المنشور

الرسالة الرابعة: يا د.فيصل الحمر

عندما حاولت قوات الشغب إبان التسعينات اقتحام الجامعة وقف وزير التربية والتعليم آنذاك د.على فخرو للقوات بالمرصاد رافضاً انتهاك حرم الجامعة وترويع الطلبة، أكبّر الشعب موقفه حينها ولازال رغم غيابه عن المشهد العام رمزاً بحرينياً للثبات والمبدأ..

 ليتنا نستطيع أن نقول المثل عن وزير الصحة د.فيصل الحمر الذي تخاذل عن التواجد في قلب الحدث، وتخاذل عن واجبه في حماية الأطباء والمسعفين الذين تعرضوا للاعتداء الهمجي والضرب والمضايقة أثناء أدائهم لواجبهم، وسمح بأن يكون المستشفى مسرحاً لسادية الجيش الذي ضرب الجرحى دون ذرة رحمة..

علماً بان المواثيق الدولية المتعلقة بالحروب ” الحروب لا الاحتجاجات السلمية” تُعطى الجرحى والأسرى الحق في العلاج والتداوي وهو حق لا يبدو أن وزير الصحة يعترف به !

لوزير الصحة نقول : لن تُخلد على كرسيك ولن تبقى طويلاً كما غيرك، خذ موقفاً إنسانياً ومهنياً – قبل أن يكون وطنياً- كي ترحل وسمعتك غير ملطخة بازدراء الشعب ولا تُخلد كمثال لطبيب تولى حقيبة وزارة الصحة وتسامح مع استباحة حرمة المستشفيات والأطباء..

الساعة 6.30 من مساء 18 -فبراير
موقع لميس

اقرأ المزيد

الأزمة والمخرج في البحرين


الأزمة العامة التي تعيشها البحرين ليست أزمة طائفية، وإن كان هناك بُعد طائفي لها ناجم بالأساس عن سياسة التمييز الطائفي المتّبعة ضد أبناء الطائفة الشيعية التي تشكّل غالبية المواطنين… فالأزمة البحرانية في جوهرها أزمة وطنية عامة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وهي نتاج مجموعة من التناقضات المحتدمة والسياسات السيئة والممارسات غير الديمقراطية والتصرفات العنجهية، التي أوصلت البحرين إلى ما أوصلتها إليه، في ظل انفراد بالسلطة والقرار كرّسه دستور 2002 غير التعاقدي، وفي ظل تفشي الفساد؛ واشتداد المعاناة المعيشية للغالبية الساحقة من المواطنين؛ وارتفاع معدلات البطالة، وانسداد الأفق التنموي الحقيقي، ومظاهر البذخ الاستفزازي.

ولئن كان صحيحا أنّ ما يُسمى “المشروع الإصلاحي” الذي أطلقه الملك حمد بن عيسى في العام 2001 قد خفف قبل عشر سنوات من حدّة الاحتقان السياسي، الذي عاشته البحرين منذ 1975 بعد تعطيل الحياة الدستورية؛ وأحدث حالة من الانفراج النسبي، إلا أنّ ذلك المشروع الملكي لم ينّه الأزمة ولم يعالج أسبابها العميقة، ناهيك عن تعثّر المشروع نفسه بعد فرض دستور غير تعاقدي بديل لدستور 1973 التعاقدي، والتراجعات السلبية التي شهدتها حالة الانفراج في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وتفجّرها.

وزاد على ذلك الإفراط في استخدام القوة البوليسية ضد المحتجين الذي استثار احتجاجات جماهيرية أوسع؛ ورفع سقف الهتافات ونوعية المطالبات.
وفي ظني أنّ المخرج من الأزمة المحتدمة في البحرين يتطلب من بين ما يتطلبه تنفيذ المقترح المقدّم من “المنبر التقدمي” في البحرين بضرورة تشكيل هيئة وطنية شعبية على غرار “هيئة الاتحاد الوطني” في خمسينيات القرن العشرين، لتوحّد صفوف الشعب البحراني وتحفظ وحدة نسيجه الوطني الاجتماعي وتتبنى طرح مطالبه العادلة في الإصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي.

أما الحكم فإنّه مطالب بالاستفادة من دروس التجربتين التونسية والمصرية والتحلي بالحكمة، ما يفرض عليه الإسراع في الاستجابة إلى متطلبات الإصلاح واستحقاقاته، وذلك قبل أن يفلت زمام الأمور من يديه… وأحسب أنّ أهم الخطوات التي يفترض أن يبادر الحكم إليها  هي الدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور ديمقراطي بديل لدستور 2002 المثير للخلاف والجدل، بالترافق مع إحداث تغيير جذري في الإدارة السياسية للمملكة على مستوى رئاسة مجلس الوزراء، حيث لم يتغيّر شخص رئيس مجلس الوزراء منذ أكثر من أربعين عاما، وكذلك لا بد من اتخاذ قرارات معلنة وواضحة تقضي بالتخلي الكامل عن سياسة التمييز الطائفي؛ وخصوصا في التوظيف، والوقف الفوري لسياسة التجنيس السياسي، ووضع حدٍّ للاعتقالات التعسفية والتعذيب، ومحاسبة المتسببين في سقوط ضحايا من بين المحتجين.

وأما غير ذلك من فذلكات ومناورات ومحاولات التفاف على الاستحقاقات وعبث في النسيج الوطني الاجتماعي فلن يجدي نفعا، بل قد يسرّع في تطوّر الأحداث على نحو كان غير متوقع قبل ثورتي تونس ومصر، وأصبح اليوم متوقعا أو لنقل إنّه أصبح غير مستبعد..!

عالم اليوم 17 فبراير 2011

اقرأ المزيد

أزمــة البحـرين


لعلّي لست مبالغا عندما أكتب مقررا أنّ ما يربط البحرين والكويت من علاقة تاريخية خاصة يدفع الكويتيين بالضرورة إلى متابعة الشأن البحريني وكأنّه شأنهم الخاص؛ مثلما اعتدنا أن يتابع أهل البحرين الشأن الكويتي ويرونه جزءا من شأنهم الوطني.

ومنذ يوم أمس شهدت البحرين انطلاق حركة احتجاجات شعبية شملت عددا من المناطق والقرى تعرضت إلى قمع بوليسي نجم عنه سقوط ضحايا وجرحى ما أدى إلى اتساع نطاق الاحتجاجات وتطورها على نحو غير مسبوق قد يأخذ أبعادا خطيرة ويمكن أن تتداعى معه الأوضاع سريعا بحيث يصعب التحكّم فيها وتقدير اتجاهاتها، بل ربما تتسع وتمتد إلى بعض دول الجوار الخليجي.
ومن المهم ونحن نتابع أحداث البحرين أن نفهم طبيعة الأزمة العميقة والمتفاقمة التي تعيشها البحرين منذ سنوات وقادت إلى ما نشهده اليوم من حوادث وما يمكن أن تؤول إليه من تداعيات وتطورات.

فقد جاء استقلال البحرين في العام 1971 نتيجة كفاح وطني وتضحيات جسام قدمها الشعب البحراني للخلاص من الاستعمار البريطاني كان أبرزها الانتفاضة الوطنية في العام 1956 تحت راية “هيئة الاتحاد الوطني” والانتفاضة الشعبية الواسعة في مارس 1965، ولاحقا بعدما قررت
بريطانيا الانسحاب من قواعدها العسكرية شرقي السويس وبينها قاعدتها في البحرين انطلقت عملية ترتيب استقلال الدولة الوليدة، التي سبقها استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة في العام 1970 للتعرّف على إرادة شعب البحرين بعد انتهاء الحماية البريطانية، وذلك لحسم أمر ادعاءات نظام الشاه بتبعية البحرين لإيران، وقد اختار البحرانيون جميعا أن تكون البحرين دولة مستقلة في ظل إمارة أسرة آل الخليفة… وانطلق بعد استقلال البحرين مسار ديمقراطي تمثّل في انتخاب مجلس تأسيسي وإصدار دستور تعاقدي في العام 1973 شبيه إلى حدٍّ كبير بدستور الكويت الصادر في العام 1962 مع فروق بسيطة في عدد أعضاء البرلمان وحصر توارث الإمارة في ذرية الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة… وجرت انتخابات المجلس الوطني الأول، ولكن هذا المسار الديمقراطي الوليد سرعان ما توقف في العام 1975 تحت تأثير النزعة السلطوية الرافضة للحياة الدستورية والديمقراطية.

وعاشت البحرين نحو ربع قرن في ظل وضع غير ديمقراطي امتد بين أغسطس من العام 1975 إلى العام 1999 عندما تولى عاهل البحرين الحالي مقاليد الحكم،  شهدت البحرين خلالها العديد من الانتفاضات والتحركات الاحتجاجية وأعمال العنف والمطالبات الشعبية والنخبوية بعودة العمل بدستور 1973، التي جوبهت بالقمع السلطوي، واستمرت الحال كذلك إلى أن أطلق الملك حمد بن عيسى عندما كان أميرا مبادرة للانفراج السياسي بدأت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة مئات المنفيين في الخارج، والدعوة إلى تنظيم استفتاء شعبي عام حول ميثاق وطني يؤسس لقيام نظام ملكي دستوري وعودة المجلس الوطني المنتخب مع مجلس معيّن ينحصر عمله في الجانب الاستشاري.

وقد استجابت المعارضة بمختلف أطيافها لتلك المبادرة وصوتت الغالبية الشعبية مؤيدة الميثاق الوطني في فبراير من العام 2001 قبل عشر سنوات من أيامنا هذه، إلا أنّ المبادرة الإصلاحية لم تتحقق على النحو المتفق عليه في الميثاق الوطني، إذ لم تتم العودة إلى دستور 1973 التعاقدي، وإنما جرى في فبراير من العام 2002 إصدار دستور جديد غير تعاقدي من دون المرور بآليات برلمانية؛ يتضمن قيام نظام ملكي واسع الصلاحيات، وينشئ مجلس شورى ذا صلاحيات تشريعية يضم أربعين عضوا معينا ينازع مجلس النواب المنتخب سلطاته، وهذا ما أدى إلى خيبة أمل عبّرت عنها مختلف القوى السياسية، وتمّ وضع قانون انتخابي يفتت الدوائر الانتخابية إلى أربعين دائرة صغيرة وفق تقسيمات فئوية مقصودة… وعندما جرت أول انتخابات للمجلس النيابي انقسمت الجمعيات السياسية فشارك بعضها فيها وقاطعها البعض الآخر، قبل أن يشارك معظم الجمعيات في الانتخابات اللاحقة في العامين 2006 و2010 ما عدا جماعة “حق”.

والمؤسف أيضا، ما حدث من تراجع عن العديد من المكتسبات الديمقراطية المحدودة، التي تحققت بعد إقرار الميثاق الوطني، إذ تمّ التضييق على الجمعيات السياسية، وفرض قيود على حرية الصحافة… هذا على الصعيد السياسي، أما على الصعيد الاجتماعي فهناك ممارسات تمييزية مؤسفة ضد المواطنين من أبناء الطائفة الشيعية، التي تشكّل الغالبية، في الوقت الذي تجري فيه عمليات تجنيس سياسية بهدف تغيير التركيبة السكانية للمجتمع البحراني… ويزيد الطين بلّه الضغوط والمصاعب المعيشية التي يعانيها غالبية الشعب البحراني، خصوصا أزمة البطالة، فيما يستشري الفساد واستغلال النفوذ وتتكشف مظاهر من البذخ الاستفزازي.

ومن الطبيعي في ظل أوضاع كهذه أن تتفاقم الأزمة العامة وتصل إلى ما وصلت إليه، بل ربما تتجاوزه إلى ما هو أبعد، وذلك مالم يتم تداركها والعمل سريعا على حلّها.
 

عالم اليوم – 16 فبراير 2011

اقرأ المزيد

الرسالة الأولى: يوم الغدر الأكبر.. ورسائل أخرى


عندما انسحبت قوات الأمن في 15 فبراير وأخلت ساحة اللؤلؤ للمتظاهرين – بعد أن كانت قد أطبقت قبضتها عليه ومنعت الحشود من الوقوف فيه ناهيك عن  الجلوس.. ظننا أن الخطوة نابعة من الإيمان بحق التعبير وأن درس مصر في فشل القمع للتظاهرات قد أثمر.. وعندما خرج الملك ووزير الداخلية ليبدون كل تعاطف مع الضحايا قلنا أن الأمر سيحل سريعا بوجود النوايا الطيبة حتى أتضح أن الأمر مجرد ” فخ ” ليأمن الناس ويتجمع أكبر عدد منهم ليضربوا على غدر وهم نيام.. أسئلة يجب أن يسألها كل ذي ضمير لنفسه :

·     لماذا بدء الهجوم في الثالثة فجراً ؟ لماذا لم يبدؤوه منتصف الليل والناس مستيقظون ولماذا لم يرجئوه للصباح ؟ هل من الحصافة والمروءة مباغتته الناس والهجوم على نساء وشيوخ وأطفال دون سابق إنذار !!
 
·     إن كانت تفرقة المجاميع – لا الانتقام- هو هدف النظام.. فلماذا لم يتم فتح المجال للناس للهرب والاكتفاء بمسيل الدموع والقنابل الصوتية التي كانت كفيلة بتفريقهم ؟!

إن ما جرى من تطويقً لناس عزّل ذنبهم الوحيد أنهم عبروا عن أنفسهم ومنعهم من الهروب ومطاردتهم وإمطارهم بالرصاص وعدم السماح لهم حتى بلملمة أطفالهم؛ لهو عمل جبان..لا يليق بدولة تحترم نفسها وشعبها وحق لنا أن نسمى هذا اليوم بيوم الغدر الأكبر..
 
الساعة 1 من ظهر يوم الغدر 2011


الرسالة الثانية: أهل الشيمة والشتيمة


السؤال هنا موجه للشامتين والمهللين ما يجري: هل لو كانت تلك الأحداث –ذاتها- وقعت في دولة أخرى ولشعب آخر أكنتم ستفرحون ولن تبكون ؟ لو سمعتم أن نظاماً آخر، في دولة أخرى، استعان بمرتزقة أجانب ليدهسوا متظاهرين لا يملكون بندقية ولا سكيناً كل ذنبهم أنهم فقراء يشعرون بالظلم ويطلبون الحرية والحياة الكريمة، ثم سمعتم كيف منعوا عنهم العلاج وانتهكوا حرمة المستشفيات وضربوا الأطباء وسحبوا الجرحى من فراش العلاج ولم يفرقوا في ذلك بين طفل وامرأة ومسن بوحشية انتقامية مسعورة، أكنتم ستشعرون بهذه الغبطة والسعادة !!
لا نكاد نصدق أن مسلمين ، يتقاسمون الأرض ذاتها، يعرفون ما يقاسية هؤلاء من مرارة وشظف العيش ” وكثير من الشامتين للأسف يعانون المثل !!” ويعرفون كم يتعرض هؤلاء للتمييز والتهميش، ويعوون- تماماً – أن مطالبهم سيعم خيرها على الجميع، ومع ذلك لا ترق قلوبهم ويرضون بهذا الظلم ويجرحون الضمائر الحية بشماتتهم واستهانتهم بما حدث..!!
 
أن من تعاطف مع محمد الدرة والبوعزيزي واحمد سعيد وضحايا كنيسة الاسكندرية لم يسأل عن مذاهبهم ولا عن دينهم وتدينهم .. فالبشر وذوي المبادئ يتألمون لإخوانهم في الإنسانية فما بالكم بإخوانهم في الدين وجيرانهم في الأرض..

أن من يفعل ذلك ويشجع النظام على التمادي في غيه وظلمة لا يحب النظام ولا يحب البلد كما يظن ويدعي بل يحب نفسه.. ويريد أن يستنفع من الوضع ويجهل أننا في مركب واحد، وان المتاجر بظلم الناس خاسر..!

لأهل الشيمة من ذوي العقول والمبادئ نقول: الذين لا يخشون في الله لومه لائم فنقول: اليوم يومكم، ولو بكلمة حق..

وللقلة المتجردة من الضمير والمبدأ نقول: لا تخافوا الله فيهم.. خافوا الله في أنفسكم.. فالظلم ظلمات ” وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم”
http://forum.shabir.tv/index.php?page=topic&show=1&id=13100
مقطع فيديو يبين التسلل الآثم للقوات لمهاجمة النائمين ومنعهم من الهروب


الرسالة لثالثة : مهزلة تلفزيون العين الواحدة


قبل قليل بث تلفزيون العين الواحدة – عفواً تلفزيون البحرين- تقريرا عن أحداث مجزرة الثالثة فجرا، ورغم أنه طُبخ على مهل إلا أن ثغراته كالعادة كانت أكبر من أن تخيل على عاقل !!

-     يزعم التقرير أنهم وجدوا في الموقع مسدسات وذخائر حية ” وقد كانت الناطقة باسم الداخلية سميرة رجب قد ادعت أنهم وجدوا قنابل ملتوف هناك ولكن يبدو أن تنسيق الرواية لم يكن موفقاً ” فإن كان هناك مسدسات كالتي أريتمونا إياها بعد أن استوليتم على الموقع بساعات ” لاحظوا” فلماذا لم يستخدمها أحد ضدكم ؟! لماذا يحوز أحد مسدساً إن كان ينوي ترككم تفتكون به وبمن معه، – لا- ويتركه لكم في أيضاً كحجة تخدمكم  !!
 
أظهر التقرير المزعوم وجود سيوف وسكاكين ” بالمناسبة السكاكين جديدة وأعتقد أنها من بضاعة رامز” وفي حين أظهرت عشرات مقاطع الفيديو المتظاهرين الفزعين وهم يتراكضون لم يظهر شريط واحد – بما فيه شريط الداخلية الذي مُنتج في 10 ساعات – صور ضرب المحتجين للشرطة..

-     التقرير أظهر شرطة يمنيين مصابين بشج في الرأس – حسناً- فلنفترض أن أحدهم قذف هؤلاء بحجر كيف آذاهم هكذا وهم يلبسون خوذات متينة حتى الرصاص عاجز عن اختراقها !!

-      بالطبع لتكتمل مسرحية السيف بُثت صورة عسكري وقد شق بطنه بالسيف والسؤال هنا: كيف لأحد أن يقترب بسيف ويشق بطن عسكري يحمل بندقية في يده !! لو كان الجرح من الظهر لصدقنا ولكن سيناريو ” زليخة ويوسف” هذا لا يخيل على أحد !!

بالطبع لم نكن نتوقع أن تخرج قوات الأمن وتعترف بالمجزرة.. وتوقعنا أن ترسل بلطجيتها ومخططيها لتزييف مواقف ومشاهد يرفضها المنطق لا تختلف حقاً عن تلك التي فبركها الإعلام المصري ! الحقيقة صارخة: ما تم اليوم اعتداء وحشي على مجموعة عزّل آمنين تحت جنح الليل.. أكذبوا بقدر ما تشاءون، فالشمس لا تحجب بغربال !
 
الساعة 4.30 من عصر يوم الغدر 2011


موقع لميس  17 فبراير 2011
 

اقرأ المزيد

الكاميرا الذكية في رواية الداخلية


طالعنا تلفزيون البحرين بعد صمت رسمي قارب 12 ساعة، برواية رسمية يتلعثم ناطقها الذي يحمل ورقة مكتوبة في يده، يعود لمطالعتها كلما ضاع من بين يديه نسج القصة. يبدو أن السيناريو المكتوب وصله في وقت لم يكن كافياً ليتدرب على فن إلقائه بشكل يُقنع المشاهدين بحقيقته.

الشريط الذي عوّل عليه مقدّم الرواية، يرينا أحد رجال الأمن، يُلقي عبر مكبر صوت صغير، ومن مسافة بعيدة عبر الجسر المقابل للدوار، تحذيراً بإخلاء المكان. التحذيرات لم تزد مدتها عن ثوان ليبدأ الهجوم. يبدو أن رجال الأمن قد تهيؤوا بكاميراتهم لرصد ما يريدون رصده هناك. لهذا أتى رصد لحظة الأمر بالإخلاء.

لكن لم تُرنا كاميرا رصد رجال الداخلية، ولا لقطة واحدة، تثبت ما زعمته الرواية الرسمية، من هجوم المعتصمين بالسيوف والسكاكين والحديد والمسدسات. الغريب أنها لم تتمكن لسوء حظها أن ترصد هذا، رغم أنه لكي يستخدم أحدهم واحدة من هذه الأدوات البدائية (والشبيهة ببدائية جِمال بلطجية مصر)، لا بد أن يأتي راكضاً بها من مكان بعيد، ولكي يستخدمها بالشكل الذي ينتج عنه إصابات بليغة وقريبة في رِجل َرجل الأمن أو أردافه أو ظهره (بالشكل الذي أظهرته لنا المشاهد المرعبة للكاميرا الراصدة)، لا بد أن يصل بها من داخل الخيمة في الدوار، إلى قوات الأمن المتسلحة بالخوذات والدروع والهابطين من جهة الجسر على شكل صفوف يحمي بعضها ظهر بعض! كان يمكن لكاميرا الداخلية الراصدة أن ترصد هذا التحرك من بعيد، حتى وصوله قريباً من رجال الأمن. ليست لقطة واحدة ترينا هذا ولا ترينا رمي بالحجارة حتى؟!

 الغريب الآخر، أنه ورغم ارتداء رجال الأمن خوذات الرأس، لا نعرف كيف جاءت معظم الإصابات المباشرة التي نقلتها لقطات تلفزيون البحرين على الرأس. وكيف لسيف أو سكين أن تخترق الخوذة الحديدية!

الغريب ليس الأخير الآخر، أن السيوف والسكاكين والأسلحة التي استخدمها المعتصمون الإرهابيون في الهجوم على رجال الأمن، لم نجدها ملقاة هنا وهناك في الطريق التي شهد المذابح الوحشية، بل نجدها لا تزال جالسة باستسلام، تنتظر اكتشافها من قبل رجال الأمن الذين مشطوا الخيم صباحاً، لها حسب الرواية، وحسب الكاميرا التي كانت تنطق عن صور فاقعة نهارها!!!
الكاميرا الراصدة، أيضاً، لم يسعفها رصدها أن تصور لنا علم حزب الله، الذي قالت روايتها أنه وُجد كان في الميدان مع السيوف والسكاكين والمسدسات والحديد.

وإذا كانت مجموعة من المعتصمين النائمين الذين تمت مباغتتهم ومفاجأتهم في وقت هم في أقل نشاطهم البدني، قد خلفت كل هذا العدد من المصابين من رجال الأمن المتأهبين والمباغتين، فهذا يجعلنا نتساءل عن كفاءة هذا الجهاز المحصن بمسيلات الدموع والشوزن والأسلحة، وعن قوة ذلك الجمع المحصن بخيمه، والمباغَتَةِ سيوفه!!!
 
 موقع الديمقراطي  17 فبراير 2011

اقرأ المزيد

عن علاقة الدولة والمجتمع


استخدم غرامشي كراريس مدرسية صغيرة في تدوين ملاحظاته واستنتاجاته النابهة عليها، لتعد هذه الكراريس ليس أهم ما أبدعه فحسب، وإنما من أهم المساهمات في تاريخ الحركة اليسارية والعمالية العالمية في موضوعات المجتمع المدني وتعريف المثقف ودوره.

في غمرة الانشغالات الفكرية والسياسية في العقود القليلة الماضية في العالم، وفي عالمنا العربي أيضاً، جرى بصورة غير مسبوقة تداول اسم ومساهمات هذا المفكر والمناضل اليساري الكبير، لا من قبل اليساريين وحدهم، وإنما من قبل كل المهتمين بالدراسات الثقافية وقضايا المجتمع المدني.

لم يكتف غرامشي بإعادة إنتاج التقسيم الماركسي المعروف للبنية الاجتماعية إلى بنية فوقية وبنية تحتية، وإنما سعى جاهداً لنقل مركز الثقل في البحث إلى القضايا الداخلة في نطاق البنية الفوقية، إدراكاً منه لأهمية هذه المنطقة في تقرير مجرى ومصائر الأمور، وكنوع من الرد على التفسير «الاقتصادوي» المبتذل الذي أساء لمنهج ماركس نفسه.

يميز غرامشي بين مستويين في البنية الفوقية: الأول هو المجتمع المدني أي مجموع المؤسسات التي تقول عنها في اللغة المتداولة أنها مؤسسات «داخلية وخاصة» حسب عبارته، والمستوى الثاني هو «المجتمع السياسي أو الدولة». والمستويان معاً يقومان في نظره بوظائف أيديولوجية وسياسية هي من صميم اشتغال البنية الفوقية لكنهما يختلفان معاً على صعيد نتائج عملهما.

لا يمكن فهم ذلك إلا متى وقفنا على معنى مفهومين مركزيين في خطاب غرامشي هما الهيمنة والسيطرة. تعني السيطرة تملك السلطة السياسية باستعمال أدوات مادية وهي وظيفة يرجعها إلى الدولة أو المجتمع السياسي، أما الهيمنة فتعني تحقيق تعميم نظام من الأفكار والقيم والتصورات في المجتمع، وهي وظيفة يقوم بها المجتمع المدني والمثقفون بصورة خاصة.

الدولة في النظام الديمقراطي ليست جسما نافراً في التكوين الاجتماعي أو كائناً سياسياً قهرياً مفروضاً على السياق الاجتماعي، بل إنها تعبر عن مستوى توازن القوى المتحقق في الحقلين الاجتماعي والسياسي. إنها انعكاس لتناقضات البنية الاجتماعية وتمثيل لها.

لكن غرامشي لا يقدم الأمر هنا على إطلاقه، فالمسألة مقرونة بطابع الدولة أو جوهرها، فحين تغيب الديمقراطية فإن الدولة تكون بطبيعة تكوينها جسما منغلقاً على نفسه محصوراً في قاعدته الفئوية الضيقة، فلا يكون لها من التمثيل شيء.

وبسبب فقدانها هذه الشرعية، تستثير بذلك نقيضها الاجتماعي في الدولة، فيميل المجتمع إلى قواعده الخلفية العميقة، أي إلى عصبياته، للاحتماء بها في وجهها.
 

اقرأ المزيد

تساؤلات حول الغضـب


لأننا نمر بمفترق طرق ، ومخاضً يقتضي الحكمة والإنصاف والتوافق، نتمنى على الجميع التجرد من الطائفية الساذجة والأحكام المسبقة والفرضيات المرتجلة قبل قراءة هذا التقرير لرؤية المشهد وفهم مجريات الأمور بدقة.. 

هل ما يجري اليوم محاولة لقلب الحكم استلهاماً من ثورتي مصر وتونس ؟

الجواب هو ” بكلا” ضخمة.. طيف الأمور التي يختلف عليها –وحولها- البحرينيون كثيرة ولكن شخص جلالة الملك ليس من بينها.. كل البيانات والصفحات والمدونات والتصريحات التي صدرت من حركة 14 فبراير كانت تنطق بذلك.. وفي اللقاءات الميدانية التي أجريناها كان الناس يستنجدون بالملك؛ أما الصيحات الغاضبة أو التعبيرات المنفلتة التي انطلقت عند استقبال ضحايا الاشتباكات فهي تعبيرات انفعالية لا تعبر إلا عن اللحظة ! ثم أن الغضب الشعبي ليس دوماً مرادفاً للرغبة في تغيير النظام أو استبدال الحاكم.. بل كثيرا ما يكون الغضب غضباً موجهاً لملفات ويكون الاحتجاج وسيلةً للدفع بمطالبات، لا أكثر ولا أقل..

من هم المعتصمون هذه المرة ؟

 خلافاً لما تختزنه ذاكرتنا من التسعينات، وما رأيناه في السنوات الـثماني الماضية، هؤلاء المعتصمون أكبر عمراً وأكثر نضجاً وهدوءاً.. وأغلبهم – حرفيا- نساء.. ليسوا ملثمين وهوياتهم معروفة ويزودونك بأسمائهم بكل يُسر وأريحية، مصرين على أن تكون احتجاجاتهم سلمية : يقفون في هدوء على جانبي الطريق -لا وسطه- يجلسون على الأرض أو الرصيف رافعي أيديهم ما أن تقترب منهم قوات الشغب عملاً بأدبيات التظاهر في الدول المتحضرة.. لم يحرقوا إطارا واحداً ولم يكسروا إشارةً ولم يقذفوا حجراً ولم يفجروا أسطوانة غاز “رغم ما أُشيع عن سرقة شاحنة أنابيب غاز لتفجيرها” ولم يحملوا سيفاً ولا سكيناً كما روج مهندسو الفتن ” ولو كان أي مما سلف وقع لنشرت الصور في كل مكان وفي صدر كل صحيفة في اليوم التالي”.. أنهم بالفعل نوعية مختلفة من المتظاهرين: لا يحملون إلا علم البحرين ويهتفون بحبها وبفدائها بالروح والدم وأحياناً ما يصرخون ” سلمية، سلمية” لتذكير أنفسهم – والآخرين- بأن تحركاتهم سلمية ويجب أن تكون كذلك.. وهذا الأسلوب الراقي والحضاري في التعبير هو ما دعونا له جميعاً في الأعوام الماضية.. وحتى عندما تركت قوات الأمن الساحات لهم – ربما لاختبار معدنهم ونواياهم- ظلوا هادئين ولم يصعدوا الأمر ولم يقذفوا حتى محرمة ورقية على أحد..!
 
لماذا انفرط عقال الأمور إذن ؟

كان التواجد العسكري مكثفاً وُقوبلت التحركات بعنف شديد أرعن وهطل وابلٌ من الرصاص الانشطاري والقنابل الصوتية والمسيلة للدموع بكثافةً على الناس ما أدى لسقوط عشرات الجرحى وشهيدين في أقل من 24 ساعة ! بيد أن الأمور اختلفت جذريا في اليوم التالي: ربما لأن التعليمات في اليوم الأول كانت متشنجة توصي بقمع المتظاهرين ظناً بأن الاحتجاج ستنحى للعنف فلما تبين للأمن سلمية التحركات قرروا التهدئة.. وربما كانت التهدئة ومد الحبل على الغارب للمتظاهرين بابٌ لإقامة الحجة عليهم إن انفلتت الأمور..في الحالتين لا شك أن لخطاب جلالة الملك، وتأكيده على حق الناس في التظاهر والاعتصام وإبداء الرأي ، كان العامل الفصل في الفسحة التي أعطيت للمتظاهرين..

وما هي المطالب التي يتحدثون عنها بالضبط ؟

عن تعديلات دستورية تمنح مزيداً من الصلاحيات للشعب، وعن هيئة وطنية لها صلاحيات كاملة تفتح حواراً شاملاً للوصول لتوافق ومصالحة وطنية شاملة، ووقف التجنيس السياسي ومحاسبة المعتدين على الثروات والأملاك العامة المنهوبة وعزل كل من تثارى على حساب إفقار الشعب وقاد للطبقية وسوء توزيع الدخل بالإضافة لمطالب تدور حول تحسين الأوضاع المعيشية..
لا نعتقد أن ثمة مطلب ” شاذ وغير وطني ” بين تلك المطالب.. بالطبع يرفع البعض السقف المطالبة بنظام ملكي دستوري وبأن يكون المجلس التشريعي منتخباً بالكامل ” بما فيه الشورى” ولكن لا شيء من تلك المطالب قرآن منزل، وتستطيع السلطة الالتقاء مع المتظاهرين في نقطة فتلك ليست معركة كسر عظم كما يود البعض أن يروج..
 
 
إن كانت المطالب كذلك فلم من يطالب بها هم الشيعية إجمالاً ؟ ولماذا يبدو الأمر للناظر أنه تجاذب سني/ شيعي ؟
الطريقة الوحيدة الناجعة لضرب أي تحركات شعبية هي تجييرها طائفيا/ فئوياً/ أو عرقياً، وتلك وصفة مجربة لطالماً أجهضت في البحرين مطالبات عادلة.. لعقود طويلة مضت كانت البحرين تزهو بتعدديتها وحققت الحركة المطلبية في السبعينيات الكثير لغياب التوترات الطائفية.. وحتى في التسعينات كانت القيادات السنية من أقوى السواعد التي بنت ما نحن عليه اليوم.. أما الآن وقد تصدع الكيان الاجتماعي ودخل الشعب في ” غيبوبة طائفية” وازدهرت الأصوات تألب أبناء الجلدة الواحدة على بعضهم.. صار البعض يتوهم أن كل ما يُطالب به الآخر سينتزع منه هو.. وأن الصراع هو على المكاسب الفئوية لا المكتسبات الوطنية..في حين أن المتأمل للمطالبات سيجدها متجردة من أي صبغة مذهبية، فهي مطالب وطنية يعم خيرها الشعب كله ..
 
ما علاقة إيران وقطر بالأمر إذن ؟

كعلاقة بريطانيا والهند بالأمر !! خرافة تصوير الأمر وكأنه محرك من الخارج.. نشيد ” الأيدي الخفية” و ” الأجندات الخارجية” و” التمويل الصفوي” المهترئ ذاته الذي لم يثبت بدليل واحد على مدار الأعوام الماضية..!! كل االتحويلات المالية مرصودة والمكالمات الهاتفية مراقبة والتحركات واللقاءات مكشوفة والسلطة لا تعوزها الوسيلة.. لذا رجاءً فليثبت أحد وجود علاقة مباشرة بين السلطة في إيران ” المتضعضعة أصلاً والغارقة في مشاكلها وصراعاتها” وبين القوى البحرينية المذنبة لمجرد أنها تتشارك في نفس المذهب مع إيران !!
أما قطر فقنواتها ليست مفتوحة للبحرينيين وحدهم فعلام كل هذا التحامل واستقراء مؤامرات غير موجودة..!! ما نتحدث عنه هو مطالب داخلية.. لوضع داخلي.. ولا يعقل أن يُوصم كل من يطالب بحقوقه أو بالتغيير بالعميل أو الجاحد أو المخرب..!!
 
ولكن كل هذا التوتر مكلف اقتصادياً واجتماعيا ؟

 المخاضات الوطنية والقومية والفكرية عادةً ما تكون مكلفة ولكن ” سعرها فيها” كما يقال .. علينا أن نتفق على المطالب الممكنة، والمطالب العاجلة، والمطالب المؤجلة.. الحراك السياسي بركة، الحوار الاجتماعي نعمة، لا تكرهوا شيئا وفيه خيرٌ كثير.. ودعوا الناس تعبر عن رأيها بشفافية وصراحة.. الآلاف التي خرجت ليسوا قططاً ولا وافدين ” ولو كانوا وافدين لسمعنا لهم أيضاً”، المناطق الـ17 المتفرقة التي شهدت احتجاجات ليست في تنزانيا أو بوليفيا.. كل هؤلاء مواطنون وأبناء جلدتكم ” ومنكم وفيكم” ومطالبهم هي مطالبكم ومكاسبهم هي مكاسبكم ورفاههم من رفاهكم .. وكل ما علينا هو احتواء الأمر ودراسة المطالب بإنصاف..
 
ولم يوم الميثاق بالذات.. لتعكير فرحة البحرين بالمناسبة ؟

الميثاق كان نقطة تحول في مسيرة البلاد.. كان فجراً ماطراً أعقب سنوات عجاف.. وهو المناسبة الأعز والأغلى على قلوب البحرينيين ولم تسبقهُ – ولم تعقبهُ- ذكرى التف حولها كل الشعب بكل حب ووئام.. بالمناسبة: كنت عصراً من بين من تشرفوا بحضور الاحتفال بذكرى الميثاق بحضور جلالة الملك وكنت مع المتظاهرين في المشفى ليلاً لأقول : أننا أكثر من فخورين وسعداء بالميثاق وذكراه.. ولكننا ندعم حق الناس في المطالبة بالمزيد من الإصلاحات.. وهذا ما أراده الناس، فالميثاق نقلنا – قبل 10 سنوات- من دولة قمعية لدولة عصرية وربما تنقلنا الذكرى ذاتها لنكون دولة مكتملة الديمقراطية..

 بمفترق طرق ، ومخاضً يقتضي ولكن ليس كل الشعب مقتنع بتلك المطالب ؟ أو بأسلوب التعبير عنها ؟
من حقهم .. من حق كل فرد أن يكون له وجهة نظر خاصة في صيرورة الأمور ومن حقه علينا أن نحترم فكره.. من خرج للطرقات يصفق ويهلل حاملاً علم البحرين من حقه أن يعتقد أن ما تحقق منتهى آماله.. ومن خرج حاملاً علم البحرين وهاتفاً باسمها ويطالب بالمزيد من حقه أن يعبر عن رأيه .. ليس ثمة مجتمعٌ ألتف على رأي واحد المهم هو سيادة لغة الاحترام وعدم تسفيه أو تشويه جهة ، من خرجوا متظاهرين ليسوا فوضويين ولا عملاء ولا مثيري للفتن.. ومن خرجوا يهللون ويحملون صور القيادة ليسوا منافقين ومتمصلحين ومتسلقين.. كل إنسان له زاويته في النظر للأمور التي يجب أن تحترم وكما قال فولتير ” أخالفك الرأي لكني مستعد للموت في سبيل أن تقول أنت رأيك”
 
وماذا بعد ؟
قبل عشر سنوات لم يكن ما يقال بمختلف عن ما يقال اليوم، ولا نريد أن نحرج بعض الزملاء المخضرمين ونذكرهم بما كانوا يطنطنون به قبل المشروع الإصلاحي وكيف كانوا يروجون لأن الديمقراطية فكرة دخيلة لا تتناسب والحالة البحرينية وأن المطالبة  بالبرلمان شطحة حالمين..هؤلاء – ذاتهم- غيروا نبرتهم بعد انبلاج المشروع الإصلاحي بيوم واحد وعشنا جميعا الحلم.. اعتقد أن ما نحاول قوله أن ما يبدو ضخماً وغير قابل للترجمة غير عسير على الله ولا على مليكنا..

مبادرة جلالة الملك يوم امس بتشكيل لجنة تحقيق وما أظهره من اهتمام أمرٌ مبشر.. تغير سياسة ونبرة الداخلية والسماح للشباب بالتجمهر من ظهر أمس أمرٌ مبشر.. وعي شبابنا وذكاء رجالاتنا في إدارة الموقف ومساهمة نساءنا أمر مبشر.. الوطن كبير ويسعنا جميعا، والغد أجمل فلا تخشوا التغيير والتحولات ولا تسمعوا لأرباب الفتن..
والله – وحده- من وراء القصد

 
موقع لميس
16 فبراير 2011

اقرأ المزيد

ثورة مصر: نسيم الديمقراطية والحرية المنعش يهب على مصر والعالم العربي – عادل حبــه


الكاتب عادل حبـه
كاتب عراقي
 
على أهمية ثورة الشعب التونسي الشجاع التي أطاحت بالطغيان في 11 يناير/ كانون الثاني الديمقراطية، فإن ثورة المصريين الديمقراطية وما نتج عنها من الإطاحة بطاغية آخر في 11 فبراير/شباط لها طعم خاص وتأثيرات تاريخية على الوضع السياسي في مصر وجميع البلدان العربية والمنطقة. فمصر وشعبها الشجاع له مكانة خاصة في قلوب ووجدان العرب وغير العرب لحضارته العريقة وتاريخه وأدبه وفنه الذي ترك آثاراً بارزة على جوانب الحياة في البلدان العربية.

من أجل الديمقراطية والحرية

ثورة مصر تتميز بالفرادة في تاريخ الشعب المصري. فهي ريادية في توقيتها وفي مفرداتها واسلوبها وتطوراتها. ثورة صعب على المحللين التنبؤ بها ظناً منهم بأنه قد تم تدجين هذا الشعب الكريم. إنها ثورة أثارت العجب والدهشة لكل من تابعها لكونها تميزت بطابعها الشعبي وبإسلوبها السلمي وبعيداً عن البنادق والمتفجرات وانضباطها وتخطيطها الرفيعين، بالرغم من غياب القيادة الواضحة لها. لقد أطاحت الثورة وفي زمن قباسي وفي خلال أسبوعين بنظام استبدادي ظن الكثيرون أنه ذو حصانة ضد كل أعاصير الزمن، إسبوعان لم يشهد الشعب المصري فيها الفتن بين المسلمين والأقباط ولا فلول الانتحاريين المتطرفين.

فقد كان النظام السابق المنهار يسن قوانين تزدري وتستخف بإرادة هذا الشعب وتهمشه، قوانين تتناسب مع قوام رموزه. وأصبح تزوير الانتخابات والفوز بنسب عالية من مقاعد البرلمان سمة دائمة ومفضلة لأقطاب النظام. وراح طاقم النظام يحتكر كل موارد الدولة لصالح نخب عائلية فاقدة الأهلية والكفاءة تقوم بنهب مفضوح وعلى رؤوس الأشهاد للمال العام. وتحول الحاكم ورموزه إلى إله وتاجر ورأسمالي ومحتكر لقوت الشعب. كما تحولت الوزارات إلى نوادي للعائلة الحاكمة وعوائل مريديها من الأميين، ومؤسسات نهب لرجال الأعمال ولتقديم المكافئات واشاعة الفساد بدلاً من أن تكون مؤسسات تدار من قبل ذوي الكفاءات وقادرة على حل المشاكل التي يعاني منها الشعب المصري وخادمة له.

وهكذا تحولت الدولة المصرية إلى دولة شخص بمفرده تنهار وتتصدع بعد كل انهيار وتصدع أو حتى عارضة مرضية لهذا الشخص تماماً كما حدث عندنا في العراق. وشكلت هذه النخبة الحاكمة في مصر حزباً بلغ عدد أعضائه الملايين، ولكنه بدا هشاً وغير قادر حتى على الدفاع عن النظام في أزمته الأخيرة. فقد بلغ عدد أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الذي حكم مصر لمدة تزيد على أربعة عقود ثلاثة ملايين عضو في الأيام الأخيرة من حكم مبارك، ولكنه لم يستطع تنظيم ولو تظاهرة صغيرة لدعم النظام في أوج ثورة الشعب المصري، باستثناء تلك العصابة المدفوعة الثمن التي ركبت الجمال والبغال والجياد والحمير لتهاجم المتظاهرين العزل ظناً منها أنها تستطيع لّي وتطويع إرادة الشعب المصري. حزب تهافت أقطابه بعد لحظة إعلان مبارك تنحيه عن الحكم إلى تقديم استقالاتهم وتمزيق بطاقات عضويتهم.

لقد عمد هذا الحكم المعزول عن الشعب وغير القادر على معالجة الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي إلى البطش والبلطجة كوسيلة وحيدة للاحتفاظ بكرسيه. وأسس أجهزة أمنية لا تهدف إلى حماية المواطن المصري بل لقمع أية بادرة للاحتجاج على الوضع المأساوي لشعب يعيش أكثر من مليون منه في القاهرة وحدها في المقابر و”التُرب”. فلم يكتف النظام بالشرطة المصرية العلنية والسرية التي تناهز المليون، فبادر إلى تأسيس الأمن المركزي من 300 ألف فرد ليصبح القوة المرعبة الضاربة للنظام لقمع أية احتجاجات شعبية. كما لم يتردد النظام المصري المنهار بالاستعانة بفرق البلطجية المدفوعة الثمن لتفريق المعارضين للحكم أو لتزوير إرادة الشعب المصري في الانتخابات الصورية التي كان يجريها.

لقد استعان هذا النظام في بداية عهده بالقوى الظلامية وقوى التطرف الديني كي يردع ويحد من نفوذ قوى التنوير والحداثة والديمقراطية المطالبة بدولة القانون واحترام الحريات العامة والحقوق الديمقراطية وضمان سلطة الشعب. وهكذا كان النظام أول من بادر إلى دعم التطرف الديني ومدّه بالإمكانيات كي يخوض ” الجهاد” في أفغانستان. إن معاداة الديمقراطية ومعاداة الفكر الديمقراطي الحر التي مارسها الحكم في مصر، والنهج الاقتصادي والاجتماعي الضار لحكام مصر خلال أكثر من ثلاثة عقود حوّل مصر إلى حاضنة لقوى الظلام والإرهاب والجهل. وأخذت تصدر إلى العرب والعالم نماذج غريبة من أمثال أيمن الظواهري وأبو حفصة المصري والقرضاوي وعمر عبد الرحمن الذين لا يفهمون من الدين سوى التخلف والقتل واستباحة أموال وأعراض الناس في مصر وخارجها. لقد كانت مصر قبل هذه الموجة الظلامية مصدر اشعاع فكري تنويري ديمقراطي قدمت للإنسانية رجالاً من أمثال طه حسين ومحمد عبده وقاسم أمين وسلامة موسى وعبد الرحمن بدوي ونجيب محفوظ وعبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم والمئات من المفكرين والفلاسفة. ولكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر عندما اشتد عود هذه التيارات المتطرفة لتتحول إلى وبال على مصر والعالم وعلى الحُكم نفسه. كل ذلك بفضل بركات هذا النظام المنهار.

إن هذا النظام لم يقرأ ويتفحص مشاكل مصر، وجملة المتغيرات التي طرأت على مصر وعلى جيله الجديد الذي يشكل ثلث السكان. هذا الجيل الجديد الذي يتبنى منظومة قيمية ديمقراطية حديثة وتطلعات وأحلام تختلف عن تلك التي حلم بها الجيل السابق. إنه جيل قرأ بدقة المتغيرات في مجتمعه وفي محيطه العربي وما طرأ من تحولات جذرية في محيطه العالمي.. لقد كانت النخبة الحاكمة غارقة في سبات السطو على المال العام واللهاث وراء الامتيازات وبعيدة عن هموم الشعب المصري الذي يعيش أكثر من 40% منه تحت خط الفقر. وكان النظام ينظر إلى أبناء مصر كرعاع وعبيد لا يستحقون ممارسة الديمقراطية على حد تعبير عمر سليمان نائب الرئيس مبارك في أوج ثورة مصر الأخيرة. وهذا النظام لا يفكر ولا يخطط للشعب في مصر ولا حتى للشعوب العربية سوى أنظمة استبدادية. ولقد قالها حسني مبارك في حديث تلفزيوني صراحة عندما تطرق إلى الوضع في العراق حيث لم ير أي مخرج من الارهاب الدموي الذي يتعرض له العراقيون سوى تسلط ديكتاتور ليحكمهم. فهذا النظام لعب دوراً تنظيرياً خطيراً منذ عقود في تكريس مفهوم الاستبداد ومعاداة الديمقراطية والحياة الحزبية السليمة في مصر والعالم العربي ومنذ ثورة يوليو عام 1952 ، ووأد الديمقراطية في سوريا تحت لافتة الوحدة الاندماجية والترويج لكل سلطة متجبرة والعداء ضد كل نزوع ديمقراطي في عالمنا العربي.

إلا أن شابات مصر وشبابها الشجعان فاجأوا العرب والعالم بثورتهم الفريدة بعد أن ظن الجميع أن شعب مصر قد تم تطويعه وتدجينه، وأضحى في سبات. إن تراكم القهر والحرمان لدى الشعب وما رافقه من إيغال النظام في سياسته المدمرة، خلقا وعياً جديداً لدى جيل الشباب الذي يتمتع بالقدرة على تلمس الطريق السلمي نحو إنجاز هذا العرس الدسمقراطس العظيم في تاريخ مصر. ان هؤلاء الشباب ذوي العقلية المتحضرة و الثقافة السياسية والمهارة العالية في إدارة هذه الثورة المجيدة، قد حولوا شعب مصر خلال أيام معدودة على حد تعبير عمار الشريعي الموسيقار المصري المعروف وفي ندوة تلفزيونية أخيراً “من كلاب وعبيد إلى أوادم”!!. إن هؤلاء الشباب أدركوا أنه بدون حرية وديمقراطية لا يمكن الحديث عن البناء واستقلال البلاد، ولهذا ولأول مرة في تاريخ العرب رفعوا شعار الديمقراطية لثورتهم بعد أن كان الشعار الأول لكل الثورات والهبات الشعبية السابقة يركز على الاستقلال الوطني ومواجهة التدخل الأجنبي الذي ما لبث أن تحول إلى شعارات تمجيد وتأليه “الزعيم” التاريخي وحتى الترويج لطغيانه بذريعة مزيفة وكاذبة من “مواجهته للاستعمار والإمبريالية”. لقد سحب هؤلاء الشباب البساط وبكفاءة عالية من تحت هذا الحكم المتجبر والمتغطرس، تماماً كما سحبوا البساط من تحت القوى السياسية التي ابتعدت عن نبض الشارع المصري وهمومه وأضاعت الحلقة الأساسية في بناء بلد حديث وعصري متطور الا وهو مطلب الديمقراطية. كما انهم سحبوا البساط من تحت القوى التقليدية التي أرادت ركوب موجة التغيير الديمقراطية العارمة التي شهدتها مصر. فالأخوان المسلمون الذين روجوا لسنوات طوال موضوعة الاستبداد الدينية تحت شعار “حكم الله” و “الدولة الإسلامية” التي كان أصحابه أول من فتح باب الحوار مع دولة الطغيان. ولم يجد لهؤلاء موقعاً مؤثراً في هذه الموجة الشبابية التي تصر على قيام دولة ديمقراطية حديثة في مصر لا دولة استبدادية تحت أية واجهة دينية أم غير دينية.

وسرعان ما تركت الثورة المصرية منذ اندلاع شرارتها الأولى آثارها على ضمير الشعوب العربية وعلى دول المنطقة عموماً. فشعوبنا التي سلبت حقوقها وإرادتها لعقود تدرك أن ثورة مصر لابد أن تحدث انعطافة جدية في مسار تحقيق أحلام شعوبنا في ارساء أنظمة قائمة على القانون، أنظمة عصرية حديثة تعتمد على الديمقراطية وتأمين الحريات العامة في دول المنطقة وبشكل سريع وقد يفوق توقعات المحللين. فمنذ اللحظات الأولى لثورة مصر المجيدة بدأ الشارع العربي يتململ ويتحرك ضد الأنظمة البالية. في حين التزم فرسان الاستبداد العربي بعد سقوط النظام الصمت بعد أن جاهدوا في الأيام الأولى من الثورة إلى الدفاع عن طاغية مصر. وراح البعض منهم يتسابق في زيادة الرواتب وتقديم “الرشاوي” لشعوبهم كي يتجنبوا مصير طغاة تونس ومصر. فلا يستطيع مروجو الاستبداد في العالم العربي ودول المنطقة أن يتجاهلوا نسيم الديمقراطية والحرية وينأوا ببلدانهم عن هذا النسيم المنعش. ومن الهراء والغباء أن يظل حكامنا متمسكون بموضوعات الاستبداد ومعاداة الحرية والديمقراطية، فقطارها قادم ونسيمها سيهب ويزيل كوابيس الاستبداد والفساد والنهب الذي تمارسه هذه الأنظمة البالية. شعوبنا على شفى تغيير قادم، فلا محالة من ذلك خاصة وأن مصر قد دخلت بكل ثقلها في مسار التغيير الديمقراطي. فلم يعد من المعقول أن ندخل قرن الانترنت واليوتيوب في ظل صدور الفتاوى الغريبة من رجال الدين وهلوستهم وتلاعبهم بالمشاعر البريئة للمواطن عن طريق منع الجلوس على الكراسي، واضطهاد المرأة ومنعها حتى من استخدام السيارات في بعض دول الخليج، أو توزيع ثروة البلاد على أعضاء العائلة المالكة والأمراء والسلاطين وتعيين الوزارات بقرار ملكي سلطاني دون الرجوع إلى الشعب وبدون أي مجوز قانوني. كما أنه من المعيب وفي قرننا الواحد والعشرين أن يعين الأمراء وزراء ومسؤولين في حين يحرم الشعب من تولي المسؤولية واختيار المسؤولين أو نواب في برلمانات منتخبة بشكل حر. ومن المعيب أن تتحول الجمهوريات في العالم العربي إلى أنظمة أكثر بطشاً من الأنظمة الملكية، ومن غير المقبول أن تصرف هذه الأنظمة الملايين على أجهزة قمع المواطنين أو تلحين الأغاني والأناشيد ونشر النصب والتصاوير كبيرة الحجم للحكام في كل شوارع ومدن بلداننا بدلاً من صرف هذه الأموال على بناء المدارس والمستشفيات وتقديم الخدمات العامة لأصحاب البلد. إن هؤلاء الحكام يعيشون في عصر غابر متخلف غير عصرنا الذي يتميز بالشفافية وهذه الموجة العارمة من الديمقراطية التي أطاحت بأنظمة جبارة في العالم.

إن ثورة مصر هي أيضاً ناقوس خطر لمن يتصدر المشهد السياسي العراقي ولمن يحاول تشويه العملية السياسية وتقيييد الحريات في البلاد. فالشعب العراقي استقبل سقوط طاغية بغداد بأمل إرساء بديل نقيض للنظام السابق وتحقيق ديمقراطية راسخة وحل المشاكل الخطيرة التي تواجه البلاد. إلاّ أن هناك قوى بعينها لا ترى في الديمقراطية الوليدة في العراق إلاّ وسيلة لفرض منهج استبدادي وبغلاف ديني مذهبي وطائفي على العراقيين. إن هذه القوى تسعى وبشكل محموم إلى تشويه العملية الديمقراطية الوليدة وحرفها عن مسارها لغرض فرض هيمنتها على البلاد والتلاعب بثرواتها. فالتوارث العائلي في بعض الأحزاب السياسية العراقية يتعارض مع أبسط معايير الديمقراطية التي ينشدها الشعب. كما إن احتفاظ بعض الأحزاب السياسية، وهي التي تساهم في السلطة الآن بميليشيات مسلحة وأجهزة أمنية خارج سيطرة الدولة، يلحق أشد الأضرار بالعملية السياسية الديمقراطية ويهددها وينذر بمسقبل استبدادي للعراق. كما إن المبالغة في نشر تصاوير قادة الأحزاب هو مسعى فاسد لتأليه الزعيم وتهميش دور المواطن ومسعى للعودة إلى الحاكم الجائر المستبد ويتعارض مع قيم الديمقراطية. كما أن الاستعانة بوزراء ومسؤولين أميين فاشلين في المحافظات ليس في مقدورهم حل المشاكل البالغة التعقيد في توفير الخدمات بدلاً من الاستعانة بالحكماء ومن ذوي البصيرة والخبرة والنزاهة ومن التكنوقراط من الذين لديهم القدرة على حل هذه المشاكل. فتشكيل الوزارة الحالية التي ينخرها الصراع على المناصب والقائمة على التأطير الطائفي والعرقي سوف لا يحل أي من المشاكل التي يعاني منها المواطن العراقي، وما على النخب السياسية من حل سوى الاستعانة بالنخب الخيرة من أهل الخبرة والنزاهة بدل المحاصصين الحاليين الذين يسعون حتى إلى تجاهل الدستور ونقضه من أجل حفنة من المناصب والفرص الشخصية. لقد مرت سبع سنوات هي كافية للدلالة على فشل الجهلة حتى في تنظيف شوارع المدن العراقية أو حل مشكلة المجاري، فكيف لهم القدرة على إدارة دولة معقدة كالدولة العراقية. إن النزعة التي تهيمن على عقلية الكثير من المتصدرين للمشهد السياسي لا تؤدي إلاّ إلى نشر الفساد وعرقلة بناء البلد وتعطيل العملية الديمقراطية. فالعراق في أمس الحاجة إلى من يسعى حقاً إلى تكريس مفاهيم الحرية والديمقراطية، إلى من يدرك طريق بناء هذا البلد المخرب مادياً وروحياً، إلى أناس ذوي مستوى ثقافي وعلمي يصلح نفوس هذا الشعب الذي دمرته أعاصير الاستبداد. فالشعب لا يحتاج إلى متاجرين بالمذهب والدين واستغلال الطقوس الدينية المقدسة لأغراض سياسية وطائفية لا تؤدي إلاّ إلى زرع الفتن والشقاق بين مكونات الشعب العراقي، وتوفر الفرص لفرسان الإرهاب للإيغال بقتل العراقيين واستباحة دمهم.

إن ثورة مصر الديمقراطية ستهب بنسيمها وعبرها ودروسها على العراقيين لتلهم الحكمة والاختيار الناجح للمسؤولين في إدارة البلاد وإيصالها إلى بر الأمان والسلام والبناء، تماماً كما سيهب نسيمها على قلاع الاستبداد المشين في عالمنا العربي والإسلامي ليهدها كي تساهم شعوبنا في ركب الحضارة الانسانية.

11/2/2011


 

اقرأ المزيد

عشرة أخطاء تسقط العروش!! محمود المنير




الكاتب : محمود المنير – كاتب مصري


أسقط الشعب التونسي رئيسه المخلوع بن على وعلى إثره أسقط الشعب المصري حسنى مبارك فهوى ، ولم يستغرق سقوط الرجلين بضعه أسابيع رغم تحصنهما بنظام بوليسي قمعي لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلا ، فهل يعى غيرهما من الحكام الدرس على بساطته ؟! الشواهد والأيام القادمة هي من تحدد من استوعب الدرس ومن سيتمادى في غيه فيعرض نفسه للسقوط المدوي كمن سبقه من الطغاة.

ولكن يجدر بنا أن نقف على أبرز عشرة أخطاء أو الخطايا الفادحة التي أدت إلى سقوط بن على ومبارك ومن سيستمر على نهجهما . 

كلاهما ادعى الفهم وأثبتت الأحداث أنه لم يفهم ، وكلاهما توسل للشعب أن يعطيه فرصة أخرى فلم يُعطيَ ، وكلاهما عاند وتمادى في العناد فكان الشعب أشد بأسا في حرب الإرادات وأبقى ، ويبدو أن بن على  ومبارك ارتكبا خطايا جعلتهما في سلة مهملات التاريخ, وعليه فماذا كانت أخطاؤهما الكبرى؟ والتي قد تختلف أو تتشابه إلا أنني سأركز على النموذج المصري لمعايشتي له فانا أتحدث عن وطني وهمومه .

أولا: الإخفاق الكبير في توزيع ثروات البلاد التي قالوا أنها في ازدياد, وصدعوا الشعب بأرقامها ومعدلات نموها ليلا ونهارا فلم يشعر الشعب بأنه حصل على نصيبه العادل من تلك الثروة, وبدلا من ذلك كان الشعب  يشاهد رجال الأعمال الأثرياء يقيمون صلات وروابط مع الحزب الحاكم ويسرقون ثروات وخيرات البلاد.

ثانيا: اشتراك الرئيس ومعه النظام في السماح بانتشار الفساد ليتغلغل في حياة الشعب وهو ما جعل من المستحيل على أي كان في البلاد تحقيق حياة نزيهة شريفة , حيث لا يمكن إنجاز أي شيء دون أن يلوث يده بتقديم رشوة أو يبحث عن واسطة علاوة على تكديس الثروات عن طريق الاختلاس.

ثالثا: عدم وجود مشروع قومي للدولة ليوجه الشعب لتحقيقه وغياب الرؤية فغاب مفهوم الدولة وضعف الانتماء وهربت العقول المبدعة للخارج ، وأهملت طاقات الشباب ، وساد الإهمال في مرافق الدولة ودب الفشل في القطاع العام ، وخُصخصت مشاريع الدولة ليمتلكها المستثمرين ورجال الأعمال ، ولم يبق من الدولة سوي بنية تحتية متهالكة وظروف اجتماعية اقتصادية عفنة وولاء كامل للولايات المتحدة وإسرائيل.

رابعا: استمرار النظام في الكذب على الشعب  بإدعاء الإصلاح والتغيير والفكر الجديد عبر إصلاحات والشعارات وهمية وشكلية وفاترة, أدت إلى تزايد شكوك الشعب وفقدان الأمل في الخروج من الانسداد السياسي الذي أقصى كل المعارضة بكل أطيافها والاحتكار المستمر للسلطة وهذا ما عبرت عنه الانتخابات الأخيرة والتي شهدت تزويرا لم يسبق له مثيل .

خامسا: تكريس الخطوات الرامية إلى استكمال مسلسل التوريث وهو ما قتل الفرصة أمام خروج البلاد من الحقبة السابقة والحالية من الفساد والتسلط والقمع والإقصاء واستمرار تردى الأحوال من سيئ إلى أسوء من تزايد الفروق بين الطبقات بل سحق الطبقة الوسطى من الشعب بالجهل والفقر والمرض والبطالة والعشوائيات…الخ. 

سادسا: الاستخفاف بالشعب وتجاهله وصم الآذان عن مطالبه العادلة وحركته الفاعلة والمتنامية وتجاهل الاحتقان السائد والمكبوت داخل الصدور التي تغلي وتفور من آن إلى آخر والاستهانة بقدرة الشعب على التغيير متى شاء . ووضح هذا جليا من تعامل وزارة الداخلية والشرطة مع المظاهرات العارمة اندفعت إلى الشوارع يوم 25 يناير ، ثم سوء تعاملها واستخدامها للقوة المفرطة باستخدام الرصاص المحرم دوليا ، ورش المياة الساخنة القذرة على الشباب ثم حوادث الدهس والبلطجة والقنص للشباب الطاهر البرئ وإثارة الفوضى في ربوع مصر من أجل بقاء نظام فاسد مستبد.

سابعا:المبالغة في الكذب والخداع والاستخفاف ، فخلال الحملات الانتخابية البرلمانية في الثلاثين سنة الماضية, سمح مبارك ونظامه المتسلط بحصول أحزاب المعارضة على أعداد رمزية من المقاعد البرلمانية لتكون ديكورا لنظام ديكتاتوري فاسد , و في انتخابات 2010, زور الحزب الوطني الديمقراطي الانتخابات بطريقة جامحة وخارجة على السيطرة وترك حفنة فقط من المقاعد لحزب الوفد ، في حين لم يحصل الإخوان المسلمون على نصيب من المقاعد البرلمانية وخرجوا بلا مقعد من الحملة الانتخابية بعدما كان لهم ثمانية وثمانين مقعدا بالبرلمان السابق  .

ثامنا: بث الفوضى العارمة التي وصلت لحد الجرائم الإنسانية والخيانة العظمى بسحب الشرطة من كل المرافق بالدولة وإرسال الرعاع والبلطجية, فبعد اختفاء قوات الشرطة بطريقة غامضة, انتشرت عصابات تقوم بالسلب والنهب، هاجمت المحلات التجارية والبيوت علاوة على ترويع المواطنين العاديين وتبين أن أفراد تلك العصابات يحملون هويات شرطة ورجال أمن, فمبارك كان يساوم الشعب بين الحرية أو الفوضى وقالها صراحة في خطابه الأول والثاني  فأخطأ التقدير بدرجة سيئة, وتزايد لهيب الثورة من ذلك الحين.

تاسعا: عسكرة الدولة على مدى فترات حكمه فعين المحافظين من لواءات الشرطة المتقاعدين ، وأطلق يد أمن الدولة لتعيث في ربوع مصر فسادا وتتحكم في كل مؤسساتها بدءاً من تعيين العامل إلى تعيين عمداء الجامعات ،وقدم العشرات من الشرفاء إلى محاكمات عسكرية جائرة بل ونهب ثروات الشعب بالقوة وتدمير الشركات وتوجيه العديد من الضربات الاقتصادية عبر السرقة والنهب أثناء تفتيش المنازل دون إذن النيابة وغيرها من حماقات وتجاوز الأمن في ممارسة صلاحياته وضاعف عدد قوات الأمن العام المنوط بها ردع المظاهرات والاحتجاجات ليبلغ عددها مليونا ونصف في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد الجيش 350 ألف أضف إلى ذلك إدخاله المقربين منه والمحسوبين من العسكر للسلطة في أحداث الثورة رغم خطابه الذي تعهد فيه بإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية كثيرة دون أن يحددها, فعين رئيس مخابراته عمر سليمان جلاد التعذيب الدولي ورجل أمريكا وإسرائيل ليكون نائبه, وحل حكومته وعين جنرالا متقاعدا من سلاح الجو رئيسا للحكومة , لحماية مصالحه والحفاظ عليها كالعادة والمبالغة في عسكرة دولة من المفروض أنها مدنية.

عاشرا : لعب دور الحليف الاستراتيجي وشرطي المنطقة المخلص والحامي لأمن إسرائيل في المنطقة و ظهر ذلك جليا في محاربة الإسلاميين في الداخل والخارج ، فأحكم الحصار الخانق على قطاع غزة لصالح إسرائيل وغذى الخلاف بين السلطة وحماس لصالح الأولى، وشيد جدارا فولاذيا عازلا بالتنسيق مع الأمريكان لإحكام السيطرة على حماس وتركيع أهل غزة لصالح المشروع الصهيوني وغيرها من السياسات التي تعد خيانة عظمى لقضية الأمة المحورية في فلسطين علاوة على زيادة الحنق عليه بتصدير الغاز لإسرائيل بأبخس الأثمان . 

  
 
جريدة مباشر الكويتية الالكترونية
  13 فبراير, 2011

اقرأ المزيد

لقاء جريدة “الراي” حول “التيار التقدمي الكويتي” مع أحمد الديين


كشف الكاتب أحمد الديين أن التيار التقدمي الكويتي هو تيار قديم وليس مستحدثاً، وقد شارك في تأسيس المنبر الديموقراطي ولم يكن يعمل بشكل علني ابان تعليق الدستور، لكنه ارتأى في الاونة الاخيرة ضرورة الاعلان عن تواجده، مشيراً الى انه باختصار هو تيار سياسي مستقل يؤمن بضرورة التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وقال الديين في لقاء مع «الراي» ان التيار التقدمي يؤمن بضرورة رفع الظلم الطبقي وذلك من خلال تدخل الدولة في الاقتصاد، وهو ما يمثل نقطة اختلافه مع التيار الليبرالي الذي اثبتت الازمة الاقتصادية العالمية فشل اطروحاته الاقتصادية، لافتاً الى ان التيار التقدمي يدافع عن مصالح الفئات الشعبية والطبقة العاملة وينظر للانظمة الغربية والولايات المتحدة على انها امبريالية استشرت عدوانيتها بعد تفرد القطب الاوحد.

وأشار الديين الى ان التيار التقدمي يرى ان الوصول الى الاشتراكية هدف بعيد المدى، وهو يتعامل انياً مع واقع ممثل في مواجهة التخلف والاستبداد، منطلقاً من اولوية مشروع الدولة الحديثة التي تسعى لارساء الديموقراطية الحديثة وليس ديموقراطية الحد الادنى، مؤكداً ان هذا التيار ليس له أي تمثيل برلماني ولكنه مشارك في التصدي لقضايا عدة طرحت في البلاد.

ونفى الديين أن يكون هذا التيار امتداداً للتكتل الشعبي البرلماني رغم قرب أطروحاتهما، لاسيما ما يتعلق بالدفاع عن المكتسبات الدستورية والشعبية، منوهاً الى ان ما يجمعهم مع التيارات الاسلامية ويفرقهم عنهم هو ما يجمعهم مع بقية التيارات من خلال مواقفهم من مختلف القضايا، خاصة وان خصمهم الأول هو النهج السلطوي.

ولفت الديين الى ان لدينا في البلاد تخلفا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا رغم وجود دستور، فهو دستور الحد الادنى وغير مطبق وأفرغ من مضامينه الديموقراطية من خلال القوانين المقيدة للحريات، مشدداً على ان قيمة هذا الدستور كغيره من الدساتير يعكسها ميزان القوى. ولدينا في الكويت مشكلة اختلال هذا الميزان لصالح القوى المتربصة بالدستور، مشيرا الى ان موقفهم من تنقيحه ليس مطلقاً ومشروطاً بآليات ومحددات وبيئة معينة.

ولفت الديين الى ان بعض ابناء الاسرة الحاكمة يرى ان دستور 62 خطأ يجب تصحيحه، بينما هو مكسب ليس فقط للامة وانما لهم، من خلال تكريس شرعيتهم التاريخية في اطار الامارة التقليدية، مشدداً على ان ميزان القوى متغير، فرغم وجود غالبية برلمانية حكومية والعبث السلطوي هناك شباب واع ومحيط عربي بدأ يستفيق وينتفض على الاستبداد.

واوضح الديين ان لدينا ازمة سياسية تتمثل في التناقض القائم بين نهج «المشيخة» ومتطلبات التطور الديموقراطي لبناء الدولة الحديثة. وقد ان الأوان للاسرة الحاكمة بان تدرك ان مستقبلها مرتبط بتوافقها مع مشروع الدولة الحديثة، فهي جزء لا يتجزأ من صميم المجتمع الكويتي، مبيناً انه يخاطب بهذا الطرح الاطراف التي تحن لعهد المشيخة.

واكد الديين ان تفكيك الازمة السياسية يتطلب مرحلياً وقف نهج الملاحقات السياسية باسم القانون واهدار الحصانة البرلمانية وافراغ الدستور من محتواه عبر تفسير بعض مواده، وان يكون مدخل جميع هذه الاصلاحات رحيل الادارة السياسية واعادة الاعتبار لمشروع الدولة الحديثة الذي بدأ في عهد الشيخ عبدالله السالم، لافتا الى ان الدستور لم يمنح المحكمة الدستورية أي سلطة سوى تفسير القوانين واللوائح.



وفي ما يلي نص اللقاء:




• ذكرت في آخر ظهور اعلامي لك في ندوة النائب مبارك الوعلان بأنك مشارك في هذه الندوة كممثل عن التيار التقدمي الكويتي. فما هو هذا التيار ومتى تم انشاؤه ومن هم ممثلوه؟




 التيار التقدمي في الكويت بشكل عام تيار قديم وليس بجديد أو مستحدث، وكان يعمل بصورة مستقلة في بداياته. ولكن نظراً للظروف المصاحبة لفترة تعطيل الدستور لم يكن تيارنا يعمل بشكل علني، وبعد فترة تحرير الكويت تهيأت الفرصة لاعادة تشكيل التيارات السياسية والعمل بشكل علني. ونحن بدورنا كتيار تقدمي ساهمنا بالتعاون مع مجاميع أخرى في تأسيس المنبر الديموقراطي وتحديدا في الثاني من مارس 1991. وتوليت آنذاك منصب أول أمين عام مساعد للمنبر لهذا الائتلاف الوطني التقدمي.

وبحلول عام 1999 توليت منصب الأمين العام للمنبر وتولى رئاسته المرحوم سامي المنيس واستمر عمل الائتلاف على هذا النحو حتى وقعت خلافات بعد وفاة المنيس في عام 2000، ما أدى الى استقالتنا من مناصبنا أنا والأخ عبدالله البكر نائب رئيس المنبر والمرحوم الأخ صالح الدرباس ونافع الحصبان. باختصار نحن تيار سياسي مستقل ساهم في انشاء المنبر الديموقراطي وعمل بشكل مستقل فكرياً وسياسياً بعد الخروج من المنبر. وفي الآونة الأخيرة توصلنا الى ضرورة الاعلان عن وجودنا والتعبير عن مواقفنا من مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل مستقل.

• قبل الخوض في فكر أو ايديولوجية التيار الذي ينتمي له «التقدمي الكويتي» يستوقفني ويستوقف الكثيرين من المهتمين بالشأن السياسي مسمى هذا التيار «تقدمي» وهو اصطلاح ليس بجديد على القاموس السياسي العربي، لكنه عادة ما يكون مرتبطاً بالتيارات السياسية الأقرب الى الاشتراكية. فهل لك أن تعرفنا ما معنى تيار تقدمي كويتي؟

 كثير من المصطلحات ملتبسة، ومنها على سبيل المثال مصطلح الليبرالية فهو ينطلق من الايمان بالحريات الاقتصادية والشخصية لكنه أصبح اليوم يحمل مضامين أخرى. وكذلك مصطلح شيوعي كان يُطلق على أي معارض للأنظمة الحاكمة وغيرها من المصطلحات. ولكن بالنسبة لنا كتيار تقدمي كويتي نحن نؤمن بضرورة التقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمساواة ورفع الظلم الطبقي، وهذه أولوية بالنسبة لنا، وهي أيضاً نقطة خلافية رئيسية بيننا وبين التيار الليبرالي، اذ اننا نولي المساواة أولوية خاصة نرى أن الحرية الانسانية لا يمكن أن تكتمل من دون المساواة والتحرر من الاستغلال والظلم الطبقيين.

ونحن نؤمن بضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد على خلاف ايمان الليبراليين بالنظام الرأسمالي ودفاعهم عن اقتصاد السوق، حيث أثبتت الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم أخيراً فشل أطروحات «النيوليبراليين» الداعين الى تقديس آلية السوق والمطالبين بانهاء الدور الاقتصادي للدولة.

• تقصد أن الأزمة الاقتصادية العالمية أنهت وبشكل قاطع نظرية «فرانسيس فوكوياما» بانتصار الليبرالية وحتميتها كنهاية لذروة الفكر الانساني، كما عبر عنها في كتابة «نهاية التاريخ»؟

 نظرية «فوكوياما» موضوع آخر، فهي جاءت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط دول أوروبا الشرقية وسيطرة القطب الواحد على العالم.

ولكن فرانسيس فوكوياما تراجع عن أطروحته تلك لاحقاً. وعموماً في الكويت بعد فترة التحرير ورواج الأفكار النيوليبرالية بالغرب وتنامي سيطرة الفكر الليبرالي على العالم وجد بعض مَنْ كان في التيار الوطني نفسه أقرب الى الفكر الليبرالي والنيوليبرالي، ونحن على خلاف معهم اذ نرى ضرورة وجود دور للدولة في الاقتصاد، وأن آلية السوق غير قادرة على معالجة الأزمات من تلقاء ذاتها، كما أن آلية السوق الهوجاء من شأنها اشاعة الفوضى وتعمّق الأزمات الاقتصادية. كما أننا نرى أيضا أن هناك مسؤولية اجتماعية واقعة على رأس المال من خلال توفير فرص العمل وتحمّل جزء من ميزانية الدولة.

ونحن نرى أولوية العدالة الاجتماعية، ولهذا فنحن على خلاف الليبراليين ندافع عن مصالح الفئات الشعبية والطبقة العاملة ومحدودي الدخل. هذا من جهة ومن جهة أخرى نحن نختلف معهم في النظرة والموقف من الأنظمة الغربية والولايات المتحدة الأميركية، التي هي أنظمة امبريالية استشرست عدوانيتها بعد سيطرة القطب الأوحد على العالم.

أفكاركم هذه اقرب ما تكون الى الاشتراكية فهل انتم تيار اشتراكي كويتي؟

 في العالم هناك عدة مدارس اشتراكية. فهناك الاشتراكية الديموقراطية، والاشتراكية الفابية في بريطانيا، وغيرها من الاشتراكيات في الدول الاسكندينافية، وفي الصين نظام اشتراكي حقق انجازات كبرى.

• وأين انتم من هذه التجارب؟

 هذه التجارب عالمية وهي نتاج الفكر الانساني المتجدد فهو فكر ليس جامداً، فهو فكر متطور ومتجدد، ونحن ضد الجمود الفكري. وباختصار نحن في التيار التقدمي الكويتي مع العدالة الاجتماعية سمها اشتراكية أو سمها ما شئت أن تسميها، ونرى أن الوصول للمرحلة الاشتراكية هدف بعيد المدى، ونحن نتعامل مع واقع متمثل في مواجهة التخلف والاستبداد والفساد والطغيان والظلم الاجتماعي. ونحن نواجه مهام وطنية ديموقراطية اجتماعية، ونرى أن النظام الرأسمالي نظام استغلالي آيل الى زوال.

• لكن هناك مَنْ يرى أن هذه الأفكار في ظل سيطرة الفكر الغربي الليبرالي وسيطرة القطب الأوحد المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية على العالم وسقوط الاتحاد السوفياتي هي أفكار غير مناسبة، وربما كان من المقبول طرح مثل هذه الأفكار قبل خمسين عاماً وليس الآن؟

 أولاً وفق منظومة مراحل تطور الفكر الاقتصادي العالمي فان الرأسمالية أقدم واعتق من الاشتراكية، كما أن الفكر الاشتراكي جاء للتعبير عن الطبقة العاملة بعد نشوء النظام الرأسمالي، الذي يعاني أزمات ليست فقط أزمات دورية وانما أزمات عامة. والأزمة الاقتصادية الأخيرة خير مثال على ذلك.

النظام الرأسمالي نظام طبقي يحمل في طياته الكساد والركود والبطالة والتضخم والمعاناة الاجتماعية والافقار، وأنتج الاستعمار، فهو نظام غير انساني.

ورغم أن النظام الرأسمالي لايزال يتسيد في هذه المرحلة لكن هناك تطورات للفكر الاشتراكي وللأنظمة الاشتراكية لا يمكن تجاهلها، ومنها على سبيل المثال التجربة الصينية التي تطورت من مستعمرة يابانية في الأربعينات الى ثاني أقوى اقتصاد عالمي حالياً، وانتقلت من دولة متخلفة الى دولة متقدمة، وتتقدم أكثر وأكثر بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، والتجربة الاشتراكية فيها رغم ما عانته من عراقيل وأخطاء في التطبيق الا أنها خلقت نموذجاً ايجابياً للتجربة الاشتراكية.

ونحن بالعودة الى التيار التقدمي الكويتي ننطلق من أولوية مشروع بناء دولة كويتية حديثة، ونضالنا وعملنا متصلان بالسعي لتأسيس ديموقراطية حديثة وليس ديموقراطية الحد الأدنى. نريدها ديموقراطية مكتملة تحقق العدالة الاجتماعية وقائمة على اقتصاد وطني منتج مستقل بما يتجاوز الاقتصاد الريعي التابع والمشوه الذي تأسس في بلادنا.

• ذكرت في البداية أن التيار التقدمي الوطني ليس بجديد وهو تيار قديم. فأين أنتم في الآونة الأخيرة وما أسباب تراجع التيار الوطني بشكل عام في الحراك السياسي القائم بالبلاد رغم انه كان متسيداً للمشهد السياسي في السابق؟

 اذا كنت تقصد التيار الوطني والتقدمي بمعناه العام وليس التيار التقدمي الكويتي بمعناه الخاص والذي أمثله، فهو لم يكن تياراً متسيداً للساحة السياسية ولكن كان له حضور أوضح في الستينات والسبعينات، ثم تعرض هذا التيار الوطني التقدمي الى هجمة سلطوية شرسة. فعلى سبيل المثال عندما حدث الانقلاب على الدستور في عام 76 كان أول مَنْ تم اعتقاله بسبب توزيع بيان ضد ذلك الانقلاب على الدستور هم القادة العماليون النقابيون الوطنيون التقدميون ومنهم علي الكندري وناصر الفرج وحسين اليوحة وناصر ثلاب ونهار المكراد وجلال السهلي ورجا العتيبي وثابت الهارون وزملاؤهم. ولم تكتف السلطة بما فعلته عندما حلت مجالس ادارات بعض الجمعيات التي وقعت على ذلك البيان، وانما استهدفت معقل التيار الوطني التقدمي المتمثل في نادي الاستقلال الثقافي الاجتماعي وحلته بشكل نهائي، ولاتزال السلطة ترفض عودته حتى وقتنا هذا، رغم عودة جمعية الثقافة الاجتماعية وهذا حق. ولكن الحقد السلطوي لا يزال متأصلاً ضد التيار الوطني التقدمي. وللأسف أيضاً فقد تم في فترات معينة استخدام بعض أطراف التيار الاسلامي في هذه الحرب السلطوية، وبالتالي فنحن مستهدفون ومهمشون ونتعرض الى تهميش لا يزال مستمراً.

كما أن هناك أخطاء ارتكبها التيار الوطني التقدمي وهي أخطاء يتحملها بالأساس الخط الليبرالي أو النيو ليبرالي في الحركة الوطنية، فممثلوه تخلوا عن تقاليد الحركة الوطنية والتقدمية الكويتية التي كانت تنتهج نهج المعارضة الوطنية التقدمية وتستند الى الفئات الشعبية والطبقة العاملة، فأصبح جزءا من خطاب الحركة نخبوياً يخدم مصالح أصحاب رؤوس الأموال ومعارضاً للمطالب الشعبية وتغريبياً، ولذلك ابتعد هذا التيار عن هموم الناس والفئات الشعبية وأصبح خطابه فئوياً ويمثل تجمعات انتخابية في بعض الأحيان وهذا ما أدى الى تراجع التيار.

• أين أنتم من الشارع السياسي وفئة الشباب وهل لكم هيكل تنظيمي وآلية انتساب؟

 نحن موجودون ولكن لننتبه لنقطة مهمة، فجميع التنظيمات السياسية في البلاد تعمل عبر وضع غير مشهر قانوناً، فلا تستطيع أي حركة سياسية سواءً الحركة الدستورية الاسلامية أو التجمع السلفي أو التحالف الوطني أو المنبر أو تيارنا التيار التقدمي الكويتي أن تفتح حساباً خاصاً بها في البنوك المحلية، ولا يوجد لدى أي حركة أو تيار شخصية اعتبارية قانونية. فنحن في وضع لا يسمح لنا بالاشهار وبالتالي فانّ أي تنظيم سياسي لا يستطيع أن يأخذ مداه.

ونحن كتيار تقدمي بغض النظر عن موقعنا وأماكن تواجدنا سياستنا معلنة ونعتبر أنفسنا ممثلين للفئات الشعبية من محدودي الدخل والطبقة العاملة. ونحن معنيون بهموم الفقراء والبسطاء من الناس ولا نمثل البرجوازية الكبيرة وأصحاب المصالح الكبرى.

نحن نضع قضايا الناس أولوية لنا، ومنها البطالة والعدالة الاجتماعية والتضخم والسكن، ولسنا طرفاً في البرلمان ولم نمثل في البرلمان في أي فترة من الفترات لكننا نشارك في التصدي للكثير من القضايا، ومنها على سبيل المثال فقد شاركنا في التصدي لقانون الخصخصة حيث تصدينا له عبر وسائل الاعلام والأنشطة السياسية والجماهيرية وبعض التعديلات التي اقترحناها على نواب التكتل الشعبي بعد اقرار القانون في مداولته الأولى، اذ كنا ضد خصخصة القطاع النفطي والصحة والتعليم هذا على سبيل المثال، ونحن نعمل في حدود امكانياتنا وقدراتنا.

• هل انتم كتيار تقدمي كويتي قريبون من كتلة العمل الشعبي، خاصة أنك شخصياً تصنف قريباً من هذه الكتلة سياسياً من خلال انسجام مواقفك السياسية مع أطروحاتها؟

 كتلة العمل الشعبي كتلة برلمانية تضم نواباً فقط ولا عضوية فيها لغير النواب. وفي الآونة الأخيرة أعلنت الكتلة عزمها على إنشاء تيار سياسي تحت اسم «حشد» نتمنى لها التوفيق.

انا شخصياً تربطني بهم علاقات صداقة وتعاون ولاسيما في قضايا الدفاع عن المكتسبات الدستورية والشعبية، ولكننا لسنا جزءاً أو امتداداً لهم، مثلما تربطنا أيضاً بالمنبر الديموقراطي علاقات طيبة بوصف المنبر ائتلافا وطنيا عاما، وهناك جزء من عناصر التيار التقدمي الكويتي مشارك فيه.

• اذاً ما الفرق بين منطلقاتكم ومنطلقات كتلة العمل الشعبي، فمواقفكما مشتركة في مسالة تمثيل الطبقة البسيطة وحماية المكتسبات الدستورية والشعبية، ولماذا لا يتم انصهاركما معاً في تيار سياسي مشترك؟

 نحن لسنا شعبويين، ولسنا مع دغدغة مشاعر الناس ولا يعني ذلك أن كتلة العمل الشعبي تعمل بهذا الشكل، ونحن نربأ بها عن ذلك. أما تيارنا فهو تيار سياسي تقدمي موجود وقديم في البلد. ومن الظواهر الصحية أن تتنوع المنابر وتتعدد التعبيرات السياسية وتتعاون في اطار ما يجمعها.

• وماذا عن علاقتكم وموقفكم من التيارات الاسلامية؟

 التيارات الاسلامية ليست كتلة صماء واحدة، اذ يوجد داخلها تفاوت وتمايز طبقي نجده في داخل الحركة السياسية الاسلامية الواحدة بحكم المصالح المتعارضة وما شابه. وبعض منتمي هذا التيار تم استخدامهم في فترات سابقة ابان الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي في أفغانستان. ونحن نرى أن الاسلام بعد انتهاء الحرب الباردة أصبح محل هجوم واستهداف من قبل الغرب الامبريالي ومحاولة وضعه كخصم بديل عن الاشتراكية في مواجهة الحضارة الغربية، وهذا أخذ أشكالاً عدة. وباختصار فان ما يجمعنا مع الاسلاميين ويفرقنا عنهم أو سواهم هو ما يمكن أن نتفق أو نختلف عليه من قضايا. فنحن نتحدث عن اعادة الاعتبار الى مشروع بناء الدولة الحديثة، فاذا كان التيار الاسلامي مع هذا المشروع سيكون هذا موضوع اتفاق، أما اذا كان التيار الاسلامي يتحدث عن بناء دولة اسلامية فهذا أمر آخر وهو موضوع خلاف. كما يحدد علاقتنا مع التيار الاسلامي الموقف من قضايا العدالة الاجتماعية والديموقراطية السياسية والحريات الشخصية. ونحن نختلف مع هذا التيار في قضايا تقييد الحريات الشخصية والتزمت، ولكننا لا نرى أن التيار الاسلامي خصمنا الأول، وانما خصمنا الأول هو النهج السلطوي، وبالتالي فهناك أشياء تجمعنا مع التيار الاسلامي وأشياء نتعارض فيها، مثلما هناك أشياء تجمعنا مع التيار الليبرالي ونتعارض معه حولها، وعلى أي حال نحن ضد استغلال الدين في السياسة، فالدين ثابت والسياسية متغيرة، ولسنا ضد وجود أحزاب اسلامية تؤمن بالنظام الديموقراطي مثلما هناك في الغرب أحزاب مسيحية ديموقراطية، اذا كان الدين مصدر قيمها وليس برنامجاً سياسياً يهدف الى قيام دولة دينية.

انتم تدعون الى التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي على المستوى المحلي، فهل تعتقدون أن الكويت تعاني من تخلف اقتصادي وسياسي واجتماعي رغم الحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المنظمة دستورياً، ورغم المشاركة الشعبية في الحكم من خلال الدستور الكويتي؟

 في الكويت اقتصاد ريعي يعتمد على مورد وحيد، وهو اقتصاد مشوه وتابع، تطوره مشوه وهو اقتصاد تابع في اطار التقسيم الدولي للاقتصاد الرأسمالي العالمي يقوم بدور تصدير النفط الخام واستيراد المواد الاستهلاكية، ولا يمكن لأي تنمية أن تتحقق في البلاد في ظل اقتصاد يحد من تطور القوى المنتجة.

فنحن لدينا تخلف اقتصادي مستتر بتغطية من ايرادات النفط الآيل الى نضوب من خلال الاستنزاف أو ايجاد أي بدائل للطاقة.

وعلى الصعيد السياسي نعم لدينا تخلف، فرغم وجود الدستور الا أنه دستور الحد الأدنى، وهو غير مطبق على نحو كامل، وتم افراغه من مضامينه الديموقراطية من خلال القوانين المقيدة للحريات والمصادرة للحقوق الديموقراطية. وهو لا يضمن التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة التنفيذية أو طرح الثقة بالحكومة ككل. وهناك التراجع عن مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة الذي انطلق في فترة الستينات بعد الاستقلال.

وعلى صعيد التخلف الاجتماعي هناك محاولات من بعض القوى المتنفذة في البلاد لتكريس التخلف الاجتماعي وتعزيز الهويات الصغرى «القبلية أو الطائفية أو الفئوية أو العائلية» كبديل عن الهوية الوطنية الكبرى.

• هل أنتم من دعاة تنقيح الدستور وتطويره؟

 في البداية ننحن ننطلق من قاعدة الدفاع عن المكتسبات الدستورية وعدم المساس بها، ونرى أن أي تنقيح للدستور يجب أن يتم عبر الآليات الدستورية من خلال طلب يقدم من صاحب السمو الأمير أو من ثلث أعضاء مجلس الأمة ويستكمل بموافقة الغالبية التي يتألف منها مجلس الأمة على التنقيح من حيث المبدأ والموضوع، ثم التصويت عليه بغالبية الثلثين مادة مادة، وأخيراً تصديق سمو الأمير عليه. وكذلك لابد أن يكون التنقيح وفق المحددات الدستورية، التي تحظر المساس بمبادئ الحرية والمساواة وتدعو الى تعزيزها وتوسيعها، والأهم أنّ هذا التنقيح الديموقراطي لا يمكن أن يتم الا في ظل ميزان قوى مواتٍ للتطور الديموقراطي وليس في ظل ميزان مختل لصالح الطرف الرجعي أو السلطوي، ما سيتمخض عنه مزيد من التراجع والتخلف. وبالتالي فانّ موقفنا من التنقيح ليس مطلقاً وانما مشروط بالآليات والمحددات والبيئة المعينة.

وفي نهاية الأمر فان قيمة الدستور الكويتي أو أي دستور انما يعكسها ميزان القوى. ولدينا في الكويت مشكلة اختلال في ميزان القوى في البلاد لصالح القوى المتربصة بالدستور، وبعض أبناء الأسرة الحاكمة يرى أن دستور 62 خطأ تاريخي يجب تصحيحه، بينما هو في واقع الحال مكسب ليس فقط للأمة وانما أيضا للأسرة الحاكمة نفسها من خلال تكريس شرعيتها التاريخية في اطار الامارة التقليدية بشرعية دستورية في اطار الدولة الحديثة.

• وما الضابط الذي يمكن من خلاله مساواة كفتي ميزان القوى في البلاد والحيلولة دون ترجيح كفة على أخرى، والى أين يميل في هذه الآونة؟

ميزان القوى متغير. صحيح أن هناك غالبية برلمانية تابعة للحكومة وهناك عبث سلطوي ولكن لدينا في المقابل مجتمع حي وشباب ينهض وينتبه وبدأ يعي دوره ومسؤولياته. ولدينا محيط عربي بدأ يستفيق وينهض وينتفض على الاستبداد.

• هل ستكون لهذه النهضة العربية أو الواقع العربي الجديد انعكاسات على أوضاع المنطقة ووضعنا المحلي وكيف؟

 طبعاً ستكون هناك انعكاسات وتأثيرات، فنحن لا نعيش بمعزل عن محيطنا العربي. والوضع العربي المستجد في بداياته، فنجاح الشعب التونسي في اجراء التغيير ونضال الشعب المصري من اجل التغيير بالتأكيد سيفرضان واقعاً جديداً في المنطقة، اذ انتبهت الشعوب العربية الى ضرورة تغيير وضعها البائس واكتشفت قدرتها على التحرك من اجل تغيير هذا الواقع. وبالنسبة للحالة الكويتية فنحن نعاني أزمة سياسية منذ فترة طويلة تتلخص في التناقض القائم بين النهج السلطوي، نهج المشيخة من جهة وبين متطلبات التطور الديموقراطي لبناء الدولة الحديثة من جهة أخرى. وقد حان الوقت للتخلي عن نهج المشيخة وأن يتوافق مشروع الحكم مجدداً مع مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة مثلما كان الحال في عهد الشيخ عبدالله السالم مع بدايات دولة الاستقلال والنظام الدستوري عندما توافق مشروعا الحكم وبناء الدولة الكويتية الحديثة في مشروع واحد. ولكن للأسف فقد تم التراجع عن ذلك التوافق، وهنا تكمن أزمتنا الرئيسية.

• وكيف يمكن تفكيك هذه الأزمة من وجهة نظرك؟

 تفكيك الأزمة السياسية يتطلب خطوات واستحقاقات كثيرة منها ما هو آنٍ ومرحلي ومنها ما هو على مدى أبعد. فالاستحقاقات الآنية تتمثل في وقف نهج الملاحقات السياسية تحت غطاء قانوني لأي معارض للحكومة ورئيسها بما في ذلك القضية المرفوعة على النائب فيصل المسلم. كما يجب ايقاف نهج اهدار الحصانة البرلمانية الموضوعية لنواب الأمة، وأن تسحب الحكومة طلب تفسيرها الخطير لعدد من مواد الدستور، الذي من شأنه اقحام القضاء في الخلاف السياسي وتنقيح الدستور وتفريغه من محتواه من خلال اعادة تفسيره. وكذلك يفترض أن تسحب الحكومة مشروعي قانونيها لتعديلات الاعلام المرئي والمسموع والمطبوعات والنشر اللذين يكبلان حرية الرأي والتعبير والنشر. ولا بد أيضاً من التراجع عن تقييد الاجتماعات العامة دون سند دستوري أو قانوني، ومعاقبة المتسببين في قمع المواطنين والنواب المجتمعين في ديوانية النائب الدكتور جمعان الحربش، ومحاسبة مَنْ برر هذا الاعتداء وضلل الرأي العام حول حقيقة ما حدث، وضلله في جريمة قتل المواطن محمد الميموني. ومدخل كل هذه الاصلاحات يتحقق عبر رحيل الادارة السياسية الحالية، فهي ادارة فاشلة متخبطة عاجزة غير قادرة على ادارة البلد وأدخلته في أزمات.

• وما الاستحقاقات والمتطلبات التي يجب اتخاذها على المدى البعيد لتفكيك الأزمة السياسية؟

 هناك استحقاقات لتطور ديموقراطي متسق منها اعادة الاعتبار لمشروع الدولة الحديثة وعدم وضع مشروع الحكم في مجابهة هذا المشروع، فقد آن الأوان لأن تدرك الأسرة الحاكمة أن مستقبلها مرتبط بتوافقها واندماجها مع مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، فهي جزء لا يتجزأ من صميم المجتمع الكويتي ولا يفترض أن تتوهم أنها في خندق والشعب الكويتي في خندق آخر. فلابد من مواكبة العصر، وأخاطب هنا الأطراف التي لاتزال تحن الى عصر المشيخة، مع احترامنا للشيوخ على المستوى الاجتماعي الذي لا علاقة له بالمشروع السياسي. وهناك ضرورة لتحقيق الاستجابة لمتطلبات التطور الديموقراطي وتحديدا وجود حياة حزبية منظمة، وتعديل قانون الانتخاب بما يضمن العدالة في توزيع الأصوات والنزاهة في العملية الانتخابية، وهناك ضرورة للاقرار بمبدأ التداول الديموقراطي للسلطة التنفيذية، ولا نتحدث هنا عن الامارة فهي مسألة محسومة، وانما نتحدث عن التداول الديموقراطي على مستوى السلطة التنفيذية.

• ذكرت ضمن الاستحقاقات الآنية لتفكيك الأزمة السياسية في البلاد سحب الحكومة لطلبها بتفسير بعض مواد الدستور وتعديلاتها على قانوني المرئي والمسموع والمطبوعات. ألا تعتقد أن لجوء الحكومة الى المحكمة الدستورية هو حق من حقوقها وأن تقديمها لأي تشريعات للمجلس أيضا حق من حقوقها الدستورية. وفي النهاية المجلس هو مَنْ يقبل أو يرفض هذه التعديلات؟ ألا تعتقد أن هناك ازدواجية للممارسة الديموقراطية في الموقف تجاه مثل هذه الاستحقاقات؟

 الدستور في المادة 173 المتصلة بالقضاء الدستوري لم يمنح المحكمة الدستورية سلطة سوى سلطة واحدة تتمثل في النظر بمدى دستورية القوانين واللوائح. والمذكرة التفسيرية لهذه المادة تحدثت من بين ما تحدثت عن دور القضاء في تفسير القوانين ومن بينها الدستور «قانون القوانين» وهذا النص في المذكرة التفسيرية ملتبس لأنه غير وارد في نص حكم المادة 173 ولأنه لا يتحدث عن التفسير المباشر لنصوص الدستور، وانما التفسير المرتبط بالنظر في دستورية القوانين، ولكن للأسف فقد تضمّن قانون المحكمة الدستورية في عام 73 استحداثاً لحق تفسير الدستور، ومن جانب آخر فقد أناط مجلس الامة بالمحكمة مسؤولية النظر بالطعون الانتخابية لمجلس الأمة. وللعلم فقد سبق للمحكمة الدستورية في قرار تفسيري لها أن حددت أوجه التفسير في ثلاثة أشكال ليس بينها التفسير المباشر لمواد الدستور، هذا ناهيك عن أنه اذا افترضنا أن للحكومة حقاً في اللجوء للمحكمة الدستورية فقد تمادت الحكومة في استخدام هذا الحق، اذ ان هناك 12 طلباً حكومياً لتفسير العديد من مواد الدستور، بينما لم يستخدم مجلس الأمة هذا الحق في طلب التفسير سوى مرة واحدة في عام 1996 لمعرفة كيفية حساب الأغلبية في انتخابات رئيس مجلس الأمة. ومن المفارقات في الطلب الحكومي الأخير أنه يتضمن اعادة تفسير المادة 100 من الدستور وهي نفس المادة التي سبق أن طلبت الحكومة تفسيرها في عام 2005 وصدر قرار تفسيري من المحكمة الدستورية في شأنها. وهذا التمادي من شأنه اقحام القضاء الدستوري في الخلاف السياسي، والأخطر من ذلك أنه في ظل الرئاسة الحالية ومكتب المجلس الحالي وتعطيل الجلسات في الوقت الحاضر وتحديد موعد النظر بهذا الطلب الحكومي يوم 21 فبراير والمجلس معطل أن المجلس لن يستطيع أن يقدم رأيه للمحكمة الدستورية ويشرح وجهة نظره في طلب التفسير.

أما في ما يتعلق بتعديلات قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع فصحيح أنه من حق الحكومة تقديم التعديلات لكن في حقيقة الأمر فان الحكومة تراخت مع بعض أجهزة الاعلام العاملة على تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي، كما تراخت في تطبيق القوانين القائمة، خاصة ما يتعلق منها بتعيين مدققين ماليين لدور الصحف والمؤسسات الاعلامية. هذا ناهيك عن أن القوانين القائمة تعاقب وتجرم من يزدري أي فئة من فئات المجتمع أو يحض على كراهيتها. كما أن القانونين الحاليين يتضمنان عقوبات مغلظة وتقييداً في بابي المسائل المحظور نشرها أو بثها. وقد أضافت التعديلات الحكومية الأخيرة قيوداً ثقيلة جديدة وهذا أمر خطير فالعقوبات المغلظة و رفع الحد الأدنى للغرامات من 500 دينار الى 50 ألف دينار أما حدها الأعلى فسيصل الى 300 ألف دينار وهذا شيء غير معقول وغير مقبول وغير ممكن. أضف الى ذلك أن التعديلات الحكومية تفرض الرقابة المسبقة على المطبوعات غير الدورية والانتاج التلفزيوني، وكانت عقوبة الحبس في القانونين الحاليين تنحصر فقط في المساس بالذات الالهية والأنبياء والصحابةـ وقد تم التوسع في التعديلات الحكومية الجديدة لتشمل أموراً أخرى. وللأسف فان ميزان القوى الحالي داخل هذا المجلس البائس يسمح باقرار مثل هذه التعديلات، وعندما تقر فلن يكون هناك اعلام وعلى الصحف أن تعيد نشر ما تبثه وكالة الأنباء الكويتية وعلى «الفضائيات» الخاصة أن تشبك ارسالها مع قنوات التلفزيون الرسمي.

باختصار هذه التعديلات جزء من نهج سلطوي يهدف الى تقييد الحريات العامة. وفي هذا الاتجاه هناك استهداف أيضاً لحرية النشر الالكتروني، وهناك مشروع قانون مقيد لحرية النشر الالكتروني وهذا ما يدفعنا الى معارضة هذه التعديلات.

جريدة الرأي: حوار وليد الهولان

  13 فبراير 2011

اقرأ المزيد