المنشور

الوضع الصحي… من سيئ إلى أسوأ


لا عجب أن تمتد فترة الانتظار للدخول على الطبيب الأخصائي بمستشفى السلمانية الطبي ما يزيد على الشهرين, وأن يحصل على الرعاية الطبية التي كان سيحصل عليها خلال يومين في المستشفيات الخاصة لأربعة أشهر, ولا عجب أن يكون هناك نقص في الأدوية وعدد الأسرَّة والخدمات الطبية, ولا عجب أن تزداد حدة التوتر بين المرضى والأطباء لدرجة أن يتعرض الأطباء للضرب, ولكن العجب أن تكون البحرين هي أول دولة عربية تحصل على شهادة الاعتماد الكندي في الخدمات الصحية.

البحرين ومنذ فترة طويلة قررت استبدال الأدوية ذات النوعية العالية بأدوية أقل جودة، ومنذ فترة طويلة أيضاً غابت الأدوية غالية الثمن من صيدليات وزارة الصحة بحيث يضطر المواطنون إلى شرائها من الصيدليات الخاصة.

وباعتراف الأطباء الاستشاريين أنفسهم فإن هناك أخطاء كثيرة ونقص كبير في الخدمات الطبية «فهناك أخطاء إدارية وفنية ونقص في بعض الأدوية والأسرة، وخصوصاً في مستشفى السلمانية الطبي» كما أعلن أحد الأطباء في إحدى حلقات «منتدى الوسط».

النقص لا يقتصر على الخدمات المقدمة وإنما يتعدى ذلك ليصل إلى الطاقم الطبي والتمريضي، ففي حين تحتاج البحرين إلى ما يقارب من 10 آلاف طبيب في مختلف المراكز الصحية والمستشفيات فإن عدد الأطباء في البحرين لا يتعدى 2200 طبيب فقط، وفي حين «أن المعيار الدولي القياسي قد حدد 90 ممرضاً لكل ألف مواطن وكما تفيد الإحصائيات فإن عدد الممرضين والممرضات المسجلين لدى وزارة الصحة هو ما يقارب 3100 ممرض وممرضة أي أن الممرض والممرضة بمملكة البحرين يقوم بثلاثة أضعاف ما يقوم به الممرض بالدول التي تعتمد هذا المعيار الدولي ومن ضمنها الدول الخليجية المجاورة».
 
من الطبيعي أن يكون الأطباء والممرضين غير راضين عن هذا النقص، علاوة على مطالبتهم المستمرة بإقرار «كادر» أكثر إنصافاً لهم وزيادة مرتَّباتهم بما يتناسب والجهد الذي يبذلونه ولذلك فإن علاقة الوزارة مع موظفيها في أسوأ حالاتها، فهاهم الممرضون يعلنون في يوم التمريض العالمي والذي صادف يوم أمس الأربعاء مقاطعة جميع الاحتفالات والفعاليات التي تقيمها وزارة الصحة «احتجاجاً على الوضع المزري الذي يتعرض له الممرضون وجمعيتهم على حد سواء».

وبما أن المواطن لا يمكنه محاسبة المسئولين على جميع هذه النواقص فإن الطبيب والممرضين عادة ما يكونون في وجه المدفع، ولذلك فهم يتحملون جميع أخطاء وزارة الصحة حتى وإن كانوا هم أول من يتضرر من سياساتها.
 
الوسط  الخميس 13 مايو 2010م
 

اقرأ المزيد

حملة «أنا مو طائفي»


في مبادرة تُحسب إليها أطلقت جمعية الشبيبة البحرينية حملة تحت شعار:« أنا موطائفي»، ابتدأتها مساء أمس الأربعاء بفعالية مشي في ممشى الاستقلال بمدينة عيسى، دعت إليها أعضاءها وأصدقاءها وممثلي الجمعيات الشبابية والجمعيات النسائية، وعضدتها بحملة على الفيس بوك، بهدف التركيز على الشعارات الوطنية، والتصدي للتحشيد الطائفي من أي طرف أو جهة أتى.

وجمعية الشبيبة البحرينية هي إحدى الهيئات الجديرة بالقيام بمثل هذه الحملة تحت هذا الشعار بالذات، فهي ونظيراتها من الهيئات والجمعيات التي لا تتشكل على أسس طائفية، وتستوعب صفوفها أعضاء وعضوات من مختلف الانتماءات، تملك القدرة على مخاطبة أذهان الشباب بمثل هذا الخطاب الوطني الجامع، لأن منطلقاتها غير الطائفية تجعلها تقدم النموذج للبحرين التي نريدها، والتي عرفها الجيل الأسبق، يوم كانت القضايا الوطنية والاجتماعية المشتركة هي الموحدة لأبناء الشعب، بعيداً عن التحزبات والتخندقات الطائفية.
 

وللأسف الشديد فان هذه التخندقات غدت سمة للوضع السياسي والاجتماعي في البحرين وفي عدد من الدول العربية الأخرى تحت تأثير التطورات الإقليمية التي أطلقت الغرائز المذهبية من عقالها، وغذتها بخطاب تحريضي لا يرى أبعد من «قضايا» الطائفة، بصرف النظر عمن تكون هذه الطائفة، وتعجز عن وضع هذه القضايا، التي تظل في المحصلة النهائية قضايا فرعية، في إطار أشمل يوحد هموم أبناء المجتمع في قضايا عامة تمس مصالحهم الحياتية المشتركة، وتطلعاتهم في بناء دول حديثة تؤمن الحقوق السياسية والدستورية لأبنائها.

أمر جميل أن جمعية شبابية مثل جمعية الشبيبة البحرينية تتكون من شبان وشابات في مقتبل العمر يقدمون النموذج الذي يجب أن يحتذى في المجتمع كله، في تبني مثل هذا الشعار، الذي سبقته، والحق يقال، مبادرات مشابهة من جهات أو أفراد، وجميل أيضاً أن تقرن جمعية الشبيبة حملتها هذه بنشاط في غاية التحضر، هو دعوة الشباب للمشي تحت هذا الشعار.

والمؤمل أن تكون هذه البداية الموفقة انطلاقة لحملة يجب أن تتواصل في أنشطة وفعاليات مشابهة في المستقبل، خاصة وأننا في عام الاستحقاق الانتخابي النيابي والبلدي، الذي عودتنا تجربة الانتخابات الماضية انه غالباً ما يشهد حالات من السعار الطائفي والمذهبي، بحيث ينشأ الفرز في الانتخابات لا على قاعدة البرامج السياسة والاجتماعية حول مستقبل البحرين التنموي والسياسي، وإنما على أساس تحريض «الفزعات» المذهبية والطائفية.

