المنشور

مؤشر خادع للتضليل الطبقي


في التصنيف، الذي أجرته مؤسسة وول ستريت الإعلامية المالكة لصحيفة وول ستريت جورنال وأم إس إند موني وموقع مجلة نيوزويك وصحيفة ذا ستريت الأمريكية جرى وضع الكويت في المركز الثالث عالميا وفقا لمؤشر حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي, ووفقا لمؤشرات أخرى تتعلق بالتعليم والإنفاق عليه ومعدلات البطالة… وذكر التصنيف أن “حصة الفرد في الكويت من إجمالي الناتج المحلي بلغت 53395 دولارا.

وربما خدع هذا المؤشر كثيرين، فهو يقوم على حساب المعدل الوسطي لحصة الفرد من الناتج المحلي، وذلك عن طريق تقسيم رقم الناتج المحلي الإجمالي على إجمالي عدد السكان في الدولة، وذلك بغض النظر عن أعمار هؤلاء الأفراد ونوعيات مهنهم وأعمالهم ومستويات دخولهم الفعلية والطبقات الاجتماعية، التي ينتمون إليها، ومناطق سكناهم، بل بغض النظر عما إذا كانوا من المواطنين أو الوافدين… حيث يهدف هذا المؤشر بالأساس إلى تصنيف الدول إلى غنية أو فقيرة، ولا يمكن اعتماده لغير هذا الغرض القياسي المحدد، إذ أنّه لا يمكن أن يدل هذا المؤشر على واقع التوزيع الفعلي للدخل بين أفراد المجتمع، ولا أن يعبّر عن مستوى المعيشة الحقيقي أو نوعية الحياة، بل أنّه لا يعكس مستوى الرفاه الاقتصادي في هذه الدولة أو تلك.

ولا أحسب أنّ هناك مَنْ يمكن أن يصدّق أنّ نصيب الفرد الواحد في الكويت يبلغ أكثر من 53 ألف دولار أميركي سنويا، أي نحو 15 ألف دينار كويتي، وذلك بغض النظر عما إذا كان هذا الفرد طفلا أم راشدا، وما إذا كان معيلا أم معالا، وأيا كانت جنسيته كويتيا كان أم وافدا، وكذلك بغض النظر عن طبقته الاجتماعية… ويكفي أن نعرف أنّ هناك 27 ألف أسرة كويتية تعتمد في معيشتها على المساعدات الاجتماعية المقدّمة إليها من وزارة الشؤون الاجتماعية، هذا إذا تجاوزنا ألوف الأسر الكويتية، التي تلجأ إلى “بيت الزكاة”، ولا يمكن تصوّر أن تصل حصة الفرد الواحد من أفراد هذه الأسر الفقيرة إلى 15 ألف دينار سنويا، أي أكثر من ألف دينار شهريا لكل فرد.

وغير هذا فإنّه وفقا للأرقام الرسمية المنشورة نجد أنّ معدل التضخم النقدي في الكويت قد ارتفع خلال السنوات الثلاث الأخيرة لأكثر من 20 في المئة، فيما لم ترتفع الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية إلى هذه النسبة، وهذا يعني أنّه على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للدولة جراء ارتفاع أسعار النفط فقد نقصت القوة الشرائية والدخول الفعلية للعمال والموظفين والمتقاعدين إلى نحو خمس ما كانت عليه في بداية العام 2008، هذا ناهيك عما تعرضت له “الطبقة الوسطى” من تآكل لمدخراتها جراء التضخم من جهة والأزمة الاقتصادية من جهة أخرى.

أما اعتماد التصنيف المنشور أخيرا على مؤشرات أخرى تتعلق بالتعليم والإنفاق عليه ومعدلات البطالة، فلابد من توضيح أنّ بعض الأرقام الواردة فيه ليست دقيقة، فالإنفاق على التعليم في الكويت موجّه في غالبه نحو بند الرواتب؛ أما الجزء المخصص للإنفاق على تطوير التعليم فمحدود جدا، وكذلك فإنّ معدل البطالة في الكويت الوارد في التصنيف المنشور لا يعكس الحقيقة، فهو لا يشير إلى معدل البطالة بين الكويتيين، وهذا هو المؤشر الأهم من مؤشر معدل البطالة في الكويت، الذي يشمل الكويتيين والوافدين معا، إذ يبلغ معدل البطالة بين الكويتيين وفقا للبيانات الرسمية نحو 5.9 في المئة في العام 2008 وهناك مؤشرات على اتجاه هذا المعدل نحو الارتفاع خلال السنوات المقبلة.

