المنشور

النظام العربي ودروس تونس


الانتفاضة الجماهيرية في تونس الخضراء أسقطت نظام زين العابدين بن علي وأعوانه الذين حكموا تونس أكثر من عشرين سنة بسياسات القهر والاستبداد، وان فرار بن علي نتيجة لم تكن مفاجئة لان انتفاضة الجياع في أية بقعة في العالم حتمًا ستجبر الطغاة على الهروب من دون رجعة.

انتفاضة الشعب التونسي الذي ناضل من اجل حقوقه بشراسة لا تحتاج إلى تنظير، بل كل ما في الأمر هو ان هذا الشعب كان يعيش غربة في وطنه بحكم غياب العدالة والمساواة وعدم الالتزام بتحسين أوضاعه المعيشية وبالاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها ان تعالج أزماته الداخلية المتفاقمة وفي مقدمتها الخبز والغلاء والبطالة، ولا شك ان ضيق حدود الديمقراطية وحقوق الإنسان دفعت بهذه الانتفاضة ان تشتعل وتتوهج في هذا البلد الذي يمتلك إرثًا نضاليًا طويلاً ضد الاستعمار دعوة الى التغيير والتقدم نحو آفاق واسعة للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان أهم اشكالية في الدول العربية التي وصفها تقرير حقوق الإنسان الأخير بأن هذه الحقوق في هذه الدول خلال عام 2009 – 2010 اسوأ كثيراً من أعوام أخرى سبقته؛ لان النظم العربية تسبغ بأنفسها رضا على نفسها، وأسوأ أنواع الانتهاكات هي التي تستعصي على الإدراك فتحجب سبل الإصلاح.

دروس وعبر انتفاضة تونس ينبغي من بعض الدول العربية ان تضعها في عين الاعتبار، وان تضع في حسابها ان الحقوق من عمل وصحة وسكن وتعليم .. الخ لا تنفع معها المسكنات وإن نفعت أو صلحت لبعض الوقت فإنها لا تنفع لكل الوقت، وتونس اليوم تقدم دليلاً آخر للتغيير في هذا القرن يضاف الى الكثير من الأدلة والبراهين التي يشهدها تاريخ ثورات الشعوب.

وهكذا، فان انتفاضة الياسمين التونسية جاءت تعبيراً عن التناقض والصراع الاجتماعي والطبقي المتحرك والمحرك للمجتمع والصانع لحركة التاريخ والمتطلع الى تحقيق قيم العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية.

ان بلادنا العربية رغم تفاوت مستويات التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي فيما بينها فان أزماتها الداخلية لا تزال أكثر ارتباطًا بالتنمية الشاملة في أبعادها المختلفة المعبرة عن احتياجات الإنسان الأساسية، وإذا كنا أكثر حرصًا على التغيير فلابد من توفير الخبز والحرية، وتونس التي تجمعت وتوحدت إرادة شعبها هكذا حرصت.. وهكذا انتفاضتها على القهر والظلم والتسلط تدخل التاريخ من اوسع ابوابه.

بعض الدول العربية المزدحمة والمكتظة بالأزمات الداخلية في ظل المناخ الملبد بغيوم الاستبداد وبالإجراءات القمعية ومصادرة الحريات عليها ان تدرك ان احتياجات الشعوب ومتطلبات العيش الكريم لا يمكن ان تتحقق في ظل الكثير من الوعود والقليل من المصداقية، وانما بتوفير حقوق المواطنة المتساوية وبالمشاركة الشعبية الديمقراطية ومكافحة الفساد الذي يضاعف من تلك الأزمات.

كثيراً ما كتب عن هذه الأزمات، ولكن كيف ندير هذه الأزمات، هذا السؤال المهم الذي ستظل الإجابة عليه حلقة مفقودة طالما لا نحسن إدارة قضايانا الداخلية.

وحول هذا السؤال كتب محمد خلفان الصوافي الكاتب الصحفي في جريدة الخليج الامارتية تحت عنوان «أزمة» ادارة الازمات يقول فيه احد العيوب الرئيسية في تعامل البلدان العربية مع الاضطرابات والازمات الداخلية المفاجئة هو تسكينها او ترحليها أو كما يطلق عليه «امتصاص الضربات» وعدم التعامل معها بجدية، حيث لا توجد فلسفة تحكم طريقة إدارة الأزمة وإنهائها سوى تخديرها أو تأجيل حلها. صارت بعض البلدان تعيش المشكلات يومًا بيوم فالمهم إنهاء اليوم بدون مشكلة او الانتظار لرؤية ماذا سيحدث غداً. وقد اثبتت أكثر من تجربة ان البلدان العربية رغم اهتمامها بعلم ادارة الازمات لا تحتمل حتى مواجهة المشكلات الداخلية المحدودة التي يقوم فيها بعض افراد المجتمع بالتعبير عن غضب معين وغالبا ما تكون النتيجة عودة المشكلة مرة ثانية وربما اكثر قوة مما حدث في المرة الاولى، بل ان طريقة ادارة الاضطرابات احيانًا ما تكون سببًا في افتعال ازمات اخرى.

وتحفل بعض الدول العربية بحالات صريحة من العجز عن ايجاد حلول جذرية لمشكلاتها الداخلية. وقد أثر هذا العجز على صورتها من حيث قدرتها على حسم الاضطرابات أو تقديم «كبش فداء» على شاكلة اقالة وزير أو مسؤول لانه لم يستطع السيطرة على الوضع او انه لم يقنع وسائل الاعلام بعدم التغطية أو تبرير ما حدث وكأن المشكلة في الوزير أو المسؤول رغم ان هذه المشكلات لها تاريخ طويل، وان اسباب الاضطرابات تحتاج الى حلول واقعية ومن نوعية اخرى وتبقى السلطة ناجحة في نظر الناس ما دامت قادرة على الاحتفاظ بالهدوء، ومجرد التعبير بأي طريقة تكون نتيجته اما القوة او الاقالة.

