المنشور

مخالفات وتهديدات !!


كالعادة كل عام يصدر فيه تقرير ديوان الرقابة المالية وعلى مدى ثماني سنوات يتوعد النواب بمحاسبة الوزارات والهيئات الحكومية التي شهدت طيلة تلك السنوات تجاوزات مالية وإدارية كثيرة!! وفي هذا العام لا يختلف الحال ما أن صدر التقرير المثقل بالمخالفات حتى بدأ أصحاب السعادة يهددون ويتوعدون تلك الجهات المخالفة. ويا ريت هذه التهديدات التي نسمعها وبصوت مرتفع في المجالس الخاصة أن تستمر وتنفذ في «بيت الشعب» وان يكون هناك توجه ملموس فاعل للرقابة والمحاسبة للوقوف بحزم في وجه كافة تلك التجاوزات وإلا ستصبح هذه التهديدات ظاهرة عارضة او كما يسميها البعض «زوبعة في فنجان».
 
على أي حال وإذا كان لأصحاب السعادة الأفاضل الذين نكن لهم كل الاحترام مشروع يهدف الى تحقيق مثل هذا التوجه او باختصار مشروع يترجم تلك التهديدات التي غدت ظاهرة صوتية في المجالس الخاصة، فإنه من الأهمية أن تتفاعل اللجنة البرلمانية التي شُكلت لهذا الغرض تفاعلاً حقيقياً مع جهود ديوان الرقابة المالية والإدارية التي تستحق الثناء والتقدير لانجازاته الشفافة والملحوظة على صعيد الحفاظ على المال العام وحمايته من التجاوزات والهدر. ولا يملك أي مراقب وطني إلا ان يدفع في اتجاه ما أكد عليه رئيس مجلس النواب « ان مجلس النواب سيتعامل مع التقرير وفق مواد الدستور والقانون وسيتم إحالته للجنة المختصة، وسيقوم المجلس بدوره المناط به في الرقابة بكل مسؤولية وأمانة».
 
حقيقة تقرير هذا العام والتقارير السابقة تؤكد واقعاً من المخالفات لا يمكن تجاهله وبالتالي كيف نتعامل مع هذا الواقع، سؤال نضعه في مقدمة الاسئلة. في البدء اذا ما ألقينا نظرة سريعة على تقرير عام 2010 فليس من المبالغة أن نقول إن ما اشار اليه بشأن الدَّين العام يثير أكثر من علامة تعجب واستفهام خاصة أن هذا الدين قد بلغ مليارين و871 مليون دينار، والادهى من ذلك ما أشار اليه ان «قسم السيولة والَّدين العام بوزارة المالية يقوم بمتابعة حساب ذلك الدَّين وإعداد الكشوف ولوحظ عدم وجود مراجعة مستقلة لهذه الكشوف رغم أهميتها».
 
يا جماعة في كل التقارير التي صدرت ما أكثر التفاصيل التي تعبر وفي أكثر من موقع حكومي عن حجم المخالفات التي تتكرر في هذه الجهة الحكومية او تلك، وهذا بطبيعة الحال يفسر لنا أولاً عدم التزام الجهات الحكومية المخالفة مالياً وادارياً بما جاء في هذه التقارير، وثانياً ان الاداء النيابي أحوج ما يكون الى تفعيل الادوات الرقابية.
 
كما أوضحنا سلفاً هناك مخالفات كثيرة اكد عليها التقرير أبرزها تلك المتعلقة بعدم التزام بعض الوزارات والهيئات الحكومية بقانون الميزانية العامة للدولة وتحديداً فيما يخص المصروفات، كما فعلت وزارة الداخلية التي تجاوزت مصروفاتها المتكررة أربعة ملايين دينار، وكذلك عدم الالتزام بقانون المناقصات ولوائح أنظمة الخدمة المدنية في التوظيف كما حدث في وزارة حقوق الانسان والتنمية الاجتماعية التي كما يقول التقرير خالفت اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية بشأن تعيين غير البحرينيين. وبعبارة أكثر وضوحاً يقول التقرير «قامت الوزارة بتاريخ 4 يناير 2010 بتعيين خبير في مجال التصميم براتب شهري قدره 1250 دينارا لمدة 4 شهور وقامت ايضاً في تاريخ 8 فبراير 2010 بتعيين خبير آخر في مجال الزراعة براتب شهري وقدره 800 دينار لمدة خمسة شهور وذلك من دون موافقة ديوان الخدمة المدنية.. ويقول ايضاً لم نتمكن من الاطلاع على المؤهلات الاكاديمية او شهادات الخبرة الخاصة بالخبيرين كما ان شهادة الدخول الصادرة عن الامانة العامة للجنسية والجوازات والاقامة حدد بها شرط عدم مزاولة اي عمل داخل البحرين».
 
وحدث ايضاً في الامانة العامة لمجلس النواب التي ارتكبت مخالفات عدة في مجال التوظيف من بينها كما قال التقرير تعيين ستة موظفين دون اللجوء الى اعلان في احدى الصحف اليومية للوظيفة او الرجوع لملفات طلبات التوظيف المؤجلة لدى الشؤون الادارية بالمجلس للحصول على الطلب المناسب ما يخالف المادة 12 من لائحة شؤون الموظفين الصادرة سنة 2004 وفضلاً عن ذلك احتساب بدل العمل الاضافي بشكل مخالف ما نصت عليه تلك اللائحة وهو يعرف أجر العمل الاضافي الاعتيادي بنسبة (100 في المئة) من اجر الساعة الاساسي، ويصرف اجر العمل الاضافي بنسبة (125 في المئة) من اجر الساعة الاساسي عن ساعات العمل في ايام الاجازات والعطل الرسمية في حين يحتسب اجر العمل الاضافي الاعتيادي (125 في المئة) واجر العمل الاضافي بنسبة (150 في المئة) من اجر الساعة الاساسي في العطل والاوقات غير المستحبة.
 
بالطبع كل هذه المخالفات وغيرها تتطلب الإجابة الواضحة والصريحة عن الاسئلة. لماذا حدثت؟ وكيف حدثت؟ ومن المسؤول عنها؟ ومتى يقدم اصحاب السعادة على تفعيل الادوات الرقابية لوقف هدر المال العام ومكافحة الفساد المالي والاداري؟ هذا ما يجب ان يكون في مقدمة أجندة اصحاب السعادة في الوقت الحاضر والمستقبل.
 
الأيام 23 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد

فــلــول!


مثل كثير من النعوت والتوصيفات التي شاعت وانتشرت في مصر إبان وبعد ثورة 25 يناير، تبرز مفردة “فلول” التي كانت حتى وقت قريب مركونة في مكان ما منزو في جسم لغة الضاد، تبرز كإحدى أكثر المفردات تداولاً هذه الأيام في الخطاب السياسي المصري، بل وحتى في حوارات وجدالات النخب وعموم فئات الشعب.
وقد بدأ رواج هذه المفردة بعد استخدامها من قبل الأطراف المحسوبة على الثورة “لتشخيص” الشخوص والأوساط الموالية والمحسوبة على النظام السابق في إطار استمرار “المناوشات” الكلامية التي كانت اندلعت بين الموالاة والمعارضة إبان أيام الثورة الثمانية عشر، حيث دأب الإعلام الحكومي ما قبل التنحي على مهاجمة المعتصمين في ميدان التحرير وتوجيه أقذع النعوت ومختلف الاتهامات لهم ومنها “الارتباط بالخارج”، فيما كان المعتصمون يردون باتهامات مضادة شاءت ملابسات التكرار أن يكون نعت “الفلول” الأكثر شعبية وانتشاراً بينها.

ولكأن مفردة “فلول” استقرت بفعل هذا الاستخدام الشائع والمفرط، في لاوعي المتحاورين والمتخاطبين في أجهزة الميديا المصرية وخارجها، فراحوا يستخدمونها بإفراط شديد وخفة وتبسيط بالغين للدلالة على أمر من الأمور الحياتية الهينة .. مثلها في ذلك مثل مفردة “بيئة” على سبيل المثال التي ذهبت “تصنيفاً (Rating) للدلالة على أو “للتأشير” على المراتب الطبقية للناس.

ولعل هذا المآل المنفر الذي آلت إليه لغة الخطاب السياسي في مصر يندرج في المنحى الذي نحته أطراف الصراع بين أركان النظام السابق ومريديه من جهة وبين مختلف أنواع الطيف السياسي والاجتماعي المناوئة له والمشاركة في عملية تغييره، والتي تضمنت، كما نتذكر، في مرحلة سابقة، قيام الطرف الثاني بإصدار لوائح سوداء تتضمن أسماء عدد من المشاهير بهدف تسقيطهم شعبياً وإحراقهم فنياً وسياسياً وإعلامياً، وهو ما كنا حذرنا منه في مقال سابق باعتباره شكلاً من أشكال الإقصاء والإرهاب الذي لا يليق بالمناقبيات التي يُفترض أن يتحلى بها طلاب الحق ومتصدرو دعوات التغيير.

من يتابع اليوم البرامج الحوارية التي تفيض بها القنوات الفضائية المصرية، خصوصاً القنوات الخاصة منها، سيلاحظ كثرة ترداد وتداول كلمة “فلول” في معرض تلك الحوارات، حتى ليبدو للمتابع الحصيف وكأن هناك من يتعمد “سيولة وتدفق” هذه الكلمة بهدف الانتهاء إلى تسخيف من يحاول استخدامها فيما بعد والتندر عليه. ذلك أن كثرة الاستخدام يفقد الشيء قيمته وبريقه.

ومن نافلة القول أن ليس كل من ارتبط بالدولة هو بالضرورة “فلول”، حتى في أكثر الأنظمة الشمولية والبوليسية، بل إن مفردة “فلول” نفسها تنتمي إلى زمن “المراهقة” السياسية حين كانت الأحزاب والحركات السياسية تخصص حصة وفيرة من وقتها للتراشقات التنظيرية والسياسية الاستعراضية التي كان يحرص “فرسانها” على مقارعة بعضهم بعضاً بالنابي من الكلام المرسل.

ولكن، ورغم الفاصل الزمني بين عصرين (ستينيات القرن الماضي والعصر الراهن)، فإن مدلولات مفردة “فلول” العائدة بقوة للتداول السياسي، تتجه لأن تصبح جزءً من الثقافة السياسية السائدة في مصر ومنها إلى بقية أنحاء العالم العربي، تعبيراً عن السياقات الاجتماعية الانشطارية الحادة التي ستسم الحالة العربية العامة إلى حين.



22 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد

عن المفصولين أيضاً


التعميم الملزم الذي أصدره نائب رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الخدمة المدنية الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة لجميع الجهات الحكومية الخاضعة لقانون الخدمة المدنية بإعادة جميع الموظفين الذين تم فصلهم على خلفية الأحداث الأخيرة وذلك اعتباراً من الأول من يناير القادم، خطوة في الاتجاه الصحيح طال انتظارها لأنها تصحح خطأ وقعَ، وتزيل ظلماً لحق بمواطنين عبروا عن آرائهم في نطاق الحقوق الشرعية المضمونة بالتشريعات المحلية والاتفاقيات الدولية.
 
والمؤمل أن يجري تنفيذ هذا التعميم الملزم بحذافيره، في الوقت المحدد وبطريقة تضمن عودة جميع المفصولين إلى الوظائف التي كانوا على رأسها لحظة فصلهم، وبذات الامتيازات التي كانت لهم، وأن يترافق ذلك مع إعادة رواتبهم عن الفترة التي فصلوا فيها من أعمالهم، لكي لا نكون بعد حين بصدد ملفٍ آخر يتصل بهذه الجزئية تحديداً، فإلغاء قرارات الفصل، يعني التسليم ببطلان القاعدة القانونية التي أتخذت على أساسها، على نحو ما ذهب إليه تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق، وبالتالي يجب معالجة الضرر الذي لحق بالمفصولين وعائلاتهم على مدى شهور.
 
لكن هذا التعميم الملزم طرح على بساط النقاش مسألة أخرى محورها التناقض حول أرقام المفصولين، ففيما يتحدث التعميم الحكومي عن إعادة 180 موظفاً في القطاع الحكومي، بعودتهم يكون هذا الملف قد أغلق في الحكومة، فان الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين يؤكد بأن عدد المفصولين من القطاع العام الذين وثقوا بياناتهم بسجلات الاتحاد يبلغ 377 مفصولاً.
 
وهذه مسألة على قدر كبير من الأهمية تتطلب من ديوان الخدمة المدنية الشفافية الكاملة بإصدار بيان واضح للرأي العام عن عدد الموظفين المفصولين من أعمالهم في الحكومة يشمل أسمائهم وأسماء الوزارات والأجهزة الحكومية التي فصلوا منها، لكي يتم التحقق من الوقائع عبر مطابقة بيانات ديوان الخدمة المدنية بتلك المسجلة لدى اتحاد النقابات.
 
 وبغياب هذا الإعلان الواضح الذي جرت المطالبة به في اجتماعات لجنة متابعة تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، فان أسئلة كبيرة ستظل مثارة لدى الرأي العام، خاصة وأننا في بلد صغير لا يمكن للحقائق أن تُخفى فيه، وليس سوى الشفافية في المعلومات وسيلة لقطع الشكوك وبيان الحقيقة، حتى يغلق ملف المفصولين من القطاع الحكومي بصورة ناجزة وعادلة.
 
على أن عدد المفصولين في القطاع الحكومي مهما كبر يظل أقل بكثير من عدد المفصولين من القطاع الخاص وخاصة من الشركات الكبرى المملوكة للحكومة، التي لم يقم بعضها بإعادة حتى واحد من المفصولين كما هو الحال في شركتي أسري وباس، وهنا أيضاً يوجد تناقض في الأرقام، ففي الوقت الذي تتحدث فيه مصادر حكومية عن أن من تبقى من المفصولين يُقدر بالمئات، باعتبار أن بعض الشركات أعادت عدداً منهم، فان معطيات الاتحاد العام للنقابات تتحدث عن 1651 مفصولاً وفقاً لسجلات الاتحاد.
 
وتتوفر معطيات عن حلحلة قريبة متوقعة لملف هؤلاء المفصولين أيضاً، لكن أي تباطؤ في تنفيذ هذه التوصية الواضحة للجنة بسيوني لن يحمل في طياته وتبعاته إلا مفاعيل سلبية، وسيصيب من مصداقية توجيهات الجهات الحكومية في حل هذا الموضوع.

اقرأ المزيد

اوقفوا انتهاكات حقوق الأنسان في البحرين


يبدو بأن هناك إصرار من الدولة وأجهزتها الأمنية، بأن تستمر في ممارسة سياسة الترهيب والقمع ضد المواطنين المتظاهرين وأيضاً العقاب الجماعي الذي يمارس على بعض القرى في البحرين.
 
 لم يسلم المواطنين الآمنين في بيوتهم من الغازات المسيلة للدموع والتي استخدمت من قبل الشرطة “قوات الشغب” بكثافة، وتسببت في اختناقات للعديد من المواطنين، وأدت لوفاة البعض، مثلما حدث للرضيعة ساجدة فيصل جواد، في بداية الشهر، وأخيراً الحاج عبدعلي أحمد الموالي “73 عاماً” من قرية المقشع، وأن قالت وزارة الداخلية في بياناتها الصادرة في 17 ديسمبر نقلاً عن مسئول في وزارة الصحة، (بأن الوفاة سببها فشل كلوي وكبدي، وتسمم في الدم وتوقف في الجهاز التنفسي)، عكس ما يؤكد عليه أهالي المتوفي، بأن سبب الوفاة جراء استنشاق الغازات الكيمائية السامة التي تستخدم من قبل الشرطة “قوات الشغب” ضد المواطنين.
 
 من أجل كشف الحقيقة، مطلوب اصدار تقرير طبي من قبل طبيب محايد لمعرفة أسباب الوفاة، ولكن من الواضح، بأنهم لا يريدون ذلك، بل تمعن قوات الأمن، بترهيب المواطنين من خلال أطلاق مسيلات الدموع، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، وما حدث من إصابات خطيرة في قرى الشاخورة وأبوصيبع في السادس عشر والسابع عشر من ديسمبر 2011، فهو دليل على منهجية التخطيط بالأعتداءات على المواطنين، وإرهاب الآمنين منهم في بيوتهم، وأشرطة الفيديو المنتشرة، تتحدث عن تلك الوقائع الأجرامية والأنتقامية التي قامت بها قوات الأمن “قوات الشغب” التابعة لوزارة الداخلية، ويؤكد ذلك بيانها الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 2011، لمحاسبة المسئولين عن ذلك، ونتساءل من الذي اصدر الأوامر لضباط وأفراد الشرطة بأطلاق مسيلات الدموع “الغازات السامة”؟، من يعاقب من؟، يقول المثل المصري المعروف ” يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.
 
على الدولة مسئولية أخلاقية، بالحفاظ على أرواح، وممتلكات مواطنيها وليس ممارسة سياسة القتل والقمع، التي تخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، سبق ان صدقت عليه حكومة البحرين في عام 2006، وتخالف المواثيق والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الأنسان كما ان البحرين مقبلة في شهر مايو 2012، لمراجعة سجلها في حقوق الأنسان في جنيف من قبل المفوضية السامية لحقوق الأنسان التابعة لمجلس الأمن للأمم المتحدة، بعد أن تقدمت بتقريرها الأول في مايو عام 2008، ومضى عليه أربعة أعوام، من الواضح بأن سجل حقوف الأنسان في البحرين سيكون الأسوأ، لما جرى منذ الرابع عشر من فبراير حتى يومنا هذا من انتهاكات واضحة لحقوق الأنسان، ومطلوب من الدولة بأن تحسن من أوضاعها في مجال حقوق الأنسان، بعد تلك الأنتهاكات الفضيعة لحقوق الأنسان في البحرين، من قتل وتعذيب وفصل وتوقيف من العمل للآلاف من المواطنين، والتوقف عن سياسة التمييز الطائفي التي تمارس في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، وحتى كتابة هذه السطور لم تلتزم الدولة بتوصيات لجنة البروفيسور محمود شريف بسيوني بتنفيذ التوصيات، وأولها بإرجاع المفصولين والموقوفين إلى أعمالهم، والغاء المحاكم العسكرية، وما صدر عنها من أحكام قاسية ضد الأطباء والمعلمين والأكاديمين والممرضين والطلبة والرياضين والعسكريين والعديد من المواطنيين وأن تسرع إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بما فيهم من النساء والشباب والطلبة ، وهي مخالفة للقوانين المعمول بها في البحرين، بكل ما يشوبها من العيوب والنواقص، ووفقاً لتصريحات العديد من المحامين البحرينين، وتوصيات لجنة بسيوني، لا يراد لتنفيذها العديد من اللجان وفرق العمل الحكومية، وبدلا من التسويف والمماطلة وعدم القيام بتنفيذ التوصيات، مطلوب إرادة سياسية قوية، تتخذ القرار السياسي وتآمر بالتنفيذ، لخلق أجواء وطنية صادقة ومخلصة نحو المصالحة الوطنية، تعيد اللحمة الوطنية، وتبدأ بالقيام بأصلاحات سياسية جذرية في الدولة، وتبتعد عن اللجوء للحلول الأمنية والعسكرية، التي تعمق الفجوة بين مؤسسة الحكم والمعارضة وتأزم الوضع السياسي وتزيده صعوبة وتعقيداً، ويجب على الدولة أن توقف الأعمال القمعية لأجهزتها الأمنية وما تمارسه من العقاب الجماعي ضد القرى والأحياء الشعبية في العديد من المناطق، فالحل السياسي هو الخيار الصحيح، وبصدق النوايا، تفتح الطريق نحو آفاق أرحب في وطننا، ويمكن أن تكون خريطة الطريق للحل اعتماد المبادئ السبعة لولي العهد، لتوقف انتهاكات حقوق الأنسان في البحرين.
 
 
فاضل الحليبي
20 ديسمبر 2011
      

اقرأ المزيد

بصـدد جمعية المحامين


لا نحمل على محمل الجد التبريرات التي ساقتها وزارة التنمية الاجتماعية لتعطيل الانتخابات المستحقة في جمعية المحامين أولاً، وثانياً في رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات التي جرت، ونتج عنها مجلس إدارة جديد يمتلك كل مقومات الشرعية، وإصرار الوزارة على إعادة تعيين مجلس الإدارة السابق المنتهية ولايته، لا ينظر إليه إلا من باب المكابرة في التسليم بواقع صحيح أنشأته هذه الانتخابات التي سعت الوزارة لإعاقتها.
 
المحامي والنقيب السابق للمحامين عباس هلال قال في تصريح صحافي له إن وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية هي التي انسحبت من الجمعية العمومية في 8 أكتوبر لخطأ بسيط في عضوية 3 من منتسبي الجمعية، ووضعت شروطا تعجيزية وغير لازمة في تأكيد العضوية، وقرارها في طياته يحمل بطلاناً. وأشار هلال إلى «أن قرار الوزارة سالف الذكر يستند إلى النصوص التعسفية في قانون الجمعيات، والتي أقر بها وزير العمل السابق عبدالنبي الشعلة، حين ذكر في بداية المشروع الإصلاحي أن هذا القانون أصبح ميتاً»، كما أن مجلس الادارة المنتهية ولايته والذي أعلنت الوزارة عن إعادة تعيينه رفض هو نفسه وبأغلبية كبيرة من أعضائه هذا التعيين، معبراً عن دعمه لمجلس الإدارة الجديد، ومتمسكاً بصحة الانتخابات التي جرت وبنتائجها.
 
موقف وزارة التنمية الاجتماعية من موضوع جمعية المحامين يعيد إلى الأذهان مواقف كثيرة اتخذتها الوزارة في علاقتها مع مؤسسات المجتمع المدني، بينها تعطيل اشهار الاتحاد النسائي البحريني لفترة طويلة، ثم النزاع الذي خاضته الوزارة مع جمعية الممرضين ومع الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وهي مواقف لا تدعم فكرة الشراكة بين الدولة والمجتمع على قاعدة احترام استقلالية مؤسسات المجتمع المدني التي تشكلت بإرادة أعضائها وتكرست مكانتها وسمعتها داخل البحرين وخارجها انطلاقاً من واقع هذه الاستقلالية ذاتها، وهي نفسها الاستقلالية التي يؤخذ على الوزارة محاولاتها المساس بها، بما قد يفسر على أنه رغبة منها في احتواء مؤسسات المجتمع المدني.
 
وبالنسبة لجمعية المحامين نحن إزاء واحدة من أعرق وأهم الجمعيات ذات التاريخ المهني والحقوقي المشرف، والسمعة الطيبة في المحافل الحقوقية والقانونية العربية والدولية، وليس من مصلحة سجل البحرين في مجال حرية التعبير والتنظيم أن تقحم الوزارة نفسها في هذا السجال الذي لا مبرر له، والذي لا يستقيم مع ما استقرت عليه المجتمعات المتقدمة من ضمان استقلالية مؤسسات المجتمع المدني، ومن تصاعد الدعوات لاحترام هذه الاستقلالية وصونها.
 
وكما في كل مرة نواجه فيها بقضية مشابهة فان الأنظار تتجه الى القانون الذي ينظم عمل مؤسسات المجتمع المدني، حيث تجري المطالبات بأن تُلغى النصوص المقيدة لحرية واستقلالية مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة منها تلك التي تنص على الرقابة الإدارية للوزارة، والاكتفاء بالرقابة القضائية اللاحقة وبالإيداع عند التأسيس.
 
لم يفت الوقت بعد لكي تصحح الوزارة الوضع الخاطئ الذي نشأ في علاقتها مع جمعية المحامين، وتجتمع مع مجلس الادارة المنتخب في المؤتمر الأخير، بما يرسي لأسلوب عمل جديد في العلاقة لا مع هذه الجمعية لوحدها، وإنما مع كافة مؤسسات المجتمع المدني في البلد.
 

اقرأ المزيد

في مدار القمة الخليجية


أهمية القمة الخليجية الثانية والثلاثين التي تنعقد حالياً في الرياض انها تأتي في خضم تطورات عاصفة شهدها العام العربي في العام الذي نوشك على وداعه، والتي كانت، في بعض أوجهها على الأقل، بمثابة الزلزال الذي أحدث من المتغيرات ما كان يصعب، لا بل ويستحيل، التنبؤ بحدوثه عندما انعقدت آخر قمة خليجية عادية في ديسمبر من العام الماضي.
 
فما جرى التعارف على وصفه بالربيع العربي أسس لواقع عربي جديد، ليست واضحة، حتى اللحظة، مآلاته اللاحقة، ولكنه، مع ذلك، أنشأ معطيات جديدة ليس بوسع الإقليم الخليجي أن يكون بمنأى عن تأثيراتها، بل انه بات معنياً بها، وفي بعض الحالات شريكاً مهماً في تقرير مجرياتها، وهو أمر لا تخطؤه عين المراقب الحصيف.
 
منذ عدة سنوات وضع كاتبان أمريكيان تقريراً عن الأوضاع في منطقة الخليج العربي وأفقها المستقبلي، محوره دعوة دول المنطقة إلى ما وصفاه بـ «التعايش مع المتغيرات»، منطلقين من حقيقة شبه الاحتكار الأمريكي الحالي لكل من النظام الأمني والترتيبات الأمنية الأحادية الجانب، مما يؤجل عملياً العمليات الجيوسياسية العادية في الخليج. ورغم أن التقرير صيغ بروحية أن أمن الخليج هو مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول وحلفائها الغربيين إلى حد ثانوي، ويبرز بصورة مكبرة أن دول الخليج الصغيرة المنتجة للنفط غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد اللاعبين الكبار في المنطقة.
 
الركون إلى هذا الاعتقاد لم يعد مجديأً في الواقع العربي والاقليمي المتغير، فحجم المتغيرات التي جرت هو من الاتساع وقوة التأثير ما يفرض على دول الخليج أن تفكر ملياً في أنها مشمولة بديناميات التحول الجارية في المحيط العربي، بالصورة التي تطرح مسألة المشاركة السياسية في بلداننا بصورة غير مسبوقة، ليس لأن الدول المستفيدة من النفط سترفع حمايتها عن الأمن الخليجي، فهذا محال في الأفق المنظور، لكن المستجد هو أن هذه الدول قد تتحول، وهي تتحول بالفعل ولو بشكل أولي، إلى قوة ضاغطة في اتجاه إحداث متغيرات في إطار البنى السياسية القائمة، لتوائم المتغيرات العربية آنفة الذكر.
 
ورغم أن دول المنطقة خطت خطوة في الاتجاه الصحيح بتشكيلها لإطار مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية تمتلك درجة كبيرة من التجانس، وبتمكنها من الحفاظ على استمرار هذا الكيان رغم الهزات الكبيرة التي عرفتها المنطقة، لكن هذا وحده لم يكن كافياً بالأمس، وهو لم يعد كافياً اليوم بصورة أكبر، ففي هذا الخليج شعوب معنية بأمنه واستقراره وتطوره وتطمح لأن تكون شريكاً في ذلك. إن مجلس التعاون الخليجي لو أخذ كوحدات مستقلة لكُنا إزاء دول صغيرة المساحة ومحدودة السكان، وحتى إذا أخذناه كمجموع فانه سيغدو مجموعا لهذه الوحدات الصغيرة التي تجعل منه هو الآخر قوة صغيرة، والمصلحة تقتضي أن يصل الخليج إلى مستوى يجعل من إطاره الإقليمي إطارا يتعدى حدود التنسيق والتشاور ليصبح أداة صنع سياسة جديدة، ليس إزاء الخارج وحده، وإنما إزاء العلاقة بين شعوب المنطقة وأنظمتها في أفق التحديث والإصلاح والمشاركة السياسية.
 
 
20 ديسمبر 2011
 
 

اقرأ المزيد

الوضع الحالي والخروج من الأزمة


ما يجري الآن على الساحة البحرينية من تدهور أمني وسقوط المزيد من الضحايا يشير بكل وضوح إلى أننا وصلنا إلى طريق مسدود، وأن البحرين لم تستفد شيئاً من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وما جاء فيه من توصيات كان من الممكن أن تساهم بشكل كبير في حلحلة الوضع لو تمت الاستفادة منها وتطبيقها بشكل أسرع.
 
هناك من يقف عائقاً أمام تنفيذ التوصيات، بدءًا من إرجاع المفصولين إلى أعمالهم، والطلبة إلى جامعاتهم، مروراً بعرقلة أية إجراءات تصحيحية قد تقوم بها الدولة، والتهديد بتصعيد الوضع من جانب آخر إن تم التجاوب مع المطالب الشعبية.
 
هذا البعض يرى أنه أحق بالبحرين من غيره، ولذلك يجب أن تكون له الأولوية في كل شيء، في الحصول على المقاعد البرلمانية، وفي امتلاك السكن، وفي الوظائف الحكومية والتمتع بالترقيات والبعثات والمناقصات والتجارة والأراضي… وحتى في الحصول على المكافآت السنوية (البونس).
 
ولذلك فإن من مصلحة هذا البعض أن يبذر الفتنة ويثير الشكوك والمخاوف بين أبناء الوطن الواحد، ويضرب في مفاصل الوحدة الوطنية. وبدلاً من أن ينشر مبادئ المواطنة والمساواة والعدل وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والعقيدة، فإنه يزرع الكره والبغض من خلال تقسيم الناس إلى مواطنين شرفاء، وخونة وعملاء، لأنه ببساطة يرى أن أي تقدم للبحرين كوطن، إنما يأتي على حسابه شخصياً، ويقلل من المكاسب التي حصل عليها في ظل الوضع السابق من دون وجه حق.
 
في المقابل، هناك حالةٌ من الإحباط المتراكم على مدى سنوات، وهناك فئةٌ واسعةٌ من الشباب ترى ألا مستقبل أمامها، وليس لديها ما تخسره أو تخاف عليه، كما حدث في كثير من بلدان الربيع العربي. هذه الشريحة العريضة من الشباب يتراءى لها المستقبل كطريق مجهول لا ينبئ بأي تطور، سواءً على الصعيد السياسي أو المعيشي. وهذه الفئة من الشباب لديها مطالب سياسية عادلة، طرحها آباؤهم وأجدادهم في الماضي من أجل بحرين ديمقراطية يسود فيها العدل. بحرين خالية من أي تمييز طائفي أو عرقي، يتساوى فيها الجميع، ويكون لدى الجميع فرص متكافئة في الدراسة والعمل والسكن وتحقيق الذات.
 
هذه الفئة من الشباب ترى أن الحصول على وظيفةٍ توفّر لها أقل متطلبات الحياة بات قريباً من المستحيل، حتى وإن كانت لديها شهادة جامعية، في حين أن الحصول على وحدة سكنية من الدولة يتطلب الانتظار لمدة 20 سنة، و40 سنة أخرى ليتمكّن من تسديد القروض البنكية، في حين ترى أن هناك من يتنعم بخيرات البلاد دون حدود، ويعيش البذخ في أقصى درجاته.
 
هذه الحالة لا تقتصر على البحرين، وإنّما هي حالة سائدة في العالم العربي حيث لا وجود لمفهوم التوزيع العادل للثروة. والشباب البحريني إنما يعبر عن رأيه بمشاركته بقية الشباب العربي في بلدان الربيع العربي، في ظل هذا الواقع الذي لم يعد مقبولاً أن يستمر إلى الأبد.
 
المؤسف أن ما يحدث الآن يؤكد أن البحرين ليست على طريق الحل، وإنّما على طريق المزيد من التأزيم، ما لم تبادر الدولة إلى طرح مبادرة تنتشل البحرين من هذا الوضع
 

صحيفة الوسط البحرينية – 20 ديسمبر 2011م
 

اقرأ المزيد

إعادة بناء الوحدة الوطنية


أكثر التداعيات سلبية للأحداث التي شهدتها البحرين  هو الشرخ الكبير الذي أصاب الوحدة الوطنية للشعب. واستعادة هذه الوحدة تحتاج إلى تدابير من نوع مختلف، هدفها إعادة بناء الجسور بين مكونات المجتمع، وتذويب مناخ الشك والريبة الذي بات يطبع العلاقة بين هذه المكونات.
 
لامناص لنا جميعاً من قبول البحرين كما هي، أي بكافة مكوناتها الاجتماعية والمذهبية والسياسية، ويخطئ من يعتقد أنه بالوسع عزل أو شطب أي مكون من هذه المكونات من خريطة البلد الاجتماعية، فالأمر لا يتصل بأفراد، وإنما بتكوينات تشكلت عبر سياق زمني ثقافي واجتماعي مديد، وبالتالي فان كافة هذه المكونات مطالبة بأن توفر لنفسها ليس فقط  شروط  العيش المشترك، وإنما، أيضاً، التفاعل الخلاق بين بعضها بعضاً، وهو التفاعل الذي منه تشكلت الشخصية الوطنية البحرينية التي هي، إلى حدود بعيدة، نسيج ذاتها بالقياس لمحيطها القريب، وهي نفسها الشخصية التي لحقها الكثير من الصدع جراء ما عاشته البلاد من أحداث جسام خلال الفترة الماضية.
 
المباراة المطلوبة الآن ليست في التسابق على النيل من الآخر، أياً كان هذا الآخر، تحت عناوين ومبررات بعضها يبدو مفهوماً ومنطقياً، والكثير منها ليس كذلك، وإنما المطلوب هو التسابق على إزالة أسباب الاحتقان وسوء الفهم، وإعادة الاعتبار لفكرة المواطنة المتكافئة التي تعمق وتعزز فكرة الانتماء لهذا الوطن، ولفكرة أن يكون فيه متسع للجميع بكافة الحقوق والواجبات.
 
لا قيمة لأي منجز أو مكسب سياسي إذا كان ثمنه النيل من الوحدة الوطنية للمجتمع، لأن هذه الوحدة بنيت عبر مسار تاريخي معقد، وناضلت من أجلها أجيال من البحرينيين أفلحوا في إقامة تكوينات وطنية بالمعنى الصميم للكلمة، لا تعبر عن طوائف أو فئات، وإنما تعبر عن تطلعات مشتركة لكل أفراد الشعب.
 
والأصح من هذا القول أن المكاسب السياسية المتعلقة بالإصلاح تستقيم بالتوافق والإرادة المشتركة لكافة مكونات المجتمع في سبيل المزيد من الشراكة بين الدولة والمجتمع، وأن الوحدة الوطنية تنبني وتتوطد عبر هذا النهج بالذات، لا عبر نهج آخر سواه.
 
تقييم ما شهدته البحرين من أحداث لا بد وأن يتوقف أمام المخاوف التي أثارتها هذه الأحداث عند قطاع كبير من  أبناء الشعب، وذلك أمر نتج عن ضعف دور القوى  الوطنية بسبب الصعوبات التي تعاني منها، والتي يعود جزء منها على الأقل إلى انحسار نفوذ هذه القوى  بسبب عوامل موضوعية وذاتية معقدة لا يجوز ابتسارها في بعض الأحكام السريعة.
 
يظل الجوهري في الأمر أن الساحة السياسية، على الضفتين السنية والشيعية، افتقدت الصوت الوطني المستقل القادر على مخاطبة الجميع بخطاب جامع، واستعادة هذا الخطاب ليست مهمة سهلة أو سريعة، لكنها مهمة ليست مستحيلة، ولتحقيقها فان جهوداً جبارة يجب أن تبذل من أجل انجاز الهدف الذي جعلنا منه عنواناً لهذا المقال، وهو إعادة بناء الوحدة الوطنية للمجتمع، ونظن انه هدف يمكن أن يستنهض قوى واسعة، فاعلة أو كامنة، في المجتمع، هي جديرة بأداء هذا الدور.
 
19 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد

جمال مرهون نموذجاً للوفاء


حينما كانت العصا الغليظة تلاحق الشرفاء من أبناء هذا الوطن الذين امتلأت قلوبهم بمشاعر حب الأرض وأحلام الفقراء كان جمال مرهون واحداً من هؤلاء المدافعين عن الحق والعدالة.
في تسعينيات القرن الماضي عندما هاجرت أسراب الطيور إلى الشطآن البعيدة دون رجعة أصر كغيره إصراراً قوياً على ركوب القطار حتى محطته الأخيرة. في حينها ازداد جمالاً ووعياً تطل منه أشعة الشمس في زمن مختلف انتشرت فيه الخرافة والشعوذة والتصفيق الحار للعمامة واللحى.. كان قلبه ينبض دائماً بالتفاؤل والدعابة وبإحساس يحمل بين صفحاته رؤى المستقبل وحكايات كانت فصولها تحكي عن تحرر المرأة وحقوق الكادحين والمزارعين وكل الفقراء. كان الزمن قاسياً ومع ذلك لم تتسع دائرة الطائفية كان الايقاع يعزف ألحاناً مليئة بالحب والأمل والتسامح والعشق الابدي للأرض والحياة.
في أحد المساءات الحارة الرطبة كانوا ثلاثة كالنسمة الباردة في وقت الظهيرة.. كانوا يبحثون عن الشواطئ الآمنة وعن عناوين الزمن القادم، ولما تعالت كلماتهم المستاءة من حكايات السقوط والسفن الغارقة في مياه الخليج واندفاع السحب الهاربة نحو الأفق كانت اجسادهم تحفظ الشعلة من الانطفاء. وفجأة ونحن في صحن الدار تنفس جمال عميقاً وهو يتأمل تلك النشوة الغامرة التي بدأت تسري في جسدي.. في ذلك الوقت كانت المدينة التي يلفها سواد الليل تفوح منها رائحة التخوين والتأثيم الكريهة والانشداد نحو خطاب تدير دفته محاكم التفتيش.. وفجأة ايضاً قال الثلاثة وبصوت واحد: الزمن يجب أن لا يتوقف عند حدود الانكسار والانهيارات المروعة فالشمس لابد لها أن تشرق من جديد، فهل يعقل بعد كل هذه العقود المتخمة بالجراح أن تتوقف عجلة القطار؟
ما حدث كان ثقيلاً هكذا قال جمال بصوت مرتفع.. كان غاضباً أشد الغضب من تلك الحواجز والقيود والظلم والرحيل والكهوف المظلمة، شعرت في لحظة أن الثلاثة الذين انشغلوا بهموم المجتمع والوطن تعاهدوا وهم على مقاعد الدراسة في بونا على المضي قدماً في نصرة الحرية والاحرار في كل بقاع الارض.
في تلك الجلسة الدافئة قيل الكثير عن المدن المكتظة بالوجوه البائسة وعن الفرح والزهور الحمراء التي تغسل كل صباح بماء المطر وعن الأمكنة البعيدة المثقلة بالخوف والكوابيس والرقص على جثث الاطفال والفقراء وعن الصفقات التي تجري خارج اسوار تلك المدن. بعد لحظة سادها صمت مفاجئ كان السؤال يقفز من فم جمال باهتمام صارم: في هذا الزمن الذي ضاقت فيه المساحات وأوصدت الابواب ما الذي ينبغي أن نفعله؟ وبإيجاز شديد ما العمل؟ كانت تساؤلاته بداية الخيوط تكشف عن الوفاء للحبيبة والوطن.. كانت أنفاس الجميع متلاحقة تنتفض بنفضات سريعة.. كان الثلاثة بين لحظة ولحظة يتراشقون النظرات كما لو أنهم فوضوا أبا أمل أن يبحر بهذا السؤال في المياه الراكدة.. بعد جدال ازداد اتساعاً وتشعباً ارتسمت ابتسامات عريضة على محيّا الجميع بعدها كان الإصرار على الإبحار في أعماق البحار من جديد فجر قصائد مطلعها الوطن للجميع..
لا أدري لماذا استحضرت ذاكرتي هذا المشهد بالذات؟ هل جمال الذي حزنا عليه حزناً عميقاً كان رمزاً للوفاء؟ حقاً كان رمزاً للوفاء والتفاني.. هكذا قلت في نفسي في حين كان جسده الذي رضع الوطنية من ثدي عائلة كريمة ذات تراث وطني ناصع البياض محمولاً على الأكتاف تصاحبه الحسرات والمشاعر المشحونة بالألم والوجع.
بعد صراع مع المرض لم يمهله كثيراً مات جمال، مات وعيونه تحدق في المدينة التي أرهقها وباء الطائفية والفقر والتسكع في الأزقة الرثة والشعارات النارية التي تدفع نحو العنف والتكتل الطائفي لقد غادر أبو أمل ولم يغادر لأنه سيظل اسمه محفوراً في ذاكرة الحبيبة والوطن.. عزاؤنا لأسرته ولعائلة مرهون الكريمة ولأصدقائه وكل الرفاق في منبرنا التقدمي. 
 

الأيام 17 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد

هل يبقى حبراً على ورق


كأن الأمور إذا كثر تكرارها، على صعيد الأقوال، دون أن ترافقها أو تتبعها إجراءات تفقد مع الوقت شحنة المغزى التي كانت لها، وهذا ينطبق على أشياء كثيرة، ولكنه بصورة تكاد تكون نموذجية ينطبق على التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية، ليس لأنه لا يحمل في كل نسخة من نسخه السنوية جديداً، فما أكثر الوقائع التي يكشف عنها التقرير، بحرفية عالية، والحق يقال، ولكن هذا الجديد لا يمنع التكرار، أو فلنقل التشابه الذي ينطوي عليه التقرير في كل سنة، بحيث لا يبدو مجدياً كثيراً إعادة تفصيل ما حمله التقرير الجديد، فمن حيث الجوهر تظل المعطيات والوقائع وحتى التشخيصات واحدة، هي هي، كما كانت في الأعوام المنصرمة.
 
والعلة هنا ليست في التقرير ولا في واضعيه الذين يستحقون كل الثناء على جهودهم، وإنما في أن المعضلات التي يُشخصها الديوان الذي يضع خبراؤه ودققوه ومحققوه تقاريرهم كل سنة، تظل دون معالجة، سواء كانت على شكل تدابير تمنع تكرار ما سبق أن أشير إليه من تجاوزات وتعديات على المال العام، أو على شكل إجراءات محاسبة للمسؤولين عن هذه التجاوزات والتعديات، ولأنهم أمنوا العقاب، صاروا يتعاطون مع التقرير بمنتهى الاستخفاف، والإصرار على العودة لممارسة الخطأ نفسه، وليس أدل على ذلك من أن الوزارات المعنية ترتكب، حسب التقرير الجديد، التجاوز الذي كان  قد أشير إليه في التقرير السابق، أو حتى في التقارير السابقة،  في عزم مع سابق الإصرار على عدم تصحيح الخطأ، كأن لسان الحال يقول: ليكتب في التقرير ما يكتب، لكننا سنفعل ما نراه مناسباً.
 
وكما في كل سنة، حين يصدر التقرير، تتوجه الأنظار نحو مجلس النواب، بصفته السلطة الرقابية المعنية قبل سواها، بمناقشة ما يقدمه التقرير لها من معطيات كفيلة بتشكيل عدة لجان للتحقيق مع وزراء ووزارات وأجهزة حكومية أخرى، بشكل يضفي المصداقية لا على الجدوى من إصدار التقرير نفسه، وإنما على دور مجلس النواب نفسه، ولا نحسب أن المجلس الحالي سيكون أفضل حالاً في التعاطي مع التقرير الأخير عن المجالس السابقة، لأن العبرة ليست في الوقائع التي تتضمنها مثل هذه التقارير، وإنما في الطريقة التي علينا أن نتعاطى بها مع هذه الوقائع.
 
وبمرارة شديدة نقول أن هذا التقرير بات حدثاً موسمياً، فيه رتابة الأحداث الموسمية على نحو ما كتب زميلنا غسان الشهابي، فعندما يصدر التقرير تحتفي به الملاحق الاقتصادية للصحف، ويكتب حوله مقالان أو ثلاثة هنا أو هناك، مشفوعة بتصريحات لفعاليات نيابية واقتصادية، ثم ينفض السامر فيذهب التقرير السميك بعدد صفحاته المثقلة بالوقائع الدامغة إلى أحد الأدراج، لعل باحثاً يحضر للماجستير أو الدكتواره يعوزه كمصدر من مصادر بحثه، فيما تظل الوقائع كما هي على الأرض، تتفاقم وتنبني عليها طبقة فوق طبقة من التجاوزات نفسها، في تكريس للانفصام الذي لا يبدو أن لنا شفاءً قريباً منه، بين ما يكتب على الورق ويمارس في الواقع، لنعيد الموال نفسه بعد عام، ونقول ذات القول.
 
18 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد