المنشور

حول المكآفات الحكومية الجديدة

تنمية القوى البشرية ورفع مستوى الاداء والانتاجية يتطلب نظما ادارية حديثة تعمل على تحسين اوضاع العاملين وتهتم بالتدريب والتأهيل لضمان مخرجات تتناسب واحتياجات سوق العمل، وفضلاً عن هذا تهتم بتفعيل الرقابة الادارية.
حقيقةً، مناسبة هذه المقدمة هناك اصداء واسعة من التعديلات التي استحدثتها الحكومة على اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية التي تمنح موظفي الحكومة علاوات وبدلات جديدة ومكافآت تشجيعية اهمها مكافأة نهاية الخدمة للذين امضوا في الخدمة خمس سنوات على الاقل.
وبصريح العبارة، بالرغم من اهمية هذه التعديلات لدى العاملين في هذا القطاع إلا ان المطلوب ايضاً ان تستحدث تعديلات اخرى تحرك سلم الاجور وخاصة اجور الدرجات الاولى التي بالفعل لا تتناسب في كل الاحوال مع غلاء الاسعار واحتياجات الحياة المعيشية المكلفة.
وباختصار، ان تعديل الاجور والعلاوة تتطلب اعادة النظر بعد حين في النصوص القانونية واللاوائح التنفيذية في القطاع الحكومي الذي تجاوز عدد العاملين فيه اكثر من 40 ألف موظف.
على اية حال، ان مبادرة الحكومة المتمثلة في تلك التعديلات محط تقدير ولاشك كلما كانت هذه التعديلات تشمل اغلب الدرجات المتضررة كلما كانت نتائجها وانعكاساتها مرضية بين العاملين، ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو: ماذا عن القطاع الخاص الذي يضم اكثر من 180 ألف مستخدم؟
من المعروف ان المؤسسات الكبيرة في هذا القطاع لها اسهاماتها الكثيرة نحو استقرار الاوضاع العمالية من خلال توفير مميزات حاضة كالاجور المناسبة والعلاوات والتدريب والى آخره، ومع ذلك لا ننفي جهود وزارة العمل والاتحاد العمالي والنقابات وغرفة التجارة التي دفعت في اتجاه هذا الاستقرار، وبالرغم من ذلك فان هذا القطاع مازال متردداً وأهم الامثلة على ذلك قبل عامين عندما اقدمت الحكومة على زيادة الاجور بواقع 10 – 15 في المئة كانت ردة الفعل لهذه القطاع سلبية اي لم يحذو حذو الحكومة في هذا الشأن عدا البعض من مؤسساته الكبيرة!!
بالمختصر المفيد، لا يمكن ان نضع مؤسسات القطاع الخاص في سلة واحدة بالطبع فهناك من يعمل وفق نظم ادارية حديثة مقاييسها لتحسين الاداء والانتاجية والاهتمام بالعنصر البشرى وبحرنة الوظائف والتدريب والتأهيل، وهناك من دأب على تجاهل هذه المقاييس!
كما ومن المؤسف جداً ان تجد من المؤسسات الخاصة الكبيرة ان تتجاهل التشريعات العمالية، واوضح برهان هنا تلك التشريعات التي تشهدها بعض المؤسسات المالية!!
نفهم تماماً ما يقوله البعض ان نظام الاقتصاد الحر يقتضي عدم تدخل الحكومة في شؤون القطاع الخاص وبالتالي لا تستطيع الحكومة ان تفرض على هذا القطاع لوائح للاجور والعلاوات.
والرد على مثل هذا القول: نحن لا ننفي ذلك ولكن في الوقت نفسه يجب ان لا ننسى ان «كنترول» الحكومة من خلال تشريعاتها الاقتصادية والعمالية يجنبنا في الكثير من الاحوال حالة الفوضى والانفلات، وبالتالي ما تتطلبه الشراكة الحقيقية هو وجود ضوابط خشية من التلاعب بحقوق العاملين وما ينطبق على وضع سياسة واضحة تؤكد اهمية الحد الادنى للاجور ينطبق ايضاً على الخصخصة التي بالرغم من جدواها فان غياب «الكنترول» الحكومي ربما تصبح سبباً مباشراً في التسريحات العمالية تحت غطاء ان الاقتصاد الحر يقتضي عدم تدخل الحكومة في شؤون القطاع الخاص!!
علي اية حال، ان التعديلات التي اجرتها الحكومة على العلاوات والبدلات والمكافآت وإن كانت محدودة فإنها تكشف عن اجراءات ادارية سليمة نأمل ان تستمر وان تولي اهتمامها بالاجور، كما نأمل من القطاع الخاص ان يتفاعل بما يعزز تحسين الاجور والعلاوات للعاملين في هذا القطاع؛ لان العاملين في القطاعين الحكومي والخاص عرضة للضغوط الناتجة عن الغلاء والاوضاع المعيشية الصعب ذاتها.
 
صحيفة الايام
22 مايو 2010

اقرأ المزيد

وجوهنا وحدها تُشبهنا

حين نعود إلى البومات الصور القديمة التي جمعتنا يوماً مع آخرين، في أمكنة وأزمنة مختلفة، تنتابنا مشاعر فياضة. كلما قدمت الصورة، نأت اللحظة التي صُورت فيها بعيداً، وازداد الفضول في أنفسنا لرؤية ما الذي خلفه الزمن على أجسادنا وأرواحنا من ندوب.
الصورة التي تعود لعشر سنوات ماضية أو عشرين سنة يمكن أن تثير في النفس ذلك الشلال من الأسئلة والتداعيات عن أين كنا وأين أصبحنا. أذكر صديقاً قديماً لفت نظري مرة إلى ملاحظة أظنها دقيقة تماماً، قال إن أي إنسان حين يُحدق في صورة جماعية تجمعه وآخرين فإن أول ما تقع عليه عينه هي صورته هو بالذات.
لدى الناس فضول كبير لرؤية ذواتهم منعكسة على مرآة أو مطبوعة على ورق مقوى هو الذي نسميه الصورة. وإذ نعود لصورنا القديمة فأول ما نفعله هو التحديق في أنفسنا التي كانت، في صورتنا.
حينها تتداعى الصور والأفكار، ها نحن في وضعٍ يمكننا من ملاحظة ما الذي فعلته السنون فينا، ما الذي غيرته من الملامح وخلّفته في الروح. ثم تأخذ العينان في التنقل بين من هم معنا في الصورة، وهنا أيضاً يشغلنا السؤال عن المصائر التي أحاقت بهؤلاء: أين هم الآن، قبل أن ينثال شريط الذكريات عن الأزمنة التي مرت والأحلام التي كانت.
أكثر الصور مدعاة للفضول هي صور أطفالنا. حين تفاجأ بأن قامة ابنك اليوم هي في مثل قامتك وربما أطول فإن صورته وهو في المهد، أو وهو يلهو بألعابه في سنوات طفولته الأولى، أو صورته مع زملائه وزميلاته في سنة أولى روضة هي ذلك الصاعق الذي يفجر مخزون الذاكرة، ويتركه ينثال عن حكايات وانطباعات.
يا الله! أيعقل أن ذلك كان منذ زمن بعيد، وإن هذا الزمن مر بالجوار دون أن ننتبه، وإن هؤلاء الذين كانوا قبل ومضة عين أطفالاً في المهد، أو أطفالاً يلهون بألعابهم مع أقرانهم قد كبروا حتى باتوا يضاهونك في القامة ويحرجونك بالأسئلة الصعبة التي لا تستطيع أن تجيب عليها، ليس لأنك لا تريد وإنما لأنك ببساطة شديدة لا تعرف.
إذا كانت صورة الأطفال، أطفالنا تحديداً، هي مدعاة الفضول، فإن صورة من نحب هي الأكثر مدعاة للحيرة والتأمل. إن صورته، أو صورتها، تستحثك على التحديق، في الملامح وفي تفاصيل التعابير، في ما يشبه الاستغراق التأملي الصوفي . صورة الحبيب هي طيفه، هي توقيعه الذي لا يُمحى في النفس.
لا أعرف من القائل «إن وجوهنا وحدها تشبهنا، وحدها تفضحنا»، الوجه هو المدخل الأثير للنفس، للروح، والصورة زمن، ولأن الزمن في سيرورة أبدية لا تعرف التوقف هكذا دونما نهاية، فإننا ابتكرنا الصورة خديعة ذكية كي نُوهم أنفسنا بأننا أخذنا من اللحظة الهاربة ملمحاً نبقيه زوادة للقادم.

