المنشور

انتخابات العراق والاستقطاب

إن مستويات العامة المحدودة الثقافة التي خرجت من قبضة نظام دموي طويل لا تتيح لها أن تنتخب حكومة ديمقراطية، أو جماعات ديمقراطية حقيقية.
ورطتنا الديمقراطية التسريعية المرتجلة ودفعتنا لمواجهات على مستوى كل بلد وعلى مستوى منطقة الخليج خاصة.
فقد جرت من دون تحضيرات ثقافية وتنويرية طويلة، ومن دون إبعاد تسييس المذاهب، ولكن حتى البلدان الأكثر استقراراً لم تقم بمثل ذلك التحضير العلماني الديمقراطي المطول.
فالدول العربية خلال خمسة عقود نقضت عملية التنوير التي جرت قبل ذلك، وصعدت القوى الشمولية المختلفة نظراً لتخلف الجماهير العربية الاجتماعي.
ولهذا فإن القوى الطائفية في العراق شعرت بالخوف من وجود قائمة تعتمد فصل الدين عن السياسة، فهذا هو مرتكزها لخداع الجماهير واستغلالها.
تترابط هنا القوى الطائفية مع التوجهات العسكرية للنظام الإيراني، فهو لا يريد سلاماً للمنطقة، ولا حلاً لمشكلات الشعوب المأزومة بالفقر والتخلف وبقهر النساء وبتدهور الثقافة، وهيمنة القوى الأجنبية، عسكراً وشركات وعمالاً وإعلاماً.
وهذا التمدد الطائفي العراقي – الإيراني يوجد مواجهة مناطقية، ويعرض الشعوب لأفدح الأخطار، ويجعل الأنظمة الأخرى تبرر نفقاتها العسكرية الهائلة، وتلكؤها في برامج التنمية وحل المشكلات المعيشية المتفاقمة وتخبط المدن وتلوثها الخ.
هذا التمدد مكون من جمهور أكثر إيغالاً في الخضوع الديني اللاعقلاني، جمهور الخوف من الذوبان في الآخر، جمهور نشر الرعب بين المسلمين، مثل نظيره القاعدي المرعوب من الحداثة والديمقراطية.
جمهور لم يتشكل في مدن حرة، وكان دائماً محاصراً من قوى العنف والتعصب، ويوجد الجيتو الخاص به، لكن مثل هذا الجيتو الآن خطير، فهو يرتكز على أسلحة فتاكة، ودولة تنمي ترسانتها العسكرية وتهدد بأكبر الحروب!
ورغم ان مسألة تشكيل الحكومة في العراق مسألةٌ داخلية، وخاضعة لكثير من الاحتمالات فإن انتصار أو هزيمة الطريقة الطائفية في تشكيلها تبقى خطيرة ومهمة وكبيرة.
إن تفكك التحالفات الطائفية ونمو قوى وطنية حرة سيفتح المنطقة لتطور سلمي مهم، أما إذا تغلبت العقلية الطائفية فذلك مقدمة لحرق المنطقة.
لكن جذور الثقافة الشعبية ترتكز على اللاعقلانية والنفعية المباشرة واللامستقبلية، عبر الخضوع الطويل للقوى الطائفية مُولدة مثل هذا الإنتاج المفخخ لتفجير الحياة.
الحرس الإيراني يريد المسرح العراقي معداً للتدخلِ ولإبقاء القوى الطائفية داخل خنادق العداء.
لهذا فإن الاستقطاب مع إيران ككل، وعدم إيجاد التمايزات داخلها، يقوي مسألة العسكرة والخنادق، والشعب الإيراني ليس بحاجة لمزيد من الحصار والعقوبات، بل بحاجة للسلع والعلاقات الثقافية الواسعة، ونشر الفرح والعلوم والإعلام في صفوفه، بحاجة لتوسع القطاعات الخاصة وعدم التضييق على معيشته، بحاجة للسياحة والانفتاح، بحاجة لتبادل العلاقات الاقتصادية المفيدة، بحاجة لدعوات رجال الدين والمثقفين والسياسيين الديمقراطيين، بحاجة لدعم الفضائيات المتبادلة الساعية في التقارب ونشر الوعي الديمقراطي والعيش المشترك والسلام.
بحاجة لإقامة جمعيات الصداقة والسلم بين الجانبين العربي والإيراني، لوضع حد للحروب وعقلية العداء والحذر.
لا بد من مواصلة اختراق الحصار، وإقامة شتى العلاقات مع الشعب الإيراني، من الدول العربية والإسلامية خاصة، وتبقى مسألة التهديد العسكري في مجالها الخاص المحاصر بطبيعة الحال.
إن الشعوب العربية والإسلامية كجسور لتطور إيران يمكن أن تلعب أدواراً أكبر من الدول الغربية وسياسات الحصار والتشدد.
إن القوى الدينية المتشددة من الجانب الآخر مضرة هي الأخرى بالهجوم على العقائد الإمامية، فهي تؤجج هذه العمليات الحصارية العسكرية البغيضة، ومن الضروري قراءات الإسلام بأشكال مختلفة تسامحية ديمقراطية نهضوية، تلغي هذه القراءات الحربية.
هذا ينطبق على الجانب العراقي فكلما زادت العلاقات الاقتصادية والثقافية معه تفتحت سبل العيش لقطاعاته المختلفة، وانجذبت لمناطق الخليج والعرب، وتشكلت قواعد جديدة مختلفة عن أزمنة الدكتاتوريات.

صحيفة اخبار الخليج
2 ابريل 2010