المنشور

لا يحبون الســنة..


علينا اليوم أن نسمي الأشياء بمسمياتها – قلت رداً على سؤال ناشطة حقوقية- لا يا سيدتي السلطة في البحرين لا تحب السنة ولا تكره الشيعة.. بل تُحب الموالين وتكره المعارضين ” كالحكومات السلطوية كلها ” سلطتنا تدار بعقيلة تجارية عبقرية، تبيع وهماً أسمه تفضيل السنة ومحاباتهم فما أن تتأمل حال المناطق السنية، وأوضاع 80% من عائلاتها، فلن تجدهم بأحسن حالاً من أوضاع باقي العائلات المعترة !! وفيما عدا إيثارهم بالوظائف العسكرية زهيدة الدخل ” التي يزاحمهم عليها المجنسون والوافدون” وفتاتٌ من العطايا التي يحصلون عليها بشق الأنفس من الشيوخ، فإنهم مهضومي الحقوق ككل البحرينيين وإن كانوا الأقل تذمراً وتمرداً.. فسلطتنا يا جماعة برغماتية وليست دينية الهوى: لا تحب علي ربيعة وعبد الله جناحي ولا إبراهيم شريف ولم تكن تحب النعيمي والشملان رغم أنهم سُنة.. وتقدر وتُجّلُ جواد العريض والشيخ أحمد عصفور وعلي الصالح وعبد النبي الشعلة وغيرهم رغم أنهم شيعة أقحاح.. فسلطتنا لا تنظر للمذاهب بقدر ما تنظر لمدى مداهنة/ مصادقة/ خدمة الفرد/ الجماعة لكرسيهم ومكانتهم وسياستهم.. 

وعليه فمن في الدوار ليسوا هناك لأنهم شيعة – وإن كان أغلبهم كذلك- بل هم هناك لأنهم معارضون. ومن اعتصموا بالفاتح لم يذهبوا لأنهم سنة – وإن كان أغلبهم كذلك- بل ذهبوا لأنهم قوى موالاة. وما يفصُل بين القوتين ليس الخط الطائفي – كما تروج السلطة- بل موقفهما من الحكومة والنظام.. 

لماذا نؤكد على هذه الحقيقة اليوم ؟ 

لأدعو نفسي –وإياكم- بالتوقف منذ اليوم عن الزجّ بالمذاهب في نزاع سياسي وأدعو الجميع للتوقف عن استخدام مصطلحي “الشارع السني والشارع الشيعي” لعدم واقعيته ومهنيته، كما وأنصح السلطة أن تتوقف هي أيضاً عن امتطائه لأنها ستخسر ولن تظفر..قد يلتف ويتعاطف معها البعض في الداخل والمنطقة إن تباكت من مروق الشيعة وبعبع إيران ولكن العالم المتمدن سيرى للأمر بعداً آخر: متعلقٌ بالتمييز العرقي والاضطهاد الديني والعنصري وهو ما يرفضه العالم ويزدريه. 

ولو فلحّ التخويف لتبرير ثورة الشعوب لفلح زين العابدين لما شكا الإرهابيين ومبارك لما ألقى اللوم على الأخوان المسلمين والقذافي لما استجار بذكر تنظيم القاعدة – أكبر هواجس العالم- ليستعطفهم فلم يشتري أكاذيبه أحد ! 
لنحترم عقول بعضنا – نقول- ولننئ بالدين عن الصراع لأنه منه براء.. 
 
موقع لميس : نشر في 7 مارس 2011
 

اقرأ المزيد

هذا أوانك يا «أبو أمل»


مساء الخامس من مارس، قررت أن يكون هو أحد أيام زيارتي لـ «دوار اللؤلؤة». لن أتوقف عند سبب اختياري هذا التاريخ لتلك الزيارة، فربما اختلفت القوى السياسية على التاريخ الصحيح ليوم انطلاقة انتفاضة مارس/ آذار 1965 المجيدة، لكن الأمر بالنسبة لي، وللمواطنين العاديين من أمثالي سيان، فشهر مارس 1965 هو، بكل بساطة، شهر اندلاع انتفاضة شعب البحرين ضد قضايا كثيرة، ليست الأوضاع المعيشية الخانقة، والفصل التعسفي الذي أقدمت عليه شركة نفط البحرين (بابكو) حينها، أكثر من عود الثقاب الذي أشعل فتيلها، أو القشة التي قصمت ظهر بعير الأوضاع السياسية والاجتماعية المتردية حينها. شهر مارس بالنسبة إلى المواطن البحريني هو أحد الأشهر المقدسة في تاريخ البحرين الحديث، والمضيئة عند الحديث عن غياب فيروس الطائفية البغيض من صفوف الحركة الوطنية.
 
تجولت في «أزقة» الدوار، دخلت بعض خيامه، أصيخ السمع، في خشوع، لمكبرات الصوت وهي ترسل لنا بصوت جهوري مرددة «طريقنا أنت تدري …» الذي شارك في كتابة مقاطعه مناضلون، من أمثال أحمد الشملان، ومجيد مرهون، وكأنما – مكبرات الصوت – تريد أن تقول للجميع بأن الحركة الوطنية التقدمية البحرينية كانت ولا تزال تواصل نضالاتها كي تكتب تاريخ البحرين بأحرف من ذهب وينحت صورها في الصخر «رفاق»، ومناضلون أشاوس ليس هنا مجال سرد قوائم أسمائهم. فتاريخ البحرين سجل متواصل ليست انتفاضة مارس 1965 سوى إحدى حلقاته. في خضم كل ذلك، تذكرت نضالات الحركة الطلابية البحرينية، وهي تقيم احتفالات أسابيع الخليج العربي، وتراقصت أمام عيني قامات مناضلين البعض منهم تركنا مودعاً جراء أمراض ورثتها لهم سنوات النضال من أمثال أحمد الذوادي، وليلى فخرو، وآخرين مازالوا يعايشون تلك الأمراض من أمثال أحمد الشملان الذي يدفع، صامتاً وصامداً ضريبة، شموخه ورفضه طأطأة رأسه، ويختار، بإصرار لا يملك الواحد منا إلا أن يحترمه، أن يعاني من آلام مرضه أن يقدم أدنى أشكال التنازلات، التي قد يراها البعض «بسيطة»، ويعتبرها هو، وهو على حق، «باهظة الثمن».
 
في خضم ذلك الصخب النضالي العالي الوتيرة، وجدت نفسي مرغماً، أستعيد ذكريات الماضي، متحاشياً إسقاطها على الحاضر، كي لا أجتر الجراح، وتغيب عن ناظري صورة المشهد الحالي الذي يضع البحرين برمتها على فوهة بركان، متى ما انفجر فسوف يرسل حممه الملتهبة التي من المتوقع أن تحرق الجميع دون أي استثناء. صور الماضي، وبدون قصد، أبرزت أمامي صورة واحد من أهم رموز الحركة الوطنية المعاصرة، وهو عبدالرحمن محمد النعيمي، شفاه الله من كربته، والمعروف في صفوف تلك الحركة باسم «أبو أمل».
 
لسبب ما، أجهله، افتقدت «أبو أمل»، والذي هو الآخر أحد ضحايا قانون أمن الدولة البغيض، فالأمراض التي أنشبت أنيابها في جسده، والتي التقطها خلال فترة المنافي، لم تكن بعيدة عن مسئولية مواد قانون أمن الدولة.
 
افتقدت «أبو أمل»، ربما لكونه يمثل أحد رموز الوحدة الوطنية التي نحن اليوم في أمَسّ الحاجة إليها. أشفق على «أبو أمل» أن يرى اليوم، حركة شعبه الوطنية تمزقها أمراض الطائفية، وتتقاذف سفنها رياح الانقسامات السياسية حتى في نطاق الطائفة الواحدة. ليس هناك ما يبرر اليوم، ونحن على أبواب الدخول إلى غرف الحوار، والجلوس على مائدة المفاوضات، أن نذهب مفرقين، في مواجهة قوة واحدة ستعمل كل ما في وسعها كي تستفيد من عناصر التفرقة التي تنتشر في جسد المعارضة المثخن بجراح المعارك التي خاضتها تلك المعارضة على امتداد الأسابيع الستة الماضية في أقصر الأحوال.
 
الإشارة إلى قائد من مستوى «أبو أمل»، دون الانتقاص من كفاءة وإخلاص أيٍّ من رموز الحركة الوطنية التي تقود المعارضة اليوم، تنبع من الحاجة إلى شخصية كارزمية قادرة على رأب الصدوع التي تنخر جسد المعارضة البحرينية، وتحول دون انبثاق قوة وطنية واحدة تخوض المفاوضات من منطلقات موحدة. هناك حاجة ماسّة إلى شخصية وطنية قادرة على فهم الأوضاع على نحو صحيح من منطلقات وطنية شاملة تتراجع أمامها المكاسب الطائفية أو الفئوية الضيقة الأفق القصيرة المدى.
 
ولعله من المناسب اليوم، تحذير المعارضة البحرينية، والحديث هنا موجّه إلى الجمعيات (الأحزاب) السياسية الرئيسية، إلى أن الاستمرار في حالة الاختلاف على القضايا الثانوية، أو الإمعان في مناقشتها، دون الالتفات نحو القضايا الكبرى الاستراتيجية، سيفقد المعارضة البحرينية فرصة تاريخية، ربما من الاستحالة تكرارها.
 
يناشد المواطن البحريني اليوم، قيادات المعارضة، أن تقرأ خريطة الواقع السياسي بشكل صحيح، وتشخص السيناريوهات المحتملة على نحو دقيق، وتحدد استراتيجية الحوار الذي سوف تخوضه في المستقبل القريب بما يتيح لها تحقيق أعلى درجة من المكاسب، وأدنى ثمن للتضحيات. إن الموقف الراهن لا يحتمل أي خطأ مصدره سوء التقدير أو اختلال النظرة، فأي خطأ مهما كان صغيراً اليوم، ستكون توابعه وخيمة وذات أبعاد خطيرة، إن لم تكن اليوم، ففي المستقبل. عوامل الصراع اليوم تحمل أقلام رسم ملامح صورة المستقبل، وأي ظل تحملها هذه الصورة اليوم، ستكون دوائره أكثر سواداً في المستقبل.
 
ونحن نرى الصورة القاتمة على النحو الذي تتكون عليه اليوم، ليس هناك ما يمكن قوله أكثر من كم نحن بحاجة إليك، فهذا أوانك يا «أبو أمل».
 
صحيفة الوسط  07 مارس 2011م
 

اقرأ المزيد

كــوكــبــة الــبــديـــل…!

 

 

 

 

 



كــوكــبــة الــبــديـــل…!


( وحدة.. وحدة..بحرينية)

 

 



أســرى بـكـوكــبـة الـبديل ِ      


ركـب من الصـبر الجـمـيـل ِ


ركـب ٌتــنـادى حـامـــــــــلاً


عـزم الـشـبـيـبـة والكهـول ِ


ركـب ٌتــضـمـّـن نـســـــوة ً


طالـبـن بالغـصـن الـقـتـيـل ِ


ركـب ُالـطـفـولة ِهـاجـهـــا


حـلـم ٌ تــفـرّى بالـنـصــول ِ


ركـب ُالـنـضـال ِ مـشــقــّة


فالـفـعـل ُ يُـقـرن بالـمَـقـيل ِ


مسـتـبـدلاً خـوفَ الــدجـى


بـبـسالـة ِ الـنـور ِ الأصيـل ِ


وبـصـرخة ٍ غـضبى بـدت


تـجـتـاح غاشـيـة َ الـذيـول ِ


فبـ( ساحـة الشهـداء)مــا


أجلى الغشاوة عن خجـول ِ


مـُـتــــردّداً بــمــســــــاره


مستـنـكراً حـالَ الـعـجــول ِ


مـُستـذكــراً عــن زمـــرة ٍ


ركبـت على موج الوصول ِ


أمـسوا بــيــادق زفـّـــــــة


قرعـت على طمع الطـبول ِ


وعــن الــذيـن تــنـكـّبـــوا


دربَ الـمـحـجـّـة والعـَدول ِ


وعــن الــذيـن تــرجــّلــوا


إذ آثــروا دعــة َالـنــــزول ِ


لـكــن ذيـــــّاك الـفــتــــــى


ما إن رأى وعي السيـــول ِ


عـشـقُ تـعــاهـد نـبــضـــه


شـوقُ تـجــدّد بـالـحـصـول ِ


حـتـى تــلـبــــّسه الأســــى


لــدم الـنـوارس والـقـتــول ِ


فــدنا.. دنــا.. ثــمّ استـوى


نـشـوان يـهـتـف لـلـسبـيـل ِ


لـلـمـهــرجــان ِوأهــلــــــهِ


لسـواعـد ِالـمـجـد ِالأثـيـــل ِ


ودعــا إلـى حــــذر ِالألـــى


قـالـوا بـحـلـحـلـة الـمحـيـل ِ


واستـيـقـضـوا مـن غـفـلة ٍ


نـامـت بـهـا عـيـن الـقبـول ِ


فــــإذا بـهـم رهــــن الأذى


في محبسـيـن مـن العــذول ِ


قـيــد ُالـمــلامـة والـجــوى


ثــنــّى بـــه قـيــدً السًــدول ِ


جـابــوا مـنــافي غــربـــة ٍ


وتــوسـّدوا هــمّ الـرعــيــل ِ


وتــبــيــّنــوا بـعــد الـتــــي


داء َالــخـداع ِمـن الـعـلـيـل ِ


وتـيـــقـــّنــــوا أن الـــــذي


لـم يـحـتـرز من مستـحـيـل ِ


أزرى بــه ظـــن ُالـــوفــــا


وسـرابُ مـلأمـة الـوحــول ِ


الـيــوم عــاد مـضــمــّخـــاً


بـرعــاف مـأسـاة الـنخـيـل ِ


الـيــوم عـاد مـُـــوحــِـــــداً


صـفّ الـقـلـوب مع الـدلـيل ِ


رفـع الـشــعــارَ مُـجـســـّداً


تـوق َالـطـيـور إلى الظـليل ِ


مــلْ الــحــنــايــا مـُنـشـــداً


شرق َالسـنــا لـلأرخـبـيـــل ِ


وطــن الــعــلا حــرّ  بـــــه


شــعـبٌ سـعــيـدٌ بـالـمـثـول ِ

                                                                  
  عبد الصمد الليث
  6/3/2011
 كربلاء الشهيد
 

اقرأ المزيد

سايكولوجيا السلطة


في هذه اللحظة الدقيقة التي يجتازها العالم العربي، هناك حالة نفسية جديدة غير مسبوقة يعيشها الناس في كل أقطار العرب، تتمثل في شعور بالنشوة والأمل في تحقيق انعطافة في حياة مجتمعاتنا، كأن هذه الجماهير تريد أن تنتقم، ولو في دواخلها، من عقود من الكبت وتغييب الحريات والحط من الكرامة الإنسانية.

هذه الحال النفسية الجديدة تحل محل حال من الانكسار والخيبة والإحباط سادت لمراحل طويلة، تشكلت خلالها مظاهر الخنوع والخضوع والتسليم بالأمر الواقع، وفقدان الأمل في تغييره.

أستاذ الطب النفسي المصري الدكتور أحمد عكاشة قال في حوار تلفزيوني أُجري معه مؤخراً، أشارت اليه الزميلة عصمت الموسوي، مُعلقاً على اللحظة الراهنة بالذات ان الشعب المصري راهناً هو في أفضل حالاته النفسية، برغم ما تمر به البلد من مصاعب، لأنه بات متوحداً حول هدف كبير.

حول هذه النفسية الجديدة التي تعيشها شعوبنا قيل الكثير، لكن، وعلى صلة بما يجري حالياً، مُفيد التأمل في مصطلح أطلق عليه الباحث العربي سالم القمودي:« سايكولوجيا السلطة»، وأفرد له كتاباً صدرت طبعته الثانية منذ أكثر من عشر سنوات.

لقد اعتدنا أن نتحدث عن سايكولوجيا الجماهير التي كان أفضل من كتب عنها غوستاف لوبان في الكتاب الذي يحمل نفس العنوان، لكن من النادر أن يجري التوقف أمام سايكولوجيا السلطة.

وحسب القمودي فانه مثلما ندرس سايكولوجيا الطفل والرجل والمرأة، ومثلما ندرس سايكولوجيا الجماعات والشعوب، علينا ان ندرس بحماس مشابه سايكولوجيا السلطة، فهي تمتلك من الأدوات والوسائل ما يمكنها من التأثير في كل السيكولوجيات الأخرى، بل إخضاعها والسيطرة عليها.

لكي نفهم ما نُشاهده اليوم من عناد السلطات وأساليب مناورتها، ومراقبة مهارتها في لعبة العض على الأصابع المعروفة جيداً في تراثنا العربي، علينا ألا نكتفي بالبحث في العوامل السياسية وفي حجم المصالح والمنافع المكتسبة التي تجعل السلطات تفعل ما تفعل، وإنما علينا أيضاً أن نستعين بعوامل التحليل النفسي، لرؤية مجمل الدوافع التي تحكم هذا السلوك.

وأيا كان الأمر، فنحن إزاء لحظة تاريخية مختلفة نوعياً، لم يعد مُجدياً فيها الاكتفاء بأساليب المناورة المعهودة. إن الوضع يتبدل من حالٍ إلى حال، وهنا تكمن معضلة السلطات، فالأمور لا يمكن أن تُساس بالطريقة السابقة، بصرف النظر عن النتيجة التي سوف تُحسم بها حالة التوتر السياسي القصوى الراهنة في العديد من بلداننا العربية.
 

اقرأ المزيد

صناعة (الثورات)


كل شيءٍ دخلَ مجال التصنيع حتى الثورات!

فالعملياتُ التصنيعية التي طالت الثمارَ الزراعيةَ المختلفة وطورتها ودمجتْ بينها وصنعتْ الولادات البشرية، لم تكن نائيةً عن صناعة العمليات الاجتماعية المختلفة، ومنذ قديم الزمان كان الساسةُ يدركون بعضَ جوانب الخلق الاجتماعي، ويستطيعون التأثيرَ في الأحداث الاجتماعية الصغيرة ويتمكنون من إحداثِ بعض الفوضى للخصوم عبر تحريض (الغوغاء)، كما كانوا يصفون الناس، أو يقومون بعمليات الاغتيال لاحداث تحول قسري في مسار التاريخ.

لكن مع اكتشاف ان للتاريخ أسباباً وللحركات الجماعية وللانقلابات قوانين غائرة في الوجود الاجتماعي، غدتْ الثوراتُ علماً من العلوم المرتبطة بالمسارات الاجتماعية وقراءة الأنظمة والتشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية العابرة للتاريخ.

وكما أن الثوريين يستفيدون من هذه القوانين ومعرفتها والتأثير فيها فكذلك أعداء الثورات يتمكنون من معرفتها والتأثير فيها وخلخلتها وتفجير بنى إجتماعية معادية لهم غدت تضرهم!

ولهذا التبست ثورة المجر سنة 1956، فروسيا تصفها بالثورة المضادة والغرب يصفها بأول الثورات الديمقراطية في عالم السيطرة الروسية.

هنا بدأت المخابرات الغربية تتعلم كيف تصنعُ الثورة، لكن ثورة المجر ثورة ديمقراطية حقيقية، وكانت أول الإشارات الكبرى إلى أزمة دول رأسمالية الدولة التي طورت الشرق وتجمدت إمكانياتها على التغيير بسبب غياب الديمقراطية، ووُجدت فئاتٌ وسطى في المجر، هذه الجمهورية الأكثر ثقافة في شرق أوروبا، تطمحُ إلى التغيير وزوال السيطرة الروسية.

وعبر شحن هذه الفئات وجذبها لنموذج الديمقراطية الرأسمالية المتطورة، ونزع ثقافة الاستبداد الروسية التي تغلفتْ بماركسيةٍ زائفة، وبطرح ماركسية إنسانية من جانب بعض القادة المجريين، وقيام الغرب باستثمار هذه العناصر ودفعها إلى الانفجار، حدث ما سمي بالثورة المجرية.

هنا كان الاشتراكيون الشرقيون الذين صنعوا الثورات قديماً قد تبلدوا فكرياً، وتجمدوا سياسياً، واعتبروا ما حققوه نهاية التاريخ وأن الطبقات تتلاشى وأن الصراع توقف إلى الأبد. لكن كان عليهم بعد هذا أن يتعلموا من هذه الجماهير الغفيرة التي ظنوها غير قادرة على تعليمهم شيئاً عبر سلسلة من الثورات التي اشتركت فيها هذه الجماهير مع عمليات جراحية تعاونت وتصارعت فيها المخابرات الروسية مع الأمريكية، وكان ذلك بداية لما حدث لاحقاً من بركان.

وقد رأينا الشباب في الوطن العربي حاليا يتعلم صناعة التاريخ من دون أن يدرك انه يُدخل إنجازات جديدة في علم صناعة الثورات.

يقوم علمُ صناعة الثورات على إدراك قوانين التطور الاجتماعي، وعلى معرفة هياكل الإنتاج وحدوث أزمات عميقة تمنع تطورها، وهذا ما يؤدي إلى سلسلة من الصدامات السياسية والاجتماعية تبدو أحياناً غامضة التفسير، فأقسامٌ اجتماعيةٌ هامة في المجتمع لا تستطيع أن تستمر في العيش ضمن هذا الأسلوب من الإنتاج الذي عفى عليه الزمن، كما أن الطبقات التي تملكُ وتُسيّر المجتمعَ لا تستطيع أن تواصلَ سيطرتَها بالأسلوب القديم، وهنا ينفتح زمنُ الأزمة الاجتماعية.

الآن انفتح زمنُ الأزمة الاجتماعية في تونس ومصر، والغلاف السياسي الأول للطبقة الحاكمة تبخر خلال أسبوعين من الحراك البشري غير المسبوق، لكن المسألة ليست غلافاً بل طبقةً تُسّير المجتمعَ حسب وعي قديم، وخطط اقتصادية واجتماعية لم تعد مطابقة لحراك السكان وتبدلهم.

إن أسلوبَ الانتاج العتيق القائم على رأسمالية متخلفة تم إصلاحها بانفجار في قطاع خاص غير منتج وغير محول للبنية الوطنية التي لم تثر بهياكل سياسية منتخبة، يتطلبُ إعادةَ هيكلةٍ بين القطاعين العام والخاص، وقيادة إنتاجية طليعية من القطاع العام في زمن التقنية الحديثة وإعادة تشكيل السكان: ضرورة التوسع الكبير في العمالة الشابة المتطورة تقنيا المعيدة للإنتاج الوطني، والقضاء على الهدر الحكومي التوظيفي المالي، وإدخال النساء بكثافة في إنتاج متطور، ووضع الفوائض في القطاعات المتخلفة.. الخ.

الآن تتحدد الخياراتُ السياسية والاجتماعية، فإذا لم تدركْ الطبقات الحاكمةُ الضرورات المعوقةَ لأسلوب الإنتاج، تواصلُ الأزمةُ السياسيةُ الاجتماعية قلقها عبر صراع المجموعات والكتل والاضرابات والفوضى عامة، وهذا ينطبقُ كذلك على الجمهور الذي لا يدركُ هذه السببيات العميقةَ للاضطراب السياسي، ويندفع هنا وهناك من دون أن يصلَ إلى جوهر الأزمة، كذلك إذا لم تتواجد مجموعاتٌ سياسيةٌ معرفيةٌ مدركةٌ لهذه السببيات أو تكون غيرَ قادرةٍ على التأثير في الجموع، بسبب أشكالٍ متخلفة من الأدوات السياسية والصلات التنظيمية.

وقد فهمت المجموعاتُ الشبابيةُ في بدءِ ظهور الأزمة ورؤوسها الصاعدة من تحت مياه الجليد العميقة، السطوحَ الأولى من هذه الرؤوس الطالعة، كجمود القيادة، وتخلف البلدين المريع عن التطور خلال العقود الأخيرة، ووجدت في يدها أدوات التأثير الاجتماعية: النت والمجموعات وأشكال التظاهر.

لكن التأثير في الهرم الاجتماعي المجمد خلال عقود، وإعادة الإنتاج حسب مصالح الأغلبية الشعبية وقوانين الثورة التقنية وقوانين السوق، مسألة أخرى.

لهذا فإن الثورة تبدأ الآن حقيقة، وتستبدل الطواقم التنفيذية التي تدير وتوجه الفوائض حسب الهياكل القديمة.

إن القوى العميقة المؤثرة هي الضباط الكبار في الجيش والمخابرات، وقادة الأحزاب والنقابات، ورجال الدين الكبار، والقوى الرأسمالية الكبيرة، فبعد ابتعاد الشباب عن التأثير المباشر تطلع هذه القوى وتوجه البلدين نحو أهدافها المجهولة والمتعددة والمتناقضة ربما، ولا توجد الآن سوى الرأسمالية الحرة وتنوعاتها، فإما ديمقراطية وإما استبدادية. إما علمانية وإما دينية؟ ومن يقود: أهو القطاع العام أم الخاص، العمال أم الفئات الوسطى؟ أسئلة تحسمها التطورات التالية والوعي وصراع التنظيمات المختلفة والانتخابات.
 
أخبار الخليج 5 مارس 2011
 
 
 

اقرأ المزيد

عالم يتحول بسرعة مذهلة


إلى ما قبل بضع سنوات كان الحديث عن أن أمام الصين نصف قرن أو أكثر كي تتمكن من معادلة القوة الاقتصادية الأمريكية وحوالي 20 عاما لتبلغ من القوة ما بلغته اليابان. ما حدث هو أن الصين لم تكتف باختزال الزمن ومعادلة القوة الاقتصادية اليابانية وإنما أزاحت اليابان وأخذت مكانها كثاني أكبر الاقتصادات العالمية، وأما الولايات المتحدة فستصلها الصين في السنوات القلية المقبلة التي لن تتجاوز بأي حال نهاية العقد الثاني من هذا القرن.
 
فمن الحقائق المذهلة انه عندما بدأت الصين إصلاحاتها الاقتصادية في عام 1979، فإنها نجحت بسرعة فائقة في انتشال عدد كبير من سكانها من قائمة الفقر تفوق أولئك الذين كان من المفترض انتشالهم من الفقر بموجب برامج المساعدات في مختلف أنحاء العالم. فقد كان نحو 85% من الشعب الصيني يعيش بأقل من دولار يوميا، ولكن في عام 2005 تقلصت النسبة إلى نحو 16% من السكان. وفي العام الماضي تفوقت الصين على اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم. والمتوقع الآن أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بالنسبة لحجم الاقتصاد (أي القيمة الإجمالية للناتج المحلي السنوي) في عام 2031 وربما قبل هذا التاريخ وليس في عام 2050، كما كان يعتقد سابقا وذلك استنادا إلى فوارق معدلات النمو السنوية للدولتين.
 
ليس هذا وحسب، فلقد أصبحت الصين في عام 2007 ثالث أكبر منتجي السيارات في العالم بإنتاج وبيع 7 ملايين سيارة، متجاوزة بذلك ألمانيا، وحالّة بعد الولايات المتحدة واليابان، وقريبا جدا ستنضم إلى الدول المنتجة والمصدرة للطائرات التجارية بما في ذلك إلى السوق الأمريكية نفسها، وبعد مرور حوالي نصف قرن على إطلاق برنامجها الفضائي نجحت الصين في دخول عالم الفضاء بتحليق أول رجل فضاء صيني في الفضاء وامتلاكها قريبا مختبر صغير في الفضاء ومن بعد محطة فضائية.
 
وحتى سنوات قليلة خلت كانت بلدان قارة أميركا اللاتينية عناوين فاقعة للدكتاتوريات السوداء ومرتعا و”ملاذا آمنا” للنازيين ولكل الفارين من العدالة من جميع بلدان العالم.
 
وعلى نحو سريع، وغريب بعض الشيء، قررت بلدان هذه القارة، وشعوبها تحديدا، القطع مع الماضي الأليم..ماضي تلك الدكتاتوريات العسكرية السوداء والتحول صوب الديمقراطية الشعبية (البرلمانية أكثر منها الرئاسية) واعتماد التعددية سبيلا لضمان التجديد والإحلال، والحيلولة دون ظهور بثور وفقاعات التسلط وانتشار مظاهره وتبلورها لاحقا في صورة ظاهرة عامة ساحقة ماحقة تجرف معها السلطة والثروة إلى حيث التيه والضياع التنموي الشامل.
 
 البرازيل على سبيل المثال، حوَّلها الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا الذي وصل إلى سدة الرئاسة في عام 2003 عن طريق صناديق الاقتراع وترك منصبه بعد انتهاء ولايته الثانية في شهر يناير الماضي، حوَّل البرازيل إلى إحدى أكبر القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم إلى جانب الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، فنجح في إضافة عشرة ملايين برازيلي إلى مصاف الطبقة الوسطى، وحولها أيضا إلى قوة زراعية عالمية (تأتي في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث تضاعفت صادراتها مرتين خلال السنوات الأربع الأولى فقط من حكمه، فهي المنتج والمصدر الأول في العالم للسكر والقهوة وعصير البرتقال والتبغ ولحم البقر واللحوم البيضاء وثاني مصدر لزيت الصويا.
 
ولا يقتصر الأمر على البرازيل، فهناك المكسيك وتشيلي والأرجنتين وغيرها من البلدان اللاتينية الأخرى الصاعدة.
 
 
 
 
 
 
 
 
إلى ذلك أيضا، فانه حتى وقت قريب لم يكن أحد هنا في العالم العربي وفي العالم أجمع، يتصور أن شباب الأمة العربية كان يختزن كل هذه الطاقة الهائلة والكاسحة القادرة على إحداث تغييرات كبرى ونوعية في الحياة العربية التي ظلت رتيبة ستاتيكية ممضة على مدى حوالي نيف وخمسة عقود، ثابتة لا يحركها ساكن فإذا بهذا الإعصار الشبابي العارم ذي العزيمة التي لا تلين والتنظيم المذهل الذي أظهره هؤلاء الشباب في العالم العربي ولفتوا إليهم الأنظار في جميع أنحاء العالم كقوة تغيير سلمية كامنة وخلاقة.
 
لقد كان – نعم كان ولم يعد كذلك منذ مطلع عام 2011 الجاري – العالم العربي الإقليم الجغرافي الوحيد في العالم الذي اختار القائمون على إدارته “النأي به” عن “الحوادث” التطورية والإصلاحية العاصفة التي ما فتئت تهب على زوايا الكون الأربع، بل والعمل ما أمكن لإخراجه من مجرى التاريخ وإبقائه في صومعته يجتر ويعيد إنتاج أوهامه و”أساطيره” التنموية “الاعجازية” التي لا وجود لها إلا في مفردات التطبيل والتزمير والتجميل المدمرة.
 
حتى كاد البعض يفقد الثقة في صحة قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي التي كان اكتشفها فلاسفة ومفكرو عصر النهضة والعصر الصناعي الأول باعتبارها تعبيرا حيا ومدروسا للعلاقات المنتظمة والدائمة لعناصر الظاهرة الاجتماعية موضوع الدراسة، من حيث عدم سريان مفعولها على مجتمعات الإقليم العربي، بل إن بعض ذلك البعض ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بفقدانه الثقة والأمل في قدرة المجتمعات العربية على إحداث التغيير الذي طال انتظاره للالتحاق بالأمم الأخرى التي سبقتنا في السفر إلى المستقبل وعالمه الواسع المليء بالفرص والتحديات التي لا يمكن مقابلتها إلا بـ “بُنى تحتية” جديدة تختلف عن “بُنى” القرنين التاسع عشر والعشرين التقليدية الجامدة.
 
فجأة، وكما قررت شعوب أمريكا اللاتينية في لحظة تاريخية فاصلة أن تستجمع قواها وتتخلص من أنظمتها العتيقة التي تجاوزها الزمن، قررت شعوب المنطقة العربية أن تضع حدا لحالة الضياع والتيه والتردي التي “تحتلها وتستوطنها منذ عقود، وأن تحرر إرادتها وتقبض مستقبلها بأيديها لتضمن لها ولأجيالها المقبلة مكانا فيه، في عالم لا يرحم المتخلفين عن ركب مسيرته التقدمية.
 
بهذا المعنى يكون العالم العربي قد نجح في اللحظة الأخيرة في أن يصبح جزءً من مفهوم عصر السرعة الذي ظهر في الغرب لأول مرة تعبيرا عن الانجازات العلمية والفكرية والثقافية المتلاحقة والمتسارعة التي ظلت تسجلها شعوب البلدان الغربية منذ عشرينيات القرن العشرين الماضي. وعلى ذلك فان الراجح أن تفتح هذه الانعطافة الحادة والمفاجئة في البنى الفوقية التي يعود للشباب العربي الذي يشكل أكثر من 60% من سكان العالم العربي، الفضل الأول في إحداثها، الطريق واسعا أمام تحولات عميقة ومتسارعة في كافة مناحي الحياة العربية.
 

اقرأ المزيد

إصلاح دستوري مستحق 2 , 3 من 3


في ظل الإمارة التقليدية قبل استقلال الكويت كانت سلطة الأمير مطلقة كحاكم، باستثناء فترتين قصيرتين جرتا في عهد الشيخ أحمد الجابر للحدّ من الحكم المطلق تمثّلت الأولى في المطالبة التي تحققت بإقامة مجلس للشورى في العام 1921، وأخرى في العام 1938 لإقامة نظام حكم دستوري برلماني تحققت بين نهاية يونيو من ذلك العام ولكن سرعان ما تمّ الإجهاز عليها في بدايات شهر مارس من العام 1939 ليعود الحكم مطلقا، فيما تكررت في عهد خلفه الشيخ عبداللّه السالم المطالبات بالحكم الدستوري إلى أن تهيأت الظروف المناسبة له بعد نيل الكويت استقلالها عندما جرت انتخابات المجلس التأسيسي في العام 1962 الذي تولى وضع الدستور.
وبذلك انتقلت الكويت من صيغة الإمارة التقليدية والحكم المطلق إلى صيغة أولية ومحدودة غير مكتملة من الإمارة الدستورية في ظل نظام دستوري وسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع ميل نحو الأول، وذلك ضمن معادلة لخصتها المادتان الرابعة والسادسة من الدستور في كون الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وأنّ نظام الحكم فيها ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا… وبالطبع فقد كان هذا الانتقال على محدوديته وعدم اكتماله خطوة كبيرة إلى الأمام قياسا بما كانت عليه الحال قبلها، بالانتقال من الحكم المطلق إلى الحكم الدستوري الذي يحدد صلاحيات الأمير وفقا للدستور ذي النظام الوسط بين النظامين البرلماني والرئاسي، ولكن تلك الخطوة نفسها كانت بمثابة خطوة إلى الوراء قياسا بما كانت عليه الحال في ظل دستور 1938، الذي كان يؤسس لإمارة دستورية ناجزة وفق نظام برلماني.

وعندما نتفحص دستور 1962، الذي لا يمكن الادعاء أنّه دستور ديمقراطي مكتمل، وإنما هو دستور الحدّ الأدنى، نجد أنّه أخذ ببعض مظاهر النظام البرلماني مثل ممارسة الأمير سلطاته بواسطة وزرائه، ووجود برلمان منتخب من الشعب، وإقامة نظام مرن لفصل السلطات الثلاث مع تعاونها، وتقرير مسؤولية الحكومة أمام مجلس الأمة وحقّه في الرقابة… وفي المقابل نجد أنّ هذا الدستور قد أخذ ببعض مظاهر النظام الرئاسي المتمثلة في الاختصاصات الواسعة والمؤثرة لرئيس الدولة، على خلاف النظام البرلماني، كما نجد أنّ الدستور لم يتبع القاعدة البرلمانية المعروفة التي توجب اختيار الوزراء من بين النواب المنتخبين، وإنما يتم اختيارهم من داخل مجلس الأمة ومن خارجه، وغالبيتهم من خارجه، ناهيك عن أنّ الحكومة الجديدة لا تحتاج عند تشكيلها إلى نيل ثقة مجلس الأمة بها، ولا يملك المجلس أن يطرح الثقة في الحكومة ككل، وإنما بالوزراء فرادى بعد استجوابهم، أما رئيس مجلس الوزراء فلا يمكن طرح الثقة به، وإنما يمكن فقط تقديم طلب بعدم إمكان التعاون معه بعد استجوابه، وهو ما يوضع أمام رئيس الدولة كحَكَم ليتخذ قراره في شأن رئيس مجلس الوزراء أو حلّ مجلس الأمة، ما يحصّن رئيس مجلس الوزراء عمليا على نحو مبالغ فيه.

ومن بين أسوأ مظاهر عدم اكتمال الطابع الديمقراطي في دستور 1962 أنّ الوزراء من غير النواب المنتخبين أعضاء في مجلس الأمة بحكم وظائفهم، ولهم أن يشاركوا في التصويت على القوانين والإجراءات البرلمانية، فيما عدا التصويت على طرح الثقة بأحد الوزراء وطلب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء… ونظرا لأنّ غالبية الوزراء من غير النواب، ونظرا لأنّ عدد أعضاء مجلس الوزراء ثلث أعضاء المجلس الخمسين المنتخبين، فإنّ نحو ثلث أعضاء البرلمان لم يتم انتخابهم من الشعب، وإنما تمّ تعيينهم، وهذا انتقاص واضح من طابعه التمثيلي.

وأحسب أنّه بعد نصف قرن على وضع الدستور، وبعد التحولات الكبرى والمتسارعة الجارية في الوطن العربي نحو الديمقراطية، وبعد المطالبات بالانتقال إلى الملكية الدستورية في السعودية واستكمالها في الأردن والبحرين والمغرب، فقد حان الوقت لأن يتم استكمال الانتقال إلى الإمارة الدستورية والحكم البرلماني في الكويت عبر إصلاح دستوري مستحق…
وللحديث صلة
 
إصلاح دستوري مستحق  3 من 3  
 
استكمال الانتقال إلى النظام البرلماني هو عنوان الإصلاح الدستوري المستحق، وهناك أساس تاريخي لمثل هذا الإصلاح الدستوري يعود أول ما يعود إلى الوثيقة الدستورية التي أقامت مجلس الأمة التشريعي في العام 1938، ويعود بعد ذلك إلى الاقتراحات الملموسة في هذا الاتجاه عند صياغة مشروع الدستور الحالي في العام 1962
فعلى سبيل المثال فإننا عندما نرجع إلى محضر الجلسة الخامسة للجنة الدستور في المجلس التأسيسي المنعقدة يوم 21 أبريل من العام 1962 نجد أنّ غالبية أعضاء اللجنة المكونة من خمسة، وهم رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف محمد ثنيان الغانم، ووزير العدل حمود الزيد الخالد، وعضو المجلس يعقوب الحميضي قد تبنوا فكرة النظام البرلماني على خلاف فكرة النظام الرئاسي التي كان يتبناها وزير الداخلية الشيخ سعد العبداللّه… وفي وقت لاحق تمّ التوافق بين الطرفين على تسوية تقضي وفق المذكرة التفسيرية للدستور بأن يتم تبني “طريق وسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما، لما هو مقرر أصلا من أنّ النظام الرئاسي إنما يكون في الجمهوريات، وأنّ مناط قيامه كون رئيس الدولة منتخبا من الشعب لبضع سنوات ومسؤولا أمامه بل أمام ممثليه على نحو خاص.

والمثال الآخر على البعد التاريخي للتوجّه نحو النظام البرلماني أنّ المشروع الأول للدستور لم يكن يتضمّن أي إشارة إلى عضوية الوزراء من غير النواب المنتخبين في مجلس الأمة، إذ كان الأصل أنّ “الوزراء الذين ليسوا أعضاء في مجلس الأمة لهم حقّ حضور جلساته والاشتراك في مناقشاته دون أن يكون لهم حقّ التصويت” … ولاحقا نجد أنّه عندما تمّ إقرار المادة 80 من الدستور على النحو الذي صدرت به، بحيث يصبح الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم، فقد حرصت لجنة الدستور وبعدها المجلس التأسيسي على أن تتضمّن المذكرة التفسيرية لهذه المادة الإشارة إلى ذلك بالقول “ابتدع الدستور فكرة لا تخفي أهميتها برغم عدم مجاراتها لكمال شعبية المجالس النيابية”… وبالتالي فإنّ الدعوة الآن إلى تنقيح المادة 80 من الدستور بحيث تقتصر عضوية مجلس الأمة على النواب المنتخبين إنما هو عودة إلى الأصل البرلماني السليم من شأنها ضمان اكتمال شعبية المجلس النيابي.

إنّ استكمال الانتقال إلى النظام البرلماني يتطلب في حدّه الأدنى تنقيح عدد من مواد الدستور، بدءا من تنقيح المادة 80 من الدستور لقصر عضوية مجلس الأمة على النواب المنتخبين، وتنقيح المادة 98 بحيث تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة لتنال الثقة النيابية على أساسه، وتنقيح المادتين 101 و102 بحيث يمكن طرح الثقة في الوزراء ورئيس مجلس الوزراء من دون الحاجة إلى المرور بآلية الاستجواب، ومن دون تفريق بين طرح الثقة في الوزراء أو في رئيسهم واعتباره معتزلا لمنصبه شأنه شأنهم من تاريخ عدم الثقة به، وعدم اشتراط تحكيم رئيس الدولة عند طرح الثقة في رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ قراره إما بإعفاء الرئيس أو بحلّ مجلس الأمة، مثلما هي الحال الآن عند تقديم طلب عدم إمكان التعاون معه، وأخيرا تنقيح المادة 116 من الدستور، أو تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بما يؤدي إلى تأكيد صحة انعقاد جلسات مجلس الأمة من دون اشتراط حضور الحكومة، حتى لا يؤدي غيابها إلى تعطيل جلسات المجلس مثلما حدث وتكرر.

أخيرا، فإنّه أيًّا كان الأمر فإنّ تنقيح دستور الحدّ الأدنى على نحو يؤدي إلى المزيد من ضمانات الحرية والمساواة باتجاه تكريس الطابع البرلماني إنما يمثّل استحقاقا قائما لتطوير نظامنا الديمقراطي، أما دعوات تنقيح دستور على نحو يقلّص هذه الضمانات فهي دعوات سلطوية تهدف إلى النزول بالحدّ الأدنى لدستور الحدّ الأدنى إلى ما هو أدنى فأدنى… وشتان شتان ما بين التنقيحين.
 
عالم اليوم 5 مارس 2011

اقرأ المزيد

الرسالة ( 17): لوزير الإعلام دون تحية !!


في الليلة التي أعلن فيها نبأ عزل 3 وزراء “تأزيم” قادوا البلاد لما هي فيه من محنة، تسارعنا في تخمين الأسماء المقصودة فلما أصبح الصبح وأتضح أن المعزولين 4 قلنا: خير وبركة.. ليس لأن هذا التعديل أقصى طموحنا بل لأنه عقاب – بدرجة ما وبشكل ما- لمن استهانوا بالعباد وأفسدوا في البلاد..

صدق ظني في اثنين وتفاجأت مفاجأتين.. أما من صدق فيهم الظن فهما وزير الصحة الذي خذل نفسه وهشم صورته، والشيخ أحمد عطية الله بالطبع الذي كان شوكة في خاصرة الناس وعراب الفوضى بين الشارع الشيعي والقيادة..
 
أما المفاجأتين فكانتا وجود أسم فهمي الجودر من بين المعزولين ووزراء التأزيم رغم كونه كفاءة فذّة لا تتكرر- فيما عدا هفوات وأخطاء لا يسلمُ منها كل من يعمل..
المفاجأة الثانية كانت غياب أسم وزير الإعلام الشيخ فواز بن محمد من قائمة وزراء التأزيم ما جعلنا نسأل :
كيف ؟ هل غابت عنه الأبصار ياتـُرى !!

فتلفزيون وإذاعة البحرين يحتلان مكان الصدر في قائمة أسباب تفجر الاحتراب الطائفي واحتقان النفوس وتعالي الغضب الشعبي بما لعبه من دور مدمر – ومنذ اليوم الأول- في شق الصف بما يثيره من شبهات وما يحجبه من حقائق.. فمن جهة؛ سمحت الإذاعة وشجع التلفزيون الناس المضطربين “بسبب تسارع الأحداث” على التهجم وتحقير المتظاهرين في وقت كانت جراح الأهالي فيه مفتوحة تنزف ! كانت بعض الجثث لم تدفن بعد عندما لاك التلفزيون مصطلح ” تطهير الدوار” مراراً تكراراً ووصف المحتجين بالإرهابية والمدعين ورمى بمظاهر الفقر والعوز والبطالة في ساحة القرويين ” الذين يتزوجون وينجبون كثيراً”، واستضاف شخصيات عُرفت بتزلفها للسلطة واستعدائها للمعارضة لتمطر الناس بقبح الكلام وأسفله.. وبعد مبادرة ولي العهد تغيرت النبرة – إنما- لهيئة أكثر خبثاً وتوارياً، فصاروا يرددون شعارات الوحدة ويدوسونها في الوقت نفسه بإطروحاتهم التي تمزج كثيراً من السم الرعاف بالعسل الصناعي، ولازالت استوديوهاتهم – لليوم- موصدة أمام الجمعيات الـ17 المؤتلفة والمستقلين والوطنين الذين لديهم رأي لا يعجب من هم ملكيين أكثر من الملك نفسه..!!

عموما نقول للشيخ ورهطه، أن غدا للناظرين قريب، استعدوا لخروج مخزي سبقكم له وزراء غير محسوف عليهم، ولن تنفعكم يومها – صدقاً- شفاعة الشافعين !!

موقع لميس : حرر في الـ10 من مساء 2-مارس

اقرأ المزيد

نحن أيضاً نتغير


أكثر من 40 في المئة من سكان أقطار الخليج هم دون الخامسة عشرة من العمر، ينشؤون في ظروف مختلفة، بحيث لم يحدث أن رأينا هذا التضاد العميق في المؤثرات الثقافية والنفسية على المجتمع، كما في انعكاسها الحاد على هذا الجيل، خاصة إذا ما لاحظنا أن أوساطاً كثيرة منه تتلقى خبراتها وتعليمها خارج الموروث والثقافة التقليدية .
 
والأبلغ من ذلك، أن هذا الجيل لا ينشأ ويتشكّل وسط مجتمعات مستقرة في بيئتها السكانية على الأقل، إذا ما تذكرنا دائماً النسبة الأكبر من العمالة الأجنبية في مجتمعات الخليج، والاعتماد الذي يكاد يكون كلياً عليها في عملية التنمية، وهو أمر نجم وينجم عنه زيادة مطّردة في التركيبات السكانية لبلدان هذه المنطقة، وتنازعها لمتغيرات نفسية واجتماعية مستمرة .
 
وهي حقيقة أنشأت مع الوقت سيكولوجيا مجتمعية ترفض العمل اليدوي، أو تنظر إليه باستخفاف ودونية، بحيث إنه إذا فكرت الدول في مشروعات لتدفع بأبنائها إلى المشاركة الفعالة في الاقتصاد، فإنه يتعين عليها تغيير المفاهيم السائدة تجاه هذا العمل .
 
بعض من درسوا سمات تكوّن فئة وسطى جديدة في الخليج، لاحظوا أن هذا هو التغيير الأجدر بالعناية في بلدان المنطقة، وهو أمر يمكن الموافقة عليه خاصة إذا ما لاحظنا أن تعميم التعليم والتعليم الجامعي، وتوفير فرص التوظيف للخريجين، قد وسعا قاعدة فئات هذه الفئة التي وإن بدت على شيء من التناقض أو التنافر في ميولها، إلا أنها ستظل تمثل قاعدة التحديث وسنده .
 
تتنازع الجيل الجديد أفكار شتى تراوح بين التزمت والانغلاق، وبين الانفتاح، لكن مع ملاحظة أن انفتاح هذه المجتمعات على العالم بسبب طبيعة اقتصادها القائم أساساً على سلعة النفط، وامتلاكها سوقاً استهلاكياً واسعاً، والأثر الذي يلعبه انتشار وسائل الاتصال الحديثة فيها، إضافة إلى تبلور فئات من الأنتلجنسيا الثقافية والكوادر الإدارية والتقنية التي تحتل مواقع مرموقة في السلم الوظيفي والإداري للدولة والقطاعين العام والخاص، تخلق قاعدة موضوعية لفكرة التحديث .
 
وبعيداً عن التوصيفات أعلاه، فإن التغيير من حيث هو حاجة إلى تطوير الأداء الاجتماعي وإزاحة السلبيات التي تراكمت عبر سنوات ما بعد استقلال بلدان الخليج والتطورات العاصفة التي أحاطت بها، أمر لا بد منه حتى لا نصحو مرة أو مرات على تطورات لم نُعِدّ لها العُدة، أو نتوقع حدوثها، فالعالم من حولنا يتغير، ونحن كذلك .

اقرأ المزيد

السلع العالمية وأسعار 2008


الاتجاه الصعودي المتواصل لأسعار السلع Commodity prices، يعيد إلى الأذهان ذلكم الصعود التاريخي لأسعار السلع من مواد هيدروكربونية (نفط وغاز وفحم) ومعدنية (ألمنيوم، ومنتجات زراعية (خصوصاً الأرز والسكر والحبوب  . .الخ) الذي شهده عام 2008 بصورة لم يسبق لها مثيل حين وصل سعر برميل النفط في يوليو/ تموز 2008 إلى 147 دولار .
 
فلقد وصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار وتجاوزه في بعض جلسات أيام التداول في بورصات البيع الفورية Spot markets وسعر طن النحاس يواصل ارتفاعه محققاً زيادة نسبتها 17% منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والحال ينطبق على بقية المعادن والسلع الأخرى .
 
البعض يرجع ذلك إلى تراجع القلق بشأن مستقبل النمو الاقتصادي العالمي، والأصح أن قيام الإدارة الأمريكية بحقن الاقتصاد بجرعة تنشيطية ثانية من أموال حزمة التحفيز الاقتصادي في شهر نوفمبر الماضي هي التي أعطت شعوراً ما بالاطمئنان للمستثمرين وخصوصاً المضاربين في أسواق السلع المستقبلية .
 
في أزمة سبعينات القرن العشرين الماضي الاقتصادية العالمية أجمع الغرب الذي كان يتحكم في أجهزة الميديا، على تحميل النفط مسؤولية الأزمة . من الناحية التقنية الصرفة يمكن أن يحمل مثل هذا الاتهام شيئاً من الموضوعية، من حيث إن قطع إمدادات النفط العربي رداً على موقف الدول الغربية المنحاز سفوراً ل”إسرائيل” في حرب أكتوبر 1973 بين العرب و”إسرائيل”، إنما في حال تفكيك هذا الاتهام سوف نجد أن الأزمة لها عوامل تفجير تتجاوز حرمان قطاع الطاقة الغربي من إمدادات البترول العربي .
 
أما الأزمة المالية – الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي قبل أن تمتد إلى الاقتصادات الأوروبية وبقية الاقتصادات العالمية، فقد كانت نتاجاً واضحاً لجشع الرأسمالية الأمريكية التي اندفعت في مضاربات محمومة في أسواق العقار والمال والسلع والقطع الأجنبي، متسببة في فقاعات ضخمة انفجرت في نهاية المطاف في وجوه الجميع .
اليوم نشهد سيناريوهاً للنمو العالمي شبيهاً بذلك الذي حدث في عام 2007 وانتهى في سبتمبر/ أيلول 2008 بانفجار تلك الفقاعات، من حيث قيادة الطلب المتصاعد على المواد الخام والمعادن والسلع لديناميكيات هذا النمو . وكما في ظروف تشكل تلك الفقاعة، فإن ارتفاع الأسعار لا يقتصر على سلعة النفط وحدها وإنما يشمل جميع اللقائم الصناعية والمنتجات الزراعية نظراً لأن الطلب عليها هو مشترك في أسباب ارتفاع الأسعار . والسبب من جديد يعود إلى المضاربات المحمومة أكثر من تدافع الأساسيات الاقتصادية Economic fundamentals  .
 
وبالنتيجة فإن هذا سوف يغذي محفزات التضخم وبالتالي ارتفاع الأسعار وبضمنها أسعار الغذاء . بل إن بوادر التضخم بدأت بالظهور حتى في اقتصاد ضعيف النمو مثل الاقتصاد البريطاني .
 
بدأت أسعار بعض السلع تتجاوز مستويات عام ،2008 بما في ذلك أسعار المنتجات الزراعية والغذائية التي ارتفعت بنسبة 37% عما كانت عليه قبل سنة . وهنالك قلق بشأن تأمين التوازن بين العرض والطلب على النفط . وكما في حالة أسعار المنتجات الزراعية والغذائية التي عكست الاختلال الحاصل بين عرضها والطلب عليها (بعض ذلك لأسباب تتعلق بالجفاف والتغيرات المناخية)، فإن ارتفاع أسعار النفط ناتج عن ارتفاع مطرد في الطلب عليه .
 
حاصل القول إن هنالك مؤشرات كافية، كما رأينا عاليه، تدل على أن رأسمالية المقامرة Speculative capitalism قد استعادت زمام المبادرة من جديد في أسواق السلع Commodity markets لاسيما سلع النفط والمعادن والحبوب، وأسواق المال (الأسهم والسندات) وإن التسخين العالي الوتيرة الذي أحدثته مضارباتها على هذه السلع قد أدى إلى انبعاث التضخم حتى في الدول ضعيفة النمو، فلا مناص، والحال هذه، من قيام المصارف المركزية بإعادة تفعيل أدوات السياسة المالية (رفع أسعار الفائدة) وأدوات السياسة المالية (رفع الضرائب على حركة رؤوس الأموال الساخنة المتحركة بسرعة سلسة عبر الأسواق) . وإذا لم يتم اللجوء إلى هذا العلاج، وإن كان مذاقه مراً، من كبح الاندفاعة التضخمية الجديدة، فإن سيناريو الهبوط الارتطامي للاقتصاد العالمي Hard landing شبيه بسيناريو 2008 حين حلقت أسعار الأصول في العلالي، مصير لا يمكن تفاديه.
 

حرر في 3 مارس 2011

اقرأ المزيد