نعلم أن مبادرة جمعية الشبيبة على أهمية وأهمية الشعار الذي تتبناه ليست سوى خطوة أولى، وربما تكون في منتهى البساطة والرمزية، حتى لا نُحَمل الأمور أكثر مما تحتمل، ولكننا نراها مؤشراً على وعي قابل لأن يتزايد ويتسع، وأن يأخذ من أبناء وبنات الجيل الجديد فضاءً لتحركه، بالنظر لكون هذا الجيل هو مستقبل البحرين، وهو الجيل الذي نريد له ألا يصاب باللوثات الطائفية، وأن يلج الحياة بأذهان متفتحة مدربة على قبول الآخر والتعايش معه، ومسلحة بروح التسامح، وإدراك أن البحرين هي لجميع أبنائها القادرين على أن يشكلوا نموذجاً طيباً في عيش مشترك، لن يتحقق إلا بتحقق شروط المواطنة المتكافئة البعيدة عن كافة أشكال التفريق والاستثناء.
 

اقرأ المزيد

الدوائر الانتخابية والتمثيل النسبي


لم يكن من المنتظر أن يحقق مجلس النواب الحالي أكثر مما حققه وهو لا يرقى إلى تطلعات الناخبين بأي حال من الأحوال.
ومهما قيل عن صلاحيات المجلس المنقوصة أو التعاطي السلبي من قبل مجلس الشورى والحكومة مع ما يقدمه النواب من مشاريع قوانين أو رغبات فإن تركيبة المجلس المنقسمة بشكل طائفي إلى فريقين متصارعين خلافهما أكبر بكثير من توافقهما كانت العائق الأساسي أمام تقديم أداء برلماني يتوافق مع تطلعات المواطنين ويثري التجربة البرلمانية ويطورها.

المحبط في هذا الأمر هو أن المجلس المقبل لن يكون بأفضل حالاً من المجلس الحالي وخصوصاً مع بقاء المزاج الطائفي العام للشارع البحريني على ما هو عليه وكذلك بقاء الدوائر الانتخابية الحالية وإعطاء حق التصويت للمجنسين حديثي الحصول على الجنسية بخلاف ما نص عليه القانون من اشتراط مرور عشر سنوات على الحصول على الجنسية لاكتساب حق التصويت، واستخدام المراكز العامة لتغليب مرشح على آخر التي تجعل من نتائج العملية الانتخابية محسومة بشكل مسبق وإن تغيرت الوجوه.

وفي حين يرى البعض أن تعديل الدوائر الانتخابية في البحرين وجعلها أكثر عدالة بالنسبة إلى حجم الكتلة الانتخابية في كل دائرة يمكن أن يفرز انتخابات أكثر عدالة وأكثر تمثيلاً للمواطنين، ومع صحة ما يطرحونه من أن «التوزيع الحالي يناقض مبدأ المساواة في قيمة الصوت الانتخابي وتكافؤ الفرص في التمثيل الانتخابي للمواطن، بين العديد من الدوائر الانتخابية»، وأن «صوت ناخب واحد في الدائرة السادسة للمحافظة الجنوبية يعادل أصوات نحو خمسة عشر ناخباً في الدائرة الأولى للمحافظة الشمالية ويعادل أصوات نحو أحد عشر ناخباً في الدائرة الرابعة لمحافظة المحرق»… إلا أن تعديل الدوائر الانتخابية لن يضيف جديداً على تركيبة المجلس ولن يضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع البحريني وإنما سيؤدي إلى تغليب جهة على أخرى وطائفة على طائفة أخرى؛ ما سيبقي الوضع على ما هو عليه وإن بصورة معكوسة عما هو حاصل حالياً.

لا يمكن لمثل هذا المجلس بتركيبته الطائفية التي تدفع إلى تأزيم الوضع بين الطائفتين بدلاً من المساهمة بشكل حقيقي في التقارب بينهما أن يكون ممثلاً لجميع مكونات المجتمع البحريني.

في ظل هذا الوضع, فإن اعتماد نظام قائمة التمثيل النسبي وهو النظام الأكثر انتشاراً في العالم يُعَدُّ النظام الأمثل لحالة البحرين بحيث تضمن جميع مكونات المجتمع البحريني تمثيلها في المجلس.

إن مثل هذا النظام سيعطي جميع الجمعيات السياسية في البحرين حتى الصغيرة منها فرصة لدخول البرلمان بحيث لا يصبح حكراً على ثلاث جمعيات وتوجهين.
 
الوسط  الاثنين 26 أبريل 2010م
 

اقرأ المزيد

نظريةُ التطورِ واكتشاف جديـد


تعرضتْ نظريةُ التطور لداروين لهجومٍ عربي إعلامي في الآونة الأخيرة من قبل بعض علماء الدين بسببِ نشر أبحاث في مجلة ساينس الأمريكية عن اكتشافِ هيكلٍ عظمي للإنسانِ يَجعلُ عمرَ البشرية يتوغلُ أكثر من ثلاثة ملايين سنة فيصل حسب اجتهادهم إلى 4،4 ملايين سنة وهي عمرُ (احفورة أردي)، وأكد الاكتشافُ ان الإنسان الحالي (ربما) تطور من سلفٍ آخر ليس هو القرد والشمبانزي بل هو أقرب لصورة الإنسان الحالي، فهو اكتشافٌ يضيفُ مليوناً آخر من عمر جذور الإنسان القديمة المفترضة كما يزحزحهُ عن موقعهِ المقارب للقرود!.

لكن الأصوات الحادة في رفض العلوم حولت وأدلجت الاكتشاف من أجل الإطاحة بهذه النظرية التي أكدتها أدلةٌ كثيرة، والتي وضعتْ التاريخَ الإنساني على أساسٍ علمي فيما يتعلق بنشوء أشكال الحياة من أساسٍ واحد، أما مسألةُ الأدلةِ القاطعةِ في تكوين الإنسان وأصله التام المنجز فهذا لم يَحدثْ ولم يُطرح.

فهناك رؤيةٌ عامة عن تكون الأحياء وقد قُدمت عليها أدلةٌ وفيرة، وفي زمن داروين كانت الأدلة أقل وتتعلق بالأنواع العامة.
(يقول العلماءُ ان التطورَ قد خلفَ وراءه العديدَ من السجلات التي تروي تاريخَ الأنواع المختلفة وزمن نشوئها. الأحافير بمجموعها مع التشريح المقارن للنباتات والحيوانات الموجودة حالياً، تشكلُ سجلاً تشريحياً ومورفولوجياً. وبالمقارنة التشريحية والشكلية بين الأنواع الحالية والأنواع المنقرضة يمكن لعلماء المستحاثات أن يقوموا بمعرفة الارتباطات والأصول المشتركة بين هذه الأنواع. يقوم بعض المستحاثات المهمة بإثبات الصلة بين أنواع منقرضة وأنواع موجودة حالياً عن طريق ما يدعى أنواع “انتقالية”، مثال هذه الأنواع الانتقالية أرخأيوبتركس الذي أثبت العلاقة بين الديناصورات والطيور) ، موسوعة ويكيبيديا.

