المنشور

٢٠١٢: وضوح رسالة الثورات العربية – شفيق ناظم الغبــرا


مع إحراق محمد بوعزيزي جسده احتجاجاً في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠ أطلق وميضه طاقات محبوسة ومطالب مؤجلة وحقوقاً مهضومة وتطلعات متجددة لجيل جديد. لقد تحولت الثورات إلى رسالة جيل وصحوة للفئات المهمشة والمستثناة في البلدان العربية. ورغم تسلح الثورة الليبية اضطراراً استمر الطابع المدني عنصراً أساسياً في الثورات الشبابية. لقد انتقلت الثورة بسرعة من تونس إلى مصر ومنهما إلى ليبيا واليمن ثم إلى سورية، كما أنها حركت بدرجات متفاوتة انتفاضة مؤثرة في البحرين وأثارت حراكاً عميقاً في كل من الأردن والمغرب وعمان والكويت.
 
لقد نتج من الثورات العربية أكثر من مجرد إسقاط قادة ثلاثة أنظمة والمحيطين بهم، بل سقطت أيضاً مع الأنظمة طرق في التفكير ووسائل توريث وعناصر للديكتاتورية سادت مجتمعات عربية شتى. لقد اختصرت الثورات العربية عقوداً تميزت باختفاء الحياة السياسية في البلاد العربية وضمور المساءلة والمشاركة. في عام ٢٠١١ زرعت بذرة جديدة في الأفق العربي أساسها المشاركة في الميادين العامة وأولوية الحرية والتغيير في كل مكان. إن الثورات والانتفاضات عممت الوعي بين المواطنين ودفعت الناس نحو المشاركة والاحتجاج والانتخاب وتعلم أبجديات السياسة بعد أن حرموا منها لعقود. لقد دخلنا مرحلة طويلة ستتجاوز هذا العقد هدفها بناء دول ديمقراطية تعددية وتنموية.
 
ومع الثورات العربية أصبحت قضايا الفساد وانتخاب رئيس الوزراء والتداول على السلطة والحريات، والتنمية الاقتصادية والمساواة والعدالة، قضايا رأي عام تهم كل مواطن. في العقل العربي الجديد تمرد وعصيان. فالشعوب تريد حكومات منها واليها. لهذا نجد أن العرب انتقلوا في مدة زمنية قصيرة من مكان إلى آخر وذلك بمجرد قدرتهم على هز حصون الديكتاتورية والانتهاء من زمن السلبية. هذا ما يقع اليوم في دول عربية عدة بينما يتصدر المشهد كل من سورية واليمن وثورتيهما.
 
على مشارف عام ٢٠١٢ لا يبدو أن العرب لديهم خيارات كبيرة ولا يبدو أن الخائفين من التغيير لديهم خيار رفضه والوقوف في وجهه. فالتغيير يأتي من باطن المعوقات التاريخية التي منعت نهوض العرب وعمقت تبعيتهم وضعفهم التنموي والسياسي والإنساني. الصحوة العربية الجديدة فرضت تغييراً مس كل الناس معززاً طموحاتهم وثقتهم بأنفسهم. لهذا بالتحديد فمن ينجح من الأنظمة العربية التي لم تقع فيها الثورات في الانتقال الديمقراطي سوف ينجح في تحقيق أهداف الثورات من دون الحاجة إلى ثورة. وبالمقابل إن من يفشل من الأنظمة في تحقيق المطالب التي تطرحها المرحلة التي حملتها إلينا الثورات فإنه يعرض نفسه لهزات كبرى. وحتى الأنظمة التي وقعت فيها الثورات فهي مهددة بالارتداد عن مطالب الثورة، ولهذا هي مهددة بعودة المتاريس والاحتجاجات والثورة إلى الميادين كما يقع في مصر هذه الأيام بين الشباب والجيش. لقد كبر الشعب على أنظمته وعلى جيوشه تجاوزها.
 
في ظل الربيع العربي وثوراته لم يعد مقبولاً قيام الأجهزة الأمنية بمعاملة الناس بازدراء وبتعسف، وأصبح الناس أكثر استعداداً لدخول السجون والخروج منها بدرجة من الفخر وذلك للاحتجاج على سجن مغرد أو إيقاف مدون أو كاتب. لم يعد هناك خوف من القوة التعسفية واستخداماتها ومن الرصاص الحي والدبابات والرشاشات والقنابل. لقد سقطت حواجز الخوف والطاعة (وما زالت تسقط تدريجياً) التي صرفت الأنظمة على تشييدها الكثير من ثروات المواطنين وقوت عملهم وعرق جبينهم.
 
ومع دخولنا عام ٢٠١٢ فقدت السلطة السياسية في البلاد العربية الكثير من هيبتها ومن شرعيتها السياسية، ويتضح أنها في طريقها لفقدان المزيد من الشرعية حتى لو لم تقع ثورة في مواجهتها في كل دولة، فالشرعية أمر محسوس في الشارع وفي المؤسسات في المجتمع. إن تراجع الشرعية العربية في عام ٢٠١٢ سيعني ضعف قدرة السلطات على استعادة توازنها في المجتمعات العربية التي لم تقع فيها الثورات. لهذا فتوازن هذه الدول أصبح مرتبطاً بمدى مقدرتها على إدارة تغيير جوهري في العلاقة مع المواطن والشباب من الجيل الصاعد. هذا سيتطلب السير نحو تحول ديمقراطي حقيقي والعودة إلى مشروع بناء الدولة الحديثة وجوهره حقوق ثابتة للمواطن في تقرير شؤون السياسة في وطنه.
 
ونكتشف أيضاً أنه في الدول التي وقعت فيها الثورات مثل مصر لم تنتصر الثورة بالكامل، لهذا تتواجه مع حقائق صعبة في المرحلة الانتقالية تتعلق بدور الجيش والمجلس العسكري في السياسة والاقتصاد، ونكتشف أن روح القمع وتحديد الحريات والحد منها ومواجهة وسائل الإعلام وحبس الصحافيين والتعسف وقتل المتظاهرين ما زالت مستمرة في الدول التي وقعت فيها الثورات كما هو حاصل في مصر اليوم. وهذا يدفع مصر بالتحديد إلى الاستمرار في الثورة وربما السير نحو جولة ثانية من الثورة. إن استمرار سعي الجيوش للسيطرة على الحياة السياسية سيبقي الاقتصاد الوطني محدوداً وسيحد من النمو وسيبقي الفساد منتشراً وسيؤدي بطبيعة الحال إلى فشل كبير في حل المشكلات التي سببت الثورة على الديكتاتورية.
 
ومن الواضح أن عام ٢٠١٢ سيكون عام الإسلام السياسي وتمكنه في الدول العربية. الإسلام السياسي يقود المرحلة، ويتحول إلى ممرنا الأهم كعرب للدخول إلى العالم الديمقراطي. لقد تحول الجامع بمكوناته النفسية والدينية والسياسية إلى مكان جامع، وذلك بعد أن حرمنا من السياسة على مدى عقود عدة. وعلى رغم كل المشكلات التي تكتنزها بعض أفكار الإسلام السياسي إلا أن الشق السياسي لهذا الإسلام فيه الكثير من القوة والقدرة على التغيير. في الإسلام السياسي أجيال مختلفة التوجهات والتجارب والرؤى، بل من المرجح أن التيارات الإسلامية ستتواجه هي الأخرى مع تغيرات كبرى وأجيال صاعدة في تنظيمها ممن يفهمون العالم المحيط بهم من زوايا أكثر تفهماً للآخر.
 