صحيفة الايام
22 مايو 2010

اقرأ المزيد

العمل البلدي بوابة للوصول إلى البرلمان

تعتبر الانتخابات البلدية في الدول الديمقراطية والغربية من أهم وأبرز الانتخابات، حيث تكون فيها المنافسة بين القوى السياسية كبيرة جداً، على اعتبار ان هذه القوى لديها ثقة تامة من ان الوصول الى قلب الجماهير هو الجانب الخدماتي.
العكس تماماً، لدينا في البحرين، في كل انتخابات نشهدها، يبرز الانخفاض في اعداد المترشحين، ويكون الحديث داخل أروقة الجمعيات والصحافة عن من ينوي الترشح للانتخابات النيابية، ويتم تشكيل اللجان العليا داخل الجمعيات السياسية لاختيار أعضاء القائمة النيابية واعلانها، ورصد الميزانيات لدعم هذه الحملات الانتخابية، وتحديدا داخل الجمعيات التي لا حظوظ لها في الوصول الى قبة الغرفة المنتخبة.
لم نسمع حتى الان عن جمعية من التيار الديمقراطي مثلا، لديها مترشحون بلديون وتعد لهم برنامجا انتخابيا.
اذا كان الناس يخافون من «النار التي يسوقها لهم أي مترشح غير اسلامي»، قد يمرر قوانيين يخاف منها رجل القداسة، فإن الحساسية من ذلك ستكون أقل بكثير في الانتخابات البلدية، التي يسعى أعضاؤها الى تحسين الخدمات في مناطقهم ودوائرهم.
ويمكننا ان نعتبر ان بوابة الوصول الى البرلمان هو العمل البلدي، فلو استغلت هذه الجمعيات إهمال القوى السياسية للانتخابات البلدية واستطاعت ان تصل بمرشح لها يكون من الكفاءات ويقدم لأهالي منطقته ما يقدر عليه من تلبية لخدماتهم، فإن الأمر قد ينعكس على التصويت في الانتخابات النيابية ولو بعد حين.
البعض يلهث وراء قبة البرلمان من اجل مكاسب وشهرة و(برستيج) بين الناس، وحتى يقال ان هذه الجمعية استطاعت ان تستحوذ على مقاعد برلمانية.
اذا كانت الجمعيات جادة في ما تنادي به من خدمة الجماهير والخوف على مصالحها، فإن الباب مفتوح لهم في اعادة النظر فيما يتعلق بالانتخابات البلدية.
أنا على ثقة ان هذه التيارات السياسية غير القادرة على الوصول للبرلمان، لو اهتمت بالانتخابات البلدية فإن المعادلة ستتغير في الانتخابات النيابية.
 
صحيفة الايام
21 مايو 2010

اقرأ المزيد

حنين … رغبة في التغيير

يقول الرئيس الـ 28 للولايات المتحدة الأميركية، ووردو ويلسون: «اذا كنت ترغب أن تخلق أعداء لك، حاول أن تغير شيئاً ما».
هذا أمر طبيعي، فالنفس البشرية تحب ما اعتادت عليه، وتقاوم أي رغبة في التغيير. هذا بالطبع ينطبق أيضاً على المجتمعات البشرية، فالناس تحب أن تفعل الأمور التي اعتادت عليها دائماً، حتى إنها في دول العالم الثالث، قد تضع أفكارها وعاداتها وتقاليدها في مرتبة المقدسات، والتي لا يجب أن تمس، وتحارب «بشراسة» أي محاولة في إعادة قراءة هذه المفاهيم من منظور آخر، ملخص حديثي حتى هذه النقطة أن التغيير في المجتمعات وأفكارها، ليس بعملية بسيطة، وأنه من المتوقع أن تواجه بحرب ضروس.
قد أكون من المحظوظين الأوائل، والذين استطاعوا مشاهدة الفيلم البحريني «حنين»، في مهرجان الخليج السينمائي في دبي قبل شهر، والذي يتناول موضوع الطائفية في قالب بحريني بأسلوب لا يمكن وصفه الا بالجريء جداَ، وكأي فيلم أخذ حقه من النقد إيجاباً وسلباً، وكان محور نقاشنا بعد العرض الأول بشأن ردة فعل الناس بعد عرضه، وكان رهاننا أن الاصوليين من الطرفين أول من سيحاربون الفيلم كونه يعري المتطرفين منهم.
وقبل أن يعرض في دور السينما بعدة أشهر بدأت الانتقادات المحمولة بهجمة شرسة كانت تفتقر الى الموضوعية في طريقة السرد وصوغ المحتوى والتي تم تحويرها لبناء صورة سلبية عن الفيلم لا غير بأسلوب بعيد جداً عن النقد البناء يهدف الى قتل هذه التجربة في المهد، والذي لا يسعى بكل تأكيد إلى تطوير تجربة السينما البحرينية الحديثة.
قد يكون طاقم عمل الفيلم على علم بمدى الهجمة الشرسة التي قد يواجهها الفيلم وأن هذه ليست سوى البداية وأنه من المتوقع ان تكون هناك محاولات أشرس وأعنف من هذه بكثير فهذه هي ضريبة التغيير، واني على أمل أن يستطيع الفيلم تحريك ولو الشيء القليل ما بداخل من يشاهده.
الحيادية والموضوعية كانتا سمة الفيلم البارزة، لم أشعر ولو للحظة ميل الفيلم إلى أي طرف أو جهة سواء من الجانب السني أو الشيعي أو اليساري أو الحكومي أو غيره، الكل يطرح نظرته للحياة بطريقته سواء كانت ضيقة أو بعيدة المدى، لقد شعرنا كمتفرجين بأننا جزء من هذا العمل وهذا بدوره يعتبر نجاحاً لما قدمه المخرج والكاتب والممثلون الذين أبدعوا في تقديم واقع حقيقي لمجتمعنا المحلي والخليجي بل الكثير من أبناء المنطقة شعروا وأحسوا بما شعرنا وأحسسنا به.
«حنين» لم ولن يكون فيلماً عادياً بل ما أثاره في الأوساط الفنية يشير إلى مدى تفوقه في طرح قضية شائكة لم تتطرق لها السينما الخليجية على رغم حداثتها وهذا أمر يحسب للقائمين على الفيلم، وأتوقع بأنه سيلقى إعجاباً كبيراً من الجماهير في البحرين وخارجها، وألف مبروك لطاقم العمل على هذا الفيلم الرائع الذي حرك أحاسيس كثيرين.
 
صحيفة الوسط
20 مايو 2010

اقرأ المزيد

العلمانية الإسلامية والتضحية

تشكل الإسلامُ من تضحياتٍ كبرى، لهذا نجدُ رموزَ الإسلام تعيشُ على الحدِ الأدنى من الرزق الذي لا يبتعدُ كثيراً عن معيشة العامة والفقراء المدقعين، وبرفضِ الهيمنة على المال العام.
في عمليات تأسيس الدول ظهرت قوى صارمة وتكريس الدين بقوة شديدة، لكون ذلك كان تأسيساً لأمم إسلامية في مرحلةٍ مبكرة قبلية.
نجد لدى الرموز الدينية تكريسا كبيرا للتضحية، فلديهم سلطة هائلة وقدرات فكرية تأسيسية للمذاهب، لكنهم تجنبوا التداخل مع الحكومات ورفض أخذ الأموال منها وقبلوا بالعيش الزهيد.
عرض أبوجعفر المنصور على الإمامِ أبي حنيفة النعمان مبالغ معينة كمساعدةٍ له، فقال له إنه يقبلها بشرطٍ وهو أن توضعَ في بيت المال وإذا إحتاج إليها أخذَ منها وبطبيعة الحال لم يحتج إليها وواصل اجتهاداته الدينية غير المقبولة لأبي جعفر.
وعرضَ أبوسلمة الخلال القائد العباسي الكبير على الإمام جعفر بن محمد (الصادق) حكم الامبراطورية الإسلامية الهائلة فرفضها متشبثاً بدراسةِ العلوم.
بعد مرحلةِ التأسيس التضحوية تلك جاءت مراحل الأنانية. وكلما ازداد التصاق الدين بالحكم وبتبرير أحكامه والمعيشة على أرزاقه وعطاياه ضَعُفت الأحكام الفقهية والسياسية والرؤى الفكرية والأدبية، وضعفت مُثـُل التضحية العظيمة، وانحط المثقفون ورجال الدين وتدهور فهم الدين.
التضحيات تقود إلى انفتاح الدين وديمقراطيته حتى بعناصر صغيرة محاصرة وسط الفساد، ولهذا لا عجب أن يكون المتصوفة أكثر الناس انفتاحاً وحباً لجميع الأديان، لأنهم يعيشون على ما يسد الرمق، ولا يوجهون أية سكاكين للآخرين، وصدورهم متسعة لحب البشر، معتبرين الرؤى الفكرية كافة صادرة عن نضال البشر للحرية والتقدم.
في حين ازدادت الكراهية والشمولية وبغض البشر لدى الدينيين الشموليين، إنهم مرتعبون خوفاً على تسلطهم على البشر ونفاقهم للدول وحصولهم على ثروات طائلة، لهذا فهم ضيقو الصدر فاقدون للتسامح عاجزون عن القيام بإصلاحات من أجل الجمهور، الذي يتخوفون من تطوره. يرغبون في استمرار تخلف الجمهور وانحباسه في الظلمات وعدم حريته وعلمانيته
وتزداد خطورتهم حين يلتصقون بالدول الشمولية العسكرية حيث يهددون المسلمين والبشر بالإبادة الساحقة.
التعبير الكلي للخلفاء الراشدين عن المصالح الأساسية لأغلبية الجمهور لا تنفي الشمولية والدينية ولكن كاستقلال تام عن مصالح الكبار الاستغلاليين، فهم ليسوا في خدمة الأقليات، وهذا ما يجعلُ ذلكَ ديمقراطيةً اجتماعيةً تحتاجُ كذلك إلى ديمقراطية فكرية، وهي أقصى الدين وهي علمانية كذلك لأنها إبعادٌ للدينِ عن استغلالهِ في الصراعاتِ السياسية ولمآرب الملأ الشخصية – الاجتماعية الطبقية الخاصة، وهذه تناقضاتُ العصرِ التي لا مفرَ منها.
إن استقلاليةَ الأئمةِ اللاحقة جرتْ بعد انتصار الملأ الديني الجديد، الذي وظّفَ الإسلامَ في صراعاتهِ السياسية المتعددة، سيطرةً على الحكومات ودعوة لتشكيل نفس الحكومات الاستبدادية، ليس لتجديد حال المسلمين وتقدمهم، إلا من الاستثنائيات التي تصارعُ شبكاتٍ غالبةً.
وهكذا فإن خيوطَ التجديد الوامضة كانت هي في استقلالِ الأئمةِ عن دول الفساد، وهنا (علمانية) مغايرة، فهي انفصالٌ عن السياسة الحاكمة الجائرة غالباً، وتأييدٌ للسياسة الحكيمة المنصفة التي تندر الظهور لدى هذا الخليفة أو ذاك.
ولم تتشابكْ علومُ الاجتماعِ والطبيعةِ والتاريخ والفقه في ذلك الحين لإنتاج رؤى تجمعُ بذورَ الديمقراطيةِ والعلمانية وتلتقطُها من تحت ترابِ السير الاجتماعي المضطرب الدامي لجموع الناس المتصادمة وللأمم الإسلامية المتكونة، بل كانت النقائض.
في الزمن الحاضر صار من الأهميةِ أن يكونَ الفقهُ مستقلاً، ألا يختلط بالسياسة، وأن يكون له تبحره الخاص. هو فلسفةٌ دينيةٌ عميقة تقرأُ وجودَ الأمم الإسلامية وتطورها.
أعاقت التدخلاتُ الطويلةُ هذا الفقهَ من أن يكونَ أولاً معبراً عن الأغلبيةِ العامة، فجعلتهُ للأقلية، وأن يقرأ ثانياً الضرورات العميقة لتكونِ وتقدمِ الأممِ الإسلامية، وهو التكونُ الذي يطورُها ولا يذيبها، إنها ضرورات الاقتصاد والاجتماع والعلوم.
وكذلك تصلُ ما انقطعَ من فلسفةٍ عقلية إسلامية بأن الطبيعةَ لها قوانين سببية موضوعية خارج إرادتنا، والمجتمعات لها قوانين سببية يجب أن نعرفَها ونسيطرَ عليها لكي نبقى ونتقدم.
لابد أن يتبحرَ فريقٌ من أجل ذلك، ولا ينحشر الجميعُ في النصوص الجزئية والأحكام القريبة، وأن يُرى العامُ والضرورات، لكن هذه لا تتكونُ بدون تراكم المعرفة الغزيرة والانفصال عن الدول وعدم العيش منها وعدم العيش من الأحزاب والجيوش والقوى الأجنبية.
ففي حين ازدادَ التصاقُ جماعاتِ الدين المنظمةِ بالدول ازدادتْ المشكلاتُ وتفاقمتْ لدرجة الكوارث والأخطار الكبار، لكونها تجلبُ العامةَ المتحمسةَ غير المدركة إلى ساحات الصراع فيتم استغلالها عبر أدواتِ الاضطرار والحاجة وليس عبر أدوات العمل الحر. وبدون أن يكون للعامةِ مصالح عيش مستقلة وموارد حرة تكون أصواتُها في الانتخابات أو في الهيجان مع الدول مضرة.
ظهرَ زمنُ الفقيه المصلح – الحكومي، وهو نموذجٌ يكررُ أخطاءَ الماضي، فهو ما ان يسيطر على الموارد حتى يتكاثر الناس حوله وينافقونه للوصول إلى نخرِ المصالح العامة، وهذا يؤدي إلى أضرار على مستوى الفقه وعلى مستوى الحكم.
وهذه مجموعةٌ من المعضلات تواجه البلدان الإسلامية بأن يكون الحكم مستقلاً عن المذاهب، وأن يحدثَ نضالٌ من أجل حرياتِ الأعمال ويخفتُ زمنُ الدول الشمولية المهيمنة على أغلب الموارد والمصالح والثقافة والاعلام، ومَن يُرد هنا أن يشكلَ فقهاً لمصالح الأغلبية أو لمصالح الأقلية فليشكل، وأن تغدو البرلمانات صناديق للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية باتجاه الآراء السكانية الغالبة.
أن يحدث صراعٌ بين قوائم (اليمين) و(اليسار)، الاقتصاديين الاجتماعيين، اللامذهبيين، اللادينيين.

صحيفة اخبار الخليج
20 مايو 2010

اقرأ المزيد

الأغلبية الصامتة والشعور باللاجدوى – 2

استكمالاً لحديث الأمس عن شعور الأغلبية الصامتة، التي تعارفنا على وصفها بهذا الوصف، باللاجدوى، وربما الإحباط، يصح التساؤل عما إذا كان السبب في ذلك عائدا إلى شعور هذه الشرائح الصامتة أن طبيعة الخطابات السياسية السائدة على تلاوينها، أكانت منتسبة للإسلام السياسي أو ممثلة للتوجهات العلمانية سواء للقوى الممثلة في البرلمان أو تلك التي كانت خارجه، قاصرة أو عاجزة عن تلبية تطلعاتها وتصوراتها لمستقبل البلاد؟
أم أن السبب يكمن في كون هذه الأغلبية الصامتة وجِلة تجاه المستقبل، مأخوذة بذكريات الماضي غير البعيد المريرة، وبالتالي فان إحدى روافع الدفع بهذه الشرائح نحو المزيد من الايجابية والانخراط في الحراك السياسي هو في خطوات تسريع الإصلاحات وتعميقها، بحيث انه كلما لمست نتائج ذلك على الأرض كلما تعمقت ثقتها في جدية ما نحن بصدده من تحولات؟
ونظن أن الحديث عن السببين الجوهريين الواردين أعلاه صحيح إلى حدٍ بعيد، لكن يظل الجزء المتعلق بخطاب القوى الناشطة أو بأساليب عملها أساسيا وجوهرياً، وإذا كان من درسٍ يمكن استخلاصه من حقيقة وجود هذه الأغلبية الصامتة، فهو دعوة القوى السياسية مجتمعة إلى إبداء المزيد من التواضع في حديثها عن تمثيل الناس، بصورةٍ مطلقة.
يصح هذا خاصة حين نلحظ أن هذه القوى، على تلاوينها المختلفة، ما زالت تخضع لمخاضٍ تتجلى مظاهره هنا وهناك في اتجاه بلورة صورة وخطاب هذه القوى في المستقبل وسط حراك سياسي يغلب عليه الطابع الانتقالي والتجريبي إلى حد بعيد.
يتجلى ذلك في ضعف، وأحياناً، في غياب الحدود الفاصلة التي تبرز فوارق اللون في الأطياف السياسية والاجتماعية في المجتمع، على قاعدة مبدأ تدوير الزوايا، التي لا تجعل الناس تشعر ما الفروق الجوهرية بين المكونات المختلفة للحركة السياسية في المجتمع.
وفي واقع مثل هذا فان ما يبرز على السطح هو الفروقات المذهبية والطائفية التي تجد دائما من يغذي هواجسها، وهي فروقات لا تعكس طبيعة أو جوهر التناقض الاجتماعي – السياسي في البلد بين قوى راغبة حقاً في الإصلاح السياسي، حتى لو كان تدريجياً، وعلى العكس من ذلك تظهر تناقض الأجندات الطائفية والمذهبية، التي استطاع اليسار ومجمل الحركة الوطنية والقومية في عقود سابقة من جعلها في مرتبة ثانوية، بل وإضعافها إلى حد كبير، لصالح إظهار المشتركات بين جماهير شعبنا بكل مكوناته في العمل من أجل الديمقراطية والإصلاح والمشاركة السياسية، وتأمين الحياة الحرة والكريمة للناس جميعاً، عبر التوزيع العادل للثروة وصون المال العام من أي تطاول عليه.
ليس مطلوباً أن ينخرط المجتمع كله في العمل السياسي، فهذا ضد منطق الأشياء، وليس ممكناً أن نجعل كل الناس على اهتمام بالشأن السياسي، فهذا محال، ولكن من المؤكد، ونحن أمام انتخابات قريبة قادمة، أنه بإمكاننا أن ندفع بقطاعات ليست قليلة من الأغلبية الصامتة إلى معترك الاهتمام بالشأن السياسي والانتخابي، حين ننجح في إظهار أن هناك بديلا للخيارات التي سادت في المجتمع خلال السنوات الماضية، خاصة إذا أظهر أصحاب هذا البديل جاهزيتهم للقيام بالدور المطلوب منهم.
 
صحيفة الايام
20 مايو 2010

اقرأ المزيد

النظامُ البرلماني البريطاني المبكر

تعودُ الصراعاتُ الاجتماعيةُ والسياسيةُ البريطانية إلى اقتحامِ النورمانديين للجزرِ البريطانية، وتشكيلهم ارستقراطية مميزة عن أهل الجزر السكسون، الذين كانوا هم الفلاحين.
هذا التضادُ الأولي تراكمتْ فوقه طبقاتٌ سكانيةٌ واجتماعيةٌ متعددة، لكنهُ ظل ينخرُ الواقعَ على مدى قرون، وتشكلَ في بدءِ التجربة الفكرية انقسامُ الشعبِ لطائفتين كبريين، هما الكاثوليك والبروتستانت، ووقفتْ المَلكيةُ مع التحولِ الاجتماعي التحرري البروتستانتي بدوافعِ الابتعادِ عن هيمنةِ كنيسة روما، التي كانت تمثلُ العصر الإقطاعي المديد.
وهو موقفٌ ليبرالي اجتماعي يتطورُ في القارةِ الأوروبية مع نمو العلاقاتِ الرأسمالية. ولهذا وقعَ صراعٌ طائفي طويلٌ بين الجانبين، انتهى بانتصارِ البروتستانتية وببدءِ تشكيلِها لعالمٍ تحرري ديني، وإن لم يكن هذا ينطبقُ على مجملِ الطوائفِ التابعة لهذا المذهبِ فهناك متشددون حَرفيون فيه.
أخذ الصراعُ القديمُ بين الارستقراطية والفلاحين ينمو ويتشكل عبر نمو النظام الرأسمالي الجديد الذي وجد له في الجزر البريطانية أكبر احتضان.
وفي حين كان الفلاحون والحِرفيون يغدون عمالاً أكثر فأكثر فإن الارستقراطية راحتْ تتحولُ إلى صناعيين وتجار كبار، وهذا أوجد حزبين تصارعا لأمدٍ طويل هما حزب التوري: الم(Tory) المحافظ القريب من المَلكية، والهويغ: (Whig) الأحرار، وهو الحزبُ الأقربُ للعامةِ لكنه يمثلُ الطبقة المتوسطة التاريخية في لحظاتِ التداخل بين الأرستقراطية والبرجوازية.
إن عمليةَ التحولِ السياسيةِ والاجتماعية التي بدأتْ منذ القرن الخامس عشر الميلادي، اتخذتْ لها مساراً طويلاً مليئاً بالصراعات وبحربٍ أهليةٍ ضاريةٍ وبانقلاباتٍ عنيفةٍ وبتبدل من المَلكية الشمولية للمَلكية الديمقراطية، وكان هذا يعني تبديل نسيج بريطانيا القروسطية الإقطاعية إلى بلدٍ رأسمالي ديمقراطي خلال أربعة قرون.
ولاحظ المؤرخُ هيوم بأن:(البرلمانات نشأتْ من موافقةِ الملوك، غيرَ أن النظمَ المَلكيةَ تدينُ بوجودِها لخضوعِ الشعب الطوعي)، أما الحرب الأهلية فقد نشبتْ بسببِ قرارِ تشارلس الأول معاملة الأمة كما لو أنها مقاطعة احتـُلتْ عنوةً)، (الأمةُ والروايةُ، المركز القومي للترجمة، مصر).
لعبت السببياتُ الاقتصاديةُ دورَ التشكيلِ التحتي لهذا النسيجِ الاجتماعي، فتوجه الشعبُ للصناعاتِ النسيجية التي أغرقتْ الأسواقَ الخارجية، وكان تصديرُ بريطانيا أكبر من استيرداها، فتنامت فوائض اقتصاديةٌ وُجهتْ نحو الصناعات المتقدمة.
لكن المُلاكَ المتحولين لرأسماليين صناعيين وتجاريين احتاجوا إلى الأدواتِ السياسية من أجلِ حفاظِهم على مصالحِهم الاقتصادية وعملياتِ توظيفاتها، ولتحديدِ أجورٍ متدنية وانتزاع أراضي الأديرة ولمنعِ التشردِ الواسع النطاق في ذلك الحين، بسببِ انقلابِ العلاقات الاقتصادية، وانهيار مكانة الأرياف السيادية القديمة، ونمو المدن بشكلٍ هائل.
لعبَ حزبُ (الأحرار) دورَ المحولِ للعلاقاتِ الاجتماعية القديمة، يقول درزيلي الكاتب والسياسي البريطاني:(إن الوكَز في القرن الثامن عشر حولوا إنجلترا إلى جمهوريةٍ على غرار البندقية حيث لا يتمتع المَلكُ سوى كونه الرئيس الأسمى للدولة بينما تمسكُ الطبقةُ الارستقراطية بالسلطات كلها)، (السابق، ص 309).
إن ابتكار نظام المجلسين(العموم) و(اللوردات)، وتفصيلَ دستورٍ حسب سيطرة هذه الطبقة، هما من أهم عوامل تبدل نسيج بريطانيا، التي سُميت عُظمى لقيامِ اتحادٍ بين إنجلترا واسكتلندا فقط، حيث قام حزبُ الأحرار بإيجاد مناطق انتخابية تُعرف في التاريخ البريطاني بالمناطق الانتخابية المتعفنة(rotten boroughs) ويُطلق هذا الاصطلاحُ على مناطق انتخابيةٍ قليلةِ الأصواتِ يَحقُ لها انتخاب ممثلين يساوي عددهم ممثلي مناطق انتخابية كبيرة.
كذلك احتفظَ الأحرارُ بالأغلبيةِ بسبب العائلات المتنفذة: (pocket boroughs)، فقام حزبُ الأرستقراطية والطبقة المتوسطة المتنامية المتداخلة بإعطاءِ التصويت لكل من يدفع مبالغ ضرائبية زهيدة، وهو أمرٌ جعل العامة تكتسحُ البرلمان، وتحجم من ملاك الأرض الكبار، وتجعل انتصار البرجوازية ممكناً على مدى عقود في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
إن هذه المرونةَ السياسيةَ الكبيرة التحديثية الصناعية نتجتْ من خوفِ المُلاكِ من تصاعدِ النظام الجمهوري العسكري الفرنسي، ومن حروبهِ المخيفة، وكذلك من مجيء مَلكية أجنبية منزوعة الهيمنة الشمولية وهي ما تُسمى بحكمِ آل هانوفر، وهي كلها عواملٌ أسهمت في إطلاق الثورة الصناعية الأولى في التاريخ البشري وتشكيلِ ديمقراطية مُلاك كبارٍ وعامةٍ مساندةٍ لها ومصارعة إياها كذلك.
وهذه التطوراتُ التي تنامتْ عبر العقود أرستْ تطوراً اقتصادياً عميقاً، قدرتْ على تحويلِ النسيج الاجتماعي الطائفي التقليدي إلى نسيجٍ حديثٍ مُنصهرٍ في طبقتين كبريين هما المالكة والعاملة، وبالتالي فقد تنامى مجلسُ العموم وتضاءلَ مجلسُ اللوردات، وارتفعتْ مكانةُ الطبقة العاملة وأُسسَ حزبُ العمال البريطاني، الذي حكمَ في بدايات القرن العشرين، وتوحد الارستقراطيون والبرجوازيون في حزبِ المحافظين، الذي حكم في أغلب الفترات، في حين تحجم حزبُ الأحرار.
وبتجنبِ الحروبِ الداخلية والصراعاتِ الاجتماعية الضارية، وبتوجيهِ الفوائضِ الاقتصادية لثورة قوى الإنتاج، وباعتمادِ الثقافةِ السياسية العَلمانية، استطاعتْ بريطانيا أن تكونَ لقرونٍ القوة السياسية الأولى في العالم.

صحيفة اخبار الخليج
18 مايو 2010

اقرأ المزيد

مركز وأطراف..!

في الأدبيات الاقتصادية والاجتماعية يدور نقاش طويل حول آليات العلاقة بين مجموعة البلدان التي كانت تدرج في خانة ما يعرف بـ «العالم الثالث» وبين العالم المتقدم، أو بلغة سمير أمين العلاقة بين المركز والأطراف، أو ما تدعوه بعض المدارس الاقتصادية في أمريكا اللاتينية خاصة، بنظرية التبعية.
ولم تؤد التطورات الدولية بعد تداعي نظام القطبين، وتبوؤ المعسكر الغربي لصدارة العالم منفرداً إلا إلى زيادة هذا النقاش حدة وعمقاً، ويتمحور أحد مفاصل النقاش حول ما إذا كانت هذه الآلية تميل نحو العزل أو نحو الدمج، وهما كما نرى آليتان متناقضتان في الشكل، ولكن مساحة التداخل بينهما، رغم ذلك كبيرة.
في السابق كانت السيطرة أو الهيمنة التقليدية المباشرة إذ تحكم سيطرتها على البلدان الفقيرة أو النامية وتحرص على عزل هذه البلدان بإبقائها في دائرة الجهل والتخلف والعوز واستخدامها كمواطئ نفوذ إما للهيمنة على ما فيها من ثروات إن وجدت أو تحويلها إلى نقاط على طرق التجارة الدولية أو كجسور أمامية في الاستراتيجية العسكرية خاصة في تلك الفترة التي اشتد فيها التنافس بين الضواري الاستعمارية أو في فترة الحرب الباردة.
لكن الحديث يدور الآن عن الدمج لا عن العزل، بمعنى إشراك هذه البلدان في بنية الاقتصاد العالمي، ويتحدث البعض عن تعميم مستوى الرفاه العالمي، وتوحيد نسق الاستهلاك وإذابة الحواجز بين الشمال والجنوب، فبرأيهم أنه في الاقتصاد الحديث القائم على التفريع والتخصيص ليس مطلوباً من جميع بلدان العالم أن تصبح بلداناً صناعية أو منتجة، يكفيها مثلاً أن تكون بلدان خدمات أو سياحة وما إلى ذلك.
لكن هذا الرأي وإن تضمن عناصر صحيحة، فإنها تأتي مخلوطة وعن قصد بعناصر أخرى مغرضة، ذلك أن الدمج الراهن هو في حقيقته نوع جديد من العزل، يعيد تشكيل مفهوم التبعية وصياغته وإعادة تقديمه برداء جديد، وهو يرمي إلى نفي مسؤولية التقسيم الدولي الراهن للعمل عن تخلف العالم النامي وفقره، ورد ذلك إلى عوامل داخلية خاصة بكل بلد من بلدانه، في الوقت الذي تؤكد فيه تقارير المنظمات الدولية أن الهوة بين الشمال والجنوب هي إلى ازدياد لا إلى تضاؤل، ويزداد الأفق انسداداً بوجه الغالبية الساحقة من الدول النامية.
إن ثنائية العزل والدمج ليست بعيدة عن ثنائية التوحيد والتشظي التي تفعل هي الأخرى فعلها في عالم اليوم، عالم ما بعد الحرب الباردة تحديداً، فرغم أن العالم يسير قسراً أو طوعاً نحو وحدة ظاهرية، إلا أن مظاهر التشظي والتفكك وانقسام العالم إلى دويلات يسير جنباً إلى جنب مع هذا التوحيد، بل كأن آلية التشظي هذه تبدو في بعض الحالات كما لو كانت مجرد مظهر من مظاهر هذا «التوحيد» الظاهري.
 
صحيفة الايام
18 مايو 2010

اقرأ المزيد

الحركات العمالية: هل ثمة من أمل؟

كان النضال الطبقي خلال السنوات الثلاثون الأخيرة، شأنٌ ذي جانب واحد إلى حد ما، حيث كان رأس المال يوجه ضربهُ للعمال على مدار العالم. وعندما حدث الركود الاقتصادي اتخذ اقتصاد معظم العالم الرأسمالي المتقدم موقف الهجوم، بدءً من سبعينيات القرن الماضي، مُستوعبٌ في الحال أن أفضل الطُرق للحفاظ على الهوامش الربحية في فترة نمو اقتصادي متقطع بطيء هي تخفيض تكاليف العمالة. 
  
  

  



الحركات العمالية: هل ثمةَ من أمل؟ (1)  
 






بقـــــلم: Fernado E. Gapasin and Michael D. Yates
ترجمة: غريب عوض

 
كان النضال الطبقي خلال السنوات الثلاثون الأخيرة، شأنٌ ذي جانب واحد إلى حد ما، حيث كان رأس المال يوجه ضربهُ للعمال على مدار العالم. وعندما حدث الركود الاقتصادي اتخذ اقتصاد معظم العالم الرأسمالي المتقدم موقف الهجوم، بدءً من سبعينيات القرن الماضي، مُستوعبٌ في الحال أن أفضل الطُرق للحفاظ على الهوامش الربحية في فترة نمو اقتصادي متقطع بطيء هي تخفيض تكاليف العمالة. فبدأت الحكومات ومنظمات التسليف الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتطبيق سياسات أدت بشكل متزايد إلى شعور العمال بعدم الاطمئنان على وظائفهم. 
  
أدت قائمة من الأجراءات التي أتخذها أعداء الطبقة العاملة إلى القرأةَ المُزعجة التالية: تخفيض المعاشات والفوائد، والانتاج الهزيل (وما يتبعهُ من زيادة في إصابات العمل والمشاكل الصحية المصاحبة، التي قل ما تهتم بها الهيئات الأهلية هذهِ الأيام)، أغلاق المصانع وتدمير المجتمعات، والحرب الأيديولوجية الناجحة التي يشنُها اليمين، وتفكيك دولة الرعاية الاجتماعية، وخصصة الخدمات العامة، ورفع الرقابة الحكومية، وفرض الضرائب الارتدادية، وبرامج الانضباط الهيكلي، واقتطاع التكاليف من العائدات وتغريب العمل، والاتفاقيات التجارية المضادة للعمال، والعنف المباشر ضد العمال. ويجب الإشارة بشكل خاص للأوضاع في ما يُسمى سابقاً دول ”الكتلة الشرقية“. لقد شَهِدت هذه الدول سرِقات ضخمة في الممتلكات الاجتماعية وتحويلها إلى ممتلكات خاصة. هذ مع القضا على جميع أشكال الاستهلاك الاجتماعي تقريباً نتج عنهُ تفشي البطالة بين عشرات الملايين من الناس وتفشى العمالة المهمشة بين عشرات الملايين من الناس الآخرين، وموت عشرات الملايين من العمال ومن المحالين على التقاعد قبل أن يحين وقتهم. وقد شهدت الصين ضربة شديدة وُجهت إلى حقوق العمال ونمو الاستِغلال الفظ. 
  
 وبجانب الضرر المباشر الذي يُصيب العمال نتيجة للحرب الطبيقية التي يشنها أرباب العمل، قام هؤلاء أيضاً بإعادة هيكلة التوظيف بشكل جذري. على مستوى العالم، هناك مئات الملايين من الناس الذين هم أما عاطلين عن العمل فعلاً أو هُم في وظائف هامشية غير رسمية. وهذهِ المجموعة تضمُ الملايين من الفلاحين المُهَجّرين الذين يعيشون في المناطق الاخطبوطية الحضرية الرثة المُحيطة بالمُدن العملاقة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية. ومن بين بقية الطبقة العاملة، أنتشرت بسرعة أنواع متعددة من التوظيف العرضي – عمال البيوت، والعمال المؤقتين، وعمال المقاولات، وعمال التوظيف الذاتي (وعمال استغلال النفس). وقد قل كثيراً حجم التوظيف الكامل، حتى في الدول الغنية، عنهُ عما كان عليه بين جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. زد على ذلك، أن العمال الذين كانوا في فترة ما ضامنين لوظائفهم ومطمأنين عليها، تحتم عليهم الآن مواجهة احتمال خسارة وظائفهم وهم ويُجبرون على الانتقال من مكان إلى آخر ضمن دولهم وإلى دول أخرى بحثاً عن وظيفة، مما جعل الطبقة العاملة في كل دولة متنوعة الأعراق والأجناس. وأصبت ضغوطات العمل ومخاطرهِ في تزايد في كل مكان. وغنياً عن القول، أن جميع هذهِ التغيُرات تخلق الصعوبات للعمال الذين يحاولون تنظيم أنفسهم في اتحادات نقابية وتنظيمات سياسية. كما يجب التأكيد أيضاً على أن من المحتمل أن المرأة في جميع أنحاء العالم آخذةٌ بشكل مطرد على تحمل عبء أكثر وظائف الأجر استغلالاً. 
  
 كانت منظمات الطبقة العاملة بطيئة في استجابتها لهجوم رأس المال، خاصةً في الدول الغنية. في الولايات المتحدة تزاوجت نقابات العمال مع ”الاتفاق العمالي“ تحقق ذلك في نهاية أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي حيثُ تسامح خلالها أرباب العمل مع نقابات العمال، واحترمت النقابات السيطرة الإدارية على مواقع العمل. كان هذا الاتفاق نتاج للتعاون بين ما يمكن أن نطلق عليه القيادات العمالية ”التقليدية“ والقيادات ”البرغماتية“  أي العملية. الفئة الأول مناهضة للشيوعية بشكل حاقد ومؤيدة للإمبريالية الأمريكية كان تحت قيادة الرجعيين من مثل جورج ميني George Meany وكانت تُريد تطهير الحركة العمالية من اليسار التقدمي. والفئة الثانية تحت قيادة أشخاص من مثل والتر روثر Walter Reuther رئيس نقابة عمال السيارات، تضامنت مع الفئة الأولى على أمل أن يكسب أعضائها مستوى معيشة الطبقة المتوسطة، وأن يحصل قياديها على النفوذ والسلطة في النقابات. لقد حقق العمال مكاسب مهمة في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولكن عندما رمى أرباب العمل بالاتفاق في سلة المهملات، وقعت النقابات في حيرة من أمرها لا تعرف ما تفعل، وأغلبها لم يفعل شيئاً. 
  
أما في غرب أوروبا، فقد كانت الحركة العمالية ضمن منظومة هيئات تضامنية مُعقدة حيثُ تُشارك الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية السياسية للطبقة العاملة بنشاط في الحكومة، وتتمتع النقابات، المُرتبطة بتلك الأحزاب ارتباطاً وثيقاً، بنفوذ واسع في مواقع العمل. كان هذا التنظيم مفيداً للعمال بشكل عام، الذين استطاعوا تأمين أوضاع اجتماعية مُرَفهة، من رواتب وفوائد حسدهم عليها العمال في كل مكان. لقد تفاوتت قوة تلك التضامنيات من بلد إلى آخر، كان أضعفها في بريطانيا العُظمى، حيثُ عانَ العمال من الهزائم المتكررة خلال فترة حُكم حزب المحافظين بقيادة مارغريت ثاتشر، وكان أقوى تلك التضامنيات في الدول الاسكندنافية. عموماً لقد استطاع العمال في غرب أوروبا الحفاظ على مكاسب أكبر من التي حصل عليها أقرانهم في الولايات المُتحدة، وفي بريطانيا العُظمى، وفي نيوزيلاندا، وفي أستراليا، قبل أن مجيئ الركود الاقتصادي في منتصف سبعنيات القرن المنصرم. غير أن نماذج الهيئات التضامنية تدين بالكثير من جاذبيتها لأرباب العمل نتيجة لخوفهم من مثال الاتحاد السوفيتي ومن قوة الشيوعيين المحليين الذين تكاثروا بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح أرباب العمل يفكرون بجدية أكبر بالحرب الطبقية، واليوم يقع العمال تحت رحمة مدافع الليبرالية الجديدة في ألمانيا وحتى في السويد وفنلاندا والنرويج. 
  
   وبطبيعة الحال لم يكف العمال على الدوام عن مقاومة قوة رأس المال بطريقة أو بأخرى، ولم يكن الوضع خلال العقود الثالثة الماضية استثناء. لقد وقعت بعض الاحداث المُثيرة خلال تسعينيات القرن الماضي وكان هناك أمل بأن هناك انتفاضة عمالية في طور التشكل لقد شل الموظفون العموميون في فرنسا البلاد باسرها احتجاجاً على استقطاعات الحكومة من فوائد الموظفين. وحتل عمال صناعة السيارات في كندا المصانع وبدؤاُ على وشك وضع كامل الحركة العمالية في كندا على حافة التطرف والتغيير الجذري. واستولى العمال في الولايات المتحدة على اتحاد العمال الأمريكي – ومؤتمر المنظمات الصناعية، وقام عمال خدمات الطرود المتحدة بتنظيم اضراباً كبيرا ناجحاً وبدأ أنه ربما يكون مُلهمٌ لأضرابات عمالية مماثلة. عندها تضامن العمال مع عدة قضايا عامة لحركة مناهضة العولمة، وكانت ابرزها في مدينة سياتل. كما تحالف العمال مع الحركة الطلابية المتنامية المناهضة لمعامل الكادحين السيئة. لقد تم تجربة كل أنواع التنظيمات الجديدة – تحالافات الجالايات، والحملات المؤيدة لقضايا المرأة والحملات العابرة للحدود – وقد حالف البعض منها النجاح. 
 


الحركات العمالية: هل ثمة من أمل؟ (2) 



 

 
بقـلـــم : Fernando E. Gapasin and Michael D. Yates
ترجمة: غريب عوض
 
وفي الدول الفقيرة، أنتشرت الاحتجاجات ضد الدمار الذي تسببت بهِ الليبرالية الجديدة. فقد شكل العمال العاطلون عن العمل في الأرجنتين حركة قوية مُستعدة للقيام بالعمل المباشر، خاصةً إغلاق الطرق السريعة في البلاد، لإجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبهم المُتمثلة في الحصول على الوظائف وتحسين الخدمات العامة. وفي جنوب أفريقيا، حثت حركة ”الفقراء“ التي تعمل من خارج الخط العام للحركة العمالية، المجتمع على النضال من أجل كل شيء، بدءاً من الحصول على السكن، والماء، والكهرباء، إلى إلغاء ديون الدول الفقيرة. وفي المكسيك، بدأ الزباتستيون مناصري الثائر الأسباني زاباتا Zapata نضالهم من أجل الحكم الذاتي للفلاحين في نفس اليوم الذي تم فيه تنفيذ إتفاقية التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية. وفي البرازيل، قامت حركة الفلاحين الذين لا يملكون أراضي بمعية حزب العمال الوطني ليس من أجل تحرير الأرض لمن لا يملكونها فحسب بل بالدفع بلولا دا سيلفا Lula da Silva المناضل العمالي إلى أعلى منصب سياسي في البلاد،(رئيس الجمهورية الآن). 
  
وبالرغم من أهمية كل هذهِ الاعمال والحركات المتنوعة في النضال الطبقي، وبالرغم من أن كل واحدة من هذهِ الحركات تمكنت من تحقيق بعض المكاسب للعمال وحُلفائهم، إلا أنها لم ترسم منفردة أو مجتمعة نقطة تحول في النضال الطبقي. لقد استمرت كثافة النقابات في الضعف والانحدار، كما أن السلب والنهب الذي تقوم بهِ الليبرالية الجديدة استمر دون فتور. وعلى نحوِ ينذر بالشر، اصبحت إمبريالية الولايات المتحدة أكثر عدائية على نحوٍ سافر، مُستخدمةً هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001م، كغطاء للعدوان العسكري ومزيد من الهجمات على حقوق العمال وأمنهم. 
  
 ونظراً لأن نضال تسعينيات القرن المُنصرم الواعد لم يستطع حلحلة حكم الرأسمالية، فقد إنتاب الحركات العمالية شعور باليأس وبدايات الفهم أن التغيير شيء يجب القيام به. اعتاد القياديون العماليون على إلقا اللوم على العوامل الخارجية في ضعف النضال العمالي. وهذه تبدُ الصفة الغالبة. لقد قضت التغييرات التكنولوجية ورحيل رأس المال على القسم الأعظم من المواقع القوية للنقابات في المصانع، التي بدأ أنها قوى لا يمكن للمنظمات العمالية إقافها أو احتوائها. إن التغييرات في تركيبة القوى العاملة جعلته من غير المُمكن تقريباً تنظيم العمال. ففي الولايات المتحدة، نسمع دائماً بأن قوانين العمل تقف سداً منيعاً في حتى محاولة تنظيم العمال. وهكذا، إذا فشلت المبادرات الجديدة في إحداث التغيير، يكون من السهل إضعاف الروح المعنوية حتى يُعتقد أن الظروف تعمل ضد العمال، فما الفائدة من محاولة القيام بأي شيء. 
  
  وفي نفس الوقت، الفشل يُولّد تحليل الذات. أعتدنا على أخذ الولايات المتحدة كمثال، لذا ربما من الأفضل فحص ما يجري هناك بشكل مختصر. وإذا سلمنا بالوضع المؤسف للحركة العمالية في الولايات المتحدة، فالقضية أحياناً هي يرفع المتطرفون إيدهم يائسونً وهم يقولون لا فائدة تُرتجى من الحديث عن إعادة إحياء الحركة العمالية هناك. هذا خطأ. على سبيل المثال، النقابات الأوروبية مراقب متحمس للحركة العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية. 
  
عندما فاز النقابي جون سويني John Sweeney برآسة أتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية AFL-CIO في عام 1995، ضن اليساريون في حركة النقابات الأوروبية أن ”الأصوات الجديدة“ كان معناها نهاية أنظمة حكم المحارب البارد التي هيمنت على سياسات النقابات في الولايات المتحدة. ترى بعض قيادات النقابات العمالية في أوروبا وفئات مُهمة في اليسار.إن إرسال ممثلين عن الحركات العمالية لحضور المنتدى الاجتماعي العالمي في البرازيل والمشاركة في النضال المضاد للعولمة، أنهُ عملٌ يُظهرُ مَيّلٌ نحو اليسار. ويبدُ برنامج ”مُدُن النقابات“ الذي وضعهُ اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية أنهُ يدفع الاتحاد بشكل شرس نحو تحالفات ومُساءلات أوسع ضمن الجاليات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كما أنتقل اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية بعيداً عن موقف الضد من المهاجرين الذي كان مُستمراً مُنذُ تأسيس اتحاد العمال الأمريكي في عام 1881م، إلى موقف يطالب بالعفو عن العمال الذين لا يملكون مستندات ويطالب بحق جميع العمال المهاجرين بتنظيم أنفسهم. أن اتحاد العمال ألأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية من وجهة نظر أوروبية يُمثل ”اليسار“ في الولايات المتحدة الأمريكية وهو رادع مُهم لسياسة الليبرالية الجديدة المضادة للعمال في جميع أنحاء العالم. إن قيادة الأصوات الجديدة التي إنتُخِبت في عام 1995 لتقود اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية أعطت أملاً بأن أضعف الحركات العمالية في الدول الرأسمالية الغنية سوف تنهض من جديد. 
  
 وبعد مرور عقدٌ من الزمن تبخر هذا الأمل. فقد تبع ذلك نقاش حامي، تَرَكَزَ على الكيفية التي يستطيع خلالها العمال المنظمين تدارك الخروج عن الموضوع كلياً. لأن السلطة الحقيقية في الحركة العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية تقع في يد النقابات المنفردة (فاتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية AFL-CIO لا يملك سوى واحد في المائة من كامل مصادر الاتحاد)، لقد وردت مقترحات التغيير في معظمها من عدد من النقابات والأفراد. فهي في أغلبها تتشكل في مجموعتين: أحدها تحت قيادة نقابة موظفي الخدمة الدولية (SEIU) ورابطة سواق الشاحنات الدولية (IBT) وهذه المجموعة تعتقد بأنهُ يمكن معالجة الأزمة عن طريق تغيير هيكل حركة الاتحاد. والمجموعة الثانية تحت قيادة اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية AFL-CIO بنفسه. 
  
  تُركز نقابة موظفي الخدمة الدولية في نقاطها العشر من أجل التغيير، ”الاتحاد من أجل النصر“ على أهمية الرعاية الصحية الوطنية، وحق التنظيم، وتأسيس حركة عمالية عالمية، وتعزيز السلطة في ميدان الانتخابات السياسية. ولكن في مركز خطة نقابة موظفي الخدمة الدولية توجد فكرة التنظيم على مستوى كافٍ، ضمن سوق عمل مُعين، حتى لا يتمكن أي رأسمالي من كسب ميزة اقتصادية على حساب المنافسين الآخرين بواسطة تخفيض رواتب العمال. ويجب مكافأة النقابات الشرسة التي قد اضطلعت بمهمة تنظيم العمال غير المنظمين. لهذا تُركز خطة نقابة موظفي الخدمة الدولية قليلاً أو كثيراً على الدمج القسري لمعظم النقابات مع النقابات الأكبر والأكثر شراسة في خمسة عشر قطاعاً مختلفاً من القطاعات الاقتصادية. سوف يُأسس هذا المُقترح نقابات كبيرة شبيهةٌ بالتي في أستراليا وأوروبا. والفكرة هي أن هذهِ النقابات التي تتولى عملية التنظيم سوف تقوم بقيادة هذهِ القطاعات ومن ثم تُقدم مزيد من المصادر لعملية التنظيم. 
  
 

  
الحركات العمالية: هل ثمةَ من أمل؟ (3)

 

 
بقـــــلم: Fernando E. Gapasin and Michael D. Yates
ترجمة: غريب عوض
 
في خطتها المكونة من 7 نقاط للتغيير، ”أي طريق إلى اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية“ AFL-CIO لا تضع رابطة سواق الشاحنات الدولية IBT إلا القليل من الأهمية للإصلاحات، ولا تُعير أية أهمية لجعل اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية ”أكثر فاعلية“ ورابطة سواق الشاحنات الدولية مثل قرينتها نقابة موظفي الخدمة الدولية SEIU تُريدُ الإسراع في عملية دمج النقابات، فحصة الشخص الواحد في اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية (وهي حصة النقابة مستحقة الدفع تذهب مباشرة إلى الإتحاد، يُراد لها أن تُخفّض لصالح النقابات التي تُنظِم، وأن يتم اصلاح آليات فض النِزاعات في الإتحاد. فرابطة سواق الشاحنات الدولية تجادل، ونقابة موظفي الخدمة الدولية قد وافقت، على أن تضع هيئة فض النزاعات قوة النقابة المعينة وتزن الفرق في العقد الذي قد استطاعتا أن تحققاه، تضعه في عين الاعتبار عندما تفكر في أي النقابات أو النقابتين يجب تكون لها الصلاحية.
 
ومن جانبهُ أصدر الاتحاد خطتهُ، وهي ”إقامة حركة عمالية مُوَحدة: خلق مجالس عمالية قومية ومحلية فعالة“، في شهر آذار/مارس من هذا العام. تنص أول فقرة من الخطة على التالي: ”إن الحركة العمالية الأمريكية تواجة أكبر تحدياتها – وإن مفتاح انتصارنا في هذهِ الأزمة هو أن نوسع من سلطتنا السياسية – بشكل كبير وسريع… وأن نُحَسّن أداء تنظيماتنا الوطنية والمحلية على نحوٍ مُثير، والتي تتحمل المسؤلية الأولى في تنفيذ برامج الاتحاد الوطني للنقابات العمالية الأمريكية“. وهناك نُقطتان واضِحتان في الخِطة تُحدِدان كلٌ من الغرض من الخطة وطبيعتها الشاملة:
 
يجب أن يكون هدفنا موحداً، وفعالاً، ومضمون المصادر وبرنامج حاشد للسياسة، والتشريع، والتأييد والدعم لعملية  تنظيمية على الصعيد الوطني، والمناطقي والمحلي، رابطاً الأعضاء في مواقع عملهم وسكنهم بالقضايا والحملات  التحشيدية المحلية، والمناطقية، والوطنية.
 
كما يجب أن تكون النقابات المناطقية والمجالس العمالية عُرضة للمحاسبة عندما تكون قد قصرت في تنفيذها للخطة المُعتمدة على مستوى الوطن كُله. ويجب أن يضمن الاتحاد أن هذهِ الخُطط تعكس التنسيق بين النقابات المناطقية ونظرائهم من المجالس العمالية المركزية، وأن تُنفذ في ظل دعم مادي ومعنوي وبرنامج تدريب وتنسيق.
ولكن يجب تفويض الاتحاد حتى يتمكن من الإشراف  على شئون الهيئة المناطقية أو المحلية لضمان التنسيق  والالتزام بهذهِ الخطط إذا دعت الضرورة.
 
هناك تلميح في هذهِ المناقشات أنهُ في المحصلة النهائية ربما يكون من الضروري تشكيل أتحاد عمالي منافس، شبيه بتشكيل مؤتمر المنظمات الصناعية في ثلاثينيات القرن الماضي عندما اتضح أن أتحاد العمال الأمريكي لن يقوم بتنظيم العمال في مصانع الانتاج الموسع.
 
وتزامناً مع هذهِ المناقشات المُكثفة أو الحقودة أحياناً حول مستقبل الحركة العمالية، يتخذ أفراد وفئات تقدمية بعض الأنشطة. أهمها تشكيل عمال الولايات المتحدة المناهض للحرب في عام 2003. وشمل هذا التنظيم أفراد، ونقابات، ومنظمات تقدمية أخرى؛ وهو لم يقتصر على مناهضة حرب الولايات المتحدة على العراق فحسب، بل هو ضد السياسة الخارجية للولايات المتحدة في حد ذاتها.
ومبادئ هذا التنظيم تنص على: السياسة الخارجية العادلة، وإنهاء احتلال الولايات المتحدة للدول الآخرى، وإعادة توجيه مصادر ثروة الولايات المتحدة إلى داخل البلاد، وإعادة القوات المُسلحة إلى أرض الوطن فوراً، والعمل على حماية الحقوق المدنية وحفوق العمال والمهاجرين، والتضامن مع العمال وتنظيماتهم في كافة أنحاء العالم – كل هذا جدير بالملاحظة في ضوء التاريخ الخسيس لتأييد التنظيمات العمالية للإمبريالية الأمريكية.
 
وقد بدأ العمال في الدول الأخرى النظر إلى الشأن العمالي الداخلي ويقومون أحياناً باتخاذ بعض المواقف. ولقد شكل العمال المكسيكيون اتحادات وتحالفات عمالية جديدة بالكامل، وهي الآن مُتجذِرة تستطيع أن تدفع الحركة العمالية المكسيكية إلى جهة اليسار. وفي فنزويلا تم تشكيل اتحاد عمالي جديد ليحل محل الاتحاد القديم الفاسد وذلك بوحي من التغيير الجذري الذي تقوم حكومة الرئيس هوغو شافيز Hugo Chávez بالعمل على تنفيذه. وفي البرازيل، وقع انقسام في حزب الشغيلة، فقد برزت عناصر ذات ميول يسارية شبه ثائرة على فشل حكومة الرئيس لولا داسيلفا Lula da Silva في التصدي بحزم أكبر لسياسات الليبرالية الجديدة. وفي زمبابوي شكل التجمع العمالي الجديد التحدي الرئيس لنظام روبرت موغابي. وهناك نقاش يدور في الحركة العمالية الألمانية، التي يتضرر عمالها من التفكيك البطيء ولكن المؤكد لنظام الضمان الاجتماعي للبلاد المتباهى به الذي تقوم به حكومة الإئتلاف الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخُضر. وقد استمر العمال في فرنسا وإيطاليا على أظهار قدرتهم على أغلاق مناطق كاملة من البلاد في أي وقت يتشكل فيه خطر يهدد حقوق ومكاسب العمال. وفي الدول الفقيرة أيضاً (على سبيل المثال، الإكوادور و بوليفيا) يستمر العمال والفلاحين المُهَجّرين والسكان الأصليين بالثورة على الملأ ضد التخريب والدمار الذي تُحدِثهُ الليبرالية الجديدة.
 
 وبما أن العمال أخذوا على عاتقهم إعادة التجمع والتنظيم لأنفسهم، فنحن نعتقد أن هناك عدة أمور يجب وضعها في عين الاعتبار. أولاً، يحتل العمال العديد من المواقع منها: مواقع العمل، والجاليات، والعوائل المُمتدة، والمنظمات المدنية والدينية، الخ. كل واحد من هذه المواقع يمكن أن يكون تنظيماً ويجب ألا يُهمل أيٌ منها. في جميع هذهِ المواقع يتواجد لدى الناس ثقافات متعددة من التضامن، وهذهِ يجب أن تكون في قلب أي تنظيم. وقد تتفاوت المطالب حسب الموقع، ولاشك أن المطالب العمالية في مواقع العمل يمكن أن تكمل تلك المطالب التي تُطرح في المجتمع، مثل عندما يطالب العمال بتحسين رواتبهم وبالحصول على مساكن لائقة. كما أن الطُرق المُستخدمة للحصول على المطالب سوف تتفاوت أيضاً، ولكنها هي أيضاً يمكن ربطها ؛ يستطيع العمال الاضراب عن العمل أو الاعتصام في مواقع العمل وفي مكاتب المسؤلين السياسيين. أنهُ من المهم تذكر أن مستقبل الحركات العمالية ربما يعتمد على قدرة النقابات المحلية والاتحادات على تحويل أنفسها إلى موضع قوة الحركة العمالية. لأنهُ في المحصلة النهائية،لا يتم التفاعل اليومي بين العمال وفئات المجتمع والحركة العمالية إلا على مستوى النقابات المحلية. وهذا لا يعني أن التنظيمات القومية والدولية غير ضرورية؛ فلا شك أنها ضرورية. غير أنهُ إذا انبعثت القوة من القمة، تكون النتيجة بيروقراطية مُستَبِدة.
 
يتبع،،،
 

  

اقرأ المزيد

التجار والسياسة

قادت الفئاتُ الوسطى في البحرين والكويت وغيرهما من دول الخليج حركةَ التغيير والتحرر الوطني في المنطقة، للأسباب المماثلة التي حركت الفئات الوسطى العربية، فلم يؤسسْ الاستعمارُ البريطاني أجهزةَ دولٍ اقتصادية تمنع التجار من الحراك الواسع، بل ركز في تغييب النشاط السياسي، وعدم وجود أسلحة ومنع الرقيق، ومنع السخرة في الزراعة، ونشر بعض الحريات، وهذه الجوانب ساعدتْ على صعود الفئات التجارية وحراكها الذي بدأ فكرياً عبر الأندية والتجمعات الثقافية ثم صار سياسياً ربما بسرعةٍ غيرِ ناضجة.
إن هذه العقود أعطتْ الفئات الوسطى التجارية أفضل نتاجاتها الفكرية والسياسية، لكن لغياب الجذور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العريقة أُصيبتْ الحركات بالمراهقة، وهو أمرٌ لم يقتصر على مدن الخليج الصغيرة بل تعداها إلى البلدان العربية الكبيرة، فإن هذه الموجةَ الليبراليةَ العربية التي تشكلتْ في ظل الاستعمار الغربي لم تدمْ طويلاً، ومالبثت القوى الوطنية التحررية ذات النزعات الشمولية أن تصاعدت، وفي البحرين كان الأمر شبه كارثي في .1956
انسحبَ قادةُ التجار بعد هزيمةِ الحركة الوطنية في الخمسينيات، وكان أولئك القادة قد انغمسوا في الحركة القومية ذات النزعة الشمولية، التي لم تتضافر مع التوجهات الليبرالية السطحية في منطقة الخليج، مما جعلها حادةً عنيفة، غير قادرةٍ على إحداث تراكم ديمقراطي لا في الثقافة ولا في السياسة.
كان هؤلاء القادة قد جاءوا من الفئات الدنيا من التجار، ولم يظهروا من البيوتات التجارية القديمة، وكان هذا تعبيراً عن سيادة نزعة المغامرة في التجارة والسياسة، فهذه الجذورُ غيرُ القويةِ في الاقتصاد التي لم تكوّنْ ثرواتٍ كبيرة، وجاء دخولـُها للعمل التجاري سريعاً، لم يتحْ لها الزمنُ أن تتجذرَ في فهمِ الليبرالية والديمقراطية على مختلفِ أصعدتهما، وركبتْ الحماسَ الشعبي الذي أخذها بدوره إلى ما لا تريده، إلى الفلتان السياسي.
وكان هذا كذلك مصير البلدان العربية بأغلبها حيث لم تستطع الجمعَ بين عمليات التحرر الوطني وعمليات التحرر الاجتماعي، فجمع رأس المال كان صعباً، وتشكيل ديمقراطية في الثقافة والسياسة كان صعباً كذلك، وبهذا فقد سادتْ البيوتاتُ التجاريةُ الغارقةُ في الهموم الاقتصادية المنفصلة كلياً عن السياسة والثقافة، وهو أمرٌ أدى إلى التصحر الفكري وإلى غيابِ طبقةٍ داعمةٍ للثقافة وللتيارات الفكرية السياسية.
بطبيعة الحال فإن تسربات الصراع الوطني كانت تتسللُ من تحت المجاري الخلفية، عبر بعض الأبناء الذين دخلوا التيارات السياسية المختلفة.
ومهما كانت طبيعة الحركات السياسية التي تتالت بعد ذلك فقد كانت في ذاتِ المناخ الشمولي سواءً في القومية أو اليسار، ولم تظهرْ إمكاناتٌ وقدراتٌ لتراكم تجربة ديمقراطية عميقة، وهذا قد عبر إلى أي مدى كان رأسُ المالِ حذراً من القطاعات العامة الكلية المتصاعدة، فانكمشت مساهماتُ القطاعات الخاصة في السياسة والثقافة أكثر من الفترة الأخيرة للاحتلال، وفي الكويت كان الأمرُ مختلفاً، فكان الحكامُ والتجارُ في مسار واحد، حتى بدأت الشموليات في تحجيم هذه التجربة.
لقد أسهمت الأجهزةُ والاتجاهات الشمولية في تشكيل مناخ التصحر السياسي هذا، وزاد الأمرُ سوءا عندما لم تقدمْ الدولُ العربية بديلاً ديمقراطياً، وغدت الدولُ القوميةُ تصدرُ ثقافة تحررية عسكرية لم تجذب أثرياء التجارة والمال.
وإذا كانت الثروة النفطية قد استدعت تحشد القوى الغربية ونفوذ أجهزتها، فإنها كذلك أعطتْ لرأس المال المحلي قفزات في وضع التجارة والصناعة والبنوك، وغدا التصحرُ السياسي للتجار مركباً على غيابِ الأفكارِ الوطنية المتجذرة في الأرض، التي صارتْ مجردَ حصالات، لا يُعرف ما وراء وجودها الحديدي من مشكلاتٍ عميقةٍ ومن تضاريسَ سياسيةٍ معقدةٍ متضاربة، ومن عمالة متخلفة، وهذا توافقَ مع النزعةِ الأمريكية السائدة بتحرير الاقتصادات من هيمنة الدول، من أجل تدفق سيولتها عليها، فتبخرت الوطنيات أكثر من السابق.
إن محدودية النزعة الوطنية لها جذورٌ في تربةِ الجزيرة العربية ودولها المتفتتة، القائمة على تاريخ الترحال والظعن وحب الموارد، ومن هنا يقيم كبارُ التجار في الخليج فيللاً متجمعة أشبه بالمضارب البدوية السابقة، وبخلاف القبائل العربية فهذه القبائل منقطعة عن محيطها، معتمدة على قوى العمل الأجنبية، تقوم بتحجيم اللغة العربية من أجوائها وأجيالها بشكل مستمر، فتغدو جزءًا من العولمة الغربية الحديثة، في أشكالِها الخارجية المبهرة وغياب مضامينها الثقافية والفكرية العميقة، وهذا جانب مهم يعرقل الديمقراطية السياسية للتجار وبضرورة تغلغلهم في الحياة الشعبية.
وإذا كانت السياسة هي قمة مواقف الإنسان وحضوره في الحياة، فإن السياسةَ ضئيلةٌ في هذه المضارب.
إن التاجر العادي الكبير عادة هو كائن غير سياسي صريح في ظل تاريخ الشمولية السابق. وكل وجوده يتركزُ في رأس المال وتناميه، وهو رأسُ مالٍ منقطع عن جذوره وصلاته الاجتماعية، متوحدٌ في الفواتير ونتائجها، ومجردُ كمٍ نقدي يجب أن يتنامى بشكل مستمر، وربحه هو وجوده ووطنه.
ومن هنا فإن التاجر الكبير السياسي نادر الوجود، وإذا ظهر فهو مع السائد، رغم انه يفهم السائد بطريقته الخاصة، وبما ينمي التجارة الخاصة.
ومن هنا وجدَ التجارُ أنفسَهم في غربةٍ عن التحولات السياسية التي جرتْ مؤخراً وصعدت مجالس منتخبة من تيارات دينية ومن عامة وتجار صغار لا تعرف الاقتصاد. وكان هذا شيئاً غريباً، لكنه نتاجُ تاريخِ الغياب عن السياسة وعن الثقافة.
وفي هذا الوضع السياسي وجدت (طبقة) التجار نفسها أمام واقعٍ مؤلمٍ بالنسبة إليها، بل ظهرتْ كطبقةٍ غريبة منفية من الواقع السياسي الشعبي خاصة، ووجدتْ الوزارات تفرضُ التغييرات من مواقعِها السياسية غير مراعية لأوضاع التجار، في حين أنها تتوجه لتخفيف التناقضات الاجتماعية، لكن بحيث يتحمل التاجر كُلفةَ التخفيف و(الإصلاح)!
وأدى صمتُ التاجرِ وانعزاله إلى غياب أي أدوات تأثير وضغط على هذه الإجراءات، وإذا كان قد ربح من صمتهِ فإنه الآن يخسر من ذلك الصمت الطويل، ولعدم تكوين جماعات الضغط الخاصة به، وما كان مفيداً صار مضراً، فطلع على الناس وهو في حيرة، وتقيمُ الفئاتُ التجارية الدنيا تحركاتٍ واحتجاحات لا يهتم بها أحد، وغير مرتبطةٍ بجمعيات وتيارات ذات شأن في المجتمع رغم قدراتها المالية الكبيرة، ولعدم تشكيل كوادر مدافعة عن عالم التجارة الخاصة وحرية السوق رغم الأهمية الكبيرة لهما، وإذا دخل بعض هؤلاء عالم السياسة فهو من الباب الحكومي كمجلس الشورى.
وعموماً فإن الضعف السياسي للقطاعات الخاصة التجارية والصناعية والمالية هو ظاهرةٌ عامةٌ في دول الشرق، فهي تخلت بنفسها عن السياسة في زمن الشموليات الحارقة، وتوجستْ من تصاعد قوى الدول، وغرقتْ في عالم المال المعزول، بحيث إن أي شيخ دين في القرى لديه اتباع أكثر من كلِ مؤسساتِها الاقتصادية، كما أن ثقافتها الليبرالية تلبستْ بالدين المحافظ، وبالقومية الشمولية، ولهذا فإن عودةَ التاجر للسياسة الشعبية المؤثرة، تحتاجُ إلى الكثيرِ من التحولاتِ والإصلاحات في بُنى الاقتصاد وعالم المال وعلاقاته بالسياسة والثقافة.

صحيفة اخبار الخليج
17 مايو 2010

اقرأ المزيد