المنشور

جمعية المحامين بصفتها مؤشراً لقوة المجتمع المدني


قبل العام 2001 كانت جمعية المحامين تمثل القمة، إذ إنها الجمعية الوحيدة التي لم تستطع الحكومة أن تتدخل مباشرة في شئونها، ولم تستطع أن تمنعها من القيام بعملها أو بتنظيم ندوات تتحدث في الشئون العامة بحسب الظروف آنذاك. وحتى عندما تدخلت الحكومة في مرة من المرات وعزلت مجلس الإدارة المنتخب سرعان ما تراجعت عن قرارها وسمحت بعودة المجلس المنتخب من الأعضاء. وعليه فقد كانت جمعية المحامين تمثل قوة وهيبة المجتمع المدني البحريني في أيام «أمن الدولة».
 
بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير/ شباط 2001، انفتح الباب لنشوء جمعيات عديدة أخرى، وكانت المفاجأة آنذاك هي إعطاء ترخيص للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وهكذا توالى إنشاء الجمعيات الأهلية في مختلف المجالات؛ مما عكس صورة حضارية عن مجتمع البحرين، وأكد النوايا الإصلاحية التي أعلنت مع التصويت على الميثاق.
 
لاحقاً، ربما حوالي العام 2005، بدأت الأمور تختلط؛ إذ فجأة التفت الناشطون في المجتمع إلى أن هناك عشرات الجمعيات غير الحقيقية التي أنشئت لمنافسة الجمعيات النابعة من إرادة المجتمع، وهكذا بدأنا نرى انتشاراً واسعاً لما يسمى بجمعيات «الغونغو»، وهي جمعيات تلبس اللباس الأهلي، ولكنها مجموعة من الموظفين التابعين لأحد أجهزة الدولة، وبمعنى آخر فإنها لا تمثل إرادة المجتمع وإنما تسعى لتكسير إرادته وإخضاعها إلى أوامر تصدر من جهات ذات نفوذ تخشى من إرادة المجتمع الطوعية والحرة.
 
أمّا حالياً فإننا نجد «انكساراً» للمجتمع المدني، والجمعيات الأهلية التي كانت نشطة ذبلت، وأصبح أعضاؤها الذين يتحركون بفاعلية معدودين على الأصابع؛ وذلك بسبب التضييق على المجتمع المدني، وبسبب مزاحمته بجمعيات الغونغو الوهمية، ووصل الأمر إلى جمعية المحامين التي أصبحت الآن ضحية سهلة لهذه الأجواء المعادية لحرية العمل في إطار المجتمع المدني. فجمعية المحامين التي لم يتمكن قانون أمن الدولة من كسرها تبدو الآن جريحة، وهذه الجمعية الرائدة لا تستطيع أن تنتخب مجلس إدارتها، وعندما انتخبت من تريد جاءتها القرارات التي تمنعها من ممارسة عملها.
 
وإن كانت هناك من دلالات، فإن إحدى تلك الدلالات هي أن قانون أمن الدولة كان أرحم على جمعية المحامين مما نحن فيه الآن، ولأن جمعية المحامين مثلت شوكة المجتمع المدني في تلك الأيام العصيبة، فإن كسر شوكتها في وقتنا الحالي ليس خبراً سارّاً للمجتمع الساعي إلى تثبيت إرادته ديمقراطياً
 

صحيفة الوسط البحرينية – 30 نوفمبر 2011م
 
 

اقرأ المزيد

تعالوا لننتصر للوطن


تقول إحدى الشخصيات البارزة: «إنه لا بديل عن العمل الوطني الجاد والمخلص في التعاطي مع الشأن الوطني، وإن التوافق الوطني هو المخرج الحقيقي من أي مأزق أو أزمة تمر بها البلاد».
 
جميل ما تدعو له تلك الشخصية، لكن ليسمح لنا أن نختلف مع دعوته الأخرى التي طالب فيها بعقد مؤتمر لعلماء السنة والشيعة؛ لأننا نرفض حصر أزماتنا في أزقة الطائفية ومتاهاتها، فقضايانا وأزماتنا في حقيقتها وجوهرها ليست طائفية وإنما تم تلبيسها بالطائفية خدمة لأغراض المستفيدين لنكون جميعاً الأخشاب التي تحترق في أتون الطائفية خدمة لهم.
 
الاختلاف أمر مشروع ومن الاختلاف نصل إلى الأفضل، لكن المرفوض هو الاختلاف الذي يوصلنا إلى الاحتراب -لا سمح الله-، المرفوض أن يتحول الاختلاف إلى مأزق وأزمة تُضعف من شأن الوطن، والأخطر أن تؤدي بنا إلى تمزيق النسيج الوطني.
 
ليس من المقبول أن يتحول الاختلاف السياسي إلى خلاف طائفي، من حقنا أن نختلف في السياسة وفي البرامج السياسية وفي المطالبات السياسية، وهو اختلاف لا يمكن نفيه لكن يمكن الحوار حوله لتجسير الاختلاف والوصول إلى الحدود الدنيا من الاتفاق، لكن أن نحول الاختلاف السياسي إلى احتراب بين مكونات الوطن وكراهية بين أبنائه فهو الأمر المستغرب والمرفوض، هو الأمر الذي يعطينا شكّاً في أن هناك من يلعب بورقة خطيرة تهدد السلم الأهلي ويجعلنا في أزمة ومأزق لا نعرف له نهاية.
 
إن اللجوء إلى حرف المطالب التي قيل عنها إنها مطالب وطنية مشروعة لتتحول إلى أزمة طائفية بفعل أطراف غير حريصة، وهي في قرارة نفسها ترى في الإصلاح إضراراً بمصالحها وفسادها، لا يهمها أن يتمزق الوطن ويتحارب الناس في سبيل بقائها وفسادها.
 
كنا نأمل مع تقرير بسيوني أن يتغير معه الخطاب السياسي المؤجج والمواقف التي تنفي الآخر تماماً وتريد منه الخضوع والخنوع. كنا نأمل من بعض الأقلام أن تعيد النظر في طريقة تناولها، لها أن تحتفظ باختلافها مع الآخر بالشكل الذي يبني من الاختلاف ثقافة تعمل على الحب والتوحيد وأن تناقش البرامج وتنتقدها بشكل منهجي بعيد عن لغة التحريض والكراهية التي تزيد من تمزق الوطن، وهي بالتأكيد لن يستفيد منها أحد، مهما خدعنا أنفسنا وفرحنا لاستجابة البعض لتحريضاتنا.
 
لم يكن متوقعاً أن يأتي التقرير وفق كل ما أشتهيه وكل ما أعتقد أنه حق أو وفق كل ما تشتهيه وتعتقد أنه حق، لابد أن يكون هناك فيه ما يرضيك ولا يرضيني وأن يكون فيه ما يرضيني ولا يرضيك. العيب من الكثيرين ممن تناولوا الكتابة والحديث عن تقرير بسيوني وغالبيتهم لم يقرأ التقرير بل قرأ بعض العناوين التي لا ترضيه لأسباب خاصة به، وعند الحديث والكتابة لم يتخلَّ المتحدث والكاتب عما هو مترسخ في دواخله لأسباب نفسية تتصل برفض الآخر واتهام الآخر وبما يصل إلى حالة من الحقد والكراهية. الكثير ممن كتب وتحدث لم يأتِ على التقرير ليفند ما هو مرفوض لديه، ولم يتحدث عن حقائق كانت غائبة عنه أو مغيبة عنه بفعل فاعل أو بفعل الحالة النفسية التي يعيشها.علينا جميعاً، سلطة ومؤسسات سياسية وأفراداً، أن نواجه الحقائق التي احتواها التقرير بشجاعة وجرأة متناهيتين وننطلق بشفافية عالية للبناء والخروج من المأزق، وإلا فإن خلاف ذلك واستمرار الحال على ما هو عليه، ذلك يقودنا جميعاً إلى الدمار والهلاك.
 
نعتقد بإخلاص أن الجزء الكبير من الكرة هو في ملعب السلطة، وهي تعرف الطريق إلى الحل قبل وجود تقرير بسيوني، ولكن لا بأس؛ فلتأتِ السلطة بالجزء الكبير من الكرة الذي في ملعبها إلى الجزء المتبقي من الكرة لدى الآخرين في ملعبهم لنشكل جميعاً فريقاً بحرينيّاً واحداً في ملعب واحد وبكرة واحدة نلعب فيه بمحبة لنفرح ولنخرج من المآزق التي نحن جميعاً فيها والوطن فيها. هذا الفريق يجب أن يكون ممثلاً حقيقيّاً لمكونات الوطن وأن يكون متوازناً لأبعد الحدود، يجيد اللعب النظيف حتى لا ينال (الكارت) الأحمر قبل دخوله أرضية الملعب.
 
العهدة على الراوي فقد نال البعض (الكارت) الأحمر قبل دخوله، لأنه حقيقة غير مؤهل للعب النظيف.
تعالوا لننتصر للوطن ونهزم ما يسيء له ويدمره ويدمرنا جميعاً
 

صحيفة الوسط البحرينية – 30 نوفمبر 2011م
 

اقرأ المزيد

تغير المواقف واستثمار التقرير


فجأة تغير موقف البعض من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، فبعدما كان قبل صدور التقرير يدعو إلى القبول بكل ما سيأتي به التقرير وعدم تجزئته، أصبح الآن يطلق عليه وعلى رئيس اللجنة محمود بسيوني جميع الأوصاف التي كان يطلقها على وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية وحتى الدول الأجنبية التي كانت تنادي بأهمية الحوار وتجنب الحل الأمني للخروج من الأزمة في البحرين.
 
فحتى اللجنة التي شكلت بأمر ملكي وتلقت مخصصاتها وتكاليف عملها من الحكومة البحرينية وضمت خبراء قانونيين مشهوداً لهم بالكفاءة والصدقية، تتهم الآن بالتحيز وعدم الصدقية والرضوخ والتأثر بالتغطيات الإعلامية لوسائل الإعلام الأجنبية!
 
لقد مكث أعضاء اللجنة في البحرين لأكثر من خمسة أشهر وعايشوا الظروف التي تلت أحداث شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، واستمعت خلال هذه الفترة لآلاف الشهادات واجتمعت مع جميع الأطراف بما فيها الجهات الرسمية والقوى السياسية سواء المعارضة منها أو الموالية، وزارت المسجونين والمناطق والقرى التي جرت فيها الأحداث… ولذلك فإن التشكيك في النتائج التي توصلت إليها لا يعدو كونه إنكاراً للحق والتمسك بالمواقف المسبقة والتمادي في الخطأ. بالطبع من حق الجميع التحفظ على بعض النقاط التي جاءت في التقرير، ولكن ليس من المنطق رفض جميع ما خلص إليه أو القول إن مجمل التقرير شابه القصور والسلبيات، أو إنه برأ الجاني وأدان البريء!
 
ليس من المقبول الآن التنصل من الاستحقاقات أو التلاعب بالتوصيات التي خرجت بها اللجنة، بل إن ما يجب فعله هو استثمار التقرير في الخروج من الأزمة الحالية من دون النظر إلى من هو الرابح أو الخاسر من تنفيذ التوصيات، وإنما النظر إلى مصلحة البحرين ككل.
 
وتبقى مسألة تشكيل اللجنة الوطنية لتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق الأهم في هذه الفترة، فهذه اللجنة منوط بها متابعة جميع التوصيات اللاحقة ووضع جدول زمني لذلك، ولا يمكن للجنة أن تقوم بهذا العمل إلا إذا كانت مشكلة من شخصيات وطنية ذات صدقية عالية وتحظى بالثقة والأمانة على مستقبل الوطن
 

صحيفة الوسط البحرينية – 29 نوفمبر 2011م
 

اقرأ المزيد

المنزلق الطائفي..!


عند الحديث عن احدى القضايا الهامة التي تثير الخوف والقلق كالانقسام الطائفي والفئوي الذي يكرسه البعض هنا وهناك ويروج له بأدوات رخيصة في سوق المصالح الطائفية والسياسية والطموحات والمنافع الشخصية الضيقة تجدر الاشارة الى سؤال في غاية الاهمية وجهه النائب محمود المحمود لوزيرة التنمية وحقوق الانسان والسؤال هو كالتالي «لقد تعرضت اللحمة الوطنية في الاونة الاخيرة الى مشكلات كثيرة أثرت على العلاقات الاخوية التي تميز الشعب البحرين الاصيل على مدى تاريخه في الحب والتآلف والتعاضد، الامر الذي يتطلب من الجهات ذات العلاقة بذل جهود كبيرة من اجل اعادة هذه اللحمة الى ابناء الوطن الواحد «ومن هنا تساءل سعادة النائب عن «خطط الوزارة القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى من الجوانب الحقوقية والتنموية لإعادة اللحمة الوطنية ووقف الانزلاق الطائفي».
 
حقيقة اذا ما ننظر الى مخاطر النفق الطائفي المظلم الذي يحاول البعض ان يزج شعب البحرين في عتمته الحالكة فان هناك تساؤلات كثيرة تتطلب الاجابة الصريحة الخالية من المجاملة والتعصب ورفض الاخر، وباختصار شديد هناك اسئلة كبرى تضعنا جميعا امام المسؤولية الوطنية والمجتمعية وخصوصا ان الواقع الاجتماعي والسياسي الذي نعيشه اليوم يفسح المجال لكل الاحتمالات السلبية التي ما لم نحسن التعامل معها برؤية واقعية وموضوعية فان نتائجها قد تكون ليست في الحسبان.
اذن فالمنزلق الطائفي الاشكالية الحقيقية التي نواجهها اليوم لا تنحصر فقط كما يرى البعض في التمييز وضعف الضمانات التي تساهم في حماية حقوق الانسان والانتهاكات التي تدفع نحو الاحتماء بالطائفة وانما ايضا في الاحزاب الدينية الطائفية المتعصبة التي تستغل الدين لمصالح سياسية وتستغل الشعارات الديمقراطية وحقوق الانسان للوصول الى السلطة بعدها تتحول الديمقراطية الى ديكتاتورية والتاريخ يشهد على ذلك ومن الادلة ايران والسودان!! واذا كان يهمنا في هذا السياق اصلاح الخلل في الاداء السياسي على كافة المستويات والجهات فان ما يهمنا هنا ايضا تلك الاستراتيجية الوطنية الاصلاحية الشاملة لازالة الحواضن الحقيقية لهذا المنزلق أو بالأحرى لازالة الاسباب الحقيقية لمرض الطائفية الذي وبكل اسف بدأ ينخر عظام المجتمع والوطن ولعل اخطر تداعياته ما نلمسه من توتر واحتقان طائفي وكراهية واقصاء للآخر!!
مرة اخرى مع اهمية سؤال النائب لوزيرة التنمية وحقوق الانسان لإيضاح خطط وزارتها لوقف الانزلاق الطائفي ومع ذلك ينبغي ان يوجه هذا التساؤل الذي يشغل بال الحريصين على اللحمة الوطنية خوفا من تمزقها وعلى الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي الى المجلس التشريعي والهيئات التنفيذية والجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لأن المسؤولية هنا مسؤولية جماعية طالما الجميع ينشد الاستقرار السياسي والاجتماعي والامن عامة.
بعبارة أخرى ان المسؤولية تقع على عاتق الجميع وبالتالي فلابد من استراتيجية وطنية اصلاحية تتصدر اولويات اهتمامنا لمواجهة المشاريع الطائفية والمذهبية واعداد الوطن والديمقراطية وحقوق الانسان، ولا نظن ان الحلول الترقيعية جديرة بحل هذه الازمة التي لا يجب ان ينظر اليها باستجهان في حين ان التصعيد والتحريض والتحشيد الطائفي الذي يحدث هنا وهناك يضاعف من هذه الازمة ويعمق الفجوة بين ابناء الشعب الواحد!!
 
واخيرا للطائفيين ومروجي الفتنة نقول لهم: ان شعب البحرين الذي ادرك منذ عقود مخاطر اللعبة الطائفية يدرك اليوم كيف تدار خيوط هذه اللعبة وكيف يتسابق الطائفيون في كلتا الطائفتين للانتفاع من ورائها، وبالتالي فالثقة كبيرة في هذا الشعب بكل طوائفه ومكوناته في ان يتجاوز هذا المنزلق الطائفي الوعر. واخيرا ايضا ما هي خطط وزارة التنمية وحقوق الانسان لوقف الانزلاق الطائفي في البحرين هذا هو السؤال المهم في هذه الظروف الصعبة.
 
الأيام  26 نوفمبر 2011
 

اقرأ المزيد

من «لجنة» إلى «لجنة» إلى «لا شيء»


قبل أن يصدر تقرير بسيوني سألتني صحيفة «نيويورك تايمز» عن توقعاتي، وكانت فحوى إجابتي أن اللجنة المكونة من خبراء دوليين لا بد وأنها ستقول حقائق جرت في البحرين، ولكن الخشية هي أن النتيجة ستكون لجنة تفوض عملها إلى لجنة أخرى، وهذه تفوض عملها إلى لجنة فرعية، وسيمضي الزمن ربما من دون أن يتحقق شيء.
 
اللجنة هي مجموعة من الأفراد يتم اختيارهم للقيام بمهمة محددة، ولكن في بلداننا فإن اللجنة تتشكل في العادة من أجل شراء الوقت وتضييع الهدف وعدم تنفيذ المهمة. هذا ما نراه من تاريخ اللجان التي تشكلت ولا نعرف عنها شيئاً، وقد كنت عضواً في لجنة تشكلت في 2002 للنظر في كيفية تطبيق ما ورد في ميثاق العمل الوطني بشأن حرية الصحافة، واجتمعت اللجنة التي احتوت على ثلاثة وزراء (مع عدد من الصحافيين) عدة اجتماعات، وقدمنا الرؤى والتوصيات مع مطلع 2003، وكنا نتوقع تنفيذ شيء منها، ولكن لحد الآن (2011) ليس هناك أي أثر، بل على العكس فإن ما رأيناه من تضييق على الصحافة تصاعد بشكل لافت للنظر منذ أغسطس/ آب العام الماضي (2010) ووصل إلى أقسى مرحلة في مارس/ آذار الماضي… ونحن حالياً فقدنا الكثير من هامش الحرية الذي كان متوافراً قبل سنوات، ولا يلوح في الأفق ما ينبئ بأن الوعود التي قيلت وكتبت ودعمت بتصريحات من القيادة السياسية ستجد طريقها إلى التنفيذ.
 
هذا مثال واحد، ولدينا عشرات وعشرات الأمثلة، وكثير منا اشترك أو سمع بلجان، ولكنها اختفت من الوجود. وأعتقد أن وضعنا الحالي لا يحتمل مثل هذا التسويف ولا يحتمل قتل المهمة عبر لجان، ولا يحتمل إضاعة الهدف عبر الوعود والتصريحات، فالوضع السياسي وصل إلى مرحلة يحتاج فيها إلى تنفيذ قرارات واضحة جداً، وهي ماثلة أمام الأعين، وجاء تقرير بسيوني ليثبت عدداً منها.
 
اللجان أصبحت عنواناً لعدم تنفيذ الوعود، ولربما أكون مخطئاً ونرى أن اللجنة أو اللجان التي تتشكل هذه الأيام ستكون مختلفة، ولكن ومع ذلك، فإن هناك أموراً عديدة لا تستطيع انتظار لجان، بل تحتاج إلى إرادة قوية مشابهة لما رأيناه في مطلع العام 2001، عندما بادر جلالة الملك إلى تحريك المياه الراكدة عبر قرارات حاسمة لم تنتظر لجنة أو لجاناً. وهذا لا ينفي دور أي لجنة، ولكن اللجنة مهماتها تتطلب الانتظار، ولذا فإن القضايا التي يمكن أن تنتظر ثلاثة أشهر أو أكثر يمكن إحالتها إلى لجنة، أمّا القضايا التي لا يمكن أن تتأخر يوماً واحداً فيجب ألا تحال إلى لجان. إننا نخشى من مسمى اللجان، ونخشى أكثر عندما نسمع عن أسماء معادية للإصلاح ستكون في هذه اللجان، ونخشى أكثر عندما تكون مهمات تلك اللجان مطاطية بحيث تنتهي إلى ما انتهت إليه عشرات اللجان من قبل، إذ كانت نتيجتها «لا شيء».
 

صحيفة الوسط البحرينية – 28 نوفمبر 2011م
 

اقرأ المزيد

ما بعد التقرير… الحاجة لتحكيم العقل


صدور تقرر اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق من المفترض أن يزيل الضغط النفسي الذي كان لدى جميع الأطراف خلال فترة الانتظار التي دامت لما يقارب الخمسة أشهر، ما يهيئ الأطراف المعنية الآن لتبني مواقف أكثر عقلانية وخطاب أكثر موضوعية.
 
لقد كانت الأحداث خلال الفترة الماضية سريعة وغير مسبوقة ما أدخل البحرين بجميع فئاتها في حالة من الذهول وعدم الاتزان وسيطرة العاطفة مقابل العقل، وزاد من كل ذلك سقوط ضحايا أبرياء نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من جانب وردة الفعل على ذلك من جانب آخر.
 
لدى البحرينيين الآن فرصة سانحة لتقييم ما حدث، يساعدهم في ذلك تقرير اللجنة الذي جاء بشكل متوازن رغم ما تأخذه الأطراف المختلفة على هذا التقرير.
ولذلك فإن أول ما يجب فعله في سبيل إعادة اللحمة الوطنية وتجاوز هذه المرحلة الصعبة هو تحكيم العقل، والنظر إلى مصلحة البحرين ككل ومصلحة الشعب البحريني بكل مكوناته بدلاً من تصيد الأخطاء والتمادي في طريق الانتقام وإشاعة الكراهية بين الناس واتهام الآخر. يجب على الجميع أن يرفض خطاب التخوين، وخصوصاً أن تقرير اللجنة أكد أنه لم يجد أي دليل على تدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس في البحرين.
 
فالتقرير يشير في سرده للأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار إلى أن الحركة كانت شعبية، وأن الاحتجاجات ازدادت توتراً وارتفع سقف المطالب بسبب الاستخدام المفرط للقوة من قبل الأجهزة الأمنية ما أدى إلى وقوع عدد من القتلى.
 
إن 46 ضحية سقطت خلال الأحداث ولا حاجة للبحرين لسقوط المزيد من الضحايا، فإن كان التقرير يشير إلى مبادرة سمو ولي العهد والتي تم طرحها بهدف التوصل لحل سلمي للأزمة وقال إنه «بالرغم من المجهود المضني الذي بذله سمو الأمير سلمان بن حمد إلا أن المفاوضات الرامية للتوصل إلى حل سياسي لم تكلل بالنجاح». وأكد أن هذه المبادرة لو قبلت في حينها لكانت قد مهّدت الطريق لإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة في البلاد، فإن طرح المبادرة مرة أخرى – وهو ما تنادي به القوى السياسية – والدخول في حوار وطني شامل على أرضية المبادئ السبعة للمبادرة يمكن أن يجنب البحرين المزيد من التضحيات، ويمكن أن تكون توصية اللجنة بتكوين لجنة وطنية مستقلة ومحايدة تضم شخصيات مرموقة من الحكومة والجمعيات السياسية والمجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ التوصيات التي خرجت بها لجنة تقصي الحقائق أولى الخطوات في هذا الطريق. 
 

صحيفة الوسط البحرينية – 25 نوفمبر 2011م

اقرأ المزيد

قراءة بعد ” الإعصار”


الإعصار الذي نقصده هنا هو بالضبط ما اصطلح على تسميته ب “الربيع العربي” منذ اندلاع شرارة الثورات العربية مطلع هذا العام، بدءاً من تونس لتتحول رياحه العاتية إلى مناطق أخرى بغية إحداث تحولات إصلاحية متباينة .
 
حتى الآن لم يتم جرد وتقييم “الأضرار والخسائر” التي ألحقها الإعصار بمكونات مؤسسة النظام الرسمي العربي، وهي أضرار وخسائر جسيمة على أية حال . ف “الإعصار” مازال مستمراً في بعض المناطق، ومازالت توقعات أجهزة الرصد السياسية في العالم العربي وخارجه، تذهب إلى أن الإعصار يمكن أن تنكسر قوة اندفاعه ويتباطأ، لكنه مازال يمتلك قوة دفع يمكن أن تحول مجراه باتجاهات أخرى .
 
وفي الحصاد يمكن القول إن تونس تبقى الحالة الوحيدة في “مخلفات” هذا الإعصار التي نجحت فيها تجربة الانتقال التدريجي والآمن من الثورة إلى الدولة . والدولة المقصودة هنا هي الدولة الجديدة بدستورها وقوانينها وتشريعاتها ومؤسساتها المشاركة في الثورة، والمعبرة عن آمال وطموحات الشرائح الأعرض من الشعب التونسي .
 
ففي تونس أوفت الحكومة المؤقتة المشرفة على ترتيبات عملية الانتقال من النظام السابق إلى النظام الديمقراطي ألتعددي الذي قامت من أجله الثورة، أوفت بالتزامها وتم إجراء الانتخابات للمجلس التأسيسي الذي سيضع دستوراً جديداً للبلاد وأساس التحولات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس الجديدة، وتم لأول مرة وضع نهاية للانتخابات المزورة وهيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية في البلاد .
 
وباستثناء التجربة التونسية التي وضعت رجلها على أولى عتبات العبور الناجح والآمن للمرحلة الانتقالية، فإن بقية تجارب الصحوة الشعبية العربية التي حاولت محاكاة ومجاراة التجربة التونسية في التحولات السياسية، مازالت تراوح مكانها بعد أن دخلت في طور الأزمة المستعصية غير المتمتعة بآفاق واضحة مشجعة تنبئ بقرب حلحلة استعصاءاتها .
 
فلقد أثبتت القوى الممانعة للتغيير والإصلاح أنها مازالت تحتفظ بمخزون وفير من ذخيرة مناوراتها السياسية المستخدمة بفاعلية لإطالة احتكارها الحصري للحكم، مستفيدة في ذلك من وجودها المُمأسس والنافذ في أجهزة التسيير والتوجيه كافة .
 
وتراوح مناوراتها ما بين مستويين طامحين إلى مراوغة استحقاقات التغيير، المستوى الأول يصل إلى حد اختطاف الثورة وإعادة توجيه مساراتها بما يفضي إلى استعادة زمام الأمور وتكريس حالة ما قبل الثورة، أما المستوى الثاني فيتعلق بالاضطرار إلى مسايرة “الحدث” والعمل بدهاء وبأقصى قدر من التسويف والمماطلة للتحايل سياسياً على استحقاقات التغيير، وصولاً إلى مستوى خفيض من الإصلاحات المنشودة يضمن في الوقت نفسه استمرار “الحالة الساكنة” .
 
ومن جديد ينهض الوقت كأحد العناصر التي تراهن عليها أطراف التنازع ما بين التشبث بتثبيت القديم، وما بين الإصرار على إصلاحه وتحديثه . ولكن عامل الوقت لم يعد عاملاً منفرداً بحد ذاته للرهان عليه، فهو ليس معزولاً عن “بارومترات” موضوعية أصبحت أساسية في معادلة “قوى سوق” التغيير “عرضاً وطلباً” في العالم العربي، ونخص منها بالذكر المتغير الإقليمي والمتغير الدولي اللذين أصبحا حاضرين بقوة في تجاذبات أطراف وعمليات التغيير و”أعمال الترميم” الجارية هنا وهناك، وذلك بإيقاع مضبوط ومحسوب على مقاسات مصالح القوى المحلية (المستفيدة والمتضررة من التحولات) والإقليمية والدولية .
 
وما بين عملية الشد والجذب هذه، يخال للمرء المراقب وكأن المنطقة قد دخلت مرحلة فيها من انعدام الوزن واللايقين أكثر مما فيها من وضوح الرؤية وأفقها الواعد . هي مرحلة يمكن أن نقاربها توصيفاً بمرحلة إعادة هيكلة سياسية تراوح ما بين إعادة الهيكلة السياسية الكلية وما بين إعادة توفيق أوضاع سياسية هيكلية . فالتغيير، بهذا الاتجاه أو ذاك، حسبما تمليه الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة، لم يعد بالإمكان تفاديه في ضوء المستجدات العالمية الكبرى المداهمة التي تغذيها، كما صار واضحاً، نزعة كونية غالبة لإطلاق موجة تغييرات هيكلية جديدة حدودها الدنيا “توفيق أوضاع” قابلة لاستيعاب استحقاقات المرحلة الجديدة الجارية والمقبلة من العولمة، خصوصاً في شقها الاقتصادي المتأزم والمتجسد في ظاهرة اللاتوازن الاقتصادي العالمي التي حولت شروط وعوامل النمو والازدهار الاقتصادي من الغرب إلى الشرق، والتي لم تعد العلاجات والمسكّنات الاقتصادية كافية لإعادة تصويب بوصلتها، فكان لابد من استحضار البنى الفوقية، لا سيما السياسة وجميع أدواتها الفاعلة التي مازال الغرب يتفوق على الشرق فيها ويجيد استخدامها وتوظيفها على النحو “المبدع والمبتكر” الذي نشهده الآن .
 
السؤال الآن: أين أصبح الشباب الذين شكلوا العمود الفقري لإطلاق هذه الموجة من التحولات الهيكلية السياسية التي بدأت عربية لكنها سرعان ما ألهمت الحركات الاجتماعية في المراكز الرأسمالية الكبرى، فتلقفتها ووطنتها لتتحول إلى حركة احتجاج معولمة (عالمية) ضد الإقصاء، إقصاء رأس المال للطبقات الوسطى والفقيرة وإقصاء الأغلبية الساحقة من الناس من القرارات الكبرى والصغرى المتعلقة بحياتهم العامة، وإقصاء وتهميش الأقليات . . أين هم الشباب من تداعيات ما بعد انطلاق موجات احتجاجاتهم؟ هل مازالت لهم كلمة ليقولوها أم أن دوراً كان لهم وانتهى؟
 
حرر في 25 نوفمبر 2011

اقرأ المزيد

المصالحة الوطنية والخطوات التصحيحية


إن كان ما يطرحه البعض من أهمية إعادة اللحمة الوطنية وحل المشكل الطائفي نابعاً من قناعة أكيدة لديه بأن المستقبل المشرق للبحرين لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال وحدة جميع مكونات الشعب البحريني؛ فإن من المنطق أن يدافع هذا البعض عن جميع الخطوات التصحيحية، وألا يقف حجر عثرة أمام أي حلول أو خطوات تتخذها السلطة التنفيذية في سبيل حلحلة الأزمة الراهنة التي يمر بها الوطن.
من الغريب أن يقف من ينادي بالوحدة الوطنية ضد مساعي إرجاع المفصولين إلى أعمالهم، أو إعادة محاكمة الكادر الطبي أو إجراء حوار مع القوى المعارضة، ويروّج إلى أن السلطة التنفيذية بدأت بالتراجع بسبب الضغوط الخارجية وهي بذلك تكافئ من أساء إلى الوطن.
 
إن مثل هذه الخطوات (التصحيحية) لا يمكن أن تشكل تهديداً لطرف، ولا تعني بأي حال من الأحوال محاباة طرف على آخر، وليست كما يراها البعض مكافأة لمن أساء، كما أنها لم تأتِ استجابة فقط للضغوط الخارجية, فحتى اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي شكلها جلالة الملك من أجل معرفة ما حصل بالفعل خلال فترة الأحداث التي مرت بالبحرين من طرف محايد، بدأت مهماتها بالتوسط لدى عاهل البلاد لإرجاع المفصولين إلى أعمالهم والطلبة إلى جامعاتهم.
 
إن مثل هذا الموقف من لجنة تقصي الحقائق لا يمكن أن يفسر بأنه بادرة لحسن النوايا، أو أنه نابع من تعاطف أعضاء اللجنة مع من تم فصلهم، وإنما يجب أن يفسر بأن فصل الموظفين من أعمالهم على خلفية آرائهم السياسية يتعارض مع المواثيق الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي صدقت عليها مملكة البحرين.
 
ولذلك نجد أن 12 منظمة عمالية عالمية تقدمت بشكوى ضد مملكة البحرين أمام اجتماعات منظمة العمل الدولية المنعقدة حاليّاً في جنيف بسبب قيام السلطات البحرينية «بفصل عدد كبير سواء من أعضاء النقابات أو القيادات النقابية أو العمال».
 
وبالمثل؛ فإن إعادة محاكمة الكوادر الطبية أمام المحاكم المدنية؛ إنما تهدف إلى توفير جميع الضمانات لمحاكمة عادلة، بعد أن لم يحظ المتهمون في الفترة السابقة بمثل هذه الضمانات. فعلى سبيل المثال، لم يتسنَّ للمتهمين من الكادر الطبي التقاء محاميهم سواء خلال فترة التحقيق أو خلال عرضهم على النيابة العامة، إذ لم يلتقوا محاميهم إلا قبل نصف ساعة من بدء محاكمتهم.
 
إن من يدعو إلى المصالحة الوطنية، يجب أن يقف فعلاً مع مثل هذه الخطوات التصحيحية ويدافع عنها ويطالب بالمزيد منها، لسبب بسيط وهو تطبيق العدل والقانون
 

صحيفة الوسط البحرينية – 18 نوفمبر 2011م
 

اقرأ المزيد

أزمة البحرين…..السلطة والمعارضة


قراءة متأنية في الاحتجاجات الكبيرة التي هزت البحرين في الرابع عشر من فبراير “شباط” 2011، والتي استمرت حتى صباح السادس عشر من مارس “آذار” 2011، بدخول قوات درع الجزيرة في الرابع  عشر من مارس 2011 لإنهاء تلك الاحتجاجات والاعتصامات الحاشدة، بدأت العملية بتفكيك التجمعات الشعبية في قرى البحرين، وتحديداً في قرى سترة ونويدرات في الخامس عشر من خلال المواجهة مع الشباب وبعدها إخلاء “دوار اللؤلؤة”، في صباح السادس عشر من مارس 2011، من قبل قوات دفاع البحرين، الحرس الوطني، الامن الوطني، قوات درع الجزيرة، وإعلان حالة السلامة الوطنية من قبل جلالة الملك في السادس عشر من مارس 2011، استمرت حتى الثلاثين من يونيه 2011، خيمت على البحرين أجواء كئيبة لمدة شهرين ونصف، بسبب الاعتقالات  التي طالت بعض قادة المعارضة والمئات من الرجال والنساء من مختلف القطاعات والتخصصات، وكان القلق والخوف بسبب القبضة الامنية المتشددة، وانتشرت نقاط التفتيش في معظم مناطق البحرين من قبل القوات الأمنية والعسكرية المشتركة، اجواء امنية لم يتعود عليها الشعب البحريني من قبل، بالرغم من الانتفاضات والاحتجاجات التي حدثت في النصف الثاني من القرن الماضي حتى نهاياته لم تكن في مستوى هذا الحدث.
 
دوار اللؤلؤة
 
“دوار اللؤلؤة” وتطلق عليه السلطات الرسمية في بلادنا “دوار مجلس التعاون” ويطلق عليه حالياً من قبل شباب الرابع عشر “ميدان الشهداء”، تم ازالته بالكامل في الثامن عشر من مارس 2011، وتم تحويله إلى تقاطع “إشارات ضوئية”، وتطلق عليه حالياً السلطات الرسمية في البلاد، “تقاطع الفاروق” حيث لم يفتتح حتى كتابة هذه السطور، وما زال محاطاً بالأسلاك الشائكة، وتتمركز فيه قوات الحرس الوطني والأمن العام، وفقاً لتصريحات المسئولين في البلاد.
 
دوار اللؤلؤة أصبح رمزاً لاحتجاجات المعارضة وشباب الرابع عشر من فبراير، ففيه سقط العديد من الشهداء والجرحى من المواطنين، في الضربة الامنية الأولى في 17 فبراير 2011، والضربة الامنية الثانية في 16 مارس 2011، وفيه القيت الكلمات والخطابات ورفعت الشعارات واليافطات من مختلف الاطراف السياسية المعارضة في البحرين.
 
بعد رفع حالة السلامة الوطنية “الطوارىء” في الأول من يوليو 2011، بدأ الحراك السياسي، من قبل المعارضة بكل اطيافها بالانشطة والفعاليات واصدار البيانات واقامة الندوات السياسية في البلاد، تنظم المهرجانات والفعاليات والتجمعات وان اخذت اشكال واساليب مختلفة عن مرحلة “الدوار”، ولا زالت مستمرة.
 
 
حوار التوافق الوطني:-
 
في بداية الاسبوع الأول من يوليو 2011، نظمت الدولة “حوار توافق وطني” دعت اليه مختلف القطاعات والفئات للحضور والمشاركة في فعالياته وحددت مساراته وعناوينه، بالاضافة لوجود رجال الاعمال وغيرهم، تواجدت فيه جمعيات المعارضة والموالاة وأعضاء مجلسي النواب والشورى، كانت نسبة المعارضة فيه لم تتعدَ 5% إلى 7%، ولم توافق المعارضة على غالبية المرئيات السياسية التي رفعت إلى الملك من قبل المشاركين في المؤتمر، بسبب تجاهل مقترحاتها.
 
قبل بدء الحوار جرت سجالات ونقاشات حول المشاركة فيه أو مقاطعته، والبعض من المعارضة لم يشارك، وآخرون منها لم يدع اصلاً اليه، والبعض انسحب فيما بعد منه، باختصار لم يحقق النتائج المرجوة، بل كان بمثابة لقاء أو منتدى سياسي، لم يأخذ بمرئيات قوى المعارضة، التي تمثلت فيه من خلال قوى التيار الوطني الديمقراطي، التي كانت مرئياتها الأكثر وضوحاً في التعبير عن تطلعات وطموحات شعبنا في التغيير والاصلاح السياسي وتطبيق الديمقراطية الحقة، وبعد انتهاء اعمال مؤتمر حوار التوافق الوطني، ارسلت جمعيات التيار الوطني الديمقراطي رسالة إلى جلالة الملك تضمنت مرئياتها وملاحظاتها على المؤتمر، وذكرت فيها بأنه لم يأخذ بمرئيات جمعياتها، لكنها لم تتلقَ رداً من قبل الديوان الملكي على رسالتها، وخلال الاسابيع الماضية انتشرت العديد من الاشاعات، عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأن هناك لقاءات، وربما حواراً قائماً ما بين بعض اطراف المعارضة والسلطة، تم النفي من بعض قوى المعارضة وتحديداً الوفاق، ولم تعلق او تنفي مؤسسة الحكم، وهناك كلام آخر بأن ما يتم التحضير اليه من قبل اطراف اقليمية ودولية يجرى بهدوء، ربما بانتظار احداث بعض التغيرات في بعض البلاد العربية، وانتظار صدورتقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة الدكتور محمود شريف بسيوني.
 الجميع يترقب وينتظر، لكن حتى هذه اللحظة لا توجد مواقف وأفكار واضحة للحل السياسي في البلاد، وان اجتهدت بعض اطراف القوى المعارضة في البحرين، بطرح رؤى وافكار لانتشال البحرين من أزمتها العميقة.
 
 
الاحتجاجات الشعبية:-
 
ما حدث في فبراير الماضي لم يسبق أن حدث  من قبل ، سواء في أعداد المشاركين في التظاهرات والاعتصامات والمسيرات والتجمعات الحاشدة،  أو في الشعارات التي رفعت فيها، وأهمها شعار “اسقاط النظام”، والذي اثار جدلاً واسعاً في صفوف المعارضة والحكومة، وفئة واسعة من الشعب، وغيرها من الشعارات المختلف عليها.
 
تلك التداعيات لا زالت مستمرة، وربما تستمر لعقود من السنين وتحديداً “الشرخ الاجتماعي” الذي حدث بين فئات المجتمع بفعل تحريض اطراف عديدة، حيث لم يكن الشعب البحريني موحداً في طرح الشعارات والمطالب السياسية والاجتماعية، والنظام السياسي في البحرين نجح وبامتياز، بتحريف تلك المطالب الوطنية المشروعة، كتطبيق المملكة الدستورية وفقاً لما جاء في ميثاق العمل الوطني، وانتخاب مجلس تشريعي كامل الصلاحيات، وحكومة تمثل الارادة الشعبية ودوائر انتخابية عادلة، وتوزيع عادل للثروة، ووقف التجنيس السياسي، توصف بأنها مطالب طائفية، تريد اقصاء طائفة أخرى من المجتمع، وتطالب برحيلها، وتمت استمالة طائفة كبيرة من خلال الماكينة الاعلامية التي استخدمت فيها كل الافتراءات والمغالطات والشتائم ضد الآخر المختلف في السياسة قبل المذهب، صحافة وتليفزيون واذاعة، وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلة تلك الشعارات المختلف عليها التي رفعت في “الدوار” مثل شعار “ارحلوا” بالاضافة إلى شعار “الشعب يريد اسقاط النظام” هذان الشعاران شكلا مادة صحفية واعلامية دسمة لبعض الاعلامين والكتاب المأزومين والمأجورين والذين استغلوا الأزمة لتحقيق مآربهم الخاصة على حساب وحدة الشعب، يرفعون المعول لهدم البيت الكبير “البحرين” وطن الجميع وتفتيت الشعب وتقسيمه إلى طوائف ومذاهب واعراق والتصدي للمساعي النبيلة التي كانت تبذل من أجل رأب الصدع بين فئات الشعب، داعية للوحدة الوطنية الحقيقية، ووقف انتهاكات حقوق الانسان التي حدثت بعد ضربة مارس واخلاء الدوار واستمرت فيما بعد، لا يهمها هذا، طالما تلك الفئة المستفيدة حصلت على المزايا والعطايا، نظير تلك الكتابات والمقالات والمقابلات والبرامج الاعلامية التي عززت الطائفية وزرعت الحقد والكره وروح الانتقام والتشفي في المجتمع.
 
 
الانقسام المجتمعي:-
 
الشيء الذي يجب أن يذكر في هذه القراءة السريعة، الانقسام المجتمعي العميق بين فئات الشعب، فلأول مرة في البحرين لم يحدث في كل الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية منذ مطلع العشرينات من القرن الماضي، حتى التسعينات منه تقف فئة اجتماعية واسعة من الشعب مع النظام السياسي، تدعمه وتسانده وتدافع عنه،  وان اختلف الشعب البحريني في بعض المطالب في تلك الفترة، لكن ليس بهذا الشكل الحاصل اليوم، حيث كان دائماً موحداً في مطالبه واهدافه، وان وجدت في الماضي بعض التحركات والعرائض لفئة لوحدها، لكن لم يحدث احتكاك او صراع مذهبي بين فئات الشعب، ان الاصطفاف الطائفي والمذهبي المتزايد في بلادنا تغذيه عدة اطراف محلية واقليمية، ومن مصلحتها بان يستمر ويتفاقم الوضع إلى الاسوأ، لكي تحافظ على ما نالته من غنائم وامتيازات من هذه الأزمة، وان كانت على حساب آخرون شركاء لهم في الوطن.
 إن قدر الجميع بأن يعيشوا معاً في البحرين، لا يستطيع اي طرف الغاء الآخر، مهما كانت الأسباب والنتائج.
 
مشروع الملك:
 
السؤال هنا، هل الأزمة السياسية، جاءت بتأثير الثورتين التونسية والمصرية في ديسمبر 2010 ويناير 2011، ام لها جذور واسباب أخرى، استفادت منها بعض قوى المعارضة والشباب، لكي يطلقون دعوتهم في الرابع عشر من فبراير 2011، يوم للغضب.  
 
جاء مشروع أمير البحرين آنذاك، ملك البحرين حالياً في عام 2000، المعروف “بمشروع ميثاق العمل الوطني” وطرح للتصويت عليه من قبل الشعب، تم ذلك في يومي 14 و 15 من فبراير 2001، بعد ان دعت المعارضة الشعب البحريني بالتصويت عليه بـ”نعم”.
 
بتصويت الشعب البحريني على ميثاق العمل الوطني باجماع وطني قلَّ نظيره، بدأت في البحرين مرحلة جديدة، عرفت بالانفراج السياسي، حيث اقدم أمير البحرين آنذاك، الملك حمد بن عيسى، على خطوة ايجابية، وهي تبييض السجون والمعتقلات، بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسين والسماح بعودة المنفيين والغاء قانون أمن الدولة وتدابير محكمة أمن الدولة في فبراير 2001، والسماح للمعارضة بالتواجد العلني وفيما بعد اسست لها جمعيات سياسية “احزاب سياسية” لتمارس انشطتها العلنية في البلاد.
 
بداية الأزمة:-
 
بدأت الأزمة وانعدام الثقة ما بين الحكومة والمعارضة، عندما صدر دستور مملكة البحرين الجديد في الرابع عشر من فبراير عام 2002، بارادة ملكية منفردة، حيث اعتبرته المعارضة، بأنه تراجع عن ميثاق العمل الوطني، وردت السلطة في البحرين عليها، بأنها ادخلت بعض التعديلات الدستورية وفقاً لما جاء في ميثاق العمل الوطني، وأرفقته بمذكرة تفسيرية، معتبرة ما ورد فيه مرجعاً لتفسير أحكامه، من هنا بدأ الخلاف والتباين بين السلطة والمعارضة في تفسير ما جاء في الميثاق، وما تضمنه، حيث أكدت المعارضة بضرورة أن يكون المجلس النيابي المنتخب له كامل الصلاحيات، الرقابية والتشريعية، فيما تنحصر مهمة مجلس الشوري في اعطاء الرأي والمشورة، بمعنى لا يحق له أن يكون شريكاً في التشريع، ولم يكتفِ النظام السياسي، باصدار دستور مملكة البحرين، بل دعى إلى انتخابات لمجالس بلدية ومجلس النواب، في مايو 2002، وفي اكتوبر عام 2002، وبالفعل هذا ما حدث فيما بعد، حيث شاركت المعارضة في انتخابات المجالس البلدية مايو 2002، وأختلفت فيما بعد على الموقف من انتخابات مجلس النواب في اكتوبر 2002 ، فشارك المنبر الديمقراطي التقدمي وغيره من القوى والشخصيات الوطنية، وقاطعت الجمعيات الاربع، وفي عام 2003، انعقد المؤتمر الدستوري الأول من قبل الجمعيات الاربع المقاطعة وبعض الشخصيات الوطنية والمحامين، بعد أن تعذر الاتفاق على صيغة المؤتمر مع المنبر التقدمي وجمعية الوسط.
 
 وخلال فترة انعقاد الفصل التشريعي لعام 2002- 2006، صدرت حزمة من القوانين التي تضمنت قيوداً على الحريات العامة والديمقراطية، والتي تتعارض مع العديد من البنود والمواد التي جاءت في ميثاق العمل الوطني، ودستور مملكة البحرين، وكان ابرز تلك القوانين، قانون الجمعيات السياسية، وقانون التجمعات ومكافحة الارهاب، وقانون السلامة الوطنية، تلك القوانين والاجراءات شكلت تراجعاً كبير عن تطوير التجربة الناشئة في البحرين باتجاه التحول الديمقراطي  في دولة ساد فيها قانون أمن الدولة لمدة أكثر من ربع قرن.
 
 
مراجعة القوانين:-
 
ففي الوقت الذي كان يتطلب مراجعة القوانين الصادرة في فترة الحقبة السوداء من تاريخ شعبنا، والغاء وغربلة وتعديل بعضها، تصدر قوانين اكثر تعسفاً من تلك، فلا يمكن لتجربة جديدة تريد الانتقال إلى مرحلة التحولات الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان، تماشياً مع التحولات والتغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم، أن تبقى متمسكة بتلك القوانين المقيدة للديمقراطية والحريات العامة، وتضاف اليها حزمة أخرى من القوانين المعيقة للتحول الديمقراطي و تتعارض مع مشروع الملك الاصلاحي، هذه الاجراءات والقوانين الجديدة ساعدت على تصاعد ونمو افكار التطرف والرفض في المجتمع، بالاضافة الى فشل جميع لجان التحقيق التي شكلها مجلس النواب في دورته الاولى 2002-2006، ودورته الثانية 2006-  2010 في حمل الدولة على اتخاذ اجراءات ملموسة ضد من ثبت تورطهم في الفساد، اضف الى ذلك لم تتخذ أي اجراءات فعلية، على ما احتوته التقارير الصادرة عن ديوان الرقابة المالية والادارية من قضايا تمس الفساد الاداري والمالي، والإختلاس وغيرها، والمسئول عنها شخصيات تنفيذية ومسئولة في وزارات ومؤسسات الدولة.
 وفي مجلس النواب 2006- 2010، كان التجاذب الطائفي والشعبوي اكثر من التركيز على أهمية اصدار قوانين وتشريعات جديدة، تطور التجربة النيابية في البلاد، وتؤدي إلى محاسبة المسئولين على اخطائهم وعدم القيام بمسئولياتهم وواجباتهم بالمستوى المطلوب، وتورط البعض في قضايا الفساد المالي والاداري، فجاء أداء المجلس مخيباً لآمال الناس الذين صوتوا لهؤلاء النواب.
 
كما كان يتطلب اصدار قانون يحرم التمييز في المجتمع، ويؤكد على المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، كونهم سواسية امام القانون. 
 
كل ما تم ذكره سلفاً، بالاضافة لعدم حل موضوع الخريجين المتزايدين سنوياً وارتفاع اعداد العاطلين من الخريجين الجامعيين، يضاف إلى ذلك ملفات آخرى لم يتم حلها ومعالجتها بالشكل المطلوب، خلال السنوات العشر الماضية، منذ 2001 حتى 2011، الاسكان، التجنيس، البطالة، ملف ضحايا التعذيب في مرحلة قانون أمن الدولة، وهي بمثابة قنابل موقوتة، قابلة للانفجار في اية لحظة، وتشكل عوامل مساعدة إلى اي تحرك شعبي أو مطلبي في المجتمع، وبالفعل جاءت ثورات ما يعرف اليوم “بالربيع العربي” في تونس ومصر، لتعطي دافعاً قوياً للتحرك السياسي والمطلبي، لهذا برزت على شبكات التواصل الاجتماعي دعوة للاعتصام والتظاهر في الرابع عشر من فبراير 2011 الذي أطلق عليه “يوم الغضب”، ويثار التساؤل  عمن أطلق تلك الدعوة، هل هي اطراف بحرينية معارضة متشددة، أو مجاميع شبابية متأثرة بما جرى في تونس ومصر؟
 
 
المعارضة والمشاركة في الاحتجاجات:-
 
في البدء ترددت قوى المعارضة الرسمية بما فيها كبرى قوى المعارضة “جمعية الوفاق” في تأييد دعوة الرابع عشر من فبراير، ولكن ما جرى في الثالث عشر والرابع عشر من فبراير 2011، وسقوط أول شهيد، الشهيد علي مشيمع، غير من رأي المعارضة، وتداعت العديد من اطرافها إلى اجتماعات داخلية للهيئات القيادية،
لاتخاذ القرار المناسب مما يجري، وكان قرار الاغلبية من الجمعيات السياسية المعارضة المشاركة في تلك الاحداث الكبيرة، فيما بعد في دوار اللؤلؤة، وشكلت فيما بينها ما عرف لاحقاً “بالجمعيات السياسية السبع”، وهي صيغة فرضهتا تطورات الأحداث ولم يجرِ التحضير لها قبل ذلك، فأصبحت هذه الجمعيات تعقد  لقاءات واجتماعات مستمرة يومياً، لا توجد رؤى سياسية موحدة بين المعارضة كانت هناك مطالب، حددت في بياناتها الصادرة، وأهما الدعوة لقيام مجلس تأسيسي منتخب، يصدر من خلاله دستور عقدي، مجلس نواب كامل الصلاحيات، دوائر انتخابية عادلة، حكومة منتخبة. 
  
 المملكة الدستورية والدوار
 
كانت هذه أهم المطالب من أجل قيام مملكة دستورية على غرار الديمقراطيات العريقة، مثلما بشر بها جلالة الملك في أكثر من خطاب في بداية مرحلة الانفراج السياسي في فبراير 2001، وجاء في ميثاق العمل الوطني الصفحة “7”، تأخذ دولة البحرين بجدارة بين الممالك الدستورية المتقدمة.  
 
والمطالبة بالمملكة الدستورية، ليست بدعة من المعارضة البحرينية، بل أكد عليها ، قبل عقد من السنين جلالة الملك في أكثر من خطاب، وجاء في الفصل الثاني، من ميثاق العمل الوطني حول شكل الدولة الدستوري “فقد صار من المناسب أن تحتل البحرين مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي الذي يحقق للشعب تطلعاته نحو التقدم”
 
في “دوار اللؤلؤة” سمحت السلطة للمواطنين والمعارضة في التواجد في الدوار، واكد ذلك ولي العهد في لقائه التلفزيوني في الثامن عشر من فبراير 2011، على تواجد المواطنين في الدوار، ولكن ما حدث بعد ضرب دوار اللؤلؤة واخلاء الشباب منه في السادس عشر من مارس، ان التواجد فيه أصبح “تهمة”، لكل من ذهبوا اليه، وتعرض المواطنون البحرينيون للعديد من الاجراءات التعسفية من الاعتقال والفصل أو التوقيف من العمل، ولا زالت اثار تلك التداعيات مستمرة ليومنا هذا.
 
اثناء الدوار، جرت العديد من المسيرات الجماهيرية الحاشدة التي لم تحدث من قبل في البحرين وبتلك الاعداد الكبيرة والتي تعد بمئات الآلاف، بعضها تجاوز ثلاثمائة ألف، وربما أكثر من ذلك، كما ذكر من قبل المراسلين الاجانب ووكالات الانباء العالمية والقنوات الفضائية مثل CNN  و BBC وغيرها، كانت تطالب بالتغيير والديمقراطية الحقة، وكانت بعض الشعارات، تتشابه مع تلك الشعارات التي كانت مرفوعة في تونس ومصر، ولا سيما الشعار المعروف “الشعب يريد اسقاط النظام”، حيث تردد هذا الشعار كثيراً في الدوار، وكان موضع خلاف ما بين اطراف المعارضة، وبالأخص الجمعيات السياسية السبع التي رفضته ورفعت شعار المملكة الدستورية واستحقاقاتها.
 
التباين بين اطراف المعارضة:-
 
كان “دوار اللؤلؤة” مركز الاحتجاج  والاعتصام والتظاهر والتجمع، وهو في قلب العاصمة البحرينية “المنامة” من قبل كل اطراف المعارضة البحرينية، وفيه القيت الخطابات والكلمات والاشعار والقصائد، التي اختلفت في مضامينها ورؤاها من خطيب إلى آخر، وكان الخلاف الأكثر بروزاً، هو حول شعار “الشعب يريد اسقط النظام” وما يعنيه، كانت الجمعيات السياسية السبع المعارضة مصرة على رفع شعار تطبيق المملكة الدستورية وفق ما جاء في ميثاق العمل الوطني، واهمية توعية الشباب بهذا الشعار، وجرت العديد من السجالات والنقاشات والحوارات في الدوار ما بين طرفي الخلاف، شباب الرابع عشر من فبراير ومن معهم من اطراف المعارضة الاخرى، الوفاء وحق وغيرها من القوى السياسية المعارضة، واعضاء وانصار الجمعيات السياسية السبع المعارضة، من أجل التأكيد على أهمية رفع شعار المملكة الدستورية، لكي يشكل اجماعاً وطنياً، بدل من رفع شعارات أخرى غير متفق عليها، تعمق من الخلاف والانشقاق بين فئات الشعب وتعطي ذرائع من أجل ضرب الحركة الاحتجاجية المطلبية وتحرفها عن مساراتها ولا توحد صفوف الشعب، بل قدمت مساعدة كبيرة للنظام، حيث التف حوله ودعمه جزء كبير من الشعب، وكان هذا واضحاً في تجمع الفاتح، فبدل من يتوحد الشعب مع المطالب الوطنية، ويعزز من وحدته الوطنية من خلال التأكيد على حقوقه المشروعة خلق حالة من الخوف والقلق ذلك الشعار المرفوع في الدوار، وتوسعت الهوة بين ابناء الشعب البحريني الواحد وان تنوعت اعراقه واجناسه ومذاهبه، تلك الوحدة التي تجسدت في هيئة الاتحاد الوطني اعوام 1954- 1956، وانتفاضة مارس 1965، والاضرابات والمسيرات العمالية في عام 1972، وفي انتخاب المجلس الوطني في ديسمبر عام 1973، وفي اعوام لاحقة، لم تعد اليوم موجودة في المجتمع.
 
 
المكارثية بماركة البحرين:-
 
 برزت اليوم فئة مريضة تصب الزيت على الحطب لتشتعل البحرين، حيث تعمل على استمرار ذلك الانشقاق المجتمعي، وتزرع الاحقاد والكراهية والتشفي وتنتقم من الأبرياء من خلال الوشاية بهم والصاق التهم ضدهم، لقد فصل العديد من اعمالهم على “الهوية” واعتقل العديد على “الهوية”، وقُتل وعُذب شباب وشابات على “الهوية”، انها المكارثية، بماركة بحرينية أو كأننا في جنوب افريقيا قبل عام 1991، مورست اساليب دنيئة لا تليق بانسان يعيش في القرن الحادي والعشرين، بأن يقوم بها ضد أخيه الأنسان، وكيف الحال إذا كان مواطن بحريني مثله، يعيش معه على أرض واحدة يتنفس هوائها مثله، لم تعد البحرين التي نعرفها، الطيبة والتسامح والتعايش والمحبة والأخوة كانت سمات تُعرف بها، والتصاهر بين ابناء المذهبين في البحرين، ومع أن فعاليات الدوار لم تستمر أكثر من شهر واحد، بالرغم من الاخطاء والخلافات التي وجدت فيه، بعد رفع بعض الشعارات المختلفة عليها والانتقادات التي وجهت إلى الشباب، تستمر بعض الاقلام المكسورة والمأجورة، بالسباب والشتائم، وتؤجج الوضع المتأزم في البلاد وتعمق من التعصب الطائفي والمذهبي، هذه الفئة وآخرون معها يخدمون انفسهم، ولا يخدمون الوطن ولا يهمهم تطور وتقدم البحرين ونجاح قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، يهتمون بمصالحهم وغنائمهم، وان تستمر الازمة، حتى تزداد حساباتهم البنكية، فهؤلاء لا يحبون البحرين ولا شعبها، عبدة الدينار، اسألوا عنهم هل كانوا يملكون قبل الأزمة شيئاً؟ 
الأخطاء والسلبيات لا تعالج بخلق الكراهية والبغضاء والتعصب المذهبي في صفوف الشعب، أي مثقف وأي كاتب هذا، الذي يمارس تسلط وإرهاب فكري ومادي اتجاه ابناء شعبه، ويحرض عليهم الدولة  وأجهزة الأمن، من أجل الإعتقال والفصل من العمل، وأي دولة تحترم قوانينها، كيف تسمح لكتاب واعلاميين بأن يصدروا اوأمرهم، تجاه وزراء ومسئولين في الدولة، ويتم تهديدهم وإهانتهم علناً، راجعوا المقالات والكتابات وبرامج الراصد وغيره بعد أخلاء الدوار وفرض حالة السلامة الوطنية، والأكثر غرابة ودهشة، بعض أعضاء مجلس النواب يؤيدون فصل المواطنين من اعمالهم وساهم العديد منهم في فصل مسئولين وموظفين من بعض الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية، حيث تحول هؤلاء إلى قضاة يصدرون احكامهم تجاه المواطنين.
 
 
الوضع الاقتصادي:-
 
يسير الوضع الاقتصادي من سيء إلى اسوأ، اسألوا غرفة التجارة والصناعة، وأن تخبطت في بداية الأزمة ولم تقل الحقيقة عن الوضع الاقتصادي المزري في البلاد، بسبب الازمة السياسية وتأثيراتها على السوق، هناك من التجار من استفاد من هذه الأزمة على حساب زملاء آخرين له في نفس المهنة، بل البعض منهم حرض تجار كانوا منافسين له في السوق، ليستثمر الوضع لصالحه، وإن كان مؤقتاً، ورغم أن الوضع الاقتصادي في البحرين مرتبط بالأزمة المالية العالمية التي حدثت في أكتوبر عام 2008 و لا زالت تداعياتها مستمرة، لكنه بعد الرابع عشر من فبراير 2011، تدهور نحو الاسوأ على جميع الاصعدة، ويمكن قياس ذلك من خلال قراءة التقارير الصادرة عن العديد من القطاعات المالية والعقارية والخدماتية وغيرها خلال النصف الأول من السنة الحالية المرفوعة من قبل المجالس الادارية، للجمعيات العمومية، بمقارنة سريعة مع التقارير الصادرة لعام 2010، لمعرفة حجم الخسائر في تلك القطاعات الاقتصادية في البلاد.
 
التيار الوطني الديمقراطي:-
 
 المؤمل من هذا التيار الوطني، بأن يلعب دوراً كبيراً باعتباره تياراً عابراً للطوائف وأنه يجمع ويوحد أبناء الشعب الواحد، من خلال الإسراع بالتوقيع على الوثائق التي كتبتها قياداته قبل الرابع عشر من فبراير 2011، تقريباً بعام، ولا بد من عقد مؤتمر عام للتيار الوطني الديمقراطي والشخصيات الوطنية الديمقراطية المستقلة، والاتفاق على صياغة برنامج وطني شامل وواضح، يحلل ويشخص الوضع وكيفية الخروج من الأزمة، وتجاوز اثارها السلبية والعمل باتجاه توحيد فئات الشعب المختلفة والتأكيد على المطالب الوطنية المشروعة في تطوير وتحديث البلاد من خلال الدولة المدنية الحديثة القادرة على التطبيق العادل للحياة الديمقراطية الحقة، وإشاعة الحريات العامة والفردية واحترام حقوق الانسان وتجريم التمييز الطائفي والعنصري في المجتمع والتأكيد على حقوق المرأة، بمعنى الدولة المدنية القائمة على فصل الدين عن السياسة، دولة العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنة الحقة والتعددية الفكرية والسياسية، ينظمها دستور عصري، السيادة فيها للشعب مصدر السلطات جميعاً، الناس فيها سواسية في الكرامة الانسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة.
 
الحل سياسي:-        
 
جربت الدولة، الحلول الامنية في السابق ابآن حقبة قانون الدولة، ولم تفلح في ذلك، وان حدت من انشطة المعارضة وأجبرتها على أن تعمل في السر، وجاءت فترة الانفراج السياسي، كانت الحلول الأمنية اقل حدة من العهد السابق، واليوم تزداد القبضة الأمنية، يوجد في السلطة من يدفع باتجاه التشدد والتمسك بالحل الأمني، بالرغم بان تكلفته باهظة ولن تجلب إلا مزيداً من الخسائر لأبناء هذا الشعب، وسوف يطال فئات وقطاعات عديدة من المجتمع، اي الضرر والخسارة، ففي حالة الاستقرار والامان والطمأنينة ينتعش الاقتصاد والسياحة وهناك أمثلة عديدة على بعض البلدان العربية والاجنبية.
 
فالحل السياسي هو الأجدى لبلادنا لتتجنب الخسائر والكوارث، ولكي تخطو نحو الأمام، عندما تسرع من التسوية السياسية، وفي المقدمة منها بأن يعمل الجميع على اعادة اللحمة الوطنية وبث الثقة والطمأنينة في نفوس الناس، وأن تبادر الدولة بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين واعادة المفصولين والموقوفين إلى اعمالهم، وعدم السماح للذين يؤججون الطائفية والكراهية في المجتمع بالاستمرار في لعبتهم القدرة، فالوطن لا يتحمل المزيد من التمزق والتشرذم.
 
واخيراً  من الضروري أن تبدأ الدولة بالحوار الجاد والفعال مع المعارضة، وتتوافق معها على مستقبل الوطن.
 
 
13 نوفمبر 2011
   

اقرأ المزيد

التعددية ليس معناها تمزيق الوحدة العمالية أو طأفنتها


لا نختلف مبدئياً على مفهوم التعددية كحق نقابي وحق إنساني متضمن بأحد بنود اتفاقية الجات، أي حرية التجارة كأساس لإقامة العلاقات التجارية الدولية، ومتضمن أيضاً بأحد بنود الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية في المجال الحقوقي والنقابي على رغم اختلافنا من الناحية القانونية بشأن طريقة إصدار المرسوم الذي لا يتطلب الضرورة في ظل وجود برلمان منعقد للموافقة عليه أولاً.
 
ونحن كنقابيين في الساحة العمالية لنا رؤية و تحليل عمالي بشأن اختيار الوقت لإصدار هذا القانون، علماً بأن هدف المنظمات العالمية بشأن التعددية هو إعطاء الأقليات من الجاليات الأجنبية من الطبقة العاملة الحق في انتزاع حقوقهم سواء بشأن الأجور أو تحسين الوضع المعيشي من سكن لائق وصحة وغيرها من المطالب التي لا يمكن ان تتحقق من دون تشكيل منظماتهم النقابية وهي الداعم الرئيسي للحفاظ على وحدة كلمتهم ضد أرباب أعمالهم من التجار والمقاولين.
 
والحقيقة أنه حدث جدل كبير بشأن التعددية قبل ثلاث سنوات وكان موقف غرفة التجارة الممثلة للتجار في بداية الأمور مؤيداً للتعددية وفجأة تغير موقفهم إلى معارضة القرار حيث فكر أعضاء الغرفة بأن التعددية ستفتح لهم بابا هم في غنى عنه وهو إعطاء الحق للأجانب بتشكيل منظماتهم، ما يعطي شرعية لمطالبهم بما فيها الإضراب. ومن جانب آخر اتفق غالبية النقابيين على رأي واحد، وجاء المرسوم كردة فعل رسمي للأخطاء التي مر الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بها أثناء الأزمة. وعلى الرغم من وضوح رؤيتنا من التعددية إلا أن موقفنا النقابي العام هو جزء لا يتجزأ من الموقف العام للحركة النقابية بقيادة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الممثل الشرعي للطبقة العاملة البحرينية في الداخل والخارج، ونحن كنقابة تأمين أو أصدقائها من اللجان العمالية لا يختلف موقفنا عن الموقف العام للاتحاد.
 
ونحن لسنا أوصياء ضد أي ممثل للنقابات الأخرى سواء قريبين منا فكراً أو أصدقاء في تصريحاتهم هنا وهناك أو إبداء آرائهم ومواقفهم النقابية لأنها حق نقابي لا يمكن أن نعترض عليه سواء بشأن هذا الحدث أو ذاك، والتي نعتبرها كردة فعل لممارسات وأخطاء متراكمة تم تجاهلها من قبل قيادة الاتحاد.
 
كل ما يهمنا في الوقت الحاضر ان ندفع جميعاً إلى وحدة الطبقة العاملة ورص صفوفها وعدم الدفع باتجاه تمزيقها أو طأفنتها باستغلال صدور هذا المرسوم، فإنشاء أي اتحاد آخر معناه ضرب الحركة العمالية وتفتيتها وتمزيق كلمتها وإضعافها أمام أرباب العمل وضياع مكتسباتها.
 
لنعمل جميعاً على رص الصفوف ولمِّ الشمل وان نخاطب من نختلف معهم بالجلوس أمام طاولة المفاوضات لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء أي دعوة تنال من وحدة الاتحاد، وبالمقابل نخاطب قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ألا يفكروا في السعي لتشكيل نقابات موازية أخرى كردة فعل لأي نقابة تريد ان تسلك طريقا لا يمثل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ولكي لا نعالج الخطأ بالخطأ وأن تقف قيادة الاتحاد أمام قاعدتها بكل جرأة وصلابة وتسلط الضوء على الأخطاء التي ارتكبت سواء إبان الأزمة أو الفترة التي سبقتها وألا تكابر بعدم وجود أخطاء لكي نعالج الخلل قبل ان يتكرر وتتكون أخطاء مبررة للغير للسعي لتمزيق الوحدة العمالية وتشكيل اتحادات نحن بغنى عنها.
 
فعلى قيادة الاتحاد ان تعرف أن الساحة العمالية تختلف عن الساحة السياسية، وبالتالي هذا التكوين قابل للتفتيت والتمزيق إذا لم نعالجه بشكل جذري لكي يكون اتحاداً عمالياً جامعاً وممثلاً لكل أطياف المجتمع من النقابات المنضوية تحت راية الاتحاد العام لنقابات وعمال البحرين.
 
نحن واثقون باجتياز هذا المنعطف بحكمة قيادة الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين
 

صحيفة الوسط البحرينية – 19 نوفمبر 2011م

اقرأ المزيد