المنشور

أموال المجالس البلدية للوجاهة


تصادف الواحد منا وهو عابر في طريقه يافطات هنا أو هناك تُعلن عن دورات في كرة القدم تحت رعاية عضو المجلس البلدي فلان الفلاني، أو حملة التبرع بالدم تحت رعاية رئيس المجلس البلدي علان العلاني، وعلى هذا قس الكثير من الأنشطة مثل تنظيم العرس الجماعي لأهالي هذه المنطقة أو غيرها، أو حملة العمرة أو الحج أو سواها بدعم من أعضاء ورؤساء مجالس بلدية تتصدر أسماؤهم وأحياناً صورهم يافطات هذا النوع من الأنشطة

من لا يعرف بواطن الأمور يبدو له أن الأعضاء المذكورين يخصصون جزءًا من رواتبهم لدعم مثل هذه الأنشطة ابتغاء لعمل الخير وخدمة أبناء دوائرهم وتشجيع أنشطتهم، ولكن الواقع ليس كذلك أبداً، فالأموال التي يصرفها هؤلاء لا تخرج من جيوبهم، وإنما من المال العام، وبالتحديد من الموازنات المخصصة للمجالس البلدية، فبدلاً من أن توجه هذه الأموال للنهوض بمرافق البنية التحتية للمواطنين، تصرف على أعمال الوجاهة والدعاية الانتخابية للنواب البلديين والجمعيات السياسية التي يمثلونها.

ولسنا هنا ضد أي عمل خيري يقوم به نائب برلماني أو بلدي خدمة لأبناء دائرته، شريطة أن يقوم بهذا العمل من ماله الخاص، لا أن يستخدم المال المخصص للمنفعة العامة في أنشطة تلمع صورة النائب البلدي.

حسناً فعل ديوان الرقابة المالية، في تقريره الأخير، حين وضع مُعدوه أياديهم على وقائع هذا الاستخدام للمال العام في أنشطة هدفها الأول والأخير تلميع صورة الأعضاء البلديين، ولن نتوقف هنا أمام ما ذكره التقرير من الصرف الباذخ للمهمات الخارجية من قبل رؤساء وأعضاء المجالس البلدية الذي تجاوز في بعض حالاته ضعف الموازنة المعتمدة في بعض المجالس، ولكننا سنتوقف خاصة أمام الأنشطة التي أشرنا إليها في بداية الحديث.
فحسب تقرير ديوان الرقابة المالية فالمجالس البلدية تقوم بالصرف على أنشطة وفعاليات خارجة عن اختصاصاتها، مثل تكريم الطلبة المتفوقين والإعلاميين والصحافيين والمتقاعدين والمؤذنين، وتمويل أنشطة رياضية وترفيهية وحملات تبرع بالدم، والمساهمة في مصروفات الزواج الجماعي، ودعم أنشطة دينية مثل حملات العمرة ومراكز تحفيظ القران الكريم وجمعيات دينية ومآتم.

ديوان الرقابة أوضح أن تمويل مثل هذه الفعاليات والأنشطة ليس من اختصاص المجالس البلدية ولا علاقة له بالبرامج التي يفترض أن تسهر على تنفيذها، وإنما هو من اختصاص جهات رسمية أخرى يجب مساءلتها في حال تقاعست عن النهوض بهذه المهام، وبينها المؤسسة العامة للشباب والرياضة، ووزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية وإدارتا الأوقاف السنية والجعفرية.

هذه الوقفة من جانب ديوان الرقابة المالية تدق الجرس حول تجبير المناصب البلدية لأغراض انتخابية وحزبية بتحسين صورة الأعضاء البلديين في دوائرهم عبر استغلال المال العام، وبما يغطي عجز الكثير من البلديين في القيام بالواجبات البلدية التي انتخبوا من أجلها في النهوض بالبنية التحتية في مختلف المدن والقرى التي يمثلونها، عبر الهروب إلى أنشطة دعائية يُسوقون أنفسهم عبرها، فيما الخدمات البلدية تكاد تكون على حالها من الضعف والتردي، رغم انه مضى على بعض البلديين في مواقعهم دورتان انتخابيتان وأكثر.
 

اقرأ المزيد

الفئات الهامشية «1/3»


نلتقي كل يوم في حياتنا بهؤلاء الناس، نجدهم مختلفين في الأعمار والأشكال والجنسيات والثقافات والاثنيات، قد يكونون نساء وكبارا في السن أو أطفال يتجولون من مكان إلى مكان وكأنهم منبوذون أو هاربون من المدارس والبيوت أو أيتام مشردون يعملون لسمسار ومرتزق أطفال، أو انهم يعيلون عائلاتهم من اجل سد رمق الجوع والحاجة، وقد يكون أصحاب هذه المهن الهامشية طارئين في البلاد، عمالة فائضة تملص من مسؤوليتها رب العمل وتخلى عن مسؤوليتهم أو انهم هربوا منه بعد أن وجدوا الأسباب والذرائع في التسيب في المدينة وشعابها، يحتمون بشتى الوسائل والأكاذيب والمراوغات اللاشرعية، يمارسون كل أساليب التضليل والكذب والتحايل الحياتي والمهني، المهم أن يبقى في سوق العمل الواسع، دون رقيب أو حسيب، واللحظة المأساوية والصدفة كثيرا ما كشفت هويتهم لدى البوليس كعثورهم على جثته ميتا أو سقط من عمارة شاهقة وهو يعمل بصورة غير شرعية لدى مقاول بالباطن، أو حتى عند شخص دفعته الحاجة إلى استئجاره كعمالة رخيصة تناسب ذوي الدخل المحدود ونقل إلى المستشفى وهناك بانت حقيقة الحالة المزرية. مثل هذه المهن الهامشية تصنعها دورة العملية الإنتاجية، غير أنها تبقى ضيقة وسرية، محدودة أو واسعة وفق نمط ونوعية المجتمعات النامية والمتقدمة.

 
لكي لا يتم الخلط بين الظاهرة الاقتصادية التي نتناولها وهي الحرف والمهن وسط الفئات الهامشية، والظاهرة الاجتماعية والثقافية والسياسية للجماعات والطوائف والفئات المهمشة والهامشية في بنية المجتمع، حيث نجدها تتجلى في تلك الأقليات، وقد تكون تلك الأقليات من السكان الأصليين كالهنود الحمر والعبيد السود الذين جلبهم المستعمرين إلى مستعمراتهم قبل قرون، وقد تكون تلك الأقليات المهمشة ثقافيا بسبب تكوينها الثقافي المختلف وديانتها ومذاهبها، أو بسبب البنية الطبقية كما هي حالة المراتبية في الهندوسية في الهند، حيث هناك فئات المنبوذين من السكان الأكثر دونية، وهم وحدهم من يعمل في الأعمال القذرة كتنظيف القاذورات والمزابل والقمامات، وهناك تكوينات عرقية وثقافية متعددة ولا حصر لها، حديثة وقديمة ظلت لفترة طويلة على هامش المجتمع كما هم الغجر في العالم والاثنيات والفقراء والعجزة والملونون.

لهذا يتقاطع أحيانا المهمشون اجتماعيا مع الفئات الهامشية في تعاطيهم للمهن الدنيا والخارجة على القانون، غير إن الفئات الهامشية اقتصاديا، ليسوا بالضرورة مهمشين ثقافيا وعرقيا في مجتمعاتهم، وإنما هم نتاج طبيعي للحالة الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي الشاسع بهوته بين الفقراء والأغنياء، بل وتنتج ظاهرة البطالة في الدول المتقدمة والنامية مهن الفئات الهامشية، فهم من الناحية الطبقية والإنتاجية ليسوا إلا فائضا اجتماعيا من السكان، وقوة اقتصادية طفيلية ومهمشة لا تقدم في المجتمع إلا مهنا وخدمات يفرزها الوضع الاجتماعي العام وصراعه وتكوينه المجتمعي.

لم تكن هناك تصنيفات محددة لتلك الفئات المهمشة والمهن الهامشية بعد واضحة بسبب عدم تبلور المجتمع وتطوره صناعيا واجتماعيا، خاصة في المدن النامية والحديثة في ثورتها الصناعية، غير إن تطور المانيفاكتورة «الورش الحرفية في بداية تكون المجتمع الرأسمالي الصناعي» في الغرب، والتي نبعت من الورش الصغيرة ثم تمركزت بها مجموعات حرفية فقدت تلك الحرف بسبب نمو الصناعة الجديدة وصهرت الفارين من فقراء الريف للمدن، حيث الصناعة والتجارة تؤسس لنمو البرجوازية الحديثة والطبقة العاملة الناشئة والتي أطلق عليها الكلمة اللاتينية، البروليتاريا، يومها كانت المدن الأوروبية في ألمانيا وفرنسا وانكلترا تقدم مادة أدبية وثقافية لؤلئك المنبوذين والبؤساء والمشردين كما هم منبوذو وبؤساء فيكتورهيجو ومشردو شارل ديكنز، في تلك المرحلة برز مصطلح باللغة الألمانية يحاول التمييز بين الطبقة العاملة المنتظمة في العملية الإنتاجية والشريحة أو الفئة الاجتماعية الجديدة التي تجوب المدن الأوروبية بحثا عن مهنة يعتاشون منها، بل وفرضت تلك الحالة الاجتماعية قيما وسلوكا وتشريعات جديدة فرضتها تلك الشريحة وأطلق عليها باللغة الألمانية تسمية «اللومبن بروليتاريا»، أي «حثالة البروليتاريا» وبعضهم ترجمها الرعاع أو البروليتاريا الرثة، إذ بإمكاننا أن نتخيل كم هو شكل الناس وهيئتهم في تلك المرحلة الزمنية، غير إن هذه الحثالة نجدها اليوم منتشرة في الدول النامية فتذكرنا بأوروبا أواخرالقرن السابع عشر والثامن عشر، وبرغم المسافة الزمنية بين المصطلح والثقافة والمجتمعات، فإن الدول النامية ظلت تحتفظ بمقومات ومفاهيم وحرف اكثر ارتباطا بقرون سابقة. إنها أشبه بالمأساة الإنسانية، حيث نعيش في زمن الألفية من جهة بكل ما تحمله من تناقضات ومفارقات العولمة، بينما لا تزال هناك شعوب تعيش عند تخوم القرن السابع عشر والثامن عشر.
 
الأيام  4 يناير 2011
اقرأ المزيد

لا حلّ للأزمة إلا بمعالجة أسبابها

هناك توقّع قد يكون صحيحا في جانبه الحسابي بألا يصل عدد النواب المؤيدين لطلب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إلى غالبية الأعضاء، الذين يتألف منهم مجلس الأمة من غير الوزراء… ولكن ما يعنينا أكثر أنّ هناك انطباعا خاطئا يفترض أنّه بذلك التصويت ستطوى صفحة الأزمة السياسية المحتدمة في البلاد، مثلما حدث في أعقاب التصويت السابق على الطلب المماثل بعدم إمكان التعاون معه في 16 ديسمبر من العام 2009، وكأنّ الوضعين سواء!

  ولعلّ هناك الآن مَنْ يوهم نفسه أنّ الأمور ستعود يوم بعد غدٍ الأربعاء إلى سابق عهدها، الذي كان قائما قبيل يوم التاسع من نوفمبر الفائت، عندما أهدرت الحكومة عامدة متعمدة مبدأ الحصانة البرلمانية الموضوعية المطلقة ومرّرت الطلب غير الدستوري برفعها عن النائب الدكتور فيصل المسلم… وقد يكون هناك مَنْ يوهم نفسه أنّ الأوضاع سرعان ما ستعود إلى ما كانت عليه قبيل يومي الثلاثين من نوفمبر والأول من ديسمبر الفائتين عندما عطّلت الحكومة النصاب في جلستي مجلس الأمة المقررتين لمناقشة طلبها غير الدستوري…

وربما كان هناك مَنْ يوهم نفسه أنّ الطلب الحكومي غير الدستوري برفع الحصانة البرلمانية الموضوعية قد تحوّل الآن إلى سابقة دستورية محصّنة ومعترف بها، وذلك بعدما نجحت الحكومة يوم التاسع من ديسمبر الماضي في اجتياز مدة الشهر المقررة دستوريا ولائحيا للحصول على الإذن التلقائي برفع الحصانة البرلمانية الإجرائية؛ حيث لم يتخذ مجلس الأمة قراره في شأنها قبل انقضاء المدة…

وكذلك لعلّ هناك افتراضا حكوميا واهما بأنّ الأفلام المدبلجة والتبريرات المتهافتة ستطوي الصفحة القمعية السوداء لخطيئة الصليبيخات مساء يوم الثامن من ديسمبر المنصرم وتمحوها من الذاكرة الشعبية… وأيضا ربما أوهم البعض نفسه أنّ الرأي العام الشعبي سيتقبّل مع مرور الوقت ما يتعرض له الدكتور عبيد الوسمي، وقبله محمد عبدالقادر الجاسم وخالد الفضالة، وبعدهم النائب الدكتور فيصل المسلم من ملاحقات سياسية تحت غطاء قانوني، وسيكتفي بالنظر إليها والتعامل معها من الجانب القانوني الشكلي ويتناسى البعد السياسي الخطير لها…

وقد يكون هناك مَنْ يفترض أنّه لن تترتب أي تداعيات أو عواقب على ما تعرّضت له حرية الاجتماعات العامة من تضييق غير مسبوق، ولن يتغيّر شيء بعدما يتم فرض القيود السلطوية الجديدة على حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الصحافة والنشر في حال إقرار مشروعي التعديلات الحكومية على قانوني المطبوعات والنشر والإعلام المرئي والمسموع… وربما أوهم البعض نفسه أنّ الكويتيين “قوم ما كاري”، متجاهلا عن سوء قصد تضحياتهم المشهودة ومواقفهم المعهودة دفاعا عن حرية وطنهم وذودا عن مكتسباتهم الديمقراطية!

  قد يتوهم مَنْ يتوهم، ويفترض خطأ مَنْ يفترض، ولكن الأوهام والافتراضات شيء مختلف تماما عن الواقع، الذي لا تحكمه الأوهام ولا تحدّه الافتراضات الخاطئة… فللواقع تناقضاته وتعقيداته وحقائقه… وما دامت الأسباب والعوامل والتناقضات، التي أوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه قائمة ولما تُعالج بعد فإنّ الأزمة لن تُحلّ، وإنما ستستفحل… وما دام النهج المتّبع في إدارة البلد بشخوصه ومفرداته وعناوينه لما يتغيّر، بل ربما سيظن أصحابه أنّه قد انتصر في التصويت العددي على طلب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، فإنّ عواقب مواصلة مثل هذا النهج وتداعيات استمراره ستمهد الطريق أمام تفاقم الأزمة وانتقالها إلى أطوار جديدة، وذلك بغض النظر عن الهدوء النسبي والسكون الظاهري أو حتى الاستسلام الوقتي.

  باختصار، لا حلّ للأزمات إلا بمعالجة أسبابها… وهذا ما يقوله العلم؛ ويثبته المنطق؛ وتؤكده التجارب؛ ويعلمنا إياه التاريخ!
 
جريدة عالم اليوم 3 يناير 2011

اقرأ المزيد

حتى لا ينام التقرير في الأدراج


أمر جميل أن يصدر في هذا الوقت من كل سنة مرةً تقرير ديوان الرقابة المالية، ويستحق الديوان والفريق العامل فيه كل الثناء والتقدير على ما يبذلونه من جهود كبيرة في إصدار التقرير بهذه الدرجة العالية من الكفاءة والمهنية والاحتراف.

وفي كل مرة يصدر هذا التقرير ونطلع على عناوينه الرئيسية نضع أيادينا على رؤوسنا من هول ما يكشف عنه من تجاوزات، مع أن بعض هذه التجاوزات كانت حديث الناس في حينه، فعيون الناس وآذانها مفتوحة على ما يدور، والفساد لا يمكن إخفاؤه، في وقائعه الصارخة على الأقل.

لكن رغم مهنية التقرير وشدة وقع ما ينطوي عليه من وقائع وبيانات، فان الضجة التي ترافق صدوره لا تستغرق سوى اسبوع أو اسبوعين، يصبح فيها حديث الناس ووسائل الإعلام، وندوة هنا أو هناك لهذه الجمعية السياسية أو تلك، وبضعة تصريحات لبعض النواب تهدد بالويل والثبور في محاسبة المتورطين في الفساد.

ولكننا خلال أربع سنوات هي عمر الفصل التشريعي السابق لم نسمع عن لجنة تحقيق برلمانية واحدة في أي وزارة من الوزارات او الهيئات الحكومية التي أتى ذكر وقائع الفساد فيها، ولم يمثل وزير أو مسؤول أمام المجلس أو إحدى لجانه ليرد على أسئلة تطال الأمور التي جاء التقرير على ذكرها.

وتمر الأيام والأسابيع والشهور لينام التقرير بما فيه في الأدراج، كأن التجاوزات تنخلق من تلقاء ذاتها، وكأن لا أحد مسؤولاً عنها، وينسى الناس الأمر، وينصرفون الى أمور أخرى، حتى يحين موعد صدور التقرير الجديد، لنعيش الموال نفسه من أوله.

يمكن إيراد بعض الملاحظات حول التقرير الأخير نفسه، والتساؤل عن سبب تغاضيه عن تغطية بعض المرافق الحيوية التي يجب أن يطالها التحقيق، لكن ذلك لا يجعلنا نغفل عن حجم التجاوزات التي رصدها، والتي فاقت هذا العام مثيلاتها في الأعوام السابقة، وبالتالي علينا أن نعمل في سبيل تنظيم آليات ضغط على الجهات المعنية وفي مقدمتها مجلس النواب من أجل أن يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه في متابعة معطياته ومحاسبة المعنيين بالأمر من وزراء ومسؤولين.

في جس نبض سريع أجريته على الفيسبوك لتوقعات الناس حول ما يمكن لمجلس النواب أن يفعله ازاء التقرير، لمستُ ما يشبه الاجماع على فقدان الأمل في أن يقوم المجلس بأمر ملموس في هذا الاطار، ولكن بالمقابل قرأنا تصريحات لبعض النواب من أنهم لن يدعوا التقرير يمر دون محاسبة المسؤولين عما ورد فيه.

وسنأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، وسنقف داعمين بقوة لأي مسعى تقوم به كتل المجلس في هذا الاتجاه، حيث يبدو مهماً أن يُلزم المجتمع، بقواه الحية وناشطيه، أعضاء المجلس بما ألزموا أنفسهم به، وأن نشهد في دور الانعقاد الحالي ما يبرهن على جدية هذا التوجه، الذي سيكون محل ترحيب وتقدير من المجتمع.

فلعل في هذه المقاربة ما يدفع في اتجاه اعتماد معايير الكفاءة ونظافة اليد ونزاهة الضمير والحرص على المصالح الوطنية العليا في التعيينات الإدارية، وضمان حُرمة القانون، ومنع التطاول عليه أو التحايل على بنوده. 
 

اقرأ المزيد

الخروجُ الأيديولوجي من الطوائف


حاول المسلمون في العصر الوسيط الخروجَ من عالم الطوائف واستعادةَ الوحدة المفقودة في زمن السلف، وهي الوحدةُ المعبرةُ عن إنجازِ مهماتِ التغييرِ من دون تمزقٍ وفتنٍ وحروب، فظهرت فرقُ الصراعِ والعنف و(الثورات)، وهي فرقُ الخوارج والقرامطة والزيدية والإسماعيلية وغيرها.

لكن هذه الفرق لم تحققْ التغييرَ والوحدة بل ملأتْ الأرضَ دماءً وتمزقات، رغم أهدافها الحالمة بملءِ الأرضِ عدلاً بعد أن مُلئتْ ظلماً.

العنف والتقوقع الإيديولوجيان نشرا المغامرات السياسية وزادا من البعد عن الحلم، وحدثتْ خسائر بشريةٌ كثيفةٌ جعلتْ التضحيات مكروهةً، والثورات مشروعات هدمٍ لا بناء.

انتصرَ المذهبان الكبيران: السنة والشيعة بسبب بعدهما عن الصراعات الدموية وتأجيج الاضطرابات الاجتماعية، وصارا المظلتين الفقهيتين الاجتماعيتين السياسيتين اللتين تظللان المسلمين بشكلٍ عام، وصارتا تكرسان الأنظمةَ المحافظةَ السائدة من دون تغيير كبير، وهكذا فقدَ المسلمون وهم يكسبون الاستقرارَ ويحبطون الفوضى، حلمَ التغييرِ والثورة.

مذاهبُ الفوضى رغم تبنيها التغييرَ لم تكن مرتبطةً بمشروعِ تحولٍ له علاقة بتشكيلات التاريخ، كانت العبودية والإقطاع هما التشكيلتان اللتان تنزفُ البشريةُ داخلهما موارَدها البشرية والاقتصادية وهما تمزقانها وتخرجان من العصر.

كان المسلمون يقتربون من تغيير الإقطاع لكن إمكانيات التطور الاقتصادي – العلمي لم تصلْ إلى مستوى تصعيدِ فئاتٍ وسطى بمستوى التحول التاريخي المنتظر.

الإمكانيةُ تسلمتها أوروبا الغربية وكانت تحت يديها مواد كثيرة وجغرافيا واسعة مفتوحة مليئة بالموارد وحولتْ الرأسماليةَ إلى أسلوبٍ عالمي من خلالِ سيطرتِها وعبر مصالحها.

كان المذهبان الإسلاميان الكبيران قد شكلا ما يشبه الامبراطورية أو السوق العالمية الإسلامية، وبعد التفتيت الاستعماري، لم يستطيعا العودةَ إلى المستوى التاريخي الجغرافي السابق نفسه، لكنهما بعد قيام الدول المتحررة المستقلة، أخذا يكتشفان التاريخَ السابقَ ويطمحان إليه.

ظهرت بديل أفكار الثورة الدينية المغامرة، أفكار القرامطة والخوارج، أفكار الاشتراكية، وهي التي تصورتْ نفسَها البديل القادر على تحقيق حلم الوحدة والتغيير والنهضة، واستعادة تلك الأفكار أو تجاوزها.

لكنها تدهورتْ هي الأخرى بعد عقود وعاد مذهبا السنة والشيعة. فقد كان تصوراتُ استخدامِ العنف والثورة القادرة على إلغاء التناقضات الاجتماعية والحلم الخيالي بوجودِ أسلوبٍ اشتراكي راهن ممكن في تلك الظروف قوضتْ هذه الشعارات الأيديولوجية، ولم توجد تصورات ديمقراطية شعبية منتشرة.

فمرة أخرى عاد المذهبان السني والشيعي باعتدالهما التاريخي، ولكن ظهرَ فيهما غلاة، دعوا لتطبيقهما بشكل متطرف مناقض لما تكونا عليه.

وذلك أن الأممَ الإسلاميةَ واجهتْ انهيارات وتحديات كبرى من دون وحدةٍ وتصد، وقدرتْ المذاهبُ على تعبئةِ الملايين من البشر، لكن المسألة ليست في الحشود العاطفية، والعودة للمطبوعات القديمة، بل في الارتفاع لمستوى الديمقراطية الغربية، فغابت التحررية العربية الديمقراطية الإسلامية بل أدت العودة الشكلانية إلى أضرار بالغة، في حين يمتلك المذهبان الأكبران جذور تلك التحررية، عبر تكريس بُنى سياسية مستقلة تجثم في خلفياتها الجذورُ المذهبية لكل فريق، معتمدةً على أسس الديمقراطية المعاصرة، وهذا أمرٌ يوحدُ كل طائفة وكل شعب وسوف تتوسع مجالات الوحدة.

تصعيد الهياكل الديمقراطية الحديثة أمر صعب وطويل الأمد، ويحتاج كتهيئة إلى ثقافة ديمقراطية تنتشرُ بين النخب والشعوب، وتكوّن الجماعات الديمقراطية المنتمية للثقافة الحرة، أي الثقافة الليبرالية والتحديثية خاصة لقوى الفئات الوسطى وهي تتحول إلى طبقات قائدة للتنمية في كل بلد، جامعة بين جذور التراث ومصالح التحول الديمقراطي.

حين نجد أن أفكارَ المذاهب الفقهية جثمت في الظل وتصدرت مصالح الطبقات، وتحولت تلك لخدمة نموها الاجتماعي، بدلاً أن تكون عقبات ضد تطورها، حينئذ تكون مصالحة كبرى بين الإرث والعصر، بين نموذج التوحيد والحداثة.
 
أخبار الخليج 3 يناير 2011

اقرأ المزيد

السوق بين النظام والفوضى


هذه هي المرة الثانية التي أحاول فيها تسليط الضوء على ظاهرة يشكل استمرار ممارستها إضراراً اقتصادياً وبيئياً وحضارياً متراكماً بسبب عدم قيام الجهات ذات الاختصاص في الدولة بمهامها المطلوبة لوضع حد لها . بل إنني أكاد أُجزم أنها في اتساع وأن أعداد المنخرطين فيها في ازدياد . 

القصد ينصرف هنا إلى قيام أعداد متزايدة من الآسيويين منذ الصباح الباكر بالتوجه إلى السوق المركزي في المنامة وشراء مختلف أنواع الخضروات بالجملة ومن ثم شحنها على عرباتهم (Carriages) عربانة باللهجة البحرينية الدارجة)، لنقلها مشياً على الأقدام عبر شوارع وأزقة العاصمة (شارع اللؤلؤ المؤدي للسلمانية وشارع الشيخ حمد المؤدي لشارع الشيخ عبدالله وشارع الحكومة وشارع الشيخ عبدالله وأزقته المتفرعة) والتي تغص في هذا الوقت بالسيارات والمارة . . وهكذا حتى وصولها إلى مستقرها حيث البقالات المنتشرة كالفطر في هذه الأحياء والتي يمتلكها ويديرها الآسيويون أنفسهم .
 
بمنطق اقتصاد السوق المفتوحة فإن هؤلاء الآسيويين لم يفعلوا ما يخالف ذلك المنطق . فهم يتوجهون لسوق الجملة للخضروات الذي يفتح مزاداته في الساعات الأولى من صباحات كل يوم، ويقومون بشراء مؤونتهم اليومية منها بسعر الجملة (Wholesale price) لينقلوها على وسيلة نقلهم المذكورة (عربانات) عبر الشوارع والطرقات والأزقة إلى بقالاتهم ويبيعونها بسعر المفرق (Retail Price) .
 
حرية السوق هنا مكفولة كما نرى، وهي تمارس كما نرى، من قبل المبادرين (Entrepreneurs) الآسيويين حتى حدودها القصوى . إنما علينا أن نتذكر هنا أيضاً أن السوق لم تخلق من عدم، وأن لها مُعادلاً هو الحكومة التي هي صانعها (Market maker) وضابطها . فجميع اقتصاديات السوق يجري فيها الحرص على الموازنة بين قطبي معادلتها وهما السوق والحكومة، كي لا يتم الإخلال بها بطغيان دور إحداهما على الأخرى، الحكومة على السوق أو السوق على الحكومة .
 
يحدث ذلك حتى في أصغر عمليات السوق المفتوحة مثل الحالة التي نحن بصددها والمتصلة بقطاع التجارة الداخلية ومجال توزيع منتجاتها (Distribution)، كي لا تنتقل عدوى الاختلال فيه إلى مفاصل أخرى ذات صلة في الاقتصادين الجزئي والكلي، من حيث تأثير مثل هذا المستجد على ما يسمى بتشوه وانحراف الأسعار (Price Distortion) في تجارة المفرق التي وإن كانت سوقها صغيرة، كما أسلفنا، إلا أن دورة رأسمالها سريعة بما يرفع من هوامشها الربحية التي تذهب حصيلتها، كما نفترض، تحويلات مالية إلى البلاد الآسيوية التي صار مقيموها في بلادنا يتحكمون في العديد من أسواق قطاع التجارة الداخلية البحرينية، هي بالإضافة إلى البقالات والسوبر ماركت، على سبيل المثال، سوق اللحم وسوق الفواكه والخضار وسوق السمك (جزئياً) وسوق الذهب والمشغولات الذهبية وسوق بيع الأقمشة والملابس الجاهزة والاكسسورات النسائية . بل إنهم نجحوا في اقتحام قطاعات أخرى غير قطاع التجارة الداخلية، مثل مقاولات الباطن، وورش صناعة الألمنيوم المتصلة بقطاع التشييد والديكور . . إلخ .
 
طبعاً هذا إن دل على شيء فإنما يدل على نباهة وجدية واعتمادية (Accountability) المبادرين الأجانب (الآسيويين تحديداً) قبالة بلادة وعدم جدية أقرانهم البحرينيين الذين هجروا هذه الأنشطة الاقتصادية وأخلوها بمحض إرادتهم لمصلحة “أسيادها” الجدد ضمن إحدى صيغ الاتجاه الاحتيالي بالسجلات التجارية . وفي هذا خسارة اقتصادية مضاعفة، إن لجهة خسارة مواقع وظيفية، أو لجهة الإسهام المباشر وغير المباشر في مفاقمة الجانب المدين من ميزان مدفوعاتنا (في صورة زيادة حصيلة التحويلات المالية الصافية للخارج – حساب رأس المال في ميزان المدفوعات)، أو لجهة تضييق قاعدة ملكية أصول القطاع الخاص البحريني . وبالعودة إلى أصل الموضوع فإن الآسيويين إذ ينقلون مشترياتهم الصباحية اليومية على عرباناتهم، فإن محركهم إلى ذلك هو اقتصادي صرف وهو خفض نفقات النقل من جملة تكاليفهم الإنتاجية .
 
ولكن أقل ما يقال عن هذا التدبير إنه مخالف لقواعد السير والمرور على أقل تقدير . فهذه العربانات مخصصة لنقل الأشياء والمنتجات داخل نطاق السوق المركزي وليس التسكع بها وهي معبأة عن آخرها بأحمال ثقيلة من الخضروات بصورة تنطوي على مخاطر تهدد سلامة أصحابها أنفسهم والسلامة المرورية بوجه عام، ناهيك عن مساهمتها في مفاقمة الظاهرة العشوائية في العاصمة “المنامة” وتشويه وجهها الحضاري بهذه المناظر التي تسنتسخ نماذج لها مماثلة في بعض الدول الآسيوية . إنهم بذلك يفكرون في توفير كلفة نقل بضاعتهم في سيارات النقل المشترك (بيك أب) رغم زهدها ولا يفكرون في كل العواقب الأخرى التي أتينا على ذكرها . ولا نعلم كيف سمحت السلطات البلدية وإدارة المرور والترخيص لهذه الظاهرة المخلة بنظام السوق وبنظام السير أن “تزدهر” وتتنامى يوماً بعد آخر .
 
الفوضى هي العدو اللدود للنظام، فمتى ما تسربت هذه إلى مفصل من مفاصله فإن ذلك يُنذر ببداية تصدع النظام . فلنضع حداً لمثل هذه المظاهر العشوائية التي تحمل كل بصمات الفوضوية .

اقرأ المزيد

التيار الوطني الديمقراطي «المشروع المؤجل»


يخطئ من يعتقد بان فكرة تأسيس التيار الوطني الديمقراطي، كإطار وطني جامع بين القوى والشخصيات الوطنية، جاءت كردة فعل على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، أو الهدف من قيامه لمواجهة طرف من أطراف تيار الإسلام السياسي، فالذي يعتقد ذلك، لا يقرأ التاريخ في الماضي والحاضر، بدءًا بنشوء الحركة الوطنية البحرينية، وهي حركة متأصلة في وجدان الشعب البحريني، منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، انبثقت من الأحياء الشعبية في المدن والقرى، رافعة راية النضال الوطني ومطالبه بالحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، ومن اجل تحقيق تلك الأهداف والمطالب الوطنية قدمت قوافل من المناضلين الشجعان، معتقلين ومنفيين وشهداء ومطاردين ومحرومين من العمل والسفر والسكن، دفعت الثمن غالية في ظروف، في غاية الصعوبة والقساوة، وهي التي أشعلت وقادت الحركة الوطنية والشعبية والعمالية والطلابية في أهم المحطات التاريخية لشعبنا، نكتب ذلك، لان الجيل الحالي لا يعرف تلك التضحيات، وهناك من يبخس تلك النضالات و يجب ان يؤرخ من قبل المناضلين الأحياء لتلك الحقبة السياسية التاريخية لوطننا وشعبنا، وان تدرس من خلال مادة التاريخ في المدارس والجامعات في البحرين.

نأتي إلى فكرة تأسيس التيار الوطني الديمقراطي في البحرين، ونحاول العودة إلى الماضي، في قراءة سريعة، في السابق كانت فكرة قيام الجبهة الوطنية او الجبهة الوطنية الديمقراطية، أو الجبهة الوطنية الشعبية المتحدة،.. الخ من التسميات، من اجل التعاون والتنسيق في العديد من القضايا والمواقف المشتركة، بالرغم من الاختلاف والتباين الفكري والسياسي بين القوى السياسية البحرينية في تلك الفترة، إلا انها استطاعت ان تحقق بعض الانجازات الوطنية، نذكر منها، تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في عام 1972، الذي لعب دوراً كبيراً في إعداد الكوادر الطلابية والنقابية و السياسية، والبعض منها اليوم من قيادات الجمعيات السياسية الديمقراطية، وجاء في مقدمة دستوره بأنه رافد من روافد الحركة الوطنية البحرينية، وفيما بعد، تم تأسيس اتحاد عمال البحرين في الخارج، بين اللجنة التأسيسية ولجنة التنسيق «العماليتين»، وتم توحيد الأنشطة الشبابية والنسائية في الاتحادات العربية، وحضور المؤتمرات المشتركة، والمشاركة في المهرجانات والفعاليات الدولية، على أصعدة عدة، شبابية، طلابية، عمالية، حقوقية وغيرها من الأنشطة المشتركة، ذلك النشاط والعمل الوطني المشترك، قل في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، لأسباب عديدة، ذاتية وموضوعية، يراد لها كتابات أخرى، والذي نحن بصدده، الإصرار والإلحاح من قبل شخصيات وكوادر وطنية وديمقراطية وليبرالية، على الجمعيات الوطنية الديمقراطية، بالإسراع بقيام التيار الوطني الديمقراطي، وما يمثله من تاريخ سياسي عريق، ليكون رقماً صعباً في المعادلة السياسية في البحرين، ونداً قوياً يسمع صوته ويحترم رأيه في المجتمع.

ما تريده الشخصيات الوطنية والكتاب الليبراليون، ليس الاندماج الفوري بين الجمعيات الوطنية الديمقراطية، حالياً، بل يطالبونهم، بالتنسيق والتعاون، والتحالف الوطني،و وضع الأهداف الموحدة للشعب، وان يمارس التكتيك السياسي لخدمة الاستراتيجية الوطنية، بمعنى ان تكون هناك رؤى واضحة المعالم، هوية ذلك التيار، أهدافه ومطالبه، قراراته، مؤتمراته وان يعمق من الحوارات والنقاشات الهادفة بين أعضائه، من خلال تنظيم ورش العمل والحلقات المفتوحة، وان يتميز في اطروحاته السياسية عن تيار الإسلام السياسي، و في خطابه المعبر عن كل مكونات هذا الشعب وان يحدد وبدقة بين مفهومين، الدولة المدنية، ماذا تعني، الدولة الدينية وماذا تعني، تحديد الخيارات والمسارات، بما يعني معرفة الموقف من الديمقراطية والحريات العامة والشخصية، والمساواة والعدالة الاجتماعية، حقوق المرأة والطفل، وقضايا حقوق الإنسان، المعارضة والسلطة، تساؤلات مشروعة من الممكن ان تثار من خلال الإعداد والتحضير الجيد من اجل انعقاد المؤتمر العام الوطني، و الذي يفترض ان تناقش فيه كل القضايا والاشكاليات وبشفافية عالية الى جانب اوراق العمل المقدمة للمؤتمر، و الذي في حالة الاتفاق عليه سوف يدعو لحضوره ممثلي القوى الوطنية الديمقراطية، والشخصيات الوطنية والليبرالية، الكتاب و المثقفين والمحامين والحقوقيين المؤمنين، بالديمقراطية الحقة والمواطنة، والمساواة والعدالة الاجتماعية، وقيام دولة مدنية، مجتمع مدني، على حد تعبير غرامشي، «المجتمع المدني» احد مكونات البنية الفوقية.

نتطلع بان الوثائق الموجودة والتي تم تداولها في العديد من الاجتماعات واللقاءات بين ممثلي الجمعيات الوطنية الديمقراطية، على مدار عام قبل الانتخابات، بان تطرح في المؤتمر المزمع عقده إلى جانب الأوراق الجديدة، أخيراً، هل تنجز هذه المهمة الوطنية، أم من جديد تعرقل، ويبقى الرهان على حصان خاسر، ويصبح مشروعا مؤجلا.

اقرأ المزيد

تقرير عن الجوع الثقافي العربي


يوضح التقرير العربي الصادر عن مؤسسة الفكر العربي أوضاع ظاهرة(التنمية الثقافية) في الوطن العربي في سنة 2010 المأزومة عبر الكثير من الأرقام وعرض الانجازات والمشكلات والإخفاقات معاً.

– (يشير ملف البحث العلمي إلى أن ما يُصرف على البحث العلمي العربي قليل ويكاد لا يُذكر مقارنةً بمجموعات الدول الأخرى، حتى الفقيرة منها. بحيث يحتلّ العالم العربي في هذا الشأن موقعاً ملاصقاً لقارة أفريقيا، بمعدلات لا تتجاوز 0,2 % من إجمالي الدخل القومي العام. وفي بعض الدراسات، تقارير أن هذه النسبة قد وصلت اخيراً إلى حوالي 0,4، فيما المعدلات العالمية للإنفاق على البحث والتطوير تجاوزت 3,73% و3,39% و3,37% في كلّ من السويد واليابان وفنلندا على التوالي، وتتراوح بين 2 و2,5% بشكلٍ عام في معظم الدول الغربية).

كذلك غابت الجامعات العربية عن التصنيفات العالمية في حين ذُكرت سبع جامعات إسرائيلية.

يذكر التقرير ظهور مدن عربية علمية فقد أحدثت السعودية مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في ثمانينيات القرن الماضي، كما أحدثت مصر مدينة مبارك للبحث العلمي في مطلع القرن الحالي، وهي تنتمي إلى الجيل الثاني من مدن العلم والتقنية العربية، وتمثّل مدينة مصدر في إمارة أبو ظبي جيلاً متقدماً من مدن التقنية على الصعيد العالمي.

حول النزيف العلمي العربي يذكر التقرير:

(ان هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنّيين المهرة، من المهاجرين العاملين في الدول المتقدمة، وأن أمريكا وأوروبا تضمّان 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا وفق تقرير مؤسّسة العمل العربية. فيما تشير التقارير إلى أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم، وإلى أن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا ينتمون إلى الجاليات العربية، وأن مصر وحدها قدمت في السنوات الأخيرة 60% من العلميين العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة، فيما ساهم كلّ من العراق ولبنان بنحو 15%).
وكما يوضح التقريرُ تدهورَ مكانة الفيلم العربي يشير إلى حلول الفيلم الهندي مكانه في أغلب دور العرض.

أما مشكلات المسرح فهي:

(في البحرين لا تتوافر دور للعرض المسرحي، وهي مشكلة تتقاسمها البحرين مع أكثر من دولة من دول مجلس التعاون باستثناء السعودية والإمارات، كما تغيب البُنية التحتية اللازمة للعمل المسرحي في سلطنة عُمان أيضاً، خصوصاً أن السلطنة لا تعتبر من البلدان الفقيرة من حيث الموارد المالية، في حين تسجّل حالٌ من الكساد المسرحيّ في مصر في العام 2009، ليس بسبب قلّة الإنتاج فقط، وإنما أيضاً بسبب قلّة دور العرض بعدما أُغلقت سبعة من فضاءات العرض المتميّزة في العاصمة).

كذلك فقدَ المسرحُ السوداني الكثيرَ من مميزاتهِ وعناصره المركزية منذ أواخر الثمانينيات ولغاية مطالع الألفية، إذ أُوقفَ في تلك الفترة النشاط المسرحي في المسرح القومي، وأُغلق المعهد العالي للموسيقى والمسرح لأكثر من أربع سنوات، وهاجرتْ نسبةٌ كبيرةٌ من المسرحيّين إلى دول الخليج وأوروبا، وكلّ ذلك بسبب سيطرة بعض التيارات الدينية المتشدّدة.

فيما حصلت الدراما التلفزيونية العربية على نشاط واسع خاصة الدراما السورية التي غدت صناعةً كما يقول التقرير، وتراجع حضور الممثلين المسرحيين العرب بسبب ذلك. كما أن المسارح الفلسطينية مرتهنة بالخارج بسبب التمويل وعدم دعم وزارة الثقافة الفلسطينية لها. كذلك لا تختلف أغلبية المسارح العربية عن حالات الاضطراب وعدم الدعم هذه. المسرح العربي في أسوأ حالات تاريخه.

أما حول الأغنية العربية فقد ذكر التقرير سيطرة شركات كبرى عليها استخدمت أكثر وسائل التقنية والتوزيع تطوراً، وأدى هذا إلى سوء مستواها الأدبي، فيذكر التقرير أن: الغالبية العظمى من الذين يتولّون كتابة النصوص الغنائية في السنوات الأخيرة، بل منذ سنوات طويلة، نادراً ما يوجد بينهم شعراء يلتزمون أصول الشعر وموجباته.

كذلك فإن شركات النشر المتعددة سيطرت على صناعة النشر العربي وتحكمتْ في توزيعه وهَمشتْ دَورَ المبدعين والمؤلفين فسيطر على صناعةِ النشر الكتابُ السطحي المدفوع النفقات، وخُصصتْ جوائز لتشجيع مثل هذا الاشتغال على صناعة الكتاب العربية العريقة، وذلك كله في غياب وزارات الثقافة القومية العربية والقطاعات العامة الداعمة للمبدعين.
 
أخبار الخليج 2 يناير 2011

اقرأ المزيد

ماذا يبحث المثقف الخليجي؟


تناقلت وكالات الأنباء والصحف خبر تفاصيل الحوار والوضع الأخير في الكويت وبيان مثقفي بلدان مجلس التعاون في قمة ابوظبي. الموضوعان مختلفان غير ان الظاهرة الثقافية والسياسية التي يسعى المثقف العربي ممارستها جديدة من حيث طبيعتها ومغزاها السياسي والفكري. وكان من الضروري توسيع النقاش إلى حلقة أوسع في المستقبل بحيث يمس إمكانية أن تقبل الأنظمة والسلطات المثقف كوسيط سياسي خارج المهمات الرسمية ويمثل وجه المجتمع المدني بكل شرائحه وفئاته. واستخدامه كبالون اختبار ورسول محبة وخير و بريد سياسي في زمن انتهاء عصر حمام الزاجل.
 
كان أجدر بنا الاستماع إلى أكثر من ذلك الحوار داخل أروقة الغرف المغلقة، حول العلاقة المزدوجة بين المثقف وسلطته ونظامه وقبول الطرفين بفكر مختلف ومواقف متباينة بين المثقف والسلطة. ويمنح المثقفين والنواب جميعهم حق الدفاع عن أنفسهم من جراء ما أصابهم من حيف بما فيها «طابور» المثقفين الذين عرفوا كيف يصطادون في الماء العكر في زمن الصراع والخلافات. وإذا ما سلمنا جدلا ان الطرفين ليس لهما علاقة بالتجاوزات المتنازعة والمتخاصمة فلماذا كل ذلك التشنج والتوتر المبالغ فيه من قبل جهات رسمية؟! إذ كان أجدر اتباع سياسة «الصمت أو المرونة» دون الحاجة للنفي ولا إلى فضيحة الضرب على القنوات الفضائية فالعملية الثانية من النفي تقود لنتائج معاكسة. وكأننا أمام هذا النوع من الاستنكار أمام مشروع توتير يبعث على التوجس في الشارع العام في نخبه وقاعدته. فالحديث في حوار الديوانيات والصحافة والاستنكارات المتعددة كان صريحا ومثاليا فاق الواقع الخليجي فاليوم الجميع يستعذب لغة «العولمة وحقوق الإنسان» والبعض مهموم بها وبتحدياتها وخصوصا نحن شعوب قادرة على معرفة ذاتها عند النكبات وشعوب قادرة على جلد ذاتها بعد النكبات. نبحث عن إصلاح البيوت من الداخل بدلا من الهروب ومواجهة الوقائع إلى حل سحري. حتى الآن لم نقرأ عن قبائل في التاريخ ولا دول معاصرة لم تدخل في علاقات من الشد والجذب والتوتر والاسترخاء، بين الابتسامات المعلنة والتآمر الخفي.

ولكن الدول الحقيقية لا تخلط الأوراق حتى في اشد ظروفها السياسية توترا بحيث تمنع المؤسسات المهنية والمدنية والثقافية والرياضية من ممارسة حقوقها بينما يقبل الجميع الجلوس في داخل الأروقة الممنوعة!!. لا نحتاج إلى إجابات ذكية إطلاقا فنحن العرب لا ننتحر عند الهزائم وان كنا نصرخ كثيرا عن أدب الفروسية.
حاولت أن اقنع نفسي إن مثقفي الخليج الذين ذهبوا إلى حوار ابوظبي سواء اختارتهم منظماتهم أو أعطيت لهم الأضواء الخافتة بالرضا بأنهم ليسوا مشاريع وزراء سابقين دخلوا تجربة الفشل السياسي وشخصيات ترسم مستقبلها كمشروع سياسي لمقاعد السلطة. شيء يكشط مساحيق الوجه، وشيء ينقب في ذاكرة الحرب والمأساة وضباب لندن والذهاب بعيدا إلى أقصى التطرف والمزايدة لكي تسهل عملية المساومة من اجل موقع جديد في المستقبل القريب.

لا أعرف لماذا يحاول المثقف العربي ارتداء ثوب الفضيلة في زمن السقوط ويسرق حق الإنسان والمواطن العادي في بلدان مجلس التعاون حق أن يقول كلمته فالإنسان العادي الأقرب وحده بحق الحديث عن همومه وتطلعاته. أنا كمواطن عربي لم يسألني احد ماذا أريد؟ وماذا ينبغي أن أكون؟ بحيث أقول كلمتي الحرة وامضي دون أن أصبح منبوذا من خيمة الدولة والقبيلة. كنت أتمنى أن الذين ذهبوا إلى الحوار تخلوا عن حالة التوتر العاطفي وأدان كل طرف بيته أولا دون أن يترك الكرة تتدحرج عند الملعب الآخر. مبادرات مشروعة وضرورية لمعالجة الذات من الغيبوبة المستمرة لروح الغطرسة القاتلة. فكل الأطراف الخليجية كانت في سلة واحدة وقفص واحد من الاتهام وان كانت درجة الخطيئة بين المتخاصمين متباينة فلا احد بريء من دم يوسف.

 
الأيام  2 يناير 2011
 

اقرأ المزيد

وجوه في مصابيح الذاكرة


مع إطلالة العام الميلادي الجديد كل عام وانتم بخير يطل علينا الأخ إسحاق الشيخ «عساه على القوة» بإصداره الجديد «وجوه في مصابيح الذاكرة» الجزء الرابع.
قبل الحديث عن ما تحمله هذه الوجوه من دلالات ومعان ومحطات تعج بالتفاصيل يقول «الشيخ» وجوه تمر بها «وتمضي غير مبالٍ، ووجوه تستوقفك بدهشة عند شواطئها.. وجوه تغدو الخطى مسرعا عنها ووجوه ترابط أمامها.. وكأنك في صمت.. وأنت تتأملها.. وتحسب واهماً أنها تبادلك التأمل!!

ويقول أيضا أخطو في الوجوه.. وكأني أخطو في الحياة.. أصيب منها وأخطئ!! تلكم وجوه عرفتها وقلت كلمتي فيها.. أكنت مصيباً ام على خطأ؟! أني اطلب المعذرة من احد ولا اطلبها من احد.

حقيقة الوجوه التي توقف عندها الشيخ بعضها يشبه الحياة في خصوبتها ووهجها وبعضها سلبي اتخذ من الكذب والرياء والطائفية طريقاً في الحياة وبعضها انكفأ على مصالحه الخاصة والآنية وبعضها أشهر سيوف القتل والإرهاب في وجه الحياة المتجددة.
وعلى امتداد هذا الإصدار ثمة وجوه كثيرة لن نستطيع ان نشير اليها جميعاً وانما سوف نكتفي ببعضها.
 
الكاتب قدم لنا بذلك عملاً لا يشبه الا الحياة في تنوعها واضطرابها وجمالها ويأسها وفي يمينها ويسارها وفي تقدمها وتخلفها ومن تلك الوجوه الجميلة المشعة التي رحلت ولم تبارح الذاكرة وجه علي العبيدلي السعودي الوطني التقدمي الاممي يقول الشيخ عن هذه الشخصية المسحورة بمطالب العمال وحقوقهم العادلة: هو من رعيل المناضلين الاوائل الذين كانوا يسجرون خبز الكادحين بعرق ودماء قلوبهم في تنور الحياة.. ويذللون كل شيء على طريق المعدمين والمحرومين والمظلومين في أصقاع الأرض. وكان ركيزة جميلة في النضالات المطلبية والحقوقية لعمال شركة الزيت وكان يتوثب مع المتوثبين.. ويساهم مع المساهمين ويشارك مع المشاركين بروح وطنية طيبة فاعلة صامتة!!

كان هذا في الخمسينات.. وكان شعلة هادئة ذكية نقية انيقة تتوقد في الصفوف الأمامية.
ويستطرد الشيخ حديثه بالقول كان العبدلي يرى في عبدالعزيز معمر مثاله الذي يتجدد في الحياة ورغم هذا الانقطاع المضني والبليد.. فقد كانت ذاكرتي تتسقط جمالية روحه التي ما انفكت تختال فوق شطآن روحي بمناسبة وبدون مناسبة. وكان الالم الأليم الذي استوى فينا جرحاً ما فتئ يوغل فينا مزقاً وخوفاً.. وتراني في وفائي المتأخر انحني أمام جثمانه الطاهر، كما انحني أمام خصاله الوطنية والإنسانية التي ما هانت ولا خارت في سبيل رفعة وكرامة وإنسانية الوطن!!

ومن الوجوه البحرينية الوطنية التقدمية التي ارتبط اسمها بالتاريخ الوطني والتحرري وتفاعلت بنكران ذات في الصراع الفكري والسياسي والمطلبي من اجل الحرية والمساواة والعدالة والتقدم المناضل الراحل احمد الذوادي.
وعن هذه الشخصية المتفانية الى أبعد الحدود يتحدث قائلا: لقد كان الدرس الأول الذي تواقده الذوادي وهو في المرحلة الاولى من دراسته الثانوية درسا في علم وعي العمل السياسي السري.. هناك.. وفي احدى الامسيات تدانت اليه شمعة ايرانية تتلاهب بأفكار «تودوية» ولا مست بعناية ذباله شمعتها ذبالة شمعته.. فالتهب وعيه في دفء شيء يسري كالدم في عروقه «وعلى مراحل هذا التلامس الفكري استوى فكراً بحرينيا خلاقا يقدح بذباله شمعته الشموع البحرينية الاخرى.. من اجل إنارة دروب المعدومين والمحرومين ودفعهم الى واحات الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة.. وكان الذوادي إحدى الشموع البحرينية التي راحت في غرة تلاهبها .. تتلاهب ضمن كوكبة شموع بحرينية – تودوية تتبوأ فعل وتفاعل وجودها على الأرض البحرينية في أزمنة متيسرة من التاريخ. وكانت ولادة فجر جبهة تحرير وطنية تتواقد فكراً وعملاً وتنظيماً في أممية وطنية متألقة..

كان الذوادي الذي استوى كادراً مسؤولاً في جبهة التحرير البحرينية ثم امينا لها في زيارات مكوكية لبيت اخته القاطنة في الدمام مع زوجها وكانت لقاءات وطنية وتنظيمية تأخذ تلاقح شموعها مع بحرينيين وسعوديين وكان للذوادي وخليفة خلفان الذي قضى سنواته العشر في السجن ادوار وطنية واخرين بحرينيين تعرضوا للسجن والاعتقال مثل علي.. وفلاح.. وابريق وتذكر رزنامة الذاكرة ان الذوادي كان يعمل في الدمام في مكاتب سكة الحديد وعبدالله في مطبعة ابو خمسين ويوسف في كلية البترول في الظهران وهما من كوادر جبهة التحرير وفي غفلة تهاوت منطفـئة شمعة يوسف والتحقت بها متهاوية شمعة عبدالله.. وبقيت شمعة الذوادي شامخة تتلاهب فكراً وعطاء للانسانية التقدمية رغم السجن والتشريد والمرض.

ومن الوجوه الخليجية القابعة في مصابيح الذاكرة نورية الصبيح التي اشار اليها الشيخ بقوله لقد ارتفع صوت المرأة الخليجية والعربية حراً جميلاً واثقاً مدوياً في البرلمان الكويتي ضد أوباش الظلام والإرهاب والتخلف الذين تنادوا «عواء» كالوحوش الضارية تحت قبة البرلمان الكويتي للإطاحة بوزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح.. كانت نورية محط ترصد من قوى الظلام والتخلف والارهاب منذ ان كانت في عين رعاية حكومية صائبة واثقة بكفاءتها لتبوؤ منصب وزارة التربية والتعليم العالي.. وقد بدأ الاحتجاج والتنديد يوم توزيرها وعز عليهم.. شرعا «واسلاموياً لا مرأة سافرة حاسرة الرأس ان تقوم بتأدية القسم ورفضت ان يتدخل احد في شؤون كرامتها الخاصة.

وعلى ما عرضنا من وجوه فهي ليست الا نماذج من وجوه كثيرة شخصها إسحاق ورسم أبعادها بعناية في الحياة.
 
الأيام 1 يناير 2011
 
 

اقرأ المزيد