المنشور

” أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا.. لولا شعور الناس كانوا كالدمى “

 

 

 

 

 

 

 


اجتمعنا عند نقـطة البداية، تعاهدنا أن نـواصـل الحب والعطاء، حزمنا حقائب الرحـيل، للسفر البعـيد، وعند نقطة المحطة، خطينا الخطوة، وتعاهدنا من جديد، عهد الوطن الحر، والشعب السعيد.
هكذا كنا منذ زمنٍ بعيد، و هكذا نبقى رغم الزمان العنيد، و سنواصل السير العسير، ونخط درب جبهة التحرير.
 
فترة قصيرة، رحلة طويـلة، رحـلة رعب و خلاف و تسريح.
يا رفـاق، إذا كنا عاجزين عن تحقيق فكرة الوطن السعيد، فلا نجـعل منه وطن تعـيس، بل نريـد أن نعـيش ، نتنفس الهواء العليل ، في منتصف الربيع ، بين الأرض والنخـيل ، في عروس الخليج .
أعجب من عروس، ترتدي الأحمر فستان، وبدلا من الذهب ارتدت قهراً وحرمان، وافترق العرسـان، وانفصل العشق والفؤاد .

عرس الإصلاح تأجل، والوطن في مأزق، والطائفية تأجج، خلال ثوانٍ، مراحل ننتقل، نحتاج إلى مرحـلة تنـقل الجميـع، إلى طبقـة المحبـة والود والحنين..


الم نشتاق إلى أوال ؟

كفانا حقداً وكراهية، فلنتبادل المحبة، وبدلا من أن يسجل لنا التاريخ هذه النقاط السوداء، فليسجل تلاحمنا وترابطنا.
 
نحن كقـوى وطنية اليـوم، لا نعـرف إلى أي مذهب ننتمي، لـدينا مذهب واحد معروف يفهمه الجميع، هو الإنسانية.
البلـد يمر في أزمة ومحنة حقيقة أمامنا، الوطن لا يتحمل المزيد من الجراح أو الدمـاء، بل يحتاج المزيد من التعقل والإصلاح، ومواجهه الأزمة هذه تحتاج إلى حكمة وتروي، حتى نصل جميـعنا إلى مائدة الشغف والحنين.

اقرأ المزيد

لنتعصب ولكن للوطن…!


هناك متعصبون يريدون من الكل ان يؤمنوا بما يؤمنون وان يفعلوا ما يريدون وان يقيسوا كل الأمور على قياسهم وإلا غضبوا وثاروا وتشنجوا وهاجموا وسبوا ولعنوا وهددوا وتوعدوا وخوّنوا وكفّروا وصوّروا أفعال الآخرين ذنوبا وكبائر، ورفضوا كل شيء حتى لو كان خيرا للبلاد والعباد مادامت الأمور لم تتشكل على هواهم، وهذه معضلة كبرى، والمعضلة الأكبر ان التعصب دوما أعمى لا يحكمه منطق او حجة ويدمر ولا يبني. التعصب لا يستقيم مع المواطنة بمفهومها الوطني والإنساني والقانوني والسياسي والأخلاقي، وقيل الكثير في تعريف التعصب وأنواع وأشكال ودوافع التعصب وسيكولوجية التعصب، ومن جملة ما قيل ان التعصب يعني التطرف والانحياز والتشدد، ويعني رفض الآخر، والنظر الى من يخالفك بانه خطأ على الدوام دون ادنى احتمال للصواب، ويعني انك وحدك تملك كامل الحقيقة وتمتلك كل الأدلة على كل شيء فتبرئ وتدين كيفما شئت، يعني ايضا ان تنتصر الى ما تنتمي اليه ظالما ام مظلوما وتجاريه في ظلمه بل وتبرر ظلمه.

التعصب يعني ايضا ضمن ما يعنيه عدم ترك مساحة للعقل، ويعني اننا نفرض على عقولنا وهما نصنعه واكذوبة نعيشها.. وبعض علماء النفس يرونه بانه اتجاه سلبي غير مبرر، وفي مفهومهم انه يعني الحكم المسبق الذي لا يقوم على اساس واقعي لمجريات الأمور، وبانه أداة من ادوات الخطأ التي تكبح استقصاء العقل، والجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1981 اصدرت اعلانا بشأن جميع أشكال التعصب للدين او العرق او الطائفة او الايدلوجيا او السياسة بعد ان وجدت بانه ينطوي على احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته وآثار نوازع الخلاف والصراع والشقاق في مجتمعات كثيرة، وذهبت معظم الدول الى تجريم التعصب في دساتيرها.

 يهمنا من موضوع التعصب هذا الذي رأيناه في مشهدنا المحلي والذي تجلى في صور وممارسات وحسابات ومطالب وشعارات وتجاذبات ومشاحنات ومواقف وسلوكيات وكتابات وافعال، أطل منها التعصب بأوجه كثيرة، ووجدنا من تعصب للمذهب والطائفة وظهر لنا محرضا على كل شيء، ونابذا كل شيء، وعنيفا مع كل من يخالفه وترك العنان لمشاعره دون حكمة أو روية، ومن الملة التي تدعي بانها تمارس السياسة وجدنا متعصبين مارسوا الضجيج السياسي ولم يتحلوا بروح المسؤولية السياسية وخصالها، والطامة الكبرى هو تحول السياسة عند بعضهم الى اللاسياسة حينما تعصبوا وانساقوا لمشاعر وممارسات مفرطة في الحيرة ظنا منهم انها حذلقات سياسية تلطت وراء شعارات لم تؤدِ الا الى الخيبة؟

نتحدث عن التعصب والتشدد، واخشى ما نخشاه في هذه الايام حيث الحوار الوطني القائم، هو مسعى البعض ممن لم يستوعبوا مجريات الأمور، او ممن يريدون ان يجعلوا الحوار مطية لطموحات شخصية او انتهازية شائنة او ممن الفناهم يشوهون المعاني لتوجه في الاتجاه المعاكس ليدفعوا بالحوار الى منحى يتفجر فيه التعصب بأي شكل، وفي أي شأن مما هو مطروح في القائمة الطويلة من الرؤى والمطالب والأولويات والحسابات والاعتبارات والاشكاليات والمقاصد المبطنة والنيات الخفية التي لم تنفك تصطرع مما يخشى معه أن يفرز في أحسن الأحوال حصيلة ضبابية تبقي واقعنا مثخنا بالجراح التي تتنظر الرحيل السريع، وهو امر لا نحتمله ولا تحتمله المرحلة العصيبة التي نعيشها ولا حجم الآمال المعقودة على الحوار ومخرجاته، ولكن من يتابع بكثير من اليقظة مسار الامور ذات الصلة بالحوار الوطني، قد يلاحظ بأسى وأسف ان ثمة متعصبين ومتشددين لا يريدون للحوار ان يمضي في الاتجاه المأمول، وآثاروا ما يتباعد ويتقاطع وفق حسابات أقل ما يمكن ان يقال عنها بانها غير نزيهة تؤدي الى خلاصات تثير الغبار في شأن الحوار، ولعل ما اثير في صحافتنا في الايام الماضية بعناوين من نوعية التصلب في الآراء وعدم تقبل الآخر اهم عوائق الحوار، ومتشددون يريدون ان يفتعلوا كوابح لإفشال الحوار، ومشاركون في الحوار يبحثون عن الثغرات لتأجيج الخلافات سعياً لافشال الحوار، ما هو الا انعكاس وترجمة للتعصب والتشدد الذي قد يجر الحوار الى فرعيات وهامشيات بالغة التعرج تشتت الجهود وتدخله مجددا في خانة الهواجس، والمؤسف صورة من صور التعصب الطائفي قد اطلت برأسها في اليوم الاول من الحوار الوطني في المحور المتصل بالجمعيات السياسية. حينما حاول البعض جعل هذه الجلسة مشحونة بالتعصب الطائفي، وقيل بان هؤلاء نسوا انهم يجتمعون من أجل حل مشكلة وليس من أجل التعصب للطائفة وتكريس الطائفية، هذا ناهيكم عن الصور الاخرى للتعصب التي احسبها معلومة للكافة وهي لازالت تمثل صورة من صور الهم العام، وكأن هناك من لا يريد لمجتمعنا ان تتوفر له الحصانات التي مازلنا نعاني من جراحها واوجاعها وتداعياتها وتمنعه من التصدي لمختلف الآفات والانحرافات التي تتهدده والتي منها ما يراد له ان يعيق ويعرقل اي خطوات جادة وحقيقية وملموسة على طريق الاصلاح، لذا كان مهما ومفيدا ان يؤكد جلالة الملك قبل بدء الحوار بانه لن يسمح لأي متشدد يدعو للفوضى والتطرف باختطاف تجربتنا الاصلاحية. دعونا لا نفقد الأمل.. وان كان لابد من التعصب فلنتعصب للحوار الجاد المثمر والبناء.. والذي لا يستجيب للانفعالات ولا للمرارات.. وللأهواء.. والاعتبارات المصلحية الآنية.. لنتعصب لثقافة التوافق وتجاوز الحالة التنازعية الراهنة.. لنتعصب للوطن فهو الهدف الأصل والمنتهي.
 
الأيام 9 يوليو 2011
 

اقرأ المزيد

تحديات المراحل الانتقالية


تشكل المراحل الانتقالية منعطفات فاصلة في حياة الشعوب والأمم التي تجتازها . فالمرحلة الانتقالية هي عبارة عن رحلة عبور من بنية معينة ومستوى معين من الأنماط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة إلى بنى ومستويات أخرى من أنماط الحياة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى النفسية) المستجدة .
 
وقد تفرض هذه المرحلة نفسها كنتيجة لحدوث ثورة أو انقلاب أو اضطرابات لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة، أو نتيجة لبلوغ الحالة المجتمعية درجة من الجمود حداً لا مناص للدولة، والمجتمع أيضاً بكليته أو بغالبيته، من وصولهما معاً إلى قناعة بحتمية مغادرة الأمكنة العتيقة والتحول نحو أفق جديد بمحركات تغيير وبناء جديدة .
 
والمرحلة الانتقالية ليست نزهة سياسية تأنس المجتمعات وتستمتع بأوقات ولحظات عبورها لتخلد في ذاكرتها بحيث تستعيد شريط ذكرياتها الحلوة في أجواء احتفالية كلما عنّ لها أن تستعيد وتستعرض جانباً من جوانب حياتها السعيدة الرغيدة .
 
بل إنها على العكس من ذلك تماماً، المرحلة الانتقالية عبارة عن درب آلام يطول ويقصر، تبعاً لظروف وحظوظ المجتمع المعني العابر لها، ولكنها بالقطع ليست قصيرة، ففي ظروف القرن الثامن عشر احتاجت فرنسا إلى عشر سنوات كي تتمكن من تخطي الفوضى التي عمت البلاد في أعقاب الثورة الفرنسية لعام 1789 وإلى أربعة أضعاف تلك المدة لكي تستعيد إيقاع دورتها الحياتية الطبيعية .
 
فكم ستحتاج مصر وتونس للخروج من الهزات الارتدادية للاضطرابات والفوضى التي عمت كافة قطاعات الإنتاج المادية والخدمية في البلدين في أعقاب الثورتين الشعبيتين اللتين اندلعتا في يناير الماضي وأطاحتا بنظاميهما السياسيين؟
 
من المعروف أن قطاع السياحة في البلدين يضطلع بنصيب وافر من إجمالي الناتج المحلي ومن الإيرادات الحكومية السنوية في البلدين، فهو في تونس يشكل مركز الثقل في القطاعات والأنشطة الخدمية التي يبلغ نصيبها 8 .49% من إجمالي الناتج المحلي البالغ في عام ،2009 44 مليون دولار . وهو في مصر يكاد يكون مركز الثقل الرئيسي في قطاع وأنشطة الخدمات الذي يشكل 6 .48% من إجمالي الناتج المحلي البالغ نحو 218 مليار دولار، هذا فضلاً عن القطاعات الصناعية التي تسهم بنحو 13% من إجمالي الناتج المحلي لكل من البلدين . وإذا علمنا حجم الأضرار التي لحقت بهذين القطاعين الحيويين في البلدين، ونسبة مساهمتهما في إجمالي الناتج التي تقارب الثلثين فلنا أن نتصور خطورة الوضع الذي آلت إليه الأوضاع العامة في البلدين في أعقاب ثورتيهما الشعبيتين .
 
وإذا كانت مصر تتمتع بامتيازات تعطيها أفضلية وفرص نجاح تزيد على تلك المتوفرة لدى تونس، من حيث أن لدى مصر ثلاثة مصادر دخل أساسية غير خاضعة للتأثيرات السلبية لحالة الاضطراب العام التي تسود مصر منذ اندلاع ثورتها الشعبية ونعني بذلك مداخل قناة السويس وعقود بيع الغاز المصري للخارج وتحويلات العاملين المصريين في الخارج – فإن البلدين يشتركان في إشكالية كيفية وسرعة استعادة قطاعيهما السياحي والإنتاجي لوتيرة أدائهما لما قبل أحداث ثورتيهما .
 
الدولتان بحاجة في مرحلتهما الانتقالية لإعادة وسرعة وضع قطاعيهما السياحي والإنتاجي مرة أخرى على سكة النمو ما قبل الثورتين لكي يسهما بحصتهما المهمة في إجمالي الناتج السنوي . وكي يتحقق هذا الأمر لا بد من انتهاء كافة أشكال مظاهر الاضطراب التي مازالت تتخلل بعض مناحي الحياة اليومية في البلدين وتؤدي إلى حدوث انقطاعات في انتظام دورتها الاعتيادية، أي يتعين استعادة حالة الاستقرار التي تشكل حجر الزاوية بالنسبة إلى القطاعين الاقتصاديين الحيويين المشار إليهما على نحو خاص .
 
وبهذا الصدد فقد كانت لافتة تلك “الرسالة” التي دبجها في مقالته التي نشرها على أحد المواقع الإلكترونية المفكر التونسي المخضرم “العفيف الأخضر” وعنونها إلى رئيس الحكومة الانتقالية التونسية الباجي قائد السبسي . فلقد كانت رسالة صريحة ومعبرة عن قراءة دقيقة واستيعاب ذكي ومتزن للحال التي آلت إليها الأوضاع في تونس ما بعد الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي .
 
فقد رسمت الرسالة صورة بانورامية حرص صاحبها على تضمينها تفاصيل التجسيدات الفوضوية الحية التي تعتور الحياة التونسية وحال اللايقين الذي تعيشه البلاد التونسية منذ إطاحة النظام السابق . وتأسيساً على تشريحه الجسور والعميق لمظاهر القيح والتقرحات التي بدأت تظهر على مختلف أوجه الحياة التونسية وتنخر في مواردها ومؤسساتها، فقد قدم العفيف الأخضر جملة مقترحاته العملية لرئيس الحكومة التونسية المؤقتة، التي تصلح من وجهة نظرنا المتواضعة، لأن تكون “روشتة استرشادية” لكيفية مقابلة تحديات المراحل الانتقالية التي وجدت عديد البلدان العربية نفسها فجأة فيها، باحثة عن مخرج سالم وآمن منها .
 
ولعل من المفيد إيراد أبرز هذه الوصايا:
 
1) أنت – يخاطب رئيس الحكومة التونسية الباجي قائد السبسي – مذ كنت وزير خارجية بورقيبة تكتفي فقط بتشخيص الداء من دون أن تصف الدواء . اشتكيت محقاً من خطر الأموال التي تتسرب إلى بعض الأحزاب، ولكنك كالعادة لم تكشف اسم المرسل ولا اسم المرسل إليه ولا كمية المبالغ التي سيكون لها بلا شك تأثير ليس فقط في نتائج الانتخابات من خلال شراء الأصوات بالعمل الخيري، وإنما في مصير البلاد . الصمت على المجرم تواطؤ معه . أما وقد تخلخلت جميع مؤسسات الدولة فلم يبق لك إلا سلاح وحيد هو تعبئة التونسيين الخائفين على حاضرهم ومستقبل أبنائهم، وسلحهم سياسياً وأخلاقياً بالحقائق . قل لهم أسماء الأحزاب والشخصيات التي تعمل على خراب بلدهم . يقول سارتر: “كشف اسم الجلاد يشله” .
 
2) إن الفوضى الزاحفة آتية من فشل الانتقال، السلس نسبياً، إلى دولة القانون . دع وزارة الخارجية تطلب من سفارات تونس في جميع البلدان التي نجحت في الانتقال إلى الديمقراطية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا تزويدها بتقارير عن تلك التجارب .
 
3) إن المدخل لرد الاعتبار للدولة وللقانون وللمؤسسة الأمنية المصالحة الوطنية الشاملة والفورية .
 
4) اعمل على تشكيل خلية من الاقتصاديين والسوسيولوجيين والانثروبولوجيين والديموغرافيين تساعد الوالي على صنع القرار الصائب لتنمية ولايته بما يحقق التوازن النسبي بين الجهويات الغنية والفقيرة . وينبغي إنشاء هذه الخلايا في كل وزارة وفي كافة المؤسسات الأخرى .
 
5) أن تقوم حكومتك منذ الآن بوضع اللبنة الأولى لمشروع إعادة برمجة أدمغة الناشئة، مستفيدة من التكنولوجيا الجديدة وفتوحات العلوم المعرفية على غرار ما فعلت فرنسا حيث أعلن وزير التعليم الفرنسي أنه سيدخل إلى التعليم “الرسائل ما تحت الشعورية” لإعادة برمجة أدمغة الأجيال الفرنسية الجديدة بالقيم الإنسانية، وباللاعنف، وبحماية البيئة واحترام القانون . والرسالة ما تحت الشعورية يستقبلها المتلقي من التلفزيون أو الإنترنت دون شعور بها، وإذن دون مقاومة لها، يجعلها بالغة التأثير، وقد استخدمت حتى الآن بصورة سلبية في الإعلان التجاري المسؤول عن الشراء القهري، المتمثل في سيطرة إغواء الشراء المفرط ذي التبعات السلبية .

اقرأ المزيد

إنجازات البحرين


تؤكد التجارب جميعها ان الدول التي تتجه تحولاتها نحو الديمقراطية يأتي في سلم أولوياتها الحريات، سيادة القانون، المساواة، حقوق المرأة والطفولة والشباب، التعددية، والأوضاع المعيشية، الفساد، حقوق الإنسان والى آخره من هذه القيم الأساسية للبناء الديمقراطي. وليس خافياً على احد ان البحرين عبر مشروعها الإصلاحي أسست قاعدة لا بأس بها من النظم القانونية وان لم تكتمل بعد، الا انها فتحت الباب لتحولات سياسية وتشريعية بعد ان كانت الأوضاع السياسية محكومة بقانون أمن الدولة السيئ الذكر!

وإذا كانت الإصلاحات قد أفضت بنا الى الانفتاح السياسي قادنا الى فضاءات مفتوحة على الحريات وان كانت نسبية فان انجازات البحرين بعد عشر سنوات أولها يكمن في لجنة تقصي الحقائق في الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد وهي خطوة أهميتها تكشف الحقائق والكل يعلم ان هذه الخطوة حظيت باحترام الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، وبعبارة أخرى كانت هذه الخطوة محط إشادة نظراً لحكمة جلالة الملك ولنزاهة اللجنة ونعتقد ومن بين تلك الإشادات الجمعيات السياسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر يرى «التقدمي» ان تشكيل اللجنة يكتسب أهمية خاصة كونها تأتي قبل بدء حوار التوافق الوطني لأنه يساعد على خلق مناخ ايجابي ويعزز الثقة في ان تنجم عن الحوار نتائج ايجابية كما نتمنى جميعاً، في حين يرى رأي آخر من المعارضة ان جلالة الملك عالج النقطة الرئيسية وهي استعادة الثقة وقد تكون هناك أصوات لا تتمنى ان تظهر وهي الأصوات التي لا تريد الاستقرار للبحرين.

ومن بين تلك الانجازات «حوار التوافق الوطني» الذي برهنت البحرين من خلاله انها تسير وبإصرار على تجاوز أزمتها السياسية وهذا بالطبع يحسب لصالح البحرين ولمشروعها الإصلاحي. وباختصار شديد كما اشرنا سلفاً ان القضية التي تشغل البال هي نتائج الحوار اي التوافقات الوطنية التي ما لم تراجع كل ما انجزناه من إصلاحات مراجعة شفافة وهي مسألة محورية فان تجنبنا لتحديات المشروع الإصلاحي قد تكون صعبة خاصة بعد الأحداث الأخيرة المؤسفة، وبالتالي كم هي الحاجة لمثل هذه المراجعة ليس لنزع فتيل الاحتقان والتوتر فحسب بل لتعزيز الأرضية التي ينطلق منها الإصلاحات المستمدة مضامينها من ميثاق العمل الوطني وبشكل واضح كلما انتقدنا أخطاءنا وقصورنا حرصاً على الإصلاحات كلما دفعنا بالتحولات وبالمشروع نحو الأمام وهذا ما تركز عليه القيادة السياسية في البلاد.

اذن لا يمكن للحوار او اي حوار يثمر من دون توافقات لإجراء متغيرات ديمقراطية تمس كافة جوانب الحياة السياسية والمدنية. وهذا في الحقيقة يتطلب ترسيخاً للاولويات او بالأحرى القيم السياسية التي ذكرناها سلفاً للبناء الديمقراطي ويتطلب ايضاً المكاشفة والمصارحة لان اخطر ما في الامر ان يتحول الحوار الى منتدى تتصدره الشعارات والتمنيات والرغبات والخطب السياسية الرنانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، في حين كل الانظار تتجه الى البحرين التي لا يمكن ان تتوطد انجازاتها الا في ظل السلطة المدنية العصرية. وبتعبير آخر في ظل الدولة المدنية الحاضنة للديمقراطية وحقوق الانسان ومبادئ وقيم الحداثة والتحديث. ولا يفوتنا هنا ان ثالث الانجازات تتمثل في تشكيل وزارة لحقوق الانسان وهذا ان دل على شيء، فإنه يدل ان التوجهات الحكومية بشأن حقوق الانسان ستحكمها استراتيجية اكثر التزاماً بالمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بتلك الحقوق التي اكد عليها الاعلان الدولي لحقوق الانسان في مادته الاولى «يولد الناس ويعيشون احراراً، متساوين في الحقوق والفوارق الاجتماعية لا يمكن ان تبنى الا على اساس المنفعة المشتركة» على العموم هذه هي انجازات البحرين وهي انجازات لا يستهان او يستخف بها وطالما نحن نعيش في مجتمع انتقالي فلابد من مواجهة ما يعيق نمو هذا المجتمع ديمقراطياً هذا ما يجب التوافق عليه.
 
الأيام 9 يوليو 2011

اقرأ المزيد

كي نخرج من الدوران في حلقة مفرغة


هذا حديث للدولة وللجهة المنظمة لحوار التوافق الوطني وللمتحاورين نلخصه في عبارة واحدة: «آن أوان خروج هذا الوطن من الدوران في حلقة مفرغة»، حلقةٍ بمحطات انفجار احتجاجات دورية يأتي بها كل عقد من الزمن تُسفك فيها دماء وتُقدم تضحيات ويفقد الوطن والمواطن عديد المنجزات وتتأخر التنمية. وما بين محطة وأخرى تتعمق جراح وآلام ويتراكم غضب وحقد ينذر بمحطات انفجار أخرى أكثر إيلاماً وأشد قسوةً ومرارة.
 
إن هول ما حدث في فبراير/ مارس 2011 ينبئنا – إن لم نغادر الحلقة المفرغة – بأن اليوم وغداً وبعد غد لم يعد ولن يكون شأناً بحرينياً محلياً، وبأن القادم – لا سمح الله – قد يكون أعظم وأقسى في ظل زمن عولمي توجه فيه القوة العظمى منفردةً كل جزء في هذا العالم وتصل بأجنداتها إلى أصغر بلد وأبعد قرية، هذا عدا عن أجندات إقليمية تبحث عن مواقع هيمنة وتحقيق مصالح. وفي ظلّ تداعيات أحداث فبراير/ مارس 2011 يصبح التوافق المجتمعي ضرورةً قصوى لا مناص عن بلوغها، وحريٌّ بحوار التوافق الوطني أن يهيئ هذه الفرصة كونه يضم ممثلين عن كافة مكونات المجتمع البحريني، وكونه يضع على الطاولة كافة الملفات المصيرية للمجتمع.
ورغم الأهمية العظمى لكل محور من المحاور الموضوعة على طاولة الحوار وترابطها الواضح تظل الأزمة سياسيةً في الجوهر، وتظل محطات انفجار الاحتجاجات المتتالية تتمحور حول مطالب وحقوق سياسية قوامها حق المواطن في المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار فيما يتعلق بشئون مجتمعه في كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وبما يحقّق للمواطن ما يليق بإنسانيته من حرية وعدالة وعيش كريم.
 
للدولة نقول: الحوار الوطني فرصة قد يصعب أن تتوفر مثيلتها لإخراج المجتمع من الدوران في حلقة مفرغة من التكرار الدوري لمحطات الانفجار. والمحور السياسي يفرض نفسه وجدير بأن يعالج من الأساس معالجة جذرية، وهناك معطيات تدعم الذهاب للإصلاح السياسي الحقيقي، أولها: أن هذه هي الطريق الصحيحة باتجاه البناء الديمقراطي للمجتمع؛ وثانيها: أن وثيقة ميثاق العمل الوطني التي استفتي عليها الشعب ومنحها موافقته وثقته بنسبة 98.4 تبشر بالتطور باتجاه الملكية الدستورية؛ وثالثها: أن رموز القيادة قد دعموا شرعية المطالب السياسية التي طرحتها المعارضة حيث أوضح صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مقال له نشرته صحيفة الـ «واشنطن تايمز» في 19 أبريل/ نيسان 2011 بأن: «ليس هناك شك في أن المظالم عن الحقوق المدنية والسياسية لجميع البحرينيين مشروعة»، وقوله بأن: «المطالب المشروعة للمعارضة اختُطفت من جانب عناصر متطرفة». كما أن صاحب السمو ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة ومنذ البدايات الأولى للأزمة وقبل تفاقم الأوضاع وخطورتها قد نوَّه بأن هناك أوجه قصور بحاجة لمعالجة، فطرَح مبادرته التاريخية للحوار وأعقب ذلك بطرح بنود تذهب جميعاً نحو الإصلاح السياسي الحقيقي.
 
وللجهة المنظّمة لحوار التوافق الوطني نقول: نجاح الحوار في إخراج الوطن من الدوران في حلقة مفرغة من الانفجارات الاحتجاجية الدورية رهنٌ ليس فقط بما سيتمخض عنه الحوار من مرئيات تشمل جوانب اتفاق أو اختلاف، بل أيضاً بالحرص على توفير أرضيات مواتية لسرعة التنفيذ ما بعد الموافقة الملكية وتحويل المرئيات للسلطة التشريعية. المطلوب حينها وتيرة سريعة في آليات الإقرار إن عبر التعديلات الدستورية أو التعديلات على قوانين قائمة أو استصدار قوانين جديدة. المواطن بحاجةٍ ماسةٍ ليضع يده على نتائج إيجابية سريعة وملموسة. ومع معرفة طول المسافة الزمنية التي يمر بها في دهاليز السلطة التشريعية أيُ تعديل أو وضع قانون، فعسى أن تُعطى الأولوية في الدور التشريعي المقبل لمهام تحويل مرئيات الحوار الوطني إلى قوانين تحفظ حقوق المواطن وتبث الطمأنينة في نفسه والثقة في مستقبله ومستقبل أولاده ومجتمعه.
 
حينما سئل رئيس حوار التوافق الوطني رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني: كيف سيتم التعامل مع المرئيات من ناحية تنفيذها على أرض الواقع؟ أجاب: «ما سيرفع إلى جلالة الملك هو في واقع الأمر سيحيله إلى المؤسسات الدستورية وهي صاحبة القرار في تداول هذه المواضيع». هنا لابد من التنويه إلى أن السلطة التشريعية بغرفتيها متواجدة على طاولة الحوار ومشاركة فيه وستكون على دراية تامة بتفاصيل المناقشات وما تم التوافق عليه من مرئيات. وعليه فمن المتأمل أن يكون تداولها للمواضيع ليس عودةً للمناقشة من جديد واتفاق أو اختلاف بقدر ما هو توجه وبأسرع ما يمكن نحو تعديل أو وضع فإصدار القوانين.
 
وللمتحاورين على طاولة المحور السياسي من كل الأطياف والأفكار والمعتقدات التي يحتضنها هذا الوطن نقول: كل شخصية هنا بغض النظر عن كونها تمثل جهة مؤسسية أو تمثل ذاتها كشخصية اعتبارية فهي تشارك باسم شعب البحرين بأكمله وتحاور لمستقبل هذا الوطن بعمومه. كل متحاور محمَّل بمسئولية تاريخية كبيرة هي تحقيق مطالب وطموحات شعب البحرين المشروعة التي تبدأ بمطالب الإصلاح السياسي الحقيقي ولا تنتهي عندها. وعليه فطاولة الحوار السياسي مطالبة بالدرجة الأولى بإخراج الوطن من الدوران في الحلقة المفرغة ونزع فتيل أية انفجارات أخرى. وهي مهمة تتطلب من كل متحاور نوايا صادقة وعزماً وإرادة للتغيير وعقلاً متفتحاً للرؤى المطروحة ومرونة وتسامحاً في تقبل الرأي الآخر وأداءً فاعلاً في المناقشة وتبادل الرؤى وطرح البدائل للوصول إلى التوافقات المرجوُّة. أما تلويح بعض الجهات القادمة للحوار – وقبل بدئه – بالانسحاب إن لم يؤخذ بمرئياتها – السياسية في الغالب – فهذا بظننا هروب للأمام وترجيح لمنحى التأزيم إن لم يكن ذهاباً إلى محطات انفجار جديدة، وليس أبلغ في هذا المقام من القول المأثور: «ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه». هذه مهمة تاريخية إن أثبت المتحاورون على الطاولة السياسية أنهم أهلٌ لها فسيسجل التاريخ إنجازهم ويحفظ أسماءهم بما يستحقون من ثناء وامتنان
 
 
صحيفة الوسط البحرينية –  5 يوليو 2011م
 

اقرأ المزيد

الديمقراطيةُ طريقٌ واحدٌ


مع غياب الطبقة الوسطى من مجتمعات عربية مثل العراق والبحرين وبعض أقطار الجزيرة العربية تصبح الديمقراطية صعبة أو غير ممكنة.

شكلت الطبقة الوسطى وجودها بصعوبة في بعض الدول العربية، وحتى الآن لم يُعرف حجمها وتكويناتها، أي مدى حجم الرأسمال الصناعي وبقية الرساميل التكوينية المحورية فيها، ومستوى مؤسساتها العلمية وقدرتها على فهم الإنتاج وتطويره، حتى الآن هي في بعض الدول العربية فئات مهمة تتقارب لتصعيد أو ربما لتقزيم الرأسمال الصناعي، وهذا يعود لمستوى وعي تنظيماتها السياسية، ومدى فهمها لتطور الإنتاج الصناعي – العلمي في إعادة تغيير البناء الاجتماعي الاقتصادي التقليدي بموصفات الحداثة.

تلك الدول راكمت تراكمات على مستويات عدة، في حين أن الدول في الجزيرة العربية بعيدة عن ذلك والأسباب كثيرة: تصحرٌ اجتماعي لقرون، ومدنٌ هامشية، وصناعات استخراجية هي الأساس لم تقدر على تحويل معظم السكان إلى عمال ومنتجين وملاك، ودولٌ تمتلكُ أغلبَ الفوائض وتتصرفُ فيها بأشكال غير مدروسة اجتماعياً ومرّحلة غربياً.

إن الدولَ لا تستطيع أن تكوّن وتؤسسَ ديمقراطية، بل تؤسسها الطبقةُ الوسطى الحرة، ينشئها رجالُ ونساءُ الأعمال وهم مؤسسو المصانع والشركات الذين يربحون من دخولِ مؤسساتهم، وبالتالي لا يخشون شيئاً سواءً كانوا داخل أو خارج الحكم.

يدخلون الحكمَ لتغيير أحوال طبقتهم وزيادة ثرائها مع خدمة بقية الطبقات وزيادة أجورها وتحسين أحوالها في عملية تطوير إنتاج ضرورية لكل المواطنين، ولكي يكسبوا أصواتهم لحكمٍ تال.
الشفافية والعقلانية والحداثة هي جزءٌ من تكوين طبقتهم، وتغيير أشكال الإنتاج القديمة هي من مهماتهم الاقتصادية الاجتماعية.

تساعدُهم وتصارعُهم الطبقاتُ العاملة حسب مسار إصلاحاتهم، وهذه القوى العاملة حتى حين تشاركُ في الحكم تدخلُ تعديلات وتطورات على النظام الرأسمالي من موقعِ مصالحِها ومن موقع تطوير البنية الاجتماعية ككل.
ومن دون هذه السياقات يَصُعب الحديث عن الديمقراطية.

ونحن في الجزيرة العربية خاصة علينا أن نقدم العتبات الأولى لظهور هذه البنية الاجتماعية. نشكل فقط بذوراً ديمقراطية لنترك للأجيال القادمة زراعتها.

فلابد أن تتخفف الدولُ من تشييدِ المصانع والمؤسسات الاقتصادية التي تُصمم بطرقٍ بيروقراطيةٍ من دون أشكال ديمقراطية، ومن دون دراية بطبيعة النظام الاقتصادي وكيفية تطوره العقلاني وقدرته على إيجاد تطورات اقتصادية وجذب العمال العاطلين المواطنين والشرائح المهمشة وجعلهم أغلبية منتجة بدل اقتصاد هدر العمالة ورأس المال القائم.

ولا تحدث الديمقراطية إلا من تحرك الفئات الوسطى نحو الإنتاج والأسواق شبه المحتكرة الآن للدول، وبالتالي فإن الأجهزة الحكومية الراهنة وهي المهيمنة على الاقتصاد والحياة الاجتماعية لا تستطيع نشر ديمقراطية، يُفترض فيها وجود اقتصاديات حرة وتداول للسلطات.

ومن هنا فلابد من أن تكون الملكيات الخاصة في الإنتاج خاصة هي الأساس الاقتصادي.

الديمقراطية تؤسس في قرون، ولكن هذا لا يعني عدم بذر البذور الراهنة والمقدمات الاقتصادية والسياسية والفكرية.

الهيئات الحكومية والجماعات السياسية الأهلية شمولية، تعيشُ في عالم الحرب الباردة وآثارها، وفي الرأسماليات الحكومية الشرقية وأفكارها، وهي بعد لم تقتنع في أعماقها السياسية، وفي هياكل عظامها بالديمقراطية.
أهم سمتي الديمقراطية هما العلمانية وتبادل الحكم، وهما سمتان يصعب القيام بهما في المنطقة. لكن هل نقف من دون أن نتقدم نحوهما؟

تطبيق العلمانية يعني عدم استعمال الدول والمنظمات السياسية للدين ومنتجاته في الحكم والعمل السياسي، ومن دون ذلك لا تتحقق الديمقراطية.

محاولات القفز والمناورات والاختراقات على ذلك من دون فائدة، لكن هذه لا تستطيع أن تفعلها الدول والجماعات الأهلية السياسية، ولا توجد فئات وسطى قوية تؤسس للأسباب الموضوعية السابقة الذكر.
الدول والجماعات الدينية استخدامها للدين سياسياً يعبرُ عن شمولياتها، فلابد للتقدم لأولِ خطوة نحو بذرة الديمقراطية من وقف ذلك.

الجماعات البرجوازية الصغيرة وتنظيماتها لابد أن تدركَ أهميةَ الدخول في طريق الديمقراطية، وتنقدَ تاريخَها وشموليتها، وتمشي في طريق الحداثة والعلمانية والرأسمالية الحديثة، ولا أن تحولَ أفكارَها لرأسِ مالٍ تأخذهُ من الدولِ كانتهازيةٍ مدفوعة الأجر، أو من استغلال العامةِ من خلال المزايدة والمغامرة، مدفوعة الخسارة من مال الناس..

لابد إذا أرادت أن تصيرَ رأسماليات أن تتوجه لبناء الأعمال الخاصة والمؤسسات التجارية والصناعية، بدلاً من تحويل السياسة لرأسِ مالٍ، فلا تشارك في سد مجرى تغيير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بمنع التوجه نحو الرأسمالية الحرة.

في السياسة والوعي تؤيد تراكم المال وقوى العمل من أجل الخروج من الدول التقليدية، ومن أجل أن يغدو الهدفُ المحوري للمجتمع وهو تبادل السلطة ممكناً، عبر زوال التنظيمات الشمولية غير القادرة على أن تكون ديمقراطية أساساً.
 
أخبار الخليج 1 يوليو 2011

اقرأ المزيد

ليكن حوارنا وإن اختلفنا من أجل الوطن


لم يعد موضع شك ولا محل خلاف بان حوار التوافق الوطني المنعقد حاليا تحت شعار «البحرين تجمعنا» هو الطريق الصحيح للخروج من الأزمة الجاثمة على صدور الوطن والمواطن وبالتالي كم كان جلالة الملك صائبا عندما دعا إلى هذا الحوار الذي يأمل الجميع ان يفتح الطريق لرأب الصدع وتضميد الجراح والحفاظ على تماسك وحدتنا الوطنية والمضي قدما في استكمال العملية الإصلاحية نحو آفاق واسعة رحبة.

هناك مرئيات كثيرة ستطرح في هذا الحوار وهناك آمال وتطلعات المواطنين في ان تفعل كل المحاور بغية المزيد من المكاسب السياسية والدستورية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان نتجاهل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وأشير هنا الى الاحتقان الطائفي ولن نعالج هذا المرض المتفشي على نطاق واسع الا بوحدتنا الوطنية وإشاعة ثقافة التعايش وحماية الحقوق المتساوية بين كافة المواطنين.

ان الأحداث المؤسفة التي شهدتها البحرين في الأشهر القليلة الماضية لا يمكن تجاوز آلامها وأثارها بالتصعيد والشحن الطائفي او ما تدفعه المصالح العقائدية والسياسية وإنما بالحوار الموضوعي العقلاني البناء الذي أكد عليه جلالة الملك قائلا «ان حوارنا الوطني سيكتب فصلا جديدا من تاريخ العمل الوطني بغية الوصول الى توافقات وطنية تحقق آمال الجميع « وقال ايضا «في حوار التوافق الوطني لا مكان لكاسب هنا على حساب خاسر هناك، بل بتوافقكم تكسب البحرين» ومن هنا تأتي أهمية حوار التوافق الوطني وبالتالي كيف ندفع بهذا الحوار نحو المزيد من الانجازات والمكاسب التي تدعم المصالح الوطنية العليا للبلاد وحقوق وواجبات المواطن؟ هذا هو السؤال الملح.

على العموم تقتضي مواجهة ما حصل في البحرين مرئيات ديمقراطية فاعلة متحررة من التبعية ومع احترامنا لكل المرئيات المشاركة ستظل رؤى القوى الديمقراطية والليبرالية وفي مقدمتها التقدمي، وعد، القومي حجر الزاوية في التصدي للدعوات الطائفية والمذهبية وكذلك للأجندة المتعارضة والمتناقضة مع توجهات الدولة المدنية ومع مساواة المرأة في الحقوق، وبالإضافة الى ذلك لا يمكن ان تسير البحرين بنجاح على طريق التطور الديمقراطي بدور تعزيز الانفتاح الذي عرفته هذه الجزيرة الصغيرة والكبيرة بشعبها وبتاريخها الحضاري الموغل في القدم، والشيء الآخر الأكثر أهمية هو منذ ان دشن ميثاق العمل الوطني المرحلة السياسية الجديدة قبل عشر سنوات تحققت تحولات سياسية لابد من الحفاظ عليها والعمل على تعميقها حتى تتراكم وتتجذر وبالتالي ثقتنا كبيرة في التيار الوطني الديمقراطي في الدفاع عن مجمل الانجازات والمكاسب خوفا من التراجعات التي يريدها البعض ونعني بذلك تلك الرؤى والأجندة المناهضة للدولة المدنية على طاولة حوار التوافق الوطني أو أي حوار لابد ان تتسع الصدور دون إقصاء أو تخوين أو مزايدات سياسية طالما الهدف واحد وهو ان نغلب كفة الوطن الذي يتسع لكل أبنائه، هذا ما يجب الرهان عليه لان البحرين وطن للجميع وبالتالي فالولاء لهذا الوطن في قمة الولاءات أو كما يقول الأستاذ «إسحاق الشيخ» في مقالته «نحو حوار متقدم لا متخلف» ان الوطن فوق الجميع بدون استثناء وفوق المذاهب والدين والطائفة والمرجعية ولا ولاية لفقيه أو مرجعية دينية فوق ولاية ومرجعية الوطن والمساواة في المواطنة ولا يمكن الحديث عن نجاح حوار أو سد الثغور الطائفية والمذهبية داخل الوطن وخارجه الا بالأخذ بروح العصر».

صحيح ان الحوار ربما تشوبه بعض الصعاب خصوصا في ظروف واقعنا السياسي الحالي، وهنا تبرز أهمية تهيئة الأجواء وتهدئة النفوس ووقف التصعيد وكل مظاهر الروح الطائفي وتخطي الرغبات العقائدية المتعصبة، ومع ذلك لا ينبغي منا ان نشكك في الحوار سلفا أو نصدر أحكاما مسبقة.

اذن نحن معنيون جميعا بان يتخطى الحوار كل الصعاب والتحديات ليرسم طريق التوافق الوطني الذي يحدد حاضر ومستقبل البحرين ضمن مسار التحديث الأكثر تعبيراً عن الدولة المدنية دولة المؤسسات والقانون وعن حقوق الأفراد والجماعات والمرأة.

وباختصار شديد كل الآمال معقودة على توافقنا الوطني حول العديد من القضايا الجوهرية لا تتعلق فقط بتوسيع قاعدة التحولات السياسية وإنما أيضا بالحقوق الأخرى شديدة الصلة بأوضاع المواطن المعيشية وبواجباته تجاه ما تقتضيه مصالح الوطن وبالتالي ليكن حوارنا – وان اختلفنا – من اجل الوطن الذي هو أمانة في أعناقنا جميعا.
 
 
الأيام 2 يوليو 2011
 

اقرأ المزيد

واللبيب من الإشارة يفهم


 
“ . . ليس لدي مصلحة في إحراجك، وإنما أنا أريد أن أساعدك على احتفاظك بإرثك من خلال سماحك بانطلاق عهد جديد، أنا أحترم من هم أكبر مني سناً، ولكن إذا كانت الأمور قد سارت في اتجاه معين في السابق، فهذا لا يعني أن العمل بها سوف يسير بنفس الطريقة في المستقبل، عليك أن تقتنص هذه الفرصة التاريخية وأن تترك لنفسك ذكرى طيبة” .
 
كانت هذه هي بالحرف الكلمات التي قالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الهاتف للرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك يوم الحادي عشر من فبراير/شباط الماضي، وقد حرص الرئيس أوباما على ترديدها ثلاث مرات على مسامع الرئيس المصري الذي رد بالقول: “سوف أفكر في ذلك، وأرد عليك خلال أسبوع”، فأجابه أوباما “بل إنني أتطلع إلى ردك يوم غد”، فقال: مبارك “ربما خلال عطلة نهاية الأسبوع”، فكان رد الرئيس حاسماً هنا “بل سنتحدث خلال 24 ساعة” (مجلة تايم الأمريكية، المجلد 177 العدد ،20 تاريخ الصدور 20 مايو/أيار 2011) .
 
مثيرة هي بالتأكيد هذه المكالمة الهاتفية التي يفترض أنها تمت بين رئيسي دولتين مستقلتين تستمدان سيادتهما وشرعيتهما من عضويتهما في الأمم المتحدة، ناهيك عما يربطهما من علاقات خاصة جداً وصلت بموجبها مصر إلى مرتبة الحليف الذي تخصه واشنطن بمساعدات وتسهيلات مالية واقتصادية وإمدادات عسكرية يقع بعضها تحت تصنيف المنح التي لا ترد .
 
فإذا بها وكأنها محادثة بين رئيس دولة وبين أحد أركان إدارته .
 
صحيح أن بعض الإخلال لمعطيات ومعايير معادلة المقارنة، ربما اكتنف المقارنة المعقودة ها هنا بين رئيسي الدولتين . فنحن من جهة أمام رئيس الدولة العظمى الأولى في العالم، وفي الجهة الأخرى مع رئيس دولة نامية لها ثقلها في محيطها الجغرافي وحسب .
 
ولكن العلاقات الدولية بين الأمم كانت قد أنشئت وترسخت عبر العصور على أصول وقواعد بروتوكولية مرجعية وسارية المفعول على الجميع، أو هكذا يفترض أن تكون على الأقل . نعم في النظر، إنما في التطبيق تحل مواقع الثقل وموازين القوى الاقتصادية والعسكرية محل تلك الأصول والقواعد المرجعية . وهذا ما درجت عليه الممارسة السياسية في فضاء العلاقات الدولية الواسع .
 
ومع ذلك لم يكن أحد ليتصور أن تكون معايير موازين القوة  باعتبارها مرشداً للعمل والممارسة السياسية والدبلوماسية للدول التي شاءت الصدفة التاريخية والاستثمار والاستغلال الفطين لمخرجات العلوم والتقنية، أن تضعها في طليعة الأمم المتقدمة في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية  أن تكون بهذه الفظاظة والغلظة، في وقت ساد فيه الاعتقاد أن لغة التهديد والوعيد التي ميزت العلاقات الدولية (بين الكبار والصغار) في القرنين التاسع عشر والعشرين، قد أضحت في القرن الحادي والعشرين جزءاً من ماضي هذه العلاقات .
 
ومن الواضح أن التورطات والمآزق العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان وبكل أثقالها الاقتصادية والسياسية الباهظة، فضلاً عن أزمات عجوزاتها المالية (الموازنة والدين العام)، ما كانت لتمنع إدارة الرئيس أوباما عن مواصلة استخدام مفردات ذات الخطاب المعبر عن الدور الزعامي العالمي للولايات المتحدة، بما يصل إلى حد الإملاءات القطعية والطلب من رئيس دولة أخرى  ولاحظ على الهاتف  بمغادرة كرسيه الرئاسي .
 
ولعلي أحسب، زعماً، أن القارئ النبيه، وكل المشتغلين والمنشغلين بالشأن السياسي، خصوصاً منه المتصل بعمران المجتمعات وإعادة بنائها، مدعوون للتفكر بعمق والتأمل في دلالات ومغازي هذا “الديالوج”  أو بالأحرى المونولوج لأنه حديث توجيهي من طرف واحد هو الرئيس الأمريكي  لاستخلاص الدروس والعبر، لا سيما تلك المتعلقة بذلكم المستوى من تآكل ما كان يسمى بالسيادات الوطنية للدول وهيبتها، لا سيما الدول النامية المستقلة، تلك السيادات التي كان يُظن أنها مُسَيجة بالشرعيات الدولية على اختلاف مستوياتها .
 
وتأسيساً على ذلك، لربما كانت الخلاصة الأكثر إلحاحاً وأهمية من دلالات ومغازي تلكم العلاقة “الملتبسة”، أو غير المتكافئة إن شئتم، على ما أبانته المحادثة الهاتفية إياها، بين قادة العالم الأول والعالم الثالث، تكمن في أن السيادات الوطنية تكون مكشوفة، حتى من أسيجتها الشرعية الدولية، إلا في حال استطاعت أن “تعيد تأمين نفسها” بواسطة “بوليصة التأمين” الشعبية، أي الاستناد إلى حصانة الجبهة الداخلية ومنعتها، وذلك من خلال التعاقد الاجتماعي مع مكونها الحي، وهو هنا الشعب بكل فئاته وانتماءاته المختلفة . فلعل مثل هذا العقد الاجتماعي يكون ضمانة ضد الانكشافات المحتملة أمام أخطار “الخارج المتقلب” .
 
حرر 1 يوليو 2011
 

اقرأ المزيد

العلمانية والديمقراطية


تضعُ العلمانيةُ الشروطَ الكبرى الأولى للديمقراطية، فتفصلها عن العصر الوسيط، الذي تشكلت فيه الصراعاتُ السياسية بشكلٍ ديني، فتمهد وتؤسسُ للدول القومية والوطنية وللأسواق الكبرى لهذه الشعوب، وتفككُ الحواجزَ التي أقامتها الأشكالُ الكثيرة للطوائف والملل والقبائل التي عزلتْ الجغرافيا البشرية وقوى الإنتاج عن توحدها وتعاونها المفترض، ومن هنا يقود نفي ذلك لثورة التقنية والعلوم.

العقلانية مرحلة أخرى لهذا الحراك التحويلي للبُنى المحافظة الذهنية والاجتماعية التي تكرستْ في حياة الشعوب عبر ألوف السنين الماضية.

العقلانية تطلق العلوم لتحريك قوى الإنتاج، من أجل تطوير الآلات والمصانع، والطوائف هنا تلتحم في أمكنة الإنتاج وفي البلدان.

حين نرى الآن الحراك الثنائي المتناقض في العالم الإسلامي بين الشيعة والسنة، ونجد أن النظام الشمولي الديني حجز كثيرا من الشيعة عن الانخراط في الأوطان التي ينتمون إليها، فغياب العلمانية عن إيران أدى إلى حراك سياسي انقسامي واسع النطاق، وبهذا بدلاً من أن تؤدي التطورات السياسية التحديثية إلى توسع العلاقات بين الإيرانيين والمسلمين والبشر عامة، أدت إلى سلسلة من الحواجز والانقطاعات في البلدان.
نتائج الصناعة والتطورات العلمية التي تدخل في باب العقلانية تتوقف ثمارُها مع الانحباس السياسي، وتؤدي العسكرة إلى تعريض ثمار الثروة للخسائر.
في حين راحت الثورات العربية الراهنة ذات القواعد السكانية السنية المسيحية الشيعية المتحدة نحو تصعيد العلمانية إلى درجة مدنية غير محددة، بسبب ظروف الثورات التي أدت إلى ضرورة الوحدة تجاه أنظمة استنزافية للثروات، وإلى التوجه للتركيز في السياسي، واحتذاء التجربة التركية، لكن المسار يبقى غير محدد في المستقبل.

الخطورة تكمن هنا في عدم رفع ثقافة العلمانية، ويكون للدول والجماهير ذات الأصول المذهبية السنية مخاطر في عدم التحديد هذا، وعدم التركيز في التطور السياسي الاقتصادي.

ففيما أدت التجربة الإيرانية إلى مخاطر جسيمة وتمزيق عدة دول عربية في مختلف جوانب الوجود السياسي، من الخطورة أن ينتقل التمزيق إلى بؤر البلدان العربية الكبيرة المركزية.

فحدوث الصراعات داخل هذه البلدان وهيمنة القوى الدينية المحافظة وصراعاتها مع بعضها بعضا، ينقل ما جرى ويجري في الأطراف كباكستان وأفغانستان وغيرهما إلى القلب من وجود الأمة العربية.
التجربة الإيرانية فككتْ العراقَ وبعض مناطق الخليج ولبنان فحتى السوق على الطبيعة الرأسمالية العادية تعرقله وتفتته وظهرت العقوبات وتفشى الإرهاب.

إن السياسة المذهبية هي عودة لتفكك الاسواق، ولإضعاف قوى الإنتاج البشرية بعزل النساء، وبإضعاف تقنية الإنتاج بعدم تطور العلوم التي يجب ألا تقف أمامها محاذير دينية واجتماعية.

وجود التكوينات المذهبية المنفصلة يؤدي إلى ضرب السوق الوطنية وقوى الإنتاج التي تعرضتْ للكثير من المشكلات في الحقبة السابقة، حقبة رأسمالية الدولة الشمولية، والتي تتطلب الآن مع ضرورة ازدهار الرأسمالية الحرة سوقاً واسعة ليست وطنية فحسب بل عربية وعالمية، إضافة لنمو الوعي العلمي لدراسة مشكلات الإنتاج.
أدت هذه الأشكال المتخلفة من الوعي إلى فصل الجناح الشرقي من العالم الإسلامي عن قلبه وغربه، لعدم إمكانية إيجاد سوق عربية إسلامية كبرى، والمأساة حين تنتقل هذه الأشكال التمزيقية من الوعي إلى قلب الوطن العربي.
إن ثورة سوريا تحاول ردم هذه الهوة في أحد الجوانب الجغرافية المهمة. فيما حراك أفغانستان وطالبان يحمل رياح التفتت والقبلية والمذهبية إلى الدول المتوحدة.

لو أن الحراكَ السياسي الإيراني أخذ بالعلمانية والديمقراطية لكان الموقف مختلفاً، لأمكن ظهور تطورات اجتماعية تحديثية واسعة جداً.

والشكل المتخلف المذهبي يقود إلى فقدان الثروة مرة من خلال البذخ العسكري ومرة من خلال ترحيل الرساميل للغرب، وبخلاف ذلك ومع وجود تلك السوق الكبرى من إيران حتى مصر لن تكون الأشكال العسكرية المتطرفة ممكنة كما أن الرساميل سوف تصبُ في هذه السوق الكبرى.

لم توجد السوق الأوروبية المشتركة من دون الديمقراطية والعلمانية وبالتالي هذه ليست مفردات سياسية وعقلية بل مفردات اقتصادية في جوهرها، أي هي وضع الأساس الواسع للطبقات الوسطى، وللتجارة الحرة، والسلام وتطوير الأرياف الجامدة.

في حديث وزير الخارجية التركي أحمد أوغلو قبل أيام حول التجربة التركية أشار إلى ما يشبه هذه المعاني بلغة عامة سياسية دقيقة.

إذا لم تتبن الدول والتنظيمات هذه الأساسيات في عملها السياسي الفكري المؤسس فالحديث عن الديمقراطية كعدمه.
 
أخبار الخليج 30 يونيو 2011
 
 

اقرأ المزيد