المنشور

الثقافة التحتية ومثقفو الهوامش – سعد محمد رحيم


خلق النظام السياسي العربي شكلاً هجيناً من الدولة أو شبه الدولة، ذات هوية استبدادية صارمة؛ ( فردية، عائلية، أوتوقراطية ـ حكم القلّة ) تستعير بعض سمات وأشكال الدولة الحديثة؛ الليبرالية وأحياناً الاشتراكية أو الفاشية، أو كلها معاً في خليط عجيب، وأيضاً، في الغالب، بطابع عشائري أو طائفي، أو كليهما معاً. بذا أصبح الحيّز السياسي الناشئ عنها خانقاً من جهة، ومشجعاً على بروز الانتهازية والوصولية والمحسوبية والفساد في مجال الفعل السياسي من جهة ثانية. فهيمنت عقلية العصابة على الأداء السياسي، وأصبح الوطن مقاطعة ( إقطاعية ) يملكها الحاكم وعائلته. وأصبح المواطنون رعايا ( أقنان ) حياتهم ومصيرهم بيد الحاكم يرزقهم متى يشاء، ويمنع عنهم حتى الهواء متى يشاء. أما الثقافة السياسية التي سادت فلم تكن سوى إيديولوجية شعبوية، وراديكالية فاشية، مشوهة، لا علاقة لها بالواقع والتاريخ والمستقبل، ملمحها الرئيس العنف اللفظي ( الشعارات الملتهبة )، ودعوتها الصريحة والمضمرة ممارسة العنف، بصوره القديمة والمبتكرة، لحماية امتيازات الحاكم وحاشيته إلى الأبد. والغريب أن آثار هذا الوضع انعكست على إيديولوجيات وممارسات كثر من الفئات والحركات المعارضة كذلك، كما لو أن واقعاً تاريخياً مثل الواقع العربي الحالي لا يولِّد، غالباً، إلاّ مثل هذه الإيديولوجيات الديماغوجية، ومثل هذه الثقافة السياسية المبتذلة، ومثل هذه السياسات والممارسات السيئة، ومثل هذه المؤسسات البالية، ومثل هذه العقلية العصاباتية. وفي هذا المناخ جرى تأطير وظيفة المؤسسات ( الحزب، الجهاز الحكومي، النقابات، منظمات المجتمع المدني ) وتكييفها لتكون جزءاً من الآلية الفاعلة التي تديم استمرار الحال على ما هو عليه لمصلحة الفئة الحاكمة.

ساعدت جملة عوامل دولية وإقليمية وبنيوية في تكريس هذا الواقع السياسي التراجيكوميدي المزري لمدة طويلة، عربياً، منها؛ ( عقابيل انتهاء عصر الاستعمار التقليدي، هيمنة أمريكا على قيادة العالم الرأسمالي ومتطلبات الحرب الباردة، نشوء الحكومات الوطنية غير الكفوءة، التدخلات الخارجية، قيام إسرائيل وتبدلات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، الحروب الداخلية والخارجية، إرث الثقافة الاستبدادية، انتشار أشكال مبسطة من الإيديولوجيات الراديكالية، اكتشاف النفط وانتعاش الاقتصاد الريعي، الصراعات الإقليمية والدولية، سيادة الذهنية العشائرية والطائفية، الخ، الخ ). وخلال العقود الماضية حاولت نخب سياسية وثقافية تغيير هذا الوضع عبر طرحها لما اعتقدت أنها ثقافات سياسية مختلفة ( اشتراكية، ليبرالية، قومية، دينية ) ولمشروعات سياسية مغايرة تمتح من تلك الثقافات أصولها. وبطبيعة الحال، من غير نجاحات تُذكر. ولكن فجأة بدأ المشهد يتغير خلال الأشهر الأخيرة وتنبئ عن تحولات دراماتيكية غير مسبوقة، وبسرعة مذهلة وصادمة.

إنّ ثقافة أخرى ( تحتية ) كانت تنمو في غفلة من الطبقات الحاكمة والنخب الثقافية والسياسية، إنْ في الفضاء الافتراضي/ الرقمي ( عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الانترنت )، أو في الشوارع الخلفية وفي القرى والبلدات النائية المهملة ( وتلك مفارقة )، مستقطبة شرائح اجتماعية ( شبابية ) راحت تتحرك، اليوم، بقوة، وتعصف بكل شيء ( المؤسسات الحاكمة والإيديولوجيات السائدة ) وتهدد كامل النظام السياسي العربي الذي ظننا بأنه باقٍ لقرن آخر ربما، بالسقوط والاضمحلال.

من الصعب بمكان التحدث عن ماهية هذه الثقافة بوضوح، أو تحديد طبيعتها واتجاهها، ذلك أنها لم تتبلور تماماً بعد، ولم تتخذ أنماطها القارّة، وهي مرشحة للتشظي والتصارع. وأنها من الهشاشة بحيث يمكن أن تكتسب ملامح متبدلة؛ أنْ تضعنا أمام أفق مشع وواقع سياسي صالح للتنمية والرقي والتحرر بأشكاله كافة، فهذا احتمال ممكن. أو أن تقودنا إلى الفوضى والدمار، أو شكل آخر، أشد عتواً، من الاستبداد، وهذا احتمال ممكن آخر. فقد يخلِّف النظام الديكتاتوري أو الفاشي نظاماً ديكتاتورياً أو فاشياً آخر. وقد تصعد عبر صناديق الاقتراع ( الديمقراطية ) فئات فاشية أو ديكتاتورية، تركب الموجة وتخادع بالخطب والشعارات، ثم سرعان ما تفتك بالتجربة الديمقراطية الوليدة.

إن القائمين على الثورات الشبابية يتحدرون من بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة ومتناقضة، وعلينا أن نكون حذرين في مراقبة لمن ستؤول الغلبة في النهاية؛ لأصحاب الفكر المديني الديمقراطي الحر، أم لأصحاب الفكر الأصولي اللاديمقراطي/ الاستبدادي المتشدد؟. وأمر طبيعي أن يكون لهؤلاء مثقفوهم ولأولئك مثقفوهم. وطالما نحن نتحدث عن ثقافة ( تحتية ) تنبثق في الهوامش أو في الفضاء الافتراضي/ الرقمي فأمر طبيعي، كذلك، أن نتحدث عن مثقفين ( آخرين ) لا يشبهون المثقفين الذين عرفناهم طوال العقود الماضية، وسأسمي هذا النمط بمثقفي الهوامش، أولئك الذين يمارسون تأثيراً طاغياً عبر الطرح الفكري ( بغض النظر عن محتوى وأهداف ذلك الطرح ) على الآخرين. من هنا يمكننا القول، وفي نطاق الاحتمالين القائمين، أن ما يتغير هو حدود مفهوم الثقافة وجانب من فحواه، وموقع المثقف في المجال الاجتماعي/ السياسي، وكذلك دوره الذي عليه تأديته في هذا المجال، في مقابل التغييرات التي حصلت في وسائط الاتصال والإعلام، وأنماط الثقافة.. وفي خضم الثورات الشبابية العربية وما ترشح عنها من مواقف وأفكار نستطيع تأشير نمطين ثقافيين سائدين، على الأقل، ليسا متوافقين بأية حال، وربما كانا ينذران بصراع ضارٍ بينهما، مؤجل في الزمن الحاضر. 
 
يجري التساؤل اليوم عن هوية هؤلاء الذين بدأوا ثورة الشباب العربي، من هم وما هي خلفياتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية؟ وهل ثمة قوى خارجية تحرِّكهم وتمنحهم هذا الزخم الجبار من الطاقة والقدرة على الاندفاع؟ أم أن المناخ السياسي السيئ الذي عاشوا في كنفه طويلاً هو ما دفعهم لثورة الخلاص؟ ولأن طارحي التساؤلات هذه، هم، في الغالب، من أبناء الجيل القديم، فإن نظرية المؤامرة باتت تشتغل من جديد في العقول وتتلبس الأفكار والتوقعات. 

في الوقت الذي كانت فيه الطبقة الوسطى الحاملة لقيم الليبرالية أو اليسار تتفتت بحكم سياسات النظم الحاكمة وتشعر بالانكسار والإحباط والاستسلام، كانت ثقافة أخرى تتسلل إلى الأماكن البعيدة ( القرى والبلدات الصغيرة وهوامش المدن ) حيث تسود الأمية والجهل والفقر وثقافة الدين الشعبي التقليدية فتمتزج مع القيم العشائرية والتوجهات الطائفية مولِّدة تياراً متعصباً خطراً وجد متنفسه وفرصة الإعلان عن نفسه فيما بعد ـ في العراق مثالاً ـ بعد الاحتلال وسقوط نظام صدام، وتقوّض مؤسسات دولته. نقول؛ وجد نفسه ممأسساً في جماعات ذات صبغة سياسية/ دينية إرهابية مسلحة. 
 
إن قمع اليسار ولجم التيار الليبرالي، والجفاف الذي أصاب الفكر القومي العلماني، لاسيما بعد العام 1979 خلـّف فراغاً فكرياً مريعاً، وذلك بالضبط ما كان يحتاج إليه الفكر الأصولي المتطرف ليكرِّس مقولاته ونوازعه في أوساط اجتماعية معينة، وينتشر. وهذا الأمر لم يكن مقتصراً على طائفة بعينها، أو منطقة جغرافية بعينها، وإنما كانت ظاهرة عراقية عامة، تعززت في الهوامش الكثيرة المنتشرة في كل مكان، وإنْ تجلت بمديات وأشكال وسبل عمل وطروحات متباينة. 
 
ترعرعت الثقافة الأصولية/ الطائفية المتعصبة، بدءاً، في عالم متوارٍ وحذرٍ وشكاك، وعلى درجة عالية من القلق.. إن اعتقاده بأنه مراقب ومهدد وعلى وشك التعرض لهجمة السلطة جعله يتمادى في عدائه لكل ما، ومن، يختلف معه. إن قمع السلطة يخلق ثقافة مضادة لها، ولكن غير متحررة من تأثيرها، بل إنها ( أي هذه الثقافة ) تكتسب بعض سمات وآليات ثقافة السلطة ذاتها. وما صرامتها الأرثوذكسية إلا انعكاس معقـّد لصرامة السلطة الفاشية الباطشة. فقد كانت فاشية السلطة تطبع موضوعياً أجزاء من جسد الثقافة المضادة لها ببعد فاشي.
يُصاب الفكر بضيق الأفق والتعصب. وليس مستبعداً أن تكسو نفسها بهالة متطرفة فاشية، إذا ما نمت وتغلغلت في بيئة سياسية واجتماعية قاسية، معادية لها.. إن زمناً مديداً ساد فيه اللامعقول وغاب المنطق واختفى النظر العلمي والحسابات التحليلية الموضوعية الدقيقة، في خطاب السلطة الإعلامي والسياسي، مع تفشي الأمية عند شرائح عريضة من المجتمع، ومع وجود أمية ثقافية حتى في بعض الأوساط المتعلمة، أورث أذهان الناس استعداداً عالياً لتقبل الخرافات والأساطير، وكل ما هو لا معقول وغير منطقي. وهكذا بات أي مدّعٍ شبه جاهل يتكلم في التاريخ والسياسة والدين وأسرار الكون والماورائيات يحرِّك ساكناً في مساحة لا يُستهان بها من الوسط الاجتماعي. وحتى عند قسم من المتعلمين ـ أصحاب شهادات علمية وأكاديمية!.. باتت الثقافة النامية في الزوايا المظلمة الخانقة تتشرب القتامة واليأس وضيق الأفق والصدر. من هنا شحوب علاقتها بالحياة، ونزوع متبنيها إلى الاستخفاف بحياة الآخرين وحياتهم، وقصص القتل المجاني والتفجيرات الانتحارية ليست خافية على أحد. فثقافة مثل تلك تزرع روح الكراهية والقسوة، وتحفِّز الأذهان للغيبوبة والضياع. وهذا ما يريده، على وجه التحديد، تجار المخدرات وحبوب الهلوسة.

بالمقابل يخلق الفضاء الافتراضي/ الرقمي مثقفيه الذين يهمهم الشأن العام وتشغلهم قضية المعنى، ويحاولون دس أنوفهم فيما يعتقدون، وهم على حق، أنه يعنيهم، أقصد المجال السياسي. وفي مرحلة ما بدا وكأن الأصوليين هم الأكثر قدرة على التعاطي مع تقنيات الانترنت للترويج لأفكارهم المتطرفة قياساً بالعلمانيين والديمقراطيين وأصحاب الفكر المديني الذين، ولأن أغلبهم من الجيل القديم تنقصهم الثقافة الرقمية. وأعتقد أن الوضع بدأ بالتبدل الآن، فثمة شباب بعيدون عن أي نزعات متطرفة، ويفكرون بطريقة مدينية متحضرة وديمقراطية باتوا ينشطون عبر وسائط الإعلام والاتصال الحديثة، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت، حيث نجد أن طرق تفكيرهم وطبيعة رؤيتهم ( للحياة والمجتمع والعالم ) تأثرت، لاشك، بالوسائط التي يستخدمونها، في الاتجاه والتفاصيل والحلول الجذرية للمشكلات الموروثة والجديدة، على الرغم من أن ما يبغونه، في النهاية، هي الأهداف والقيم ذاتها التي صارع الإنسان منذ فجر التاريخ من أجلها؛ الحرية والعدالة والعيش الكريم، وبكلمة واحدة؛ السعادة. إنه المثقف الآخر؛ نتاج عصر ما بعد الحداثة، الرافض لجغرافيا العلاقات الاجتماعية والسياسية القائمة، والمتنكر للخلفيات التقليدية التي غذت إيديولوجيات المثقفين في العقود السابقة كالأحزاب والمدارس الفكرية والمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية. فهم إذن أبناء حساسية جديدة، وعقلية مغايرة، ومرجعية بديلة. إن ثقافتهم تحتية كذلك، نشأت وانتعشت في الهوامش المتاحة بفضل الانترنت، لكنها تعبّر عن تطلعات شريحة مدينية جديدة عانت الحرمان وفقدان الحرية وفرص الحياة، وأفكارها عموماً هي أقرب ما تكون للحس الشعبي العام، فهؤلاء هم نواة نخبة جديدة ليست لها ادّعاءات دونكيشوتية، ولا تعد نفسها طليعة للآخرين، وإن كان بعضهم يمارس هذا الدور الآن، نسبياً، بتواضع خلاّق.

في ساحات التظاهر والاحتجاج يوجد هؤلاء ويوجد أولئك، ولكل منهم رؤاهم واستبصاراتهم. فإذا كان الشباب الديمقراطي بلا مساند مرجعية من حكومات وأحزاب ومؤسسات في أكثر الأحيان فإن شباب الحركات المتطرفة لهم مساندهم التقليدية القوية والمعروفة. وأظن أن هذا ينذر بصراع مرتقب ستبين ملامحه وطبيعته وساحته بعد انهيار الأنظمة التقليدية. وقد بدأ فعلاً على الساحة المصرية، وبخاصة في المسائل المتعلقة بالدستور، وشكل الحكم الملائم للبلاد، وهوية النظام السياسي المنتظر، فحركة مثل الأخوان المسلمين تمتلك من الخبرة السياسية الميدانية، والقاعدة الجماهيرية، إلى الحد الذي يمكِّنها من التأثير عميقاً في مجريات الأحداث، وإنْ من وراء الكواليس.

إن احتمال أن تقفز الحركات المتطرفة إلى سدة الحكم في بعض البلدان العربية قائم إلى حد بعيد، ويمكن من خلال تلاعبها بمشاعر الناس الدينية، عبر خطاباتها الإعلامية والدعائية، أن تحقق هدفها في الاستحواذ على السلطة من طريق صناديق الاقتراع، ومن ثم تلجأ إلى تصفية مناوئيها قبل أن تقيم نظاماً ذا صبغة ثيوقراطية استبدادية وإقصائية، وحتى من غير برنامج سياسي واضح وعملي. فهي كما معروف من خلال تاريخ مثل هذه الحركات ذات توجه صارم ولكن بأساليب برغماتية/ ميكافيلية في العمل السياسي. ولعلَّ دولاً عربية مثل ليبيا واليمن في سبيل المثال مرشحة لمثل هذا التغيير. لكن الاحتمال الآخر قائم أيضاً، وهو أن تصعد القوى الديمقراطية المدينية وتملأ الفراغ السياسي العربي برؤى وقيم إنسانية عالية، وطاقة بناء حضارية هائلة، وطرق عمل وبناء فعالة. وهنا على المثقفين أن يحسموا أمرهم، ويتحركوا ويتفاعلوا، ويختاروا…


 
الكاتب: سعد محمد رحيم
 
باحث و قاص وروائي عراقي
 
الحوار المتمدن 31 مارس 2011

اقرأ المزيد

الولوج إلى الحوار من خلال الباب الموارب


الحديث عن الحوار في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها وطننا الحبيب و في ظل التشاحن الطائفي نحو المنزلقات الخطيرة، قد يغدو تطاولاً على المباديء و حديثاً يطال الخطوط الحمراء لدى البعض في المعارضة البحرينية، التي رفضت الحوار من قبل عندما كانت الأوضاع أنسب و موازين القوى أفضل، حيث كان باب الحوار مفتوحاً على مصراعيه من قبل صاحب الحوار ولي العهد الداعي إلى الحوار دون قيود و دون سقف، أما الأن و بعد إعلان حالة السلامة الوطنية فإن ما يرشح عن الجهات المعنية و المسئولين في الدولة تؤكد على أولولية الأمن و الاستقرار في البلد مع الإبقاء على باب الحوار المرجو موارباً. فالباب الموارب للحوار قد يفتح من جديد بعد استتباب الأمن حسب التعبير الرسمي و قد يغلق للأبد. و هنا الخطورة الكامنة وراء إنهاء الحوار و غلق بابه إيذاناً بانتصار القوى المحافظة في الحكم في مقابل ما تبقى من تيار إصلاحي لا يجد أمامه أوراقاً يستخدمها لوقف النزيف الوطني و إقناع الآخر المحافظ الذي يرى في تجربة 1975 خير مثال على القضاء على الفلتان الأمني و الإضرابات التي عمت البلاد خلال الفترة من 72- 75 باستخدام القوة من خلال حل البرلمان و قانون/و محاكم أمن الدولة.
 
و يجب الاعتراف بكل جرأة و شجاعة بأن المعارضة قد ارتكبت أخطاء جسيمة و على رأسها تفويت فرصة الحوار التي كانت تتآكل كلما مر الوقت و ارتفع سقف المطالبات التي وصلت إلى الدعوة لاسقاط النظام و إقامة الجمهورية. و لم يكن التيار المتطرف في المعارضة يهمه إلا التباهي بالانتصارات الوهمية و الزج بالشباب المخلص في معركة معروفة النتائج سلفاً في مجتمع يعيش انقساماً و انشطاراً طائفياً عمودياً و افقياً حتى النخاع. و حتى الشعارات المنادية بالوحدة الوطنية و المنددة بالطائفية لم يكن لها وجود على أرض الواقع، الذي بدأ يتجه نحو الهاوية و الدرك الأسفل.
 
و بالرغم من تباين القراءات للوضع السياسي بين أقطاب المعارضة خلال الفترة من 14 فبراير إلا أن التيار المتطرف و المزايد في المعارضة هو الذي كان يجر بقية القوى نحو المجهول و لم تتجرأ القوى الأكثر عقلانية في المعارضة الإفصاح أمام الجماهير(خاصة في الدوار و أمام الصحافة) علناً عن عدم تأييدها لشعار اسقاط النظام و إقامة الجمهورية، بل كانت ردود أفعالها تجاه الحوار خجولة و مترددة بل و وجلة من غضبة الجمهور المشحون الذي كان يرفض حتى المطالبة بالملكية الدستورية بل وصل الأمر به إلى اعتبار الميثاق الوطني الذي صوت عليه الشعب بما يشبه الإجماع بأنه لم يعد مرجعية سياسية قانونية بعد الآن.
 
و من الواضح أن المعارضة المتطرفة قد فقدت بوصلتها و فقدت معها الاتجاه الصحيح، بل كانت منقادة عفوياً وراء الشارع المشحون و القيادات النرجسية التي توهمت بأنها ستستلم السلطة غداً أو بعد غد على أكثر تقدير. لذلك تمكن التيار المحافظ في الحكم من حسم الأمر لصالح الحل الأمني بعد أن انتفت كل المبررات للحوار المنشود بعد الدعوات المتكررة و التحذير من فوات الوقت و الفرصة.
 
و الآن و بعد أن دخلت البلاد في وضع السلامة الوطنية و حدث ما حدث كيف لنا أن ندفع الباب الموارب و نفتحه على مصراعيه لبدء الحوار و الانتقال إلى مرحلة جديدة نوقف بها النزيف الوطني، و نعيد الأطراف و الناس إلى الرشد و إلى الأسلوب الحضاري لإدارة دفة الصراع و حشد كل الطاقات لإعادة اللحمة الوطنية و وضع الخطوات العملية لتهيئة المجتمع للعودة إلى السلم  الأهلي المتضعضع حالياً. و إعداد برنامج عمل وطني لتصفية الطائفية أمنياً و مؤسسياً و مجتمعياً، و من بعد ذلك تصفيتها في النفوس بعد أن طال الشرخ الطائفي العائلات.
 
لذلك فإنني أرى بأن أولى الأولويات العمل معاً لدفع الباب الموارب لكي ينفتح على مصراعيه، و هذا يتطلب قبل كل شيء تهدئة الأوضاع و تهدئة النفوس. على أن يكون مرجعنا الأساسي المحاور السبع التي أكد عليها سمو ولي العهد لإجراء الحوار، و ما أكده قبل ذلك جلالة الملك بأنه سيأخذ كل ذي حق ٍ حقه. و بإمكاننا لاحقاً إدراج الاقتراحات التي ذكرتها سابقاً. على أن يترافق مع فتح باب الحوار تراجع الإجراءات الأمنية رويداً رويداً و إفساح المجال لطرح الحل السياسي دون غالب أو مغلوب، مع التأكيد على أهمية إسكات الأصوات و الأبواق الطائفية البغيضة و ترشيد خطاب الإعلام الرسمي و إبعاده عن الشحن الطائفي مهما كانت المبررات من وجود قنوات طائفية تهيج الجماهير و تكذب على ذقونهم بقلب الحقائق، كذلك فإن على الناس أن تتدارك الحقيقة الحلوة/المرة بأن قدرنا أن نعيش معاً شيعة و سنة و لا يمكن لأي طرف أن يلغي الطرف الأخر لأي سبب كان و مهما كانت المبررات و الذرائع و هي كثيرة لدى الطائفيين من الطرفين. فلنرجع إلى طبيعتنا و سجيتنا كما كنا و أن نبتعد عن الأوهام و الأحلام و الشعارات البراقة فلا أحد ينفعنا لا الأمريكان و لا الانجليز ولا حتى القوى الإقليمية، إذا ما انجرفنا نحو الهاوية.
 
بقلم يوسف زين العابدين زينل 
    محام/نائب سابق
           
 

اقرأ المزيد

مقابلة مع د. خالد حدادة حول: دور وموقف اليسار العربي واللبناني في ضوء الحالة الثورية العربية الجديدة.


على موقع الحوار المتمدن ( الآن)  .خالد حدادة في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: دور وموقف اليسار العربي واللبناني في ضوء الحالة الثورية العربية الجديدة.
 
 
من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.

حوارنا – 41 – سيكون مع الأستاذ  د. خالد حدادة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حول: دور وموقف اليسار العربي واللبناني  في ضوء الحالة الثورية العربية الجديدة.



1-    ثورة الشباب أعادت الروح الثورية الى مجتمعاتنا، ماذا يتطلب من الأحزاب الشيوعية ولتقدمية لكي تواكبها بشكل كامل بل وتقودها؟


بداية دعونا ندقق ببعض المفاهيم الواردة في متن السؤال والتي هي حقيقة مفاهيم “سادت” في الإعلام خلال الفترة الحالية. أولاًً هل ” ثورة شعب” أو “ثورة شباب” وهل الموضوع هو في صراع الأجيال أو في الحقيقة صراع سياسي واجتماعي بكل أبعاده.
 

إن طبيعة أية “ثورة” تتحد وبمضمونها، بالأزمة التي تتقدم لطرح حلول لها وبالتالي بالتعبير العلمي بتناقضاتها…
إن هذه الثورات، تطرح مهاماًً هي مهام وطموحات الشعب كله بشبابه ونسائه ورجاله، عماله وفلاحيه وفئاته الإجتماعية المتضررة، مثقفيه وفنانيه ، تطرح مهمة نقل المنطقة العربية من حالة الموت السريري التي وضعها فيه النظام الرسمي العربي واستعادة جوهر قضية التنمية وقضية فلسطين وقضية التكامل في الدول العربية واستعادة منطق العروبة التقدمية المترفة بالتنوع والعاملة لتفاعل التنوع بين كل مكونات المنطقة، مع الحفاظ على ثقافة الأقليات وهويتهم بذات الوقت انخراطهم بالمشروع العربي العام واستعادة موقعهم في مواجهة المشاريع الخارجية وبشكل خاص المشروع الأميركي – الصهيوني…

مشروعاًً تقدمياًً لأنه يدعو لتحصين الوطن بالشعب وليس من الشعب، بإطلاق طاقاته وليس بقمعه، بتحقيق العدالة الإجتماعية والتنمية وليس بنهب الثروات والفساد… لأن هذا هو طابعهم، اشرنا سابقاًً الى رعب الولايات المتحدة واسرائيل إضافة الى الأنظمة من حالة الثورة العربية ومن شعاراتها… ومن اجل ذلك تحضر كل هذه القوى آليات الثورات المضادة لخطف طموحات الشعب والشباب وإجهاض شعاراتهم عبر اطلاق تناقضات بديلة ذات طابع مذهبي وعرقي بديلاًً عن التناقضات الداخلية، المطالبة بالعدالة والحرية والديمقراطية والخارجية العاملة من اجل الاستقلال والتحرر الوطنيين…

إنها إذن ثورة الشعوب، التي يقودها الشباب وهذا طبيعي فكل ثورات العالم قادها الشباب ولم يكونوا أدواتها. أما بخصوص اليسار العربي، فأهم ما هو مطلوب منه، هو الانتقال حالة الاحباط واليأس والدفاع بأحسن الأحوال الى حالة الهجوم بعد وصول المشاريع الأخرى الى أزمتها. ونقصد بالمشاريع الأخرى كل المشاريع التي ملأت الفراغ العربي خلال الفترة الماضية… من المشروع الأميركي الأساسي الذي يشكل الخطر الأكبر وحلفائه من الأنظمة العربية الى المشاريع الاسلاموية التي وإن تميز بعضها بمقاومته ولكنها تميزت أيضاًً بطبيعتها الفئوية والمنغلقة وحتى المساومة مع المشاريع العالمية الأخرى أحياناًً كثيرة على حساب مصالح الشعوب والعراق والسودان وغيرها فيها أسئلة واضحة في هذا المجال…

أما أن ينجح اليسار بالخروج من شرنقته الدفاعية، أو أن يساراًً آخر يكون قيد التكون، لا ليمسح التاريخ وليلغيه بل ليكون جديراًً في قيادة المستقبل وشعاراته… وليس كل منا نجح في قيادة المرحلة الدفاعية والصمود في وجه الحملة الإيديولوجية للرأسمالية على انقاض الإنهيار الكبير للاشتراكية المحققة.. ليس كل من أجاد الدفاع بقادر أن يلعب دور القيادة في مرحلة “الهجوم “…

وأولى الخطوات في هذا المجال هي اطلاق طاقة الشباب اليساري لا ” لينفذ ” بل ” ليقود ” … وعلى مستوى آخر، إن قدرة الشباب العربي على استكمال التكنولوجيا الحديثة كأداة فعالة للتعبئة والتنظيم، تستدعي من قوى اليسار إطلاق بحث جدي يطال حتى فلسفته وسياسته التنظيمية إضافة الى الشعارات والبرنامج.
 
 
… 2 – كان من المتوقع أن يكون الشباب اللبناني، هو السباق في ثورته واعتراضاته مقارنة بشباب البلدان الأخرى، لم تأخر؟ وهل متاهة الولاء للمذاهب والطوائف هو من حجمته وافقدته قدرة المبادرة ؟. 
 
من حيث المبدأ لقد أجبت مرات عديدة على هذا السؤال. ولكن لا بأس من إعادة التأكيد…
يظن البعض أن لبنان هو بلد ديمقراطي وبالتالي فإن أهله محسودون لأنهم يعيشون “براحة ديمقراطية ” داخل عالم عربي يملأ ه القمع أجهزة الأمن وسلطات الفرد والعائلة سواء في الملكيات والامارات أو في “المملكيات “. ولكن في الحقيقة فإن لبنان هو البلد الأقل ديمقراطية في العالم العربي ولا نعني هنا قشرة الحريات المعطاة… حرية الشتم والسباب وحرية القول دون إتاحة إمكانيات الفعل.

لبنان البلد الأقل ديمقراطية، لأن الانسان فيه ممنوع عليه حقه الانساني الأساسي، أي حق الانتماء الى وطن. فممنوع على اللبناني ان يكون لبنانياً لأنه مجبر على الانتماء للوطن أو للدولة عبر ممر اجباري هو ممر زعامات الطوائف والمذاهب، التي تتحاصص البلد وحتى قضاياه الوطنية الكبرى وليس فقط الوظائف الرسمية من الدرجة السابعة حتى الأولى…حتى القضايا الكبرى تخضع للمحاصصة… ” فالمقاومة ” للشيعة والاقتصاد ” للسنة ” و”السياسة” للموارنة…

باختصار لبنان هو البلد الأصعب، لأنه إذا كانت البلدان العربية تخضع لتنين برأس واحد فلبنان يدعمه تنين متعدد الرؤوس. وبهذا المعنى اي خضوع النظام للمحاصصة، وإخضاع الشباب اللبناني في تعليمه وصحته ولقمة عيشه وفرحة عمله لمنطق المحاصصة الطائفية تكون العملية الثورية في لبنان أكثر تعقيداً وصعوبة. هذا من جهة ولكن من جهة أخرى فإن الشباب اللبناني أثبت في مواقع صعبة وكثيرة قدرته على المبادرة والتضحية. فالمقاومة الوطنية اللبنانية أكبر مثال على “العين التي قاومت المخرز” والتي انتصرت عبر تحرير بيروت ومعظم الأراضي اللبنانية المحتلة وكذلك في حرب تموز 2006 والصمود بوجه الأعتداء الأميركي ـ الإسرائيلي…

الإستنتاج المهم اليوم هو أن كل الإنتصارات والتضحيات التي وضعها الشباب اللبناني الى أي تيار انتمى أن انتصاراته يحاصرها النظام الطائفي في لبنان، هذا النظام الذي اثبت قدرته على محاصرة كل الإنجازات على المستويات الوطنية، السياسية والإقتصادية ـ الإجتماعية…

إن الشباب اللبناني يعي انها المعركة الأصعب ولكنها غير مستحيلة وأن لا أمل بإنقاذ الوطن إلاّ بتغيير النظام واسقاط النظام الطائفي ومن جهة أخرى تثبت تجارب الأصطفافات الأخيرة والتبعيات للخارج والحكومات المتتالية بأن هذا النظام أصبح في مراحل حياته الأخيرة وأصبح عاجزاً عن تجديد نفسه بذات القوة ولذلك فإن آفاق الإنتصار والتغيير مفتوحة…

إن المظاهرات الأخيرة التي تجاوز عدد المشاركين في ثالثها عشرات الألالف تأكيد على ان الأفق مفتوح على عملية التغيير بآفاقها السياسية والإجتماعية وأن جوهر هذا التغيير يتمثل بإسقاط النظام الطائفي.
ونحن لدينا كامل الثقة بقدرة الشباب اللبناني على قيادة هذا الحراك والإستمرار به حتى التغيير…

3-   ثورات العالم اثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والأنترنت وبشكل خاص الفايس بوك والتويتر الخ الا يتطلب ذلك نوعاً وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟؟

إن من يراقب تعاطي الإعلام والمحللين مع استخدام الشباب للتكنولوجيا الحديثة يظن وكأن الثورة في مصر وتونس وكل العالم العربي حققها الآلاف من اللابتوبات المنتفضة والثائرة إن المبالغة في هذا الموضوع أهملت حقيقة اساسية، هي ان التكنولوجيا الحديثة تم الاستفادة منها طويلاً من قبل أرباب الأنظمة وأجهزة الأمن والمعلومات الإستخبارية والأمنية يجري تخزينها بإمتياز في أجهزة الكومبيوتر واستعمل رأس المال العربي والأنظمة الحاكمة هذه التكنولوجيا بجدارة وكفاءة فهل هذا يعني أن الفايس بوك والإنترنت هما ضد الثورة والتغيير؟
حكماً لا..

ولذلك فإن تقديس التكنولوجيا والمبالغة بها لجهة وضعها أمام مستخدمها وفكره ونضاليته لا يخدم قضية التغيير…
وبالمقابل تجاهل التطور التكنولوجي يؤدي الى وضع المتجاهل خارج التاريخ.

وبإختصار فإن الإنترنت والفايس بوك والتويتر والفضائيات لعبت الدور الذي لعبته الايسكرا في ثورة أوكتوبر أي أنهما اداة التعبئة والتنظيم الرئيسية في العصر الحديث..

ولذلك ودون تقديس الأداة، يجب الإقرار بأن تطور ادوات الاتصال والتعبئة والإستفادة منها من قبل القوى والأحزاب اليسارية أصبح ضرورة وجود لا تطال الشكل فقط بل لا بد من ان تطال الفلسفة التنظيمية والسياسة التنظيمية لهذه الأحزاب وهذا موضوع يجب أن يكون بكامل ابعاده مدار بحث جدي داخل كل حزب وفيما بين الاحزاب اليسارية….
 

4.   هل تتوقعون ان سياسات إسرائيل الخارجية ستتغير اتجاه الجانب الفلسطيني ودول محيطها العربي بعد التغيير الذي حدث وما زال يحدث؟ وما هو رأيكم بالحل الذي يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني؟
 
لا بد من التأكيد بداية الى أن التغيير الحاصل في العالم العربي بفعل الثورات العربية هو بإتجاهه الأساسي بغير مصلحة المشروع الأميركي ـ الاسرائيلي فنموذج هذا المشروع كانت باتجاهين:

الأول ظهر في العراق والسودان وهو اتجاه تفتيتي على قواعد عرقية ومذهبية وطائفية.
والثاني ظهر في حرب تموز 2006 في لبنان وفي التعامل مع الحالة الفلسطينية اي ابتزاز مستمر للسلطة وحصار مجرم وقصف لغزة. والهاجس الأساسي من وراء ذلك الحفاظ على ثابتين في السياسة الأميركية:

السيطرة على الثورة العربية وتثبيت السيطرة والتفوق الإسرائيليين.

إن المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي إنتكس في شعارات واسلوب حركة ثورة الشعوب العربية وإن لم يكن الشعار القومي في اولوية شعارات الثورة المعلنة. فالبوادر الأولى للتغييرات في غير اتجاه المشروع الأميركي سواء في مصر حيث سقط النظام الأكثر تبعية او في تونس وكذلك الوضع في ليبيا واليمن هذه الأنظمة التي ربطت وجودها في المرحلة الأخيرة بالتعاون والهبات والرشاوى التي اعطتها للأميركي والأوروبي على حساب مصلحة شعوبها التي جرى في العراق مطالباً بالديمقراطية والوحدة الوطنية ومحاربة الفساد على حساب الاحتلال والمحاصصة هو باتجاه معاكس للمصحلة الأميركية…

وفي فلسطين يتحرك الشعب الفلسطيني لمواجهة حالة الإنقسام وللدعوة للوحدة الوطنية على قاعدة برنامج وطني فلسطيني.

إننا نتوقع ان تتصاعد المحاولات الأميركية لقمع الحركة الثورية العربية بأشكال مختلفة، إحتواء وقمعاً..
وأولى الطرق هي تدعيم مواقع ما تبقى من أنظمة تابعة وهذا واضح من الموقف في الخليج العربي وتحديداً في البحرين وتدعيم موقف السعودية وانظمة الخليج الأخرى وكذلك في العراق الذي تلجأ حكومته لقمع القوى الديمقراطية وبشكل خاص ما جرى مع الحزب الشيوعي العراقي.

والطريقة الثانية محاولة إجهاض حركات أخرى وتحويلها الى حرب اهلية مع ضمان السيطرة على الثروة كما يجري في ليبيا وما يحضر له بالتعاون مع دول اخرى في اليمن..

والطريقة الثالثة هي تشجيع محاولات احتواء الثورة في مصر وتونس…

أما في داخل الكيان الصهيوني وكما هي العادة فإن التوقع الناتج عن فهمنا لطبيعة هذا الكيان هو مزيد من الدعم الأميركي من جهة ومزيد من الاتجاه العدواني عند الكيان الاسرائيلي تجاه قضية الشعب الفلسطيني سواء في الضفة او غزة…

والرد المطلوب فلسطينياً وعربياً، هو المزيد من التحركات الفلسطينية بإتجاه إنهاء الإنقسام وبلورة المشروع الوطني الفلسطيني بقاعدته المتمسكة بكامل الحقوق اي حق الدولة المستقلة وحق العودة وحق المقاومة حتى استعادة حقوق الشعب الفلسطيني. إن هذا الموقف أكثر من ضروري اليوم خاصة وان اسرائيل ستكون متجهة أكثر بإتجاه تصعيد العدوان.
إن موقفاً وطنياً فلسطينياً موحداً يفتح الى جانب الحراك الثوري العربي آفاقاً جدية أمام حالة ثورية تقدمية وديمقراطية في العالم العربي.

5-   للحزب الشيوعي اللبناني مواقف معروفة في دعوة للعمل المشترك بين فصائل اليسار محلياً وعربياً ورتب الكثير من اللقاءات والإجتماعات الناجحة، كيف تقيم تلك الإجتماعات ونتائجها؟ وهل يمكن تطويرها في المستقبل الى تحالف يساري تقدمي كبير في العالم العربي؟؟

انفجار الأزمة البنيوية للرأسمالية العالمية وشمولها لدول المركز في الولايات المتحدة وأميركا وسع التوقع بأن تشمل مفاعيل هذه الأزمة الدول الفقيرة التابعة ومنها معظم الدول العربية التي اعتمدت أنظمة اقتصادية تابعة قاتمة على الاقتصاد الإفتراضي وعلى اطلاق حرية السوق وبجانبه الريعي والمصرفي خاصة وضرب سلم الحقوق والمكتسبات الإجتماعية وتضييق فرص العمل. توقع حزبنا بتحركات شعبية ذات طابع سياسي وإجتماعي في العالم كله وفي الدول التابعة ومنها العربية بشكل خاص وعلى هذا الأساس وفي لقاء حواري يساري عربي جرى على هامش مؤتمر الحزب الشيوعي الفرنسي، تقدمنا بورقة ركزت على ضرورة ترك اليسار في العالم لمواقفه الدفاعية والإنتقال الى مشروع هجومي على قاعدة الأزمة الرأسمالية وعلى قاعدة السياسة العدوانية للإمبريالية في العالم…

وعلى هذا الأساس بادر حزبنا أيضاً الى دعوة اليسار العربي للقاء تأسيس أول في تشرين أول من العام الماضي طرحنا فيه خلال كلمة الإفتتاح ضرورة أن يأخذ اليسار مكانه في قضايا المنطقة عبر مشروع هجومي متكامل يعيد الاعتبار لموقفنا من قضية التكامل والوحدة واستعادة الثروة وقضية فلسطين والديمقراطية في العالم العربي وفي مواجهة المشروع الأميركي خاصة وأن المشاريع الأخرى القومية او االإسلاموية تعاني من عجز موضوعي ناتج عن طبيعتها وعن مواقفها المتناقضة في اكثر من موقع. وكذلك ارتكازاً الى فهم واقع النظام الرسمي العربي الذي وصل الى حدود الموت السريري والتبعية الكاملة وحتى الخيانة الوطنية المرتبطة بالداخل بالقمع والفساد.

ومع بدايات الحركات الثورية الحالية دعا الحزب الى اجتماع استثنائي ثبت خلاله الحاضرون موقفهم المنخرط في الحالة الثورية والمراهن والعامل على تنمية دور الشباب في قيادة العمل اليساري كما الحالة الثورية.

وسنعمل مع قوى اليسار العربي المختلفة على تنفيذ قرارات هذا المؤتمر وبشكل خاص عقد مؤتمر اقتصادي لبلورة فهم يساري للأزمة الاقتصادية وآثارها في العالم العربي وكذلك لعقد مخيم شبابي يساري وتطوير نظام متكامل للتكنولوجيا الحديثة بما فيها حلم فضائية يسارية عربية…
إن حزبنا الشيوعي اللبناني يضع آمالاً كبيرة في الحالة اليسارية العربية المتنوعة والفاعلة وسيسعى بقدر إمكانياته لرفع درجة التنسيق باتجاه تحويله الى مؤسسة دائمة.
 
 
مقابلة مع د. خالد حدادة

أجراها بتاريخ 27/03/2011 من موقع الحوار المتمدن ضياء  حميو

اقرأ المزيد

سورية أيضا.. لِمَ لا ؟


شهدت سورية حركات احتجاج فى العديد من المدن، وبغض النظر عن حجم هذه التحركات واحتمالات توسعها، فقد أشّرت إلى أنها ليست خارج الوطن العربى الذى يشهد انتفاضات انتصر بعضها ومازال بعضها الآخر يتراكم من أجل ذلك. ويمكن أولا ملاحظة العنف الذى وجهت به هذه التحركات، وحملات الاعتقال التى طالت المئات، التى يبدو أنها نتاج إحساس النظام بأنه يجلس على برميل من البارود، والذى شهد نتائج ذلك فى تونس ومصر وليبيا واليمن، لهذا يتصرف بـ«حسم».

لكن ليست المشكلة هي في أن سورية هي جزء من البلدان العربية التى انتفضت شعوبها، ولا نتيجة تأثر بعض الشباب فيما جرى، وميله للتقدم من أجل أهداف طالما طرحها الشعب، وكانت أساس انتفاض الشباب فى تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وعمان والأردن والجزائر والمغرب، فلاشك فى أن الجو العربى العام يدفع نحو الخروج من القنوط واليأس الذي دُفع إليه الشباب نتيجة انسداد الآفاق، لكن الذي يجعل لهذا الحراك أثر هو أن الظروف التي باتت تعيش فيها الطبقات الشعبية هي متشابهة في كل هذه البلدان، رغم كل ما يقال عن اختلافات أو تمايزات.

فقد جرت تحولات اقتصادية عميقة خلال السنوات الماضية كانت أسرع من كل السنوات التي بُدء فيها بـ«الإصلاح الاقتصادي» سنة 1986، وأدت إلى النتائج ذاتها التي حدثت في تونس ومصر. فقد توسع دور قطاع العقارات والسياحة والبنوك داخليا، وتوسع الاستيراد نتيجة تراجع حاد في الإنتاج المحلى. وهو الأمر الذي أدى إلى تهميش قطاع واسع من الطبقات الشعبية، سواء نتيجة البطالة التي ربما تصل إلى 30% من القوى العاملة، أو الإفقار نتيجة انخفاض الدخل مقابل ارتفاع مذهل في أسعار السلع التي باتت عالمية (أو حتى أكثر من ذلك نتيجة احتكار فئة حاكمة). كما تمركزت الثروة في قلة محيطة بالسلطة باتت وافرة الثراء والبذخ، وتحتكر كل المشاريع التي تدرّ الربح، وتسيطر على كل «الاقتصاد الأسود».

تقول دراسات الحكومة إن متوسط الدخل هو 11 ألف ليرة سورية شهريا، بينما وعلى ضوء دراسة الحاجات الأساسية للمواطن لا بد من أن تكون 31 ألف ليرة سورية، أي ثلاثة أضعاف الراتب الحالي (وتشير إلى أن الحد الأدنى في دمشق لا بد أن يكون 40 ألف ليرة). هذا الوضع وحده يفسّر تراكم الاحتقان لدى قطاعات واسعة من المجتمع، وإحساسها بالعجز عن العيش، وهى الحالة المثالية لكل انفجار اجتماعي يفضى إلى الثورة.

وإذا لمسنا أثر «الانفتاح» الاقتصادي والتحكم الاحتكاري في الاستيراد فسنجد أن رفع أسعار المازوت والبنزين خلال السنتين الماضيتين قد أفضى إلى انهيار مريع في الزراعة حوّل سورية إلى دولة تستورد القمح بعد أن كانت تصدّر أجود أنواعه، وانتهى تصدير القطن، وانهارت مناطق زراعية مهمة مثل الجزيرة، ونزح أكثر من مليون فلاح إلى أطراف دمشق وحوران والمدن الأخرى. وهذا الأمر حصل مع صناعة النسيج التى شهدت انهيارا كبيرا، خصوصا مع ارتفاع أسعار المواد الأولية والمازوت، واستيراد السلع الصينية ثم التركية، من قبل محتكرين يهدفون إلى الربح الأعلى.

طبعا دون أن نتحدث عن انهيار التعليم والقطاع الصحي، وتعمم الفساد. وانهيار «القطاع العام» بعد نهب طويل له، وإيكاله لمديرين لا كفاءة لديهم، ويعملون على المصلحة الشخصية، والذين منهم نشأت «طبقة جديدة» سميت برجال الأعمال الجدد، والتي باتت تهيمن على مجمل الاقتصاد، الذي بات اقتصادا ريعيا.

هل فعلت رجالات النظم فى تونس ومصر أكثر من ذلك؟ الغريب أن التشابه كبير بين مجمل النظم العربية (حتى فى الاتهامات التى تكيلها على المحتجين، مثل القلة المندسة، وزج اسم الفلسطينيين)، فقد باتت نظم بوليسية وتحكم قلة سلطوية فى مجمل الثروة، وتنشط فى العقارات والخدمات وكل ما يدرّ ربحا ريعيا. فحين لا يجد الشعب ما يسمح له العيش، خصوصا الشباب الذى يعانى من بطالة كبيرة، لا تعود المسألة بسيطة، أو تستطيع سلطة مهما كانت قوتها الأمنية وقف دفق الشعب الذى يكون أخطر من تسونامى.

وأشير إلى أنه هنا لا يفيد الكلام «ضد الإمبريالية»، ولا الحديث عن «الممانعة»، بعد أن يصغ الاقتصاد بما يخدم سيطرة النمط الرأسمالى، والطغم الإمبريالية، هذه الطغم التى سعت، ومن أجل تعميم منطق المضاربة فى أسواق الأسهم والبنوك، إلى تهديم الاقتصاد المنتج لمصلحة اقتصاد ريعى يقوم على نهب الثروة التى بناها الشعب خلال عقود طويلة من تاريخه. وبالتالى لا يفيد الموقف السياسى، أو التبرير بالموقف السياسى، ولا الحديث عن مؤامرات.

الاقتصاد نهب، والشعب أفقر، فى ظل نظام قام على أساس دكتاتورى، وكانت الدكتاتورية ضرورية لتسهيل النهب، وباتت ملازمة لاستمراره. لكن حين لا يكون هناك من فارق بين الحياة والموت لن يختار الشعب سوى الانتفاض، فلا يقبل أيا كان أن يموت بصمت. وحينها شاهدنا ماذا كان وضع النظم. الشعب هنا يريد الخير والحرية، ولقد بات الشعب هو اللاعب الأول.

الوضع يحتاج إلى تغيير عميق فى النمط الاقتصادى وفى النظام السياسى.
 

اقرأ المزيد

الخسارة للجميع


ليس ثمة طرفٌ منتصر وليس ثمة طرف خاسرٌ، الخسارة هي للجميع. لأنه في تمزق الأوطان ليس ثمة من رابح. وحدوث التشنج من هنا، ثم حدوث التشنج من هناك، هو اتساعٌ له وتعميق، وليس هو الخروج من التشنج ومن ردود الفعل.
إذا كنا لا نزال باقين في العصبية السياسية، ونتصرف على أساسها، فإلى متى؟ وهل يمكن أن يسير البلد بهذه العصبية وأي نتائج نكسبها من ذلك؟ تكفي ردود الأفعال، ولابد من الانتقال للحظة الهدوء والتمعن. إننا نتيحُ للأطرافِ الخارجية أن تسيرنا ونحن في غمرة انفعالاتنا هذه. وكلٌ يستدعي مشجعيه كأننا في ساحة كروية، وكلٌ يرد على هؤلاء المشجعين أو على أولئك مدخلين الدول والأحزاب الأخرى في مشاكلنا.
ونحن نرجو من الاخوة في الخارج ألا يكونوا مع هذا الفريق أو ذاك، وهم قوى مؤثرة تستطيع أن تزيد من الخروق بين مواطنينا.
 
العديد من الجوانب السياسية التي أقيمت عليها هذه التجربة الديمقراطية البحرينية الأولية تحتاج إلى تأصيل وتحليل ومراجعة، وهذه المراجعة يجب أن تقبل بها الأطراف كافة، وليس ثمة طرف هو خارج المراجعة أو أنه خارج النقد والتغيير، لا بحكم تمسكه بأدوات الحياة السياسية ولا بحكم أغلبيته العددية.
لكن يجب ألا تكون المراجعة والنقد عبر الإثارة بل عبر التراكم المعبر عنه بقراءات وانتقادات ودراسات تُقدم إلى الأطراف كافة، لا أن تأتي بين ليلة وضحاها ويتم هدم المعبد على الرؤوس أو أن تترك السلبيات تتفاقم من دون كلمة.
ومبدأ الحوار الذي طُرح بقوة في العاصفة الصغيرة التي مرت، حدث تشنج حوله، وعدم فهم ولبس كبير، ولكنه ليس مرفوضاً من أي طرف حقيقي أما أي طرف زائف فدورُهُ الأصيل هو تعطيلُ الحوار. ولا أظن ان ثمة طرفا بحرينيا يرفض الجلوس مع اخوته ومع محاوريه والمختلفين معه في قضية وطنية كبيرة.
لكن الاختلافات تنشأ بسبب عدم وضوح الرؤية أثناء الأحداث وحدوث مسافة كبيرة في المكان، فقد حدثت هوة بين المتحاورين المنقطعين، وكل منهم ناءٍ عن الآخر، أو أن ثمة أجساما عارضة ظهرت للحوار، مما جعل هذه الأطراف المعترضة تستغلُ الهوةَ تلك وتبقى في المشهد.
الأطراف الأساسية لم تجلس مع بعضها بعضا، وكل منها يتصور أنه يفهم الآخر تماماً، أو يعرف وجهات نظره مُسَّبقاً، حتى الأوراق في الواقع لا تحمل شحنة المشاعر ولا تعبر عن النيات العميقة فما هي سوى أفكار مجردة بلا حس ولا نبض ولا ظلال. وما حدث لم يكن حربا أهلية ولا مجازر، وهناك شعوب وحكومات خاضت مثل هذه الكوارث ثم تفاوضت طويلاً وغيرت بلدانها.
ثمة أخطاء حدثت من الأطراف كافة، وينبغي عدم لوكها في وسائل الإعلام وترديدها في كل لحظة وتحميل هذا الطرف أو ذاك بصور مكررة ذاتية اتهامية، بدلاً من تقريب الأطراف بعضها من بعض، والدعوة إلى قلب الصفحة والتسامح والاعتذار والنقد الذاتي. وسنرى أن جلوس بعض الشخصيات المسئولة مع بعضها بعضا سوف يغير الوضع، وتحدث تحولات وتفاعلات لم تخطر على بالنا.
في السياسة ليس ثمة مستحيل، ولا وجود لكلمات مثل انتهى، لكن الخطوة الأولى تبقى صعبة، وكل طرف يحملُ في خاطرهِ الكثيرَ، ويرى أن الآخرين اساءوا إليه، وأنه لم يخطئ في شيء، ومن حقه أن يحمل هذه الصورة ولكن لير كذلك صورته في عدسة الآخرين. والغريب اننا بتنا ننتظر الوسطاء من الداخل والخارج، والمشكلة الأولى هي كلها في الاتصالات المباشرة، وكسر حاجز الترسبات القليلة التي تشكلت في تلك الأيام. فكيف ستحدث الخطوة الأولى؟
 
أخبار الخليج 28 مارس 2011

اقرأ المزيد

زلزال الجهل وتسونامي التعصب – أحمد الصراف


وضع جون روكفلر قدمه على كرسي ماسح الأحذية، فسأله هذا، وهو يقوم بعمله عن مستقبل سهم معين، فغمغم الملياردير ببضع كلمات وذهب لمكتبه ليبيع جزءا كبيرا من أسهمه ويخرج من السوق الذي انهار بعدها بأسابيع قليلة، بعد ان شعر بأن هناك شيئا ما ينذر بالقلق بعد دخول ماسح الأحذية للبورصة!

تذكرت تلك القصة، مع الفارق الكبير طبعا، قبل شهرين عندما حضرت ندوة في البحرين، اضطر منظموها، تسهيلا لتنقلنا، الى إسكاننا في فندق متواضع، وعند ذهابي الى الحمام في اللوبي فوجئت بامرأة تمسح الأرضية. دفعتني تقاطيعها العربية الى سؤالها فتبين أنها مواطنة من فئة محددة، واستغربت أن يحدث ذلك في منطقة طالما تشدق رجالها، بنفاق واضح، بحرصهم على كرامة المرأة وتشريع مختلف القوانين المكلفة لكي تبقى في بيتها ولا تضطر الى الخروج منه للعمل، وهذه المرأة لا تزال تعمل، في ساعة متأخرة في فندق رخيص يمتلكه آسيوي، في مسح بول الرجال في مملكة عربية خليجية مسلمة ثرية بكل شيء! وقلت لنفسي وقتها ان هناك ما يثير القلق حقا، فالأمر كان يهون لو كان الفندق فخما وبقشيش زبائنه كبيرا، أو أن العمل حكومي ومضمون.

نقول ذلك لنصل إلى جملة حقائق وهي أن هناك فسادا ماليا وتفرقة وظلما في المعاملة وفقرا وبؤسا، وأهم من ذلك فساد سياسي لا يمكن تقبله في تلك الأرض الطيبة. وكما لم يتقبل أحد فساد أنظمة تونس ومصر والمغرب وليبيا وغيرها، يجب ألا نتقبل فساد البحرين، فما دفع الأوضاع فيها الى تلك الحافة الخطيرة هو تمادي جهات محددة في الحكومة في إهمال مطالب الشعب الأساسية، الأمر الذي أعطى قوى المعارضة دفعة قوية للمطالبة بإصلاحات سياسية وتعديلات دستورية تعيد للشعب حقوقه، وهي المطالب التي تعود الى الثلاثينات، وقبل أن تضرب المذهبية بدائها ما تبقى من عقولنا، وكان مرعبا ملاحظة الكيفية التي تعاملت السلطة بها، منذ البداية، مع مطالب المعارضة المسالمة، والتي كان من الممكن احتواؤها بسهولة، ولكن الرصاص الذي انطلق من طائرات «الأباتشي» الحربية، الذي مزق الصدور وفجر الرؤوس وقطع الأجساد البحرينية العربية المسلمة البريئة، حوّل المشهد إلى كارثة ستحرق نتائجها المنطقة بلا شك، وأتمنى أن أكون على خطأ. فنحن أمام سابقة تاريخية، فلأول مرة يقوم عسكريو جيش دولتين للتصدي لبضعة آلاف من المتظاهرين المسالمين، بحجة أنهم أغلقوا طريقا هنا واحتلوا دوارا هناك!

لا تعليق أكثر، فقد انفلت المنطق وغاب العقل وأصبح مصير المنطقة مظلما، بعد أن ضربها زلزال الطائفية وتسونامي الجهل إلى الأبد، وبذا أعطينا النظام الإيراني الذريعة التي يريدها للتدخل في شؤوننا، وكل ذلك لكي تبقى بضعة رؤوس لا تستحق الاحترام في «وظائفها»!!

الكاتب: أحمد الصراف
القبس الكويتية 19 مارس 2011

اقرأ المزيد

لهذا نحن يساريون


سيمفونية الثورات الديمقراطية، ُتسمَع ألحان تحررها الاجتماعي الوطني في أرجاء الأمة. وأصداء موسيقاها، تملأ الساحات والشوارع العربية من مشرقها الى مغربها. وهتاف بصوت واحد “الشعب يريد إسقاط النظام”. الشباب والعمال والفقراء هم وقود الثورة. خرجوا، وتجمهروا دون معرفة شخصية مسبقة، ودون صلات قربى في الدم. وحده ظلم واستبداد زمرة الطغاة وعائلاتهم وأزلامهم أوجدت المعرفة المسبقة، وربطت صلات القرابة. ووحدها مصادرة الحرية، الكرامة، الديمقراطية والعدالة.. أطلقت ثورة الغضب من رحم أوطان هؤلاء الثوار حيث ولدوا، وضحّوا في سبيل أطيانها وتحريرها وإستقلالها ومجدها. زرعوا كل آمالهم وأحلامهم في أراضيهم ومعاملهم ومؤسساتهم من أجل حياة سعيدة. وانتظروا
 
عسى زرعهم ينبت قمحاً وخبزاً وتنمية وحرية وديمقراطية.. دفعوا متوجبات كل ما يلزم للنواطير ، من ضرائب القهر والمنع والقمع والتسلط والفساد.. وكل مستلزمات عولمة ضرائب السوق المباشرة وغير المباشرة مع القيمة المضافة، وفساد الرشوة والسمسرة والنهب والغربة والتقشف على ذواتهم وأطفالهم وعائلاتهم.. وقبعوا يقنعون أولادهم بموسم خير قادم لا محالة، وغلة وافرة من رزق تعبهم وعرقهم وكدحهم لحين موعد الحصاد. وصبروا، على فقرهم الى أجل مسمى، سنة.. عشرة عشرين أربعين… حتى جاء أجَلِهم، وهاجر أولادهم، وتيتم أحفادهم. وما برحت النواطير سرمدية أبدية، لا تكبر، ولا تتبدل ،ولا تشبع، ولا ترحم. ايقنوا بعد عقود من السعي والتظاهر والكفاح والنضال والاعتقال والموت البطئ، انه حان الوقت، للإنتفاضة على نواطير التبعية والارتهان لمشروع أميركي لا يخدمهم سوى بتكديس أموال شعبهم من تعب فقرائهم. كأنهم مرتزقة، مارقون، سارقون، فاسدون ومفسدون.. قدموا كأمواج عاتية من كل الزواريب والحارات والقرى والمدن والمدارس والجامعات والمناجم والمصانع، جرجروا أجسادهم الباقية، الى الساحات بوجوه وأسماء مختلفة، رصوا الصفوف، وقرروا إطلاق مدافع حناجرهم ككورس هادر، وصنعوا أحدث سيمفونية ثورية شعبية عربية في التاريخ العربي الحديث.
 
هو التاريخ، الذي علمنا أن الجماهير قادرة على صناعة المفاجآت والمعجزات النضالية. وأن الإنسان منذ القدم يصارع لتأمين حاجياته، ولخلق مفاهيم وعقود إجتماعية وسياسية توفر له حريته وحمايته واستقراره وأمنه وكرامة حياته. يطورها، في كل مرحلة من مراحل تبدل الصراع الطبقي، وبما تتوافق مع خصوصية كل مرحلة من الطوطم الاول لحد العولمة النيوليبرالية الراهنة.
 
هو الفكر أيضاً، داخل هذا التاريخ الصراعي، أقله في مرحلته المتوفرة المكتوبة. الذي لم يبخل علينا، نحن الفقراء- الشعب، في إمتلاك المعرفة والتحليل لصراع الطبقات، وفي شرح مفاهيم تطور لمطلق نظام سياسي- اجتماعي، وفي كيفية منطلقاته وتكريس أسسه، وتعميم ثقافته، وتأبيد ما تعتقده طبقته بأنه النموذج الوحيد والأفضل لوجود البشرية. وبأن السياسات والأدوات والمؤسسات القائمة في خدمته، تشكل الفرادة في نموذجها، وبأن التاريخ يتنهى عندها. وهو ما يتفتق عليه منظرو إمبريالية العصر، وما أتحفنا فيه نماذج طغاة تونس ومصر، وثالثهم طاغية ليبيا لحد اللحظة، والباقي سنشهده لا محالة.
 
هو الشعب دائماً، ينتفض، مرات يسبق أحزابه بأشواط ثورية، كما هي حال ثورات شعبنا التاريخية الراهنة. ومرات يتم التلازم بين الطرفين من خلال طليعة سياسية. لكنه، ومن أجل ان تنتصر الثورات الشعبية وفي جميع الحالات، لا بد من إنتزاع السيطرة السياسية من أجهزة الدولة المنتفض عليها، وهي المتمثلة بالبرجوازية التبعية- في وطننا العربي. ولا بد من الاستيلاء على وسائل الانتاج وتنظيمها، وبناء سلطة ديمقراطية- تقدمية جديدة.
 
وبدون هذه الخطوات المكملة والأساسية، فإن كل مآثر الثورات وانتصاراتها لن تحول دون سعي الأنظمة وأدواتها المفترض انها بائدة من محاولات إفشال ما تحقق، وإعادة إنتاج ذاتها- طبقياً، بمكياج جديد. وأهم أدوات شغلها يكمن في محاولة تجزئة النضال الطبقي بالمعنى العميق والتاريخي للمفهوم. وتجزئة الوعي داخل صفوف الطبقة العاملة. أي، محاولة تسويف الوقت، واللعب على إبقاء ذات شروط نمط الانتاج الرأسمالي، كمحاولة للإبقاء على سيطرتها من خلال استخدام عوامل الإنقسام العمالية والحرفية والقطاعية، واستدعاء دفاتر القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية والاثنية والقومية.. لصد الوعي التوحيدي لملايين الجماهير الشعبية، ومصالح الطبقة العاملة والكادحة والفقيرة المتطلعة للتحرر السياسي والاجتماعي والتغيير الديمقراطي. وإشغالهم بخصوصيات المهنة، أو العمل، أو الدين، أو القبيلة، أوالقومية.
 
هي أزمة النظام الراسمالي بالأساس، وأزمة كل أدواته وأنظمته ومؤسساته. وهي عندنا تمثلت أولاً في أزمة قيادة حركة التحرر الوطني، ثم ثانياً في أزمة الأنظمة التبعية، وسياساتها، ودهاليز حكمها. وهي ثالثاً، أزمة تشظي اليسار المواجه، وتدني سقف مطالبه، ورهان أكثريته على طلب التزاوج والمصاهرة مع البرجوازيات الحاكمة طمعاً بمشاركة أو حصة، متناسياً وكالة تمثيله للطبقة العاملة والمسحوقة النقيض لطبقة الطغاة المتسيّدة على عروشها منذ عقود.
 
اليوم، تجتمع كل عوامل اللحظة الثورية، في مجرى التقاء التناقضات كافة التي لا تجتمع إلا إستثنائيا، سواء أكانت العوامل موضوعية مثل أزمة مستفحلة في علاقات الإنتاج الرأسمالية. أو أكانت العوامل ذاتية : إنعدام وحدة الطبقات المسيطرة وشلليتها؛ ضعف أجهزة قمعها، غضب شعبي متنامي للطبقة الكادحة المسحوقة، شعور بالقوة وكسر الخوف و بالقدرة على إحداث ثورة شعبية مباشرة تحت شعارات إسقاط النظام، وليس عن طريق المطالبة بالاصلاحات التدريجية..الخ .
 
من هنا، تكتسب ثورات شعبنا المنتفض اليوم أهميتها التاريخية. ومن ذات الأهمية يجب أن لا تنام، ولا تستكين، ولا تتراجع حتى إستكمال أهدافها في التحرر والتغيير الديمقراطي، وعن وعيها الكامل في تفكيك واسقاط “النظام” في شكله وبنيته وهرميته، قبل أن تلجأ أجهزته ورموزه وبقايا أطرافه الشروع بإعداد سيرورة مضادة تكون بداياتها التنازلات الشكلية للثورة، ونهاياتها الرهان على تعب وتفريق الناس وإعادة إنتاج ذات النظام السابق.
 
كانت الثورة ضرورية، ولغاية إنسانية الإنسان، لهذا فإن مكاسبها المحققة أمانة عند من يهمه الأمر، وتحديداً القوى والأحزاب والمرجعيات التي قامت وناضلت لأجل ذلك، وليس لأجلها، لأنها وسيلة لتحقيق أهداف تطور المجتمع، وها هو المجتمع تقدم على عقلياتها التقليدية، وعلى أساليبها الكلاسيكية. وفي الحقيقة فإن الجماهير خائفة منها بسبب إنعدام الثقة فيها. وأولى موجبات هذه الأحزاب، أن تعيد ثقتها بنفسها أولاً وأن تعيد شرف هذه الثقة الشعبية باثبات جدارة نضالها في الميدان لغير غاية شخصية أو حزبية بقدر نضالها من أجلها، من أجل أولادها، ومستقبل بلادها.  
لهذا نحن يساريون.
 
إنها لحظة الثورة، والعمل. انه زمن التغيير الذي طال انتظاره. فهل نقبل أن نكون من الجماهير والى الجماهير نعود.
من هنا نتعلم من سيمفونية الشعب!…
 
الكاتب: سمير دياب
مجلة النداء
24 مارس 2011
 

اقرأ المزيد

هي المعركة الأصعب…. لكنها حتماً الأجمل – د. خالد حدادة


والحركات المضادة للثورة العربية، لتحركات الشباب والشعوب، لها أيضاً دروسها ودلالاتها…
 
الدرس الأول هو أن هذه الحركات المضادة للثورة من قبل الأنظمة واستخدام هذه الأنظمة لكل أدوات القمع هي تأكيد على طابع هذه الأنظمة والجرائم التي ارتكبتها خلال عشرات السنين. ومن جهة أخرى تأكيد لقناعة شعوبها بأن ما دفعته وهي راكدة، ساكنة، محبطة ومستسلمة كان أكبر مما يمكن أن تدفعه في حراكها من أجل التغيير…
 
وارتباطاً بالحركة المضادة، من ليبيا الى اليمن، الى الاجتياح الخليجي والسعودي تحديداً للبحرين، والتأكيد على الرعب الأميركي من طبيعة الحركات الثورية ووقوفها الى جانب الأنظمة ورهانها المستمر عليها. وهذا يؤكد حكماًً الطابع الوطني للحركات الثورية في مصر وتونس وكذلك في البلدان العربية الأخرى…
 
أما الاستنتاج الثالث هو الاستعداد المستمر للأنظمة العربية المرتبطة بالخطة الأميركية – الاسرائيلية وبطليعتها النظام السعودي وبقايا النظام المصري، أي يتامى حلف “شرم الشيخ”..، استعداد هذه الأنظمة وعملها على تكريس الفتن المذهبية والطائفية من أحداث مصر الى أحداث السعودية الى “الدعم المستتر” لاستمرارية القذافي والنظام اليمني وبشكل سافر إحتلال البحرين بهدف قمع حراكها الاجتماعي السياسي…
 
وفي مقابل ذلك، تأكيد حركات الشباب والثورة للطابع الوطني لشعاراتها وهذا مضمون المظاهرات الأخيرة لشباب مصر تحت شعار الوحدة الوطنية وكذلك الرد الموحد للمعارضة البحرينية وتأكيدها الطابع الوطني للحراك البحريني رغم التكوين المتعدد لهذه المعارضة.
 
وبالاستنتاج، إن الحركات المضادة للثورة والقامعة لها بكل أنواع الأسلحة لن تلغي حقيقة انتقال العالم العربي الى مرحلة جديدة ولن تلغي واقع ان ما بعد هذه الحركات ليس كما قبلها.
 
فالحركات المضادة للثورة لا تستطيع إلغاء مفاعيلها وإعادة العجلة الى الوراء وبأحسن الحالات فإنها لن تستطيع تثبيت سلطة الأنظمة مهما استعملت من أدوات القمع والاجرام… وهي في أحسن الأحوال تأجيل الانتصار…
 
وفي مقابل الاجرام المضاد للحركات الثورية، تأتي المحاولات الكاريكاتورية للذين يحاولون مصادرة هذه الثورات الشعبية ووضعها في خانة لا تمت لها بأية صلة..
 
المعبر الأكثر كاريكاتورية عن هذا الاتجاه هو محاولة مجموعات لبنان الآذارية وبشكل خاص مجموعة 14 آذار، الإيحاء وكأن “ثورتهم” أو “ثوراتهم” هي التي حركت ما يجري على الساحة العربية ومن المفيد في هذا الإطار التذكير بالفوارق الجذرية اللاغية لأية علاقة أو أي شبه (بعيد الشر) بين الحركات الثورية العربية ومهرجانات الفولكلور الآذاري اللبناني…
 
الأول هو في الشعار الوطني للنموذجين، فالنموذج اللبناني المشار اليه نموذج أميركي بامتياز ومرتبط بمصالح الولايات المتحدة ومشروعها وخيراًً فعلوا بتأكيد تبنيهم للقرار 1559 ونتائجه الكارثية على لبنان… وبالتالي اتجاه شعارهم الاساسي لخدمة هذا المشروع ومحاصرة منطق المقاومة الشعبية تحت يافطة نزع سلاح المقاومة. وضمان حصرية امتلاك الجيش للسلاح ومن جهة أخرى محاصرة الجيش ومنعه من التحرر من أحادية مصادر التسليح…
 
الثاني هو في تكوين هذه الثورات، فالثورات العربية هي بامتياز ثورات وطنية موحدة، بعيدة كل البعد عن الاستقطابات المذهبية والطائفية التي تطبع الحركات الجماهيرية اللبنانية “المليونية” وبالتالي طغيان طابع الشعارات الاجتماعية للثورة في مقابل الطابع الطبقي المرتبط بالنيوليبرالية ومصالحها لقيادات الحراك الجماهيري اللبناني…فلا “محمد بو عزيزي” وقيادات 14 كانون 2 ولا قيادات الثورة الشبابية في مصر من أصحاب المليارات، بل هم ضحايا هؤلاء وضحايا فسادهم وسرقاتهم وأجهزتهم القمعية، بينما معظم المتحدثين في “ساحات الحرية اللبنانية” هم من أصحاب الطائرات الخاصة والمسؤولين عن الهدر الكبير الذي وضع بلدنا تحت دين تجاوز السبعين مليار دولار..
 
أما الطابع الثالث المختلف هو الطابع الوطني المرتبط والمتمسك بالسيادة والاستقلال الوطنيين الذي عبر عنه ثوار تونس ومصر برفض “النصائح” الأميركية والفرنسية وحتى العربية، بمقابل ” تشمير عن الزنود” تحت صور ملوك العرب وأخذ القبل على اليدين من زبانية لنقلها تقبيلاًً لأيدي الأمراء والملوك…
 
عيب، نعم ألف عيب، لا تقارنوا أنفسكم بفقراء مصر وتونس وشبابها… ألا يكفيهم قمع حليفيكم مبارك وبن علي لهم حتى يأتي تشبيهكم ليستكمل هذا القمع بالاساءة لطبيعة هذه الحركات…
 
وإذا كانت “الحركات الآذارية” تختلف بطبيعتها وشعاراتها، كلها أو بجزء أساسي منها، عن الحركات الثورية العربية، فهذا لا يعني أن لبنان ليس له حركته الثورية المكملة للحراك العربي والمستكملة للحالة الثورية العربية الراهنة…
 
إن حركة الشباب اللبناني المتكونة في ظل شعار “اسقاط النظام الطائفي” هي جزء من هذا الحراك الثوري العربي واستكمال له.. فحركة الشباب اللبناني هي حركة تعكس التفاعل اللبناني بما يجب ان ينتج عنه من أفق تغيير ديمقراطي، علماني.
 
الى ذلك فإن التكوين الاجتماعي لهذه الحركة الشبابية يعكس ايضاً الاتجاه نحو نظام اقتصادي جديد أكثر عدالة في مواجهة الفساد السائد في طبيعة النظام الطائفي ومكوناته…
 
إن حركة الشباب اللبناني، تعكس ايضاً وعياً لمسؤولية النظام الطائفي اللبناني، عن الفساد وعن التبعية للخارج وعن الحروب الأهلية الدورية التي تستخدمهم وقوداً لها..
 
إن حركة الشباب اللبناني، تعكس ايضاً الطبيعة اللاوطنية للنظام الطائفي فهو في أحسن الأحوال نظاماً يتحاصص القضايا الوطنية الكبرى، المقاومة والسيادة والاقتصاد… ويعتمد المساومة فيما بين هذه القضايا مما يسيء لها جميعاً..
 
فهو دمر الاقتصاد وجعل من لبنان الدولة العربية الأقل ديمقراطية في العالم العربي، حيث يمنع على اللبناني حقه الانساني في الأول أي الانتماء المباشر الى الوطن وهو، أي النظام الطائفي، حاصر ويحاصر المقاومة ويطيفها ويجعلها دائماً عرضة للمقايضة حيناً بحكومة وحيناً باقتصاد وحيناً آخر بمحكمة دولية فتقع رهينة هذه المساومات…
 
إن الشباب اللبناني المتحرك تحت شعار “اسقاط النظام الطائفي” يعي تماماً أن معركته ربما تكون الأصعب، فلبنان هو رغم حرية الكلام والشتائم… فهو الأقل ديمقراطية، فإذا كان في كل بلد عربي “تنين برأس واحد” ففي لبنان ” تنين بعشرة رؤوس” هي أعمدة النظام الطائفي في لبنان… وبالتالي معركة الشباب ضد هذا التنين هي الأصعب…
 
ولكن وجوه هؤلاء الشباب تعكس بشكل واضح تصميمهم وثقتهم بالانتصار رغم الصعوبة…
 
هي المعركة الأصعب ولكنها حتماً الأجمل.
 
الكاتب : د. خالد حدادة
مجلة النداء
18 مارس 2011
 

اقرأ المزيد

الثورة الشعبية العربية للتغيير أين لبنان منها؟ – منذر بوعرم


ترتفع في أقطار العالم العربي وبينها لبنان وتيرة الحراك الجماهيري الهادف إلى إحداث التغيير الديمقراطي، وإسقاط او إصلاح الأنظمة السياسة الحاكمة لشعوبها بالقهر والاستبداد والمحكومة من قبل مراكز القرار الرأسمالي العالمي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
 
هذا الحراك تختلف طبيعته وتجلياته ربطاً بخصوصية كل بلد على حدا، فإذا كانت مصر وتونس قد توجت الحراك الشعبي بسقوط رأسي نظامي مبارك وبن علي بسهولة نسبية فإن ما يجري في ليبيا من قمع دموي للمدن المتمردة على نظام القذافي الهالك يؤشر الى أن حساب الحقل الليبي لا ينطبق أميركياً وغربياً مع حسابات الشعب الليبي وهذا ما يبدو واضحاً من عدم إشارة إجتماع دول الثماني للحظر الجوي على ليبيا إستجابة لدعوة أميركية للتريث، وهذا ما بدا واضحاً ايضاً برفض وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إعطاء وعد للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ولموفد المعارضة الليبية بإقرار الحظر الجوي. وقد إنسحب هذا الموقف على إجتماعات مجلس الأمن الدولي حيث تريد واشنطن وبعض حلفائها معرفة مدى مشاركة العرب في تنفيذ قرار الحظر، أما الهدف الحقيقي من موقف واشنطن ومعها المانيا وإيطاليا وروسيا، فهو منح القذافي فسحة من الوقت لفرض أمر واقع ميداني يحول دون سقوطه وربما يؤدي الى تقسيم ليبيا بين الشرق والغرب، أو إعطاء واشنطن الحجة لتدخل بري يتيح لها السيطرة على مصادر النفط.
 
الحال عينه نلحظه في اليمن حيث يخيم الصمت الأميركي والغربي بموازاة عمليات القمع التي يمارسها النظام، كما نلحظ ذلك في البحرين عبر الغطاء الدبلوماسي الذي منحته واشنطن للتدخل العسكري من قبل دول مجلس التعاون الخليجي.
 
أما لبنان فيبدو واضحاً أن نظامه السياسي القر ـ الوسطي والممتدة جذوره الى نظام الملل والنحل العثماني في القرن الـ 16 يبدو واضحاً أن هذا النظام بإرثه التاريخي الطوائفي لا يزال عصياً على السقوط رغم كونه المسؤول على مدى العقود الماضية عن الأزمات والحروب الأهلية الدورية.
 
فما هي عوامل القوة لهذا النظام؟ إضافة الى التداخل المحكم بين المجتمع الأهلي والمجتمع السياسي وما يولده هذا التداخل من ولاءات أولية عصبوية تبدو واضحة في الإستقطابات الطائفية لقوى الثامن والرابع عشر من آذار، فإن غياب مفهوم المواطنة وتغليب الولاءات الطائفية سمح للوصايات الخارجية، دولية كانت أو أقليمية، ربطاً بإمتداداتها الطائفية الداخلية، بأن تفلح منذ الإستقلال في العام 1943 في ترسيخ مقولة الفيلسوف اللبناني كمال الحاج بأن “لبنان والطائفية صنوان إذا زال أحدهما زال الآخر” كما أفلحت في إجهاض أية محاولة حقيقية للتغيير عبر إغراق الصراع ذو الطابع السياسي الإجتماعي بأزقة الطائفية والمذهبية وزواريبها مشكلة بذلك صمام أمان للطبقة الحاكمة وآلية تعيد من خلالها هذه الطبقة إنتاج سلطتها وفق توازنات مرتبطة بمدى تغير موازين القوى الإقليمية لصالح هذا الطرف الداخلي أو ذاك. في سياق ما تقدم يمكن مقاربة محاولات الاستغلال التي مارستها بعض الرموز المغرقة في طائفيتها للتظاهرات الشبابية المطالبة لإسقاط النظام الطائفي في محاولة لاستيعابها وجعلها جزءاً من وقود الصراع السياسي الدائر حالياً في لبنان بين عتاولة الرابع عشر والثامن من آذار. لكن هذه المحاولة باءت بالفشل وأكد آلاف الشباب أن مطلب إسقاط النظام الطائفي هو خيار لا تراجع عنه وليس أداة للإستغلال الرخيص.
 
فما هي آفاق هذا الحراك الشبابي الذي شكل محطة مضيئة في ظلمة الإستقطابات المذهبية والطائفية؟
يبدو واضحاً أن الشروط الموضوعية لتحريك الوعي الجماهيري متوفرة الى حد ما بفعل أزمة النظام المتفاقمة على كافة المستويات وتهديد هذا النظام للكيان اللبناني ولسلمه الأهلي ما يؤكد ضرورة إحداث التغيير للخروج من الحلقة المفرغة. إلا أن أيديولوجية السلطة الحاكمة الرافضة لأي تغيير خارج سقف هيكليتها السياسية تضع أمام عملية التغيير حواجز هائلة على رأسها تفعيل الإنشقاقات العمودية للنسيج الوطني اللبناني مذهبياً وطائفياً، بالإضافة لرفضها حتى الآن الولوج في مهمة تعزيز مفهوم المواطنة لحساب الكيانات الطائفية ذات الدور المؤسساتي المتجاوز للدولة المركزية على المستويات السياسية والإجتماعية والتربوية والإقتصادية… بالإضافة بالطبع للمستوى الأمني المليشياوي، مفعلة في سبيل ذلك الغرائز العصبوية لحماية نفسها بمن يفترض أنهم الفئة ذات المصلحة في التغيير. وهذا ما يفسر تغييب المواد الإصلاحية في وثيقة الطائف وتنفيذ هذه الوثيقة إستنسابياً خدمة لمصالح فئوية.
 
مما تقدم هل نحن أمام إستحالة في عملية التغيير؟ الجواب على هذا التساؤل يقتضي التأكيد على أن المستحيل هو استمرارية هذا النظام بما يولده من أزمات وحروب أهلية، ومن ولاءات للخارج على حساب الوطن ومصالحه. وبالتالي فإن هذه الإستحالة تؤكد مشروعية شعار إسقاط النظام الطائفي الذي أطلقته قلة من الشباب أخذ يتسع تأثيرها ليطال الألاف وغيرهم الكثير ممن لم يشاركوا بعد، وهم في ضفة البحث عن قيادة تبلور حالة جماهيرية أو خيار ثالث بين الخيارين الطائفيين الآذاريين المدمرين للسلم الأهلي وللسيادة الحقيقية. وهنا يكمن “مربط الخيل” إذ أن على هذه القيادة صياغة مشروع نضالي للخروج من دائرة أطراف السلطة. فإذا كان من المهم التمسك بخيار المقاومة كرافعة للتحرير ولتأكيد هوية لبنان في مواجهة العدو وإمتداداته فمن المهم أيضاً، بل والملح، تجاوز بعض القوى المغرقة في حساباتها الفئوية الداخلية إدراكاً من قوى التغيير أن هذه القوى ليست في وارد المساهمة في عملية التغيير الديمقراطي لأن ذلك يتنافى مع طبيعتها هذه القوى وبنيتها العقائدية ونسيجها الجماهيري الطائفي، وإستبدال ذلك بعمل جماهيري ناشط يكوكب الفئات ذات المصلحة في عمليات التغيير، وما أكثرها، حول شعار التغيير الديمقراطي ليكون الخيار الثالث نقطة الماء التي ستتمكن مع الوقت من تحطيم جدار الفصل الطائفي وتحريك عملية التغيير بغطاء جماهيري وازن.
 
 
مجلة النداء العدد 157
 حدث ورأي منذر بو عرم
25 مارس 2011
 

اقرأ المزيد

مقتضيات بقاء موسى في منصبه


لم يشأ الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى البقاء على الحياد من طبيعة الأحداث السياسية المتسارعة التي مارت وتمور بها الساحة المصرية، على خلفية الثورة الشبابية والشعبية المصرية، حيث تدرج موقفه شيئاً فشيئاً على وقع سرعة وتيرة تطورات الحدث المصري الكبير، وصولاً إلى زيارة ميدان التحرير والالتقاء هناك بشباب الثورة، ثم، ومن بعد ذلك، طرح اسمه وتداوله ضمن مجموعات الحكماء التي اختيرت للتفاوض نيابة عن شباب ميدان التحرير قبل إسدال الستار على المشهد الأخير لنظام الرئيس حسني مبارك .
 
الآن تتجه مصر لإقامة الجمهورية الثانية (منذ قيام الجيش المصري بإسقاط الملكية في انقلاب عسكري عام 1952)، وهي في سباق مع الزمن لإعادة هيكلة نظامها العام وكامل منظومتها التشريعية وعلى رأسها الدستور، وأجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية ووسائطها الإعلامية والثقافية .
 
وهي مقبلة عما قريب على انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة تختلف تماماً عن كافة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدتها مصر في ظل الجمهورية الأولى .
 
وكما صار معلوماً، ثمة شخصيات أعلنت مسبقاً نيتها الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة في مصر، من بينها وأبرزها الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس الجمعية الوطنية للتغيير وعمرو موسى أمين عام الجامعة العربية .
 
طبعاً من حق عمرو موسى أن يطرح نفسه خياراً مناسباً للمصريين في مرحلة عبورهم الصعبة من نظام سياسي شمولي مغلف إلى نظام ومرحلة سياسية واقتصادية، يراد لها أن تكون مختلفة تماماً، تقطع مع الماضي بكل سلبياته وكوارثه، لقناعة بأنه يتمتع بكفاءة مهنية وجدارة وطنية وقومية تؤهله لأن يقدم نفسه للشعب المصري كمرشح رئاسي لمرحلة مصر ما بعد الحزب الوطني الذي ظل يحكم مصر، بواجهات مختلفة، على مدى نحو ستة عقود .
 
ولا ننسى أن عمرو موسى ظل يحظى بقدر غير قليل من الاحترام لدى أوساط واسعة من الشعب المصري نتيجة لبعض مواقفه السياسية المعلنة التي عبر عنها في مناسبات عدة والتي حملت بعض المضامين الوطنية والقومية المعبرة عن المصالح العربية الوطنية والقومية .
 
ومع ذلك، فإنه إذا كان لنا أن نبدي رأينا في النية التي عبر عنها عمرو موسى للترشح للانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، من دون أن نقصد بطيعة الحال الإفتاء في ما خص خياراته الشخصية التي هو بالتأكيد سيدها وله مطلق وكامل الحرية في تحديدها وتقريرها، نقول إذا كان لنا أن نبدي رأينا المتواضع في ذلك، فلعلنا نرى أن استمرار موسى في منصبه أميناً عاماً للجامعة العربية، في هذه الظروف العصيبة والأحداث الجسيمة التي تمور بها منطقتنا العربية، ربما كان خياراً موفقاً له ولنا جميعاً كعرب نقف اليوم أمام مفترق طرق دقيق وخطير، يتمثل في تحول كتلة هائلة من الشباب العربي المحبط والمخنوق داخل صومعة نمط الحياة الرتيب والمقنن الذي وضع في إطاره، من حالة السكون السلبية إلى حالة الفعل المتحرك للتحرر من قيود تلك الصومعة الخانقة، في تعبير صريح لا لبس فيه عن أن الجديد لم يعد قابلاً للاستمرار بقبول حالة التعايش والتآلف مع القديم الذي هو بدوره لم يعتد يوماً على التجديد والمواكبة، معتبراً البقاء في صومعته الحالة الأكثر “صداقة وأماناً لبيئته” .
 
وهو ما تجسد في اندلاع حركات احتجاجية شبابية ضد الأوضاع القائمة، سرعان ما اتسع نطاقها بالتحاق معظم الفئات الشعبية بها تطلعاً لغد أفضل، الأمر الذي نتج عنه اهتزاز خطير في كافة مناحي منظومة الاستقرار والأمن الاجتماعي والاقتصادي الذي يشكل الركيزة الأساسية للحياة الطبيعية وعملية إعادة الإنتاج الكلية لأي جماعة بشرية قائمة ونشطة في المكان والزمان المحددين لها .
 
هذه الأوضاع الخطيرة والمتفجرة التي لم تشهدها المجتمعات العربية المعاصرة تتطلب على ما نزعم أطقماً من الحكماء ذوي بصيرة غالبة للأهواء ومرجحة للمقاربات العقلانية الباحثة عن معالجات كلية، وليست جزئية، للأزمات والمعضلات العالقة منذ أمد طويل من دون أن تقاربها مؤسسات الحكم غير المتجددة .
 
ومن هنا ينبع دور مؤسسة عربية كلية جامعة مثل جامعة الدول العربية وعلى رأسها شخصية متزنة ذات رؤية ثاقبة كشخصية موسى، خصوصاً أنه صار الأكثر اطلاعاً على دقائق الأمور في السياسات العربية الرسمية بعد مكوثه في منصبه أميناً عاماً للجامعة لعشر سنوات، وهو لذلك أكثر خبرة ودراية بمواطن الضعف والاضمحلال وعناصر القوة  غير المفعلة في البلدان العربية قاطبة، ما يجعل منه، ترتيباً، الشخصية القيادية العربية الأقدر في الظروف الراهنة على التعامل مع المتغيرات العاصفة التي تشهدها المنطقة العربية منذ مطلع العام الجاري .
 
وحسبنا أن المناخات السياسية الجديدة التي أشاعتها الهبّات الشعبية في العالم العربي وأنشأت بمقتضاها واقعاً جديداً يختلف تمام الاختلاف عن ذلك الذي كان سائداً قبل مطلع العام الجديد (2011)، ما يوفر لأمين عام الجامعة العربية مساحة أكبر لحرية الحركة بالمعنى الإيجابي الواسع لحرية الحركة التي ربما شكلت نوعاً من الوسادة المريحة نوعاً ما في التقدم بأفكاره ورؤاه الإصلاحية وبرامجها التنفيذية اللازمة لتأمين عبور آمن للمجتمعات العربية لهذه المرحلة الدقيقة من تاريخها .
 
وبلا شك، فإن الأمين العام للجامعة العربية لن يستطيع وحده النهوض بهذه المهمة، إذ لا بد له من الاستعانة بطاقم جديد من الخبراء العرب في الشؤون السياسية العربية المعروفين بغيرتهم الوطنية والقومية .
 
هذا ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأفضلية استمرار عمرو موسى في موقعه الحالي على خوضه غمار تجربة إدارة مصر رئاسياً في مرحلتها الانتقالية، وهي مهمة يمكن أن ينهض بها عدد لا بأس به من رجالات مصر الوطنيين الشرفاء الذين تزخر بهم ساحة العمل الوطني في مصر العزيزة الحرة .
 
 

اقرأ المزيد