٢٠١٢ سيفرض على الإسلام السياسي تحديات رئيسية كالتعامل مع البنوك والاقتصاد والتنمية والمرأة والسياحة والترفيه وكل ما يصطدم بالحريات. سيضطر الإسلام السياسي، سواء كان في السلطة أو متحالفاً معها، إلى تحديد موقف من القمع ومن استمرار الثورة في بعض الحالات ومن انتهاكات حقوق الإنسان في حالات أخرى. قد يجد الإسلام السياسي أنه يخسر قواعده في مناطق بينما يكسب قواعد أخرى في مناطق أخرى. في هذا الحراك الجديد قد يخسر الإسلام السياسي الكثير من قوته إذا فشل في التعامل مع الحريات والتنمية والحقوق والديمقراطية والجيل الثوري بمرونة وانفتاح، كما قد يكسب مزيداً من النفوذ والقوة إذا نجح في التأقلم مع مجتمعات حرة وبلاد متحولة وانفتاح حتمي.
 
سيكون العام القادم عام القضية الفلسطينية التي تزداد احتقاناً وألماً بينما تتجه إسرائيل نحو المزيد من العنصرية والاستعلاء والاستيطان. القضية الفلسطينية تستعد لاستعادة وهجها بعد أن وصلت إلى طريق مسدود عبر الطرق الدبلوماسية. مع قيام الولايات المتحدة بإغلاق طريق الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة ستفتح طرق أخرى تشبه الثورات وميادين التحرير التي عرفناها طوال عام ٢٠١١. هذه المرة سيأتي الاحتجاج من فئة أخرى من فئات الشعب الفلسطيني ممن يعانون من العنصرية الصهيونية في أبشع تعبيراتها. هذه المرة قد تكون ثورة فلسطينيي ١٩٤٨ أساس الشعلة الجديدة التي تستقطب بقية المجتمعات الفلسطينية، ففلسطينيو ١٩٤٨ هم أكثر المرشحين لنسف المعادلات وبث التجديد في مواجهة العنصرية والمشروع الصهيوني الراهن.
 
عام ٢٠١٢ سيكون عام استمرار ثورات العرب. سيكون عام انتصار اليمن وسورية على الديكتاتورية وعام الوضوح في رسالة الثورة المصرية والتونسية والليبية، وهو أيضاً عام حراك وانتقال في كل بقاع العالم العربي. لقد دخل العرب في مرحلة جديدة بفضل الثورات، لكن الحصاد الحقيقي سيتطلب مزيداً من التضحية والوقت من قبل جيل قرر أن يقطع علاقته مع ماض مملوء بالديكتاتورية والهزائم والفساد.
 

موقع منبر الحرية
الكاتب: شفيق ناظم الغبـرا
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
 

اقرأ المزيد

الحل في أفق المصالحة الوطنية


مصلحة البحرين ومستقبل شعبها، وآفاق الاستقرار والتنمية والعيش المشترك لأبنائها من مختلف التنويعات مرهون بالنجاح في المضي على طريق المصالحة الوطنية، وهناك العديد من التجارب التي يمكن أن نتعلم منها في هذا الاتجاه، رغم تفاوت ألأوضاع واختلافها بين بلدنا والبلدان الأخرى، لكن العبرة في جوهر الموضوع، لا في التجليات التي يعبر عن نفسه من خلالها.
 
بل أن في مثل هذه المقارنة بين وضعنا وبين تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال ما يحسب لصالحنا، فعلى الرغم من فداحة ما جرى ويجري عندنا على مختلف الأصعدة، ألا انه لا يقارن من حيث الحجم والاتساع والتداعيات مع ما شهدته بلدان أخرى مثل جنوب أفريقيا والتشيلي والأرجنتين وسواها من البلدان، وهناك تجارب قريبة من تجربتنا جديرة بأن نقتدي بها ونتعلم منها كما هي التجربة المغربية مثلاً.
 
في جنوب أفريقيا استطاع الزعيم الوطني الكبير نيلسون مانديلا أن يعبر ببلاده من جحيم التمييز العنصري ومخاطر الحرب الأهلية المدمرة إلى أفق التسوية التاريخية من خلال حل شجاع وعادل حينما عُهد إلى القس المناضل ضد العنصرية “ديزموند توتو” رئاسة “لجنة المصالحة والحقيقة” للتحقيق العادل والعلني مع المتهمين في جرائم القمع والقتل خارج القانون، على أن تكون لهذه اللجنة مهمة الصفح عن هؤلاء مقابل اعتذارهم لضحاياهم.
 
استلهمت المغرب هذه التجربة، حين شكل الملك محمد السادس لجنة الإنصاف والمصالحة في مطالع عام 2004، التي كان من ضمن مهامها تقرير تعويض ضحايا القمع في مراحل سابقة، وقد ترك نجاح هذه التجربة آثاراً بالغة الأهمية في الحياة السياسية المغربية، وكذلك على الصعيد الإنساني، وساعدت هذه التجربة على تمكن المغرب من المضي في المزيد من الإصلاحات السياسية المهمة، جعلت منه النموذج الأكثر تقدماً بين تجارب الملكيات الدستورية في العالم العربي التي تحظى بقبول شعبي وسياسي واسع.
 
بطبيعة التوصيات التي خلص اليها تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة المستشار بسيوني والتي يتصل بعضها بموضوع المصالحة الوطنية، تتشكل في البحرين قاعدة يمكن الركون إليها في ولوج طريق المصالحة الوطنية، من خلال معالجة ملف جرائم الاستخدام المفرط للقوة والقتل خارج القانون، وإيجاد آلية مستقلة للتحقيق فيها، وكذلك تعويض الضحايا وذويهم مما لحق بهم من عسف، على أن تشكل هذه المعالجة منطلقاً لحل سياسي شامل في البلاد، يقطع مع جراح المرحلة الراهنة التي ما نزال نعيش تداعياتها المؤلمة حتى الساعة.
 
والحل السياسي على أهميته يتطلب تهيئة أرضيته من خلال معالجة القضايا ذات الطابع الإنساني، وهناك خطوات بدأت في التحقق من قبيل إعادة أعداد من المفصولين إلى أعمالهم في القطاعين الحكومي والخاص، وهي خطوات ستظل ناقصة إن إستثنت أحداً ممن شملتهم إجراءات الفصل على خلفية الأحداث التي شهدتها البلاد، وكذلك معالجة ملف المعتقلين والسجناء، وفق النص الوارد في تقرير لجنة بسيوني بمراجعة الأحكام التي صدرت عن محاكم السلامة الوطنية، خاصة وأن مرسوم السلامة الوطنية نفسه قد حولته الحكومة إلى المحكمة الدستورية، تنفيذاً لتوصية لجنة بسيوني التي طرحت شبهات حول دستوريته.