باختصار، فإنّ اعتماد استخدام مؤشر متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي  في غير الغرض المحدد له في تصنيف غنى الدول وفقرها، إنما يهدف إلى خداع الطبقة العاملة وتضليل الفئات الشعبية وإخفاء حقيقة الفوارق الطبقية العميقة والتوزيع غير العادل للدخل بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
 
جريدة عالم اليوم 25 نوفمبر 2010

اقرأ المزيد

الدهماء والانتخابات البحرينية


هل جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية البحرينية على غير التوقعات؟ توقعات النخب وتوقعات الشارع؟
 
سؤال ربما يكون موجهاً إلى أولئك الحالمين الذين عقدت ألسنتهم الدهشة إذ كانوا يتوقعون، أو بصورة أدق كانوا يمنون النفس، بحدوث انعطافة ما في الحصاد التصويتي العام تؤدي لتبدل التركيبة الستاتيكية البرلمانية التي تهيمن عليها جماعات الإسلام السياسي منذ ثمان سنوات .
 
لاشك أن الأداء المخيب لنواب الجماعات الإسلامية في الدورتين البرلمانيتين السابقتين سواء من حيث انصرافهم لتعظيم امتيازات كرسيهم البرلماني أو من حيث استهلاكهم وإهدارهم للوقت في سجالات وتجاذبات طائفية لخدمة أغراضهم الحزبية والطائفية والفئوية الضيقة، وتعريضهم من خلال السلام الاجتماعي لمخاطر ومزالق تلك السجالات التحريضية البغيضة، إضافة إلى تحفز وتشجع العديد من المستقلين، في ظل هذا المعطى، لمقارعة مرشحي هذه الجماعات في عقر دوائرها التي اعتبرتها أنها باتت مغلقة وحكراً على مرشحيها – نقول لاشك أن هذه المعطيات ربما تكون قد أغرت البعض لافتراض وتوقع حدوث التغيير المأمول .
 
ولعلنا نحسب أن أولئك الحالمين أو الممنين النفس في حدوث التغيير المطلوب في معادلة الصراع البرلماني، لم يحسبوا حساب الأسلحة الفعالة التي تحوزها جماعات الإسلام السياسي حصرياً دون غيرها، ونقصد بذلك سلاح المال المتجمع لديها من مصادر مختلفة غير معروفة في معظمها، وبطرق شتى معظمها يقع على تضاد مع الوضع السيادي للدولة من حيث إنها الجهة الوحيدة صاحبة الحق الحصري في جباية الضرائب والرسوم ونحوها، وسلاح الدين وبمعيته تزكيات المرجعيات الدينية .
 
لما كان ذلك، فإن من الصعوبة بمكان تصور قيام منافسة مقبولة، كي لا نقول متكافئة، بين المرشحين الذين يتمتعون بحيازة ذلكم السلاح والمرشحين “العُزّل” إلا من إمكاناتهم وطاقاتهم الذاتية، أي في ظل هذا الميزان المختل اختلالاً فظيعاً في “مؤهلات” المترشحين المتنافسين .
 
نعم لقد حذرت الدولة ممثلة في وزارة العدل المترشحين من استغلال دور العبادة مثل المساجد والمآتم في أعمال الدعاية الانتخابية، كي لا تحصل جمعيات الإسلام السياسي على ميزة تنافسية إضافية لها قبالة المترشحين المنافسين، حيث إنها تملك “حق” النفاد إلى دور العبادة وفرصه بشكل حصري يوفر لها فرصاً استثنائية للوصول إلى جمهور الناخبين .
 
