء 1/11/2005، ص1 -56.

 (2 لآلئ الزياني، ” تطبيق المرحلة الثانية من مادة المواطنة ” ، جريدة أخبار الخليج [العمود5]، العدد 10554، الاثنين 26 فبراير 2007، ص1 -26 .
اقرأ المزيد

ثقافة تنمو باتجاهِ العقلانية

حدثَ نمو كبيرٌ في الثقافة الأدبية خاصة في المملكة العربية السعودية، وبدت هي التجلي العقلاني للحداثة فيها، وأُنجز أكثر الأشكال الفكرية والإبداعية فيها.
ويبدو ذلك في مجالِ الروايةِ خاصةً التي حدثتْ فيها طفرةٌ تشكيليةٌ واسعة، لكن العديدَ من نصوصِ هذه الروايات هي مجردُ سردِ أحداثٍ، ووضعُ شخوصٍ من دون ربط هذه الأحداث والشخصيات بهياكل عظمية من تجربة شعبية ديمقراطية.
بسبب ان هذه التجربة الوطنية الواسعة التحديثية لم تتشكل على مستوى التكوين الشعبي، فالمناطقُ متباعدةٌ والأقاليمُ غيرُ متداخلةٍ، والتوحيدُ يجري عبر هياكلِ الدينِ والمؤسسات الحكومية، لكن هذه الثقافة التنويرية التحديثية التي تنصب في وسائل الإعلام الحديثة الواسعة، تقومُ ببعضِ ذلك رغم كل هذا التباعد.
إن هذه الثقافةَ الأدبيةَ التي حركها وقادها بعضُ الأعلام مثل غازي القصيبي وتركي الحمد وغيرهما، وفرت مثل هؤلاء الموسوعيين الذين يكتبون في شتى حقولِ الأدب والسياسة والاقتصاد والفن، لكون المجتمع يحتاج لمثلِ هذه الروافد، ولأن أشكالَ الوعي لم تزلْ في مرحلةٍ جنينية، لكنهم عبر هذا أوجدوا حراكاً واسعاً بين الأجيال الشابة نساءً ورجالاً اندفعوا للكتابة والقراءة، والإنتاج خاصة في موضة المرحلة التي هي الرواية.
الحراكُ الواسعُ كان عبر أشكالِ الأدب، وبشعاراتِ النهضة والتحديث، وبإدخال الأفكار العقلانية في وعي الجمهور الواسع، خاصة عبر (زخم) الصحافة الذي ظهرتْ بشكلٍ واسع، وللعديد من الحريات في النشر والتعبير والحوار.
إذا جئنا للتجسيد الروائي والنماذج التي هي شواهد هذه المرحلة الملموسة، نجدُ المادةَ الشعاريةَ والهياكلَ الفنيةَ التعبيرية الروائية التي لا تحوي تجارب عميقة، إلا من بعض الأعمال القليلة، رغم كثرة العناوين، خاصة من خلال هذا الانهمار الواسع للنصوص غير الناضجة التي لا تسبقها تجارب تعبيرية كافية وتجربة اجتماعية مهمة.
لدى بعض الشباب توقعنا نمواً تعبيرياً وحفراً في الواقع كما فعلَ أحدُ كتابِ الحجاز الذي تخصص في تجارب البدو، وتجسيد مشكلاتهم وحوادثهم المتشابكة والمتضادة مع الحداثة ومع الحياة ومشكلاتها، لكنه في عمل أخير كتب عن تجربة مدنية مفككة لا تحفر في شيء!
إن الاستسهال للرواية والنشر الواسع السهل قد يؤدي إلى إحجام الجمهور عن مثل هذه الرواية، وإحباط الكتاب فيما بعد، كما جرى للشعر.
ثمة خوف من التعبير عن السياسي الاجتماعي العميق وثمة هروب للجنس وللفضائح والأسماء المثيرة تعبيراً عن اقتناص شعبية سهلة وشهرة سريعة وقراء!
عبده خال كان مميزاً في عمله الأول(الموت يمر من هنا) الذي حفر في تجربة جنوب الحجاز، ثم بعد ذلك لم نقرأ له تجربة ملفتة كبيرة بمستوى عمله الأول.
في رواية(الطين) مثلاً نقرأ تداعيات سهلة لطبيب مجنون يعرض مشاكل الفلاحين من دون تماسك للهيكل الروائي،(أقرأ عن ذلك بالتفصيل في كتاب تجارب روائية من الخليج والجزيرة العربية للمؤلف، وكالة الصحافة العربية، ص 47 – 52).
كثافة المادة التي يعرضُها عبده خال عن الحياة الشعبية مرتبطة بحياتهِ الشخصية المريرة، فقد رأى الموتَ في منطقتهِ ورأى السيولَ وهي تحملُ بعضَ الجثث، وعاشَ أمراضاً صعبة، وترجرجَ بين الحياة والموت طويلاً، وحُبس في تعليم الأطفال عقدين من السنين، فهي تجربةٌ قاسيةٌ مريرةٌ ولا شك!
لكن تلك المادة الشعبية لا تدخل الهياكل الروائية وتغنيها بالصراع، ثم هو بعد ذلك يخرجُ من هذه الصراعاتِ ويتوجه لأشياء أخرى هامشية كما في روايته التي فاز عليها بجائزة البوكر كما يقول العديدُ من النقاد العرب الذين قرأوا الرواية.
الثقافة الروائية والأدبية عامة في السعودية تتوجهُ لمختلفِ أشكالِ العروضِ التمهيدية، وتقدم ثقافة جماهيرية، وتجلب مواد ومشكلات شعبية جزئية، لكنها لا تتجاوز ذلك لتأصيل الرواية والفنون خاصة، والغوص في المشكلات العميقة وعرض نماذج وطنية عريضة.
هذا بطبيعة الحال يتطلبُ أعمالاً نقدية مواكبة لهذه التجارب الطموح التي لا شك تنشئ (زخماً) وتعبر عن شعبٍ حيوي ناهض في مختلف المجالات.

صحيفة اخبار الخليج
1 ابريل 2010

اقرأ المزيد

حروب السندوتش!

غداة انهيار الاتحاد السوفيتي عُلق إعلان بحجمٍ كبير لإحدى منتجات المشروبات الغازية الأمريكية الشهيرة في ساحة بوشكين في العاصمة الروسية بالقرب من التمثال الشهير للشاعر بوشكين الذي يعده الروس رمزاً للأدب والثقافة في روسيا، لا بل وللروح الوطنية الروسية عامة.
أحد كبار الكتاب الروس استهجن، في حينه، الأمر، متسائلاً عما إذا يكون يجوز إلحاق الأذى بهذا الرمز الكبير من خلال هذا الإعلان.
لكن الأمر أبعد من أن يكون مجرد رأي لكاتب يمكن أن يوصف بالتعصب القومي، إنه يتصل تحديداً بانبعاثات الروح الوطنية وتعبيراتها الثقافية حين تجد أنها مهددة من قبل نموذج طاغٍ آت إليها من سياق آخر.
يذهب الصحافي المعروف توماس فريدمان إلى أن أفضل طريقة لضمان تحقق السلام في العلاقة بين دولتين، هو أن يقام في كل منهما فرع من مطاعم ماكدولاندز، مـما يعنـي ضـمــناً أن الحــرب لا يمـكن أن تنشأ بين دولـتين يوجــد لديهما فروع لهذه المطاعم، فيما الحرب ممكنة جداً بين دولتين توجد في احداهما مثل هذه الفروع، فيما لا توجد في الدولة الأخرى.
والحديث هنا لا يدور عن «ماكدولاندز» إلا مجازاً، فالأمر يتصل بما يوصف بـ «نمط الحياة الأمريكي» الذي ما أن يسود، على نحو ما يذهب فريدمان، حتى يعم الرفاه والسلام.
لكن الكاتب النابه جلال أمين عقب على هذا الزعم متسائلاً: ماذا لو دار الحديث عن شركتين تنتجان الهمبرغر، دخلت إحداهما ولتكن ماكدولاندز مثلاً إلى بلد، فيما دخلت الشركة الثانية بهمبرغر معدل أو مختلف إلى البلد الثاني، وعلى الرغم من أن الماركتين تمثلان زمن العولمة وروحه، ألن تقع الشركتان في تنافس وتناقض؟ ألن تنشأ تبعاً لذلك مصالح متضادة لابد وأن تفصح عن نفسها سياسياً، وربما عسكرياً في ظرفٍ من الظروف؟
مصدر وجاهة هذا السؤال هو حقيقة أن الحرب ليست سوى استمرار للسياسة أو تجلٍ لها في صورة عنيفة، خاصة في حال كون كل «سندوتش» من «السندوتشين» ينتمي إلى دولة قوية لها جيش كبير وجهاز مخابرات له من القوة ما للدولة ذاتها. أليست الحروب في نهاية المطاف عائدة لأسباب النفوذ والسيطرة الاقتصادية؟
لسنا بصدد هجاء العولمة، التي هي نتاج تطور موضوعي طويل لتدويل الاقتصاد وأنماط السلوك، وهد جدران العزلة بين الدول والمجتمعات لتوكيد العالمية، وإنما بصدد دعوة للنظر إلى الحضارة الإنسانية بصفتها حضارة واحدة لكن بروافد متعددة، مع ملاحظة أن قضية الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم الحضاري تأخذ في ظروف العولمة تجليات مختلفة لها، يتعين على القوى ذات التوجه الأممي تشخيصها، وتطوير أساليب النظر اليها.
 
