المنشور

شماعة علاوة الغلاء


قبل إنعقاد الدورة التشريعية للمجلس النيابي أطلقت الحكومة عدة بالونات سياسية كان أبرزها إعتماد الميزانية العامة دون تضمينها علاوة الغلاء وتوافق ذلك مع الدعوة لرفع الدعم عن المحروقات وإعادة هيكلة الدعم للسلع وكأن الحكومة كانت تخاطب المواطنين وتناشدهم شد الأحزمة لأزمة قادمة، فهناك عجز في الموازنة وإرتفاع في الدَيّن العام وإنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، والمعالجات المطروحة هو التقليل من إلتزامات الدولة والمصاريف الزائدة وعلى رأس القائمة دعم المحروقات وعلاوة الغلاء!! وموضوع التلويح بزيادة أسعار المحروقات قضية قديمة تـُعيد الدولة أنشودتها من جديد وإن جاءت هذه المرة بصورة ممكيجة وتحت عنوان هيكلة الدعم ولا أحد يعلم إن كانت تلك الهيكلة تعني أمراً آخر غير وقف دعم الدولة للسلع الأساسية وأن تلك الهيكلة عندما تمس قطاعاً بعينه وترتفع لديه الكلفة لن يجر ذلك خلفه إرتفاعاً في رغيف الخبز على أقل تقدير…. ليمتد الأمر كالنار في الهشيم وترتفع الأسعار منفلتة في كل الخدمات والقطاعات وتذهب العصا السحرية لعلاوة الغلاء أدراج الريح لأنه من الواضح اليوم أن نية هيكلة الدعم غامضة وغير مفصوح عنها أو عن أبعادها وحدودها وآليتها وكل ما كشفت عنه مجريات الأمور بأن الحكومة في نقاشها مع النواب الأفاضل “اللجنة المالية” لإعتماد الميزانية لعامي 2011/2012 جعلت من علاوة الغلاء كبش الفداء في حين هي تمس ألوف مؤلفة من بسطاء وفقراء شعبنا وبدأت تساوم نواب المجلس النيابي بين مطرقة الرفض والقبول فأما قبول هيكلة الدعم وسياسة شد الحزام القادمة أو رفض إعتماد علاوة الغلاء وشطبها من الميزانية، ونوابنا الأفاضل الذين يستجدون علاوة الغلاء لا حول ولا قوة لهم سوى الرضوخ لمنحة الغلاء التي تستر عورتهم أمام ناخبيهم…!! وهزالة أداؤهم الرقابي والتشريعي وهم اليوم على مرأى من تقرير الرقابة المالية المليء بخزائن الفساد وهدر المال العام وفي مواجهة حقيقية مع ميزانية ستـُعتمد وستـُقرر وسترسم مستقبل الوضع المعيشي للمواطنين وقضاياهم العالقة وبخاصة قضية الإسكان إذا ما علمنا بأن هناك طلبات إسكانية تعود لأعوام التسعينات ولازالت تراوح في مكانها ولدينا أكثر من 9 آلاف أسرة تعيش تحت خط الفقر على ذمة معونات وزارة التنمية، ناهيك عن الأسر المتوسطة ودون المتوسطة والتي تبلغ 47 ألف أسرة. وغير خافي على أحد أنه بعام 2004 تبنى أعضاء مجلس الشورى مهمة تحديد خط الفقر لوضع إستراتيجية في مواجهته وتم إعتماد خط الفقر بحده الأدنى بدخل شهري يقارب 600 دينار وإحصائيات وزارة العمل الآن ولعام 2010 تـُشير على أن أجور البحرينيين في القطاع الخاص متوسطها بلغ 592 ولو سلمنا جدلاً بهذا المتوسط فهو لازال أقل من تقدير خط الفقر المعتمد لعام 2004 ، وهذا ما على حكومتنا الرشيدة أن تدركه وعلى نوابنا الأفاضل أن يتوصلوا إليه فبعيداً عن لغة الأرقام والإحصائيات فعلاوة الغلاء لم تأتي عبثاً أو مِنـّة حتى تكون شماعة تـُعلق عليها منجزات النواب أو عجز الموازنة لدى الحكومة وتتحول إلى الكـُرة التي يتم المساومة عليها والتقاذف بها تارة في ملعب الحكومة وأخرى النواب أمام واقع يؤكد أن هناك إرتفاع في كلفة المعيشة وغياب للحد الأدنى للأجور ويعيش المواطنون تحت وطأة أزمة إسكانية طاحنة ومستحكمة ولا يمكن حلها بما رُصد لها في الميزانية العامة من أموال، بمقابل هذا الدولة تشكو من شح الإمكانيات وإختلال الموازين وتدعو لإعادة هيكلة الدعم ولسياسات تقشفية، وقد لا يختلف إثنان على ذلك إن كانت تلك الهيكلة ستصب في مصلحة الوطن والمواطن وفي بناء إحتياطي المستقبل لأجيال الشباب والحفاظ على المال العام، ولكننا نشك في صدقية تلك الدعوات وجديتها كلما طلت علينا تقارير الرقابة المالية التي تـُشير إلى فساد أجهزة الدولة وعلى أن من بين كواليسها وقنواتها الرسمية يتم هدر المال العام وإستنزافه وحتى يومنا هذا لم نرى بوادر وقف هذا الفساد وبؤرة أو محاسبة حقيقية للعابثين بالمال العام وضمن إستراتيجية وطنية لوقف نزيفه على أيدي المتنفذين، وكل ما رأيناه ونراه اليوم هو التفتيش عن حلول في جيوب الفقراء ومسكنات علاوة الغلاء والمساومات العقيمة على تحميل المواطنين المزيد من الأعباء المعيشية وتغريمهم ثمن العجز في الموازنة العامة بمقترحات وحلول ستكون تداعياتها المزيد من حال إفقارهم وضيق عيشهم.
 

اقرأ المزيد

وعـود الحـاوي


من الشخصيات الكلاسيكية في الأفلام المصرية القديمة شخصية الحاوي الذي يتموضع في أطراف الأحياء الشعبية ويصدح ( بص شوف “خرز البقر” بيعمل ايه ) مروجاً لقناني زيتً وعشبً ممزوجة بالوعود والوهم والأماني.. تقصدهُ المرأة باكيةً تأخر الإنجاب فيصف لها ” بوشنفاف” الذي سيفك عوقها، ويقصده درويش شاكياً مشاكله المعوية فيعطيه الزيت ذاته كما ويصفه – أيضاً- لمن تريد فكّ السحر ومن يزعجها تساقط الشعر..!!  بضاعة هذا الحاوي لا تكسّد، وتحظى برّواج سيما بين الريفيين البسطاء الذين يغرهم صفصف الكلم.. وعادةً مالا يطيل الحاوي البقاء في حي واحد طويلاً فيرتّحل من زقاق لآخر حاملاً في قنانيه وعوده التي لا يفيها.. فمكونات خلطته التي يصف ويتّواصف فيها تُكذّبه مرّة بعد مرة وتصدق معه – صدفةً- مرة.. وتبقى النتيجة هي البرهان لا وعود الحاوي ولا أماني الفلاحين..

****
قبل أن ينتصف العام 2005 أُطلق مجلس التنمية مشروع إصلاح سوق العمل ليفرض ضرائب على العمالة الوافدة يتكبدها القطاع التجاري. يومها قيل لمن تذمر ” كله على شأنكم، ورأسكم الغالي على شأنكم، سترتفع كلفة العمالة الأجنبية الرخيصة وسيصبح المواطن هو الخيار المفضل”.. بحت أصواتنا – حرفيا- عندها ونحن نقول أن إصلاح السوق لا يكون بالرسوم، وأن إجراءات كهذه لن تكون فاعلةً في المشهد الحالي فقيل لنا أن ” تنافسية المواطن ستزيد وسترتفع الأجور وسترون”.. قلنا لهم بملء الفم أن رفع كلفة الوظائف الهامشية ، التي لا يريدها البحرينيون أساساً، ستضرّ ولن تنفع ومن الواجب التركيز على الوظائف المجزية فقط  أما اعتبار الضرائب ” دواء لكل داء” فسيخلق وضعاً أكثر اختلالا وتعقيداً من سابقه.. فأخذوا يشيعون بأن من يحارب المشروع وأقتبس ” يفكر في مصالح شخصية ولا يملك مسئولية اجتماعية” فقلنا لهم أن المستهلك ، والمستهلك وحده، من سيتحمل فاتورة تلك الضرائب فقيل لنا.. أننا لا نفهم !!

قريباً سيتم المشروع عامه السادس، وهاهي الأرقام المصرح بها رسمياً تنطقُ عن نفسها :
حقق الوجود الأجنبي قفزات غير مسبوقة وشهدت الفترة من 31 مارس 2008 وحتى 31 مارس 2009 أعلى مستوى توظيف للعمالة الأجنبية بتوظيف 71 ألف عامل أجنبي جديد.. وقد ذهب 81% من الوظائف للأجانب وواصلت الوتيرة ارتفاعها في الربع الأول من العام 2010 بذهاب 94 % من الإجمالي الكلي للوظائف البالغ 7970 للأجانب متخطيا نسبة العام الماضي.·   98% من الوظائف ذات الأجور العالية ” التي تتجاوز الألف دينار” ذهبت للأجانب.. ليتقلص نصيب المواطنين من 21%  لـ2 % خلال عام فقط !! ·  البحرنة تراجعت لمستوياتها الدنيا بانخفاضها لما دون الحد الأدنى لتصل لـ23.9% من مجموع العمالة في البلاد.

فأي صفعة مدوية أكبر من هذه نحتاج لندرك أننا نسير في الاتجاه الخاطئ ؟!

وحدهم الأجانب من استفادوا من هذا المشروع الفّذ.. على الأرض كلكم يلاحظ أن عددهم زاد ومستوياتهم المادية تحسنت.. تراهم في سيارات جديدة – لا كسواق- بل كملاك ولا تكاد عين فاحصةً تغفل كثافة تواجدهم في الأماكن الترفيهية والمطاعم الفاخرة مقارنة بسنوات قليلة مضت.. في المقابل سرحت بنوكٌ وشركات حكومية وخاصة البحرينيين بالجملة واستبدلتهم بأجانب على مرأى ومسمع الجميع ولم يستطع أحد إيقاف مسلسل اختطاف الوظائف المجزية من المواطنين ، فماداموا قادرين على انتزاع وظائف سواقين وبائعي تجزئة ونجارين ومقدمي أطعمه من أرباب العمل فما المشكلة دامت الوظائف متاحة ! ودامت الشركات تدفع 10 دنانير كرسوم عن مدير يتقاضى 4 آلاف دينار ومثلها عن عامل يتقاضى 80 دينار ! ما المشكلة إن كان الأجنبي سيكون مديراً والبحريني هو موظف الاستقبال ؟ في ميزان الحاوي كل شيء ” ماشي” !!
 
****

مشروع إصلاح سوق العمل مُني حتى اليوم بخيبات لا تحصى ولم يقترب من أهدافه بل جرّ السوق لركود غريب وصار مصداقاً للمثل الشعبي القائل ” ما رضت برجلها ولا خذت سيد علي” فهم لم ينفعوا المواطن العادي وضربوا التاجر الصغير في مقتل وكلنا يقرأ عن احتجاجات التجار واعتصاماتهم المتكررة التي كان آخرها أمس الأول عندما فرقت قوات الأمن مجموعة من أصحاب الأعمال لجأوا لبيع قناني الماء أمام مؤتمر تمكين رجال الأعمال تعبيراً عن تضررهم من الرسوم والضرائب وبالطبع لا يسمع لهم أحد وكأنهم – وعائلاتهم- ليسوا مواطنين يستحقون أن ينصفوا..!

لا تأخذكم العزة بالإثم واعترفوا بالخلل لتصلحوه. ثلث سكان البحرين هم دون الـ15 عاماً وقريباً سيدخلون سوق عمل لا يريد الواحد فيه أن يكون تاجرا ولا موظفاً. أصلحوا مشروع إصلاح سوق العمل – نقول- ولا عيب في أن يعيد المرء النظر في تجاربه ولكن العيب أن يستمر.. وهو يرى أن عربته قد حادت وخرجت عن مسارها !!
والله من وراء القصد.
 
موقع لميس ضيف 12 يناير 2011

اقرأ المزيد

رأسمالية متخلفة


الأحداث الساخنة في بعض الدول العربية ونزول العمال للدفاع عن معيشتهم وسط الغلاء ورفع الأسعار بطرق حكومية متشنجة، يوضح اللحظة الاجتماعية الحرجة التي يعيشها بعض الأنظمة العربية في نموها الاقتصادي.

لقد عُرفت هذه الدول بالاعتدال والتطور الاجتماعي وتحقيق بعض الحريات الديمقراطية المهمة، وأُقيمت على أسس سيطرة حكومية على إنتاج المواد الخام حيث تقوم الشركات العامة بالسيطرة على إنتاج هذه المواد وبيعها للأسواق الخارجية.

وقد برزتْ في العديد من الدول المشكلات المتفاقمة التي تنتج عن سيطرة إدارات هذه الشركات الحكومية على بيع المواد، حيث تقبع الأسواق بعيداً عن متابعة الجمهور وعن الرقابة، ويساير ذلك نظام ديمقراطي محدود، لا يستطيع أن يوسع شفافيته، ويتابع ويكشف الأرباح ويقوم بتوزيعها وتحديد علاقتها بالدخل الوطني العام.

نمطٌ رأسمالي حكومي كان ضرورياً في فترةٍ وأقام القواعد الاقتصادية الوطنية، لكنه مثقل بالبيروقراطية والفساد ومن الصعب الوصول إلى أعماقه، كما أن الرأسمالية الخاصة مُبعدة عن إنتاج المواد الكبرى، وممثلوها السياسيون في البرلمانات والصحافة لا يتكلمون في مثل هذه القضايا الحساسة.

ومن يتحمل كلفة معيشة البيروقراطية العالية التي لا تريد أن تتنازل عن رفاهيتها العالية؟

الحكومات تتداخل مع هذه الظاهرات وتتقاطع، أجزاءٌ منها تقيم علاقات مع هذه البيروقراطية الاقتصادية وأجزاءٌ تنتقدُ وتوسعُ الرقابة.

الحيرة داخل هذه الحكومات والصراعات تطرح خيارات عديدة من دون ظهور نظام اقتصادي سياسي متكامل، والرأسمالية الحرة الديمقراطية الكاملة ضرائبها كثيرة وطرقها غير سالكة.

وفي مقابل تضعضع نموذج الرأسمالية الحكومية الواسعة وشبه المطلقة تُطرح خياراتٌ أغلبها حاد، كالعودةِ للاشتراكية، وهدم الأنظمة الاستغلالية، وغير ذلك من سيناريوهات رهيبة لفظية زاعقة.

في بعض البلدان العربية التي واجهت تمردات الفقراء فإن رأسماليات إنتاج المواد الخام القائمة على بروليتاريا معوزة ومتخلفة علمياً، تعبيرٌ عن نظامِ إنتاج للموادِ الخام لم يستطع أن يتطور، وينتقلَ لنظامِ إنتاجٍ متطور.

مواد خامٌ منتجةٌ بعمالةٍ ذات عمل غير مركب، أي بسيط، وتُرسلُ لأسواقٍ متقلبةِ الأسعار، متدنيةٍ لها بشكلٍ مستمر.

وسلعٌ مجلوبةٌ من الخارج نتاجُ عملٍ مركبٍ متطورٍ ذات أسعار مرتفعة بشكلٍ دائم كذلك.
والهياكلُ الاقتصادية – السياسية – التعليمية- الاجتماعية تحافظُ على هذه المبادلات الضعيفة وتنخرُ الجانبين لصالحها، تنخرُ الموادَ المُرسلة المُباعة، وتنخرُ المواد القادمة المُشتراة، فتزدهر من الجانبين، بينما القوة العاملة تعاني إنتاج المواد الوطنية الرخيصة وشراء المواد الأجنبية الغالية!

البروليتاريا الفقيرة الريفية المتخلفة ذات الوعي الديني الموجودة عادة في أطراف البلدان، أو في الأحياء الفقيرة الرثة وسط المدن، تنتقلُ ببساطةٍ للفوضى في أي حادثة وطنية فردية أو اجتماعية مأساوية، وانتقالها للفوضى دليل على ضعف وعيها النقابي، ودع عنك وعيها السياسي، فهي خلال تلك المبادلات الاقتصادية -الاجتماعية الطويلة الزمن، لم تكن تتابع، ولم تكن تطور أدوات وعيها، ومستويات تقنياتها.

يُفترض أن تتوجه عملياتُ الإصلاح لتغيير طابع المبادلات وتطويرها، بالابتعاد عن التركيز في إنتاج المواد الخام، والانتقال للتقنيات الحديثة وتنويع مصادر الإنتاج، وعدم الإخلال بتطور القوى المنتجة البشرية من حيث نصيبها من الفوائض الاقتصادية ومن إعادة مستوى عيشها وتعليم أجيالها، وتطوير قنوات الاتصال مع الجمهور المنتج، وأدوات تعبيره وإيصال صوته.

ضرورة التغيير الديمقراطي على مستوى الأجهزة والصناعة، وعلى مستوى تغيير وعي الجمهور المتشبث بالماضي والكسل الاجتماعي وعدم القراءة وعدم التحديث.
 
أخبار الخليج 12 يناير 2011
 

اقرأ المزيد

السـودان بـدون جنــوب


يمكن مقاربة انفصال جنوب السودان عن شماله من أكثر من وجه، فالتبسيط هنا سيكون آفة الآفات.
بدايةً ليس بوسع أحد أن يرحب بمنطق الانفصال، فالكيانات الكبرى تظل هي الأكثر مهابة، خاصة في عالم اليوم الذي توحده آليات العولمة، وتجعله أكثر تداخلاً وتشابكاً، والكيان الصغير مغرياً بالاستهداف أكثر من الكبير.

في الحال العربي الراهن ثمة اعتبارات أخرى أكثر جدية، فالفوضى الخلاقة التي بشرت بها الإدارة الأمريكية السابقة لم تعد نهجاً أمريكياً فحسب، وإنما هي نهج تسيرعلى خطاه قوى أخرى، لا يمكن أن تكون بريئة من الشبهات المثارة حولها، ترمي للدفع بالمنطقة في أتون نزاعات طائفية وعرقية تهدد الموزاييك البشري متعدد الانتماءات في منطقتنا، والذي إليه يعود الفضل في الكثير من أوجه الحيوية التي ميزت مجتمعاتنا العربية، فالتعدد والتنوع مبعث الديناميكية، والأحادية قرينة الجمود.

لا يمكن النظر لاستهداف المسيحيين في العراق ومن ثم في مصر بعيداً عن هذا السياق، فالمطلوب إفراغ الشرق العربي من أحد أهم مكوناته، عبر حمل المسيحيين على الهجرة من بلدانهم، ويمكن لنا أن نفترض سيناريوهاً مفزعاً لا يقل خطورة، هو حملهم على المطالبة بكيانات خاصة بهم تضمن لهم الحماية.
هل هي المصادفة وحدها التي جعلت من الجنوب السوداني الذاهب إلى الانفصال عن شماله ليكون كياناً مستقلاً، هو كيان مسيحي؟

هذا سؤال يجب التوقف أمامه، لا للانسياق وراء غواية نظرية المؤامرة، وهو الأمر الأسهل هاهنا لمن يريد ألا يرى الأوجه المتعددة لهذه المسألة، وإنما للتوقف جدياً أمام مسؤولية الثقافة السياسية السائدة عربياً في التعاطي مع ملفات بهذه الخطورة.

لم يذهب جنوبيو السودان لخيار الانفصال، حباً في الانفصال، رغم معرفتنا بأن بعض قياداتهم يروق لها ذلك، ولكنهم ذهبوا إلى هذا الخيار تحت ضغط حروب فُرضت عليهم ممن يقررون الأمور في العاصمة السودانية، وتحت ضغط سياسة معلنة بتطبيق الشريعة الإسلامية في بلد لا يقطنه المسلمون وحدهم، دون التبصر في خطورة نهج كهذا لا يرضاه الإسلام نفسه.

ليس هذا بعيداً عن ثقافة تتغذى من خطب الجوامع وكتابات بعض من يصفون أنفسهم بالدعاة في التحريض على النصارى، مستخفين بحقيقة أن هذا التحريض يشمل المسيحيين الموجودين بين ظهرانينا: في العراق وسوريا ومصر ولبنان والسودان وفلسطين وغيرها من بلاد العرب، مع ما ينطوي عليه ذلك من تجاهل حقيقة أن هؤلاء المسيحيين لا يقلون عروبة وانتماء لبلدانهم وتاريخها وثقافتها عن أكثر دعاة العروبة تعصباً، بل للكثير من الوجوه المسيحية يعود فضل كبير في التأسيس لمشاريع النهضة الفكرية والسياسية العربية وفي قيادة التيارات السياسية المناضلة من أجل الاستقلال الوطني والوحدة العربية.

لا يصح النظر إلى انفصال جنوب السودان عن شماله، رغم مرارة ذلك في النفوس، بمعزلٍ عن مسؤولية من تعاقبوا على الحكم في الخرطوم في الدفع بالجنوبيين نحو هذا الخيار، خاصة حين يقرن مصيرالأوطان بمصيرالحكام، فيصبح الحاكم مستعداً لمقايضة بقائه في الحكم بالتضحية بمصيرالوطن، والهروب من حل القضايا الكبرى للأوطان عبر الهش بالعصا على الدهماء المجلوبة للساحات قسراً.

اقرأ المزيد

في مجلس الدوي…حوارات ومطالب


مرة أخرى أجدني مسرورا بطبيعة ونوعية الحوارات التي دارت مطلع الأسبوع الجاري في ندوة مجلس الدوي بالمحرق حيث دعيت بمعية الأخ النائب الدكتور جاسم حسين للحديث حول تقرير ديوان الرقابة الأخير، فقد سبق لي ولمرات عديدة خلال السنوات العشر الأخيرة أن اقمت ندوات بهذا المجلس العامر الذي فرض نفسه بجدارة كمعلم من معالم المحرق ومقياس لمؤشر وحيوية أهل المحرق وتفاعلهم مع قضايا الشأن العام انطلاقا من حبهم لوطنهم ومسؤوليتهم تجاه قضاياه.
 
في مجالس المحرق يصبح الحديث له طعم خاص وتصبح جرأة ملامسة القضايا الوطنية خاصة عندما تقترن بمسؤولية ووعي، محل احترام من قبل الجميع حيث توجد هناك كل أطياف المجتمع في فضاء يعيدنا دائما إلى حيث كان الوطن نسيجا مؤتلفا وموحدا.

في ندوة تقرير ديوان الرقابة المالية.. ماذا بعد؟ كان واضحا حجم وردة فعل الحضور بكل تلاوينهم تجاه ما عرضه التقرير من قضايا فساد وتجاوزات ورشا وتلاعب بالمال العام، وكان سؤال ماذا بعد، حاضرا كما كان سؤال أين هي الحكومة من كل ما أفصحت عنه تلك التقارير منذ العام 2003 وحتى الآن؟! فبعد سبعة تقارير متخمة بالتجاوزات والفساد صدرت حتى الآن، يمكن القول ان هناك جهتين اثنتين باتتا محل مساءلة اولهما الحكومة بطبيعة الحال باعتبار كل تلك التجاوزات ومظاهر الفساد الموثقة بالأرقام يسأل عنها وزراء ووكلاء ومدراء كلهم دون استثناء وبحسب القانون يجب مساءلتهم واحدا بعد آخر على كل تلك التجاوزات، ومن ثم مجلس النواب باعتباره اهم جهة رقابية في البلد! الا أن سؤالا ظل يفرض نفسه على الحضور ونزولا عند فهم آليات عمل ديوان الرقابة وصولا لإعداد التقرير حيث ترسل التقارير الأولية للوزراء والمسؤولين لتنقيحها قبل نشرها وفي هذه الحالة يكون المسؤول والوزير والحكومة كذلك على علم بتلك المعطيات التي وثقت في نهاية المطاف في تقرير رفعت منه نسخ ثلاث لجلالة الملك ولسمو رئيس الوزراء ولمجلس النواب، والسؤال مفاده: إذا كان الحال كذلك والتجاوزات وتكرارها هي بهذا الحجم والإهمال بهذا القدر ويتم وبصورة مضاعفة عاما بعد آخر، فلماذا لم نسمع عن إقالات لمسؤولين ولماذا يعاد تعيين أولئك مرة بعد أخرى؟! ماذا يعني ذلك وهو الأمر سيان مع التقرير وبدونه؟!

حضور نائبين من المجلس الحالي ومن أكبر كتلتين بالمجلس احدهما متحدث والآخر متداخل ربما ساعد كثيرا في فهم ما ذهبت اليه من خلال متابعاتي للعمل النيابي في الجانب الرقابي بشكل عام وبالنسبة لتقارير ديوان الرقابة بشكل خاص، حيث ذكرت في الندوة كما ذكرت سابقا عبر متابعاتي وكتاباتي، ان تراخي مجلس النواب في الفصل التشريعي الثاني تحديدا ومساومات بعض الكتل في الفصلين المنصرمين بشكل عام وابتعادهم عن مجرد التأصيل لمحاسبة حقيقية وجادة انطلاقا من معطيات التقارير الثلاثة التي غيبت في الأدراج لمدة اربع سنوات وطرحت جميعها دفعة واحدة للمناقشة في جلسة ماراثونية اعطت مؤشرا سلبيا للحكومة بعدم الجدية في المحاسبة من قبل النواب في حين كان يمكن لتقارير الرقابة تلك بمعية الحسابات الختامية والموازنات العامة التي عرضت على المجلس ان تشكل حافزا للطرفين، الحكومة ومجلس النواب، للبدء في تأسيس نوع من المساءلة للوزارات والجهات الحكومية للتجاوب مع دور ديوان الرقابة المالية والإدارية في حماية المال العام، ولأن ذلك لم يحدث بكل أسف تجدنا كمجتمع مصدومين أشد صدمة بحجم التجاوزات والفساد في التقرير الأخير، ولأن المحاسبة لم تتم نجد ان هناك اكثر من 45% من الوزارات والجهات الحكومية لم تتجاوب مع دور ديوان الرقابة وان 32% من تلك الجهات تقدم معلومات مضللة للديوان.

وهكذا دواليك تجد ان ذات التجاوزات تتكرر ومنذ التقرير الأول حتى التقرير الحالي، حيث تتجاوز العديد من الوزارات قانون المناقصات وأبسط المعايير المحاسبية الدولية، أو لا توجد لديها حتى الآن إدارات للتدقيق الداخلي، والالتفاف على قانون الميزانية العامة بشأن الاعتمادات المرصودة أو بيع وإعادة تأجير الأصول، وعدم وجود سياسات استثمارية للمئات من الملايين، وعدم وجود هياكل إدارية قادرة على إدارة مشاريع بعشرات الملايين وغيرها الكثير.. أمثلة صارخة على عدم الاكتراث من قبل جهات حكومية كثيرة لم تستشعر المسؤولية وبات الأمر يتطلب اكثر من وقفة من لجان وزارية، ولسان حال الناس وحديثهم المباشر يقول متى سنرى من تطاولوا على المال العام وكسروا القوانين يقدمون للمساءلة أو تتم مساءلتهم.. وحتى لا تبقى التقارير ومواعيد صدورها مناسبة سنوية للطم وندب الحظ والقنوط.
في ختام الندوة أعترف انني اصبت بحالة اكتئاب جراء تقاذف النائبين الحاضرين للمسؤولية والتعويل على التعاون فيما بين كتلتيهما، وأخيرا وليس آخرا هو الهروب من تحمل المسؤولية وما ينم عن عدم وجود أولويات واضحة لدى بعض الكتل عندما أفصح زميلي النائب المتحدث عن عدم وجود وقت كاف لدى المجلس لمناقشة التقرير، خاصة وان المجلس كما ذكر لديه من المشاريع والمقترحات الكثير وأمامه الموازنة العامة والحساب الختامي.. حدث هذا وسط ذهول الحضور وردة فعلهم السريعــة.. فـــأي رسالة يوجهها المجلس الحالي للحكومة والرأي العام يا ترى؟
 

اقرأ المزيد

الرأسمالياتُ الحكومية العربية في طور الأزمة


تواجه الرأسمالياتُ الحكومية العربية حالات متعددة من الأزمات، وهي كلها تمثلُ حقبة مختلفة عن حقبة الازدهار.

حين كانت تونس في زمن بورقيبة بتعاونه الوثيق مع اتحاد العمال وكأنهم فرعان من شجرة الشعب الواحدة، كان ثمة انسجام وتوافق. وكذلك زمن أحمد بن بللا في الجزائر والطور الأول من حياة الرئيس بومدين، كانت الرأسمالية الحكومية في كل من البلدين في حالة توافق نسبي مع الجمهور.

وهكذا كانت الرأسماليات الحكومية العربية المتعددة في طور التأسيس، وانهمار فائض القيمة على الحكومات، ويلعبُ شكلُ التوزيع لفائض القيمة دوره في تحديد المسارات السياسية والاجتماعية لكل بلد.

وقد مضت البلدان العربية في مسارات عدة في هذا التوزيع، ويتجلى ذلك في طبيعة أملاك وثروات المسئولين أولاً، وطبيعة وأحجام ومستويات الرأسمالية الحكومية ثانياً، وكيفية نشوء الرأسماليات الخاصة المتنفذة في أثناء عمل الرأسماليات الحكومية وطبيعة الرأسمالية الخاصة المستقلة ودورها وأهميتها ثالثاً، ومعيشة وأجور العمال رابعاً.

عندما حاولَ أحمد بن بللا مشاركةَ العمال وجعل مرتبتهم في السلم الاجتماعي تقفز عن التراتبية الطبقية الرسمية المعتمدة من قبل البيروقراطية السياسية العسكرية حدثَ الانقلاب عليه.

عندما حاول بورقيبة ان يقوي البيروقراطية والرأسمالية الخاصة حدث الصراع بينه وبين اتحاد الشغل.
تجري الصراعات والأزمات وتُبنى الايديولوجيات وتتفاقمُ المشكلاتُ بسبب صراع هذه الأطراف الأربعة الرئيسية، أو هذه الحصص الاقتصادية القادمة المتصارعة على أنصبتها من الفيض المالي للإنتاج.

وكلما ظهرت أطرافٌ جديدةٌ احتدمتْ الأزمة. أو كلما ظهرت محاولات لتغيير التوزيع في هذا الفيض تفجر الخلاف.

إن العمال هم آخرُ القوى الاجتماعية في عمليات التوزيع الخاصة بالنظام الرأسمالي الحكومي، في البدء هم الذين ينتجون ويستخرجون الفيض الاقتصادي ثم يذهبُ الفيضُ للوزارات لتحددَ أقسامَه وطرائق توزيعه: رواتب المسئولين ومكافآتهم، وحصص الوزارات والشركات التابعة للدولة، والعلاقات الاقتصادية مع القطاع الخاص، ثم أجور العمال.
بغياب علاقة ديمقراطية تحددها المؤسساتُ المنتخبةُ يحدثُ التداخلُ والاضطرابُ في علاقاتِ هذه القوى الاجتماعية، أو هذه المراكز الكبرى للحياة السياسية الاجتماعية، أقسامٌ من الدولة من مختلف المستويات وبأحجام رأسمالية متنوعة تنشئ فروعاً للاقتصاد الخاص وتمولهُ عن طريق القطاع العام، وينقلب الاهتمام من القطاع العام للقطاع الخاص، ويحدث هذا التخثر في النمو، والإشكاليات المتعددة، حيث يجب ان يقود القطاع العام لا ان يُقاد. ولكن قيادته تتطلب مركزية الدولة وديمقراطيتها وقيادتها للعملية النهضوية لكافة أطراف الإنتاج.

في عمليات الاضطراب والاختلال التي تجري تتغير حصة العمال من الفيض الاقتصادي، وتزدادُ نقصاً بعوامل الاختلال وبعوامل خارجية إضافية، ومنها طبيعة المواد المنتجة وأسعارها في السوق.

في تعملق القطاعين العام والخاص تجري حسابات دقيقة بحيث ان تكون هذه العملقة قادرة على تطوير حياة الجزء الرابع من البناء الاقتصادي وهو العمال، وفي حال عدم وجود مثل هذه الحسابات الدقيقة فإن الشريك يدخلُ في حالات تمرد تبدأ من العقلانية إلى الجنون والفوضى.

ويُلاحظ ذلك في طبيعة الايديولوجيا الدينية كأحد المقاييس في عملية الانتقال هذه.
عندما تحدث علاقات ديمقراطية وعمليات تخطيط وحوارات بين القوى الأربع السابقة الذكر تسود العقلانية السياسية، لكن حين تفلت الأمور، وتتضخم أطراف على حساب أطراف أخرى، تصعد اللاعقلانية ويمكن مراقبتها في تبدل مزاج الجماهير من السلم نحو العنف: مثل كثرة الجرائم الشخصية وغيرها واللامبالاة الاجتماعية الواسعة، وصعود أطراف دينية تعبرُ عن تغيير القسمة والتوزيع الاقتصادي بطرائق ذاتية حادة وكأنها قادرة على تغيير قوانين الاقتصاد والسياسة بالسحر والدجل.

لكن هذه ليست سوى حالات ضرورية مؤقتة، بمعنى إنه في عملية التحول الشاقة التاريخية التي تجري من الرأسمالية الحكومية وهي شكل متخلف شرقي من التطور الاقتصادي السياسي، إلى الرأسمالية الحرة ذات القوانين الاقتصادية الناتجة من داخل البنية الاقتصادية، سوف تحدث صراعات وانهيارات وبناءات، بحيث ان البناء الاقتصادي الحكومي الهائل سيختفي أو تتلاشى أجزاء كبيرة منه، أو يُعادُ تشكيلهُ حسب ضرورات السوق والحاجات الشعبية.

ولهذا فإن القراءات المعمقة والحوارات بين قوى الإنتاج المختلفة وخاصة عبر المؤسسات المنتخبة ستكون لها نتائج فهم العملية الموضوعية وضبطها، وهي التي تجري بنا وضدنا، والخارجة أحيانا عدة عن الإرادات السياسية.

أخبار الخليج 11 يناير 2011

اقرأ المزيد

بنـك الرغبـة..


لن يفكروا أبداً، لن يتصبروا، إنما فقط سيحترقون بالرغبة». حسن الصباح. رواية آلموت.
ليست دوافع الغضب وحدها ما يتم استثماره عند الإنسان الديني، بل الرغبة أيضاً. فكما أن خطابات الغضب «نجد تجلياتها مؤخراً في أحداث العنف الديني في مصر»، تستثمر دوافع الغضب والاعتزاز والفخر والانتقام والحسد والغيرة وتوجهها وتستخدمها، كذلك يجري استثمار الرغبة.

الرغبة في ماذا؟

الرغبة في الجنة، في معانقة الحور العين، في أنهار الخمر، في القصور الخلابة والحدائق الغنّاء، في متع الحواس ولذات الجسد، في كل ما هو محرّم أو ممنوع. الأعمال الفدائية أو الانتحارية أو الإرهابية «باختلاف محمولات مسمياتها» التي تنشط عند جماعات إسلامية هنا وهناك، ترتكز أساساً على هذا البنك.
 
الرغبات البشرية الطبيعية التي يجري التعامل معها كمحظورات على الإنسان أن يتعالى فوقها، تستخدم نفسها للترغيب في تنفيذ تلك العمليات. لا يجري الحديث عن «الشهادة» إلا مقرونة برغبة معانقة الحور العين. خطابات الجهاد تجعل الشهادة «وسيلة» للوصول إلى الحور العين «الهدف»: «فما هي إلا لحظة واحدة وتعانق الحور العين». طرفة عين واحدة من شأنها أن تحول الحرام كلّه إلى مباح كلّه.

رواية «آلموت» لفلاديمير بارتول، واحدة من أروع الأعمال الأدبية التاريخية التي نشرت منذ العام 1937، لكنها اشتهرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. آلموت قلعة على جبل شاهق في خراسان بناها ملوك الديلم، استولى عليها عام 483هـ حسن بن الصبّاح، الزعيم الذي يجري وصفه بالداهية واشتهر بشيخ الجبل، ومنها بدأ دعوته الإسماعيلية الباطنية، وقدم نفسه نائباً للإمام المعصوم، وراح يدير عملياته التي طالت أكبر رجال الدولة السلجوقية عدوه الأول، وأرعبت الدولة العباسية. يعتقد أن حسن الصباح هو أول من أرسى أسس الفدائية.

خلال عشرين عاماً سيعمل حسن الصباح على تحويل «آلموت» ليس فقط إلى حصن حماية لا يخترق، بل إلى ما يشبه الجنة. في جانب مخفي من القلعة نكتشف حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة والقصور والجداول والأنهار والأودية التي تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، ونتعرف إلى فتيات صغيرات جميلات اشتراهن شيخ الجبل، وجعلهن يعشن كأميرات مدللات مدربات على الغناء والرقص والعزف والطاعة المطلقة لأوامره وحده. إنه بنك الرغبة. المكان الذي تستثمر فيه الرغبة وتدّخر لوقت معلوم.

وفي وجه القلعة الظاهر سيحرص ابن الصباح على اجتذاب الفتيان بين سن الثانية عشرة والعشرين، شرط أن لا يكون أي من هؤلاء الفتية قد ذاق الخمرة أو عرف النساء أو عاش أي متعة أو لذة من قبل. وسيوكل تدريبهم العسكري إلى يد قادة بارعين، ومعلمين يحفرون فيهم أصول المذهب واللغة والشعر والطاعة المطلقة له. لن يجد شيخ الجبل صعوبة في تحصيل فتية يقدمون أنفسهم بين يديه. الأتباع سيرسلون أبناءهم إلى القلعة إيماناً منهم بابن الصباح وأملاً في تحصيل الشهادة بين يديه.

سيشيع عن نفسه أن لديه مفتاح الجنة، وأنه قادر على أن ُيدخل الجنة من يشاء ساعة يشاء. بهذه الطريقة يتمكن من بسط نفوذه على أتباعه أكثر. «مكانة الناس في العالم تكون وفقاً لاستعدادهم إلى المعرفة. الأتباع كانت تطالب الأنبياء قديماً بمعجزات، وكان عليهم أن يقوموا بها إذا ما أرادوا المحافظة على نفوذهم. كلما انخفض وعي الجماعة كلما عظم حماسة من يحركها».

يقول ابن الصباح. النفوذ يحتاج إلى أتباع بسطاء مؤمنين، وبقدر ما يتمكن صاحب النفوذ من تحقيق رغبات الناس «طلب المعجزات رغبة»، يكون إيمانهم به.

دخول الجنة سيكون مقصورا على من يتم اختيارهم للقيام بمهمة خاصة تتطلب تضحية بالحياة. سيدخلهم جنته لمدة ليلة واحدة. وهناك ستجد حواسهم شهقتها الأولى، ستُسلب قلوبهم وتُسحر ألبابهم ولا يعودون إلا أجساداً تنتظر أمر سيدها بالموت ليعود بها إلى جنة الرغبة. «وإذا ما اقتنع فدائيونا لدى صحوتهم بأنهم ذهبوا فعلاً إلى الفردوس، فسوف يكونون قد ذهبوا فعلاً لأنه لا يوجد أي فرق بين الجنة الحقيقية والجنة المزيفة فحيثما نكون واعين لوجودنا، نكون قد وجدنا… لن يفكروا أبداً، لن يتصبروا، إنما فقط سيحترقون بالرغبة». الرغبة هي الحقيقة الوحيدة التي صاروا يؤمنون بها ويعيشون من أجل أن يبلغوها.

هكذا سيتمكن ابن الصباح عن طريق استثمار الرغبة، من إحكام تنظيمه الحديدي، وتقديم نماذج تلقي نفسها إلى الموت بسعادة ولهفة. عندما طلب منه بعض مبعوثو السلاجقة التنازل عن آلموت والرجوع عن دعوته. اكتفى بالرد أن استدعى اثنين ممن أذاقهم جنته. أمر أحدهم أن يُلقِ بنفسه من أعلى البرج إلى الأرض، فانطلق الفتى برغبة طافحة وجذل ظاهر وارتقى البرج وقذف بنفسه إلى الأرض فتقطع جسده ميتاً. ثم التفت إلى الآخر وسأله: ألديك خنجر؟ فأجاب: نعم، فقال له: اقتل نفسك، فانتزع الفتى خنجره وغرسه في عنقه هاشاً إليه وفار دمه ثم خر صريعا، عندها قال ابن الصباح للرسل بين يديه: أبلغوا من أرسلكم أن عندي من هؤلاء عشرين ألفا هذا مبلغ طاعتهم لي!!
 
الأيام 9 يناير 2011

اقرأ المزيد

أسئلة عن الشباب


ذات مرة قرأت لصحافية عربية شابة تسخر من الندوات التي تقام في العالم العربي تحت عناوين كبرى، ولكنها تتحاشى أن تمس عصب الأشياء والمشاغل الرئيسية التي تقلق المجتمع العربي.

وترى هذه الصحافية، مُحقة، أن الشبيبة العربية، من حيث هي معاناة وتطلعات، الغائب الأكبر عن هذه الندوات، فيما هي في الجوهر المحور الحقيقي للأزمة التي نعيشها وللحلول المتوخاة إذا كنا نريد أن نتحدث عن رؤية مستقبلية.

وقد اقترحت الكاتبة عددا من المحاور لما أسمته: «نقاط التفجير» في الموضوعات التي يجب أن تناقش. ومن هذه المحاور مثلا: «الشباب والهجرة، الشباب والبطالة، الشباب والفقر، الشباب والأسرة، الشباب والهوية، والشباب والزواج والحب، الشباب والخيارات الثقافية، الشباب والانتماء الوطني».

لو أردنا «بحرنة» هذه المحاور التي اقترحتها هذه الصحافية، أي أن ننظر إليها من زاوية أوضاع الشباب في بلدنا، لوجدنا أنها كلها، أو في أقل تقدير معظمها، تصلح لأن تكون عناوين لندوات وحلقات بحث ودراسات تمس المفاصل الرئيسية لقضايا الشباب الخليجي.

تلك المحاور كما لاحظنا تغطي أوجها اجتماعية – معيشية كتأثير البطالة والفقر مثلا على الشباب وعلى أمزجتهم وتكوينهم النفسي وطبيعة انخراطهم في الحياة أو المجتمع.

كما تغطي أوجها ثقافية – سياسية مركبة كموضوع الهوية والخيارات الثقافية ومسألة الانتماء الوطني.
وهذا العنوان الأخير، أي الانتماء الوطني، لا يمكن التعاطي معه تعاطيا رومانسيا أو عاطفيا.

فلكي نعمق لدى الشبيبة روح الانتماء للوطن يجب أن تبذل جهود كبرى تجعل هذه الشبيبة تشعر وتدرك أن الوطن معني بأمرها، وانه يقدم لها من الاهتمام ما هي في حاجة إليه، على شكل خدمات في التعليم والتدريب والتأهيل وتوفير فرص العمل والسكن للأسر الشابة التي تلج الحياة وسط ظروف معيشية معقدة.

الراصد لبواعث اليأس والإحباط لدى الشباب، لابد أن يُلاحظ غياب أو ضعف الخطط المدعومة من الحكومة لتفهم الخيارات الثقافية للشباب، التي يمكن أن نعزز من خلالها روح التسامح والتفتح الثقافي والفكري والبعد عن التعصب والتطرف بتجلياته المختلفة، وننمي روح الإبداع والابتكار بتشجيع المواهب الأدبية والفنية والفكرية.
في هذا السياق، أذكر أني قرأت منذ فترة تقريرا صحافيا عن الشباب الجزائريين الذين استفادوا من قانون الوئام المدني والعفو الرئاسي الذي صدر عن أعضاء الجماعات «الإسلامية « المسلحة.

كان تقريرا لافتا لأنه يتحدث عن الصعوبات التي يواجهها هؤلاء الشباب في صعوبة الاندماج من جديد في المجتمع في ظل انعدام فرص العمل والمتاعب المعيشية الجدية في البلاد.

هذا التقرير يلفت النظر ليس لأنه يكشف عن معاناة هؤلاء الشبان، وإنما في درجة أولى يوضح الظروف الاجتماعية الخانقة للشباب الحائر الباحث عن مستقبل وعن أجوبة على أسئلة كبرى تشغل باله وتقلق وجوده وتطلعه إلى حل ما يواجهه من مشاكل.

هذا التقرير مهم أيضا لأنه يسلط الضوء على معاناة الشباب إجمالا، لا في الجزائر وحدها وإنما في غيرها من البلدان حيث تحتاج الشبيبة إلى توفير فرص التعليم العالي والتدريب والعمل واكتساب معارف ومهارات جديدة.

اقرأ المزيد

مذاهب تتباين وتتكامل


ليست المذاهبُ هي التي أوجدت الواقع، الواقعُ هو الذي أوجد المذاهب.

في خروجِ العربِ المسلمين من الجزيرة العربية للعالمِ الفسيحِ واجهتْ إداراتِهم ونصوصَهم الدينيةَ أوضاعُ البلدانِ المختلفة التي دخلوا فيها.

كان الانقسامُ متأصلا في تلك البلدان المفتوحة بين البدو والحضر، وبين أهلِ الباديةِ وأهلِ الزراعة.
انقسامٌ تاريخي موضوعي صار له قرون، ناشئ من التكوين الاقتصادي وجغرافية الأرض ذات الأنهار المحدودة الكبرى وبين الصحارى الشاسعة.

فيضُ الثروة من جهة وشحها من جهة أخرى، زراعةٌ غنيةٌ وصحراء ضارية، ولّد التناقضَ الكبير في التاريخ.
فكانت المدنُ القليلةُ والقرى في مجابهةٍ دائمة مع أهلِ القفار، وحين جاءَ العربُ المسلمون كانوا أهلَ قفارٍ وصحارى، وواصلوا نموَّ الحضارةِ في شكلٍ لم يسبقْ له مثيل، أي إنتاج ديمقراطية شعبية لم تصمدْ طويلاً لتنامي الدكتاتوريات العريقة داخلهم وخارجهم، أي ظهر استبدادُهم الداخلي عبر الاحتكاك بشموليات عريقة في الشمال والبلدان المفتوحة، ومن صعود القوى الاجتماعية التي ارتفعتْ مع مداخيل الفتوح.

كان زوالُ النظامِ المساواتي السياسي الوامض عودةً لتقاليد الشرق الاستبدادي القديم، وكان هذا لا بد أن يظهرَ في أفكارِهم وثقافتهم، بل في صميم تفسيرهم للدين.

حين ورثوا الحضارات القديمة، وأفكارَها وبعضَ شعائرِها، كيفوها بمصالحهم وتاريخهم الخاص.
الانقسام التاريخي الطويل بين أهل البادية وأهل الزراعة، صار انقساماً بين أهل الحكم وأهل الفلح، بين القبائل المتسيدة وجماعات الأرض.

وبتعابير القدماء إنهم انقسموا بين أهل بيوت المدر وأهل بيوت الشعر، بين أهل المدن وأهل القرى.
وقد تصور كل مذهبٍ أنه الحق، والمذاهب الأخرى هي غير الحق، من دون أن يدركوا أنهم خريطةٌ ملونةٌ للحياة الاجتماعية وتعددها، وأنهم فسيفساءُ العرب والمسلمين واخوتهم من الأديان الأخرى كذلك في ظروف متضادة متحولة أبداً.

فهم يتصارعون بشدة في زمن ويتوحدون بقوة في زمن آخر، ليس ذلك يجري سوى لأنهم جماعات متداخلة متعاضدة متناقضة حيناً في بنية اجتماعية واحدة سائرة للنمو أبداً عبر صراعاتها وعبر تنامي وحدتها وعملها.

حين ينمو في العالم العربي مذهبُ أهلِ المدن والسيطرة والتحكم يصيرُ ذلك توحيداً وترابطاً لوطن مهدد أو متوجه للفتوح، وهنا لا تنفع مسالمةُ أهلِ الزراعة، وطرق الصوفية، ومن ضربك على خدك الإيمن أدرْ له خدَك الأيسر، بل تغدو القوةُ وسيلةً للتوحد، وتشكيل النظام العربي، ولكن القوة المتجبرة والاستغلال الفظ لجمهورِ الزراعةِ والحرف والتجار، تغدو مُفكِّكةً للبلد الواحد، والملة المُجمِعة، والمذهبُ المعارضُ يغذي عقلانيةَ المذهبِ الحاكم، بإعادتهِ للصوابِ وعدم التجبر وفهم آلام الناس.

وحين يجمحُ المذهبُ المعارضُ ويصيرُ هدماً وتفكيكاً يحتاجُ إلى من يعيدهُ للصواب، لأن خسائرَ تمردهِ تصيرُ أفدحُ من الظلم، وهكذا تجري وحدةُ الأضدادِ الدينية والاجتماعية، وما يربحهُ جيلٌ يخسرهُ جيلٌ آخر، وما تعانيه أجيالٌ تصلحهُ أجيالٌ أخرى.

والوعي المحدودُ لأجيالٍ غارقةٍ في الغرور الاجتماعي، والقراءة الحَرفية للنصوصِ الدينية، مع العصا الضاربة على أي قراءات أخرى، وأي حركة مستقلة من الأعضاء الباحثة عن الحياة والحرية العضوية، يصيرُ وعياً غامضاً ضائعاً في الوجود، مُلتبساً، لأنه وليد نشأة الحرية الضعيفة في الاستبداد الكبير العنيف.

المذهبُ المسيطر المتحكم والمذهب المعارض، وتصوراتُ أهلِ المدن وأهل البادية، أهل الحكم وأهل الزراعة، تعبرُ عن زمن اجتماعي تاريخي ذي حقب وألوان، والزمن الاجتماعي يتطور، ولن تبقى أبداً التقسيماتُ القديمة، وثنائية الإنتاج الزراعي والإنتاج الحرفي، وأهل الثغور وأهل الريف، بل سيظهرُ الإنتاجُ الصناعي التوحيدي، حينئذ سيحتاجُ أهلُ الدين الواحد إلى بعضهم بعضا، ويكتشفون وحدتَهم في انقسامهم، وسيرون أن الدولة الدينية المذهبية قاصرة عن لم شملهم، وأنهم أكبر من الفسيفساء الصغيرة المفرقة.

ليس الواقع هو الذي يغيرُ المذاهبَ فقط بل ان المذاهبَ تغيرُ الواقعَ كذلك.
 
أخبار الخليج 9 يناير 2011

اقرأ المزيد

الفئات الهامشية (2/3)


أشباح تجوب أوروبا
 
لم تكن أوروبا المعاصرة والجميلة والنظيفة في تلك المرحلة التي انبثق فيها هذا المصطلح النابع من حقيقة تلك الإفرازات الاجتماعية، حيث تعرف علم الاجتماع على تلك الشريحة ووصفها لأول مرة من كتابات كارل ماركس، وباتت تستخدم في علم الاجتماع بالرغم من المتغيرات الكثيرة خلال القرون الثلاثة أو الأربعة على تنوع وزيادة تلك الفئات الهامشية والمهمشون اجتماعيا وثقافيا، وقد وردت لأول مرة تلك التصنيفات والإشارات للومبن بروليتاريا في كتاب «لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية» سنة 1845 لانجلز ثم تكررت في كتاب «الثامن عشر من برومير ـ لويس بونابرت» والصادر سنة 1852.
 
هؤلاء المحتالون والنصابيون والمتشردون ساهموا في الانقلابات الاجتماعية ودعموا العسكر البونابرتيين وباتوا القوة المضادة للثورة، حيث لم يكن لهم أي دور حيوي وكانوا خارج نظام العمل المأجور. وقد أشار ماركس في مؤلفه الثامن عشر من برومير «حول استخدام نابليون للحثالة والغجر في انقلاب العاشر من ديسمبر في الجمعية السرية بقوله: كان هناك متشردون وجنود مسرحون وزبائن سجون مطلقو السراح وهاربون من الأشغال الشاقة ونصابون ومشعوذون ومتسكعون ونشالون ونساخون وضاربو أرغن وجماعو اسمال وسنانو سكاكين ولحامو معادن ومتسولون ـ وباختصار كل هذا الجمهور السائب، المتنوع، غير المحدد الذي تدفعه الظروف هنا وهناك والذي يسميه الفرنسيون (لا بوهيم). من هذه العناصر القريبة منه كون بونابرت نواة جمعية العاشر من كانون الأول» وقد أضاف ماركس أيضا العاهرات والقوادون والشحاذون.
 
فهل نحن نبتعد اليوم عن تلك الأنماط في بلدان تشوبها الفوضى والحروب والبطالة وانعدام القانون وتسيبه عن فرز تلك الفئات الهامشية والمهمشة، بقدر ما نجدها اكثر اتساعا وتنوعا وثراء في المهن وفي أشكال النصب والاحتيال والجريمة، واستخدام فن المراوغة والابتزاز ووسائل الفساد والرشوة للموظفين الصغار في أجهزة البلديات والحكومة.

انهم أشباح ما عادوا يجوبون أوروبا وحدها وحسب، بل وفي كل المجتمعات النامية والمتطورة دون استثناء، تقل أو تزيد كميتهم ونوعيتهم في الشوارع الخلفية والمظلمة للمدن. انهم ضد القانون بهذا القدر أو ذاك، ويدركون عن وعي فعلتهم، ولكنهم يواصلون «قيم وسلوك الشارع الخلفي» حينا والأمكنة المزدحمة حينا آخر، بل ولا يهتمون في عز النهار بكل الأخطار، فهم مغامرون حتى النهاية، عدوهم البوليس وصديقهم الفاسدون في تلك المؤسسات.
 
ومع مرور الوقت يشكل هذا الجيش الصغير المتنوع «نقابته السرية بكل مراتبها الوظيفية، من جابي ضرائب الشوارع حتى مرتبة العراب أو «الأخ الأكبر» حامي المشردين والفقراء من بؤسهم . هكذا سنجد لعبة الفئات الهامشية، والتي يشكل منهم طابور عريض من البسطاء والشرفاء الساعين للعيش بكرامة من اجل إعالة عائلاتهم، إلى جانب ذلك الطابور الجديد من حفنة المجرمين والمشردين، الذين مع مرور الوقت يعتادون حياة الصعلكة والأعمال الملتوية، فدخلها اكثر مغريا ومرتفعا ومجزيا وفق منظورهم، فهم لا يتعاطون مهنا لا تسمن وتغني من جوع، وإنما يتخذونها غطاء للمهن السرية وغير الشرعية. انهم بهذا الشكل أو ذاك فئة متقنعة بأقنعة ووجوه عدة وظيفتها الشكلية مرئية ووظيفتها الحقيقية والفعلية مهمة في الظل والعتمة.

لا ترتبط مجموعة الفئات الهامشية بعمل محدد، فبعض المهن والأعمال سهلة ولا تحتاج خبرة ومهارة، إنها مجرد خدمات يدوية، قليلة التكلفة والحركة، مهن خمولة وغير منتجة اللهم إنتاجيتها تلك الخدمات الطفيلية النابعة من تركيبة المجتمع وتطوره واحتياجاته، ولكن بالمقابل هناك بعض الفئات الهامشية لديها إمكانيات ومهارات مهنية، كسبتها بالوراثة العائلية أو نتيجة عملها في ورشة أو مؤسسة ما، غير أن لظروف معينة وجدت نفسها عاطلة عن العمل، وإذا ما تحدثنا على عجالة عن بعض تلك المهن الهامشية، على سبيل الحصر، فإن بائع السلع والبضائع المتنقل والجوال، والذي يطرق الأبواب ويفترش بضاعته في الطرقات، يتناسب كثيرا مع نمط من المجتمعات المحافظة والريفية والأحياء الشعبية، حيث النساء ربات البيوت يرغبن في شراء حاجيات ربما لا تسمح الظروف باقتنائها أو الحصول عليها، فرب الأسرة يتصرف حسب هواه بينما للنساء أهوائهن ومزاجهن.
 
هكذا يدغدغ البائع الجوال عاطفة النساء ويقيم معهن علاقات مودة ويتفهم ظروفهن بما في ذلك بيعهن بالسلف، فبعض الأزواج لا يتركون لزوجاتهم أكثر من مصاريف مقننة ومحددة. ألا تخلق تلك العلاقة نمطا من الكذب والثقة والمراوغة بين ذلك الثالوث الغريب، البائع والمشتري من جهة وبين الزوجة وزوجها من جهة أخرى ؟! المهم تتعلم الزوجة آلية جديدة في حياتها هو انتظار البائع يوميا، فهي تختزن صوته وساعات حضوره، وأحيانا لطفه النسوي الاستثنائي.
 
 
الأيام   10 يناير 2011

اقرأ المزيد