إلا أن هذه الجمعيات، أو معظمها، لم يلتزم بهذا التوجيه، حيث سجل العديد من الخروقات بهذا الصدد، إذ واصل رموزها وقياداتها ومرشحوها لقاءاتهم وخطاباتهم عبر هذه المنابر التي وظفت ليس فقط في الإطار العام المشروع للدعاية الانتخابية وإنما في التشهير والتسقيط بالمرشحين المنافسين من خارج دائرة هذه الجمعيات، وتحذير الجمهور البسيط من مغبة التصويت لهم وتذكيرهم بعقاب الآخرة، وهو بلاشك شكل من أشكال الترهيب الذي حال على نطاق واسع دون تحرير إرادة الناخب، خصوصاً في المناطق التي تحتكم للقول الفصل للمرجعيات الدينية في تحديد خياراتها وبضمنها الخيار الانتخابي .
 
طبعاً لقد كان إسقاط رموز وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة في الانتخابات النيابية والبلدية مثل المرشحين النيابيين الدكتور حسن مدن والدكتور حسن العالي والمرشحين البلديين عادل درويش وعبدالحميد عبدالغفار وغيرهم من المحسوبين على التيار الديمقراطي وتيار المستقلين، على أيدي محتكري الدين، بقدر ما كان محبطاً فإنه كان بنفس القدر خسارة مؤكدة للعمل البرلماني والبلدي الناضج والمتقدم ذي النفحات الوطنية الجامعة الطاردة للخزعبلات والغوغائيات الطائفية المتوسلة استثارة ثقافة الفزعة وتناغم وتطير الدهماء .
 
نعم لقد أكدت الدهماء من جديد أنها -بالإضافة لمسخريها المرجعيين والطائفيين والقبليين والشعوبيين على اختلافهم- الورقة الرابحة في أيدي القابضين على إرادتها ومصيرها، وأنها اللاعب الأساسي والحاسم الذي يحكم الشارع البحريني والشارع العربي عموماً في تقرير مصائرنا وخيباتنا .
 
في التاريخ السحيق، في حوالي القرن السادس قبل الميلاد، وعندما شاهد الفيلسوف الإغريقي أفلاطون كيف كانت حشود الدهماء لحظة تنفيذ قرار الإعدام بالسم الذي صدر بحق أستاذه ومعلمه سقراط بتهمة التجديف، تهتف مطالبة بسرعة القصاص من فيلسوف اليونان العظيم، فقرر أفلاطون حينها وهو يصوغ رؤيته الشاملة لمشروع الدولة الناجحة في تأمين الاستدامة لاستقرارها وازدهارها بعيداً عن تأثيرات الدهماء ومفاعيلهم في تقرير مصير المجتمع وآليات إدارته واتجاهات تطوره .
 
إنه بالتأكيد ليس رأياً منتصراً لاصطفاء أصحاب العلم والاختصاص والعقل والمنطق وتحييد نفوذ العوام في الإدارة المجتمعية الكلية، بقدر ما هو قراءة وتشخيص صارمين وحسب، مجردين من أية أثقال عُصابية أو أيديولوجية .
 

اقرأ المزيد

الحديث عن رفــع الدعـــم

يكثر الحديث الآن بالتحديد عن توجهات رفع الدعم عن بعض السلع الاساسية.
وبغض النظر عن مصدر هذه التوجهات، فيما إذا كانت مجرد «بالون اختبار» لجس النبض، فإنه يجب ان تتم مناقشة هذا الملف بعقلانية كبيرة، بعيدا عن اية استعراضات نيابية او حزبية.
ويبدو ان مجلس النواب سيدخل منذ فصله التشريعي الاول، في امتحانات ليست سهلة، وربما سيكون النواب في اختبارات مفاجئة، فكل موقف له حساباته امام الناخبين، وكل ما يلفظ من قول فإن له «رقيب عتيد».
ومع العلم، ان الناخبين هو ذات الشارع الذي يقود بعض السياسيين في ملفات وتكون حساباتها خاطئة، يقود النواب في ان يتخذ موقفا لمجرد انه يروق للناخبين الذين ربما يكونون خارج التفاصيل.
فعلى سبيل المثال، للوهلة الاولى لمشروع رفع الدعم عن السلع، يأتي الجواب من العقل الباطن بالرفض، من دون تفكير، فلا مجال للثقل على كاهل المواطنين البسطاء الذين يبحثون عن كسرة خبز، ويؤرقهم ما يسمعونه من تصريحات بشأن توقف علاوة الغلاء، فهناك العديد من الاسر تعتمد بشكل كبير على هذه العلاوة، التي قد تكون في ديسمبر نهاية لها، لحين اقرار الموازنة الذي ربما ستأخذ وقتا طويلا لأنها لم تحال بصفة الاستعجال، بل ستكون في أدراج النواب ومساوامة بعضهم.
كل هذا يأخذ بعين الاعتبار، ولكن الحديث عن رفع الدعم يتطلب توضيحا من قبل الجهات المعنية، فإما يكون هذا الأمر ملزما وسنراه في القريب العاجل، وبالتالي فإنه ستطلب توضيحا شفافا في آليته التي ستتخذ، وما إذا كان المواطن سيتضرر أم لا، او يكون مجرد حديث مجالس ويرفض، اما ان يكون المواطن تائها بين تحليلات وتسريبات فهذا أمر لا يجوز.
وهذه المطالبة بالتوضيح، من اجل ان يكون هناك مجال ومتسع من الوقت في وضع خطة للتعامل مع اي شأن اقتصادي بحيث لا يتضرر فيه المواطن، بعيدا عن الاستعراضات كما قلنا في البدء.
 