اقرأ المزيد

علي صالح الصالح


تضع استقالة رئيس اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات لجنة تقصي الحقائق رئيس مجلس الشورى علي صالح الصالح تحدياً كبيراً ليس أمام اللجنة ذاتها فحسب، وانما أمام فكرة المصالحة الوطنية التي تشكلت اللجنة بأمر من جلالة عاهل البلاد للعمل في سبيلها من خلال تنفيذ التوصيات التي تضمنها تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة المستشار محمود بسيوني، والتي اختير الصالح لرئاستها لما يتمتع به من صدقية ووسطية واتزان ونزاهة معروفة عنه منذ كان عضواً في المجلس التأسيسي الذي وضع أول دستور في تاريخ وطننا، ومن ثم عضواً في أول مجلس وطني في السبعينات، وتدرجه في مواقع حكومية وتشريعية على مدار عقود.
 
وهي صفات يحتاجها الوطن في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، لكي يتغلب على الجو المشحون والمحتقن في البلد، وكانت آمال كبيرة معقودة على أن تعمل لجنة المتابعة برئاسة علي الصالح، وبما تضمه من شخصيات حريصة على مصلحة البلد ومستقبلها على المساهمة في الجهود الرامية لتحقيق ذلك.
 
وهذا ما أكد عليه جلالة الملك عند لقائه برئيس وأعضاء اللجنة بعيد تشكلها، حيث عبّر عن الحرص على أن تنجح مهمة اللجنة، وعلى تقديم كافة أوجه الدعم من أجل ذلك، بما في ذلك الاستعانة بالمستشار بسيوني وأعضاء لجنته حين يستدعي الأمر استيضاح أي مسألة من المسائل التي تناولها التقرير.
 
وقد أظهر الأستاذ علي الصالح في رئاسته للجنة وإدارة أعمالها خلال الأسابيع التي انقضت منذ أن تشكلت، الحرص الشديد على التقيد بروح ونص التوصيات، وبذل من الجهود الشيء الكثير في تفعيل هذه التوصيات وفي مقدمتها تلك التوصية المتعلقة بإعادة المفصولين كونها تتصل بمصير آلاف الناس التي قطعت أرزاقها، حيث وضع على عاتقه مهمة متابعة هذا الملف مع الجهات الحكومية المعنية ومع الشركات أصحاب الأعمال، وبدأت جهوده تعطي أولى ثمارها، وكان الرجل واضحاً في جهة تأكيده على أن تنفيذ هذه الخطوة وسواها من الخطوات ذات الصلة بالجانب الإنساني مقدمة لا بديل عنها لكي تمضي البحرين في طريق المصالحة الوطنية والإصلاح السياسي والدستوري والتشريعي.
 
ولكن هذه الجهود الخيرة من جانب رئيس اللجنة ومن غالبية أعضائها جُوبهت بهجوم إعلامي ترددت أصداؤه داخل جلساتها، وليس من شأن هذا الهجوم إلا أن يعيق اللجنة عن أداء هدافها، ويشكل عامل ضغط عليها، في الوقت الذي يحتاج فيه الوطن إلى أي جهد خيَّر للمساعدة في لأم الجراح، وليس إعادة نكئها بين الحين والآخر لنظل في مناخ الأزمة الذي يعيد انتاجها على أكثر من مستوى، بطريق يستحيل معها، لا قدر الله، أن تتم السيطرة على الوضع.
 
كل المخلصين في هذا الوطن على ثقة من أن جلالة الملك سيبذل من الجهود ما يجري التطلع اليه في سبيل أن يعود علي الصالح إلى رئاستها، الذي يراه الكثير من أعضائها، وأنا واحد منهم، ضمانة من ضمانات أن تذهب اللجنة في تنفيذ ما هو مناط بها من مهام والمساعدة على أن يخطو الوطن خطوات في الطريق الصحيح عبر التمسك بجوهر وروح توصيات لجنة تقصي الحقائق.
 

اقرأ المزيد

إنزعاجات نتنياهو وهمومه الكابسة


في عرض سريع للجزيرة شاهدته يوم الثلثاء السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2011، قبيل منتصف الليل، برز على الشاشة رئيس وزراء «إسرائيل» نتنياهو، وكان يبدو على وجهه حالة من التجهم وزيغان البصر. كان يدلي بتصريح، أو ربما كان يجيب عن سؤال سائل، عبر فيه عن انزعاجه من النجاح الكاسح للتيارات الإسلامية في الانتخابات المصرية، وغيرها من انتخابات تمت في دول الربيع العربي.
 
وفي سياق حديثه كشف نتنياهو عن همومه الكابسة، وأبدى قلقه العميق فيما يتعلق بمصير اتفاقية السلام، إن لم تكن اتفاقية استعمار بين «إسرائيل» ومصر، وطالب المسئولين المصريين أن يؤكدوا، على أن تحافظ الحكومة المصرية القادمة، أياً كان شكلها وطبيعة نهجها السياسي الذي ستلتزم به، أن تحافظ على اتفاقية السلام مع «إسرائيل»، وتتمسك باحترام وصيانة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
 
ومن العجب أن نسمع نتنياهو، وهو يتبجح بكل صفاقة وسذاجة وكذب مكشوف ويلقي بحكمة المعتوه عن ضرورة التمسك بمعاهدات واتفاقيات السلام، فيما الحقيقة التي يتجاهلها نتنياهو، هي أنه ومجموعة طاقم الحكومة الإسرائيلية، وفي معيتهم أميركا… آخر من يحق لهم التحدث أخلاقياً ومبدئياً، التحدث عن السلام، لأن كلا الطرفين الإسرائيلي والأميركي لم يقيما وزناًَ للسلام ولم يحترماه، إلا في حدود ما عبر عنه زعيم النازية الهر هتلر، معلقاً باحتقار على كل من وقّع معهم اتفاقيات سلام من الدول: «دع أولئك المغفلين يتلهون بوريقاتهم التي يسمونها اتفاقيات سلام حتى يحين دورهم»!
 
 
وانطلاقاً من أن «النازية والصهيونية وجهان لعملة واحدة»، فمن الذي يضمن ألا يكون نتنياهو كامناً وراء مقولة النازي هتلر فيما هو يتحدث عن ضرورة احترام اتفاقيات ومعاهدات السلام؟ أليست «إسرائيل» (في العام 1998 ألغت التزاماتها باحترام اتفاقات سلام «واي» مع الفلسطينيين. وأشاد التحالف المسيحي بـ «إسرائيل» بتشددها ولرفضها السلام. (راجع كتاب «يد الله» من تأليف «غريس هالسل»، وهي كاتبة للرئيس جونسون في البيت الأبيض، ص 90)… فماذا كان موقف أميركا من هذا الأمر، إن لم يكن موقف التحالف المسيحي الذي يكون الرؤساء الأميركان، بطريقٍ أو بآخر جزءاً منه، وأكثر من ذلك ماذا كان موقف أميركا؟
 
أثناء حرب 1967، بعدما فرضت «إسرائيل» سيطرتها العسكرية على صحراء سيناء وعلى المناطق الواقعة غربي نهر الأردن – الضفة الغربية – وعلى قطاع غزة وكذلك على شرقي القدس، إضافة إلى مرتفعات الجولان. وإنه «استناداً إلى القانون الدولي فإن احتلال ومصادرة الأرض عسكرياً هو عمل غير شرعي». (راجع المصدر نفسه ص 87). فماذا كان موقف أميركا من هذا الخرق الإسرائيلي؟ وماذا عسى أن يكون عليه موقف أميركا لو حدث أن تم اقتطاع أراضٍ من ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية؟ إن موقف أميركا تحكمه علاقة الرؤساء الأميركان، تلك العلاقة المتجذرة في صميم معتقداتهم الدينية المرتبطة بقناعات اليمين الديني الذي يقول: «إن القانون الدولي يطبق على كل أمم العالم باستثناء (إسرائيل)». وأكثر من هذا، «يدعو القس جيري فولويل (تلفزيوني أنجيلي) زعماء (إسرائيل) إلى عدم الخضوع للقانون الدولي».
 
إنه يبقى من العبث، أن يظل الرؤساء الأميركان يخضعون خضوعاً مطلقاً، ومن دون أي قيد أو شرط حتى ولا تبصر، لنبوءات كهنة اليمين المسيحي المتطرف، وخصوصاً تلك النبوءات والمعتقدات المتعلقة بـ «إسرائيل»، من مثل ما حدث «في العام 1956 عندما هاجمت (إسرائيل) مصر بدعم فرنسي وبريطاني. عارضت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس آيزنهور هذا العمل. ولذلك أصبح ايزنهاور الرئيس الأميركي الأول والوحيد الذي اتخذ مثل هذا الموقف الجريء الذي يعاكس اعتقاداً واسع النطاق بأن الله يرعى، وأن على الولايات المتحدة أن ترعى أي عمل تقوم به (إسرائيل)». («يد الله»، ص 85).
 
على أنه من الممكن لأي باحث في دهاليز تاريخ علاقات اليمين المسيحي الأميركي المتطرف مع «إسرائيل» أن يكتشف الكثير من مثل هذه الأقوال الواضحة التلفيق والصريحة الافتراء، والكذب على الله أن كهان هذا اليمين لا يتورعون عن أن «يحدثوك عن رب العلا كذباً… وما درى بشئون الله إنسانا»، فيما الصحيح الثابت من قول لم يصدر بحقه نفي، أو يعارضه رأي هو ما نص عليه البيان التالي، وتناول في إطاره شرح وتحليل نبوءات الكهان ونص على أن «لا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات لأن وحيه من وحي الشيطان. وأرفع أحوال هذا الصنف أن يستعين بالكلام الذي فيه السجع والموازنة ليشتغل به عن الحواس ويقوى بعض الشيء على ذلك الاتصال الناقص، فيهجس في قلبه عن تلك الحركة والذي يشيعها من ذلك الأجنبي ما يقذفه، على لسانه فربما صدق ووافق الحق وربما كذب لأنه يتمم نقصه بأمر أجنبي عن ذاته المدركة ومباين لها غير ملائم…». («مقدمة بن خلدون»، ص 103).
 
لقد بدا لنا جلياً خضوع الرؤساء الأميركان خضوعاً مطلقاً، من خلال ما تزخر به الكثير من المراجع التي اطلعنا عليها، من نبوءات شيطانية تمجد «إسرائيل»، وترفعها إلى منزلة يبدو معها أن الله جل وعلاء يرعى عربدتها ويبارك اعتداءاتها، طبقاً لما مر علينا في جزئية من المقتبس، المتعلق بالعدوان الثلاثي على مصر العام 1956، «بأن الله يرعى – وأن على الولايات المتحدة أن ترعى – أي عمل تقوم به (إسرائيل)»! بما يخلط الأوراق، ويغيّب الحقيقة حول إقامة الدولة العبرية، عمّا إذا هي قد أقيمت على أسس من المعتقدات الدينية، أم أنها قد أقيمت لتحقيق شئون اقتصادية، وهيمنة استعمارية؟
 
لم يتحقق هدف «إسرائيل»، وقد فاجأها الربيع العربي، ما أثار انزعاجات نتنياهو، وولّدت همومه الكابسة… وهذا ما سنتناوله في دراسة منفصلة إذا سمحت ظروفي الصحية
 

صحيفة الوسط البحرينية – 02 يناير 2012م
 

اقرأ المزيد

الأزمة… والانتخابات!


لا يمكن عزل المعركة الانتخابية الدائرة حاليا عن مسار الأزمة السياسية التي احتدمت في البلاد طوال السنة الماضية، مثلما لا يمكن الفصل بين الأزمة وبين ما ترتب عليها من إجراءات استهدفت التخفيف من حدّة احتقانها عبر قبول استقالة الحكومة ورئيسها السابقين وحلّ مجلس الأمة… وفي ظني أنّ هذه الخطوات جميعا، مع أهميتها، لم تنهِ الأزمة ولم تعالج أسبابها العميقة، وإنما نقلت مركز أحداثها من ساحات الصفاة والتغيير والإرادة إلى الساحة الانتخابية!
 
إنّ الأزمة السياسية الأخيرة، أو بالأحرى الأزمة السياسية التي لا تزال تناقضاتها تعتمل تحت السطح، ليست مجرد أزمة في العلاقة بين الحكومة والمجلس ناجمة عن تكرار الاستجوابات التي استهدفت الرئيس السابق لمجلس الوزراء، وإن بدا الأمر كذلك… كما أنّها لم تكن أزمة ناجمة عن صراع شخصي بين أطراف المعارضة والشيخ ناصر المحمد، وإن كان هو شخصيا بحكم منصبه وممارساته أحد محاور تلك الأزمة ورموزها، وإن كان هناك أيضا من المعارضة مَنْ تعامل معه على نحو شخصاني… ولم يكن الصراع دائرا حول كرسي رئاسة مجلس الأمة مثلما حاول جاسم الخرافي أن يصوّر الأمر في كلمته الشهيرة التي ألقاها في جلسة افتتاح دور الانعقاد الأخير للمجلس المنحلّ، ولن تنتهي هذه الأزمة بمجرد استبدال شخص الرئيس في المجلس المقبل مثلما قد يوهم البعض نفسه… ولم تنجم الأزمة عن إجراء حكومي انتقامي منفرد استهدف إهدار مبدأ الحصانة البرلمانية الموضوعية للنائب السابق الدكتور فيصل المسلم وما ترتب عليه من ردّ فعل شعبي مستاء، كما لم يكن سبب الأزمة حادثا منفصلا تمثّل في قمع المشاركين في تجمع ديوانية النائب السابق الدكتور جمعان الحربش، وإنما كانت تلك جميعا مظاهر للأزمة وبعض أشكال التعبير عنها… كما أنّ الأزمة لم تبدأ بانكشاف فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لعدد من النواب السابقين، وإنما كانت تلك الفضيحة، وقبلها ما سبق أن أثير حول مصروفات ديوان رئيس مجلس الوزراء والشيكات، بعض جوانب تجلي تلك الأزمة وأعراضها المرضية في ظل افتضاح عجز الطرف السلطوي عن إدارة الدولة بكفاءة؛ وعدم قدرته في المقابل على ممارسة القمع المباشر أو تكرار فعلتيه السابقتين في الانقلاب على الدستور مثلما حدث في 1976 و1986، بحيث لم يعد هناك الآن أمام الطرف السلطوي من بديل عن تقديم التنازلات سوى تسخير المال السياسي وشراء الولاءات للتعويض عن ذلك العجز والتغطية عليه!
 
وفي ظني أنّه من الخطأ التسرع بالقول إنّ صفحة الأزمة السياسية التي احتدمت في الكويت طوال السنة الماضية قد طويت مع طيّ صفحات الحكومة المستقيلة والرئيس السابق ومجلس الأمة المنحلّ، إذ إنّ الأزمة تعود إلى ما هو أبعد من ذلك، فهي تعود إلى صراع تاريخي غير محسوم وتناقض موضوعي لا يزال قائما بين نهج المشيخة من جهة؛ بكل ما يمثله من عقلية وممارسات سلطوية وأساليب عفا الزمن عليها؛ وبين متطلبات التطور الديمقراطي للمجتمع الكويتي واستكمال مشروع بناء الدولة الحديثة من جهة أخرى… وبالتالي فإنّ المعركة الانتخابية الحالية ستكون في الغالب إحدى جولات هذا الصراع وأحد مجالاته وتجلياته، وهذا ما ينعكس الآن في محاولات بعض الأطراف السلطوية للتدخل في الانتخابات والتأثير على نتائجها لصالحه، وما يُلاحظ في المقابل من بروز دعوات ذات دلالة في الخطاب الانتخابي لبعض النواب السابقين وعدد من المرشحين تنادي بضرورة إحداث إصلاحات سياسية ودستورية ديمقراطية جدّيّة تدفع في اتجاه إشهار الأحزاب لتنظيم العمل السياسي؛ وإصلاح النظام الانتخابي غير العادل؛ وتنقيح الدستور في اتجاه التحوّل المستحق نحو نظام برلماني مكتمل الأركان.
 
باختصار، ليس من المتوقع أن تحسم المعركة الانتخابية الدائرة حاليا الصراع غير المحسوم تاريخيا؛ ولكنه ليس من المستبعد أن يحرز الطرف الشعبي فيها بعض النقاط لصالحه!


جريدة عالم اليوم   1 يناير 2012

اقرأ المزيد

أمنيات وطنية في العام الجديد


الأمنيات السعيدة هي الكلمة التي تحملها إلينا التهنئات بالعام الجديد. ففي حضرة اللحظة الفاصلة بين عامين يتمنى الناس لبعضهم بعضاً أن يكون العام الجديد أفضل من العام الآفل، وأن يكونوا في صحة وسعادة. حتى في أقصى لحظات سعادتنا نكون مسكونين بأمنية أن تدوم هذه السعادة.
 
حتى استعادتنا المُرة للحظات السعيدة التي عبرت في سنوات مضت هي معادل آخر للأمنيات، وتعبير عن الرغبة في أن يحمل المستقبل لحظات مشابهة لتلك التي عبرت. نهرب من رتابة الحاضر إلى المستقبل بالأمنية، وإلى الماضي بالذكرى. ونخاف على سعادة الحاضر فنتوسل المستقبل أن يحافظ على هذه السعادة ويبقيها دائمة. في اللحظة التي تنقلنا من عام إلى عام يسكننا الهاجس الحميم، الخاص جداً. أحلامنا الكبرى مؤجلة أو قابلة للتأجيل، لأنها أحلام عامة يشترك فيها الجميع. لكن ما من لحظة نؤوي فيها إلى ذواتنا كتلك اللحظة، حين نكون في حال من الشفافية المرهفة أمام ذواتنا، إنها لحظة حاسمة من لحظات التمني للرغبات الحقيقية.
 
لدى بعض الشعوب اعتقاد أشبه باليقين أن الطريقة التي نستقبل بها العام الجديد في لحظة انبلاجه هي تلك التي ستحدد الطريقة التي سيكون عليها هذا العام. إن كان مزاجنا سعيدا في لحظة الانبلاج، فإن السعادة ستغمرنا في شهور العام التالية، وإن كان المزاج مشوبا بالحزن أو القلق فإن عامنا الجديد سيحمل شيئاً من هذا الحزن أو القلق. لكن الناس إزاء الرغبة في السعادة تغلب التفاؤل دائماً، بأن هذه السعادة في الانتظار عند أحد مفارق الآتي. من طبيعة الإنسان أن يكون نابذاً للتشاؤم والكآبة، حتى أشد الناس ميلاً للحزن يحملون في ذواتهم رغبة أشبه بالثقة الغامضة في أن الحياة ستكافئهم بأيام سعيدة. ويحدث أن الخاص جداً يتقاطع مع العمومي في بعض لحظاته، كما هو حالنا في هذه اللحظة، حيث يعيش وطننا الحبيب جواً محتقناً ومشحوناً، يلقي بظلاله الكئيبة على أشد مشاعرنا خصوصية، لذا فإن أبصارنا تتوجه نحو ما يحمله العام الجديد، محمولة على الرجاء بأن يجلب هذا العام السكينة والطمأنينة للجميع، وأن تُستعاد وحدة المجتمع التي تصدعت، وأن يتحقق لشعبنا ما يصبو إليه من إصلاح وتطور وتقدم، في مناخ آمن من التوافق والأخوة.
 
نعلم أن هذه الشحنة الرومانسية من الآمال لن تتحقق من تلقاء نفسها، وأن جهداً كبيراً يجب أن يُبذل من قبلنا جميعاً، من أجل أن تعاود سفينة الوطن الإبحار وسط رياح ملائمة، وأن يفرد هذا الوطن جناحيه الذي لا غنى له عن احدهما، فالطائر لا يطير بجناحٍ واحد في مطلق الأحوال، وتظل الثقة قائمة في أن على هذه الأرض الطيبة من الأصوات والعقول الحكيمة التي تدرك ما يحيق بالوطن من مخاطر، فتعمل على تهيئة سبل احتواء الأزمة التي تعصف بنا.
 
وليس من رغبة أصدق في النفس من أن يتحقق لهؤلاء ما همن جادون ومخلصون في سبيله، فهم ضمير هذا الوطن ومجس نبضه السوي، حتى نستعيد البحرين التي كانت، حيث تجمع الناس طموحات مشتركة، وتصهرهم جهود مشتركة من أجل البحرين التي تحتضن كل أبنائها، والتي صنعت نسيجها الوطني من خلال غنى تنوعها، وثراء الروافد التي منها تشكلت.
 
 

اقرأ المزيد

تصعيد غينغريتش حاكماً لأمريكا


ينبئ ترشح نيوت غينغريتش لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة (نوفمبر2012)، بأن أزمة النظام السياسي الأمريكي الناتجة عن الأزمة المالية – الاقتصادية الهيكلية العميقة، قد بلغت أوجها، وأن الأزمة ما كانت لتدفع بأصحاب الرؤوس الحامية وبأنداد الأيديولوجيا الفاشية، إلا إذا بلغت العظم، كما في حالة صعود النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، عندما وصلت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أوجها في القارة العجوز، على أثر أزمة الكساد العظيم التي هزت الاقتصادات الرأسمالية والاقتصاد العالمي ككل خلال الفترة من 1929-1933 .
 
من يكون نيوت غينغريتش هذا الذي يدفع به الحزب الجمهوري من بين خيارته لاستعادة كرسي الرئاسة الأمريكية في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة؟
 
ينحدر غينغريتش من بلدة هاريسبيرغ بولاية بنسلفانيا، من مواليد العام 1943 ، وتنقّل عبر الولايات الأمريكية، كما اقتضت وظيفة زوج والدته، “انفصل أبواه بعد ولادته”، الضابط في الجيش الأمريكي، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الأوروبي المعاصر من جامعة تولين عام 1971 . وبواسطة رداء الدين الذي لبسه بعد التحافه بالكنيسة المعمدانية، تمكن من إقامة روابط مع مراكز نفوذ الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري والقوى الأوليغارشية الداعمة له، فحصل على وظيفة مدير المنطقة الجنوبية في شركة نيلسون روكفلر، قبل أن يمد طموحه ويرشح نفسه لانتخابات الكونغرس عن الحزب الجمهوري عامي 1974و1976 اللتين فشل فيهما، ليعاود الكرة للمرة الثالثة في العام 1978 ويفوز هذه المرة بمقعد في مجلس النواب .
 
في العام 1995 تدهورت صورته بسبب مسؤوليته عن عدد من الإغلاقات الحكومية لمؤسسات ووظائف بسبب تشدّده وتفويته فرصة التوصل إلى حلول وسط مع إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على حجم الاقتطاعات في الميزانية، ونالته اتهامات أخلاقية، حيث أجبر في العام 1995 على إعادة 5 .4 مليون دولار كمقدم لكتاب كان موضع تحر وتدقيق من قبل لجنة الأخلاق في مجلس النواب . إضافة إلى ملاحقته في قضية أخلاقية مماثلة من قبل اللجنة نفسها، عمّا إذا كان استغل منصبه للتهرب الضريبي بأموال التبرعات المعفاة من الضريبة، وذلك باستخدام هذا التبرع لتمويل مادة تدريسية في إحدى الكليات كان هو المسؤول عن تدريسها في الوقت نفسه الذي كان يشغل فيه مقعده في مجلس النواب، وتم تغريمه 000 .300 دولار هي تكلفة التحقيقات في القضية، حيث صوت مجلس النواب في العام 1996 بأغلبية 395 صوتاً لتوجيه تقريع ونقد قاسٍ إلى “نيوت غينغريتش” عن هذه الفضيحة مقابل اعتراض 28 نائباً . في العام 1998 قاد حملة اتهام ضد المتحدث باسم الحزب الديمقراطي في مجلس النواب جيم رايت بأنه انتهك قواعد تمويل الحملة الانتخابية، ما اضطر الأخير إلى الاستقالة، وعندما عين ديك تشيني الذي كان ناطقاً باسم الأقلية في الكونغرس وزيراً للدفاع، عيّن الحزب الجمهوري غينغريتش مكانه . عرف بصلفه وهجومه العدواني المغالى فيه على خصومه، لاسيما في قضية اتهام الرئيس كلينتون بإقامة علاقة مع موظفة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، ما كلف الحزب الجمهوري فقدان 5 مقاعد في الانتخابات النصفية للكونغرس في العام 1998 لمصلحة الديمقراطيين، فكان أن أجبر غينغريتش على الاستقالة في نوفمبر-تشرين الثاني 1998 كمتحدث باسم الجمهوريين والاستقالة من منصبه في يناير – كانون الثاني 1999 . وظلّ مع ذلك يمارس السياسة مستشاراً ومعلقاً تلفزيونياً لقناة “فوكس نيوز” اليمينية المتطرفة . وفي العام 2007 أنشأ مؤسسة “أمريكان سولوشنز فور ويننغ ذي فيوتشر” بوصفها مؤسسة لصياغة السياسة العامة للبلاد . وفي مايو/ أيار الماضي أعلن نيته خوض انتخابات الرئاسة المقبلة .
 
ومنعاً للإطالة، نحسب أن شخصاً بمثل هذه السيرة الذاتية المترعة بالكثير من التساؤلات، سواء ما يتعلق منها بالذمة المالية أو بآرائه المتطرفة التي دبّج بعضها في مؤلفاته من قبيل “ربح المستقبل: عقد القرن الواحد والعشرين مع أمريكا” (2005)، و”إعادة اكتشاف الله في أمريكا” (2006)، و”من أجل إنقاذ أمريكا: وضع حد لآلة أوباما العلمانية – الاشتراكية” (2010)، أو طبيعة شخصيته العدوانية المعبّرة عن منكون أفكاره النازعة نحو الإقصائية والفاشية الجديدة (تصريحاته الهتلرية ضد الشعب الفلسطيني وهي عربون مقدم للعصابة الصهيونية في واشنطن من أجل الحصول على “بركات” دعمها الانتخابي) .
 
إن شخصاً مثل غينغريتش إذا ما نجحت الأوليغارشيا المالية والمجمع الصناعي الحربي في تسويقه وتمريره بواسطة “اللعبة” الديمقراطية الموجّهة وإنجاحه عبر صناديق الاقتراع ليكون رئيساً قادماً للولايات المتحدة، سوف يكون ذلك خيار أمريكا لمقابلة تحدي تقهقر وضعها الزعامي الاقتصادي العالمي الذي تكشّف في تراجع تنافسيتها الاقتصادية لمصلحة دول أخرى صاعدة .
 
وعلى ذلك فإننا نتوقع، إذا ما قدر وفاز غينغريتش في انتخابات الرئاسة المقبلة، أن تشهد فترة حكمه مزيداً من الإعفاءات الضريبية لرأس المال وتصعيد الهجوم على برامج الرعاية الاجتماعية، بما يؤدي عملياً إلى توسيع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، ونتوقّع كذلك، تصعيداً نوعياً في الحرب الباردة ضد الصين وروسيا بهدف انتزاع مغانم اقتصادية عالمية، وإعادة الاعتبار والثقة للأنظمة الاستبدادية في أنحاء المعمورة كافة
 
 
31 ديسمبر 2011
 

اقرأ المزيد

التخطيط من الوظائف الإستراتيجية الهامة


يعد التخطيط كما يقول د. علي حسين الشامي في كتابه الإدارة العامة والتحديث الإداري «من الوظائف الإدارية الدولية الأساسية والعضوية حيث تتعلق بمهام الدولة ونشاطها وبعملية التنمية الشاملة». ويقول أيضا «وقد نمت وتطورت هذه الوظيفة مع نمو وتطور مهام الدولة وبالتناسب معها, وأصبحت من الوظائف الإستراتيجية بفعل تدخل الدولة الزائد في شتى القطاعات والمجالات وبفعل نمو دور الحكومة ونشاطاتها التنفيذية». وعلى هذا الأساس يعد التخطيط مطلبا أساسيا لتحديد الأهداف والوسائل المناسبة ولا يتمكن بلوغ تلك الأهداف إلا بالتخطيط العلمي السليم.
 
غياب التخطيط مشكلة مزمنة تعاني منها المجتمعات العربية وان وجد في البعض منها فانه يظل عشوائيا او مؤقتا وهذا بالطبع يثير أزمات اقتصادية واجتماعية عدة. ويتوقف الكاتب عند التخطيط كوظيفة وكعملية وكنشاط لا يمكن لأي قطاع في المجتمع الاستغناء عنه في حال وضع الاستراتجيات والخطوات المستقبلية وتأتي هذه الأهمية إذا كان الهدف منه كما يقول هنري بول «التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له».
ويستعرض «الشامي» الفكرة التي يدور حولها التخطيط قائلا: «ان التخطيط هو تدبير يرمي إلى مواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفا لتحقيق أهداف محددة, وانه نشاط يتعلق بالمستقبل وبالافتراضات والقرارات، وهو مرحلة التفكير التي تسبق أي عمل، ويقوم على جمع الحقائق والمعلومات أي باختصار, ان التخطيط هو عملية تقوم على تحديد الأهداف والوسائل ومراحل التنفيذ على عنصري التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له.
 
وبما ان التنبؤ بخطاب المستقبل فانه يقوم على التقدير العلمي للافتراضات والاحتمالات وليس على التكهنات، وبالتالي يجب ان يقوم على تحديد الأهداف والوسائل والإمكانات ومراحل التنفيذ على أساس حصر جميع الموارد والثروات الوطنية والخبرات الفنية وتحليلها ودراساتها بجدية ودقة عملية».
وهكذا يمكن القول ان التخطيط هو عملية تقوم على استدراك التطورات ورصد الاحتمالات واستباق المشاكل ومواجهتها لاستبعاد التفاوت في تأثر النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي, وذلك بوضع الخطط والبرامج التي تحدد آفات المستقبل ورصد تطوره.
 
في الوقت الذي نجد فيه الحماس من قبل بعض الاكاديميين والمتخصصين في الادارة الحديثة والتحديث الاداري للأخذ بالتخطيط في كل قطاعات المجتمع لاعتباره الضمانة الحقيقية لتجنب الأزمات في المستقبل تجد وعلى صعيد المراكز التنفيذية العليا في الوطن العربي من يرفض هذه الفكرة أساسا لأسباب ربما لها علاقة بالرقابة والمحاسبة وهذا ما يفسر لنا غياب وزارة للتخطيط في اغلب البلدان العربية!! وعلى هذا الأساس يؤكد «الشامي» ان التخطيط هو احد الوظائف الإستراتيجية للدولة ولنشاطات أجهزتها السياسية والإدارية بمعنى كان التخطيط ولا يزال الوظيفة الأساسية التي تقع على عاتق الدولة.
وعلى هذا الاساس ايضا يقول «التخطيط كعملية ليس بالوظيفة الجديدة للدولة او الادارة ولم يكن ابدا وليد الصدفة او وليد العصر الحديث, لقد كان من الوظائف الجوهرية على مر العصور حيث ارتبط بدور الدولة وتدخلها الدائم, وبالرغم من انه ارتبط ويرتبط احيانا وظاهريا بالعمليات العسكرية الا ان جميع المجتمعات كانت قد شهدت تدخلا استراتيجيا للدولة يقوم على استدراك التطورات المحتملة وعلى استباق الأزمات ومواجهتها ووضع الحلول المناسبة لها. وكلما تطور المجتمع وازدادت حاجات البشر كلما تطور وازداد تدخل الدولة وازداد لجوؤها إلى عملية التخطيط لاستباق المشاكل المحتملة.
 
ومن هنا يعتقد ان مهمة التخطيط من المهام الاساسية للدولة التي فرضت عليها خلق اجهزة ادارية مركزية ولا مركزية تقوم بمهمة التخطيط سواء اتخذت هذه الاجهزة تسمية وزارة او هيئات اخرى. ومن هنا ايضا انه ومع تعقد عمليات التنمية في العصر الحديث ومع ازدياد وتائر التقدم العلمي والتكنولوجي يتأكد دور الدولة وضرورة إشرافها على شتى القطاعات والمجالات وهذا على عكس الآراء والاتجاهات التي تقول ان هذا الدور سواء التقليدي ام الحديث يجب ان لا يمتد الا إلى الأعمال التي لا يمكن لغير الدولة القيام بها.
 
اذن ان مفهوم التنمية يفرض اعطاء دور اشرافي كبير للدولة كما تفرض عملية التوازن وازالة التفاوت في وتائر النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي, على الدولة القيام بمهمة التخطيط التي هي العمود الفقري وتحقيق التوازن والتكافؤ في عمليات التنمية وهذه المهمة او الوظيفة تقوم على العقلانية وعلى البحث والدراسة المسبقة والهادفة إلى التخفيف من التكهن او عدم اليقين.
 
اذن فالتخطيط هو المخرج من التخبط وهو القاعدة التي تبنى عليها البيانات لاستشراف المستقبل وبالتالي متى يتحرك مجلسنا النيابي لإقرار قانون يقضي بإنشاء هيئة عليا للتخطيط؟ علما ان هذا القانون كمشروع لا يزال مصدر خلاف بين اللجنة التشريعية والقانونية من المجلس وبين النواب.. هذا ما نود ان يتحقق لاعتباره من الأولويات في هذه المرحلة.
 
الأيام 1 يناير 2012

اقرأ المزيد

قصور بنيتنا التشريعية


تَفَحُصْ توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق يكشف أن الكثير من هذه التوصيات، إن لم يكن أكثرها، يتصل بتعديلات مطلوبة على التشريعات النافدة في البلاد، سواء منها تلك التي وُضعت في المرحلة السابقة لإقرار ميثاق العمل الوطني، أو حتى تلك التي مررتها المجالس التشريعية في الفترة اللاحقة.
صحيح أن العبرة هي في التطبيق لا في النصوص، ولكن أوجه القصور في التشريعات تهيئ البيئة الملائمة للكثير من التجاوزات وللممارسات غير الديمقراطية، وهذا يتطلب مراجعة شاملة للكثير من التشريعات المعمول بها خاصة تلك المنظمة للحريات العامة، وللقضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان.
 
فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، يمكن الإشارة إلى التوصية رقم 1917 من تقرير اللجنة المستقلة التي تدعو إلى ” تبني إجراءات تشريعية تتطلب من النائب العام التحقيق في دعاوى التعذيب والأشكال الأخرى من المعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المعاملة أو العقوبة المهينة، والاستعانة بخبراء مستقلين في الطب الشرعي، ويجب أن تضمن هذه الإجراءات سلامة الأشخاص الذين يرفعون مثل هذه الدعاوى، إضافة إلى ذلك ينبغي أن يُوفر التشريع وسيلة تعويض لأي شخص يدعي تعرضه للانتقام بسبب رفعه دعوى بالتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة أو اللاإنسانية أو المهينة “.
 
وهذه كما أسلفنا ليست سوى عينة على الجانب المتصل بضرورة إصلاح البنية التشريعية القائمة، الذي شمل، فيما شمل، المطالبة بعرض مواد مرسوم السلامة الوطنية نفسه على المحكمة الدستورية ، وهو الأمر الذي قامت الحكومة به مؤخراً، وهو إجراء يشير إلى أن طريقاً مهماً لا بد من قطعه، من أجل مواكبة تشريعاتنا المحلية مع المعايير والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مملكة البحرين.
 
لم تظهر أوجه الخلل والقصور في بُنيتنا التشريعية في الأزمة الأخيرة فقط، فالكثير من توصيات التقرير المتصلة بالجانب التشريعي طالبت بها هيئات الدفاع في القضايا التي كان القضاء ينظر فيها في السنوات الماضية، كما أن برامج القوى السياسية ومقترحاتها للإصلاح السياسي والدستوري تضمنت جانباً من هذه المقترحات، لكن تقصي اللجنة المستقلة للإجراءات والتدابير التي أُتخذت في التعاطي مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ فبراير الماضي سلط الضوء على هذه الأوجه من القصور. وتوفر توصيات التقرير المتصلة بهذا الجانب فرصة يجب على الدولة عدم تضييعها في تطوير البنية التشريعية بما يضمن نطاقاً أوسع من مراعاة واحترام حقوق الإنسان في بلدنا، ويسجل لصالح سجل البحرين الدولي في هذا المجال، وبما يخلق أرضية تشريعية صحيحة للتعاطي المستقبلي مع هذا الملف، والأهم من هذا كله بما يخلق الظرف الصحي لمصالحة وطنية قادرة على أن تدوم وتتطور.
 
والمصالحة الوطنية المنشودة تتطلب إجراءات تاريخية لا بد منها حتى لو بدت للوهلة الأولى صعبة وسط المناخ المشحون حالياً، وهو مناخ يجب تبديده ببناء جسور الثقة ، ومن غير هذه الإجراءات لا يمكن للوطن أن يتجاوز مناخ الأزمة، ويذهب للمستقبل.
 
حرر في 28 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد

سلاح العقوبات الاقتصادية


يعد سلاح العقوبات أحد الأسلحة “الفتاكة” التي تحتكم إليها الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القوة العظمى الأولى في العالم وأحد الأسلحة الأثيرة إلى قلب طبقتها السياسية .
 
والعقوبات الاقتصادية قد تفرضها دولة أو مجموعة من الدول ضد دولة أخرى لأسباب شتى، وهي تشمل، ولا تقتصر على، فرض رسوم جمركية، فرض معوقات تجارية، فرض رسوم واردات، أو تحديد حصص الواردات أو الصادرات . ولعل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة ضد كوبا منذ 51 عاماً أشهر وأسطع نموذج على مثل هذه العقوبات على مر التاريخ . وتختلف فرص نجاح حزمة العقوبات الاقتصادية من حالة إلى أخرى . وبالإجمال يقدر المختصون في قضايا العقوبات الاقتصادية نسبة نجاح العقوبات الاقتصادية ما بين 5-30%، وهي تستخدم خياراً بديلاً للحرب، حيث إن خيار الحرب مكلف والعقوبات أقل كلفة من الحرب، ولكنها ليست خالية الأكلاف، ذلك أن لها تأثيراً أيضاً في الدولة الفارضة للعقوبات .
 
فحين يفرض حظر على الواردات من دولة معينة فإن المستهلكين في الدولة الفارضة للحظر سيتأثرون بتقلص خياراتهم الشرائية وارتفاع أسعار السلع البديلة، وفي حالة الحظر على الصادرات فإن المصدرين في الدولة الفارضة للعقوبات سيخسرون فرص التعاقدات التجارية والاستثمارية مع الشركاء في الدولة الخاضعة للعقوبات .
 
ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبحت العقوبات الاقتصادية سلاحاً مشهراً للولايات المتحدة تهدد به كل من لا يحقق مصالحها حتى أصبحت أكثر الدول استخداماً في العالم لسلاح العقوبات الاقتصادية وأكثرها مبادرةً لفرضه سواء من جانب واحد أو عبر التحشيد الدولي لإقراره من خلال المنظمات الدولية لاسيما الأمم المتحدة .
 
ولدى الولايات المتحدة نوعان من العقوبات، النوع الأول تجاري والنوع الثاني اقتصادي . أما العقوبات التجارية فتشمل حرمان الدولة المستهدفة بالعقوبات مما تسميه الحكومة الأمريكية برامج المعاملة التفضيلية مثل وضعية الدولة الأولى بالرعاية وحرمانها من قروض التوريد والتصدير البنكية التي تُمنح للدول الصديقة لأمريكا . وتُفرض مثل هذه العقوبات على دول تتهمها الولايات المتحدة بإغلاق أسواقها أمام السلع الأمريكية، وقد طُبّق هذا النوع من العقوبات على الصين، ودول أخرى  اتهمتها واشنطن بأنها تبيع أسلحة لأنظمة مغضوب عليها من الولايات المتحدة، حيث فرضت واشنطن، على هذه الخلفية، عقوبات على باكستان، أو تتهم واشنطن حكومة ما بانتهاك حقوق الإنسان مثل ميانمار (بورما سابقاً) .
 
وتستخدم الولايات المتحدة العقوبات التجارية كوسيلة ضغط وتأديب رسمي قاسٍ ضد دولة ما لثنيها عن إجراءات أو سياسات تجارية أو اقتصادية اتخذتها، وهي بهذا المعنى لا تهدف لتغيير أو إزالة نظام الحكم في الدولة المستهدفة بالعقوبات . إنما إذا فشلت العقوبات التجارية حينها تلجأ واشنطن إلى العقوبات الاقتصادية التي يصادق عليها الرئيس الأمريكي وتستهدف تغيير النظام . وهي تشمل الحظر التجاري وحظر التحويلات المالية والحرمان من الحصول على قروض من المؤسسات المالية الأمريكية، وكذلك الحرمان من الاستثمار في الأصول الأمريكية . ولأن العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة من جانب واحد على دولة معينة أقل فاعلية من العقوبات الاقتصادية المتعددة الأطراف، فإن الولايات المتحدة تقوم في هذه الحالة بفرض عقوبات (من جانب واحد) على دولة أو شركة تتعامل مع الدولة المعاقَبة اقتصادياً، فتتحول العقوبات بهذه الطريقة من محض أمريكية إلى دولية . وقد انشأت الولايات المتحدة خصيصاً لهذا الغرض قانوناً في مارس/ آذار 1969 أسمته قانون هيلمز-بيرتون .
 
ومع أن اللافت أن العقوبات الاقتصادية تلحق أضراراً بالشركات الأمريكية نفسها، حيث يزداد عدد الشركات الأمريكية التي تعبر عن امتعاضها من آثار هذه العقوبات في نشاطها ومنها غرفة التجارة الأمريكية التي تتحسر على تحول عقودها وأرباحها المفترضة إلى شركات أخرى، مع ذلك فإن من المتوقع أن يزداد استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة، خصوصاً مع تراجع قوة تأثير الأوراق الأخرى الاقتصادية والعسكرية.
 
حرر الأربعاء 28 ديسمبر 2011

اقرأ المزيد