المنشور

ستظل البحرين الصدر الدافئ لأبنائها


ما كررناه  سابقا ونكرره هنا انه ثمة مفارقات تتجه نحو خلق المزيد من العقبات تضاعف من مشكلات البلاد الداخلية ونجزم ان الحوار الوطني الفاعل المبني على قاعدة الثقة لما فيه مصلحة الوطن يفتح افق الاختلاف لبلورة ما يمكن ان يدفع باتجاه استقرار وتقدم وازدهار البحرين التي كانت ولا تزال واحة واسعة خضراء تضم جميع مكونات واطياف هذا الشعب الطيب بمعنى هي الصدر الدافئ لأبناء هذا الوطن.

ولعلنا لا نبالغ حين تقول: ان البحرين التي تعد من ابرز الامثلة العربية على صعيد التعايش الطائفي والتعددية والتسامح والعيش المشترك قادرة على حل قضاياها الداخلية على طاولة الحوار الوطني وفي اطار المؤسسات القانونية والدستورية وبالتالي المشكلة في واقع الأمر تكمن أو ترجع في الأساس ليس فقط الى ضرورة توفر الحقوق والمطالب واستكمال النواقص وانما ايضا في التوجهات غير الوطنية التي تراهن على الاستقواء بالخارج وفي التحركات المرفوضة والمدانة التي تلحق الضرر بالسلم الاهلي والاجتماعي وتقصد بذلك تلك الاحتجاجات والتحركات غير السلمية وما نشاهده اليوم من عنف وتطرف وتعد على امن وسلامة وحرية المواطنين والمقيمين من خلال الاعمال التخريبية المتمثلة في سكب الزيت في الشوارع وسد الطرقات وحرق الاطارات وحاويات القمامة وهي ابلغ الامثلة على ذلك.

والذي يقرأ المشهد السياسي بكل تفاصيله يرى انه من الضرورة ان يدفع في اتجاه خيار المصلحة الوطنية وفي تعزيز التيار الوطني الديمقراطي المرتبط بالحداثة والتنوير فكراً وممارسة وثقافة وهو عماد المجتمع المدني في دعم السلطة المدنية الحديثة البعيدة عن الوصاية والحاكمية وسلطة ولاية الفقيه.

ولأهمية خيار المصالحة الوطنية لابد من الاشارة الى التيار الديمقراطي الذي أكد في بيانه الاخير الداعي الى سلمية الحراك السياسي ونبذ العنف والوسائل العنيفة التي لا تترجم سلمية اي حركة تطالب بالإصلاح «ان الوصول الى حل سياسي يمر عبر جسر العدالة الانتقالية التي تتخذ من المصارحة والمصالحة الوطنية سبيلاً للوصول الى جبر الضرر والافراج عن المعتقلين السياسيين وتعويض ضحايا الفترة الماضية والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا الى هذا النوع من الحلول مثل جنوب افريقيا والمغرب» وفي مقابل ذلك حث البيان ايضا الى نبذ الطائفية والى التمسك بالثوابت الوطنية المتمثلة في عروبة البحرين واستقلالها ووحدة اراضيها وانتمائها الاقليمي كجزء من الخليج العربي الذي يشكل تكوينه الجيوسياسي احد اقاليم الوطن العربي.

على أية حال اننا مطالبون اليوم كيف نجنب هذا الوطن مخاطر الانقسامات الطائفية والكل يعلم ما تمارسه اليوم بعض المنابر الدينية والاعلامية والاصوات المتطرفة هنا وهناك من مهمات مرفوضة تفضي الى المزيد من التفرقة في حين كما او ضحنا سلفا ان البحرين هي وطن للجميع وان توطيد امنها واستقرارها في تعايش اهلها في ظل الانفتاح والتعددية والبناء الديمقراطي الذي أكد عليه ميثاقنا الوطني وبكلام آخر في ما انجزناه من إصلاحات وتحولات معاصرة وان كانت في أمس الحاجة الى التراكم والتجذر وهذا يرتبط بالاساليب الوطنية السلمية لا بالعنف ولا بسياسة «التطنيش» التي لا تجدي نفعا.

وهذا بطبيعة الحال يحملنا مسؤولية وطنية كبرى خاصة في هذه الظروف التي تتعرض فيها البحرين الى أخطار خارجية ابرزها التهديدات الايرانية التي تسعى الى بسط نفوذها على دول المنطقة.
 
الأيام 19 نوفمبر 2011
 

اقرأ المزيد

فلسطين تنتظر الأفعال العربية


ما كادت السلطة الوطنية الفلسطينية تحصد أول نجاحات نضالاتها وتوجهها السياسي الجديد خارج لعبة المفاوضات القذرة، بحصول طلب دولة فلسطين على الأغلبية الكاسحة لأصوات الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) لنيل العضوية الكاملة في هذه المنظمة العالمية، حتى جُنّ جنون “إسرائيل” وقامت من حينها بشن واحدة من أشرس هجماتها الفاشية ضد الشعب الفلسطيني، شملت حتى الآن تجميد العوائد الضريبية الفلسطينية، وإغراق القدس الشرقية والضفة الغربية بدفعات جديدة من الكتل الاستيطانية، وشن هجمات قرصنة منسقة على أجهزة الكمبيوتر في الضفة الغربية لتعطيلها وشل حركتها وحركة الناس واقتصادهم وحياتهم الاجتماعية .
 
لقد حدث ذلك دفعة واحدة وبصورة متوازية، في أعقاب القرارات التي اتخذتها عصابة الثمانية المسماة الحكومة “الإسرائيلية” المصغرة برئاسة نتنياهو الذي لم يخف نواياه العدوانية حتى من قبل إجراء التصويت في (اليونيسكو) . ومن الواضح أن الأوامر قد صدرت إلى مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية “الإسرائيلية” التي تشكل عصب الدولة الصهيونية، وإلى المافيات الصهيونية عبر العالم، المسماة لوبيات، “للتحرك الفوري” لتوجيه ضربات مؤلمة هي عبارة عن رسائل تحذيرية للسلطة الفلسطينية، ومن خلالها إلى كافة أبناء الشعب الفلسطيني . وكان لابد للحكومة “الإسرائيلية” المصغرة التي أعطت الضوء الأخضر للتحرك، من أن تكون هي البادئة بالتحرك، حيث صوت أعضاؤها على قرار بالإسراع في إقرار مناقصة بناء ألفي وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين، منها 1650 وحدة استيطانية في القدس الشرقية – العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية – والباقي في عمق الضفة وثقلها السكاني العربي . وفي ذات الوقت قررت “عصابة الثمانية” تجميد تحويل حصة السلطة الوطنية الفلسطينية من العوائد الضريبية والرسوم الجمركية التي تجبيها “إسرائيل” نيابة عن السلطة الفلسطينية، (والله يا محلاها اتفاقات أوسلو!) .
 
قرار الحكومة “الإسرائيلية” المصغرة بتجميد صرف مستحقات السلطة الفلسطينية من حصتها في العوائد الضريبية والرسوم الجمركية، غير إنساني، لأنه يعني حرمان عشرات الألوف من الأسر الفلسطينية من مرتبات معيليها، وإحالة حياتهم إلى جحيم ضنك العيش . هذا العمل المشين لا يليق إلا بالعصابات وليس بالحكومات الرشيدة .
 
وبالتزامن، تصدر الأوامر من مركز تحكم صهيوني فيقوم الطابور الخامس من قراصنة الكمبيوتر في 20 بلداً حول العالم، بشنّ هجمات إلكترونية منسقة ضد مقاسم أجهزة الكمبيوتر في الضفة الغربية، ما تسبب في أعطال وأضرار غير معلومة القيمة .
 
“إسرائيل” جن جنونها هي وحاميتها وراعيتها الولايات المتحدة، لأن السلطة الوطنية الفلسطينية، في أول عمل نضالي لها خارج العباءة والوصاية الأمريكية منذ أوسلو، حققت اختراقاً نوعياً باهراً بحصولها على العضوية الكاملة في أولى المنظمات التابعة للأمم المتحدة (اليونيسكو) . فرغم التهديدات وحملة التخريب والتشويش التي شنتها واشنطن وتل أبيب للحيلولة دون تمكين الفلسطينيين من (اليونيسكو)، فإن فلسطين حازت في التصويت أصوات 107 دول أعضاء من بينها الصين والهند وروسيا والبرازيل وفرنسا، فيما اعترضت 14 دولة وامتنعت 52 دولة عن التصويت . إنه انتصار باهر لاشك في ذلك .
 
تصويت دول كبرى مع القرار أبطل مفعول تهديدات “إسرائيل” بمعاقبة الدول التي ستصوت على الطلب الفلسطيني، وكل ما ستفعله هو معاقبة السلطة الوطنية الفلسطينية و(اليونيسكو)، حيث أكدت الحكومة “الإسرائيلية” أنها ستوقف مساهمتها المالية في (اليونيسكو) وستمنع بعثاتها من زيارة “إسرائيل” .
 
الآن، هل كل هذه الأعمال الثأرية الإجرامية “الإسرائيلية” مأخوذة في حسبان السلطة الوطنية الفلسطينية؟
 
بكل تأكيد، فهذا على  الأقل ما أفادت به المواقف المتكررة للقيادة الفلسطينية التي كانت تدرك منذ البدء عواقب خيار النضال الوطني التحرري، على الأقل من “حزمة” التهديدات والإجراءات الأمريكية و”الإسرائيلية” التي ماانفكت تنهال على السلطة لثنيها عن هذا الخيار وإرغامها على العودة إلى مهزلة دوامة التفاوض القاتلة .
 
إنما السؤال الأهم الذي يطرحه السؤال الأول هو: هل الحكومات العربية ستتفرج على استفراد أمريكا و”إسرائيل” بالسلطة وتصعيد إجراءات الانتقام منها، أم ستهب لنجدتها وتقديم يد العون والمساعدة لها لتمكينها من مواصلة مشوارها في الأمم المتحدة لانتزاع حقها في العضوية الكاملة في المنظمة الدولية؟
 
نعلم أن جميع الدول العربية شجعت ودعمت السلطة الوطنية الفلسطينية للسير قدماً في طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ويبقى أن تحول هذا الموقف إلى فعل، فهذه فرصة لا تتكرر دائماً لإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي في سلم اهتمامات الأسرة الدولية .
 
18 نوفمبر 2011

اقرأ المزيد

مفارقة الغالبية العاجزة!


الغالبية النيابية في أي نظام برلماني ديمقراطي هي غالبية عدد النواب المنتخبين ديمقراطيا من الشعب التي تتشكّل منها الحكومة وتحظى بثقتها ودعمها، فيما الأقلية النيابية تمثّل كتلة أو كتل نواب المعارضة… وتسقط الحكومات في البلدان ذات النظم البرلمانية الديمقراطية عندما تفقد غالبيتها النيابية، ولكن في الكويت الأمر مختلف تماما في ظل “دستور الحدّ الأدنى” وفي ظل النهج السلطوي المهيمن، ناهيك عن واقع الإفساد الذي تعرّض له مجلس الأمة، بحيث أصبح ملحقا بالحكومة وفَقَدَ القدرة على ممارسة سلطته الدستورية المقيّدة والمحدودة!
 
المفارقة في الكويت أنّ هناك الآن اصطفافا سياسيا واسعا يدعو إلى رحيل مستحق وعاجل للحكومة الحالية ورئيسها؛ وهو اصطفاف يشمل من بين مَنْ يشمل أطرافا تقليدية محافظة مقرّبة من السلطة مثل تلك المجموعة المسماة “مجموعة الـ 26” بعد إصدارها بيانها الأخير الداعي إلى رحيل المجلس والحكومة معا… ولدينا قبل هذا حراك سياسي وشعبي وشبابي يدفع بقوة نحو هذا الاتجاه، بل لدينا في الكويت، وهنا المفارقة الغريبة العجيبة، غالبية نيابية تضم نحو 26 نائبا يمثلون ما نسبته 52 في المئة من إجمالي عدد النواب المنتخبين في مجلس الأمة أعلنوا مواقف واضحة في اتجاه رحيل الحكومة ورئيسها، أي لقد أصبحت الحكومة ورئيسها من دون غطاء نيابي تمثّله الغالبية من أعضاء مجلس الأمة، ناهيك عن الاصطفاف المعارض خارج المجلس، ومع ذلك كله فإنّ الحكومة ورئيسها مستمران في مواقع السلطة والقرار ويتصرفان وكأنّ شيئا لم يكن!
 
المفارقة الأخرى أنّ النواب الموالين والممولين حكوميا يقلّ عددهم عن نصف عدد أعضاء مجلس الأمة، بحيث لم يعودوا يشكلون عدديا الغالبية النيابية، ومع ذلك كله فإنّهم يصفون أنفسهم بالغالبية النيابية ويتصرفون كذلك… وفي واقع الحال فإنّ هذه “الغالبية النيابية الموالية الممولة حكوميا” التي هي أقلية عددية هي مَنْ يقرر مسار أي قانون يمكن أن يقرّه مجلس الأمة أو يرفضه أو يجري تعديلا عليه، وهي التي تقرر موعد مناقشة أي استجواب أو تأجيله إلى آماد زمنية بعيدة، وهي التي تستطيع أن تحيل أي استجواب نيابي إلى “لجنة الشؤون التشريعية والقانونية” في المجلس لتقرر رأيها المتوافق مع الحكومة حول مدى انطباق الشروط الدستورية عليه، خصوصا في حال الاستجوابات التي جرى توجيهها إلى رئيس مجلس الوزراء أو تلك التي سيتم توجيهها إليه، وتحديدا استجواب فضيحة الإفساد السلطوي للنواب المسماة فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لعدد من النواب!
 
السر في هذه المفارقة الغريبة للغالبية النيابية الحقيقية العاجزة والأقلية النيابية الموالية الممولة التي تتحكم في قرارات مجلس الأمة يكمن في العيب البنيوي الخطير والمنافي للمبادئ والأسس الديمقراطية في “دستور الحدّ الأدنى”، دستور 1962 الذي منح الوزراء من غير النواب المنتخبين شعبيا عضوية مجلس الأمة بحكم وظائفهم، بينما كان الأصل في مشروع الدستور قبل تعديله وإقراره، هو عدم منحهم العضوية وعدم مشاركتهم في التصويت مع حقّهم في حضور جلسات مجلس الأمة والمشاركة في الحديث… وبذلك أصبح يكفي أن تضمن الحكومة أصوات 17 نائبا مواليا لها أو ممولا منها لتمتلك الغالبية داخل المجلس، حتى وإن صوّتت الغالبية الساحقة من النواب المنتخبين ضدها، بل حتى إذا بلغ عدد نواب المعارضة 31 نائبا وليس 26 نائبا فقط مثلما هو عددهم الآن!
 
باختصار، لدينا وضع دستوري غير ديمقراطي يجعل الغالبية النيابية المنتخبة غير المرتبطة بالحكومة عاجزة عن الفعل، فيما الحكومة المدعومة من الأقلية النيابية الموالية لها والممولة منها هي التي تمتلك أدوات “اللعبة البرلمانية الشكلية” والممسكة بخيوطها… ويضاف إلى ما سبق نهج سلطوي مهمين وإفساد متعمّد للمؤسسة النيابية، ما يعني باختصار أنّ هناك انسدادا في المسار البرلماني يمثّل عائقا أمام ليس فقط أمام مساءلة رئيس مجلس الوزراء المحصّن، حتى وإن فَقَدَ الغالبية النيابية، وإنما هو انسداد يشكّل عائقا جدّيّا أمام التطور الديمقراطي للكويت ما دامت موازين القوى مختلة؛ مثلما هي عليه الآن لغير صالح الاتجاه الديمقراطي!
 
 جريدة عالم اليوم - 3 نوفمبر 2011
 

اقرأ المزيد

الحراك الشعبي… بين عدالة المطالب وشبهة الطائفية

 

 


بعض الكتابات التي تناولت «الثورات» أو «الانتفاضات» العربية التي تشهدها أكثر من بقعة عربية، بما فيها الحراك السياسي الشعبي في البحرين، هذه الكتابات وهي تتحدث عن بعض مخاطر السلبيات المرافقة لهذه التحركات الشعبية المطالبة بالتغيير والإصلاح، قامت بتوزيع «التحرك» على ثلاث مجموعات، أولها «مفرح» ومثاله تونس ومصر، وبعضها «مقلق» كما هو في ليبيا واليمن وسورية، وآخرها «محزن» كما هو في البحرين، حيث تحوّل الأمر إلى نزاع طائفي وصراع إقليمي كانت ضحيته حركة البحرين ومطالب شعبها المحقة في الديمقراطية (اقرأ صبحي غندور… رؤية عروبية لمتغيرات عربية).
 
دعونا نتوقف عند آخرها هذا «المحزن» أولاً لأنه يتعلق بقضيتنا، وثانياً لأنه ينكأ جرحاً غائراً في جسد وطننا، وأخيراً لأنه يستبطن «تهمة» تحمل الحراك الشعبي مسئولية بروز الانقسامات الطائفية الأهلية في المجتمع البحريني.
بداية علينا أن نقر بأن شعب البحرين كغيره من الشعوب المتطلعة إلى مستقبل أفضل عندما يتحرك مطالباً بالتغيير الديمقراطي السلمي، ويدعو إلى وجود عدالة سياسية واجتماعية وينشد الكرامة لكل المواطنين، إنما يسعى إلى تقريب المسافة بينه وبين ذاك المستقبل الذي يحلم به وينشده من أجل وطن موحد ومستقر، وشعب واحد متحاب.
 
إذاً، هذا التوصيف للحراك لا يقبل أي «تلفيق» أو تشويه، فالحراك الوطني الشعبي بمثل هذه الغايات النبيلة يصبح قوة تغيير إيجابية ومطلوبة، لا تشوبها أية شائبة، وخصوصاً إذا جاء بعد قناعات بأنه الوسيلة التي لا مناص منها لحصول التغيير المطلوب، وفي ظل انسداد كل الآفاق أمام الإصلاحات السياسية والدستورية الحقيقية، وانعدام الأجواء الصحيحة والسليمة لإجراء حوار وطني حقيقي.
في ضوء هذا الاستنتاج المنطقي، يصبح لا معنى لتوجيه أية تهمة، أو إلصاق أية شبهة طائفية أو عنصرية بهذا الحراك، وسيكون من التجني نسب التوترات الاجتماعية والتداعيات الطائفية الحاصلة اليوم في البلاد له، وكأنه هو المسئول عن بروزها. وإذا ما أحسنا الظن في نوايا من يقول بهذا الطرح، فلا أقل من وصف ذلك بالسذاجة المفرطة، انطلاقاً من إقرارنا مع من يقول بحدوث بعض الممارسات الخاطئة، وحصول بعض التجاوزات في نوعية الشعارات والعناوين التي لم تكن تحظى بقبول وتوافق الجميع، بما فيها الجمعيات السياسية المعارضة التي شاركت في هذا الحراك.
 
إلا أن هذا الأمر يجب ألا يجعل أي مراقب أو متابع للأحداث وتطوراتها، يتجاهل أو يغفل عن النوايا والمقاصد المبيتة أصلاً لضرب وتصفية هذا الحراك من خلال الإصرار على الخيار الأمني، الذي تأكد منذ الضربة الأولى للمتظاهرين، وقادت إلى سقوط عدد من الضحايا والجرحى، ودفعت بالوضع نحو مزيد من التأزم. كما أن هذه النوايا تنطلق من رغبة جامحة في محاصرة الحراك الشعبي وتصويره على أنه صراع بين طوائف، وتخويف هذه الطائفة من تلك لإبقاء الأوضاع القائمة على ما هي عليه من دون إصلاح، لأنها تخدم مصالح ونفوذ أصحاب هذا التوجه وتزيد من مكاسبهم.
 
إن هذا هو ما يفسر الاندفاع المحموم لتشويه الحراك الشعبي والإساءة إلى المشاركين فيه سياسياً وإعلامياً، وكذلك الإصرار على جر الخلافات إلى مسارات تصادمية، وتحويلها إلى بؤر صراعات أهلية وطائفية، من دون اكتراث بما يلحق بالوحدة الوطنية من تصدع وتفكك. وقد وجدنا بعض عناصر هذه الفئة تشطح في تخرصاتها، ونشر سمومها الطائفية في المجتمع وهي تتحدث عن أهداف هذا التحرك، والادعاء بأن الجمعيات السياسية قد طالبت بالتدخل الأجنبي في البلاد، وزعم أحدهم أنه سمع ذلك شخصياً من بعض قيادات الجمعيات، وهو لم يكن بالأصل حاضراً الاجتماع، وتمادياً في سلوك هذا الخطاب الاستفزازي، القائم على التحريض والتخوين والكراهية للطرف الآخر. وهو الخطاب ذاته المسئول أولاً وأخيراً عن حجم ما وصلت إليه العلاقات الاجتماعية بين أطياف المجتمع من تشويه وتدمير، وهو المسئول بالتالي عن تحويل الحراك الشعبي إلى أداة تفجير اجتماعية وأمنية. (سيأتي يوماً نتناول حقائق هذا الاجتماع المفصلي). وللحديث صلة..
 

صحيفة الوسط البحرينية – الثلثاء 15 نوفمبر 2011م
 
 
الحراك الشعبي ومسألة التعددية
 
مسألة أخرى على صلة وثيقة بالحقائق التي أشرنا إليها في المقالة السابقة الثلثاء الماضي، يحسن التوقف عندها، وهي مسألة «التعددية» على مختلف أشكالها، في المجتمع البحريني، ونعني بها التنوع بكل عناوينه المذهبية والسياسية والقبلية والمناطقية! فهذه التعددية هي من الحقائق الراسخة في بلدنا، وهي تمثل إحدى موروثات الجغرافيا، وبعض شواهد التاريخ، والتي ستبقى موجودة في كل الأزمان، أي لسنا نحن من أوجدها، ولسنا من يمتلك القدرة على تغييرها، ولكن الذي لا يقبل الجدال هو أننا حتماً مسئولون عن طريقة التعامل أو التعاطي مع هذه التعددية، من الزاوية الإنسانية والاجتماعية، وعن طريق إدارة الاختلافات التي يفرزها هذا الواقع التعددي.
 
فالمجتمع البحريني مثله مثل بقية المجتمعات التي تتسم بالتعددية وتمر بفترات من التحول والتغيير، وسيكون هناك دائماً صراع بين قوى التغيير والدفع إلى الأمام (المستقبل) وبين قوى الشد العكسي (استمرار الحاضر)… والحراك الشعبي البحريني في إطار هذا الفهم هو عند أي قارئ منصف للتاريخ، وأي متعاطف مع إرادة الشعوب في الإصلاح والتطور، سينظر إليه باعتباره إحدى المحطات المهمة في مسيرة هذا الصراع القائم دائماً وأبداً بين قوى التغيير وقوى المحافظة أو المساندة للوضع القائم… وبالتالي فإن هذا الصراع الاجتماعي والأهلي وكل التوتر الطائفي الذي نراه اليوم، وكل هذه الانقسامات والولاءات المذهبية والقبلية التي اندفعت إلى السطح مرة واحدة، وبهذه القوة والخطورة، كانت من دون شك مستقرة أو خامدة في عمق المجتمع تنتظر الفرصة للانفجار والانشطار لتحرق شظاياها المتطايرة الجميع من دون استثناء وهو ما يعني في واقع الأمر أن الدولة وعلى مدى عقود من الزمن قد عجزت عن إنجاز مهمة صهر هذه الولاءات وطنياً في بوتقة دولة المواطنة والقانون، وفشلت في تحويل التنوع والتعدد إلى مصدر قوة أو الارتقاء به إلى مصاف التنوع الإيجابي الذي يثري المجتمع والسبب طبعاً يعود إلى المناخ السياسي السائد في البلاد على مدى عقود طويلة، من غياب قيم العدالة والمساواة، واعتماد سياسات تمييزية بين أبناء الوطن الواحد، وهذه جميعها عناصر تغذي الانقسامات والولاءات الفرعية وتطيل من عمرها كما يؤكد ذلك علماء الفكر والاجتماع (انظر خالد الحروب القبيلة والطائفية قبل الثورات وبعدها – صحيفة «الحياة» العدد 17747، 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011م).
 
وفق هذه الرؤية فإن كل ما فعله الحراك الشعبي في البحرين هو هز أو خلخلة هذه الأوضاع الراكدة، وكشف المستور منها، بمعنى أنه جعل كل الانقسامات الطائفية والاختلالات الاجتماعية المختبئة تحت السطح، تطفو وتقفز إلى الواجهة لتكون في وجه الشمس لتضيء بأنوارها بعض المواقع «المعتمة» وتزيل بحرارتها المساحيق التجميلية عن بعض الوجوه المتخفية وراء مظاهر زائفة.
 
وماذا بعد؟
 
نقول: على رغم قسوة الوضع الذي يمر به بلدنا حالياً، وعلى رغم شدة الآلام النازفة التي يعاني منها مجتمعنا، والأثمان الباهظة التي دفعها وطننا، مازلنا نرى ضوءًا في آخر النفق وكما يقال: «في شدة الضيق بعض الفرج»، «وبعض الخير يكمن فيما نكره»! فاليوم هناك فرصة لمقاربة الأوضاع السيئة التي فجرت الصراع والبدء في معالجتها بصورة صحيحة وحازمة، ولا سبيل إلى ذلك من دون توفر الوعي الوطني العام، ووجود الإرادة السياسية الصادقة، التي ترمي إلى استيعاب كل الاختلافات والانقسامات بين مكونات وأطياف المجتمع بصورة عادلة ومتكافئة بحيث يتحول الاختلاف أو التنوع إلى مصدر قوة للدولة وللمجتمع، على حد سواء.
 
وقبل ذلك لابد من الإقرار والاعتراف بأن البلاد تعاني من عطب سياسي وخلل اجتماعي في البناء الداخلي يحتاج إلى معالجة سريعة من خلال إعادة صياغة أسس ومقومات الدولة لترسيخ دولة المواطنة الحاضنة للجميع.
 
صحيح أن بناء بعض هذه الأسس يحتاج إلى وقت إلا أن من المهم أن تكون البدايات سليمة والنوايا صادقة، والأهداف معلنة وصريحة، وآليات الوصول إليها صحيحة، في إطار خريطة طريق تبين الأهداف وتحدد فترات التنفيذ. أما من حيث الأهداف فتتلخص في بناء دولة ديمقراطية دستورية تقوم على المساواة التامة بين جميع المواطنين بغض النظر عن أصولهم وطوائفهم ودياناتهم، أما الآليات، فتتمثل في الحرية والفرص المتكافئة والعادلة لكل المواطنين وسيادة القانون الذي يحمي الأفراد ويصون كرامتهم بما يعزز الوعي عندهم بأن الدولة وحدها هي من يحمي حقوقهم ويرعى مصالحهم، هذا ما فعلته كل المجتمعات الديمقراطية التي حسمت هذه القضية عبر اللجوء إلى الخيار الدستوري.
 
وأخيراً، لابد من اتخاذ بعض الخطوات التمهيدية الجريئة من قبيل تقليم أظافر كل الطائفيات المستشرية ودعاتها، وخلع أسنانها التي راحت تنشبها في جسد الوطن من دون رحمة، ووقف «تغولها» الذي بات يجتاح المجتمع، وينذر بتحولها إلى دولة داخل الدولة، وتحويلها أي أزمة يمر بها المجتمع إلى براكين فتنة تحرق الأخضر واليابس، فالبحرين إذاً محتاجة إلى قرارات شجاعة وحازمة من الدولة والمعارضة معاً وكل قوى المجتمع لوقف هذا الانزلاق الخطير نحو الفوضى السياسية والاجتماعية والأمنية واستعادة الوطن الذاهب إلى المجهول… قبل فوات الأوان
 

صحيفة الوسط البحرينية – 17 نوفمبر 2011م

اقرأ المزيد

موقف عقلاني من المعارضة لإصلاح الوضع


أعتقد أن البيان الصادر عن ثلاث جمعيات معارضة يوم أمس (المنبر التقدمي، التجمع القومي، وجمعية وعد) كان من المفترض أن يصدر عن جميع الجمعيات السياسية المعارضة؛ لأنه يمثل مواقف معتدلة تحدثت عن الاحتجاجات السلمية وكيف أنها سمة المجتمع الديمقراطي، مشددةً على «سلمية كل هذه التحركات بعيداً عن استخدام الوسائل العنيفة كسكب الزيت على الشوارع وإحداث أضرار في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة؛ لأنها أسلوب غير سلمي في التعبير عن الرأي والاحتجاج، داعيةً إلى الكف عن استخدام مثل هذه الأساليب التي تحقق نتائج عكسية ولا تترجم سلمية أي حركة تطالب بالإصلاح».
 
مثل هذا التصريح صدر سابقاً عن جمعية الوفاق والجمعيات المعارضة الأخرى، والتأكيد عليه مهم، ولاسيما – كما أشار بيان الجمعيات أمس – «إن الحريات العامة، بما فيها حرية العمل السياسي والحريات الصحافية وحرية الرأي والتعبير والاحتجاجات السلمية، ليست ترفاً نخبويّاً، بل هي شرط أساسي من شروط الإصلاح الشامل الذي تسير عليه الدول التي تنتهج الديمقراطية سبيلاً للتطور والتحديث».
بيان الجمعيات المعارضة الثلاث قال أمس إن «لجم الصوت المعارض لا يخدم العملية الديمقراطية، ما يفرض ضرورة الانفتاح على الرأي والرأي الآخر وإتاحة الفرصة للمعارضة السياسية لتقديم مرئياتها  في الإعلام الرسمي وفي الصحافة المحلية، والسماح لها بإعادة إصدار صحفها المكتوبة ورفع الحجب عن مواقعها الإلكترونية بما يعيد الثقة في الواقع الإعلامي بالبلاد»، مؤكداً أن «تقرير لجنة تقصّي الحقائق المستقلة البحرينية الذي من المقرر أن يعلن في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يشكل إحدى المحطات المهمة في معالجة الأزمة الحقوقية والانتهاكات التي تعرض لها الشعب البحريني طوال الفترة الماضية»… وإن الخروج من دائرة الانتهاكات يتطلب حلولاً سياسية سبق أن طالبت بها المعارضة في أكثر من موقع ورفعت مرئياتها، ودعت «إلى اتخاذ مبادرة سمو ولي العهد التي أطلقها في الثالث عشر من مارس/ آذار 2011 أرضية صالحة للانطلاق نحو حوار وطني جاد وجامع لجميع مكونات الشعب البحريني».
 
البيان طرح أيضاً ضرورة «المصالحة الوطنية» التي تتضمن معالجة المرحلة الانتقالية، والتي ينبغي أن تفضي إلى الولوج في «الحل الديمقراطي كما هو متعارف عليه دوليّاً»، ويطبق في الدول التي تسير على طريق الديمقراطية والحريات العامة والمساواة بين المواطنين، وأن الوصول إلى حل سياسي يمر عبر «جسر العدالة الانتقالية» التي تتخذ من المصارحة والمصالحة الوطنية سبيلاً للوصول إلى جبر الضرر
 

صحيفة الوسط البحرينية – 14 نوفمبر 2011م
 

اقرأ المزيد

المصالحة الوطنية وصانعو السلام


على رغم مخاطر الانشقاق الطائفي الحاصل حالياً وما يمكن أن يفرزه من تداعيات لا يمكن التنبؤ بها، إلا أن أحداً لم يتحرك حتى الآن لرأب الصدع ومحاولة إعادة اللحمة الوطنية، حتى أننا لم نسمع أصواتاً تنادي بذلك، سواء كانت هذه الأصوات تمثل جهات رسمية أو أهلية أو جمعيات سياسية.
 
بالتأكيد يوجد في البحرين الكثيرون ممن يحملون هذا الهم الوطني، ولكن ربما هم بحاجةٍ للمزيد من الوقت حتى تهدأ النفوس أو تتهيأ الظروف لطرح مبادرة يمكن تقبلها من مختلف الأطراف. فالبحرين بصغر مساحتها لا يمكن لها أن تتحمل مثل هذا الشقاق، فالناس باختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم يعملون مع بعضهم بعضاً في مختلف المؤسسات والشركات، ويتجاورون في السكن في المناطق المختلطة، ويذهب أبناؤهم لمدارس واحدة… كما أن هناك العديد من الزيجات المختلطة.
 
في بيانها الذي صدر مؤخراً، حذرت منظمة حقوق الإنسان بلا حدود الدولية من خطورة مثل هذا الوضع على مستقبل البحرين ودعت الحكومة البحرينية لتشجيع المصالحة الوطنية.
المنظمة التي زارت البحرين رفعت تقريراً إلى الاتحاد الأوروبي ضمنته عدداً من التوصيات من أهمها «حاجة البحرين إلى عقد اجتماعي جديد، وإلى مصالحة مستقرة وطويلة الأجل، وذلك بما يصب في مصلحة المواطنين البحرينيين والاستقرار في المنطقة».
وحملت المنظمة الحكومة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية مسئولية العمل في هذا الاتجاه، وشدّدت على ضرورة أن تقوم الحكومة البحرينية بسلسلة من تدابير بناء الثقة لاستعادة الحوار الاجتماعي وإعادة بناء المجتمع البحريني. معولةً على من وصفتهم بـ «صانعي السلام» والشخصيات الدينية الموثوق بها في المجتمع البحريني لإعادة بناء الجسور بين مكونات المجتمع البحريني.
وحثت المجتمع المدني والجمعيات السياسية على التعبير عن مطالباتهم عبر الاحتجاج السلمي، ومن دون ممارسة أي نوع من أعمال العنف ضد الأشخاص والممتلكات، وطالبت الحكومة بالتقيد بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بحماية المشاركين في الاحتجاجات وفي عمليات الاعتقال والاحتجاز والمحاكمات والفصل من العمل.
المنظمة دعت أيضاً إلى ضرورة إيجاد قناة للحوار المفتوح بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية، وتشجيعهم على المشاركة الجدية في حوار سياسي هادف وبناء من أجل البحرين تلبية للاحتياجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي حين ترى المنظمة أن التعويل على مصالحة وطنية يتطلب مجموعة من «صانعي السلام» يقفون على مسافة واحدة من جميع مكونات المجتمع البحريني ويضعون مصلحة البحرين فوق جميع الاعتبارات، فإننا نترقب أن تعلن هذه المجموعة عن نفسها خلال الأيام القليلة المقبلة.
 
ربما ينتظر صانعو السلام في البحرين صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ليضع الأرضية المناسبة لتحركاتهم وخصوصاً أن التقرير سيخرج بتوصيات ملزمة للجميع. نأمل ذلك
 
صحيفة الوسط البحرينية – 16 نوفمبر 2011م

 

اقرأ المزيد

التقرير.. وإبراء الذمـة..!


إذا كان ثمة نية حقيقية لإظهار الجدية اللازمة التي تحسم وتردع الكثير من أوجه التجاوزات والمخالفات في مواقع شتى من مواقع المسؤولية العامة فخير البر عاجله، فها هو تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية المنتظر إن يكون مطروحا للنشر والتداول في الفترة القريبة المقبلة أم أبعد منها بقليل أو كثير.
 
وهو التقرير الذي يمكن أن يكون خارطة طريق واضحة المعالم على صعيد التصدي للخلل والقصور والانحراف وما يدخل في تعريف الفساد في أجهزة رسمية عدة. وكم هو ضروري وملح ومجدٍ ولازم اليوم التعامل مع «الارتكابات» و” تفريخ ” المخالفات الموثقة في التقرير، وما تضمنه كل تقرير سابق بشكل يعكس نهجاً جديدًا يتوافق مع تطلعات الناس ويرفع آمالهم بأن يروا شيئاً مختلفاً يؤكد الاقتناع بأصول المحاسبة العامة ولا يجعلها معطلة او تمارس بعكس المفروض، أو يجعلها عرضة لمناوشات ومزايدات واستعراضات من نواب كثر تتسم بالقحط تارة، وبازدراء ذكاء المواطن تارة أخرى.
 
مثل هذه التقارير في أعراف الدول المتحضرة ولدى هيئات ومنظمات دولية لها اعتبار، ولها وزن، ولها أهمية ونظرة خلاصتها وحصيلتها ايجابية، ولكن يبقى الأكثر أهمية، والأكثر إيجابية، والأكثر صدى في القلوب والنفوس هو الاستدراك ومعالجة مكامن الخلل والسلوكيات الحاضنة للفساد بطريقة حكيمة وحاسمة وملموسة تتجاوز كل المآخذ والاعتراضات وتتماشى مع كل ما يعيد الاعتبار لقيم النزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة والقانون، وهي القيم التي تلح الحاجة إليها بشكل استثنائي لعلنا نعيد الأمور إلى نصابها.
 
عاجلاً أم آجلا سيطل علينا التقرير الجديد، ولا يفرط المرء في الاعتقاد بأن أصداء هذا التقرير لن تختلف عن تلك التي عهدناها، إما اعتصام بالصمت والسكون من قبل جهات رسمية، وإما ردود من جهات أخرى وشروع وتبريرات مرتبكة غير مقنعة لتسويغ او تسويق بعض التجاوزات، وإما سلسلة من التهديد والوعيد والمزايدات وإثارة الضجيج والمشاعر من أصحاب الصوت العالي من نواب ومن يعدون أنفسهم نشطاء أو قوى مجتمعية، وبوسعنا ان نستخرج من الذاكرة ومن أرشيف جرائدنا ما لا حصر له من التصريحات والمواقف البهلوانية والهزلية التي هي إجمالا إن عبرت عن شيء فإنما تعبر برأينا عن صورة عجز فوق العادة حيال الفعل ورد الفعل وإزاء دور النواب الذي لا يشفي الغليل، ولا يترجم حتى أدنى الحدود للدور الرقابي الفعلي المطلوب، ولا حتى المسؤوليات والواجبات التي لا تحصى التي يتعين ان يقوموا بها وخصوصا وتحديداً على صعيد معركة الوطن ضد الفساد والتي نحسب انها مفتاح قلوب البحرينيين الذين يجدون في الفساد هماً، وأي هم، هم ثقيل الدم والوطأة والهاجس، خاصة في هذا الوقت، وهذا الظرف الذي يجعل من واجب الوجوب إعمال العقل والقلب والضمير.
 
من الأساس ما هو متوقع ومنتظر اليوم أن نبدأ البداية الصحيحة في التعاطي مع التقرير الجديد للرقابة، ولكن السؤال الذي نراه ملحاً على الدوام، هل نحن بصدد البدء حقا..؟! وبعد هذا السؤال سنجد أن المشهد مسكون بسؤال تلو سؤال: هل يمكن ان يكشف كل تقرير تجاوزات صارخة ويتجنب ذكر المتجاوزين..؟! وهل يمكن التطرق الى عبث بالمال العام من دون تحديد العابثين؟ وهل يمكن رصد مظاهر فساد دون إشارة إلى الضالعين فيها..؟! وهل ما تكشف عنه هذه التقارير هي كل الحقيقة..؟
 
تلك الأسئلة معطوفة بأسئلة أخرى من نوع: لماذا لم يحاسب أحد على ما جرى..؟، ولماذا ظل من يقف وراء تجاوزات أو مخالفات ثابتًا في موقعه، وكأن شيئا لم يكن؟، ألم يحن بعد وقت الدخول في ملكوت الحسم والردع والمساءلة والحساب؟
 
تلك بعض الأسئلة والتساؤلات ليس إلا، وما كان أن تطرح أصلا لو لم تكن هناك حيرة استبدت بنا ومازالت لأسباب مفهومة بطبيعة الحال، بعد أن وجدنا أصداء تقرير تلو تقرير تراوح في مكانها، ولم تؤدِ الى شيء يشفي الغليل. وأخشى ما نخشاه ان يظل التعاطي مع التقرير الجديد كما في السابق، معبرا عن العجز، عجز من هم في السلطة التنفيذية وعجز النواب بوجه أخص عن إدراك بأنه لا التوقيت ولا الظرف، ولا التوجه، ولا حتى مخرجات حوار التوافق الوطني فيما يخص الإصلاح ومحاربة الفساد يسمح لنا باستمرارية العبث بمفردات وعناوين ومقومات ومتطلبات قيمة المساءلة التي لم يفرض حضورها بما يكفي ويلزم في ساحة الأداء العام حتى الآن.
 تابعوا بكثير من الانتباه والتركيز أصداء التقرير الجديد.. ومرحى لشجاعة الحسم بلا مواربة او تأويل، وإشهار سيف المساءلة والمحاسبة على الأقل من باب إبراء الذمة فعجلوا بالحسم ..!
 
الأيام15 نوفمبر 2011
   

اقرأ المزيد

غياب الدور الفاعل للقوى الديمقراطية


 
الوضع المتأزم الحالي أرجع البحرين خطوات كبيرة للخلف، سواء فيما يتصل بمستوى الحريات العامة أو الانشقاق الطائفي أو حتى النشاط الاقتصادي، ما يعني أن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن المزيد من التراجع والمزيد من الخسائر.
 
ومن المؤسف أن ينقسم المجتمع البحريني المعروف بتلاوينه وتوجهاته المختلفة إلى قسمين لا ثالث لهما، وكأن المجتمع قد شطر بسكين حادة، في حين كان من المفترض أن يتشكل فريق ثالث يحفظ التوازن ويكون حاجزاً يمنع تصادم الطرفين في ظروف معينة، وجسراً يصل بينهما في ظروف أخرى.

ما يؤخذ على المثقفين والشخصيات الليبرالية والديمقراطية أنها اتخذت موقفاً ثابتاً مع طائفتها، بغض النظر عن توجه هذه الطائفة أو عدالة المطالب، أو حتى أسلوب طرحها، وإن كان هناك بعض الحالات البسيطة التي اتخذت موقفاً مغايراً. ولذلك وجدنا أن البعض قد تحوّل تحولاً جذرياً، فبعد أن كان إصلاحياً ينتقد الممارسات الخاطئة وحالات الفساد والتعدي على المال العام، أصبح من أشد المدافعين عن الوضع القائم والمنتقدين لدعوات الإصلاح. كما وجدنا حالات انقلبت لتكون في صف المعارضة بعد أن كانت محسوبةً على خط الموالاة.
 
هذا الموقف لم يعد مفهوماً، فكيف غاب المثقفون كفئة وذابوا في طائفتهم ولم يصبح لديهم موقف موحد ينسجم مع مبادئهم وأفكارهم.
 
الحديث لا يدور هنا حول عدالة المطالب أو خطئها، كما أن ذلك لا يعني طائفية المطالب بأي حال من الأحوال، وإنما عجز القوى الديمقراطية والليبرالية في خلق تيار ثالث يكون صمام أمان للمجتمع، ويدفع باتجاه الإصلاحات من موقع آخر.
 
ما نمر به الآن من انشقاق طائفي يتطلب وجود هذه القوى حتى لا ننجر وراء البعض نحو التصعيد بدلاً من البحث عن ما يمكن أن يكون مخرجاً من هذه الأزمة. فالبعض يريد جر البحرين قسراً لمرحلة من العنف والعنف المضاد، بهدف إجهاض خطوات الإصلاح، أو في أحسن تقدير تأجيلها لحين ترتيب أوراقه ويكون مستعداً للمرحلة الجديدة.
 
كما أننا نحتاج لهذه القوى للجم الأصوات الداعية للفرقة ونشر الكراهية والتشفي، فلو كانت القوى الديمقراطية فاعلة ومؤثرة لما استطاع البعض تخوين نصف المجتمع ونعته بالعمالة للخارج.

إننا بحاجة لهذه القوى لتهيئة المجتمع للتصالح مع نفسه وعودة اللحمة الوطنية كالسابق
 

صحيفة الوسط البحرينية – 11 نوفمبر 2011م
 
 

اقرأ المزيد

منغصات “الثورة” الليبية


ظل الحديث الذي كان يثار بين آنية وأخرى بصورة مبتسرة وخاطفة إبان الشهور الثمانية من عمر الحرب الأهلية التي اندلعت في ليبيا في أعقاب انضمام الشعب الليبي الى قافلة الشعوب العربية في ما صار يطلق عليه بالربيع العربي، بالثورة السلمية ضد نظام معمر القذافي الاستبدادي الذي حوَّل ليبيا هو وأسرته الى مزرعة خاصة، قبل أن تتحول هذه الانتفاضة السلمية التي اندلعت شرارتها الأولى في مدينة بنغازي في 17 فبراير الماضي، الى حرب أهلية ضروس تحولت فيها كافة المدن الليبية الى جبهات قتال بين فريق السلطة وبين الثائرين عليها، والذين نالوا دعما عسكريا واقتصاديا ولوجستيا وسياسيا حاسما من حلف الـ”ناتو” في تحقيق الانتصار على مقاتلي نظام معمر القذافي – نقول ظل الحديث عن وجود عناصر تابعة للقاعدة في صفوف المقاتلين ضد النظام الليبي، حديثا خافتا وعابرا لم يحظ بتسليط الأضواء الإعلامية عليه كما يجب أن يكون.
 
وكان هذا مقصودا بطبيعة الحال، فالأطراف، خصوصا منها الصانع الأكبر للحدث الليبي والأخرى المتورطة فيه، لم تكن بالتأكيد في وارد السماح لما يمكن أن يشوش على “خطة العمل” ويربكها، قبل أن تصل الى خواتيمها بإسقاط الحكم العائلي لمعمر القذافي.
 
أما وقد تحقق هدف “خطة العمل” بالقضاء على ما تبقى من جيش ومليشيا موالية للنظام الليبي السابق وتصفية رأس النظام (القذافي) على النحو البشع الذي شاهده العالم أجمع، ثم الكشف في وقت لاحق عن جريمة إعدام 25 من أنصاره بدم بارد في مدينة سرت، فلا مناص من أن يعاد تسليط الضوء على “التفخيخ” السلفي والقاعدي الذي تحفل به مجاميع المليشيات التي وفر لها حلف شمال الأطلسي  كافة أشكال الدعم العسكري والمالي والاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والإعلامي، بما في ذلك المشاركة الأطلسية المباشرة في القتال على الأرض في طرابلس وبقية المدن الليبية، من أجل “انجاز المهمة على الوجه الأكمل”.
 
ومع ذلك يمكن القول ان ما ارتكبه بعض المليشيات المسلحة من جرائم حرب إبان الثورة للإطاحة بحكم العقيد القذافي، قد بقي بشكل أو بآخر بمنأى عن الأضواء الإعلامية الكاشفة والإدانة الدولية المستحقة، وذلك اذا ما استثنينا النقل المتفرق والسريع لحادثة تصفية القذافي الوحشية في حينها والتي اختفت بدورها سريعا من التداول الإعلامي.
 
ان ما ارتكبه بعض ثوار ليبيا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان قد لطخ بلا شك سمعتهم، فما نجحت عدسة المصورين في “اصطياده” يرقى الى الهمجية ولا يمكن مقارنته سوى بجرائم الحرب التي ارتكبت في الحروب الأهلية في بعض بلدان القارة السمراء مثل ليبيريا على سبيل المثال لا الحصر.  فعندما استجوبت محكمة الجنايات الدولية في لاهاي الرئيس الليبيري تشارلز تيلر في يوليو عام 2009، تنصل واتهم برنس جونسون، وهو أحد أمراء الحرب المتحالفين معه والذين شاركوه الحرب الأهلية للإطاحة بالرئيس صامويل دو – اتهمه بأنه هو الذي قتل الرئيس صامويل دو، مع ان هناك شريط فيديو يظهر فيه تيلر وهو يحتسي علبة جعة ويأمر رجاله بقطع أذني الرئيس دو. وكانت لجنة الحقيقة والمصالحة في ليبيريا قد أدانت تيلر وجونسون وستة آخرين من أمراء الحرب الأهلية التي تواصلت على مدار أعوام 1989-2003 وحصدت أرواح ربع مليون ليبيري وشردت الملايين منهم.
وكان هؤلاء السفاحون قد قاموا يوم التاسع من سبتمبر من عام 1990 بتصفية الرئيس الليبيري صامويل دو بطريقة وحشية قطعوا خلالها أطرافه في العاصمة منروفيا. ومن المفارقة أن صامويل دو نفسه قد جاء الى السلطة بعد تصفية الرئيس السابق وليم تولبيرت قبل أن يستدير لتصفية رفاقه الذين شاركوه في المؤامرة الانقلابية في عام 1980.
 
أفلا يشبه ما فعله معارضو الرئيس الليبيري الراحل صمويل دو ما فعله ثوار ليبيا مع الرئيس الليبي المدحور معمر القذافي من دون الاضطرار لذكر تفاصيل عملية تصفيته وهو حي قادر على السير على قدميه؟
 
ربما قال البعض منا ان ساعة زمن عذاب لاقاها القذافي قبل ان يلاقي ربه لا تساوي شيئا أمام ما سببه من آلام وعذابات لجميع أفراد الشعب الليبي على مدى 42 عاما.
 
وإذا كان هذا صحيحا فانه صحيحٌ من الناحية الشكلية الجامدة وحسب، وذلك لافتقاره الى المنطق والى السلامة العقلية والحس الإنساني. فكيف لأُناس يزعمون انهم قاموا بهذه الثورة المسلحة والبالغة الكلفة لعموم الشعب الليبي ماديا وبشريا ونفسيا لوضع حد لجرائم نظام القذافي ضد إنسانية الإنسان الليبي وكرامته، ليأتوا، وبعد ان قيضت لهم الظروف الذاتية، خصوصا تحصلهم على الدعم الحاسم من “الناتو”، ويعيدوا إنتاج صناعة الموت ذاتها التي امتهنها النظام السابق، بحيث صار ينطبق عليهم القول المأثور: لا تُنهي عن خلق وتُؤتي مثله عارٌ عليك اذا فعلت عظيم.
 
وعلى ذلك ولكي تستعيد الثورة الليبية ما أفقدته إياها جزئيا تلك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وآدميته، من سمعة على الصعيد الأخلاقي، سوف يتعين على المجلس الانتقالي الليبي السير قدما فيما كان تعهد به للأسرة الدولية التي هالها ما ارتكبه بعض الثوار من انتهاكات وجرائم حرب، وذلك بالتحقيق في تلك الجرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة، وهو ما سيُعد لاحقا أحد مقومات تبديد القلق لدى الشعب الليبي من نوايا وتوجهات الحكم الجديد.
 
فلابد لكل شيء من بداية، ولابد لهذه البداية من انطلاقة.. وانطلاقة صحيحة، ولكي يتحقق ذلك لابد من أساس متين وصحيح “لمبنى” النظام الجديد المعول عليه الإسهام في تعزيز الاتجاهات الديمقراطية التعددية في العالم العربي. ونحسب ان هذا أدعى لكي يَحذر ويتحفظ المتحفظون وأن يضعوا مفردة الثورة – المنصرفة قصدا لطريقة تغيير النظام في ليبيا – بين هلالين الى أن تزول كل الملابسات التي أحاطت ولازالت تحيط بها.
 
حرر في 11 نوفمبر 2011

اقرأ المزيد

المواطنة وحق أبناء المرأة الخليجية المتزوجة من أجنبي في الحصول على الجنسية


 
 تشير نتائج الدراسات العديدة المتعلقة بحقوق المرأة في الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي  إلى التقدم الملحوظ الذي أحرزته هذه الدول بالنسبة لحقوق المرأة على مدار العشر سنوات الماضية لاسيما فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والسياسية ، غير أن النتائج تشير أيضا إلى استمرار النقص الكبير في حقوق المرأة في كل دولة من دول الخليج العربي ، إذ ما تزال المرأة تواجه تمييزا في كل من القوانين والعادات الاجتماعية ، ولا تزال المبادئ المجتمعية الراسخة بشدة والمصحوبة بتفسيرات محافظة للشريعة الإسلامية تنزل بالمرأة إلى وضع تابع (1).
 
وعلى الرغم أن معظم دساتير دول الخليج العربي قد نصت على الضمانات الدستورية التي تمنع التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. وتساويهم في الكرامة الإنسانية و لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة (2)، غير أن أشكالا قانونية للتمييز مازالت  تواجه المرأة الخليجية ، وتشمل كل جانب من جوانب الحياة ، ومنها عدم تمتع المرأة في أي دولة من دول الخليج بحقوق المواطنة والجنسية كما يتمتع بها الرجل وفي إطار الحملات  الوطنية من أجل تمتع أبناء المرأة الخليجية المتزوجة من أجنبي في الحصول على الجنسية وهو الموضوع محل هذه الورقة وسأختار بصورة رئيسية مملكة البحرين أنموذجا لهذا الموضوع ، من حيث النصوص القانونية التي تنظم الجنسية ، والجهود المبذولة لحل المشكلة ، والحلول الناجعة لحلها.
 
النصوص القانونية للجنسية تكرس التمييز
 
النصوص القانونية التي تنظم الجنسية في دول الخليج وأن صدرت بموجب قانون أو مرسوم بقانون أو مرسوم و أمر ، وان اختلفت في الصياغة أو في بعض الأحكام إلا أنها تشترك جميعها في حرمان أبناء المرأة المواطنة التي اكتسبت الجنسية بصفة أصلية من هذه الجنسية إذا تزوجت من أجنبي ،  ففي مملكة البحرين مثلا فأنه على الرغم من الإجراءات العديدة التي قامت بها الجهات المعنية لمعالجة المشكلة ، فأن أحكام قانون الجنسية المعمول به في البحرين منذ 16 سبتمبر 1963 والتعديلات التي تمت عليه  في عامي 1981 ، 1989 ، ما زالت تكرس التفرقة في اكتساب الجنسية ما بين أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي وأبناء الأب البحريني المتزوج من أجنبية ،  إذ وفقا لنص المادة ( 4 ) من القانون والمستبدلة بموجب المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 1989 يتبين أن المشرع قد ميز بين الرجل والمرأة في مجال حق الجنسية فهو يقرر الجنسية لمن يولد لأب بحريني متزوج من أجنبية دون قيد أو شرط ، أما من يولد لأم بحرينية ولأب معلوم الجنسية فأنه لا يكتسب الجنسية إلا إذا كان أبوه مجهولا ، أو لم تثبت نسبته إليه قانونا ، بل أن التعديلات التي تمت على هذه المادة بموجب المرسوم بقانون رقم  12 لسنة 1989  قد ألغت حالة حصول من يولد لأم بحرينية على الجنسية إذا كان أبوه لا جنسية له(3).
 
وفي دولة الكويت فأنه على الرغم من المرسوم الأميري رقم 256 لسنة 1999 الصادر بتاريخ 2/10/1999 بشأن منح الجنسية الكويتية لعدد 366 شخص وذلك تطبيقا للبند الثاني من المادة الخامسة من قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959 وتعديلاته، وبمقتضى هذا المرسوم تمنح الجنسية لأبناء المواطنات الكويتيات من آباء غير كويتيين. فأن المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 الذي ينظم الجنسية ، مازال يميز في حق المواطنة بين المرأة الكويتية والرجل الكويتي في اكتساب أبنائهم للجنسية فالمادة ( 2 ) نصت على انه (يكون كويتياً كل من ولد ، في الكويت أو في الخارج ، لأب كويتي.(  و لا يمحو هذا التمييز ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (3) على انه ( يجوز بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية منح الجنسية الكويتية لمن ولد في الكويت أو في الخارج من أم كويتية ، وكان مجهول الأب ولم تثبت نسبه إلى أبيه قانوناً ).
 
وعلى الرغم أن هذه الحالة محصورة فقط إذا كان الأب مجهولا وعدم ثبوت النسب إليه ، فإن منح الجنسية  ترجع للسلطة التقديرية لسمو الأمير ، بل أن الفقرة الأخيرة من المادة المشار إليها و هي ( ويجوز بقرار من وزير الداخلية معاملة القصر في هذه الحالة معاملة الكويتيين لحين بلوغهم سن الرشد. ) ، يفهم منها أن منح الجنسية في هذه الحالة تتم حين بلوغهم  سن الرشد .
 
كما لا تعالج المشكلة  ما نصت عليه المادة ( 5 البند ثانيا ) , فهي فضلا عن إنها تشجع على الطلاق البائن ، أو التعجيل بوفاة الأب ، فأن منح الجنسية تتوقف على إجازة وبمرسوم وبناء على عرض من وزير الداخلية  وتشترط للمولود من أم كويتية أن يكون محافظا على الإقامة في الكويت  حتى بلوغه سن الرشد  إذا كان أبوه الأجنبي أسيراً أو قد طلق أمه طلاقاً بائناً أو توفى عنها  ،و يجوز بقرار من وزير الداخلية معاملة القصر ممن تتوافر فيهم هذه الشروط معاملة الكويتيين لحين بلوغهم سن الرشد(4) .
 
وأحسب أن هذا الوضع القانوني موجود في قطر ، وعمان ، والإمارات ، وان هذا التمييز في اكتساب الجنسية في دول الخليج  يشكل انتقاصا من المواطنة ، وينافي العدالة في المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات ، ويخالف ما نصت عليه دساتير هذه الدول على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة .
 
 ولا ينسجم ويتعارض  مع المواثيق الدولية التي صادقت عليها معظم دول الخليج ومنها البحرين والكويت ، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( 1948 ) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( 1966 ) والتي توجب تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بحماية القانون وبجميع الحقوق المدنية والسياسية دون تمييز  . اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( 1979 ) والتي أوضحت الطريق الذي يجب على الدول التي صدقت عليها أن تسلكه بهذا الشأن إذ نصت الفقرة الثانية من المادة التاسعة من هذه الاتفاقية على أن تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها.مع ما تقضى به  والمادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل بضرورة أن يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية ، ويكون له بقدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما وان تتكفل الدول الأطراف بإعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان ولاسيما حين يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك(5).
 
أمام هذا الوضع نشطت مؤسسات المجتمع المدني في دول الخليج العربي وعلى وجه خاص المؤسسات المدافعة عن حقوق المرأة ، ولاسيما في مملكة البحرين ودولة الكويت ونظمت الحملات الوطنية من أجل حصول أبناء المتزوجة من أجنبي على الجنسية وذلك في إطار إقليمي ضم معظم الدول العربية ، وأمام ذلك قامت الجهات الرسمية في دول الخليج بجهود لمعالجة المشكلة القانونية ، ولعل تجربة مملكة البحرين على الصعيدين الرسمي والأهلي  فيها ما يفيد لدول الخليج الأخرى لوضع حلول لمشكلة أبناء المرأة المتزوجة من أجنبي وأشير إليه كما يلي :
 
الجهود الرسمية لا تحل المشكلة
 
أولاً : في اجتماعه المنعقد بتاريخ 5 مارس 2006 قرر مجلس الوزراء البحريني إحالة مشروع قانون بتعديل قانون الجنسية ، أشتمل على تعديل المادة السادسة بند 1 /أ ( البحرينيون بالتجنس ) نصت على حق (الملك  منح الجنسية البحرينية لكل شخص كامل الأهلية إذا طلبها وتوافرت فيه الشروط منها  الإقامة المشروعة المستمرة في مملكة البحرين مدة 25 سنة إن كان أجنبياً ، و15 سنة إن كان عربيا ، و3 سنوات إن كان من رعايا دول مجلس التعاون الخليجي . ويكتفي بنصف مدة الإقامة إذا كان مولودا لام بحرينية بصفة أصلية أو متزوجا من بحرينية بصفة أصلية مضى على زواجه منها 5 سنوات وله منها ولد. التنازل عن جنسيته الأجنبية خلال سنة من اكتساب الجنسية البحرينية، ويعفى رعايا دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ذلك). وقد ناقشنا في الحملة الوطنية هذا النص للوهلة الأولى قد يفهم من هذا النص المعدل لقانون الجنسية ، وبصفة خاصة عبارة ( ويكتفي بنصف مدة الإقامة إذا كان مولودا لام بحرينية بصفة أصلية ) بأنه قد عالج مشكلة أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي كما نشرت الصحافة أو كما كتب بعض كتاب الأعمدة  في حين أن هذا النص لا يعالجها بل يزيدها إشكالا ، إذ يستفاد منه أن المولود لام بحرينية بصفة أصلية يحصل على الجنسية لا بصفة أصلية بل بالتجنس ، أي لا تتنقل جنسية والدته إليه ، بل يمنحها إياه جلالة الملك وبالشروط المشار إليها في المادة المذكورة  وقد اضطرت الحكومة إلى حذف هذا النص من المسودة الأولية  لمشروع تعديل القانون لكن دون أن تضع له بديلا ، وأبقت على التعديلات التي لا صلة لها بحق أبناء البحرينية في الحصول على جنسيتها منها .
 
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التمييز ضد المرأة في تعديلات الحكومة لقانون الجنسية يمتد لحكم المادة السابعة الفقرة الثالثة من القانون ، إذ على الرغم أن تعديل الحكومة لهذه المادة قد أستثنى  المرأة البحرينية  التي يتم إدخالها في جنسية زوجها الخليجي من فقد جنسيتها البحرينية أي أجاز لها هنا ازدواج الجنسية وهو أمر محمود ، إلا انه أبقى على أساس النص بفقد المرأة البحرينية التي تتزوج من أجنبي  لجنسيتها إذا أدخلت في جنسية زوجها ،  وهذا النص يتعارض بوضوح مع نص المادة 9 فقرة 1 من اتفاقية القضاء على كافة إشكال التمييز ضد المرأة والتي تقضي بضرورة أن تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل في اكتساب الجنسية أو الاحتفاظ بها أو تغييرها ، وأن لا يترتب على الزواج من أجنبي أو تغير جنسية الزوج أثناء الزواج ، أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة أو أن تصبح بلا جنسية أو أن تفرض عليها جنسية الزوج .
 
ثانياً : تقدم المجلس الأعلى للمرأة بعدد من المقترحات لتعديل قانون الجنسية في البحرين  لمعالجة المشكلة لا أجد هنا متسعا من الوقت لذكرها غير انه بعد أن قدمت مملكة البحرين تقرير ها إلى الأمم المتحدة والتي تمت مناقشته  أمام لجنة السيداو  خلال  أكتوبر ونوفمبر 2008بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو/CEDAW) تقدم المجلس بمرئيات جديدة تمثلت في منح الجنسية لأبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي بقرار من وزير الداخلية إذا  توافرت الشروط التالية:
 
·    التقدم بطلب الحصول على الجنسية يعلن فيه رغبته في الحصول على الجنسية البحرينية، ويقدم الطلب من الأم بالنسبة لأبنائها القصر
·    أن يكون لطالب الحصول على الجنسية إقامة مشروعة في مملكة البحرين ومستمرة يحددها القانون قبل تاريخ تقديم الطلب، ويجوز لوزير الداخلية الإعفاء من كل هذه المدة أو بعضها.
·   موافقة الأب على حصول أبنائه القصر على الجنسية البحرينية، ويستثنى من هذا الشرط أبناء المرأة المطلقة أو التي توفى عنها زوجها أو هجرها أو فقده.
·   يجوز لمن منح الجنسية بموجب هذه المادة الخيار في التخلي عن الجنسية البحرينية أو جنسيته الأصلية خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد ( 21 عاما ).
·   يجوز لوزير الداخلية الإعفاء من كل أو بعض الشروط الواردة في هذه المادة.
 
وقد أعترض كل من الاتحاد النسائي و الحملة الوطنية على هذه المرئيات ، من حيث إنها لا تختلف في جوهرها عما سبق وان تقدم بها المجلس الأعلى للمرأة ، إذ تحيل حق أبناء المرأة في الحصول على جنسيتها إلى السلطة التقديرية لجلالة الملك أو لوزير الداخلية و اكتساب هذه الجنسية لا بصفة أصلية بل بالتجنس ، وهي هنا أي المرئيات تساوي ما بين أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي بالمرأة الأجنبية التي تزوجت من بحريني .
أن منح الجنسية لأبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي حسب المرئيات المقدمة من المجلس الأعلى  هو أمر جوازي لوزير الداخلية على نحو يخوله سلطة تقديرية في منحها متى توافرت الشروط المقررة أو في منعها رغم توافر هذه الشروط وفقاً لما يراه.
 
الحل الناجع للمشكلة
 
ترى الحملة الوطنية  ( جنسيتي حق لي ولأبنائي ) والاتحاد النسائي في مملكة البحرين انه للخروج من المشكلة هو تعديل المادة (4) من  قانون الجنسية الحالي لعام  1963 المستبدلة  بقانون رقم 12 لسنة 1989 بإضافة مفردة واحدة فقط  لتصبح-مبدئياً- كالتالي: (يُعتبر الشخص بحرينياً إذا ولد في البحرين أو خارجها وكان أبوه بحرينياً  أو أمه بحرينية عند ولادته) مما  يحقق العدالة والمساواة للمرأة البحرينية ويمنحها الحق في منح جنسيتها لأبنائها. ) ، وقد ساندت الحملة الاقتراح بقانون بشأن تعديل هذه المادة المقدم بتاريخ 5 فبراير 2007 من صاحب المعالي السيد خليفة بن أحمد الظهراني رئيس مجلس النواب، واعتبرته من أكثر الاقتراحات  في هذا الشأن انسجاما مع مطلب الاتحاد النسائي والحملة الوطنية ، وقد أصاب الحقيقة ولامس معاناة الكثير من أبناء الوطن إذ جاء هذا التعديل منصبا على المادة الرابعة من قانون الجنسية إذ نص اقتراح سعادة رئيس المجلس  على انه ( يعتبر بحرينيا كل من ولد في البحرين أو خارجها وكان أحد أبويه بحرينيا عند تلك الولادة ) . غير انه يتعين استبدال مفردة ( أبويه ) بمفردة  ( والديه ) (6).
هذا الحل أحسبه رغم الاختلاف في الصياغة القانونية أو في بعض الإحكام في قوانين الجنسية في دول الخليج ، أو اختلاف في التركيبة السكانية أو حسابات الجهات الرسمية ، هو حل مناسب لكل دول الخليج فليس هناك ما يحول مثلا من تعديل المادة ( 2 ) من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 الذي ينظم الجنسية بحيث تنص (يكون كويتياً كل من ولد ، في الكويت أو في الخارج ، لأب كويتي أو أم كويتية ) . أو حسب الاقتراحبقانون المقدممن النائب صالح عاشور لتعديل بعض أحكام قانون الجنسية الكويتية بحيث يتيح لأبناء الكويتية المتزوجة من أجنبي الحصول على الجنسية الكويتية والذي نص في مادته الأولى:يستبدل بنص المادة الثانية من المرسوم الأميري رقم «15» لسنة 1959 المشار اليه النص التالي: «يكون كويتيا كل من ولد في الكويت أو في الخارج لأب كويتي، كما يكون كويتيا كل من ولد في الكويت أو في الخارج لأم كويتية وأب أجنبي، ولولدها خلال السنة التالية لبلوغه سن الرشد اختيار جنسية أبيه». ونص في المادة الثانية ( يلغى البند (ثانيا) من المادة الخامسة من المرسوم الأميري رقم «15» لسنة 1959 المشار إليه.
 
وربما يجد أبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي فيما توصل إليه حوار التوافق الوطني الذي تم في مملكة البحرين في الشهور القليلة الماضية من توافق على ( منح الجنسية لأبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي بضوابط.) ، بصيصا من الأمل لحل المشكلة ، وأن هذا الأمل يمتد لسائر نساء الخليج  (7).
 
الخلاصة :
 
1-   لا بديل  لرفع التمييز عن المرأة الخليجية في الجنسية إلا بالنص على حق أبنائها في الحصول على جنسيتها باعتباره حق أصيل، وهو ما يتفق تماما مع أحكام دساتير دول الخليج والاتفاقيات الدولية وبالأخص تلك الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها فأصبحت جزءا من التشريع الوطني ، و أن وجود مثل هذا النص في البحرين والكويت وسائر دول الخليج سيعزز دون شك من المواطنة الحقوقية للمرأة الخليجية .
 
2-   أن الحلول الجزئية على أهميتها وضرورتها لا تحل المشكلة ، فلا يشفع لها القانون رقم (35 ) لسنة 2009 الصادر في 30 يونيو2009 في مملكة البحرين بشأن معاملة زوجة البحريني غير البحرينية وأبناء البحرينية المتزوجة من غير بحريني معاملة البحريني في بعض الرسوم المقررة على الخدمات الحكومية  كرسوم الخدمات الصحية والتعليمية والإقامة ، ولا قرار مجلس الوزراء في دولة الكويت رقم (409/2011) الصادر في السادس من مارس 2011 الذي بمقتضاه تم منح مجموعة من المزايا والتسهيلات الإنسانية والمدنية لفئة المقيمين بصورة غير قانونية أو المقيمين بصورة قانونية فيما يتعلق بالرعاية الصحية والتوظيف والتعليم وتقديم كافة الخدمات الصحية والتعليمية وجعلها مجانية بالكامل وإلغاء بعض الرسوم التي كانت موجودة من قبل. ولا أية قرارات أخرى مماثلة في دول الخليج الأخرى . ذلك أنه المهم أن يشعر ويعيش ابن المتزوجة من أجنبي انه مواطن يتمتع بكافة حقوق وواجبات المواطنة، إذ لا يكفي أن يتمتع بالخدمات التي تقدمها الدولة بل يمارس حقه بمباشرة حقوقه السياسية والاجتماعية. ويلتزم بالواجبات الدستورية والقانونية .
 
 
المراجع :

1-   دراسة – حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (النسخة الخليجية 2009 ) .
2-   م 18 من دستور مملكة البحرين ، م 29 من دستور دولة الكويت ، م 34 ، 35 من دستور دولة قطر ، م 17 من دستور دولة عمان ، م 25 من دستور دولة الأمارات .
3-   قانون الجنسية المعمول البحريني الصادر في 16 سبتمبر 1963.
4-   المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 المنظم للجنسية بدولة الكويت .
5-   الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( 1948 ) ،العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( 1966 ) ، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( 1979 ) واتفاقية حقوق الطفل .
6-   مرئيات الحملة الوطنية في البحرين( جنسيتي حق لي ولأبنائي ) .
7-   مرئيات حوار التوافق الوطني في مملكة البحرين 



 
ورقة  المحامي / حسن علي إسماعيل
مملكة البحرين
المؤتمر الثاني للمواطنة في الكويت
المواطنة الخليجية
مركز الكويتي للمواطنة الفاعلة .
الثلاثاء 25/10/2011

 

اقرأ المزيد