صحيفة الايام
3 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد

ثقافة التعدد والتنوع والاختلاف

في لقاءاتي مع أهالي المنطقة في المنامة، أثناء الإعداد للحملة الانتخابية، اخترت في إحدى الليالي، عنوانا لمحاضرتي «ثقافة التعدد والتنوع والاختلاف»، لقي استحساناً من الحضور، تحدثت عن أهمية هذا الموضوع في حياتنا اليومية، كما هو الحال في السياسية والثقافة وفي المجتمع، الظاهرة الماثلة أمامنا، بأن هناك وعياً لدى قطاعات واسعة في المجتمع بدأ يتشكل أو يتأسس وإن كان ببطء، ولكنه سوف يأتي بثماره في المستقبل، حيث لم يعد مقبولاً لدى الناس وتحديداً جيل الشباب، بأن تملى عليهم أفكار ورؤى وإرادات غير مقتنعين بها، وكأنها مسلمات لا بد من الالتزام بها، جيل يطلع على ثقافات وأفكار مختلفة من خلال الانترنت، ويعيش في وسط ثورة المعلومات وما تخترعه كل ثانية، في عالم كوني تقربت فيه المسافات بفضل الثورة التكنولوجية وإبداعاتها الخلاقة، لا يمكن أن تسود أفكار التسلط والترهيب والترغيب، مهما امتلكت من إمكانيات وقدرات، تجارب العديد من الشعوب والبلدان في العالم الثالث ومنها البلدان العربية والاسلامية، تشير إلى المآسي والمعاناة التي قاستها في ظل أنظمة وأحزاب شمولية ودكتاتورية ومصادرة الديمقراطية والحريات العامة، لهذا تكمن أهمية انتشار ثقافة التعدد والتنوع والاختلاف، بمعنى الإيمان الحقيقي بالديمقراطية ومبادئها الأساسية، دون ذلك، فإن المرء يكرس فكر التسلط والقمع ومصادرة الرأي وحق التعبير والتنظيم، والإلغاء وإقصاء الآخر المختلف في المجتمع، فالمجتمع الحي والنابض بالحياة، لا يمكن أن يتطور ويتقدم، إذا لم تتفتح كل الألوان والورود في حديقته الواسعة، وتعطي منظراً جميلاً ورائعاً، تفوح منها روائح معطرة.
السؤال هنا: من القوى القادرة الاضطلاع بهذه المهمة الكبرى، حيث لابد من توفر شروط وعناصر النجاح، في واقع عربي تسود فيه أفكار التعصب والتخلف والجهل، ومن ما يساعد على انتشارها، الفقر والبؤس والحرمان من العيش حياة إنسانية كريمة لفئات واسعة من الشعوب العربية، هذا الواقع يشكل أرضا خصبة لقوى التطرف والارهاب، ولغياب الديمقراطية والحريات العامة في العديد من البلدان العربية، ولا توجد دراسات وأبحاث علمية تدرس تلك الظواهر والمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت خلال العقدين الآخرين، وانحسار نفوذ القوى القومية والتقدمية العربية، وصعود قوى الاسلام الساسي لاسباب عدة، من ما كرس لترسيخ فكرة واحدة احادية في المجتمع، أصبحت ثقافة الامر الواقع، تعاطي معها البعض كمسلمات لا يستطيع نقدها او مجادلتها، وبسبب رفع البعض من تلك القوى شعارات ثورية كانت ترفعها في السابق القوى القومية والديمقراطية، برغم الاهداف المختلفة، تختلف معها في مفهوم الدولة، قوى الاسلام السياسي، تريد قيام الدولة الدينية وتشريعاتها وقوانينها، قوى الحداثة والديمقراطية، تريد قيام الدولة المدنية العصرية. لهذا القيم والمبادئ والاهداف مختلفة بين الطرفين. لهذا على القوى الديمقراطية والتقدمية في أي بلد عربي ان تحدد خياراتها وبوضوح لكي لا تفقد ما تبقى لها من بصيص أمل، لتغيرالواقع العربي المرير نحو آفاق مستقبلية أفضل.
هل يؤسس لواقع سياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي مختلف قائم على التعددية الفكرية والثقافية، تحترم فيه الآراء والأفكار المتنوعة، كحق من حقوق الإنسان، وتترسخ فيه بدايات صحيحة لبناء الديمقراطية الحقيقة في المجتمع.
 
صحيفة الايام
3 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد

نقد منظومتنا التربوية

تعليقاً على مقال سابق كتبته بعنوان: «اطفال أذكياء.. مجتمعات غبية»، تلقيت رسالة من تربوية مخلصة لمهنتها، ذهبت فيها الى أن المسألة ليست مسألة ذكاء الأطفال فحسب، وانما تطال العملية التعليمية العربية برمتها بدءاً من الطالب الذي هو محورها، مروراً بالمعلم الذي يعد عمادها، مروراً بالبيت الذي هو الداعم والنصير، وربما مروراً بالنظام الغذائي الذي جعل السمنة ظاهرة متفشية بين الصغار، بل تخطى ذلك ليدمغ ثقافة الجيل بغذائها المفضل الذي باتت الآن توصف به «ثقافة البرجر».
وتذكر الأستاذة في رسالتها الى أنها قرأت تقريراُ عن رقائق البطاطا «التشبس» التي تعد زاداً يوميا لأبناء الجيل، بما في ذلك طلبة الجامعات العربية، يفيد أن هذه المادة تمنح الصغار طاقة متوثبة نتوهم أنها مؤشر ذكاء لعلمنا أن حركة الصغير المستمرة ما هي إلا قدرات عقلية يفرغها الصغير بكثرة تقافزه.
ولكن التقرير يفاجئنا أن هذه الطاقة لا علاقة لها بالذكاء وأن سببها المواد المختلفة التي تضاف إلى هذه الأطعمة من ملونة وحافظة ومنكهة .. وهي طاقة تدفع إلى الهدم والتخريب، لا إلى الخلق والإبداع.
اما نظام التعليم العربي فقد جاءت المناهج في حلة أنيقة من حيث الإخراج، وبكم هائل من المعلومات التي يتسابق نظام الامتحانات في استخراجها، والدرجة الأعلى لمن حفظ أكثر.
والحفظ – على ضرورته باعتباره مرحلة لعبور المعلومة، يبدو متواضع القيمة إذا تم تصنيفه واحداً من مهارات التفكير، والمناهج العربية بعد ذلك لا تكاد تفسح مجالاً لمهارات التفكير الناقد من خلال التعبير الشفوي وإن اشتملت المناهج على بعضها.
ومن شاء أن يتحقق من ذلك، والكلام لازال لها، فليترك واحدا من أبنائنا العرب يحمل (الميكرفون) لدقائق خمس أمام الجمهور في أي موضوع شاء، ليعلم أن المناهج صنعت تلميذاً ربما يكون قادراً أن يحصل في الثانوية العامة على 90% أو أكثر، لكنها عجزت عن خلق تلميذ ذي شخصية شجاعة يملك القدرة على المواجهة والحوار.
ولكي نعرف ما الذي جناه نظام التعليم على الجيل، لننظر الى العلاقة بل القطيعة التي نجح هذا النظام في صنعها بين الجيل والكتاب، وتكفي لمعرفة هذه القطيعة، زيارة أي مدرسة في عالمنا العربي في اليوم الأخير للامتحانات، ليرى أشلاء الكتب الملقاة بإهمال يشبه الانتقام في ردهات المدارس وجنباتها، وكأنهم يثأرون لعذابات الأيام التي قضوها في الحفظ والاستظهار.
ولا يقال هنا إن غرام الجيل بالكمبيوتر جاء بديلاً للكتاب، لأن ما يفتح من مواقع الإنترنت ليس مواقع أبحاث محكمة ولا كتبا مفيدة أو دراسات معمقة، أو منتديات جادة للمدارس أو الجامعات، وإنما مواقع للألعاب ومنتديات الثرثرة التي برع الجيل في معرفة أسمائها بل وتخزينها على الأقراص المختلفة من مدمجة ومضغوطة وضوئية.
وأمام إعلام عربي ضال ومضلل كرس ثقافة «البرغر» أو الاستهلاك، جاءنا جيل يريد أبناؤه أن يكونوا «سوبر ستار» وكلهم يريدون أن يكونوا مليونيرات، فما صنعته «أم كلثوم» في سبعين عاماً يريدونه في أشهر قلائل، وما عاناه رجال وسيدات الأعمال من أثرياء العالم من صبر وكد ومثابرة وخيبات متكررة، يريدونه في ورقة يانصيب، أو برنامج مسابقات يمتد بضع دقائق.
 