وتعطي الموسوعةُ العديدَ من هذه الأدلة الملموسة عن كيفيةِ نمو الأحياء وتداخلها وتطورها، وتضيف:
(جميع هذه الإثباتات من علم الإحاثة، التشريح، علم الوراثة، والجغرافيا، إضافة لمعلومات أخرى حول تاريخ الأرض قامَ العلماءُ بربطِها سوية ضمن إطار تقدم نظرية التطور من خلالها وتجعلها نظريةً علميةً متماسكة. فمثلاً علم المناخ الإحاثي سpaleoclimatology يشيرُ إلى العصر الجليدي الدوري الذي كان فيه مناخ الأرض أكثر برودةً، مما أدى لنشوءِ وانتشارِ أنواعٍ حية قادرةٍ على تحملِ البرد القارس وأهم هذه الأنواع الماموث(  woolly mammoth)   السابق.

لكن هذه الأدلة لم تكن حاسمة كلياً حتى جاءتْ علومُ الأحياءِ لتقدمَ أدلةً غير قابلة للنقض،(ففي عام 1953 توصل جيمس واطسون وزميله فرانسيس كريك الى اكتشافِ الحمض النووي الذي يُثبتُ صحةَ أغلب أفكار داروين، فقد عثرا على تركيبةِ الحمضِ النووي DNA الذي يبينُ الصفات الوراثية للكائن الحي. وقد حصلَ الباحثان بفضل هذا الاكتشاف على جائزة نوبل للطب عام 1962 . ويرى إدوارد أوسبورن ويلسون، وهو أحدُ أشهر علماء التطور البيولوجي المعاصرين أن لعلم الأحياء الحديث علامتين بارزتين، الأولى في عام 1859 عندما نُشر كتاب أصل الأنواع، والثانية في عام 1953 عندما نُشرت تركيبة الحمض النووي.)، (موقع: علوم وتكنولوجيا).

لقد غدتْ الشفرة السرية الغامضة للكائنات الحية مكتشفة فحدثت بعدها ثورات تقنية في الزراعة والطب والفضاء وغيرها من المجالات! أي أن الصناعيين والمزارعين في الغرب قدموا سلعاً متطورة في عيش الإنسان وأكله ورقيه.
إن الضجيجَ المُضاد الذي يصدرُ في العالم العربي غير مفهوم وغير مفيد معاً، وفي هذا الضجيج يتم حشر الأديان في سياقات العلوم واكتشافاتها، وتتصاعدُ دعواتٌ حماسية للصراع معها!

لابد لنا من قراءة هذا الضجيج وجذوره وأهدافه، فجماعاتُ قراءات النصوص الدينية عبر التسطيح يقومون بحشرِها في الصراع مع النظريات العلمية، ويوصلون إنجازات هذه العلوم واكتشافاتها بأشكالٍ كاريكاتيرية تصعّدُ في المؤمنين نزعات التطرفِ والهجوم على العلماء والاكتشافات ومقاومة الحداثة والديمقراطية وإعطاء الجماهير العاملة حقوقها، وهي أدواتهم للرقي والتحرر وتطوير حضارتهم الإسلامية!
يقتبسون من كل هذه الثورة العلمية والتقنية الهائلة خيوطاً هزيلة فيقولون: (إنهم يهدمون الأديان. إنهم يصورون الإنسان بأنه من أصل القرود!) (الحضارة الغربية الكافرة تريد القضاء على دينكم يا مسلمين!).

مثلما فعلَ شيخٌ يمني(أجهز) على نظرية التطور ومنعَ قوانينَ تحدّ من الزواج بالفتيات الصغيرات القاصرات، معتبراً ذلك كله دفاعاً عن الإسلام!
هناك مسارٌ علمي صناعي مفجر للتحولات، ومن أهمها صناعة الطب وعلاج الإنسان فلولا فهم جسد الإنسان وعلاقاته بالمخلوقات الأخرى ما كان من الممكن أن تظهر وتتطور علوم الطب، ولولا دراسة الجينات الموحدة عددياً حتى بين الإنسان والفأر، ما ظهرتْ علومُ العلاج!
إن مسار الأديان وكتبها المقدسة مسار مختلف عن مسارات العلوم الطبيعية، فتلك لها أبحاثها وعلماؤها المختصون، وهم يدرسونها باستقلال عن إنجازات وتقلبات وافتراضات العلوم الطبيعية.

قام رجالُ الكنائس بالصراع ضد نظرية التطور وفي سنة 1925 توقفت معاهد ومدارس في الولايات المتحدة فيما يسمى بـ (قضية القرد!) فماذا استفادوا غير توقف التعليم؟
علينا أن نستثمر نظرية التطور وإنجازاتها في العلوم التطبيقية خاصة، فيما يكون للدين استقلاله ودوره. وحين يقوم شيخ الدين اليمني بتأجيج العداء للنظريات العلمية في وقت تتدهور زراعة الفلاح تتدهور ووضعه السياسي، فلا يعرف أسباب أمراض المنتجات الزراعية ولا مشاكل المواليد البشرية، والفتيات الصغيرات يمنعن من الدراسة، فمن يستفيد من كل هذا التخلف الذي يُربط زعماً بالإسلام؟

أخبار الخليج 13 مايو 2010

اقرأ المزيد

مغزى الاحتفال الروسي بالانتصار على النازية

مرت قبل أيام قليلة خلت الذكرى إل 65 لانتصار الحلفاء على دول المحور بقيادة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وهو الانتصار الذي يعد واحدا من أهم الأحداث السياسية في القرن العشرين وتاريخنا العالمي المعاصر والذي غير وجه خريطة أوروبا والعالم السياسية، وترتب على نتائج الحرب قيام النظام العالمي الثنائي القطبية بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وهو النظام الذي ساد الساحة الدولية على امتداد ما يقرب من نصف قرن تخلله ما تعرف بالحرب الباردة ما بين تينك الدولتين العظميين التي استمرت حتى أواخر القرن الماضي بانهيار الاتحاد السوفيتي اثر تفكك جمهورياته الاتحادية وسقوط النظام “الاشتراكي” في روسيا وتحوله إلى نظام رأسمالي.

ويعد الاتحاد السوفيتي القوة الرئيسية التي لعبت دورا مهما محوريا في حسم الحرب في فصولها الأخيرة لصالح دول الحلفاء على جبهات الساحة الأوروبية، وهو أكثر هذه الدول أيضا على الإطلاق التي دفعت تضحيات هائلة في سبيل الانتصار على الفاشية الألمانية بقيادة هتلر ودحرها النهائي في عقر دارها ببرلين.

وتقدر التضحيات التي قدمها الاتحاد السوفيتي في الحرب بنحو 40 مليونا بين قتيل وجريح ومعوق ومفقود، هذا بخلاف الخسائر المادية والعمرانية، ولا يقل عدد قتلاه عن 20 مليون إنسان، ففي أواخر ابريل واوائل مايو عام 1945 جرت معارك ضارية حامية الوطيس بين القوات السوفيتية والقوات النازية الألمانية المدافعة عن برلين انتهت باختراق القوات السوفيتية المدينة وتمكنها من رفع راية النصر فوق مبنى الرايخستاغ، وسرعان ما أفضى ذلك لاحقا إلى استسلام المانيا بعد انتحار هتلر، وفي 8 مايو وقع ممثلو القيادة الألمانية وثيقة الاستسلام بلا قيد أو شرط في ضواحي برلين.

وفي سنين الاتحاد السوفيتي السابق كان يجرى الاحتفال بذكرى الانتصار على الفاشية سنويا تحت مسمى “عيد النصر في الحرب الوطنية العظمى” الذي يعد واحدا من أهم واكبر الاحتفالات الضخمة التي تقام في الأعياد والمناسبات الوطنية الكبرى التي تجرى في الساحة الحمراء وربما لا يضاهيها في ذلك سوى الاحتفالات بذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 وعيد العمال العالمي، لكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبخاصة في عهد بوريس يلتسين جرى إسدال الستار على الاحتفال بهذه المناسبة، ولم يعد يحتفل بها سوى قدامى الشيوعيين الصامدين الساخطين من انهيار الاتحاد السوفيتي الذين كونوا حزبهم الشيوعي الخاص المعارض بقيادة جينادي زوجانوف، وذلك من خلال لملمة صفوف بقايا الشيوعيين ممن مازال لديهم استعداد للدفاع عن المثل والأفكار الشيوعية التي آمنوا بها فعلا رغم كل ما حدث من انهيار للنظام الاشتراكي، في حين أضحى معظم قادة الحزب الشيوعي الحاكم السابق هم قادة روسيا الاتحادية الجديدة الرأسمالية، تماما كما حدث في مصر بعد رحيل جمال عبدالناصر ومجيء رفيقه وخلفه أنور السادات من بعده الذي انقلب بزاوية 180 درجة على مبادئ ثورة يوليو وتوجهاتها الاشتراكية، وأجهز على مكتسباتها باسم الانفتاح الاقتصادي واتجه للتحالف مع أمريكا في الخارج ولرأسملة الدولة وبيع القطاع العام في الداخل، وصولا إلى إقامة صلح منفرد مع إسرائيل عام 1978 برعاية الحليف الأمريكي للطرفين، ثم تحول اغلب قيادات وأعضاء الاتحاد الاشتراكي الحاكم سابقا إلى الحزب الوطني الحاكم حاليا (الوسط سابقا).

ومع مجيء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئاسة ثم الرئيس الحالي ميدفيدف حدث لروسيا ما حدث لمصر في عهد الرئيس مبارك إذ اجري شيء من رد الاعتبار للتاريخ الوطني الروسي الحديث وللذاكرة الوطنية اللذين شوهما عهد يلتسين، هو ما حدث في مصر المباركية التي أعادت شيئا من رد الاعتبار للعهد الناصري وجرت احتفالات بأعياد الثورة وبمناسبات مكتسباتها بما يليق بتلك الأعياد والمكتسبات ومنها كما ذكرنا احتفالات ذكرى السد العالي، وذكرى العدوان الثلاثي عام 1956، وذكرى الجلاء 1954، وذكرى الوحدة 1958، إذ اعتبر الرئيس مبارك نفسه امتدادا ثالثا للشرعيتين الناصرية والساداتية على السواء.

وفي سياق نهج المراجعة والمصالحة اللتين تجريهما السلطة الحالية في روسيا بزعامة الرئيس ميدفيدف ورئيس الحكومة فلاديمير بوتين مع الصفحات المضيئة من تاريخ روسيا الحديث، بغض النظر عن العهود التي كتبت فيها تلك الصفحات بأحرف من نور، أقيمت بهذه المناسبة أول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل 20 عاما احتفالات ضخمة كبيرة شارك فيها آلاف المحاربين القدامى في الساحة الحمراء، كما شاركت في العرض العسكري المرة الأولى وحدات عسكرية من حلفاء روسيا في الحرب: أمريكا وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى بولندا، وحضر ما يقرب من رئيس 30 دولة، كما شارك نحو 200 ألف شخص من الذين حاربوا على جبهات الحرب العالمية الثانية في بلدان مختلفة ضد دول المحور، هذا بالإضافة إلى حضور قادة وشخصيات سياسية عالمية مرموقة، ومنهم حسبما هو مقرر سلفا بصرف النظر عمن حضر ومن لم يحضر ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، وأخر رئيس لبولندا الاشتراكية الجنرال ياروز يلسكي. وتضمن الاحتفال عرضا تحت راية النصر ورايات الحرب الأخرى وكذلك عرضا لأحدث الأسلحة الروسية.

لكن سياسيا وفكريا فان ما هو أهم من كل تلك الاحتفالات البهرجية الكرنفالية والاستعراضية التي حشدت واعدت لها السلطة الحالية في موسكو مقدما تحضيرات واسعة النطاق على الصعيدين الرسمي والشعبي استمرت نحو عام أو أكثر، كما تجلت ذروتها خلال يومي الذكرى في الثامن والتاسع من الشهر الجاري.. نقول ما هو أهم من كل تلك الاحتفالات الكبيرة كلها سياسيا وفكريا الجدل السياسي التاريخي المتجدد على الصعيدين: الروسي المحلي والعالمي حول مسؤولية الحرب وعما إذا ينبغي لروسيا الاتحادية الجديدة الاحتفال بها كمناسبة وطنية ام اعتبارها صفحة سوداء من صفحات التاريخ الأسود للنظام الستاليني الشمولي؟
وهذا ما سنتطرق إليه غدا.
 