صحيفة الايام
1 ابريل 2010

اقرأ المزيد

رسائل الأربعاء.. يا صباح الترقيع..!!


ما هذه الفوضى التي تعم البلديات.. ولماذا لا تُحترم تصنيفات المناطق..؟!

نظرة واحدة على أحيائنا اليوم وستعون عما نتحدث.. مبانٍ استثمارية في أحياء سكنية.. مجمعات تجارية تُبنى اليوم في قلب مناطق لا تتحمل بناها التحتية ولا مواقفها ولا شوارعها الضيقة ضغط مشاريع كهذه.. مبانٍ بارتفاع 30 و40 طابقا في مناطق – يُفترض- أن الحد الأقصى لما يبنى فيها 5 طوابق، وكل هذا بالطبع بهدف تنفيع متنفذين ورجال أعمــال ” كرماء” وتحويل تراب أراضيهم لذهب؛ سيما أن تغيير التصنيف -بجرة قلم- قد يرفع قيمة الأرض بنسبة 1000% أحياناً!!

هناك تصنيفات واشتراطات خاصة بتنظيم المناطق السكنية.. وهناك باب موارب للاستثناءات.. ولكن الاستثناء غدا القاعدة اليوم وصارت الفوضى هي النظام.. فالبعض يبني بيت العمر – بشق الأنفس- في منطقة هادئة ليفاجأ بمجاورة مبنى استثماري له ما يحيل فرحته ضيقاً.. وهذه بالطبع جريرة البلديات في غياب تام لدور المجالس البلدية المنتخبة التي تبارك تلك المخالفات التي جعلت مناطقنا عشوائية بشكل لا يطاق..!!

يا صباح الشكاوي..
———————

رسائل الأربعاء – كما تعلمون- ولدت لنقل صوت المواطنين الذين أكدت ملاحظاتهم – أسبوعيا-  لتفريغها في هذه الزاوية التي تضيق عن استيعاب كم الشكاوي.. وسأتعرض لبعض منها هنا على عجالة..
أحد الغيارى على حرمات النساء اتصل متذمراً مما يحدث الآن من السماح بعمل رجال في الصالونات النسائية في مخالفة صريحة للتنظيم الذي تقيدت به وزارة العمل لسنوات؛ والقاضي بقصر عمل الرجال في الصالونات النسائية على الفنادق فقط؛ وهو ما لم تعد هيئة تنظيم العمل تتقيد به في ضرب لعادات وتقاليد مجتمعنا المحافظ..

شكا جمع من أهالي ستره من تراجع أداء بلدية سترة بشكل مؤسف.. فسترة منطقة كبيرة مكتظة بالسكان وكثير من المراجعين لا يملكون سيارات ويقصدون- بشق الأنفس- البلدية لإنهاء معاملاتهم ليفاجأوا بأن الموظف المعني أمين الصندوق” في مشوار” يستغرق ساعات دون أن يوجد له بديل، ما يضطر المراجع للذهاب لبلدية عالي أو مدينة عيسى أو المركز الشامل الذي يعاني فيه هؤلاء – وجلهم كبار في السن- من عبء التعامل الإلكتروني الذي لا يجيدونه.. وقد طالب هؤلاء وزير البلديات بالتحقيق وضبط رتم العمل المتسيِّب في البلدية..

سيدة فاضلة شكت من الواجهات التجارية التي وصفتها ” بالمثيرة وغير اللائقة ” مطالبة وزارة التجارة بتنظيم العملية بشكل لا يجرح مشاعر العائلات التي تتواجد في المجمعات مع أطفالها..

أخرى شكت من أن المدرسة الفرنسية  ”الواقعة في البسيتين” لا تُلزم طالباتها بزي مدرسي رسمي تاركةً لهن المجال للبس ما يشاؤون، وكثيرات من المراهقات ” يتمادين” بشكل يثير تذمر سكنة البسيتين المحافظين ” ما شفت إهي تقول” وبالتالي تناشد الأخت وزارة التربية توجيه المدرسة المعنية لضبط الوضع ما أمكن..
وما على الرسول إلا البلاغ..

يا صباح الهمجية..
——————-

لا نشكّ أن جمعية الممرضين من “المغضوب عليهم ” رغم أنهم ليسوا بضالين كما تسوق له الوزارتان اللتان تستهدفانهم ” الصحة والتنمية”.. فكل ما في الأمر أنهم جمعية مهنية شرسة في الدفاع عن حقوق منتسبيها المهمشين وعليه استحقت محاولات متواترةً لكسرها لا يتسع المجال لإخراجها من الدفاتر..

وكل ما مرّ ” كوم”  وتشميعها بهمجية ” كوم آخر”.. فقبل زهاء أسبوع دعت الجمعية لحفل شاي ابتهاجاً بالإفراج عن أمين السر ” ولا عزموني”  ليفاجأوا في صباح اليوم التالي بقوى أمنية تقفل المبنى وتمنع العاملين من دخوله لأخذ ملفات ومتعلقات الجمعية في تصعيد خطير لا مبرر له ضد جمعية مهنية لم تخالف القانون في شيء – ” إلا إذا كان القانون هو هو المسؤولين” !!

ما حدث ببساطة: استهداف علني.. وتحرك غير حضاري.. لن يزيد الجمعية إلا شعبية وحضورا.. وتذكروا يا أولى الألباب أنكم – دونما وعي- من يصنع الرموز بتصرفاتكم هذه لتأتوا فيما بعد لتشتكوا تغول المعارضة وشعبيتها..
وأصبحنا وأصبح الملك لله!! 

 
الوقت 31 مارس 2010
 
 

اقرأ المزيد

غسيل الأموال… جريمة العصر (1)


«إن أموال المخدرات حافظت على بقاء النظام المالي قائما إبان ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية… إن معظم أرباح تجارة المخدرات، التي يصل حجمها سنويا إلى 352 مليار دولار أميركي، تم استيعابها في النظام الاقتصادي، وإن عائدات الجريمة المُنظمَة كانت السيولة الاستثمارية الوحيدة المتاحة لبعض المصارف التي كانت على حافة الانهيار في العام 2008 والعام الذي تلاه».

هذا النص ينقله الكاتب العربي المتخصص بالاقتصاد محمد كركوتي، على لسان رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أنطونيو ماريا كوستا، كي يكشف عن بعض مصادر جرائم غسيل الأموال من جهة، ويثبت أن هذه الجريمة، بخلاف الجرائم الأخرى، لم تعد تعتمد على شخص هنا أو مجموعة من الأفراد هناك، بل تطورت، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، كي تتحول إلى مؤسسة عالمية تنتسب إلى عضويتها جهات، مثل تلك المصارف التي أشار لها ماريا كوستا، والتي كان من المفترض أن تكون في مقدمة من يحاربون هذه الجريمة. حقيقة مرة قد تقود إلى التشكيك في مصداقية، وشفافية المؤسسات المالية المركزية محلية كانت أم دولية.

ورغم أن البعض يرجع تاريخ بروز هذا المصطلح إلى ثلاثينيات القرن الماضي، ويربط بينه وبين عصابات المافيا، عندما كانت تحاول إضفاء الشرعية على ما كانت تحصله من أموال مصدرها جرائم الابتزاز السياسي، وتهريب المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض، أو حتى مساعدة المؤسسات أو الإفراج ممن يحاولون التملص من دفع الضرائب، لكن هناك من يربط بين معاودة بروزه مجددا وبين فضيحة «ووترغيت» في العام 1973 وبطلها الرئيس الأسبق للولايات المتحدة ريتشارد نيكسون. يبقى هناك شبه إجماع على أن اتفاقية فيينا 1988  الصادرة عن الأمم المتحدة، تشكل نقطة الانطلاق التاريخي لمحاربة هذا النوع من الجرائم في العصر الحديث.
هذا على صعيد المواجهة، أما على صعيد التعريف، فهناك الكثير من المصادر التي الأخذ بالتعريف الأوروبي المقر العام 1990 على اعتبار أنه، حسب تلك المصادر، الأفضل والأكثر شمولية، حيث تعتبر اللجنة الأوروبية عمليات غسيل الأموال كل ما ينجم عن «تحويل الأموال المتحصلة من أنشطة جرمية بهدف إخفاء أو إنكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الأموال، أو مساعدة أي شخص ارتكب جرما ليتجنب المسئولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم».

ويستغرب الكثير منا من مستوى الاهتمام الدولي بجريمة غسيل الأموال، وحملات التوعية التي ترافق ذلك الاهتمام، وعدد الدول المنضوية للعمل تحت مظلة الاتفاقيات التي تنظم مواجهة تلك الجرائم. لكن ذلك الاستغراب يتلاشى حين نطلع على حجم الأموال المتداولة في هذه الجريمة ونسبتها العالية نسبيا من حجم التجارة العالمية، بل وحتى الحيز الذي تحتله في الاقتصاد العالمي، إذ يقدر تقرير رسمي صدر في العام 2009 عن وزارة الخارجية الأميركية ورفعته للكونغرس «حجم تجارة غسيل الأموال وصل إلى 3.61 تريليونات دولار وهو أكبر من الميزانية الأميركية الراهنة وما يعادل 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي».

ويحذر التقرير كما أوردته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية من أن «غسيل الأموال تضاعف بشكل صاروخي على مدى العقد السابق بعد أن كان يبلغ 300 – 500 مليار دولار في العام 1997»، تجاوز التريليون دولار بحلول العام 2007، ويرجع التقرير سبب ذلك إلى تزايد «استخدام المعادن النفيسة والأحجار الكريمة لغسيل الأموال ونقل القيمة وتمويل الإرهاب».

وتتفاوت حصة كل دولة في تلك الأرقام، وتأتي دولة مثل روسيا، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي التي تنشط فيها عصابات جرائم غسيل الأموال المنظمة، وتقدر بعض المصادر وجود «نحو 80,000 مجموعة تعمل في هذا المجال، تسيطر على قرابة 40,000 مؤسسة مالية في روسيا».
وكما تقول بعض المصادر الإعلامية الأميركية فإن «أموال المافيا الروسية يجري غسيلها عن طريق بنكين في الولايات المتحدة الأميركية وتبلغ قرابة 15 مليار دولار على الأقل».

ولا يقتصر الأمر على روسيا، ففي دولة مثل سويسرا، التي تعتبر من الحصون المالية الآمنة، وطبقا لإحصاءات الهيئة السويسرية لمحاربة غسيل الأموال، فقد «بلغ حجم تجارة غسيل الأموال في سويسرا خلال العام 2007، ما يربو على 921 مليون دولار مقارنة مع 780 مليون دولار في العام 2006، بزيادة نسبتها 13 في المئة.
وكشفت وحدة المخابرات المالية البلجيكية، أنه خلال الفترة 1993-1998 تم ما يربو على 1416 قضية غسيل أموال أحيلت إلى القضاء بقيمة 3.9 مليار دولار».
ولا تخلو القائمة من بعض الدول العربية مثل مصر، فقد كشفت دراسة أعدها الخبير المصري عبدالفتاح سليمان ونشرتها صحيفة «نهضة مصر» في العام 2009، بأن «حجم غسيل الأموال في مصر يصل إلى نحو 5 مليارات دولار»، وبأن «البورصات الجديدة في الدول الناشئة تعد المكان الأكثر تفضيلا من قبل عصابات غسيل الأموال لتبييض أموالهم عبرها».

أما على الصعيد العربي العام، فقد أكد المركز العربي للدراسات المالية والمصرفية أن «نصيب الدول العربية (قد بلغ في إحدى السنوات) من غسيل الأموال إلى ما يقدر بنحو 100 مليار دولار».

وهناك طرق عديدة تسهل جرائم غسيل الأموال، غالبا ما يلجأ من يقف وراء تلك الجرائم البشعة، إلى واحدة أو أكثر منها وفقا لطبيعة الأموال المطلوب غسلها، أو قوانين وأنظمة البلاد أو المنطقة التي تكون المسرح الأفضل لتلك الجريمة، والأقل خسارة التي يمكن أن يتكبدها أولئك المجرمون، يمكن أن نذكر أهمها على سبيل المثال لا الحصر، فهناك التسهيلات المصرفية، إلى جانب مؤسسات الاستثمار، مع عدم إغفال إمكانية الاستعانة ببعض الأفراد ممن يتمتعون ببعض أشكال الحصانة نظرا للمناصب التي يشغلونها. ولا ينبغي أن ننكر الدور المميز للتحويلات الإلكترونية، وخاصة تلك التي تتم عبر الإنترنت، التي سهلت كثيرا عمليات تحرك الأموال على المستوى العالمي.
 
الوسط   31 مارس 2010م
 

اقرأ المزيد