صحيفة الايام
1 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

قرار رفع الدعم.. حقائق وأسئلة!

حتى الآن لم تجب الجهات الرسمية المعنية على جل التساؤلات المطروحة والتي هي مدار بحث واستقصاء من قبل مختلف شرائح المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني، والمرتبطة بتوجهاتها الجديدة التي من الواضح أنها تستبق بها افتتاح الفصل التشريعي الثالث، والقاضية برفع الدعم عن المحروقات والسلع الغذائية الأساسية، وهي التصريحات المعلنة على لسان وزير المالية الشيخ احمد بن محمد آل خليفة وما تبعها لاحقا من تبريرات رسمية قدمها وزير شؤون النفط والغاز الدكتور عبدالحسين ميرزا، مما يعني أنها توجهات ربما تكون قد أعدت ودرست من طرف الجانب الرسمي دون أن يتم الإفصاح عنها بعد على الأقل بشكل يتجاوب مع ما يطرحه الشارع والمهتمون بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي وبما يرتبط بهذه القضية الأساسية من مرتكزات اجتماعية واقتصادية هامة، لا نعتقد أن الحكومة تجهلها وهي المعنية دستوريا ومعنويا بضمان الحياة الكريمة لجميع مواطنيها، وما سياسة الدعم تلك سوى جزء مهم من تلك المسؤولية التي حافظت عليها الحكومة في ظروف سياسية واقتصادية متباينة ولعقود مضت، لكننا لم نجد بعد مبررا موضوعيا لإلغائها أو التخلي عنها دون تقديم مبررات موضوعية نعتقد أنها يجب أن تنطلق من مفهوم عام وشامل ألا وهو مبدأ توزيع الثروة، حيث ان الجهات الرسمية وحتى هذه اللحظة ربطت سياسة الدعم تلك بجزئية هامة وهي معدلات الأجور والرواتب، والتي بنت عليها موازناتها وتقاريرها أمام المؤسسات الدولية والأهلية!
وربما كان آخر مظاهر الرفض الشعبي المعلنة هو ما جاء في بيان كتلة المستقلين النيابية، وقد سبقها إلى ذلك بيانات لجمعيات سياسية معارضة ومؤسسات مجتمع مدني لها ثقلها في الشارع، وهو رفض يتسق منطقيا وموضوعيا مع النظرة الشعبية العامة تجاه مخاطر رفع الدعم، ولعل هناك الكثير في هذا الشأن مما يسمح لكل تلك القوى أن تفصح عنه، على اختلاف تلاوينها وانحيازاتها بما فيها تلك المحسوبة أو القريبة من الجانب الرسمي، فالمخاوف المتوقعة من زيادة التضخم في حال إقرار تلك التوجهات الجديدة هي نتيجة مباشرة ومتوقعة لا مفر منها، كما إن تراجع الشرائح الوسطى من المجتمع هي نتيجة لا خيار آخر يجدي معها إذا نجحت الحكومة في تمرير قرار رفع الدعم. ظاهرياً ربما يبدو ما أعلنه وزير النفط والغاز حول عدم زيادة أسعار المحروقات منذ الثمانينات مقبولا بعض الشيء، لكن دعونا نتساءل بمشروعية أيضا وبمنطق الأرقام وقياس حجم التضخم حول ما افرزه الوضع الاقتصادي من أوضاع اقتصادية واجتماعية طيلة العقود الثلاثة الماضية حتى الآن، فهل نستطيع أن نتلمس طيلة تلك السنوات زيادة عامة واقعية في أجور ومداخيل العاملين في القطاعين العام والخاص مثلا؟ أم هل نكتفي بتطوير البنية التحتية من طرق وجسور وننسى الزيادة المضاعفة في عدد السكان والحاجة لنظام مواصلات متطور كالقطارات الكهربائية السريعة وغيرها، بدلا من الحديث حول جدوى استخدام النفط الجيد أو الممتاز مثلا!! وهو نظام مهم ومطلوب لكنه يسير كالسلحفاة حتى الآن ولا ندري لماذا! وعلى الرغم مما خلقه التضخم السكاني من ضيق ملحوظ في المساحة الجغرافية ومن مشاكل أخرى متعددة عكست نفسها على مستويات الإنتاجية ومعدلات التلوث ومعدلات وفيات حوادث الطرق وارتفاع أسعار الخدمات، وكلها أمور ترافقت كما ونوعا مع اشكالية التخطيط تجاه ما يجري من حركة تحديث وتطوير عمراني وسكاني!! كما إننا نتساءل ببساطة هل بالإمكان قياس حجم مديونية العامل البحريني والعائلة البحرينية البسيطة والمتوسطة الدخل الآن مقارنة بذات الفترة الزمنية التي تحدث عنها الجانب الرسمي؟!
نقول.. نعم من حق الحكومة أن تدرس وتراجع سياساتها بين فترة وأخرى تبعا للمستجدات الاقتصادية والاجتماعية، ولكن عليها قبل أن تقدم على خطوات من هذا القبيل وأن تطرح البدائل أمام الناس والمشرعين كذلك، حتى يمكنها أن تؤسس لقناعات تخدم توجهاتها وتكون مدروسة ومقبولة من السواد الأعظم من الناس، فليس من المنطق بالنسبة لنا ونحن نعيش فترة ركود اقتصادي أضحت معالمها واضحة للعيان أن نقتنع بجدوى هكذا خطوة يراد لنا أن نقدم عليها، خاصة إذا علمنا أن هناك مشاريع لن يطول زمن الإفصاح عنها، ومن بينها رفع اشتراكات التقاعد والذي سيقضم من الرواتب، كما إن الحكومة قد أعلنت أو سربت مرارا أنها في وارد التفكير في إيجاد نظام ضريبة الدخل وغيرها، فهل ستسعف توجهات رفع الدعم عن السلع الحكومة في المضي قدما في تحقيق ما أضحت تفكر فيه من مشاريع، إضافة إلى ذلك يمكن أن نطرح سؤالا كبيرا على الجهات الرسمية أن تجيبنا عليه وهو: هل تتماشى سياسات رفع الدعم مع ما تطرحه رؤية البحرين من توجهات وصولا لعام 2030، وهل هناك بدائل اقل كلفة وتأثيرا على الناس أم لا؟! وأخيرا وليس آخرا ماذا عسى وزارة التنمية الاجتماعية أن تعمل حينذاك في حال تم تمرير قرارات رفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات مع مئات الأسر التي ستضاف حتما إلى قائمة من يتلقون مساعدات اجتماعية وتقدرهم الجهات الرسمية بـ 14 ألف أسرة حتى الآن؟! أسئلة نطرحها للتمعن والدراسة.
 
صحيفة الايام
1 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد