المنشور

نحو حراكٍ وطني جامع


في محاضرة للدكتور عيسى أمين تعود للعام 2004، ألقاها في مقر المنبر التقدمي، بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني، التي مرت يومذاك بعنوان: «حركة الهيئة في الوثائق البريطانية»، خلص إلى التالي: «بعد نصف قرن، أرجو أن نتذكر بأن المطالب الإصلاحية قد مضى عليها ثلاثة أرباع القرن، وأننا اليوم في حاجة لأن نتعلم شيئاً واحداً فقط من سجل هيئة الاتحاد الحافل بالإصرار، هو شمولية المطالب وأن نؤكد لكل منا بأن المواطنة لا تعني الانتماء إلى عشيرة أو فئة أو طائفة أو مذهب، وبأن أولئك الذين قد بدأوا مسيرة المطالب الإصلاحية قد ذهبوا جميعا، ولكن بقيت لنا الفكرة والتي نحن مطالبون بتطويعها إلى وضعنا الحالي، إذ ربما نستطيع أن نقول بأن المطالب الإصلاحية بدأت في الربع الأول من القرن الماضي، وكادت أن تتحقق في الربع الثاني منه، وإننا نحمل أمنية بداخلنا تكاد تتحقق».
 هذه الخلاصة توجز بحثاً أنجزه المحاضر جال فيه في وقائع الهيئة منظوراً إليها من زاوية ما كان الانجليز يرونه فيها، والباحث لم يفعل ذلك بهدف تبني الرواية الانجليزية لما جرى، وإنما تحليل تلك الرواية واعتمادها مصدراً من مصادر البحث، وهذا ما أعانه على تقديم معطيات جديدة غير معروفة في القراءات السابقة لأحداث الهيئة، بما في ذلك من معاصريها، الذين لم يطلعوا في حينه على الوثائق التي استند إليها الباحث، وجلها لم تفرج عنه السلطات البريطانية إلا بعد سنوات من وقوع الأحداث، وفق القاعدة المتبعة بالإعلان عن الوثائق بعد مضي فترة زمنية كافية على وقوع الأحداث التي تتناولها.

الخلاصة التي قدمها عيسى أمين في نهاية محاضرته تكاد تكون مبثوثة في ثنايا البحث الذي قدمه وهو يستعرض أحداث حركة الهيئة من إرهاصاتها الأولى حتى نهاياتها باعتقال أبرز قادتها ونفي بعضهم وسجن البعض الآخر. مهم في ظروف اليوم أن نعود إلى الخلاصة التي انتهى إليها الباحث، ونحن نتعاطى مع واقع كثير السيولة وأبعد ما يكون عن الثبات، لأن في العودة لتجاربنا التاريخية، ما يعين على فهم تعقيدات الحاضر، التي تناولنا جانباً منها في حديثنا منذ يومين عن محنة القوى العابرة للطوائف. فمن النادر أن يجري التبصر في أمورنا وبقدر كافٍ من التروي والنضج عبر رؤية جدلية لماضينا وتاريخنا، وكثيرا ما يغلب الشعار على التحليل، والخطابة على البحث المعمق، فنظل والحال كذلك نراوح في الدائرة نفسها، ونقع في الأخطاء ذاتها التي وقعت في الماضي، وأذكر أن المنبر التقدمي أطلق عند بداية الأحداث الأخيرة في فبراير الماضي دعوة لتشكيل هيئة وطنية تستلهم تجربة هيئة الاتحاد الوطني، لكن للأسف الشديد كان إيقاع الأحداث أسرع منا جميعاً، ولم تجد هذه الدعوة ما هي جديرة به من اهتمام.

 تتداعى اليوم شخصيات وقوى وطنية لجهود تصب في جوهر هذه الفكرة ومغزاها، من أجل خلق حراك وطني يخاطب مختلف شرائح المجتمع، ويصوغ المطالب المشتركة المنطلقة من حاجات الإصلاح السياسي الجدي التي تتفق عليها كل القوى الحية في هذا البلد.
 

اقرأ المزيد

ضحايا التعذيب في تقرير لجنة تقصى الحقائق


وجدت القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في مملكة البحرين فيما أشتمل عليه تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق من واقعات وحقائق وبما خلص إليه من توصيات خطوه هامة نحو المصالحة ، و إعادة اللحمة الوطنية ، غير أن المواطن المتفائل الحريص على  تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية والخروج مما تركته أحداث فبراير من نتائج سلبية على المجتمع ، ما يلبث أن يتشائم حين يشاهد أن مسيلات الدموع مازالت تستخدم ، وأن النفس البشرية مازالت رخيصة ، وحين يجد أن الحكم ومؤسساته الرسمية قد خالف وتجاوز تنفيذ توصيات تقرير تقصى الحقائق ومنها التوصية الأولى التي نصت على ( تكوين لجنة وطنية مستقلة ومحايدة تضم شخصيات مرموقة من حكومة البحرين والجمعيات السياسية والمجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ توصيات هذه اللجنة، على أن تعيد اللجنة المقترحة النظر في القوانين والإجراءات التي طبقت في أعقاب أحداث شهري فبراير ومارس 2011 بهدف وضع توصيات للمُشرِع للقيام بالتعديلات الملائمة للقوانين القائمة ووضع تشريعات جديدة حسبما هو وارد في هذه التوصيات)، إذ تم تجاوزها حين نص الأمر الملكي الخاص بتشكيلها  على أن من بين اختصاصاتها  دراسة توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق دون أن النص على اختصاصها الأصيل الوارد في التوصية المذكورة وهو متابعة وتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق.
 
وإذا كانت النسخة الانجليزية لتقرير تقصي الحقائق قد أشارت في هذه التوصية إلى أن هذه اللجنة تتكون فيما تتكون من ممثلين للجمعيات السياسية المعارضة، والمجتمع المدني، فأن غياب ممثلين عن هذه الجمعيات الفاعلة التي كانت طرفا ولاعبا أساسيا في أحداث فبراير 2011 والتي أشار إليها التقرير عن تشكيل اللجنة، ينال مما قصدته وهدفت إليه لجنة تقصي الحقائق فيما جاء في التوصية الأولى ، وبعيدا عن أي جدل في تفسير هذه التوصية كان الأجدر بالسلطة التنفيذية مخاطبة هذه الجمعيات المعارضة بصفتها الاعتبارية للمشاركة في اللجنة وهي تختار من يمثلها لا أن تخاطب أعضاء منها بصفتهم الشخصية، كما أن اشتمال الأمر الملكي على آلية اتخاذ القرارات المتعلقة بمخرجات عمل اللجنة يخشى منه في ظل هذا التكوين أن يتم اتخاذ قرارات تتجاوز وتخالف توصيات تقرير الحقائق، وكان من الأفضل لو نص الأمر الملكي على عرض قرارات واقتراحات هذه اللجنة على لجنة تقصي الحقائق لبيان مدى انسجامها وتوافقها مع ما جاء في التقرير، غير أنه يتعين الاستدراك أنه حسنا ما قررته هذه اللجنة بضرورة التوافق بين الحقائق للفصل فيه، لكن يتعين الإشارة هنا إلى انه  على الرغم أن بعض النتائج وبعض التوصيات التي جاء بها تقرير بسيوني هي حمالة أوجه عرضة لتفسيرات مغايرة لما قصده التقرير فأن اللجنة المشكلة بموجب الأمر الملكي مهما كان نوع تكوينها  ليس في مقدورها أن تتجاوز جوهر القضايا الرئيسة التي حدد التقرير وقائعها وبين نتائجها وأوصى بتوصيات هامة وضرورية لمعالجتها ، ومن أبرز هذه القضايا ، انتهاكات حقوق الإنسان ، ومنها تعذيب السجناء والمعتقلين.
 
التعذيب نهج قديم
 
لم يكن التعذيب في البحرين وليد أحداث فبراير ومارس 2011 ، بل تمتد جذوره لفترات ماضية قبل وبعد قانون أمن الدولة ، وظلت الأجهزة الأمنية طوال هذه الفترة تنكر وجوده واستمراره في ظل المشروع الإصلاحي ، ولعل ابزر مثال على هذا الإنكار ما جاء في تقرير مملكة البحرين الأول المقدم  في 25 فبراير 2008 لمجلس حقوق الإنسان التابع إلى هيئة الأمم المتحدة بشأن المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في البحرين ، حين أشار هذا التقرير في التعهدات طوعية بشان التعذيب إنه ( على رغم من عدم وجود حالات تعذيب في المملكة إلا أن رغبة المملكة المستمرة في تطوير أداء العاملين في مجال إنقاذ القانون يدفعها لـ الترحيب بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس و إن تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة في ما تسعى له البحرين في تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان.)  ( وأنه منذ العام 2001، لا يوجد في المملكة احتجاز تعسفي. وقدم الفريق المعني بالاحتجاز التعسفي عدة توصيات، تمت الاستجابة لها بدرجات متفاوتة ) .
 
وقد قلنا حينها في ملاحظاتنا على تقرير حكومة البحرين  انه فضلا عن تجاهل هذا التقرير ما أحدثه المرسوم بقانون 56 من شرخ في المشروع الإصلاحي ومن مفهوم العفو الشامل وتمييز ضد ضحايا الحقبة الماضية فهو يتجاهل إعادة استخدام وسائل التعذيب ولا يعترف  باستمراره  في البحرين ، الذي كشفت عنه أحداث ديسمبر 2007 ، وقد سجل المتهمون في هذه الأحداث أمام القضاء كيف استخدمت أجهزة الأمن مختلف وسائل التعذيب ضدهم بما فيها الاعتداء الجنسي أو التهديد به لحملهم على الاعتراف.
كما لاحظنا أن التقرير الرسمي ، على الرغم من أهمية مناقشة ظاهرة التعذيب باعتبارها ظاهرة تنال من السلامة البدنية والمعنوية للإنسان ، فإنه يتجاهل وضع الحلول والوسائل اللازمة للخروج منها ويتجاهل ما كانت تطالب به القوى السياسية والحقوقية في البحرين والهيئات الدولية من ضرورة إنصاف الضحايا وأسر الشهداء وإلغاء المرسوم بقانون رقم 56 ، مكتفيا فقط بالإشارة إلى ما قامت به بعض المنظمات الدولية من امتداح البحرين للإجراءات التي اتخذتها مثل إلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة الدولة، كما امتدحت سحب تحفظ البحرين على المادة 20 من الاتفاقية ، وهو امتداح في محله ، غير أن ذلك لا يكفي ، ولا يكفيه ما أشار إليه التقرير الرسمي من أن مملكة البحرين رحبت بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس. وإنها تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة في ما تسعى له البحرين في تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، بل على مملكة البحرين أن تستجيب لما تطلبه منها المفوضية السامية للأمم المتحدة .
 
 ولا يشفع لمملكة البحرين ما جاء في تقريرها في بند وسائل الانتصاف الفعالة  من قول ( بأن النظام القانوني في البحرين على النحو السابق إليه  يتضمن سبل الانتصاف القضائية والإدارية وغيرها، ومع ذلك هناك حاجة لزيادة الوعي بوجود هذه السبل وآليات استخدامها (فهذا القول فضلا عن عموميته ويهدف للهروب من معالجة المشكلة  فأن النظام القانوني وسبل الانتصاف القضائية والإدارية لا تحتاج إلى تذكير ولا يحتاج لزيادة الوعي بها ، بل تحتاج إلى احترامها  وتفعيلها في الممارسة العملية.
 
تقرير بسيوني أثبت منهجية التعذيب
 
وقد جاء تقرير بسيوني ليؤكد هذه الحقيقية حين أشار بوضوح تام في حكم الفقرة رقم (1694) من الملاحظات العامة إلى :
 
-  تعرض الكثير من الموقوفين للتعذيب ولأشكالٍ أخرى من الانتهاكات البدنية والنفسية داخل محبسهم …
-  الأمر الذي دلل على وجود أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية، تجاه فئات بعينها من الموقوفين.
-  إن حجم وطبيعة سوء المعاملة النفسي والبدني، يدل على ممارسة متعمدة كانت تستهدف، في بعض الحالات، انتزاع اعترافات وإفادات بالإكراه، بينما تستهدف في حالات أخرى العقاب والانتقام.
-  وكان من بين الأساليب الأكثر شيوعًا لإساءة معاملة الموقوفين تعصيب العينين، وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، والضرب المبرح، واللكم، والضرب بخراطيم مطاطية وأسلاك كهربائية على القدمين، والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية، والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية للموقوفين من الشيعة…
-   وبصفة عامة فإن تلك الأفعال تندرج ضمن التعريف المُقرر للتعذيب المنصوص عليه في معاهدة مناهضة التعذيب، والتي وقعت عليها البحرين، كما أنها تشكل انتهاكًا لقانون العقوبات البحريني.
-   وقد اُستخدمت هذه الاعترافات المنتزعة تحت وطأة الإكراه في المحاكمات التي تمت سواء أمام المحاكم الخاصة المنشأة بموجب مرسوم السلامة الوطنية، وفي بعض الحالات أمام المحاكم الجنائية العادية.
 
وإذا كانت هذه الملاحظات العامة من تقرير تقصي الحقائق لم تتطرق لحالات الوفاة بسبب التعذيب فأن هذا التقرير في البند المتعلق بوقائع الوفاة الناتجة عن التعذيب أكد بأن وفاة كل من حسن جاسم مكي (الفقرة 991 ) ، وعلي عيسى صقر ( الفقرة 996 )  ، وزكريا راشد العشيري ( الفقرة 1551 ) وعبد الكريم علي فخراوي ( الفقرة 1552 ) و جابر ابراهيم العلويات ( الفقرة 1008 ) ، ترجع إلى تعرضهم للتعذيب داخل مراكز توقيفهم .
 
بيان وزارة الداخلية يخالف التوصيات
 
فإذا كان تقرير تقصي الحقائق قد توصل إلى هذه الحقائق ، وكانت السلطة التنفيذية بوزارتها وأجهزتها المختلفة بما فيها الأجهزة الأمنية قد وافقت على التقرير وأكدت على ضرورة تنفيذ ما جاء به ، فإن ذلك يعني أول ما يعني اعتراف منها بوجود التعذيب ، وان إنكارها لوجوده طوال الفترات الماضية سقط أمام ما سطره التقرير من وقائع دامغة ، غير أن هذا الاعتراف وحده  لا يكفي فالعبرة هنا في تنفيذ ما أوصى به التقرير من توصيات بهذا الشأن ، فكيف تعاملت أجهزة السلطة التنفيذية مع التوصيات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة ؟ 
نسارع هنا إلى القول بأن بيان وزارة الداخلية الصادر يوم الخميس (8 ديسمبر/ كانون الأول 2011)، بإحالة المسئولين عن وفاة عدد (5) أشخاص تحت التعذيب إلى النيابة العامة ضمن حالات أخرى متعلقة بالوفيات الناتجة عن الأحداث ، مشيرا إلى (  إنه في إطار حرص الوزارة على تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق المتعلقة بالوزارة، تمت إحالة جميع القضايا المتعلقة باتهامات الوفاة أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية إلى النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية مستقلة، وذلك تنفيذاً للتوصيات رقم 1716، ورقم 1722/أ ، ورقم1722/ ز من التقرير ) . نقول جاء هذا البيان بالمخالفة لما نصت عليه هذه التوصيات ويتمثل ذلك في الأتي :
 
1-   ورد في البيان انه تمت إحالة القضايا إلى النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية مستقلة ، في حين تنص توصية الفقرة 1716من تقرير بسيوني على ( وضع آلية مستقلة ومحايدة ) كما تنص توصية الفقرة (1722/أ) على التحقيق في جميع دعاوى التعذيب والمعاملة المشابهة من قبل ( هيئة مستقلة ومحايدة وفقاً لمبادئ اسنطبول ) ،ومع احترامنا وتقديرنا للنيابة العامة بصفتها جهة قضائية مستقلة ، ولها سلطة التحقيق والاتهام ، فأن القراءة الدقيقة للتوصيات محل البيان، لا تعني أن الآلية أو الهيئة المستقلة التي قصدها وهدف إليها تقرير بسيوني هي النيابة العامة ، إذ فضلا عما أورده التقرير في أكثر من موضع من ملاحظات على النيابة العامة ، فأنه هذه الأخيرة لا تنطبق عليها مبادئ اسطنبول .

2-   نص بيان وزارة الداخلية  على إحالة  جميع القضايا المتعلقة باتهامات الوفاة أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية إلى النيابة العامة ، في حين أنه أحال فقط تلك القضايا المتعلقة بالوفاة دون قضايا التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية خلافا لنص التوصية الوارد في حكم الفقرة 1716من تقرير بسيوني التي أوجبت مساءلة المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم ليس في حالات القتل فحسب بل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين أيضا .
 
صندوق التعويض وشرط الحكم بالإدانة 
 
نص حكم الفقرة ١٦٧٩ من التوصيات العامة لتقرير لجنة تقصي الحقائق في البند (ي ) على وجوب تعويض عائلات الضحايا المتوفين بما يتلاءم مع جسامة الضرر ، وفي البند (ك ) على ) تعويض كل ضحايا التعذيب وسوء المعاملة والحبس الانفرادي. ) وفي هذا الصدد رحبت اللجنة بالمرسوم الملكي رقم  ٣٠ لسنة ٢٠١١ بإنشاء صندوق لتعويض المتضررين .
 
غير أن هذا المرسوم على أهميته من حيث أنه قد حدد في المادة الثالثة الأشخاص المتضررين الذين يجوز لهم اللجوء إلى الصندوق للمساعدة في الحصول على التعويض نتيجة للأحداث العنيفة التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس عام 2011 بمملكة البحرين أو نتيجة لحوادث عنيفة مماثلة من ذات الطبيعة حدثت بعد هذا التاريخ، ويشمل التعويض المجني عليهم, وكذا أقاربهم حتى الدرجة الرابعة أو من يعولونهم ، نقول رغم هذه الأهمية فإن اشتراط  هذه المادة في فقرتها الأخيرة ( لصرف المساعدة للتعويض صدور حكم جنائي نهائي من المحكمة المختصة بإدانة مرتكب الفعل)، سينال من هذه الأهمية .
 
 ذلك أن حكم هذه الفقرة يعني أن أي متضرر من الإحداث لا يمكنه الحصول على التعويض إلا إذا صدر حكم جنائي بات في مواجهة المتسبب في الضرر ، وهو بهذا المعنى لن يؤدى إلى مصالحة فاعلة تساهم في خروج البحرين من الأزمة السياسية التي تعصف بها، إذ ليس من اللازم أو الضروري على سبيل المثال من كان في الحبس الانفرادي ، أو في الحبس الاحتياطي لفترات طويلة دون محاكمة  أومن أعتقل تعسفيا ، أومن تم القبض عليه وتفتيش منزله  خلافا للقانون ، أو من حصل على حكم ببراءته ، أومن تم حفظ قضيته أو التنازل عنها ، أن يصدر حكم جنائي في مواجهة من تسبب في كل هذا الحالات ، فضلا عن ذلك فأن كثير من الأفعال قد ترتكب بطريق الخطأ و لا يتوافر فيها القصد الجنائي كركن أساسي من أركان المسئولية الجنائية اللازم لصدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل ، كما انه من المقرر في المسئولية المدنية أنه يجوز إثبات عناصرها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن .
 
لذلك فإن حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة التي تشترط صدور إدانات نهائية ضد المتسبب في انتهاكات حقوق الإنسان حتى يتمكن المتضرر من الحصول على التعويض. لا يصلح أن يكون أساسا لتنفيذ حكم الفقرة ١٦٧٩البندين ( ي ، ك ) من التقرير، ويتعارض مع توصياتها بهذا الشأن ، كما يأتي خلافا للمادة 9 الفقرة (5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على انه (  لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.) وهذا الحكم ينطبق على كافة حالات الاحتجاز أو الاعتقال بصورة غير شرعية أو تعسفية ، ولا يشترط صدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل .
 
 وفي هذا الإطار فأن على الأجهزة التنفيذية أو اللجنة المعنية حسبما أطلق عليها ( بمتابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق ) وهي تتابع التوصيات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة ، أن تأخذ بعين الاعتبار ما سلف من ملاحظات .وأن تفهم إن الهدف الأساسي من سياسة التعويض هو إحقاق العدالة للضحايا. وأن  مصطلح ( العدالة الانتقالية )  يجب أن يفهم على انه إدماج عناصر الاعتراف بالضحية ورد كرامته وإعادة بناء الثقة بين المواطنين بعضهم البعض، وبين المواطنين ومؤسسات الدولة، وإرساء التضامن الاجتماعي. وأنه أمام ما أوضحه تقرير تقصى الحقائق من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، أصبح لزاما على الحكومة ليس فقط ضمان حقوق الضحايا بل التصدي أيضا لمرتكبي هذه الانتهاكات، وتهيئة  الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا  وتعويض أقصى ما يمكن منهم بهدف توفير استجابة شاملة وكاملة قدر الإمكان.
 
وأن تدرك أن مفهوم التعويض ينطوي على عدة وسائل من بينها التعويض المباشر (عن الضرر أو ضياع الفرص)، ورد الاعتبار (لمساندة الضحايا معنويا وفي حياتهم اليومية) والاسترجاع (استعادة ما فقد قدر المستطاع). ويمكن أن يكون التعويض ماديا عن طريق منح أموال أو حوافز مادية، كما يمكن أن يشمل تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية كالصحة والتعليم والإسكان. ويكون معنويا عبر إصدار اعتذار رسمي، أو نصب تذكاري أو إعلان يوم وطني للذكرى . كما يتعين وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا، بما في ذلك المواساة العاطفية والعلاج البدني أو المساعدة الطبية. كما أن هناك مجموعة واسعة من الإجراءات الرمزية لجبر الضرر والتي يمكن أن تؤخذ كذلك بعين الاعتبار مثل رسائل شخصية للاعتذار من الدولة ، والاعتراف الرسمي بما جرى من انتهاكات لحقوق الإنسان ، إن فوائد الإجراءات الرمزية هي أنها نسبيا ممكنة التحقيق، ويمكنها أن تصل إلى فئات واسعة وأن تتبنى تعريفات أوسع للضحية ويمكنها أن تشجع الذاكرة الجماعية والتضامن الاجتماعي. وتجعل الغاية من التعويضات على أنها إحقاق للعدالة متعدد الأوجه وشامل. ولا يتضمن ذلك فقط إجراءات التعويض المختلفة المشار إليها أعلاه ومن إجراءات التعويض سواء من حيث تبريرها أو إعدادها موجهة نحو المستقبل بدلاً من أن تكون موجهة نحو الماضي. ومعنى ذلك أنها يجب أن ترفع من مستوى حياة الضحايا بأقصى قدر ممكن من الرضا ، يمهد نحو مصالحة فاعلة .وتهيئة المناخ الملائم  لهذه المصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة.
 
أن النتيجة القانونية والواقعية التي يمكن استخلاصها من كل ما تقدم نحو الشروع في مصالحة حقيقية هو أطلاق سراح كل من تم اعتقاله سواء مازال قيد الحبس الاحتياطي أو صدر في مواجهته حكم جنائي وثبت تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة على النحو الذي سجله تقرير بسيوني وتعويضه على النحو الذي أوضحناه ، وطبقا للقاعدة القانونية التي تقضي أن كل ما بني على باطل هو باطل .
 

اقرأ المزيد

محنة عابري الطوائف


في ظروف المجتمعات المنقسمة على نفسها على أسس ذات طابع طائفي أو مذهبي، كما هو حالنا في هذه اللحظة بالذات، تبدو مهمة القوى العابرة لتكوينات الانقسام هذه في غاية في الدقة والصعوبة، بشكلٍ لا يصح التعاطي معه بالتبسيط الذي يسود بعض الأطروحات، التي لا ترى في الأمر أكثر من تقابل بين قوى المعارضة وقوى الموالاة، وهو تقسيم آت من سياقات سياسية لبلدان عربية أخرى، تتسم بحراك يجعل ما يُوصف بالمعارضة يوماً في الحكومة ويضعها في يومً تالٍ في المعارضة إذا ما تشكلت حكومة جديدة فرضتها توازنات محلية وإقليمية متبدلة كما هو حال الشأن اللبناني مثلاً.
 
حين ينقسم المجتمع وفق تلك الأسس فان مهمة القوى ذات اللون المذهبي الواحد غايةً في السهولة، فكلما عبرتْ عن المزاج السائد في الطائفة التي تمثلها كلما ازدادت شعبية وتأثيراً في صفوف طائفتها، فليس لدى التنظيمات ذات اللون المذهبي الواحد، سنية أو شيعية كانت، أية مشكلة طالما كانت تعبر عن المطالب أو الهواجس السائدة لدى الطائفة التي تنشط في صفوفها، ونحن هنا لا نتحدث عن عدالة المطالب المرفوعة أو جدية الهواجس المثارة، فذلك موضوع آخر قد لانختلف حوله.
 
ما نحن بصدده هو مشقة بلورة خطاب وطني جامع يتجاوز تلك الهواجس من جهة، ويصوغ خطاً مطلبياً وسياسياً للإصلاح والمشاركة السياسية الحقيقية والوحدة الوطنية وتحقيق الحياة الحرة الكريمة للمواطنين جميعاً، وعلى قدم المساواة دون محاباة أو تمييز.
 ومصدر المشقة كامن في أن ظروف الانقسام تجعل لكل طائفة ممثليها وما تحسبه مطالب خاصة بها، فلا تعود تصغي، بالقدر المنتظر أو المطلوب، للتشكيلات المختلطة التي تضم أعضاء ومناصرين من مختلف تكوينات المجتمع، والتي تُعلي من شأن المشترك والجامع والعام، على حساب الفئوي والخاص، حيث لا يصح أن تحصر المعارضة في طائفة دون سواها، أو اعتبار أخرى بقضها وقضيضها معارضة لفكرة المعارضة ذاتها.
 
أذكر أني نشرت في هذا المكان بالذات ً في مارس الماضي، وفي ذروة الأحداث مقالاً بعنوان:”السنة أيضاً يريدون الإصلاح”، قلتُ فيه أنه ستكون خطيئة قاتلة لنا جميعاً إن قسمنا البحرينيين بطريقة نظهر بها أن بعضهم يريد الإصلاح، وبعضهم الآخر لا يريده، وفي عنقنا جميعاً مسؤولية إظهار أن الإصلاح السياسي والدستوري والتوزيع العادل للثروات هي قضية البحرينيين جميعاً، سنة وشيعة، ويجب ألا نسمح للنوازع الطائفية أن تشوه الوعي الوطني في هذا البلد”.
 
بشديد المرارة نقول أن شيئا من هذا قد حدث، ورغم أننا على يقين كامل من أن كل أبناء هذا الوطن وطنيون بالانتماء والتطلعات وبالحرص على مصير وطنهم، لكن الوطن اليوم هو في أمس الحاجة لمن يمسكون بجمرة الوحدة الوطنية في أيديهم، داعين اليها، ولأنهم اليوم يمثلون الأقلية في مجتمعنا المنقسم، ولكنهم، في الضمير والوجدان، يشكلون الأقلية الهائلة، لذا عليهم أن يتحملوا مشقة أن صوتهم الآن ليس مسموعاً بالشكل الكافي، وأن كثيراً أو قليلاً من سوء الفهم سيواجهونه وهم يحملون راية هذه الدعوة، ولكن قدرهم أن يقوموا بهذه المهمة لكي لا تنحرف بوصلة العمل في البلد.

اقرأ المزيد

الاقتتـال الطائفــي


هناك من يريد أن يجرَّ البلاد الآن إلى أسلوب العنف لقطع الطريق أمام أية مبادرة للمصالحة الوطنية، وإجراء إصلاحات حقيقية تنتشل البحرين من الوضع الحالي.
 
لقد نجح هذا البعض إلى حدٍّ ما، في تحويل قضية المطالب الشعبية إلى قضية فتنة طائفية، واستطاع أن يقنع العديدين من أبناء طائفته بأن أيَّ إصلاح سياسي إنما سيكون على حسابهم. كما نجح في زرع الخوف من الطائفة الأخرى في نفوس أبناء طائفته، ومع ذلك فهو يرى الآن أن جميع ما قام به من جهود لوقف عملية التغيير يتلاشى بعد أن وقف المجتمع الدولي بما في ذلك المنظمات العالمية مع تطلعات الشعب البحريني في إقامة مجتمع أكثر عدلاً وديمقراطية.
 
ومع صدور تقرير لجنة تقصّي الحقائق في الأحداث الأخيرة والتي أمر جلالة الملك بإنشائها، لم تعد لدى هذا البعض أية حجة يدافع بها عن موقفه، بعد أن كذّب جميع التقارير الدولية واتهم وسائل الإعلام العالمية والمنظمات الدولية بالنظر بعين واحدة للأحداث التي جرت في البحرين!
فتقرير لجنة بسيوني فنّد جميع الادعاءات التي كان يطرحها هؤلاء، من أن التحرك الشعبي في البحرين كان مدفوعاً من جهات خارجية، أو أن المعارضة تسير وفق أجندات خارجية وتريد فرض ولاية الفقيه وغيرها من الادعاءات التي باتت مفضوحة أمام الجميع.
 
ولذلك لم يعد أمام من يقف في وجه التطور الطبيعي للمجتمع إلا استخدام العنف والقوة. هذا البعض يسعى الآن بكل جهده لخلق حالة من الاقتتال الطائفي ليرهب الدولة ويرغمها على عدم تحقيق أية إصلاحات، حتى أنه عارض تنفيذ توصيات تقرير لجنة تقصّي الحقائق في إرجاع المفصولين إلى أعمالهم كما يقتضي العدل والقانون، ومساءلة المسئولين عن حالات القتل والتعذيب وإسقاط التهم المرتبطة بحرية التعبير والرأي عن المتهمين.
 
وبعد أن فشل هذا البعض في إشعال الاقتتال بين فئات الشعب في أحداث المحرق خلال شهر محرم الماضي، أصبح الآن يحشد أنصاره ويقوم بالهجوم على المنازل الآمنة والاعتداء على المواطنين، وما أحداث دار كليب ومدينة حمد خلال اليومين الماضيين إلا في هذا السياق.
 
من يتزعم هذه التحركات معروف تماماً كما هو معروف تاريخه المليء بالحقد والكراهية والطائفية. وليس من المفترض على من يدّعي حبه للبحرين وأهلها أن يدافع عنهم
 

صحيفة الوسط البحرينية – 27 ديسمبر 2011م
 

اقرأ المزيد

حفاظاً على كوادرنا الوطنية


على مدار عقود  من تطور البحرين تشكلت في البلد شرائح واسعة من المتعلمين والتكنوقراط والكفاءات الإدارية والعلمية في المجالات المختلفة من اكاديمين وإداريين وأطباء ومهندسين، ومن المبدعين ومنتجي المعرفة والثقافة، من مختلف التحدرات الاجتماعية، وبعيداً عن انتماءها لهذا المكون أو ذاك من مكونات المجتمع.
 
 وكان لهذه الشرائح المتميزة بالذكاء والطموح والعصامية والكفاءة دور مهم في تشكيل صورة البحرين الراهنة، وكما في كل المجتمعات المشابهة في خصائص التطور السيسوثقافي فان هذه الشرائح من الفئات الوسطى هي ميزان المجتمع الضابط لتطوره المتوازن، الذي يسهم في استقراره وتقدمه.
 
ومن الطبيعي أن أنماط الوعي والسلوك لدى هذه الفئات تتفاوت بين بيئة وأخرى، وتخضع لمؤثرات مختلفة تجمع بين المؤثرات التقليدية والحداثية، ولكن طبيعة تخصصات أفرادها وصلتهم بمنجزات العلم والتكنولوجيا والثقافة تجعل منهم على تواصل مع منجزات الحداثة، حتى لو لم يتواءم وعيهم الاجتماعي والثقافي في بعض الحالات، وليس كلها، مع شروط هذه الحداثة، دون أن يفقدهم ذلك تصنفيهم كمكونٍ مهم من مكونات الفئات الوسطى في المجتمعات النامية.
 
في البحرين، كما في دول الخليج الأخرى، أنفقت الحكومات مبالغ كبيرة في تأهيل أفراد هذه الشرائح الذين تلـَقى العديد منهم تعليمهم في جامعات راقية، وتربوا في مستشفيات ومعامل متقدمة، وامتلكوا مع الوقت خبرات يُعتد بها في مجال عملهم يعرفها كل من هو على صلة، حتى لو كانت بعيدة، مع هؤلاء.
 
من بين النتائج السلبية التي شهدتها البحرين في الشهور الماضية أن العديد من ممثلي هذه الشرائح، مثل الأطباء والمعلمين والمهندسين وأساتذة الجامعة والكتاب وسواهم، واجهوا ظروفاً صعبة، نتيجة إعتقالهم وتعريضهم للتعذيب، وفصلهم أو إيقافهم عن أعمالهم، نتيجة المبالغة في توجيه التهم إليهم، وجاء تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق ليُنصف هؤلاء، ويدعو لإعادة النظر في الإجراءات المتخذة ضدهم، من أجل إحقاق الحق، حين قدر أن الكثير مما وُجه إليهم من تهم يندرج في إطار حرية التعبير عن الرأي والموقف.
 
للوطن مصلحة كبرى، على أكثر من صعيد، في تسوية الأوضاع الإنسانية لهؤلاء بسرعة إعادتهم إلى أعمالهم والى ممارسة التخصصات النادرة التي كانوا يؤدونها، والعمل بما نصت عليه توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في مراجعة الأحكام والإجراءات التي صدرت ضد الكثيرين منهم، والتي تتعلق بحرية التعبير عن الرأي، وإسقاط التهم التي لم يتم البت فيها ضدهم.
 
نقول على أكثر من صعيد لأن الأمر لا يتعلق بإنهاء معاناة هؤلاء فقط، وإنما أيضاً في الحفاظ على كوادر وطنية جرى الاستثمار في إعدادها طويلاً ولا يجوز التفريط بها، فهم ثروة للوطن كله، والمؤمل أن يكون إعلان النائب العام عن إسقاط اتهامات حرية الرأي عن 334 متهماً قد شمل، فيمن شمل، هؤلاء.
 
ونظل نقول أن المعالجة المسؤولة والرشيدة لهذا الملف تنم عن بُعد نظر نحتاجه في هذه المرحلة الدقيقة، لكي نعبر بالوطن هذا البرزخ الدقيق نحو أفق الحل السياسي، الذي لن يتم إلا عبر مصالحة وطنية، تكون أشبه بالتسوية التاريخية، التي تتعلم من التجارب القاسية التي مررنا بها، وتحول دون تكرارها.

اقرأ المزيد

الأشياء بأسمائها…!


أسوأ ما يمكن أن يصدى له هذا الكم من التجاوزات والمخالفات المالية والإدارية ثقيلة الوزن وشديدة الوطأة، والتي ارتكبتها 50 وزارة وهيئة وجهة حكومية وسجلها ووثقها الإصدار الثامن من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، هو الاستمرار في عدم تسمية الأشياء بأسمائها، رغم ان هذه الأسماء تفرض نفسها، وهو الأمر الذي ينتهي بنا في كل شيء الى نتيجة تصدم الجميع مؤداها: ” لا مسؤول” و” لا مسؤولية ” و” لا فعل” أمام كل التجاوزات والتخبط وسوء الأداء والتي لو حدثت في بلدان أخرى لأفرزت ردود فعل نحسب أنها تطيح برؤوس كثيرة، فقط لأن هناك من لا يزال يصر على نحو يكاد يكون مذهلا على عدم تسمية الأشياء بأسمائها وجعل المساءلة «الفريضة الغائبة» التي لا تستحضر من أي باب ولا يوجد لها حضور في كل موقع ليظل التعاطي مع التقرير بكل تفصيلاته وبمجمل فصوله وفقراته وعناوينه وحيثياته، ليس فقط في حدود أنه حدث سنوي عابر او حالة طارئة، او بازار لمزايدات واستعراضات إعلامية لنواب وغيرهم ممن باتوا يفرضون أنفسهم علينا كنشطاء سياسيين وحقوقيين ومن في حكمهم، وهو أمر لم يعد بحاجة إلى شرح او إثبات، وإنما وهذا هو الأهم، تعاط يعتبر انتهاكا للقوانين واللوائح وكل أوجه التلاعبات والمخالفات والتجاوزات في المناقصات والمزايدات وأنظمة الخدمة المدنية وتغييب أنظمة الرقابة الداخلية والممارسات الموغلة في الغلط والتدليس، وكل ما يصيب الضمائر الحية بذهول لا حدود له بانها «ملاحظات» مجرد «ملاحظات»..

هل يعقل هذا..! الأسوأ من ذلك، هو تلك التبريرات التي تتسابق الوزارات والمؤسسات والهيئات الرسمية المعنية على نشرها في ردودها وتعقيباتها على ما ورد بشأنها في التقرير، الواعز الاول، والدافع الاول، والهدف الاول منها التنصل من مسؤولية اي خطأ واقناعنا بأنها «مظلومة» وانها بريئة من «الثقوب» و”العورات” التي كشف عنها التقرير، وبأن سير الأمور فيها على خير ما يرام، وربما تذهب بعض الجهات الى الاستخفاف بعقولنا وتفاجئنا بأن ممارساتها الادارية والمالية متطابقة مع المعايير الدولية في الإدارة والشفافية وما الى ذلك، وقد تتفتح قرائح بعض القائمين على أمور بعض الوزارات والجهات عن شروحات وتفسيرات إن دلت على شيء فإنما تدل أولا وأخيرا بان ثقافة الاعتراف بالخطأ لازالت غائبة، وبان المحاسبة والمساءلة ليس لهما مقاعد بارزة في الصفوف الأمامية، وهو أمر ليس هينا لا في ذاته ولا في دلالاته ولا في نتائجه. إن المطلوب هو فتح الابواب للآليات والادوات الرقابية التي من صلب مهامها ان تساءل وتحاسب وتعاقب وتغير وتقدم العبرة والنموذج المؤكد بأن ثمة جدية في التعاطي مع التقرير وإصرار على اتخاذ ما يلزم في ملاحقة المسؤولين الذين اخلوا بواجباتهم وانتهكوا القوانين والنظم والاجراءات، ولكن من المتوقع ألا يحدث شيئا من ذلك، نقول ذلك من واقع تجربة السنوات الثمان الماضية حيث كانت تقارير ديوان الرقابة تصدر سنة تلو سنة وتكشف تماديا في الاخطاء والتجاوزات، ولم نجد احدا سئل أو حوسب، ويكاد يكون الأمر مذهلا حين نجد المسؤولين عن ذلك يرون أنفسهم منزهين ولا يزالون في أعمالهم ثابتين في مواقعهم يتلقون المكافآت والحوافز والترقيات ولم يخضعوا لاي مساءلة بأي شكل كان..!!

الأسوأ من كل ذلك هو ردود اللافعل، او الظاهرة الصوتية التي تعقب صدور كل تقرير، وبالدرجة الاولى من مجلس النواب الذي هو في أي بلد له الدور المفصلي والحاسم في الرقابة والمساءلة على اداء السلطة التنفيذية، والدستور البحريني كما نعلم يجعل من النواب بجلالة قدرهم اكبر سلطة رقابية، ولكن الحديث عن هذا الدور ينكئ جروحا حينما نتابع او نستذكر كيف تعامل النواب في الفترة القريبة السابقة مع تقريرين من تقارير الرقابة دفعة واحدة وكيف مرروهما في جلسة واحدة وفي اقل من ساعة بعد ان استثمروه لتجميل الوجه وادعاء الصلاحية عبر زوبعات في المجلس النيابي واخرى في الصحف المحلية، في مشهد ألفناه حيث كثر من النواب عند صدور كل تقرير وفي صورة فيها ازدراء شديد للناس، يهددون برفع راية المحاسبة، ويتوعدون بلجم الفساد والمفسدين والعابثين بالمال العام، وفي الايام الماضية فقط وجدنا نوابا «اشاوس» باشروا استعراضاتهم التي أرادوا منها اثبات حضورهم والتأكيد بانهم فاعلين في الساحة ويمارسون دورهم بحسم وعزم حينما لوحوا بفتح ملفات وباستجوابات بل التهديد باسقاط وزراء تكررت المخالفات في وزاراتهم وملوحين بلجان تحقيق وإحالات الى النيابة العامة، وهذه الاستعراضات ليست حالة خاصة او فريدة، وانما هو تكرار لنهج باعث على الاسى الشديد استشرى في كل «موسم» من «مواسم» التقرير، المؤسف فيه انه لا يؤدي الى اي نتيجة منشودة.

ماذا نريد حيال وضع كهذا لم تمتد اليه يد العلاج:
 
– بكلام بسيط، بل مبسط لا نظنه يحتاج الى تفسير او استفاضة، نريد قبل كل شيء ان تسمى الأشياء بأسمائها، التجاوزات تسمى تجاوزات، والفساد يسمى فساد، وسوء الادارة يسمى كذلك، والتسيب واللامسؤولية والاهمال وعدم الكفاءة، والعبث بالمال العام، كل يسمى باسمه، والا سنبقى نراوح في مكاننا وسيبقى الحبل على الجرار.
 
 - نريد الا تكون ثقافة المحاسبة والمساءلة مشلولة عمليا وفي غرفة العناية الفائقة بسبب نواب جعلوا دورهم الرقابي معطلا او يمارسونه بعكس المفروض، وجعلوه وعاءً فارغاً ليس إلا. وهو الأمر الذي يثير قدرا لا يستهان به من علامات الاستفهام والتعجب حول هذا الحجم الكبير من العبث من النواب في شأن تعاطيهم الكاريكاتوري مع تقارير تلو تقارير تكشف عن تجاوزات وقضايا فساد، ويزيد الامر سوءا غياب المؤسسات الرقابية الشعبية الفاعلة التي عليها ان تؤدي دورها المفترض في مواجهة الفساد وحساب المسؤولين عنه.
 
– نريد ان تظهر للعلن وعلى الملأ صور المحاسبة الفعلية ازاء كل من اخطأ وتجاوز وعبث بالمال العام وبالموارد العامة واعلى منطق الزمرة والشلة والمحسوبية ومارس سياسة تعارض المصالح. وان يعفى من المسؤولية كل من هو غير اهل لتحملها، ولابد ان يدرك الجميع بأن هذا سلوك طبيعي وحضاري يعني احترام الناس واحترام معنى المسؤولية.
 
– نريد ان يكون التعاطي مع تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية هذه المرة مختلفا عن كل اشكال التعاطي مع التقارير السابقة، تعاط فيه من المسؤولية ما يشعر بأن هناك ما يحتاج الى تدارك، فلا الظرف، ولا المعطيات الحالية يسمحان بذلك، الا اذا كان هناك من يتصور بأن ليس في الامر هتك مروع لأبسط قواعد المسؤولية ولا يحزنون، وبأن الكلام الكثير والكبير الذي تكرر في الآونة الاخيرة سواء على طاولة الحوار الوطني، وفي غير ذلك من المناسبات عن محاربة الفساد وعن تجاوز حاضر مريض ومأزوم، ليس مجرد كلام، ما نريده أخيرا وبإلحاح هو إحياء روح جديدة للمسؤولية، والمرجوا ان يفهم القصد والمعنى من هذه الدعوة المقرونة برسالة مفادها: ان عملا كبيرا وشاقا نفترض أنه ينتظر أولي الحزم والعزم. 
 

الأيام 25 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد

مفصولو العقود المؤقتــــة


هناك شريحة لا يستهان بعددها من اجمالي المفصولين في القطاع الحكومي، هم العاملون بعقود مؤقتة، والذين تم انهاء خدماتهم في غمرة إجراءات الفصل التي شهدتها البلاد، وما يُخشى منه أن يُصار الى اعتبار فصلهم إحدى القضايا المسكوت عنها، فأسماء هؤلاء ليست مدرجة في قوائم ديوان الخدمة المدنية للمفصولين، لأن انهاء خدماتهم لم يتم بقرارات من الديوان المذكور، وانما من الوزرارات والهيئات التي كانوا يعملون فيها.
 
كما أن غالبية هؤلاء لم يمثلوا أمام لجان التحقيق ومجالس التأديب التي أقيمت في الوزارات والهيئات المختلفة، وهي نفسها اللجان والمجالس التي أتخذت قرارات الفصل أو التوقيف، وإنما جرى انهاء خدماتهم بناء على نصوص في عقود العمل المؤقتة المبرمة بينهم وبين جهات عملهم، والتي تتيح لجهة العمل الحق في فسخ العقد ساعة تشاء. لذلك جاءت قرارات فصلهم غير مُسببة إلا بما تمنحه هذه النصوص من صلاحيات لجهة العمل، وهو أمر جرى انتقاده في السابق مراراً، بعيداً عن خلفيات الأحداث التي شهدتها البلاد، بل أن مطالبات واسعة شعبية ونيابية جرت بتثبيت العاملين من ذوي العقود المؤقتة، خاصة وأن بعضهم مرت سنوات طويلة على مكوثهم في أعمالهم دون الحقوق التي يكفلها القانون للمدرجين على سجلات قانون الخدمة المدنية.
 
غاية القول أن فصل هؤلاء لم يكن بسبب مشاركتهم في التعبير عن أرائهم أو بما شابه من تــُهم وجهت لمن فصلوا من الموظفين الدائمين، مع ان إنهاء خدماتهم تمَّ في الفترة نفسها ولذات الأسباب التي أدت إلى فصل أو إيقاف زملائهم الدائمين، وبالتالي باتوا عرضة لأن لا يجري النظر إلى إنهاء خدماتهم بصفتها جزءاً من ظاهرة الفصل والإيقاف التي طالت الآخرين.
سيترتب على هذا، بل انه بالفعل ترتب عليه، ألا يكون هؤلاء مشمولين بالحلول التي تؤدي الى عودة المفصولين إلى أعمالهم، لأن الجهات الحكومية التي فصلتهم ستجادل، بل أنها تجادل فعلاً، بأنها لم تنهِ خدماتهم على ذات الخلفية التي فصل بها سواهم، وانما بناء على ان عقود العمل معهم تتيح انهاء خدماتهم، ويمكن أن تُساق، تحت هذا القول، ذرائع كثيرة من نوع نقص الميزانية أو فائض الموظفين أو انتفاء الحاجة الفعلية لخدماتهم، رغم انه جرى في حالات كثيرة استبدالهم بآخرين.
 
ملف المفصولين أو الموقوفين أو المنُهاة خدماتهم ملف شائك وينطوي على تفاصيل كثيرة تُكثف جوهر المعاناة الإنسانية للعمال والموظفين الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها دون مصدر رزق لهم ولعائلاتهم وأطفالهم، ولا يصح أن يجري التعاطي مع هذا الملف بالتقسيط أو بالقطاعي والانتقائية، فهو ملف واحد في جوهره يشمل كل أولئك الذين طالتهم إجراءات الفصل والتوقيف في أي موقع من مواقع العمل، حكومياً كان أو في القطاع الخاص، وتحت أي مبرر أو بند جرى هذا الفصل، فالعبرة هي في النتائج لا في المبررات التي سيقت لاتخاذ القرارات.
 
لذا على المعالجة أن تكون شاملة بحجم شمولية الملف نفسه، الذي يجب التعامل معه كاملاً بروحية الرغبة الصادقة في الحل، الذي يجب أن يشمل الشريحة المذكورة.
 

اقرأ المزيد

اليسار ممارسة وتقديم نموذج – جبريل محمد


هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟

انه العليق عند الغارة، وفي عرف العرب ان مثل هذا العليق لا يفيد الحصان بل يجهده اكثر، فاليسار فاجأته لحظة ثورية لم يكن مستعدا لها، ورغم ذلك خاضها ولم يقدها، لأنه لم يكن مستعدا فكريا وتنظيميا لهذه اللحظة، وفي هذا قصور في الرؤية، وحسابات تاريخية خاطئة، ناتجة اما عن تكلس ايدولوجي نمطي او عن تماهي مع العولمة وحركة اللبرلة التي سرت في شرايين الفكر السائد عالميا، لذلك لم يستطع ان يكون مؤثرا في الحركة، وكان مثله مثل أي مشارك من الجمهور إلا بفارق وعي بسيط غير ان هذا الوعي كان نظريا عاما بعيدا عن امتلاك الرؤية لقيادة حرب الطبقات وأساليب إدارة العملية النضالية، لقد كان يسارا مثقفا أكثر منه يسار ممارس. هذا لا يجعلنا نغض الطرف عن استثناءات هنا وهناك لكنها لم تستطع ان تشكل الظاهرة العامة.

الثورات اليوم هي المعلم الأكبر وهي كفيلة ان تكنس ما تراكم من قشور وبثور على جسم اليسار ان أراد التفاعل الحقيقي مع الحالة الثورية وان نظر إليها كصيرورة تاريخية لا بد من الاستجابة لها بأدوات جديدة.وبوصلة جديدة مركزها الميدان الكفاحي ومحيطها الانتشار في اوساط الفقراء والمعدمين بدل الانغلاق في صالونات العواصم، لم تبدأ الشرارة الاولى من تونس العاصمة بل من بلدة نائية ربما سقطت من الخارطة فأعاد البوعزيزي تثبيتها عليها، لذلك يجب مغادرة الكلاسيكي في التحليل الطبقي والولوج الى تعقيدات البنى العربية من ناحية تشوه التركيب الطبقي، وسيادة الاقتصاد الريعي وخراب الإنتاج، وغير ذلك من المظاهر التي خلقتها عقود من التخلف والتبعية.

انها فرصة اليسار ألان في التطور حتى وان بدت الأمور وكأن الدين السياسي هو فارس الميدان، لكن الشعوب اذ تفتح عيناها على حقوقها تصبح عينا ناقدة ومسائلة، وبالتالي فان الوصول الى ديمقراطية سياسية سيفتح المجال امام تطويرها الى ديمقراطية اجتماعية شرط ان يكون الحصان قد اشبع عليقا وهذا ليس في ربع الساعة الاخيرة.

2-  هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
لو كانت هذه الاحزاب ممتدة في شرايين القواعد الشعبية لما فعل القمع فعله، هذه تجربتنا في فلسطين، فزيادة قمع الاحتلال كانت تؤدي الى مزيد من جماهيرية أي حزب ديني كان ام يساري، ربما تختلف ظروف الاحتلال عن دول شبه مستقلة، لكن وضوح المطلب، والاستعداد للتضحية مترافقا مع التفاعل الحي مع الجماهير كان يمكن ان يحول القمع الى أداة فعالة لزيادة تأثير الحزب والالتفاف حوله، اما ما تعرض له اليسار من قمع سلطوي فهذا في الحقيقة لم يكن في بال الجماهير لان منظمات اليسار كانت نخبوية بالأغلب واعتقال بعضها لم يؤثر على اكثر من الاسر والجيران احيانا، فقد ظل يسارا تبشيريا لم يصل الى حالة تحميه الجماهير من القمع وبالتالي اثر القمع، حيث كان من المفروض ان لا يتوقع الثائر من الدكتاتور ان يؤدي له التحية.

3-  هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
هذا اذا كان هناك استعداد لدى قوى اليسار لتعلم الدروس، فمن التجربة التونسية والمصرية وجدنا ان اليسار لم يتعلم الدرس، بمعنى انه لم يبن أي شكل جبهوي تحالفي بين قواه، ولا زالت التفاصيل الصغيرة تسيطر على فكره دون الاهتمام بالقضايا الكبرى وتغليبها على مصالح حزبية ضيقة تزيد من شقة الخلاف، ان الثورات اذ تبدأ عصرا عربيا جديدا، انما تعلم كل من استغرقته النظرية عن الثورة دروسا جديدة، اذا كان لدى هذه القوى استعداد للمراجعة والنقد لا جلدا للذات وانما لإعادة هيكلة الفكر والتنظيم والأدوات بما يلائم الظروف الجديدة، ويدفع نحو قيادة العمل الثوري، كما ان امام قوى اليسار مهمات ان لم تقم هي بها، لا يمكنها التأثير بالشارع من خلال الاعلام فقط والتبشير او التنظيم الحلقي، ان عليها مقابل نموذج الاغاثة الريعي الديني السياسي، ان تقدم من خلال قيادتها قبل كادراتها وقواعدها، نماذجها التعاونية الاشتراكية في كافة المجالات الزراعية والصناعية، لتعلم الجمهور انه كما استطاع ان يفجر ثورة يستطيع ان يبني مجتمعا عادلا، هذا من جهة ومن جهة اخرى يجب ان يولي اليسار اهمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ويمسك بها بذراعيه وكفيه واصابعه فهي مدخله الى الفقراء وطريقه للانسجام الكلي مع فكرته وبرامجه.

4 ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
الانتشار في كل الميادين الانتاجية اولا والاعلامية ثانيا والثقافية ثالثا، والوضوح القاطع مع كل أشكال الانتهاز السلطوي، والاهتمام بالشباب وطلبة المدارس قبل الجامعات، النظر الى الانتخابات كوسيلة تبني قادة شعبيين لا بيروقراطيين مهندمين، وتقديم النماذج المختلفة للإنتاج خاصة في الأرياف وأحزمة الفقر حول المدن.

5-  القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
الشعار راهن ويجب الاسراع جدا في العمل عليه، ان قبولنا بالتعددية في المجتمع يقتضي قبولنا في اختلاف وجهات النظر داخل اليسار فهو ليس دين يعتمد على النص، وما يقرب اليساري من الليبرالي اقل بكثير مما يقرب بين اليساري واليساري، اظن ان المماحكات النظرية الزائدة هي نزعة مثقفين عجزة وغير عضويين، وهذا يعني ان ميدان الثورات سيغسل كثيرا من العوالق التي ادت الى عجز اليسار وسيفتح طرقا متعددة للوحدة بينه، الا اذا ظل هذا اليسار كحبات البطاطا في كيس من الخيش كله بطاطا ولكن لا جامع بينه.

6 ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
التجديد القيادي بات ضرورة لتنشيط الدورة الدموية للاحزاب، كفى لكثير من الكهول والشيوخ تربعا على قمة اهرام الاحزاب، ان الديمقراطية تقتضي تكافؤ الفرص وفتحها امام الجميع، وكما ان تطورات العصر بات يملكها الشباب اكثر من الكهول، فان اندفاعهم وحماسهم وانتماءهم لاحلامهم سيعطي قوة دفع هائلة في الاحزاب اليسارية، شرط تمتعهم بحدود مقبولة من الوعي السياسي والتنظيمي والفكري، يتغذى ويقوى بالممارسة، فقد اثبتت تجربتي تونس والجزائر ان غياب التنظيم في اوساط الشباب حرمهم من التأثير الحقيقي في قرارات الثورة، ولذلك جرى استبدال الفاعلين الحقيقيين بنواب عنهم من بقايا احزاب مترهلة، الامر الذي دفع الشباب مرة اخرى واخرى للميادين، ان مهمة اليسار هنا ان يكون المرشد لهولاء الشباب والقادر على استقطابهم لصالحه.

7-  قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
المرأة المرأة، أي مرأة تقصد، تلك التي تدافع عن حقوق مدنية وسياسية ليبرالية فقط ام نساء الارياف والنجوع والعشوائيات اللواتي لا يعرفن غير الطاعة مع انهن منتجات وكادحات، ان المدخل الاساس للدفاع عن حقوق المرأة هو مدخل الحقوق الاقتصادية الاجتماعية، وهذا يدفع باليسار ان كان جادا ان يعمل في اوساط النساء في المناطق الفقيرة وان لا يبحث عن العمل السهل في الاوساط المدينية، حتى النساء في هذه المناطق لا زلن خارج ان يكن فريسة الدين السياسي، انهن متدينات شعبيات وسهل استقطابهن من خلال المشاريع الانتاجية الصغيرة.

8 ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
هذا يعتمد على مدخل اليسار في ذلك هل هو في نقد السماء ام نقد الارض، ان الصراع مع الدين السياسي في ميدان القيم والاخلاق وغيره هو صراع نتيجته محسومة لصالح الدين السياسي الذي يعمل في بيئة مواتية، اما الصراع معه على ارضية القضايا الاقتصادية والاجتماعية وتعرية نهج الاغاثة، المغطي على الاستغلال فهو الوسيلة الانجع، فقد كان مبارك وبن علي وغيره لا زال حماة لنظام استغلال قبل ان يكونوا مجرد فاسدين، ان التعظيم من التركيز على الفساد انما هو امسك بالنتيجة وليس السبب، فالاستغلال هو اساس الفساد، وبالتالي، فالاهم هو مقاومة الاستغلال، والسعي الدائم لتحول ما يقدمه الدين السياسي من اغاثات وخدمات الى حقوق تكفلها الدولة قانونيا، بذلك يتم تحرير الفقراء من التبعية للمغيثين، ويتم بسط سيادة الحقوق محل منهج الاغاثة والحسنات.

9-  ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر….. الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
اهمية تقنية المعلومات انها وسعت الى حد كبير من القدرة على الحصول على المعلومة، كما انها سرعت من التواصل، واستطاعت ان تفلت من الرقيب المباشر، وبالتالي لدى الجميع الان آلية تواصل سريعة وحرة وقادرة على تحوير البنى التنظيمية بما يجعلها اكثر نجاعة وتأثيرا، اما انها تصنع ثورة، فهذه مغالاة انها وسيلة تواصل تحتاج الى تنظيم ميداني يستثمرها في الاسراع في تحقيق المهمات وانجازها وتقليص الكلفة البشرية والمادية على الاحزاب الفقيرة، انها كآلة الطباعة واثرها السابق، وهي ايضا ربما تكون كأختراع البارود ودوره في انهاء الاقطاع.

10-  بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
بصراحة، تعرفت على هذا الموقع بعد سنة من انطلاقه، ومن يومها اتصفح بسرعة خمسة مواقع لاستقر متأنيا عند الحوار المتمدن وما يعطيه من تنوع وعمق في مقالات ودراسات وغيرها، وقد افادني انا الذي لم اغادر فلسطين منذ ثلاثين عاما بالتعرف على مفكرين وكتاب عرب من كافة المشارب، لقد شحذ في الذهن الناقد وهذا ما تفتقره الكثير من المواقع اتمنى ان يستمر ويتقدم الى الامام ففيه مساحة من الحرية قل نظيرها وفيه ما يوتر العقل ويقدح زناد الذهن، شكرا لكل من يعمل في هذا الموقع.

جبريل محمد
باحث فلسطيني
الحوار المتمدن
20 ديسمبر 2011
 

اقرأ المزيد

في الجدل بشأن مبررات الإبقاء على ربط العملات الخليجية بالدولار


في السياسة يسهل تسييس ما هو مسيّس أصلاً، فليست في السياسة محددات قانونية فاصلة يمكن الركون اليها في بناء الأحكام الصحيحة الصارمة (القانون الذي يمثل ويعكس وجود علاقة منتظمة ومستمرة بين عناصر الظاهرة موضوع الدراسة والبحث والقياس) . إنما في الاقتصاد الأمر مختلف، فهنا لا مجال للأهواء والأقوال المرسلة على غير أساس من القانون أو الواقع القابل للقياس، ولا تملك محاولات تطويع قوانينه وفقاً للأهواء والرغبات والنزعات، سوى القليل جداً من الحظ في التسويق الآني والمحدود .
 
نقول هذا الكلام لمناسبة تعدد محاولات التطويع غير الاقتصادية لتحليلات حساب الأرباح والتكاليف في المسألة المتعلقة باستمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي . إذ يلاحظ على معظم التناولات، وهي تناولات رسمية أو شبه رسمية في الغالب، لهذه القضية الاقتصادية الكلية البالغة الأهمية والحساسية للاقتصادات الخليجية، تجارةً، واستثماراً، وأصولاً، وميزات تنافسية، وتضخماً، وقدرة شرائية وغيرها من مؤشرات الأساسيات الاقتصادية المتصلة بصميم حركة الدورة الاقتصادية “ذهاباً وإياباً” – وهي تناولات يتداولها، هذه الأيام خصوصاً، بعض الواجهات الإعلامية التي تبدو غير متخصصة – تطرح آراءً هي أقرب إلى التقارير السياسية الموجهة حتى وإن أُضفيت عليها النكهة الاقتصادية، منها إلى الآراء الاقتصادية الرصينة والموضوعية .
 
تذهب تلك الآراء التي تُنسب إلى اقتصاديين ومحللي أسواق مجهولين إلى أن استمرار ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي خيارٌ صائب بغض النظر عن تدهور سعر صرف الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة مقابل كافة العملات الرئيسية العالمية، وأن قوة العملات الخليجية، أي ارتفاع أسعار صرفها في حال ابتعادها أو فك ارتباطها بالدولار الضعيف من شأنه أن يُثني ويعوِّق الاستثمارات الجديدة في دول مجلس التعاون، كما أن معظم أسعار السلع العالمية مقومة بالدولار الأمريكي، وضعف الدولار في هذه الحالة في السنوات الأخيرة قد حفز طلب وإقبال المستثمرين على الاستثمار في بلدان العملات المغرية المرتبطة به، فضلاً عن أن السوق الأمريكية تشكّل سوقاً رئيسية لمنتجي النفط الخليجيين . بل إن بعض تلك التقارير الموجهة يذهب إلى أنه حتى الكويت التي عادت بسرعة في عام 2007 إلى نظام صرفها وربطها النقدي الذي كانت تعمل به حتى عام 2003 حين قررت دول مجلس التعاون تطبيق المرحلة الأولى من خطة إنشاء العملة الخليجية الموحدة، وذلك بربط جميع العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، فتخلت الكويت حينها، كما نعلم، عن نظام سلة العملات الذي كانت تعمل به للتغلب على تذبذبات سعر صرف الدولار – نقول إن بعض تلك التقارير ذهب إلى أنه حتى الكويت التي تطبق نظام سلة العملات، لم يكن سجلها في مجال مكافحة التضخم (الناجم عن تدهور قيمة الدولار) أفضل حالاً من سجل بقية دول مجلس التعاون في السنوات الأخيرة، وأن الدينار الكويتي مازال مرتبطاً بالدولار الأمريكي، وأن هناك شكوكاً في أن فك الارتباط بالدولار يمكن أن يؤدي إلى كبح جماح التضخم، وأن اليورو والين لا يوفران بديلاً عن الدولار يتسم بالشفافية وسهولة المعاملات السوقية، وأن الدولار مازال يعتبر ملاذاً آمناً بالنسبة إلى المستثمرين . . إلخ من الدفوع التي تلتمس الصحة وتقاربها أحياناً وإن غلب عليها التشويش والتقرير المخل .
فأين هي الحقيقة في مسألة استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي؟
 
أولاً نوافق الرأي القائل بأن الدولار الأمريكي مازال من الناحية الفعلية والعملية يعتبر عملة العملات العالمية، فمعظم صفقات التوريد والتصدير والبيع والشراء في العالم، مقومة بالدولار، أي أن الدولار مازال أداة الدفع الاساسية، كما أنه مازال عملة الاحتياط الرئيسية .
 
لكن هذا “الملاذ” مهدد بأضرار فادحة جراء الوضع المالي والاقتصادي الهش للولايات المتحدة . وهذا التهديد حالّ وقد تقع أضراره في أية لحظة، حين تخفق الحكومة في سداد خدمة الدين العام المستحق عليها، كما حدث في شهر أغسطس/آب الماضي، فتلجأ إلى التمويل العجزي . وعندها لن تنفع تدابير الترقيع في “رتق الفتق” على النحو الذي دبرته بتحايل “ستاندرد آند بورز” حين خفضت وحسب التصنيف الائتماني للولايات المتحدة درجة واحدة فقط .
 
إن معظم تجارة دول مجلس التعاون هي مع دول جنوب شرق وغرب آسيا والصين وأوروبا، وأقلها مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تشكل الواردات الخليجية منها سوى 5 .2% فقط من إجمالي الصادرات الأمريكية إلى دول العالم في عام  2010 (أكثرها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بنحو 11 مليار دولار لكل منهما)، يتصدرها العتاد العسكري والطائرات التجارية (دراسة لغرفة تجارة وصناعة دبي) . وهذا يعني أن نتيجة الارتباط بالدولار أو الارتباط بسلة عملات ليست واحدة، وإنما سيكون التضخم المستورد في صورة سلع وخدمات مستوردة – من الأسواق العالمية باستثناء السوق الأمريكية – في حالة الارتباط بالدولار أكبر منه في حالة الارتباط بسلة عملات .
 
إن تقارب مستوى التضخم في كل من دولة الكويت التي تأخذ بنظام سلة العملات وبين بقية دول مجلس التعاون التي تأخذ بنظام الربط بالدولار، لا يرجع إلى أن نتيجة الربط تبقى واحدة، فقد تكون أسباب التضخم في دولة الكويت تعود إلى عوامل الإفراط في الإنفاق العام والخاص – وهذا هو الأرجح – نتيجة لتراكم فوائض الموازنة العامة . ثم إن مستوى التضخم في دولة الكويت وبقية دول المجلس ليس واحداً، فقد بلغ 6 .4% مقابل أكثر من 5% في بعض دول المجلس . ولو أن الكويت قللت من ثقل الدولار في السلة لكانت نسبة التضخم فيها أقل من ذلك أيضاً .
 
إن الاستمرار في اعتماد نظام الصرف بالدولار، أي اعتماد الدولار عملة احتياط إسنادية وقياسية وتداولية واكنازية للعملات الوطنية الخليجية، يقترب في الظروف الاقتصادية الحالية وخصوصاً ظروف الدولار الأمريكي، من الحالة الشبيهة بمن يحاول التمسك بقشة . ولذلك فإن الصين أكبر مستثمر في الأصول الأمريكية هي الآن بصدد تسريع وتيرة استخدام عملتها الوطنية اليوان كأداة دفع دولية وعينها على ترنح اليورو وإمكانية انهياره.
 
 

اقرأ المزيد

حول إشكالية -الربيع العربي- … إجابات موجزة متداخلة لأسئلة الحوار المتمدن


لم تكن مشاركة التنظيمات اليسارية العربية ضعيفة لوحدها فحسب، في حركة البركان العربيّ الفجائيّ العفويّ المعاصر-الحالي وغير المسبوق- بل ان الضعف والهوان ذاته كان سمة القوى الحداثية والعصرية من قومية ووطنية وليبرالية! .
 
ولعل اسباب ذلك عديدة ومتناقضة – موضوعية وذاتية- منها ما جاء في سؤالكم الثاني من ان الاستبداد العربي المزمن المتمثل في انظمة عربية تسلطية لم تترك فسحة وفرصة امام تلك القوى للحراك الحداثي الحرّ – سياسيا تنظيميا وفكريا- في حين ترك العنان للقوي التقليدية المحافظة-الاسلاموية- لملء الفراغ، الامر الذي تجسد في ان تحصد القوي تلك بالذات الثمرات الاولى (فوزها البيّن في الانتخابات) لنضال المنتفضين في ساحة ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي. وتجني ثمار ما زرعته الانظمة المستبدة لعدة عقود! على ان المسألة ومآل الامور هي اكثر تعقيدا من هذه اللوحة المبسطة المطروحة، في رأينا اعلاه، التى لا تعدو ان تكون اكثر من متلازمة بديهية، بسبب تدني الوعي الاجتماعي -الطبقي خاصة- في قاع المجتمعات العربية وتفشي الغيبيات، بل حتى التصورات الخرافية- ماقبل الدينية- ليس في اذهان العوام من بسطاء القوم فحسب ولكن ايضا لدى قطاعات واسعة من الاخصائيين والمتعلمين، في وقتٍ تملك قوى تيار الاسلام السياسي النفوذ المالي والهيمنة المعنوية- الروحية- المتواصلة مع الناس من خلال دور العبادة وجمعياتها الخيرية، المنتشرة كالفطر. بجانب عدم شرذمة شيَعها واتباعها، كما هو حال القوى الحداثية (اليساريين واليمينيين- الليبراليين)، المتسمة بالفرقة والهوان والنخبوية .

اما دور قوى المجتمع المدني- المعدومة اصلا او الكليلة في افضل الحالات- لم تكن افضل حالا من القوى السياسية، عدا الحالة التونسية الحمّالة لحركة نقابية ونسوية نشطة.. ومن هنا يجب ان ندرك ريادة الشرارة التونسية في اشعال لهيب ثورة عربية معاصرة عارمة متوالية، لم نرَ لها مثيل من قبل في مجمل مسيرة التاريخ العربي القديم والحديث!

من المهم الآن فهم هذه الظاهرة “المعجزة”: استيقاظ المارد العربي من سباته التاريخي العميق! … ولماذا الآن؟! … وكيفية التعامل الامثل مع الحدث العظيم لاستثماره في وأد الاستبداد ونزع مخالبه- الظاهرة والمبطنة- المركونة على القوى الطفيلية والرجعية في الداخل (قوى الثورة المضادة) والمتآمرين الاقليميين (الرجعية العربية) والغربيين. بالاضافة الى مواصلة النضال الدؤوب، الذي لا هوادة فيه، لتشييد مجتمع مدني معاصر مؤسساتي-تعددي وتداولي- من خلال الدور التاريخي الملقاة اليوم على أكتاف قوى التقدم والعصرنة العربية، في ضرورة العمل المشترك والانسجام العملي والمرحلي فيما بينها، بالرغم من الخلافات الايدلوجية المتعلقة بالمرحلة المستقبلية. بجانب الاهمية في إدراكها-علميا- مهام المرحلة التاريخية الحالية ومتطلباتها في طرح برامج واقعية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والابتعاد عن “الشعاراتية” القاتلة غير المنسجمة مع الواقع الموضوعي لدنيا العرب، من ناحية التركيبة الطبقية والوعي الاجتماعي وتوازن القوى..الخ. والنأي عن السياسات الانعزالية المتأتية من القوى غير العقلانية، الجانحة نحو التطرف اليساري الانغلاقي او التبعية اليمينية الهلامية.

أما حول الأسئلة المتعلقة بموضوعيّ الشباب و”القيادات الشابة”!؟ ودور المراة وحقوقها.. فأعتقد أن لهذه الاخيرة دورا كبيرا ومحوريا في توصيل الثورات الى مبتغاها المأمول. بجانب ان قضية المرأة الاساس (المساواة الجنسوية التامة) هي بمثابة الفيصل في دكّ المنهاج الرجعي للسلفية “الاسلاموية” وبطلان ادعاءاتهم من انهم مع حق المراة! وفي هذا السياق لابد أن تكون المقارعة العلمية والتعامل المُركّب سمة التكتيك السليم مع حركة الاسلام السياسي، المركونة هي ايضا على حركة التاريخ الموضوعية، الأمر الذي تكون فيه “الانتليجنسيا” الاسلامية مجبرة على قبول امور لا توجد في حسبانها الآن! وقد تتمخض اجتهاداتها لتصل الى بروز تيار قريب من “الاسلام التنويري” ومريديها العظام في مستهل القرن العشرين أمثال الفقيه “حسين عبد الزراق” وغيره .. وربما سينقسم الاسلاميون ايضا بين اسلاميّ يمينيّ متزمّت واسلاميّ يساريّ منفتح! من يدري ما سيكون في دولاب الزمان؟!

كما ان دور الشباب في الحراك الجماهيري واضح لا تخطئه العين، ولابد ان تفسح التنظيمات التقدمية المجال لتأهيل الشباب للصفوف القيادية.. فعلى حد تعبير” لينين” ان من ملك الشباب ملك العالم! غير ان “لينين” نفسه يفيدنا انه لا توجد مشكلة الأجيال (المفتعلة) في خضم العمل الثوري، الذي يتطلب – دياليكتيكيا- انسجام الاثنين معا، دون فصل تعسفيّ: خبرة المخضرمين ( حتى الكهول) وحماسة الشباب!

حول السؤال عن ضرورة الاستخدام الامثل والانجع لأدوات التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي من قِبَل السياسيين والحراكيين؟! فالحقيقة إني ضعيفٌ وغير فعّال في الاستخدامات العديدة المتوفرة في أدوات التواصل المذكورة، ولهذا السبب لا يمكني أن أفتي في شيء لا اعرفه تمام المعرفة!

وأخيرا أهنئ الزملاء الكتاب.. والرفاق والاخوة الاعزاء في الطاقم الإداري لموقعنا الأثير : “الحوار المتمدن”، في عيده العاشر.. متمنيا لهم دوام النجاح والتقدم المضطرد في نضالهم الإعلامي والفكري المتميز، كون الموقع : يساريّ الهوى وتقدميّ النزعة، الأمر الذي لا يكون دائما من السهولة بمكان في ان يفلح كل عنصر في الطاقم المذكور من النأي عن مشاعره الشخصية في هذه المسالة ان تلك او تجاه هذا الكاتب او ذاك! نعم على الصعيد المهني – نظريا- نسعي نحو الكمال ولكن –عمليا- قد ننقاد للنفْس الأمّارة بالسوء! … ودمتم جميعا للنضال المشترك من أجل غدٍ انسانيّ أفضل.
 
 
موقع الحوار المتمدن
22 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد