المنشور

الأحقاد التي أشعلت حربا بين المهاجرين والبشتون في كراتشي

بعد ان أوغر كل فريق صدور أتباعه وجماهير طائفته بالأحقاد والضغائن.. حزب الحركة القومية المتحدة (Muttahida Qaumi Movement) الذي يمثل مصالح غالبية سكان المدينة الناطقين بالأردية ممن يُسمون بالمهاجرين في مدينة كراتشي الباكستانية.. وحزب عوامي الوطني الذي يمثل الأقلية البشتونية الآخذة بالتكاثر في المدينة نتيجة لتوافد أعداد جديدة من البشتون إليها لأسباب اقتصادية باعتبارها القلب التجاري النابض لباكستان أو للالتحاق، بدافع الفزعة الاثنية، بصفوف أبناء جلدتهم البشتون الذين قرروا حمل السلاح والانخراط في الحرب العبثية ضد طائفة المهاجرين الناطقين بالأردية.
 
فإذا كانت الحرب التي يخوضها الجيش الباكستاني ضد حركة طالبان الباكستانية الإرهابية في الشمال الغربي من باكستان تحتل صدارة الأحداث واهتمامات الرأي العام بسبب تسليط الأضواء عليها، فان حربا خفية بالغة الخطورة تدور رحاها في مدينة كراتشي الباكستانية الجنوبية، راح ضحيتها في العام الماضي (2010) فقط 775 شخصا بحسب منظمات حقوق الإنسان (تعطي الحكومة الباكستانية أرقاما منخفضة كالعادة – 500 قتيل)، أما الخسائر المادية فقُدِّرت بمئات الملايين من الدولارات، وهو ما ألقى بظلاله على المدينة (كراتشي) وعلى اقتصادها الذي يُسهم وحده بأكثر من 70% من الإيرادات الضريبية للخزينة العامة للدولة.
 
أين تكمن المشكلة؟
 
ظل المسلمون الباكستانيون النازحون من الهند بعد الانفصال في عام 1949، والذين أُطلق عليهم الباكستانيون لاحقا مسمى “المهاجرين” تمييزا، ظلوا يتمتعون بوضع معيشي مريح في مدينة كراتشي، حيث شكلوا غالبية سكانها، وبقي حزبهم حزب الحركة القومية المتحدة منفردا ومهيمنا على الحياة السياسية في المدينة قبل أن يتحول حزب الشعب الباكستاني (PPP) وحزب عوامي الوطني (ANP) الذي يضم في معظمه الأقلية البشتونية، إلى حزبين منافسين بقوة لسلطة ونفوذ حزب الحركة القومية المتحدة (MQM) في المدينة.
 
 وقد كان للزحف السكاني البشتوني على المدينة دور في إذكاء المنافسة العرقية في كراتشي خصوصا بين الأغلبية الناطقة بالأردية (المهاجرين) وبين الأقلية البشتونية التي باتت تشكل 15% من سكان المدينة وتسهم بقسط وافر في اقتصاد المدينة، خصوصا بإمداده بقوة العمل الرخيصة، فضلا عن نجاح الحزب الذي يمثل مصالح هذه الأقلية، وهو حزب عوامي الوطني، في إيصال نائبين إلى البرلمان في عام 2008.
 
ولا يقتصر صراع النفوذ في المدينة على المهاجرين والبشتون، وإنما يمتد ليشمل سكان المدينة الأصليين من البلوش والمهاجرين.
 
وكان الصراع بين هذه الاثنيات قد تفجر بصورة مروعة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بين البشتون والمهاجرين الناطقين بالأردية، ليستفحل في التسعينيات ويدفع الحكومة للتدخل الأمني المنحاز ضد المهاجرين وحزبهم حزب الحركة القومية المتحدة تم خلالها اعتقال الآلاف وقتل المئات منهم، فيرد هؤلاء بعمليات ثأرية استهدفت ضباط وجنود الشرطة. وبما أن أطراف الصراع، وقد وجدت نفسها متورطة، بإرادتها وبدافع من غرائزها اللا إنسانية، في دوامة حرب حقيقية مفتوحة، فإنها لم تجد غضاضة، والحال هذه، في استدراج المافيات وعصابات السطو المسلح والمهربين لأتون هذه الحرب المجنونة.
 
وبما أنها في التحليل الأخير لاقتصاديات العائد والتكاليف، حرب عبثية قوامها غرائز أحقاد وكراهية منفلتة، فليس من بين الأطراف المتورطة فيها من يستطيع الزعم انه الرابح في هذه الحرب المنزوية، فكل أطرافها خاسرون، وسيكتشفون ذلك في نهاية المطاف.. ولكن بعد أن يلحقوا أفدح الأضرار البشرية والمادية ببعضهم البعض.
 
قصة الحرب الأهلية المنسية في كراتشي تصلح لأن تُروى هذه الأيام للاعتبار بها وبدروسها البليغة.
حرر في 9 سبتمبر 2011

اقرأ المزيد

هل أفسد «الربيع السوري» على المرشد ليلته؟


إذا ما تحدثنا عن “الربيع العربي” من حيث مدى تأثيره على النظام الايراني من المناسب ان نتطرق الى مقال كتبه عادل الطريفي في 16 اغسطس 2011 في موقع “ايلاف” تحت عنوان “هل افسد الربيع السوري” على المرشد ليلته؟ في البدء يشير كاتب المقال الى علاقة ايران بالنظام الليبي الراحل اذ يوضح ان ايران تمتلك صلات خفية بالقذافي في حين القذافي يعيش في عزلة دولية بمعنى كان القذافي يراهن على ايران لان طهران التي تختلف مع العقيد بشأن اختفاء رجل الدين الشيعي موسى الصدر قبل الثورة احتفظت بالعلاقة معه حتى قبل رحيله والسبب كما يقول الكاتب يرجع الى صمود القذافي قبل الاطاحة به ضد “الناتو” الامر الضروري لعدم تمكين الناتو من نصر سريع، وهنا يصور الكاتب النظام الليبي بمثابة تميمة ضد ان يتحول التوجه الدولي نحو التدخل في سوريا أو ايران ذاتها، وعلى هذا الاساس كانت ايران اشد المنتقدين للتدخل العسكري في ليبيا.
 
ثم يعرض المقال القلق الايراني مما يحدث في المنطقة العربية، اذ يقول “حاليا يستشعر اركان النظام الايراني القلق من تبعات الزلزال الثوري الذي يلف المنطقة، صحيح انهم بادروا بالترحيب به؛ لانه طال اولاً خصومهم من حكام العرب الذين ظلوا عقوداً يعملون ضدهم، وهو امر شاركت فيه سوريا كذلك، ولكن حينما بدأ الشرر يطول حلفاءهم تغيرت اللهجة الايرانية من الترحيب بما حدث في مصر وتونس والبحرين الى التشكيك والاتهام بمؤامرة غربية تطول سوريا، حين بدأت الاحداث في البحرين صعدت طهران تجاه دول الخليج وحاولت جاهدة استمالة مصر بعد التغيير – ولا تزال – ولكن التردد المصري والحسم الذي بادرت اليه السعودية والامارات مع دول الخليج فيما يتعلق بالبحرين أوقع ايران في اشكال أكبر، حيث لم تبادر الى تنفيذ تهديداتها بالتدخل بل على العكس شهدنا موقفا ايرانيا دبلوماسيا في تقدير الموقف، فقد حاول صالحي – وزير الخارجية الايراني – اعادة فتح قناة الاتصال المنقطعة مع السعودية وتغيير نفس الخطاب المتشدد، وفي نفس الوقت قامت ايران بما تحسن القيام به في الخفاء وهو دعم حلفائها من وراء الستار بالمال والسلاح”.
ومن الواضح، انه كلما تأزمت الاحداث في سورية كلما اشتد وتضاعف القلق الايراني، ومع ذلك يشير المقال الى ان الاولوية بالنسبة للملالي والحرس الثوري هو استمرار النظام السوري وليس التمسك بالاوراق الخاسرة، وهنا يستشهد الكاتب بجريدة مقربة من المرشد الاعلى وهي واحدة من كبريات الصحف الايرانية تطالب الاسد في افتتاحيتها بـ “تفعيل اصلاحات سياسية قبل فوات الاوان” (جمهوري اسلامي) محذرة اياه من مصير القذافي الذي استخدم السلاح ضد مواطنيه، والملفت في الامر ان نوري المالكي تحول وبضغـوط مـن ايران الـى احد الاصوات الداعمة لنظام الاسد.
وفي ضوء الوضع الحاضر الداعي الى التغييرات السياسية في بعض الدول العربية، تحاول ايران لتعلن بوضوح عن خطط بديلة الهدف منها تعويض خسائرها والسبب وفق وجهة نظر الكاتب يعود الى ان الإيرانيين يدركون انهم يمرون بمرحلة خطرة وان منافسين اقليميين مثل تركيا والسعودية قد أبدوا جسارة – استثنائية – في مواجهة ايران من خلال الملفين البحريني والسوري. وكنتيجة لذلك من الطبيعي ان لا تدع ايران مصالحها تزول بانهيار نظام الاسد ولكن مواجهة التغيير في موازين القوى بسبب الانتفاضات التي عمت المنطقة يحتم عليها ايجاد البديل أو بالأحرى خطط بديلة.
وعلى صعيد آخر، يقول الكاتب “قبل ايام اصدرت مؤسسة الثورة الاسلامية للبحوث كتابا بعنوان “الليلة الخامسة عشرة” وهو كتاب توثيقي للقاء المرشد الاعلى السيد علي خامنئي بالشعراء الايرانيين العام الماضي في الليلة الخامسة عشرة من رمضان، حيث اعتاد المرشد تخصيص هذه الليلة من كل عام لمناقشة الشعر الفارسي الذي يشكل احد اهم هواياته منذ طلبه العلم ربما كان المرشد أكثر انشغالاً في رمضان هذه السنة من ان يخصص ليلة للشعر ولكن اذا ما تأمل “الربيع العربي” في سوريا الذي ربما افسد عليه ليلته فسيردد حتماً قول حافظ الشيرازي:
شهور بها الأوطان تقضي من الصبا       وفي شأننا عيش الربيع محرم
 
الأيام 10 سبتمبر 2011

اقرأ المزيد

مكارثّية بنكهة بحرينية


مكارثّية أميركا في 1950 هي مكارثية البحرين في 2001، مهندسها جوزيف مكارثّي، وهو سناتور جمهوري زعم هذا المكارثّي، إن 205 من موظفي وزارة الخارجية من المتعاطفين، أو من الذين تربطهم علاقة بالمنظمات الشيوعية، وإن 57 منهم أعضاء في الحزب الشيوعي الأميركي، وبذلك مارست واشنطن بلجان تحقيقها، اتهامات ضد مواطنيها بالتعاطف مع الشيوعية، دون إثباتات كافية تدعم هذه الإدعاءات نكاية بالحزب الديمقراطي في محاولة لإضعافه وترهيب مثقفيه وكوادره المتقدمة، عندها قامت الدنيا ولم تقعد فضعفت الثقة بحملته المجنونة.
لتأمل الأرقام المستهدفة لأعضاء بارزين في الحزب الديمقراطي الأميركي لحملة مكارثّي ومقارنتها بعدد سكان أميركا آنذاك: (205 أشخاص من أصل أكثر من 200 مليون نسمة)، بالطبع ولا شيء، غير إنها (الحملة المكارثّية) صارت مصطلحاً:(McCarthyism) يستخدم ويردد إلى اليوم ضد الممارسات التي تقوم على اتهام الناس دون دليل، أو تقوم جهة بترهيب الأشخاص في معتقداتهم وانتماءاتهم الفكرية والثقافية.
هذا من جهة أميركا، أما النكهة البحرينية لهذا المصطلح الذي راج استخدامه وممارسته عملياً وبأعتى صوره القبيحة، جعل “الغراب يطير من أعلى الرأس” ـ يشيب.أيها الناس، عِدوا بالأرقام، فالأرقام كما يقال أبلغ من الكلام!!:

1-  عدد الموظفين والجامعيين والأكاديميين والعاملين في القطاع الخاص والعام المفصولين عن العمل وصل إلى أكثر من 4000 خلال ثلاثة أشهر فقط (بين مارس/آذار ويونيو /حزيران) والقائمة تطول.
 
2-  اعتقال 114 طبيباً وممرضاً ومسعفاً وفصل وتوقيف نحو 500 بين أطباء وموظفين في وزارة الصحة.
 
3-  فصل واعتقال وتوقيف مئات المعلمين ..والحبل على الجرار.
 
4-  مددت وزارة شؤون البلديات توقيف نحو 30 موظفاً على الأقل عن العمل لثلاثة شهور أخرى من أصل 550 فصل منهم نحو 100 حتى الآن، وذلك على خلفية عدم انتهاء “اللجان التأديبية” المُشكّلة لدى ديوان الخدمة المدنية من أعمال التحقيق مع الموظفين.
 
5-   فصل نحو 3000 من كبرى الشركات التي تملكها حكومة البحرين حيث شهدت حركة التسريح من العمل، بينها شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) التي فصلت وحدها نحو 390 عاملا، تليها شركة نفط البحرين التي سرحت ‍289 عاملا، ثم شركة اتصالات البحرين (بتلكو) التي سرحت 163 عاملا، كما فصلت شركة طيران الخليج 160، وميناء خليفة 142، وذلك خلال شهري مارس/ آذار وبداية أبريل/ نيسان الماضيين فقط.  
 
6-  توقيف وفصل واعتقال أكثر من 150 رياضياً في جميع الألعاب الرياضية ومؤسساتها.
 
7-  لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المفصولين والموقوفين العسكريين من الطائفتين، سواء الذين شاركوا في الدوار، أو رفضوا الأوامر بإطلاق النار على أهاليهم، لكنهم على الغالب إن لم يكونوا عشرات بل مئات لما يتردد منے أسماء تطرح بين الحين والحين، عبر المحاكمات العسكرية وتنفيذ الأحكام ضدهم، أو الإفراج عنهم بضمان إقامتهم.
 
8-  أخيراً وليس آخراً، تحدثت الصحف المحلية والإذاعة والتلفزيون، إن أعلى رأس في السلطة أمر بعودة المفصولين إلى أعمالهم، والطلبة على جامعاتهم، والتلاميذ إلى مدارسهم والأطباء إلى مرضاهم ومستشفياتهم والمهندسين إلى مواقع الإنشاءات لإعمار البلاد من الخراب، غير أن الأمور تبدو كما كانت. لم يستجب للجنة التي شكلها رئيس الوزراء التي “أوصت بإرجاع 571 من المفصولين بعد إثبات أنهم فصلوا فصلا تعسفيا، الكثير من المسؤولين لم يستجيبوا لهذه التوصيات، وهم متهمون في الوقت نفسه بالوقوف وراء تفاقم عمليات التسريح عبر لجان التحقيق لأهداف فئوية”. كما جاء في بيان الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في 21 يونيو/حزيران 2011، حيث بررت الشركات فصلها للعمال بـ”مخالفتهم للأنظمة واللوائح الداخلية جراء غيابهم مدة تزيد عن عشرة أيام أثناء الإضراب العام الذي دعا له اتحاد عمال البحرين والذي تعتبره هذه الشركات غير قانوني”.

هذا وأكثر، وكل ذلك، على خلفية وشايات واتهامات ومزاعم مكارثية بنكهة بحرينية، مصدرها ميدان اللؤلؤة الذي تمت إزالته في محاولة لإلغائه من الذاكرة الوطنية..

حقيقة، لا أعرف لماذا لم “تمنشت” الصحف المحلية، هذه المكارثّية التي فزنا فيها على أميركا في العدد والعدة والتصرفات “المكارثية بالنكهة البحرينية” لتخرج علينا في اليوم التالي من منتصف شهر مارس بعناوين مكتوبة بالبنط العريض مثل: “الأول من نوعه، “الأفضل من نوعه”، “الأحسن من نوعه”… نعم، نحن الأحسن في كل المشاريع فلماذا نتخلف في السباق مع حملات الشر التي تحط من منزلة إنسانية مواطنينا؟!

أخيراً، هل كل ما جرى ويجري نزل علينا هكذا من السماء في مصادفة عمياء وفق تصرفات شخصية أم أن في الأمر إنَّ؟؟!!

 

من موقع مرآة البحرين

اقرأ المزيد

هل بوسع الولايات المتحدة تجاوز أزمة مديونيتها ؟


من المفارقات بالغة الدلالة في التاريخ الاقتصادي الحديث للولايات المتحدة الامريكية ان الرئيس أوباما هو ثاني رئيس امريكي بعد الرئيس الراحل دوايت ايزنهاور يتجرأ على الدخول في مواجهة مباشرة مع اقطاب رأس المال الكبير وممثليهم في الكونغرس. في 17 كانون الثاني/يناير من عام 1961، حذر الرئيس ايزنهاور في خطابه الوداعي الى الامة الامريكية من مخاطر هيمنة ما أسماه بالمجمع الصناعي-الحربي على الحياة الامريكية. اليوم يقف الرئيس أوباما أمام ممثلي مصالح الشركات الامريكية الكبرى وكبار الاثرياء في الكونجرس ليقول بكل صراحة ووضوح: “يجب ان يكون كل منا – يقصد الديمقراطيين والجمهوريين – مستعدا لتقديم تنازلات وإلا فلن يتحقق أي شيء، لهذا السبب نحن بحاجة الى مقاربة متوازنة لخفض العجز، وهذا يعني ان علينا اجراء اقتطاعات جدية في الموازنة، لكن من غير المناسب ان نطلب من عائلات الطبقة الوسطى دفع المزيد مقابل الدخول الى الجامعة، قبل ان نطلب من الشركات الكبرى دفع حصتها العادلة من الضرائب. وقبل وقف تمويل الطاقة النظيفة يجب ان نطلب من شركات النفط ومالكي الطائرات التخلي عن الاعفاءات الضريبية التي لا تحصل عليها شركات أخرى، وقبل الاقتطاع من الابحاث الطبية يجب ان نسأل مدراء الصناديق ان يتوقفوا عن دفع الضرائب بمعدلات اقل من سكرتيريهم، وقبل ان نطلب من المسنين دفع المزيد للحصول على الرعاية الطبية، يجب ان نطلب من دافعي الضرائب الأكثر ثراءً أن يتخلوا عن الاعفاءات الضريبية التي لا نتحملها في هذه الظروف”.

وقد أشرك الرئيس أوباما الشعب الامريكي في معركته من أجل مقاربة للاقتصاد السياسي الامريكي جديدة، حيث دعاهم في سابع كلمة رسمية يوجهها الى الامة (الاثنين 25 يوليو/تموز 2011)، الى اسماع صوتهم بهذا الصدد قائلا: “ان كنتم تريدون مقاربة متوازنة لخفض العجز، دعوا ممثلكم في الكونجرس يعرف ذلك. ان كنتم تعتقدون ان بوسعنا حل هذه المشكلة من خلال التسوية وجهوا هذه الرسالة”.
 
والحال ان دورة صناعة القرار الاقتصادي المؤسسي (عبر المؤسسات الدستورية)، بدت بطيئة وبيروقراطية أكثر من اللزوم، ما يكشف تخلفها وانتمائها الى عصر اداري قديم لا يتواكب ولا يتناسب مع سرعة الديناميات الاقتصادية، الامر الذي تجلى في تأخر تعاطي النظام السياسي (الحكومة-البيت الابيض-والكونجرس) مع قنبلة المديونية، فقد كان يتعين التوصل الى توافق وحل  لها مطلع عام 2011 أي قبل بلوغها حدها الأقصى في 16 آذار/مارس الماضي واضطرار الخزانة  الامريكية للجوء الى مناقلات في بنود الانفاق والايرادات عبر بعض الترتيبات أو بالأحرى التلاعب المحاسبي والضريبي، بهدف مواصلة الصرف بصورة اعتيادية، وتحذير الخزانة في الوقت نفسه من انها لن تستطيع مواصلة هذا التحايل االمحاسبي الى ما بعد 2 آب/أغسطس 2011، فهي لن تتمكن من الاستمرار في دفع المستحقات بعد هذا التاريخ.
 
بعض الاقتصاديين العالميين خصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا، قدموا قراءات تهوينية من بلوغ أزمة الدين العام في الولايات المتحدة هذا المستوى الخطير، حتى مع توصل البيت الابيض والكونجرس الى اتفاق بشأن السماح للحكومة “بالسحب على المكشوف” (Overdraft)، أي بما يتجاوز الحد الأقصى الذي بلغه اجمالي الدين الحكومي الامريكي والمسموح به قانونا، ويحصرونها على سبيل المثال في حال عدم التوصل الى مثل ذلك الاتفاق، في خروج استثمارات اجنبية ومحلية من امريكا بواقع حوالي 4 مليار دولار يوميا، والاستغناء عن بعض العاملين الحكوميين المدنيين والعسكريين، وتأجيل دفع مستحقات الضمان الاجتماعي، وهجرة المستثمرين للسندات الامريكية وكذلك أسهم الشركات الامريكية، وارتفاع اسعار الفائدة (كل 1% زيادة في سعر الفائدة يعني تكلفة اضافية على كاهل دافعي الضرائب مقدارها 150 مليار دولار، بما معناه ارتفاع كلفة الاستدانة بواسطة الاصدارات).
 
والواقع ان الازمة تتجاوز ذلك بكثير. وقد قال رئيس البنك الدولي ان الولايات المتحدة تلعب بالنار، وهو يقصد طريقة تعاطيها وتسويتها المستهترة مع أزمة ديونها وربطها بحجم انفاقها العام.
 
هل تستطيع الولايات المتحدة تجاوز أزمة مديونيتها؟
 
عديدة هي الدول التي استطاعت التغلب على عجوزات موازناتها وتحولت من دول عجز الى دول مقتدرة بل وحتى الاستثمار في شراء ديون دول اخرى. وتقدم لنا البرازيل وتركيا مثالين جيدين في هذا الصدد. ولاشك ان الولايات المتحدة تستطيع حل هذه المشكلة، بشرط تواضعها والتسليم بحقيقة أفول طاقاتها على الاستمرار في لعب دور شرطي العالم وتحمل تكلفته ومنها على سبيل المثال لا الحصر، انها تنفق 12 مليار دولار شهريا على قواتها المرابطة في العراق وأفغانستان، أي 144 مليار دولار سنويا، في حين انها تحتاج الى 6 مليارات دولار سنويا فقط لصيانة طرقها.
 
 

اقرأ المزيد

لماذا الهجوم على قوى التيار الوطني الديمقراطي؟


هناك من الكتَّاب من أدمن تسطير المقالات هجوماً مستمراً واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان على تنظيمات الحركة الوطنية عموماً، وتنظيمات التيار الوطني الديمقراطي خصوصاً، وعلى الأخص منها كان لتنظيم جمعية العمل الوطني الديمقراطي وأمينه العام الموجود في محبسه الآن إبراهيم شريف السيد، حصة لا يُستهان بها من ذلك الهجوم.
 
هذه الهجمات المنظمة والمتناسقة التي توحي بأنها كانت تكتب من على طاولة واحدة، لم تكن وليدة أحداث 14 فبراير/ شباط وما تلاه وحتى الآن، بل هي سابقةٌ لذلك بكثير. وبدايتها لم تتجاوز بداية فترة العمل السياسي العلني كثيراً، بل هي بدأت مع بداية تلك التكوينات العلنية للتنظيمات السياسية. الآن وبعد 14 فبراير وحتى الآن ازدادت الحرب ضراوةً على كافة تيارات الحركة الوطنية وتجمعاتها، وكان لقوى التيار الوطني الديمقراطي حصة الأسد من هذا الهجوم.
 
إن ما يمارس من بعض الأقلام ضد قوى التيار الوطني الديمقراطي وشخوصه وجمعياته السياسية لا يندرج بأي حال من الأحوال تحت بند النقد لتقويم ممارسات هذا التيار ونقد أخطائه، بل يندرج تحت بنود التخوين والتسقيط والعمالة والذيلية.
 
ليس من المستغرب من بعض الأقلام التي أدمنت الهجوم على قوى المعارضة بشكل عام وعلى قوى التيار الديمقراطي بشكل خاص، أن تزداد ضراوةً في هجومها، فهي أقلامٌ لم تجد طوال 365 يوماً أو 366 يوماً، (حسب عدد أيام شهر فبراير هل هي 28 يوماً أم 29 يوماً) إلا تسخير أقلامها لهجمات مستمرة ليس لديها بديل تكتب فيه. كلها تعزف لحناً واحداً متفقاً عليه، لدرجة أصبحنا نشعر أن هناك أداة ما تخطط لما يكتب، بل وربما تُمليه ليُسطَّر بأقلام الآخرين.
 
إلا أن الذي اُستجد على الساحة الآن هو أن تنبري أقلام جديدة، ولكنها ليست مثيلة للأقلام التي ألفناها، بل لم يكن متوقعاً منها أن تقوم بما قامت وتقوم به. تلك الأقلام منهجها وخطها وإيديولوجيتها وتفكيرها من منبت فكر وإيديولوجية التيار الوطني الديمقراطي بمختلف تلاوينه، بل إن بعضها يعدّ من عتاة اليسار الماركسي؛ لذلك هي محطّ الاستغراب بل والاستنكار فيما ذهبت إليه من مذاهب.
لستُ هنا في معرض الدفاع عن جميع مواقف وممارسات قوى التيار الوطني الديمقراطي، لديّ ولدى آخرين ولدى الإخوة الذين أشرت إليهم وهم من صلب التيار الوطني الديمقراطي الكثير من المآخذ والانتقادات لجمعيات التيار الوطني الديمقراطي، ربما كتبت عن بعضها وتحدثت مع الكثيرين حولها، لكن المآخذ والانتقادات يجب أن تطرح في أماكنها وفي أوقاتها الصحيحة، وألا تأخذ طابع الضغينة وتصفية الحسابات.
 
يجب علينا طرح ما نرى أنه يحتاج إلى تقويم بشكل صحيح، بعيداً عن التحريض والاتهام والكراهية. الإخوة الذين أشير إليهم كنا نتمنى أن نراهم يتقدمون الصفوف في وسط التيار الوطني الديمقراطي وفي وسط الناس ليُقوّموا ويصوّبوا ما يرونه خطأً وانحرافاً وطنياً، وهذا حق لهم.
 
إن الأمر الأكثر استغراباً أن ينحرف هؤلاء الإخوة ليكون بديلهم تبني خيار آخر، بعيداً عن الإيديولوجية التي آمنوا ويؤمنون بها والخط الفكري الذي يدعونه، بل إن بعضهم أصبح عضواً في تنظيم سياسي مناقض أساساً لفكرهم وإيديولوجيتهم، في الوقت الذي يصبّون فيه جام غضبهم على التنظيمات السياسية المنبثقة أساساً من التنظيمات التاريخية التي ناضل هؤلاء الإخوة في صفوفها تاريخياً.
 
إنه لأمرٌ مؤسفٌ ومحزنٌ أن نجد لدى هؤلاء الإخوة مسعى يهدف إلى تقزيم التيار الوطني الديمقراطي والحطّ من قدره عبر الهجوم عليه وعلى قياداته في محاولة للتقليل من شأنها والعمل على تسقيطها.
نتمنى ونأمل من هؤلاء الإخوة أن يجلسوا مع أنفسهم جلسة صدق ومصارحة مع الذات ليسألوا أنفسهم سؤالاً صريحاً: هل الدور الذي يقومون به يتسق وتفكيرهم الذي بِاسمهِ الآن يهاجمون جمعيات التيار الوطني الديمقراطي وقياداته؟ ربما يتوصلون إلى إجابات تجعلهم يعيدون تقويم مواقفهم وآراءهم، مع احتفاظهم بكامل حقهم في الانتقاد البناء لأداء قوى هذا التيار بما يخدم ويساهم في بناء وطن حرٍ، وشعب سعيدٍ، ووطنٍ لا يرجف فيه الأمل.
 

صحيفة الوسط البحرينية –  06 سبتمبر 2011م

اقرأ المزيد

صرخة في الظلام – محمد فهد القحطاني


بتاريخ 10/8/2011 كتب الأستاذ جابر الحرمي رئيس تحرير جريدة الشرق تحت هذا العنوان «رسالة إلى الأشقاء في البحرين ما يلي «أن دولة قطر وعلى الدوام أكدت «ومنذ انطلاق قناة «الجزيرة» الإخبارية العربية في نوفمبر 1996، أن القناة مستقلة، ولا دخل لها في سياستها التحريرية، ولا تعبر عن السياسة أو التوجهات القطرية، ومنحت القناة الحرية والاستقلالية الكاملة».

قد يكون هذا الأمر مستغربا وغير مألوف في العالم العربي، الذي تعود لعقود من الزمن على الإعلام الرسمي، وأنه لا يمكن لأي وسيلة إعلام أن تنطق إلا بتوجيهات وبموافقات من الجهات الرسمية، والنظام السياسي في البلد الذي تصدر أو تبث منه، وهو ما شكّل في حالة «الجزيرة» ظاهرة غير مألوفة، في وسط إعلام يسبح باسم النظام العربي، ويلفه التقليد، ونسج عليه العنكبوت».

وأنا في مقالي هذا لن أخوض طويلا في موضوع النزاع، ألا وهو بث قناة الجزيرة الإنجليزية الفيلم الوثائقي المسمى «صرخة في الظلام»، وردود بعض الأقلام البحرينية عليه، لأنني أعتقد أن قناة الجزيرة لم تنتهك حرمة البيت البحريني، ولم تستدعِ الخيال وتعرضه على المشاهدين بديلا عن الواقع، وإنما هي قامت بعرض الصورة كما هي حادثة على أرض الواقع، وعتبنا على قناة الجزيرة يتلخص في كون العرض تأخر جدا عن تاريخ الحدث، وكنا نتمنى على الجزيرة ألا تأخذها في نقل الحراك السياسي الشعبي في البحرين لومة لائم، وأن تواكب صراخ الشعب البحريني بشكل فوري، كما فعلت من قبل مع الثورة التونسية والثورة المصرية، وكما فعلت من بعد مع الثورة الليبية والثورة السورية، لأنها بدون ذلك تفقد مصداقيتها وجدارتها التي اعترف بها القاصي قبل الداني، وتخسر من رصيدها لدى الجماهير العربية التي أمنت برسالتها..

إن ادعاء أن ما حدث في البحرين فتنة طائفية وحرب أهلية وصراع بين أطياف المجتمع البحريني دعوى تفتقر إلى الدليل، ولا بينة عليها إلا تصريحات الإعلام البحريني الرسمي وخطب الحكومة وبياناتها، لأن الأمر في حقيقته مظاهرات سلمية في غالب أحداثها قام بها الشعب البحريني أو على الأقل فئة لا يستهان بعددها منه للمطالبة بحقوق مشروعة في اقتسام السلطة والثروة، والمشاركة الجادة في أحداث الوطن، وهو أمر حدث في أكثر من مكان، وفي كذا موطن في الوطن العربي الذي عشش الفساد السياسي فيه وفرخ،، فلماذا نراه حقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في دمشق وطرابلس والقاهرة وصنعاء، ونعتبره في الجارة المملكة وسواس شيطان ومؤامرة دولية، هل هناك مدينة فاضلة حتى نقرر ومنذ البداية أن الحراك الشعبي في مملكة البحرين نزعة إبليسية تحتاج إلى الردع السريع من قبل الجميع، وتستحق حشد الجهود وجمع الأدلة بالحق والباطل حتى نتمكن من تسفيه أحلام هذه الفئة من الشعب البحريني؟ وللأسف أن هذا التعتيم المتعمد على ما يحدث هناك وتبني وجهة النظر الحكومية من أول يوم في الأحداث كان ديدن غالبية الأقلام الخليجية، لهذا كان من الضروري للمشاهد العربي أن يصل إلى سمعه صراخ الطرف الضعيف في المعادلة البحرينية حتى لا يكون شاهد زور على ما يحدث هناك من حراك شعبي يطالب بشكل سلمي بنصيبه في المشاركة في صنع مستقبل وطنه، واعتباره مواطنا كامل المواطنة، له من الحقوق وعليه من الواجبات ما للآخرين من أطياف المشهد السياسي البحريني من حق وما عليهم من واجب..

وإنما عتبي الكبير على الأقلام القطرية التي أرادت أن تدافع عن الموقف الرسمي القطري في موضوع بث الفيلم الوثائقي بادعاء يخالف الواقع ويقلب الحقائق رأسا على عقب، ويفقد الحكومة القطرية أقوى موقف مشرف لها في موضوع الثورات العربية، ألا وهو السماح لقناة الجزيرة الفضائية بالمشاركة في صنع حدث انتصار الشعوب العربية على جلاديها، نعم إن القول بأن قناة الجزيرة نبت شيطاني في أرض قطر لا يد للحكومة القطرية ولا شرف لها في ما وصلت إليه من تميز فاق من أتى قبلها من إعلام عربي، وأتعب من يحاول السير في طريقها من بعدها،، قول يجافي الحقيقة، لأن قانون إنشاء قناة الجزيرة الفضائية رقم «1» لسنة 1996 يعتبرها مؤسسة عامة مستقلة ذات شخصية معنوية مادة «1»، ويتولى مجلس الإدارة فيها رسم السياسة العامة للمؤسسة، والإشراف على تنفيذها، ويكون مسؤولا عن أعماله أمام مجلس الوزراء مادة «4»، ورأس مال المؤسسة مملوك بالكامل للدولة مادة «19»، ولمجلس الوزراء أن يصدر توجيهات عامة إلى مجلس الإدارة بشأن ما يجب عليه اتباعه في الأمور المتعلقة بالسياسة العامة للمؤسسة، وعلى مجلس الإدارة التقيد بهذه التوجيهات مادة «8»..

ولم يتم تعديل الشكل القانوني للشبكة ككل من مؤسسة عامة مستقلة إلى مؤسسة خاصة ذات نفع عام إلا بموجب القانون رقم «10» لعام 2011 الصادر في نهاية شهر مايو الماضي.. انظر: جريدة الشرق الصفحة الرئيسية والصفحة الثالثة بتاريخ 12/يوليو/ 2011..

نعم إن قناة الجزيرة الفضائية ليست تجسيدا للشيطان في أرض طاهرة يستحق الرجم من قبل الأقلام القطرية، وإنما هي توجه مشرف للسياسة القطرية لنصرة المستضعفين في الأرض، فلماذا تقوم الأقلام القطرية باسترضاء الآخرين على حساب شيطنة أنجح مشروع عربي في العقود الأخيرة بادعاء أن قناة الجزيرة الفضائية لقيط يعيش على أرض ليست لأبوه وأمه،، يحق لنا الاعتزاز بكون قناة الجزيرة الفضائية نبت زرعه أمير الحرية باقتدار، وحصدت ثماره الجميلة الشعوب العربية المغلوبة على أمرها..

نحن لا نتنكر ولا نخجل من الدور الكبير الذي قامت به قناة الجزيرة الفضائية في زعزعة أركان الطغيان العربي، وفي رفع سقف الإعلام الحر وإعطاء حرية التعبير زخمها التي تستحقه، وإنما غاية المنى أن تستمر قناة الجزيرة في ذلك، وأن تتعامل مع حراك الشعوب العربية على قدم المساواة، فليس من المستساغ أن تصل خيرات الإعلام الحر إلى طرابلس وبنغازي ودرعا وجسر الشغور، وإخواننا في الجوار يقطع عنهم الإرسال، وذلك لأن الأقربين أولى بالمعروف، وحق الشعوب في تقرير مصيرها لا يختلف هنا عن هناك..

وزبدة القول إن عرض الفيلم الوثائقي «صرخة في الظلام» لا يعدو أن يكون إلا تطبيقا للحديث الصحيح الذي قال فيه الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- «أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».

فلما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم – قال الصحابة يا رسول الله كيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجره عن الظلم..
وذلك لأن الظلم الواقع على الشعوب هو أول الطريق لسقوط الأنظمة، فإذا كنا لا نزال نقيم لهذه الأنظمة وزنا ولها من رصيد التقدير شيئا يذكر عندنا، فإن الواجب علينا الأخذ على يديها وتنبيهها للخطر الذي تسير فيه بانتهاكها الحقوق المشروعة لمواطنيها قبل أن تقع الفاس في الراس ولات حين مناص..

أما الزعم بأن الأمور في الشقيقة المملكة البحرينية عال العال وفوق هام السحب، وأن ليس هناك تحت الدخان نار فليس في مصلحة أحد، لا الحكومة البحرينية ولا الشعب هناك، ولا حتى في مصلحة الجوار، وعلى رأسهم طبعا دولة قطر..  والسلام .
 
محمد فهد القحطاني
العرب القطرية
5 سبتمبر 2011
 

اقرأ المزيد

الديمقراطية أولاً.. والباقي تفاصيل – سعيد ناشـيد


لعلها المرة الأولى، منذ عهود وحقب، حيث قررت الشعوب العربية أن تهب قاطبة للثورة على حكامها العرب ومطالبتهم بالرحيل عن السلطة. ولأول مرّة يكون المطلب الشعبي هو إسقاط الاستبداد السياسي، بدءاً برحيل الحاكم المستبد وانتهاء بمحاكمته ومحاكمة أزلامه.
 
بالاستنتاج الواضح والصــريح، فقد طرأ انقــلاب جذري وغــير مسـبوق في الوعي العربي، وأصبحنا أمام منطلقات نود أن نعرضها هنا من باب تنبيه بعض الغافلين:
 
* ما عاد بالإمكان اليوم تحقيق أي نمو دائم أو تنمية مستدامة داخل أي بلد عربي، على حساب حرية المواطن وكرامته. وهذا هو درس الثورة التونسية.
 
* ما عاد بالإمكان قيام أي أمن أو هدنة أو سلام على حساب حرية المواطن وكرامته. وقد كان هذا درس الثورة المصرية.
 
* ما عاد بالإمكان ضمان الوحدة الترابية لأي بلد عربي على حساب حرية المواطن وكرامته. وهكذا كان درس الثورة في اليمن.
 
* لكن، أيضاً وصدقاً، ما عاد بالإمكان دعم المقاومة أو الممانعة على حساب حرية المواطن العربي وكرامته. ولعله درس الثورة السورية.
 
ليس هذا هو الدرس الأخير، فلثورات الشارع العربي دروس أخرى كثيرة، هي في الغالب دروس للجميع: فقد اعتقدت إسرائيل طويلا، ومعها أصدقاؤها في الغرب، أن استبدادا عربيا يكون صديقا حليفا لها، مثلما كان عليه حال مصر حسني مبارك، خير من صداقة مع ديمقراطية غير مضمونة النتائج، مثلما هو الحال مع تركيا.
لكن في المقابل، كثيرا ما اعتقدت المقاومة أن دعمها من طرف نظام عربي مستبد، يضمن استقرارا في المواقف، مثلما هو الحال في سوريا الأسد، خير من دعمها من قبل نظام ديمقراطي قد تتغير أحواله بين انتخابات وأخرى، مثلما قد يحدث في إيران تبعا للحراك الانتخابي.
 
وبالجملة كانت كل الحسابات السياسية خاطئة؛ ما دامت قد أهملت الأساس، والأساس هو حرية الفرد وحقوق المواطن وكرامة الإنسان، وهذا درس للجميع.
 
من الآن فصاعدا، ستحتاج كل المشاريع والرهانــات والمواقف والخيارات، سواء كانت تنموية أو تحرّرية أو وحدوية، إلى المشروعية الديمقراطية.
 
ومن الآن فصاعدا، ستكون الديمقراطية أساس كل مشروعية سياسية في العــالم العربي، بل لعلها ستكون أساس كل تأسيس أخلاقي للسيـاسة، لأن السياســة ما لم تقم على مسؤوليات سلوكية والتزامات أخلاقية واختيارات قيمية تحـظى بقدر من الموافقة، فإنها تصبح مجرد مكر يمارسه الـساسة، ودسائس تنــفذها الأجهزة، وحيل يقترحها النصحاء، وتلك هي أزمة الفكر السياسي الإسلامي منذ القدم إلى اليوم.
 
وبالمحصلة، كأوراق الخريف تتساقط الأنظمة العربية المحافظة والعلمانية، المعتدلة والممانعة، الغنية والفقيرة، ما دامت تفتقد في الغالب الأساس. والأساس هو حرية المواطن العربي وكرامته.
 
انتهت أهم الدروس الآن. وآخر القول ما سنقول:
الذين يقولون التنمية أو معدلات النمو أولا، والذين يقولون الأمن أو الأمان أولا، والذين يقولون المساومة أو التسوية أو السلام أولا، والذين يقولون المقاومة أو الممانعة أو التحرير أولا، والذين يقولون الإصلاح الثقافي أو الديني أولا، لكل هؤلاء نقول: الديمقراطية أولا والباقي تفاصيل.
 
 
الكاتب : سعيد ناشيد / كاتب وباحث ـ المغرب
صحيفة السفير 3 سبتمبر 2011
 

اقرأ المزيد

سقوط نظام الدومينو العربي ومستلزمات الحفاظ على الانجاز / د.عامر صالح


لقد سقط النظام العربي الرسمي أشبه بأحجار الدومينو التي يتكأ بعضها على بعض حيث سقوط الحجرة الأولى ثم يفرط العقد كله, تلك هي سنة الحياة في التغير والتحول والتطور بعد تراكم من الظلم والحرمان دام لعقود ولابد له أن يفضي إلى تحول نوعي في المحتوى وفي الشكل والممارسة السياسية, أي إلى نظام بديل يختلف عن سابقه في الوظيفة والأهداف الكبرى, وكان هذا السقوط رغم مفاجئته للكثير من حيث سرعة نتائجه المتمثلة في سقوط بعض من هذه الأنظمة وتدهور بعضها الآخر على طريق السقوط , إلا انه لا يشكل أي مفاجئة استثنائية من منظور علم الثورة, والمفاجئة فقط هي من حيث الحشود المليونية التي تقف وراء عمليات التغير الجارية في ظل غياب أو ضعف الطلائع السياسية التي يفترض أن تحتوي الحدث بكل تداعياته وتهيئ لمرحلة ما بعد السقوط, وتمنع حدوث الفراغ السياسي والأمني باعتباره الشرط اللازم للحفاظ على الثورة من الانهيار ومنعها من العودة إلى المربع الأول !!!!.

أن علم الثورة يؤكد أن الثورة تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في إطار تطور المجتمع, تؤدي إلى وجود تناقضات أساسية تتحدد في التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج وشكل التملك الخاص, ويؤدي ذلك إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذي يمارس من قبل فئة قليلة مالكة, وهي في بلداننا تشكل النظام وحاشيته ضد الشرائح الواسعة من الشعب, وتؤدي هذه التناقضات إلى أزمة سياسية عميقة تحمل معها نشوء حالة ثورية تتجسد بنشاط الجماهير السياسي الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل المظاهرات والاجتماعات المعبئة والاعتصام, وان الحالة الثورية هي تعبير عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهي تمثل ذروة تفاقمها !!!.

كما أن الثورة هي أسلوب من أساليب التغير الاجتماعي تشمل الأوضاع والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعملية التغير لا تتبع الوسائل المعتمدة في النظام الدستوري القديم للدولة وتكون جذرية وشاملة, تؤدي إلى انهيار النظام القائم وصعود نظام جديد ويفترض أن يكون تقدمي قياسا بسابقه, ويترتب على نجاح الثورة سقوط الدستور وانهيار النظام الحكومي القائم ولكن لا تمس شخصية الدولة ومؤسساتها وكادرها في مختلف المجالات, ولا تؤدي إلى إنهاء العمل بالتشريعات السابقة عليها بطريقة فوضوية, وخاصة الايجابية منها وذات الصلة بالحياة العامة, فليست كل ما في النظام القديم هو بالي ويستحق السحق والإبادة, فهذا نوع من السلوك ألتدميري للدولة برمتها وإعاقتها من العمل مجددا !!!.

ويؤكد الإرث العالمي للثورات والتجربة التاريخية على أهمية توحيد القوى الثورية المنتفضة وتنظيمها وأهمية العوامل الذاتية في توعية الجماهير وقيادتها. وتشكل وحدة الظروف الموضوعية والذاتية القانون الأساسي للثورة, كما تؤكد على ضرورة الحفاظ على مسار الثورة من الانحراف, ومنع قطف ثمارها من قبل سارقي الثورات المتمرسين, من المتطرفين بمختلف مشاربهم الدينية والسياسية, والذين يعيشون على فتات موائد الثورة, مستغلين مشاعر الناس وخاصة البسطاء منهم من خلال الشعارات الطنانة الفارغة واستغلال الشعور الجمعي الديني ووضعه في حالة تصادم مع النظام الجديد كمبرر للانقضاض على حركة الجماهير وحرف وجهتها التقدمية صوب أهداف مجهولة عديمة الجدوى اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا !!!!.

لقد استندت الحكومات العربية الساقطة منها والتي في طريقها للسقوط إلى رؤيا كاذبة ومراوغة, قوامها أن بعض المهام التاريخية لا يمكن انجازاها إلا تحت ظل حكومات الحزب الواحد, ومنها أن عملية التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية لا يمكن انجازها إلا بتعبئة لكل طاقات المجتمع وموارده, وهذا يتطلب وجود حزب واحد أوحد قادر على ذلك, ينظم حركة الجماهير و يغرس فيها قيم التنمية, إلا أن نتائج ” التنمية” وما أفرزته لعقود من تزايد للفقر والجوع والأمية وضعف الخدمات الاجتماعية وانتشار للبطالة وانخفاض مستوى دخل الفرد وتدهوره يدحض ذلك الادعاء, أما ادعاء حماية الوحدة الوطنية تحت واجهات عدم الضرورة للتعددية الحزبية باعتبارها تهدد الوحدة الوطنية والدولة فهي كاذبة جملة وتفصيلا, حيث عرضت حكومات الحزب الواحد العربية الوحدة الوطنية إلى مزيدا من التصدع مما فسح المجال للتدخلات الأجنبية عسكريا وسياسيا, كما أن اغلب نظم الحزب الواحد ارتمت بأحضان الاستعمار وحلفائه وأسرفت في الحوار معه في السر والعلانية وبطرائق مباشرة أو غير مباشرة, كما هو الحال في الحوار مع إسرائيل وحلفائها من الدول الكبرى !!!!.

لقد مرت على سلطة حكومات الحزب الواحد عدة عقود تجاوزت في العديد منها نصف القرن أو أكثر وهي تتخبط في الحلول في ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية دون جدوى ودون نتائج تذكر قياسا بعامل الزمن الذي استطاعت فيه الحكومات الديمقراطية الحق انجاز الكثير من الاستقرار السياسي وبناء ديمقراطيات راسخة ورفاه اجتماعي واحترام لحقوق مواطنيها في العيش الكريم !!!.

أن زمن قطف رؤوس النظم الدكتاتورية قد حان اليوم بإرادة الشعوب العربية الثائرة, وان سقوطها مسألة وقت ليست إلا, ويبقى الحفاظ على نتائج الثورة واستمرارها مهمة في ذمة الثوار كما هي في ذمة الطلائع السياسية التي يجب أن يكون لها دورا متميزا في التغيرات الجارية. فالحفاظ على وحدة الوطن وترابه ومؤسساته وأمنه ومنع الوصايا عليه من الخارج أو الداخل ومنع الحرب الأهلية هي ثوابت لا يمكن المزاح أو التلاعب بها, ففي ذلك تكمن كرامة الوطن وكرامة الثوار !!!!.
 
الكاتب: د.عامر صالح
كاتب عراقي – موقع الناس
الخميس 1 سبتمبر 2011

اقرأ المزيد

الفساد إن وجـد… !


لعلها مصادفة ان يأتي توجيه سمو رئيس الوزراء بإنشاء جهاز لمكافحة الفساد بمختلف صوره وأشكاله في البحرين، بعد يوم واحد فقط من الإعلان في الكويت عن أمر أميري بإنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد ذكر بانها «ستعنى بانضباط جميع الأعمال والأنشطة الحكومية ومحاربة الفساد المالي والإداري، وفق معايير النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص التي تحقق العدالة»، وكما ان ذلك ايضا جاء بعد شهور قليلة من إنشاء هيئة وطنية سعودية هي أيضا مستقلة، صدر أمر ملكي بتأسيسها في أواخر شهر مارس الماضي، عهد اليها بحماية المال العام وتعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد والكشف عن التجاوزات في عقود الأشغال العامة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام.
 
نتمنى ان يعني ذلك ضمن ما يعنيه بان قيمة المساءلة سوف تنل حظها المطلوب واللازم في ساحة الأداء العام، وبان ثمة توجها خليجيا في المنطقة يجعل محاربة الفساد شأنا حيويا مقرونا بما يثبت الجدية والعزم والحسم والإرادة وكل ما يمضي بنا إلى نشر ثقافة عدم التسامح مع الفساد، حيث بات علينا على الدوام ان ندرك بأنه ما من تنمية في ظل تفشي الفساد، وما من إصلاح في أي مجتمع لا يضع محاربة الفساد في صدارة أولوياته. وربما هو خطأ جسيم ألا نلاحظ بان مطلب محاربة الفساد أصبح اليوم الأكثر حضوراً والأكثر تداولاً في البلدان العربية بوجه عام، وهو سبب النقمة والقاسم المشترك الذي أدى إلى تفجر الثورات في عدد منها. وعلينا ان نلاحظ بأنه لم يسبق لعبارة مثلها «محاربة الفساد» ان استعملت وانتشرت واستغلت وتم تداولها على أكثر من صعيد لأهداف نبيلة ومشروعة تارة، ولتغطية أخطاء وتجاوزات وإخفاقات تارة أخرى، وكشعارات سياسية محضة تارة ثالثة ولكن دون ان يؤدي ذلك الى نتائج فعلية ملموسة.
 
بالنسبة لنا في البحرين، نعلم بان المطالبة بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد لم تكن وليدة الساعة والظرف الراهن، بل هو مشروع جرت المطالبة به منذ عدة سنوات وطرح على بساط البحث والتداول في مناسبات كثيرة، وحتى في مجلس النواب، وجاءت مصادقة البحرين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2009 لتضاعف الاهتمام بإنشاء الهيئة التي علينا ألا ننسى بأنها من أهم أركان تلك الاتفاقية الواجب الالتزام بها.
 
ليس إنشاء هيئة وطنية بحرينية لمكافحة الفساد تتمتع بكامل الاستقلالية، وتمتلك كل الصلاحيات التي تجعلها هيئة فاعلة تقوم بواجبها على أكمل وجه، ليس وحده هو المطلوب، بل إضافة إلى ذلك فان المطلوب أيضا خطوات أخرى عديدة من ضمنها استحداث تشريع يلزم من يتولى المناصب والمراكز الحكومية العليا بالكشف عن ذممهم المالية، بجانب إصدار تشريع يحرم الكسب غير المشروع من قبل أي مسؤول أو موظف عمومي، ومطلوب أيضا قانون وتشريع يفي بمتطلبات فسخ أي عقد وسحب أي امتياز او إلغاء اي مناقصة، اذا كان الفساد او الرشوة عاملا في اي منها. كما من المطلوب ايضا تعديل قانون الميزانية العامة فيما يخص الإبلاغ عن الإيرادات والنفقات في حينها واعتماد نظم جديدة للتوظيف.
 
 قد يكون مهما ان نلفت الانتباه بان كل تلك الخطوات تقتضيه وتلزم به تلك الاتفاقية الدولية وكلها مهمة في أصلها ومنتهاها، ولعله من باب التنبيه والإحاطة بان إعادة الاعتبار لقيم النزاهة والشفافية والمحاسبة، كانت من ضمن التوافقات التي خرج بها الحوار الوطني، فالمطالبة بمحاربة الفساد وتطوير وتوسعة مهام واختصاصات ديوان الرقابة المالية والإدارية للحفاظ على المال العام، ووضع برنامج تنفيذي لتطبيق توصيات تقارير الديوان وإلزامه بتحريك دعاوى قضائية ضد المخالفين والمتلاعبين بالمال العام. وتنفيذ توصيات تقارير لجنة التحقيق البرلمانية بشأن أملاك الدولة والدفان، والأخذ بنظام الحوكمة في جميع الوزارات والهيئات الحكومية، عل ذلك إن تحقق يصب باتجاه إعادة الاعتبار لتلك القيم، من دون ان ننسى دور مؤسسات المجتمع المدني التي تلام ليس فقط على انعدام دورها في مجال محاربة الفساد، وإنما أيضا لغياب اي جهد من جانبها للارتقاء باتجاهات الرأي العام لمناهضة الفساد وإدانة الكثير من الممارسات الفاسدة، اما مجلس النواب فاللأسف لا نجد فيه حتى الآن الجدية الكافية، بل ولا المصداقية الكافية التي تجعله محاربا موثوقا به ضد الفساد، ولعل الصورة الكاريكاتورية التي خرج بها نواب كثر وهم يناقشون أكثر من تقرير لديوان الرقابة المالية دفعة واحدة وفي نهايات جلسة من جلسات مجلس النواب وعدم مردودية لجان التحقيق التي شكلت كفيل بان يجعل صورة النواب مهزوزة الى ان يثبتوا بانهم جديرون بتولي ملف الفساد.
 
المطلوب التأكيد على استقلالية هيئة مكافحة الفساد وعلى حسن اختيار من سيتولى دفة إدارتها وتحصين عملها ومنع التقول على أنشطتها وأعمالها .. وحتى لا نبقى نراوح في الدائرة التي توصلنا إلى خلاصة «الفساد إن وجد» ولكم أن تستنتجوا من هذا العبارة ما شئتم..!!

اقرأ المزيد

التنمية وتطوير التعليم ( 1 )


حول هذه العلاقة كتب الباحث شبل بدران موضحاً إذا كانت التنمية تعني نمو كل الإمكانات والطاقات الكافية في كيان معيّن بشكل كامل وشامل ومتوازن، سواء كان هذا الكيان فرداً أو جماعة أو مجتمعاً، وإذا كانت تعني أيضاً بأنها عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحقق رفعة الانسان وكرامته، فإن اهم محاور التنمية وأهدافها هو توفير الحاجات الأساسية للإنسان وتحريره وتنمية قدراته على المشاركة، سواء كانت هذه المشاركة في العمل أو في العائد من خلال التوزيع العادل للثروة. ومن هنا، يعتقد ان مفهوم التنمية القائم على المشاركة يتضمن ثلاث قضايا جوهرية لا بد من توافرها حتى يتوازن المجتمع ويستقيم في علاقاته الداخلية، وهي:
*معالجة الفقر من خلال مشاريع التنمية الريفية والحضرية وتوفير الحاجات الأساسية للمجتمع.
* توفير فرص العمل لكل فرد للمشاركة مع الجماعة في القيام بدور مقبول في عملية التنمية والعمل المفيد، ويعني بذلك المشاركة في إنتاج الدخل القومي وفي عائد هذا الدخل.
* تحقيق قدر إنساني من المساواة والعدالة الاجتماعية والقضاء على كل تفاوت اجتماعي واقتصادي بين الطبقات.
 
ان مفهوم التنمية الذي أشار اليه «بدران» اشتمل على أبعاد مجتمعية مهمة، ومع ذلك كما يقول تجاهل هذا المفهوم الظروف التاريخية التي أسفرت عن الواقع الراهن الذي يعيشه العالم الثالث، ومن اهم هذه الظروف تلك التي أدت إلى تقسيم العمل في النظام العالمي، مما خلق دولاً هامشية – دول العالم الثالث – تحيط بدول المركز – الدول المتقدمة صناعياً والنتيجة من وراء ذلك استغلال وهيمنة ، أي كل عائد التنمية في دول المحيط يذهب فيما وراء البحار إلى دول المركز.. وحفنة صغيرة من الصفوة المسيطرة من مواطني العالم الثالث. وفي ظل هذه الإشكالية اي إشكالية الاستغلال والهيمنة التي أخذت بعداً اقتصادياً بعد ان كانت لعقود طويلة تدخلات عسكرية استعمارية مباشرة تتعارض وبشكل واضح مع الأهداف والمصالح الوطنية.
 
على اية حال، يضعنا ” بدران ” أمام رؤى وأفكار من شأنها ان تساعدنا أو تضمن لنا الحلول والعلاجات المناسبة لإشكالية التنمية المزمنة، وبالتالي فإذا ما تحدثنا عن تلك الحلول والعلاجات نعتبر ما أشار إليه ولاسيما فيما يتعلق بربط قطاع التعليم بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية هو المدخل الرئيس لتجاوز الواقع التعليمي المتردي، ومن هنا يستطرد قائلاً: «وإذا كنا نستطيع رصد هذه العلاقة فإنها تبدو واضحة في بعض الدراسات التي تعمل على ربط قطاع التعليم بالواقع المعاش، وفي رأينا تكون الحلول لهذه الإشكالية القائمة هي العمل على تقديم حلول بديلة للازمة الفعلية». ويضيف «هذا الموقف يعتمد على أسباب وعوامل مبررات كثيرة.. موقف ينطلق من فشل التبعية لدول (العالم الثالث) بصفة عامة وفي مجال التربية والتعليم بصفة خاصة». وبذلك، يتضح ان الدور الأساسي الذي يجب ان يقوم به التعليم في الدول العربية يكمن كما يؤكد عليه «بدران» في عمقه، كما نرى ذلك في الربط الجدلي بين التعليم ومتطلبات الواقع المجتمعي والاجتماعي؛ وذلك لمواجهة المشاكل الكثيرة التي أصبحت تطوق الإنسان في هذه الدول. ومن هذا المنطلق، يعتبر الكاتب ان البحث في الدراسات عن الحقائق الاجتماعية وكشفها أصبح من الضروريات لتجاوز الأزمة الراهنة لكن من غير إغفال دور الإنسان المسؤول الواعي في عملية التنمية، وكذلك من غير إهمال الاستفادة من الأبحاث العلمية بصفة عامة. وعلى الضفة الأخرى، يؤكد أيضا على ان تحرير المجتمعات السائرة في طريق النمو من الهيمنة الإمبريالية ومن التبعية الخطيرة أصبح كما نراه واقعاً بالغ الأهمية..
 
من هذا الاقتناع يعتقد انه يصبح المتعامل مع هذه الإشكالية يقوم بالأساس على إيجاد حلول نسبية للتناقض الصارخ القائم بين «العالم المتقدم صناعياً وبين دول «العالم المتخلف»، ويتوزع هذا العمل كما يراه من المفكرين بين مهمات متعددة ومتميزة متشابكة ومتفاعلة كذلك.
 
الأيام 4 سبتمبر 2011
 

اقرأ المزيد