وهذا بالفعل ما حدث لتونس وكذلك الجزائر التي شهدت هي الأخرى صدامات بين قوات الدرك والجماهير.

متى نتعلم من دروس تونس؟ هذا هو السؤال الملح.
 
الأيام 22 يناير 2011

اقرأ المزيد

مفاهيم وأهداف إرهابية


لطالما حذر الخيرون من أبناء البلاد العربية من مغبة الصمت المتواطئ على الجرائم الإرهابية التي تنفذها تنظيمات متطرفة تناسخت وتكاثرت في عموم البلدان العربية، وراحت تنشر الفوضى والدمار وتثير الفتن والقلاقل في المجتمعات العربية، مستغلة مساحات حرية الحركة التي تنعم بها هنا وهناك .
 
ولطالما حذر الحريصون الجزعون على حال المجتمعات العربية من المخاطر المحدقة بالتساهل إزاء تمدد نفوذ الجماعات المتطرفة إلى كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وتطاولها على مصادر الاستقرار ومكونات المجتمعات العربية وعلى الثوابت التي تحكم علاقات الناس بعضها ببعض .
 
ولطالما بحّت أصوات هؤلاء الغيارى على أوطانهم من أن محاولات الجماعات المتطرفة لإشعال الفتنة الطائفية والحرب الأهلية بين سنة العراق وشيعته، سوف تتمادى وتتجاسر لتطاول ساحات عربية أخرى تستهدف إشعال حرائق طائفية ومذهبية متنقلة لإشاعة الفوضى والسيطرة على مقادير الأمور فيها .
 
وهكذا وبعد أن عاث المتطرفون تدميراً وقتلاً وتخريباً في العراق في محاولات مستميتة من أجل إشعال حرب أهلية بين طائفتيه الكبيرتين السنية والشيعية، من دون كلل أو يأس في تحقيق المراد، وذلك بمواصلة إطلاق الموجات الإرهابية، موجة وراء موجة، باستخدام القنابل البشرية المضحوك عليها بوعد الوصال مع نور العين  بعد هذا الجهد الإجرامي الجبار الذي تأكد للإرهابيين أو بالأحرى لكبار الرؤوس التي تحركهم أن مسعاهم ومخططهم هذا قد باء بالفشل، فقد اهتدوا إلى خيار أكثر إجرامية وأفدح خطراً على مقدرات ووجود المجتمعات العربية، وهو العمل بالزخم نفسه والعزيمة على افتعال حرب إبادة وتطهير ضد أبناء الطوائف المسيحية في مناطق عربية منتخبة توفر ظروفها الصعبة وأوضاعها الحساسة بيئة ملائمة لإنفاذ وتمرير مخططها الإجرامي، فكانت مصر هي الهدف الذي اختاره الإرهابيون لتوجيه ضربتهم الكبرى في مخططهم الرامي إلى إحداث شقاق وصدامات مسيحية إسلامية توطئة لإشعال الحرب الواسعة بين أبناء الديانتين الكريمتين في العالم العربي . حيث شن الإرهابيون ليلة عيد الميلاد المجيد يوم الجمعة 31 ديسمبر/ كانون الأول 2010 هجوماً إرهابياً بواسطة قنبلة بشرية مفخخة ضد كنيسة القديسين الواقعة في منطقة سيدي بشر والتي كانت تغص وقتها بالمصلين الذين وجدوا لإحياء الاحتفال برأس السنة الميلادية، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى والمصلين قدرتهم وزارة الصحة المصرية بنحو 25 قتيلاً ونحو 79 جريحاً .
 
لقد أراد الإرهابيون ومن يقف وراءهم بالمال والسلاح والتسهيلات الإعلامية والحملات الدعوية عبر المنابر الرسمية وغير الرسمية أن يشعلوا فتنة بين المسيحيين والمسلمين وأن يطلقوا موجة تهجير للمسيحيين إلى خارج أوطانهم العربية لتفريغ العالم العربي من أحد أهم مكونات تنوعه، وهي جريمة “ترانسفير” بكل ما للكلمة من معنى ذي صلة بسياسات التطهير العرقي .
 
ولكن سبحان الله . . فلقد خيب الشعب المصري آمالهم وأثبت أنه شعب التحديات التي تحركه سليقته وفطرته الطيبة التي جبل عليها، فكانت ردته الفورية التلقائية على الجريمة في منتهى الروعة بتجسدها في ذلك الموقف الإنساني النبيل الذي أظهرته الجموع الغفيرة من الناس الذين هبوا مسرعين لنجدة اخوانهم المسيحيين وإظهار تعاطفهم وتضامنهم القوي المقرون بالفعل والمتمثل في المبادرات العفوية غير الموجهة لعمل سلاسل بشرية لحماية دور العبادة المسيحية والمشاركة في مراسيم العزاء والاحتجاجات المنددة بالمجزرة الإرهابية .
 
إنما، وكي لا تأخذنا العاطفة بعيداً عن لب المشكلة التي نعانيها ها هنا، علينا بدءاً أن نعترف بأن هذه الجريمة الإرهابية الجديدة والجرائم الإرهابية الأخرى التي سبقتها ليست بعيدة عن المناخ الملوث الذي شجع عليها، بل وحرض على ارتكابها .
 
هذا فضلاً عن تحويل دور العبادة من جوامع ومساجد وتحويل مقارها وزواياها إلى إصدار صكوك التقوى والبراءة والتكفير، في تضاد صارخ وسلب ساطع في رابعة النهار لولاية القضاء الذي ينظم العلاقات المجتمعية .
 
بهذا المعنى فإنه ما لم يتم وضع حد نهائي لهذه الازدواجية الغريبة في هيكلية ووظائف الوضع المؤسسي الراهن والمستجد لكيان الدولة العربية الملتبسة والمتشاكلة بين دولة مدنية تستمد مشروعيتها من عضويتها في النظام الدولي المعاصر وأخرى دينية مستنبتة قسراً تحاول بشتى السبل الانقضاض على مقاليد الأمور واختطافها خطفاً، فإن الأمور ستسير من سيئ إلى أسوأ .
 
 

اقرأ المزيد

اللـه غالـب


منذ سقوط نظام بن علي والجدل يتمحور حول إمكانية انتقال عدوى الثورة ورياح الغضب لباقي العواصم الشقيقة.. فالأنظمة العربية بدأت منذ اليوم الأول ، عبر أزلامها وإعلامها وأذنابها ، في الترويج لأن ما حدث في تونس ” حالة معزولة” وظاهرةٌ ” استثنائية في سماء المنطقة” وتمادى الخبثاء في وصف النظام التونسي بأنه ” فريدٌ في قمعه وفساده وعنجهيته” بغية الدفاع عن أنظمتهم ولسان حالهم يردد ” لسنا مثل تونس” وكأنها يدرؤون تهمة توجسهم..!

 
 والحقيقة إنهم – فعلا- ليسوا مثل تونس بل أسوأ منها، فمتوسط دخل الفرد في تونس 8300 دولار وهي تتقدم بذلك على 13 دولة عربية في مستوى الدخل الفردي، كما أن تونس حققت من منجزات على مستوى التعليم والتأمين الصحي، البطالة والأمية والتنمية وتحسين مستوى المعيشة، ما لم تحققه جُل الدول العربية التي تشهد تراجعا مستمرا في حقول خدماتها الـأساسية وتوسعاً في طبقة المهمشين والمحرومين بوجود 89 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر .. ولكن القمع والطبقية والفساد واستغلال مقدرات الشعب والتمييز لصالح أسر معينة والاستخفاف بكرامة المواطن هو ما أفاض الكأس وعجل نهاية النظام الذي لم يكن – ومسئولهٌ أنا عما أقول- الأسوأ في الوطن العربي “ولا حتى ضمن أسوء 5 نظم” وإن كان ثاني الراحلين بعد نظام صدام ونبتهل لله أن لا يكون آخرهم !!

دروسٌ مهمة تكتنز بها الثورة نتمنى أن تستوعبها الأنظمة العربية بالطيب، قبل أن تُلقاها بالقوة..: 

 أولها : أن دول الغرب برغماتية في علاقتها، ” أنت ولدنا وحبيبنا ” ما دمت ذا نفع، وما أن تنتهي صلاحيتك فمكانك مزبلة التاريخ لا قصورنا ومنتجعاتنا. والدول الرأسمالية في ذلك أشبه ما تكون بالمرأة اللعوب، تُفيض عليك بالحنان دامك تُفيض عليها بالمصلحة، فإن انقطعت المصلحة تبددت العاطفة في ثوانً.. والأنظمة العربية ليست بأفضل حال بالمناسبة، قد تحتضنك من قبيل الشيمة وقد تمط الشفاه عليك حسرة أو تنصفك ” بكلمتين” كما فعل القذافي العقيد الثائر الذي يكره الثوار، ولكنك لن تحصل على أكثر من ذلك..  فالمتدثر بالدول العظمى عارً والمستقوي بالتحالفات الخارجية واهم، ولم يحدث عبر التاريخ ما يثبت العكس .. !

     ثانيهما : طوال عقدين من الزمن ، باع النظام التونسي الوهم للعالم، صرف ملايين الملايين لتلميع صورته ودرء التهم عنه وأشترى – حرفياً- سمعته الطيبة في في المحافل الدولية ولكن.. ما أن حصحص الحق.. حتى اكتشفوا أن كل هذا غير مهم ولم يطل عمر النظام يوماً واحداً عندما أستعر غضب الشعب. وهو درس الدروس للأنظمة العربية :
كفاكم لهاثاً وراء اعتراف العالم فرأي شعوبكم هو المهم.. رضا شعوبكم هو الباقي.. ولا شيء غيره ولا سواه..

       ثالثاً : التونسيون انتفضوا لكرامة التونسيين ، لم يكن كل من في الشوارع عاطلين كما أرادت بعض وسائل الإعلام أن تقول مطلع الأزمة، كثير منهم أرباب مهن محترمة ولكن صفعة العزيزي فجرت الكرامة في كل تونسي رأى الظلم في نفسه، وهي رسالة للشعوب هذه المرة: أن عليها أن تتكاتف وتتصرف ككتلة واحدة. فالظلم الذي يحرق بيت جارك سيطال دارك، ووحدها الشعوب التي تدرك ذلك تكون ذات ثقل وهيبة ..

     رابعاً : نفوذ أسر معينة – دون وجه حق- يستفز الشعب، البذخ الأسطوري الذي يعيش فيه مسئولي الدولة يستفز الشعب، تزايد ثروات الأمناء على الأموال العامة يستفز الشعب.. والشعب ليس بأعمى وإن تعامى،  وتلحظون اليوم كيف أن تبرم التونسيين ولعنهم لعائلتي الطرابلسي والماطيري يفوق تبرهم على حاكمهم نفسه .. !

    خامساً: كشفت الأحداث الأخيرة كم هو أعلامنا العربي منافقٌ بشكل مبتذل ! قبل يوم من سقوط نظام بن علي كانت النبرة حول الأحداث خجولةٌ وكانت المقالات والافتتاحيات تدعو لضبط النفس وتجاوز الأزمة وكانت القنوات تحجب حق كل معارض تونسي في الظهور.. بعد ساعة من سقوط النظام صار الإعلام يجوس في خصوصيات العائلة الحاكمة وفتح منابره للمعارضين مستبيحاً ما كان من الكبائر قبل ساعة !! ما يدل على أن إعلامنا حرباء تتلون وفقاً للمصالح لا القناعات.. وهم على دين الغالب وضد المغلوب، أياً كان الظالم منهم أو المظلوم !!

   سادساً: في خطابه الأخير ، بعد أن خرج مع بدء الثورة يتوعد ويهدد ” الإرهابيين” ويتهم جهات خارجية بدعمهم متنكراً – ومُنكراً- لأخطائه وآثام نظامه.. طلع بن علي على الناس بعد أن ارتفع الماء وأوشك فرعون على الغرق ليعلن التوبة ويذرف الدموع ويقول ” لقد ضللوني ” ” سأحاسب من خدعوني.. أنا فهمتكم وفهمت المجتمع” بعد أن كان الأوان قد فات.. !


كثيرون وصفوا دموعه بدموع التماسيح ولكني لا أشاطرهم الرأي.. فالحاشية – بالفعل- تضلل الحكام وترمى غشاوة على أعينهم لذا قيل ” أن الحاشية إن صلُحت صلح الحاكم وإن فسدت فسّد وضاعت الرعية” ليس عذرا بالطبع له ولغيره ولكنه درسٌ ثمين للقيادات التي تعول على حاشيتها وتقرأ وترى بعيونهم.. افتحوا أعينكم على اتساعها ولا تستعملوا الأفاكين والـ” جمبازية” ولا تثقوا بالمتسلقين والمرتزقة فهؤلاء لن ينقذوكم.. ولا تقمعوا المعارضين والإعلام الحر بدعوى أنهم يعملون على النيل منكم ومن منجزاتكم لأنهم من يساعدكم على فهم تطلعات الناس وإصلاح ما هو مخّتل ومعّوج.. لئلا تبكوا بعد فوات الأوان وتقولوا ” ضللونا”.. !

  سابعاً : العصر اليوم هو عصر الشعوب، على الحكومات العربية ان تفهم ذلك ، الشعب هو سيد قراره وهو من يُعمل حكوماته على إدارته وهو من يعزلهم، يجب إعادة بناء التحالف المدني، وعلى الأنظمة أن تصالح شعبها وتكف عن استعباده واستفزازه.. الشعب ينتقل من حالة عدم الرضا للتململ .. ومن التململ للسخط.. ومن السخط للثورة. قد يستغرق ذلك عقود، سنين أو مجرد أسابيع، واقرؤوا التراث الإنساني لتروا كيف يعيد التاريخ نفسه مرة بعد مرة ..

  ختاماً : أما الرسالة الأهم للأنظمة العربية هي: إياكم والظلم .. إياكم والظلم

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً..
فالظلم يفضي أخراه إلى الندم..
تنام عيناك والمظلوم منتبه..
يدعو عليك.. وعين الله لا تنم..

 
الشعب لا يريد أن ينازعكم الكرسي ولا الحكم ولا يريد طائراتكم ولا قصوركم ولا رقابكم.. يريد عملاً  وسكناً وعيشة كريمة وتطبيب لائق وبعضاً من الاحترام ..
وتذكروا أن الله ينصر دولة العدل وإن كانت كافرة.. على دولة الإسلام إن كانت ظالمة

والله من وراء القصد


عن موقع لميس   19 يناير 2011

اقرأ المزيد

الثورة التونسيّة

نم قرير العين يا أبا القاسم، فشعب تونس أزاح “إذا” وأراد الحياة، وأرغم القدر. وكسر حاجز الصمت والخوف ودقّ باب الحرية بيد مضرجة. فرحل الطاغية.
 تونس حررت نفسها ورفعت صورة تشي غيفارا، فالثورة لم تعد تختبئ في غابات بوليفيا، بل أصبحت تتقدم بالصدور العارية المشرّعة للرصاص.

 من سيدي بو زيد والقصرين وصفاقس وبنزرت وتونس العاصمة ونابل إلى قابس في أقصى الجنوب. سمعنا صوتا واحدا، لطرد الجنرال، الذي لقال له بورقيبه يوم كان قائدا للأمن: “إسكت يا بهيم يا بتاع البوليس”  لكن البهيم خلعه وامتطى السلطة، بعدما جرى طبخه في أقبية المخابرات الأمريكية، يوم كان سفيرا في وارشو.

 في سيدي بوزيد أشعل محمد بوعزيزي بجسده ثورة الخبز والحرية كأول ثورة مدنية حقيقية في عالمنا العربي..

لأول مرة رأينا حشودا تُلخص الثورة الفرنسية (حرية عدالة مساواة) .  هذه المرة لم نر صورا ملتحية ترفع شعار”القرآن والسيف” لإقامة الخلافة، ولم نر كهنة يرفعون صلبانا للمطالبة بترميم كنيسة، أو إعادة وفاء قسطنطين لبيت الطاعة، ولم نر صورالصدر الصغير وأكفان القرون الوسطى، وركضة طويريج
 ما رأيناه كان ثورة

في معادلتك الشعرية الفذّة يا أبا القاسم، وضعت الشعبً والقدر وجها لوجه، فكسبت الرهان لأنك تدري بأن تونس “شعب” تجمعه االأرض والتاريخ، ويوحده حلم العيش الكريم ومدوّنة الأحوال الشخصية والمدنية، التي جعلت المرأة صنوا للرجل، فانتصبت محمولة على أعناق الرجال، ورجمت مليشيات الطاغية، وضمّدت الجرحى.

 أما في مشرقنا فواحسرتاه! لقد كنّا شعبا في يوم ما، أما اليوم فنحلم على أريكة الديوان الشرقي، لقد أصبحنا بعون الله والبترودولار والطغاة، قبائل وشيعا ومللا ومذاهب وحثالات، وفقهاء نبحث عن العصر الباليوليتي وعصماء بنت مروان لنهرب من واقعنا، فما أوسخنا (على رأي مظفر النواب)
 
 في تونس بدأت ثورة مسلحة بالمدنية والبنطلون والأمل، فالدشاديش والجلابيب وأكياس النقاب عقبة نتعثر بها أثناء المشي، ولا تصلح للكر والفر.
 
تحية كبرى لدماء الضحايا الزكية، ولشباب تونس وللأمهات اللّواتي حملنهم وأرضعنهم  

  
 
عن الآوان    الاثنين 17 كانون الثاني (يناير) 2011

اقرأ المزيد

ويـن الصبــــــح …؟

 

 

 

 

 



ويـن الصبــــــح …؟
 
يــا لـيـل ويـن الصـبـح ﮔـلي يـخايـب ويــن؟
ويـنـه يـداوي الجرح؟ وينه يصحي الـعـيـن؟*
 
يا لـيـل بعـده العـمـر ﭽـانـونـه بالحــب شاب
والـﮕلب اخضر بـﮕـى بالعشـﮓ دومه شاب
بـالـك تـصـد لـلشـعــر وتـشوف لونــه شاب
تــدري بلاوي الـزمن والـهـمّ إجـا مـن ويـن
 
يــالــيـل ﭽــم مـن ولـد غــنـّـى الـهـوى مـوّال
حسب باله صدﮒ المحب بس اف حرف ينـﮕال
ولـَي تــهــب ريــح الأنــا ويــاهــا راح ومـــال
بـيّــاع لون وحـﭽـي ويلعـب على الصوبــيـن
 
يا لـيـل طبع الـوفي و المـحب مخـلـص دوم
لوجاه ضيم السهر يهـدي إف ضـيـاه نـجـوم
الملـﮕـى مسرى حلم .. باﭽـر صبـح محتوم
نـكــّار ذاتـه أبـــد والـوعـــد عــنــده ديــــن
 
يا ليـل جـرح الـهـوى حسـرة غريـب الــدار
نـخـلـة وفــا بـالـثـمـر تـعـطي حـلـم عـكـــّار
وصـوت الصـواري يـون يـا مـال لـلـبـحّــار
ومــوّال فــيـه الـدفـو لـحـن الشـتــا لـلــزيـن
 
ياليل باﭽـر يـجي .. لازم يـجي المـحـبــوب
تــرتــاح ريــّة صـبــح بـالـعـاطـفـة مشبوب
ونـعـيـش لـمـّة فـرح تجـمع شمل كل صوب
و الارض متـشمّسه بـنــور ٍ يصحّي الـعـيـن
 
*من وحي قصيدة تراثية عراقية مطلعها:
(يا ليل وين الصبح گلي يخايب وين
وين اليداوي الجرح وينه اليصحّي العين) 
 


 
عبدالصمد الليث 
4/2/2005م

اقرأ المزيد

عن أحداث الإسكندرية

 

 

 

 

 

 

عن أحداث الاسكندرية


ينصر دينك يا بطل
…قتلت ناس عُزًّل كتير
ستات، شيوخ وكمان عيال
ازحت عنا خطر كبير

*

دي ناس بتقول الله محبه
والمحبه دي شئ خطير
إقتل بطرس وإقتل مينا
اللي إخواتهم ماتوا في سينا
واللي ولادهم رقصوا فـي فرحك
واللي فـ ميّتم بيعزّينا
إقتل ماري وطنط تريزا
دول ناس مافيهومشي ولا ميزه
دايمًا كده يبتسموا في وشك
ويقولوا اهلاً خطوه عزيزه


*

وإقتل برضه عمّك حنا
في اي خناقه بيحوش عنّا
غاوي يصّلح بين الناس
ولا يمكن يوّرد على جنّه

*

وإقتل سامي ناجي نجيب
اصل الإسم صراحه مريب
يمكن يطلع واحد منهم
او داقق على إيده صليب


*

ولا اقولّك…إضرب شبرا
والكيت كات وميدان الاوبرا
فجّر واحده في كل مكان
خلّي جيرانهم يصبحوا عبرا

*

لينا رب إسمه الكريم
ها يجي يوم تعرض عليه
تقف امامه و يسأل الشخص ده عملك إيه؟
بأي ذنب تقتله
وفين ومين وإزاي وليه؟
إبقى قول لي يا بطل
ها ترد يومها..
وتقول إيه؟.

اقرأ المزيد

ساخن كالرغيف صادق كالصدق


لماذا يظل ناجي العلي قادراً على إدهاشنا في كل مرة نرى فيها رسوماته، كأنها رسمت للتو، كأنها خارجة للتو من شارع من شوارع مدن الضفة الغربية أو زقاق من أزقة غزة، أو من مخيم فلسطيني في لبنان أو الأردن أو سوريا، بل كأنها خارجة للتو من الأتون العربي الحارق في كل مكان .
 
ما الذي يجعل حنظلة ناجي العلي حياً هكذا؟ بل ما الذي يجعله حياً أكثر من السابق؟
 
لعل ذلك هو شأن الفن الخالد الذي يزداد ألقاً مع الزمن، ولكن ثمة عاملاً آخر هو أن الظروف التي وضع فيها ناجي رسوماته مازالت حاضرة، ربما بقوة أكبر مما كانت عليه .
 
وكما لدى فنان حقيقي فإن طاقة الاستشراف، ذلك الحدس المدهش، هي ما يجعل بصيرة الفنان قادرة على الذهاب إلى أبعد، إلى رؤية ذلك الزمن المقبل المدثر بالغموض، وبهذا المعنى يبدو حنظلة تلك الشخصية الآسرة المحيرة في رسومات ناجي شاهداً على الزمن .
 
والزمن المعني هنا هو الزمن في إطلاقه، لا الزمن المحصور بين فاصلتين أو بين تاريخين . ورغم أن حنظلة ناجي العلي لم يكبر، أعني أنه ظل دائماً طفلاً، لكنه يحيرنا دائماً في أن وقفته الساخرة، الشامتة والصامتة والمحتجة، تبدو أقرب إلى وقفة الرجل الراشد الذي عركته الحياة في تجاربها وخبراتها فبات أشبه بالحكيم الشاهد الذي يرى ما يرى ولكن بتلك الروح التي تجعله قادراً على أن يشع بذبذبات الفطنة والحكمة الآسرة .
 
من منهما يشبه الآخر: ناجي العلي يشبه حنظلة، أم حنظلة يشبه ناجي العلي؟ أين الأصل هنا؟ وأين الصورة؟ تلك هي المعادلة التي لا يمكن فكها أبداً . لقد تماهى أحدهما في الآخر بحيث لم يعد بوسعنا أن نتصور ناجي العلي من دون حنظلة، أو أن نتصور هذا الأخير في سياق آخر غير السياق الفني والشخصي لناجي العلي الذي عبر الحدود من فلسطين إلى لبنان طفلاً إبان النكبة الأولى .
 
لقد كان يومها شاهداً على ملحمة التيه الفلسطيني، وهي تفتح أبواباً في العراء . وإذ كبر ناجي ظل الطفل حاضراً، يقظاً، في صورة حنظلة الذي لا يموت، بدليل أننا في كل مرة نشاهد رسومات ناجي تنتابنا دهشة الاكتشاف الأول، دهشة فجاءة وصدمة السؤال .
 
رسومات ناجي العلي تظل ساخنةً كرغيف خبز، كاوية كجمرة، ومحرضة كالأمل، وصادقة كالصدق .

اقرأ المزيد

اليسار البحريني… الآفاق المستقبلية (1-2)


تاريخ كتب بالمعاناة والدماء في البحرين منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، حتى مجيء حقبة الانفراج السياسي في «فبراير» 2001، وبفضل تضحيات ونضالات أعضائه وأصدقائه والحركة الوطنية والشعبية في البحرين تحقق ذلك، وساهم في نشر الثقافة التقدمية في البحرين، وبرزت أسماء معروفة لامعة في الأدب والفن والكتابة، أسست لحركة إبداعية وثقافية وفكرية واقعية ومتقدمة في بلادنا، تضاهي مثيلاتها في البلدان العربية.

اليوم تجري نقاشات عديدة عن اليسار البحريني ودوره، وإمكانية التأثير والتغيير في المجتمع، بعد أن تسيد تيار الإسلام السياسي بشقيه الشارع وفرض هيمنته عليه ، وأدخل البلاد والعباد في تجاذبات طائفية ومذهبية وبالأخص الكتل النيابية في مجلس النواب في الدورتين السابقتين، والمؤثرات الطائفية التي تركتها، «عملية احتلال العراق في عام 2003» في المنطقة، وبالمقابل قلّ نفوذ اليسار البحريني وتأثيراته وجماهيريته التي كانت عليه في السبعينيات وبداية الثمانينيات، حتى عام 1986، ذلك العام الذي تعرضت فيه جبهة التحرير الوطني لضربة قوية من قبل جهاز الأمن، كذلك الظروف الذاتية والموضوعية والتغيرات والأحداث الكبيرة التي هزت العالم اجمع في بداية تسعينات القرن الماضي بانهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية «أوروبا الشرقية» وانتهاء ما كان يعرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، والتي استمرت لأكثر من أربعة عقود ونصف من السنين، تنفست الامبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الصعداء، وأصبحت القطب الأوحد في العالم تتحكم في مصائر الشعوب والبلدان.

وبرزت التيارات الإسلامية في الوطن العربي، بفضل عوامل وأسباب عديدة، استطاعت استقطاب الجماهير الفقيرة والبائسة والساخطة على النظام العربي الرسمي، وقدمت لها المساعدات المالية، والاحتياجات المعيشية، وفتحت البنوك الإسلامية وبنت المدارس والمستشفيات وغيرها من المسئوليات الاجتماعية التي كانت تقدمها للناس، باسم «المساعدات الخيرية»، واستفادت من الخبرات والمهارات والأساليب التنظيمية والجماهيرية التي كان يقوم بها اليسار في عمله السياسي والنقابي والمطلبي.

انتشرت مقالات ومفاهيم ليس بالجديدة، ولكنها بدأت بالانتشار الواسع في البلدان العربية والإسلامية، وما يعرف بالبلدان العالم الثالث، وحتى الدول الاشتراكية السابقة، مثل الليبرالية الجديدة، بجانب ذلك كانت «العولمة» وأفكارها تشق طريقها في العالم وبسرعة مذهلة وتبرق في سماء البلدان النامية، مبشرة بفكرة جديدة عن الرأسمالية، هكذا الرأسمالية تعود من جديد في دورة أخرى لتجدد نفسها، ويتم تسويقها في المجتمعات التي تنعدم فيها الديمقراطية وتصادر فيها الحريات العامة، وتنتهك فيها حقوق الإنسان، بأنها نموذج سياسي واجتماعي واقتصادي «أفضل» للبشرية من الاشتراكية، واخذ منظوروها يروجون الأفكار والمفاهيم في كل أرجاء المعمورة، بنشوة الانتصار على النظام الاشتراكي، جاء ذلك في كتاب المفكر الأمريكي من أصل ياباني فوكاياما «نهاية الإيديولوجية».

عام 2008 وتحديداً شهر أكتوبر من ذلك العام، كان عام شؤم على الامبريالية العالمية وفكرتها الجديدة العولمة، عندما بدأت الإمبراطورية المالية والاقتصادية تتهاوى وتتساقط في عقر دارها، الولايات المتحدة الأمريكية وتبعتها كل البلدان الرأسمالية الكبيرة والصغيرة والبلدان المرتبطة بالدولار الأمريكي، وتكبد الرأسمال المالي العالمي خسائر فادحة ولا زالت تأثيراته مستمرة على العديد من البلدان والشعوب، حيث تم الإعلان عن إغلاق وإفلاس العديد من البنوك الكبيرة في تلك البلدان، ودمج البعض منها، وتقديم الدعم المالي من الخزانات المالية لتلك البلدان لإنقاذ تلك البنوك والمؤسسات المالية، بكلمات فشلت فكرة اقتصاد السوق التي روجت لها الرأسمالية العالمية، عندما استخدمت أموال الدولة لدعم تلك البنوك والمؤسسات المالية، خوفاً من إفلاسها وسقوطها، من جديد تذكروا كارل ماركس وكتابه المعروف «رأسمال» الذي كتب في القرن الثامن عشر، وأدركوا أهميته في ضبط إيقاع الفوضى المالية والاقتصادية في تلك البلدان، عندما يتم تطبيق تلك الأفكار التي جاءت في الكتاب.

شكل غياب وانعدام الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية في معظم البلدان العربية والإسلامية، منعطفاً خطيراً فاقم من أوضاعها المتردية في الأساس، وساعدت على انتشار أفكار التطرف والغلو في المجتمع، بالإضافة إلى الأوضاع والظروف التي تم ذكرها سلفاً، وفي ظل التراجعات الفكرية والسياسية لدى قطاعات واسعة من المثقفين والحزبين السابقين عن أفكارهم وقناعاتهم، حيث البعض منهم لم يستوعب تلك الأحداث والتغيرات التي حدثت في العالم، وبدأت لهم الأفكار الماركسية، أو لنقل الإيديولوجية، كمفهوم فلسفي، لا تشكل قناعات ومبادئ يسترشدون بها في عملهم السياسي والثقافي، وبدا يتغلغل في نفس ذلك المثقف أو السياسي، الإحباط واليأس والارتداد على ما كان يؤمن به في السابق، بدأ الحلم يتلاشى لديه شيئاً فشيئاً لم يعد المثقف العضوي الذي كتب عنه غرا مشي، وأصبح البعض من السياسيين والمثقفين «الماركسيين السابقين» ينظروون و يروجون  للأفكار الجديدة، المنبثقة من «العولمة»، مثل نيوالليبرالية «الليبرالية الجديدة»، واخذ البعض من اليسار القومي، يروج لفكرة تعويم الايدولوجيا، وهي فكرة مأخوذة من المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، وهذا الطرح اخطر من الذين يؤمنون بالليبرالية الجديدة، على الأقل هؤلاء أعلنوا صراحة عن تبنيهم إيديولوجية جديدة، أصحاب فكرة تعويم الايدولوجيا أصبحت البوصلة الفكرية مفقودة لديهم.

ففي البحرين، بقي اليسار الماركسي على مبادئه وقناعاته مع الأخذ بالاعتبار التغييرات والمستجدات والنقاشات والحوارات التي حدثت في المحيطين العربي والدولي، وأخيراً عقد لقاء اليسار العربي في بيروت في شهر أكتوبر، وصدر عنه بيان ختامي يسترشد به في عمله السياسي كل حزب حسب ظروف بلاده.
 
 
يتبع_

اقرأ المزيد

انتصـار للحداثـة


تحاول الأحزاب والمواقع الدينية أن تمدح أحداث تونس من دون أن تعي الواقع بشكل موضوعي، فلو أن هذه الأحداث جرت في بلد منقسم ومنهك بالصراعات الدينية الطائفية كما هي الحال في الكثير من البلدان العربية والإسلامية لما انتهت هذه الأحداث بسلام وخير وبقفزة تاريخية.

الثورة هي إعصار اجتماعي مدمر، وحدوثه هي عملية خطرة جداً وصعبة.
لكن مرور الاعصار بهذه السرعة والقوة من دون أن يترك آثاراً مدمرة كاسحة هو أمر مليء بالدلالات المختلفة، فعلى الرغم من الخسائر البشرية الجسيمة بمقاييس السكان، وعمليات النهب والتخريب التي جرت من عصابات موالية للنظام السابق، ومن الغوغاء، فإن زوالها بمثل هذه السرعة يعتبر شيئاً تاريخياً.

لننظر كيف تتم الأحداث في بعض البلدان العربية والإسلامية التي عاثت فيها هذه الجماعاتُ تمزيقاً لعرى العرب والمسلمين، ولا تكفي مئات القتلى والكثير من الشهداء من المثقفين الكبار وتعطيل مؤسسات الدول عن إنجاز معاملات المواطنين اليومية وتعطيل البرلمانات ونشر السيارات المفخخة، أن تحرك ساكناً في هذه الشعوب بل حتى أن الحروب الأهلية الطاحنة عجزت عن أن توحدهم وتجعل منهم شعوبا مواطنين لا شعوب طوائف!

ولهذا فإن الدولة التونسية التي هوجمت على أساس معاداتها للإسلام، وذوبانها في الغرب، وما إلى ذلك من أفكار خاطئة، بينت حداثتها العلمانية أن نضالات السابقين التنويريين والتقدميين لم تذهب هباء، وأن الشعب موحد، ووحدته العظيمة هي التي أتاحت له أن يكون قادراً على الحركة التاريخية، ولم تغير حداثته وعلمانيته إيمانه بالإسلام.

على الرغم من هيمنة الرئيس السابق فلم يعن ذلك فساد الدولة الكلي، ولا أن العديد من الموظفين الكبار لم يحافظوا على نظافتهم السياسية. ويكفي أن رئيس الوزراء في عهد الرئيس السابق هو الذي يتولى تجميع القوى السياسية لتشكيل جبهة وطنية لتقود الانتخابات والمؤسسات فيما بعد.

لم تحطم الدولة وأجهزتها، وبطبيعة الحال كانت هناك قوى فوضوية وشعبية حادة، وهذه ظهرت نتيجة دخول الكثير من العامة في الأحداث، وتعبيرهم عن غضبهم ومشكلاتهم وقفزهم لاستثمار الأحداث لمصلحتهم.

لكن تاريخاً من الحداثة والمؤسسات ووحدة الشعب الفكرية السياسية، باعتبارهم مواطنين، ينتمون إلى أحزاب وليس إلى مذاهب وقوميات متصارعة، جعل المناطق كافة لا تحول خروجها للشارع خروجاً عن الوطن، ولنصرة الطائفة وتمزيقاً للخريطة الوطنية.
لقد حاول بعض الأصوات الدينية جر التونسيين إلى سيناريوهات الطوائف وخرابها ولكنها باءت هذه الأصوات بفشل ذريع، رغم كافة الإمكانيات الكبيرة التي سربت خلال العاصفة.

كما أن مدنيةَ النظام وعدم عسكريته كانت عاملاً آخر لهذا الانفضاض السريع المفيد العظيم، فالجيش رفض التدخل وضرب الجمهور، وحافظ على حياده السياسي التاريخي، ولم يطلق طلقة واحدة ضد جمهور الثائرين، ولكنه تدخل في التسوية السياسية وأيدها وفرض النظام لها، وطارد اللصوص والمخربين.

عدم عسكرية النظام هي من الجوانب التي كرسها النظام التونسي الديمقراطي العلماني خلال عقود طويلة، فبنى حياة سياسية مدنية تحديثية، شابها العديد من الأخطاء والنواقص لكنها كانت نموذجية للمحيط العربي خاصة.

ومن هنا كانت تجربة الانتفاضة ثرة بقوتها وبعقلانيتها، وبعدم إيغالها في الخراب، وفي التمزيق السياسي، وعادت الملايين للبيوت والأعمال وكأن شيئاً لم يكن، لكن تكون شيء عظيم، وتأصيل شديد للقانون ولعدم الخروج عليه من قبل السلطات والجمهور، ولتأسيس حلقة أخرى من حلقات تطور الديمقراطية، فهي لا تتوقف عن التطور، وفي كل حقبة تنشأ تحولات جديدة وإنجازات وتظهر أخطاء مختلفة كذلك، والأفضل دائماً أن تحل هذه الأخطاء عبر المؤسسات القادرة على الإصلاح حقاً.

ولهذا فإن ظهور هذه المستويات المهمة في بعض دول شمال افريقيا العربية هي من مقاربة الحداثة، ومن صعود المصلحين والقادة الكبار في هذه المقاربة من دون الخروج عن البنى العربية الإسلامية.

وينبغي لقوى المشرق السياسي الغارقة في ماضيها المحافظ المفتت للصفوف أن تعي هي هذا الدرس قبل غيرها.

أخبار الخليج 21 يناير 2011
 
 

اقرأ المزيد

الدولة كمُصحح للفوارق


ليس بعيداً عن التحركات المطلبية والمعيشية في بعض بلداننا العربية، تجدر الإشارة إلى التوجهات التي يُعلن عنها في بعض الدول بين الآونة والأخرى، لرفع الدعم الحكومي عن المحروقات وسواها من سلع ضرورية، وغالباً ما تثير مثل هذه التوجهات جدلاً واسعاً، بين رفض شعبي واسع، مفهوم ومبرر لها، وبين تبريرات أو تسويغات “اقتصادية” لهذا التوجه، عنوانه إعادة توجيه الدعم، حتى لا تتحول الدولة إلى بقرة حلوب تقدم من المال العام دعماً لمن هم ليسوا في حاجة إليه .
 
لا يمكن النظر إلى مسألة رفع الدعم هذه بمعزل عن فلسفة اقتصادية رائجة، على المستوى العالمي، تريد أن “تُحرر” الدولة من الالتزامات الاجتماعية الملقاة على عاتقها تجاه المجتمع، وخاصة تجاه الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل.
 
وحان الوقت لمراجعة الموقف المتطرف الذي أخضع الدولة، للنقد الذي بلغ حد المطالبة بإقصاء دورها، أو في أحسن الحالات، الحد منه إلى أبعد مدى، عندما استشرت أطروحات فعالية اقتصاد السوق والمبادرة الفردية والدور السحري للخصخصة .
 
ورغم أن بيروقراطية الدولة وبطء أدائها كانا موضوعاً للتهكم والنقد والسخرية منذ زمن بعيد، لكننا عشنا وطراً قريباً ازدهرت فيه المطالبة بإبعاد الدولة عن دورها الموجِه كليةً.
 
والغريب أن الحديث لا يدور عن السطوة السياسية للدولة واختراقها للمجتمع المدني ومؤسساته، لا بل تغييب هذه المؤسسات ومصادرة أي دور مستقل لها، وإنما يتركز في الحقل الاقتصادي، وحول الخدمات الاجتماعية الضرورية التي تقدمها الدولة لأبنائها في حقول الرعاية الأساسية من تعليم وتطبيب وضمان اجتماعي وخدمات ثقافية وإعانات مختلفة .
 
ما يميز دعوات مناهضة دور الدولة في التنظير الراهن هو مصادرة مسؤولياتها كهيئة رعاية اجتماعية، في مقابل التأكيد على دورها النقيض لدور المجتمع الذي يفترض التعددية السياسية والاجتماعية، ويصبح بموازاة الدولة ضامناً للتطور الصحي للمجتمعات .
 
ربما وجب التفريق الواضح بين تلك المجالات التي يتعين على الدولة أن تفسح فيها المجال لدور أكبر للمبادرة الفردية، ولدور أكثر فعالية لمؤسسات المجتمع المدني وهيئاته وشخصياته، وبين تلك المجالات التي على الدولة أن تتمسك فيها بالدور المناط بها، ونعني بذلك مجالات الخدمة الاجتماعية، خاصة في الحقول الحيوية كالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والثقافية .
 
يجب إعادة الاعتبار لدور الدولة كمُصحح للفوارق الاجتماعية، وذات مسؤوليات تجاه قضايا مستجدة كالبيئة وإدارة الموارد الطبيعية، وكضامنٍ للتماسك الاجتماعي .

اقرأ المزيد