أخبار الخليج 13 مايو 2010



مغزى الاحتفال الروسي بالانتصار على النازية(2)

 

لماذا أقامت موسكو الاحتفال؟

قبل ان نتطرق الى الجدل السياسي التاريخي المتجدد سواء داخل روسيا بوجه خاص أم في سائر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وعلى الصعيد العالمي بوجه عام، حول كيف ينبغي اليوم تقييم الموقف السوفيتي من الحرب وسياساته خلالها وما ترتب عليها من نتائج وكيف يمكن النظر اليها ضمن سطور الذاكرة الوطنية الجمعية للتاريخ الوطني الروسي الحديث لعل من المفيد ان نلفت النظر الى ان اهتمام روسيا الاتحادية الرأسمالية الجديدة بهذه المناسبة التاريخية لم يأت اعتباطا بل يأتي في ظل توجهات السلطة الجديدة التي خلفت الرئيس الراحل بوريس يلتسين والمتمثلة في الثنائي الرئيس السابق فلاديمير بوتين والرئيس الحالي ديمتري مدفيديف والتي تحاول استعادة شيء من هيبة ومكانة روسيا كدولة عظمى جبارة خلال الحقبة السوفيتية حيث لحق بها ابلغ الاذى وجرح الكبرياء والكرامة خلال عهدي جورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفيتي قبل سقوطه، ويلتسين أول رئيس لروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وذلك على امتداد نحو 15 عاما من حكمهما على التوالي 1986 – 1999، فقد اتسمت سياسات الشريكين الجديدين في الحكم: بوتين ومدفيديف، اللذين تناوبا بالتبادل على رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة منذ نحو عقد خلا بالحد من غلواء العداء المسعور للشيوعية والاتحاد السوفيتي السابق وهي السياسة الرعناء التي اتسم بها سلفهما الرئيس الراحل يلتسين.

وبالتالي فإن اعادة شيء من الاعتبار لمكانة ومكاسب ومنجزات الاتحاد السوفيتي السابق بقيادة روسيا تأتي في سياق المحاولات المبذولة من قبل هذه الاخيرة اليوم لاستعادة هيبتها ومكانتها وبناء قوتها مجددا والظهور بمظهر الدولة العظيمة من خلال التذكير بأمجاد وعظمة بطولاتها الحربية كقوة عسكرية جبارة كما تجلت وامتحنت خلال الحرب العالمية في مواجهة جبروت آلة حرب الدولة النازية الالمانية التي استطاعت ان تجتاح معظم البلدان الاوروبية في السنوات الاولى من اندلاع الحرب او على الادق الاصح من شن الهجوم النازي عام 1939 واشعال المانيا النازية فتيل الحرب العالمية الثانية.

ولولا لم تأت هذه الاحتفالات في سياق هذه التوجهات الجديدة للسلطة الروسية لتذكير الشعب الروسي والعالم بعظمة روسيا ومجدها التاريخي غير البعيد لكان الاولى ان يجرى مثل هذا الاحتفال الكبير خلال عهد يلتسين في التسعينيات، وتحديدا عام 1995 حين اليوبيل الذهبي لعيد النصر.

ولئن كان من المفهوم ألا يقام رسميا احتفال كبير بعيد النصر خلال عهد يلتسين المعروف بعدائه المسعور للحقبة السوفيتية وتقربه للغرب فإنه كان الاجدر ان يقام احتفال كبير بهذا العيد خلال الذكرى الـ 60 التي صادفت عام 2005 ابان عهد الرئيس بوتين (رئيس الوزراء الحالي).

لكن يبدو، كما هو مرجح، مع ازدياد حاجة السلطة الروسية في السنوات القليلة الماضية إلى إثبات وجودها كقوة كبرى مهابة على الساحة الدولية بالتزامن مع ما حققته من نجاحات في الاقتصاد والتصنيع والتسلح واستعادة شيء من نفوذها السياسي الذي خسرته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. لكل ذلك فلربما ارادت التعويض عما فاتها من عدم القيام بالتحضير يفترض القيام بها في الذكرى الـ 60 (عام 2005) بعدم تفويت الذكرى الـ 65 لعيد النصر انتظارا لحلول الذكرى السبعين (عام 2015) في حين هي تشعر خلال الظروف السياسية الراهنة محليا ودوليا بأمس الحاجة إلى استثمار وتوظيف الغايات السياسية المبتغاة من اقامة الاحتفالات الكبيرة بالمناسبة على أوسع نطاق على نحو ما أسلفنا.
 
أخبار الخليج 14 مايو 2010
 
 

اقرأ المزيد

في اليوم العالمي لحرية الصحافة… موت «الوقت»


ليس من اللائق وحتى المقبول أن يدافع أي صحافي في صحيفة ما عن صحيفة أخرى منافسة ولكن من الممكن أن يكون ذلك في ظروف معينة واجب محتم يفرضه الواقع، وخصوصا مع احتفالنا أمس بـ «اليوم العالمي لحرية الصحافة».
 
وليس ما سأقوله تشفياً أو انتقاداً وإنما هو وجع يعتصر القلب، أن تغيب صحيفة اختطت خطاً آخر وغامرت في أن يكون لها صوت مختلف في ظل أوضاع اقتسم فيها الوطن والناس بين فئتين وأرادت أن تكون هي الفئة الثالثة التي تكون فيها جسراً يربط الجميع.
 
أن تتوقف جريدة وطنية عن الصدور في اليوم العالمي لحرية الصحافة، فإن ذلك يعد مؤشراً سلبياً وخسارة وتراجعاً عن حرية الرأي في البحرين يتحملها المجتمع البحريني بشكل عام، إذ يبدو أن ما طرحه مجلس إدارة الصحيفة في بيانه أمس صحيحاً من أن «لا أحد في هذا البلد أو الوطن يريد أن تستمر جريدة وطنية مستقلة مهنية تحاول أن تمسك بين يديها الغضتين جمر الوطن الملتهب، بينما البعض ينفض من بين يديه روح الوطن والشعب الواحد».
 
فبالرغم من توجهها المختلف ذي الطابع الليبرالي، إلا أنها وقفت ومنذ صدورها بجانب توجهات صحيفتنا «الوسط» ومثلت حائطاً مسانداً لدعم الحريات وتوسيع مساحة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في كل ما تطرحه من آراء أو تغطيات إخبارية ولذلك كانت هدفاً يمكن البدء به لتطويع الخطاب الإعلامي في البحرين.
صحيفة «الوقت» توقفت قبل أسابيع ليوم واحد نتيجة إضراب موظفيها عن العمل لعدم مقدرة الإدارة دفع رواتبهم لمدة تزيد عن الشهرين، ويبدو أن الأزمة المالية التي مرت بها لم تنتهِ لتعلن في عددها ليوم أمس أنها توقفت عن الصدور بعد تراجع مردوداتها في ظل المنافسة الشديدة في السوق الإعلاني وتزايد عداد الصحف، مع النظر إلى ما تحصل عليه بعض الصحف من دعم يقدم من «تحت الطاولة».
 
عندما توقفت الصحيفة قبل أسابيع، آثر العاملون في الصحيفة العودة للعمل دون أي ضمانات بصرف الرواتب المتأخرة حفاظاً على استمرارية صحيفتهم، لكن هذه المرة يبدو أن الموضوع اختلف.
 
من يعمل في الوسط الإعلامي، يعرف أن الشركات الكبرى والتجار هم من يسيطر على سوق الإعلان الذي لا يمكن لأية صحيفة أن تعيش أو أن تتنفس دونه. كان من مصلحة هذه الشركات أن تستمر «الوقت» في الصدور كونها تمثل التيار المنفتح الذي يتلامس مع توجهاتها ولذلك كان من المفترض أن تقدم مثل هذه الشركات الدعم لهذه الصحيفة من خلال الإعلان فيها.
 
«التجار» لدينا بعد أن كانوا يمتلكون دوراً مؤثراً في الحياة السياسية كونهم قوة مؤثرة في المجتمع تدفع إلى التقدم والتطور تخلوا عن هذا الدور واكتفوا بتحقيق مصالحهم من خلال العلاقات الخاصة بصناع القرار بعيداً عن تطلعات المجتمع والتقدم العلمي والحضاري بخلاف ما هو حاصل في المجتمعات المتقدمة.
لقد عرف التجار الآن نتيجة ابتعادهم عن آلية صنع القرار السياسي وبدأوا يتحدثون عن دعم أصوات مستقلة للدخول في المعترك الانتخابي المقبل، فهل سيتنبهون إلى أهمية أن يكون لهم صوت إعلامي؟ وهل سيندمون لاحقاً لموت «الوقت».
 

الوسط الثلاثاء 04 مايو 2010م
 

اقرأ المزيد

لكي لا تسرقنا التفاصيل


بعيداً عن الغرق في الطارئ واليومي العابر، والجري وراء التفاصيل التي هي من طبيعة العمل السياسي المباشر، ودون أدنى استخفاف بهذا النوع من التفاصيل، فإن الحركة الديمقراطية في البحرين كما في سواها من البلدان بحاجة لبذل المزيد من الجهد النظري الذي يحفر في الواقع حفراً بحثياً جاداً وينزع نحو صياغة تصورات جديدة مستمدة من استحقاقات هذا الواقع وبلورة مفاهيم تشكل عوناً للحركة السياسية في عملها.

ويعيب عمل القوى الديمقراطية في البحرين عجزها عن الدفع بهذا النوع من النقاشات والحوارات ولهاثها وراء التفاصيل وأعباء العمل اليومي في ظل نقص الكادر وتكاثر المهام والمسؤوليات، خاصة مع انسحاب الكثير من الكوادر المعروفة في تاريخ التيار الديمقراطي عن المساهمة المباشرة في الحراك السياسي.

وكثيراً ما انصبت طبيعة المناقشات بين قوى وشخصيات التيار الديمقراطي وعلى مدار سنوات طويلة، وليس اليوم فقط، على السياسي والشعاري لا على الفكري والنظري. وخلال السنوات القليلة التي انقضت منذ انطلاقة مشروع الإصلاح لم تنظم ورشة فكرية مشتركة بين أطراف هذه القوى أو حتى داخل كل قوى على حدة للبحث في هذا الجانب، وبصرف النظر عن تقييمنا لطبيعة وحجم التغيرات التي جرت في البلاد، ما زلنا في الغالب الأعم نصر على التعاطي مع الواقع المستجد بالأدوات والأساليب القديمة نفسها.

ثمة عبارة قديمة تنسب لقائد الثورة الروسية مطالع القرن العشرين فلاديمير لينين فحواها إننا لا نحكم على أحد من واقع الصفات أو التسميات التي يخلعها هو على نفسه، إنما من واقع ممارسته السياسية على أرض الواقع.
في كل الظروف لم تكن الإحاطة بكل ما في الواقع من تعقيدات وتضاريس مهمة سهلة، لكن في ظروف اليوم، خاصةً، تحتاج القوى الديمقراطية، إن أرادت أن تكون حداثية وعصرية وديناميكية، أن تفيد من كل انجازات العلم في الحقول المختلفة، خاصة في مجالات الميديا والاتصالات والمعلومات وما تطرحه العولمة من تحديات وأسئلة كبرى جديدة وغير مسبوقة، ولكن هذا لن يتم بالهروب من الاستحقاق الفكري والنظري، برؤية تجلياته في ظروف اليوم العيانية، وبقراءة تعقيدات الواقع المحلي والمحيط الإقليمي.

لعل المطلوب اليوم أكثر من الماضي شحذ العمل الفكري – النظري – التأصيلي للمفاهيم والرؤى، وليس إدارة الظهر للأفكار والغرق في التكتيكات السياسية التي تغيب أو تحجب الفواصل بين التيار الديمقراطي في المجتمع وسواه من تيارات أخرى، مع احترامنا وتقديرنا لهذه التيارات.

وأحد مآزق العمل السياسي في البحرين اليوم، بل لعله أهم مأزق على الإطلاق هو غياب البديل الديمقراطي العصري على صورة برنامج أو مشروع متكامل يضم تحت لوائه مختلف القوى والشخصيات الديمقراطية. وينجم عن العجز في صياغة هذا البرنامج ضروباً من السجالات حول القضايا التفصيلية، وحتى الثانوية، هروباً من الغوص في الواقع بكل تعقيداته وتشعباته، فيما المطلوب من القوى الديمقراطية تجديد وتحديث وتطوير عُدتها الفكرية وأساليب عملها وبرامجها عبر رؤية برنامجية في شؤون الاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها.

اقرأ المزيد

البرجوازية الصغيرة الشرقية العالمية


قامت البرجوازيات الصغيرة الشرقية بقيادة شتى التحولات في الشرق ثم انساحت في الغرب في قارة أمريكا الجنوبية خاصة.
كانت الطبقتان الكبريان البرجوازية الخاصة والعمال غير موجودتين بقوةٍ واتساعٍ في المجالات الفكرية والسياسية خاصة، فالأسلوبُ الرأسمالي لم يتغلغلْ صناعياً في شتى الحقول إلا بشكلٍ يسير.

وكان الحراك الفكري السياسي هو لهؤلاء المثقفين الطالعين من مختلف الطبقات خاصة من الفئات المالكة الصغيرة، التي لديها قدرة على العيش مع مختلف الطبقات، وعلى الحراك بينها وقيادتها.
تلعبُ عناصرُ الثقافة، والإمكانياتُ الاجتماعيةُ المتاحةُ من تعليم وأسرٍ صغيرة، ومن غيابٍ للأملاكِ الكبيرة، ومن غيابٍ للبؤس الساحق، بأن تقومَ هذه الفئاتُ البرجوازية الصغيرة بالنيابة عن القوى الاجتماعية الرئيسية في التوجه للقيادات الفكرية والسياسية والاجتماعية، وأن تطرحَ نفسها كبدائل عن الطبقات الكبرى الصانعة للتشكيلات الاجتماعية.

من لينين وماو وبومدين وعبدالناصر إلى حسن البنا وعفلق والخميني وغيرهم كثير من القادة الكبار صانعي التاريخ، طرح البرجوازيون الصغار أنفسهم كمنظرين وصانعين لأنظمةٍ كلية متجاوزةٍ للرأسمالية الغربية، وشكلوا أنظمةً وتنظيمات شمولية بهذه الدرجة أو تلك من الثورات الاقتصادية.
تصلُ هذه البرجوازيات أحياناً للسلطة وأحياناً لا تصل، وتشكل ايديولوجيات متناقضة، تحوي التناقض بين رأس المال وقوى العمل، وهي أي هذه الفئات تقول إنها قادرة على حلِ هذا التناقض، وتجاوزه والانطلاق بالبشرية خطوات مغايرة للرأسمالية الغربية.
وتتعددُ مستوياتُ الطرحِ فبعضُها يتوجه لحل التناقضات كافة وإلغائها المفترض، وبعضُها يتطور، وبعضها ينهار.
إن البرجوازي الصغير هو مالكٌ وعاملٌ في الوقت نفسه، في بنيتهِ الأساسية خاصةً عند صغار الفلاحين والحرفيين، وهذا يماثل في سمات معينة مع الموظف الصغير، والمثقف منتج ومالك المعرفة وبائعها: الكتاب، المعلمين وغيرهم.

وهو لهذا يقف وسطياً، ثم يصنعُ الأنظمة الخاصة الشرقية بقيادته، كما يصنع(الفلسفات) الهجينة كذلك، ويريد أن يلغي الرأسمالي والعامل في الوقت نفسه، ويحتفظ بالعالم الطبيعي الموضوعي والأفكار الروحية الغيبية، ويصيرُ هو المالك والقائد، فيتحول في مجرى التاريخ إلى مالكِ الرأسماليةِ الحكومية، ويصعدُ من الوظائف الدنيا والرتب العسكرية الصغيرة والمتوسطة إلى رئاسةِ الشركات والبنوك الحكومية ومؤسسات الثقافة والإعلام.

وعلى الايديولوجية التي صنعها في ضباب الشرق الاجتماعي ومن أي مواد: دينية وقومية واشتراكية يعتمدُ مسار التحول، وإلى أي مدى تمضي الإصلاحاتُ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يقوم بها. وكلما تعمقتْ التغييراتُ التي يقوم بها كان ثمنها باهظاً ودموياً، لكونها جاءتْ من كرسي البرجوازي الصغير وهو على قمة السلطة، وداخل الدبابة. فتقوم باختراقات كثيرة للحم البشري وللحم الاجتماعي، وتحتاج بعد ذلك إلى عمليات جراحية وتطبيبية كبيرة.

إن رأسماليات الشرق التي يقودها البرجوازي الصغير محفوفة بمخاطر رهيبة، وليست نتاج قرون من التراكم الاقتصادي والتراكم الاجتماعي.
إن التناقضَ بين رأس المال وقوى العمل لا يزول بعد كل هذه التجارب، بل يتعمق ويتسع، ويصير داخل أجهزة الدول، وفي ثنايا الأفكار، وفي أدمغة الثقافة العصابية، ويصيرُ أمراضاً باطنية، وهلوسات دينية، وانفجارات قومية أو عمالية.

يتحول البرجوازي الصغير إلى رأسمالي حكومي كبير، وتحدث هنا اختزالات للنظريات والعلوم وتجميع فوقي للثروات، وإفقار مستمر للقواعد العمالية، مثلما يحدث إفقار للثروة الثقافية. أي أن رأسَ المال وقوةَ العمل كليهما يتآكلان بسبب هذا الاحتكار بأشكال متعددة في أغلب الدول الشرقية.

إن الدولةَ تصيرُ رأسَ المال الكلي، وقوى العمل تتغربُ عنه وتفتقر به، والسلعُ تضعفُ وتفقد قدرتها على التطور، وأشكال الفساد تتسع، وأموال الدول تضيع، وفي حالات أخرى أشد ضعفاً من الممكن جلب عمالات أجنبية رخيصة تقوم بسد النقص في ضعف العمالة المحلية أو قصورها أو لرفضها لأجور متدنية مما يعقد هذه التجارب أكثر ويعرضها لأخطار أشد.

في أحاديث البرجوازي الصغير الأولى عن تجاوز التاريخ، يستندُ إلى الايديولوجيا السحرية المعمولة في المصانع الحزبية الشمولية أو لدى العامة، إنها ايديولوجيات لا تتعرض لديمقراطية فاحصة مضيئة طويلة، ويتم استقطاب الجمهور الفقير مادياً وثقافياً إليها، لتحويلها إلى أدوات للبرجوازي الصغير، ليغدو برجوازياً كبيراً، مع استمراره في قمع الفقراء والعمال! في حين تفقد الدولُ أراضيها وعمالها وثروتها العقلية، وتسيح!

كان هذا مساراً حتمياً، فلم تكن أغلبية شعوب الشرق قادرة على أداء أحسن من هذا، لكن الظروف الجديدة الراهنة التي أحدثت نمواً اقتصادياً كبيراً بإشكالياته تطرح تجاوز هذا النموذج السائد سابقاً، وبأن يظهر الرأسمالي (أوالعامل) نفسه الليبرالي والعلماني ليقود تجربةً ديمقراطية صناعية جديدة، بسبب الجمود المستمر لتحكم الدول، والتناقضات الحادة للبرجوازية الصغيرة، غيرِ القادرةِ على فهم وتنفيذ الحداثة المعاصرة.

لقد حسم التاريخُ المعاصرُ الأمرَ ولا يوجد سوى نموذج عالمي ديمقراطي واحد، والجميع يجب أن يتكيف معه، والذي لا يتكيف يخرجُ من التاريخ.


 
أخبار الخليج 12 مايو 2010

اقرأ المزيد

البحريني غريب في وطنه


«البحرين وما أدراك وطني البحرين… بلد نفطي وغني… بلد للأجانب لا للمواطنين… العمل للغريب لا للبحريني… الأموال وحتى الجوائز تذهب للأغراب ووووو…».
مثل هذا الحديث يَرِدُني – بصورة أو أخرى – يومياً على بريدي الإلكتروني، وأيضاً بشكل أو بآخر لباقي زملائي الصحافيين، وهو كلام مؤثر لأنه يتحدث عن شعور بحريني منتشر بين شبابنا الذين يبحثون عن مستقبل في وطن يبدو حالياً أنه لا يتسع لهم ولكن يتسع لغيرهم من العمالة الأجنبية الرخيصة من آسيا، والعمالة الأجنبية الغالية الثمن القادمة من الغرب، والآخرين الذين أصبحت قيمتهم لدى الدولة أفضل من قيمة المواطن.

إحدى الرسائل الإلكترونية تقول «إن حكومتنا تحنُّ على الأجنبي أكثر من المواطن، وعلى الغني أكثر من الفقير، وعلى من ليس له كفاءة على الكفء، وعلى كل من هبَّ ودبّ شريطة ألاَّ يكون من أهل البلد».

إن البحث عن عمل لائق والمساهمة في نهضة الوطن وتحقيق الطموح المهني ما هي إلا مجموعة من أساسيات الحياة لكل فرد في أي مجتمع، والوضع في البحرين تحوَّل إلى مصدر قلق لشريحة كبيرة من مجتمعنا من كل الفئات والطوائف، ولعل هذا يفسر هجرة شباب بحريني بمختلف التخصصات إلى دول الجوار بحثاً عن خيارات أفضل وأجدى لتحقيق الطموح، ولقد عرض برنامج «صباح الخير يا عرب» على قناة «إم بي سي» قبل مدة حالة الهجرة لعدد غير قليل من البحرينيين، الذين يعانون من أمور كثيرة من بينهم قلة الفرص وضعف الأجور، الذي يطال أكثر من فئة وطبقة، وليس فئة واحدة فقط.

ولو توفرت لدينا إحصاءات دقيقة لاكتشفنا الأهوال، وحتى مع المعلومات الرسمية الحالية تقول إن البحرينيين أصبحوا أقلية (أقل من 50 في المئة من السكان) وذلك لأول مرة في تاريخ البحرين، كما تشير الإحصاءات إلى سيطرة العمالة الأجنبية على الوظائف التي يخلقها القطاع الخاص في البحرين، وأن الربع الأول من العام 2010 «

شهد ارتفاع وتيرة سيطرة العمالة الأجنبية على إجمالي الوظائف وذلك بواقع 7469 وظيفة (بنسبة 94 في المئة) من الإجمالي الكلي البالغ 7970 وظيفة، فيما كانت حصة البحرينيين فقط 501 وظيفة وبنسبة 6 في المئة».

وهذا يعني أن المؤشرات تؤكد الشعور السائد بأن هناك خطأ مازال مستمراً ولم يعالج حتى الآن وأن البحريني بالفعل أصبح يشعر وكأنه غريب في وطنه.

 
الوسط 11 مايو 2010

اقرأ المزيد

الحراك البيئي


تشكل قضايا التنمية والبيئة ركيزة مهمة في الحراك الاجتماعي في البحرين ويبرز ذلك في التواجد الملحوظ في عدد الجمعيات واللجان الاهلية المهتمة بالشأن البيئي إلى جانب تزايد عدد الناشطين والمدافعين عن قضايا حماية البيئة وتنميتها بالاضافة الى تصاعد التفاعل المتداخل في الاهداف للانشطة الاجتماعية  في المجال البيئي  التي تشهدها المناطق المختلفة في البحرين الى جانب المبادرات التي تتولى تنفيدها المؤسسات المختلفة في اهدافها ومهامها الوظيفية، وان ذلك التفاعل والطفرة النوعية في المفاهيم المجتمعية في البحرين حول القضايا البيئية نتيجة فعلية لوجود جملة من العوامل المحفزة والمختلفة في تكويناتها ودوافع بروزها بيد انه يجمعها رابط رئيس يتجلى في سعي القطاعات الاجتماعية على اختلاف انتماتها الى التاكيد على حقها الطبيعي في العيش في بيئة تتوفر فيها مقومات الحياة والعيش الكريم . 
  
وتتمثل تلك العوامل من جانب في تنامي مستويات الوعي الاجتماعي  لقضايا الحق البيئي كركيزة رئيسة في الحق الانساني وحقوق المواطنة المؤكدة في الشرئع السماوية  والقوانين الوضعية على المستوى  الوطني والدولي في الاستفادة من الموارد التي تكتنزها النظم البيئية والحق في مواجهة وصد الأنشطة غير الرشيدة التي تشكل خطرا على صحة وسلامة تلك الانظمة وعلى الواقع الصحي والمعيشي والامن البيئي للمجتمعات المحلية وتتمثل تلك العوامل من جانب اخر في القلق المتزايد للقطاعات الاجتماعية على المستقبل المعيشي للاجيال المقبلة نتيجة تصاعد وتيرة الانشطة التنموية والاخرى غير الرشيدة التي تركت اثارها السلبية على المحيط البيئي للانسان وتسببت في الإخلال بنظم البيئات الطبيعية وفقدان القيمة المعيشية والمادية والاقتصادية لتلك الانظمة باعتبارها سلة غذائية دائمة ومصدرا اقتصاديا ومعيشيا رئيسيا للمجتمعات المحلية الى جانب توفر مساحة من الحريات لتفعيل المطالب والمناشط الاجتماعية في الدفع باتجاه تحريك سواكن القرار السياسي البيئي .

ومن المسلم به ان يكون للحراك الاجتماعي البيئي كظاهرة مجتمعية مطلوب وجودها في مسارات التنمية اثره الفعلي في احداث المتغير الايجابي في جوهر القرار السياسي البيئي والمفاهيم المجتمعية في شان العلاقة مع النظم البيئية ومناهج التنمية والتخطيط البيئي  بيد ان تحقيق ذلك  مرهون بمدى توفر جملة من المتطلبات والتي من اهمها ان تكون المطالب الاجتماعية في الشان البيئي مؤسسة ومنظمة تلامس بشكل واعي المصالح العليا للمجتمع وان ترتكز على منهج علمي وعاقل في طرح ومعالجة المشكلات البيئية بعيدا عن منهج الاثارة والاساليب الاستعراضية في طرح القضايا المطلبية في الشان البيئي وايجاد المسالك العملية في ايصال وتعزيز القناعة لدى صانعي القرار البيئي باهمية جدوى  تلك المطالب في خطط البحرين الاصلاحية والتنموية.

وبالتوافق مع تلك المتطلبات ضروة العمل على تاكيد القناعة باهمية تكوين شراكة تفاعلية حقيقية بين القطاعات الناشطة في المجال البيئي بمختلف اطيافها ومكوناتها وصانعي القرار السياسي البيئي ترتكز على مبدا تقبل الراي والراي الاخر ومبدا حسن النية في طرح ومعالجة القضايا البيئية واتخاذ القرار البيئي وان يكون لذلك التفاعل مناهجه المؤسسة والمرتكز على آلية فعلية للتواصل والنظر في القضايا والمقتراحات والمطالب البيئية وان تقابل تلك المطالب بمستوى من الاهتمام وتدرج ضمن خطة المملكة وسياساتها الخاصة  بالإصلاح البيئي  .

اقرأ المزيد