المنشور

عرقلة الحوار لمصلحة من ؟


هناك من يسعى بكل جهد وإخلاص لإخراج البلد من الوضع المتأزم الذي دخل عامه الثاني، فيما هناك من يسعى بكل جهده لإبقاء الوضع على ما هو عليه، ويضع العوائق واحدة بعد الأخرى لتأجيل الانفراج السياسي ما أمكن.
 
ففي الوقت الذي رحبت فيه الجمعيات السياسية المعارضة خلال مؤتمر صحافي عقدته أمس بالحوار الجاد الذي ينبغي أن يفضي إلى حل سياسي توافقي شامل ودائم، يحقق العدالة والمساواة ويحفظ مصالح أبناء البحرين بجميع مكوناتها ويخرج بلادنا من الأزمة السياسية الدستورية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام إثر تواري الحل السياسي وفرض المعالجات الأمنية والعسكرية التي راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين والمتضررين من سياسة العقاب الجماعي، التي طالت المعارضة السياسية وجمهورها وفئات واسعة من الشعب البحريني.
 
رفض تجمع الوحدة الوطنية الحوار المتوقع، بسبب «عدم توافر المناخات السياسية التي تكفل نجاح مثل هذا الحوار وتحقيق الغايات منه»، وقال إنه لن يشارك فيه، ولا أعرف كيف يمكن التنبؤ بفشل الحوار حتى قبل أن يعلن عن بدئه وقبل معرفة الأطر التي سيتم من خلالها، ومن الذي سيشارك فيه، وما هي شروطه ومرجعياته وسقفه، إلا إن كان هناك موقفٌ مسبقٌ من الحوار بشكل عام.
 
المتضرر من الوضع الحالي لا يمكن له إلا البحث عن أي مخرج ينهي الأزمة وبأقل الخسائر، فيما المستفيد من استمرار الأزمة سيبحث عن أي مبرّرٍ لتأخير الحل ليحصل على أكبر المغانم، وليس هناك تفسير آخر مهما اجتهد البعض في التحليل.
 
إن الوضع الأمني المتأزم هو «نتيجة» وليس «سبباً»، وما يجب فعله من خلال الحوار هو وضع حلول للأسباب التي أدت إلى هذا الوضع وليس مناقشة النتائج، وإلا عاد الوضع على ما هو عليه سابقاً. ولذلك لا يمكن اشتراط هدوء الشارع قبل الدخول في أي حوار، فلا يمكن بأي حال من الأحوال قبول الناس بعدم المطالبة بحقوقهم ونسيان ما أصابهم خلال الفترة الماضية لمجرد «وعود» تطلق في الهواء.
 
لا أحد يقف مع العنف والجميع يدينه، ولكن هناك من هو متضررٌ مما يحصل الآن، وهناك من لا يتعدى دوره دور المتفرج، ومع ذلك يضع شروطاً مسبقة.
 
لقد تقدمت الجمعيات المعارضة بمرئياتها للإصلاح والخروج من الأزمة، في حين لم نسمع حتى الآن بطرح القوى المناهضة للحوار أية مرئيات ولا نعلم سبب ذلك، إلا أن تكون هذه القوى ليست لديها مرئيات أصلاً، فإن ذلك موضوع آخر.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 20 مارس 2012م
 

اقرأ المزيد

في انتظار تقرير عمّا تمّ تنفيذه من توصيات


من المتوقع أن تنشر اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير تقصي الحقائق تقريرها بشأن ما تم إنجازه، كما أنه من المتوقع أن يقدم رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني تقريراً عمّا تم تحقيقه مقارنة مع ما كان يؤمل إنجازه. ولو عدنا إلى تقارير الفترة التي أعقبت إشهار التقرير في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، فسنجد أن البحرين استنجدت بأعداد كبيرة من الخبراء من كل حدب وصوب لتفسير ماذا قالت هذه التوصية أو تلك.
 
اللجنة الوطنية التي يرأسها رئيس مجلس الشورى علي الصالح كادت أن تصبح في تاريخ المنسيات، وقد استقال الصالح من اللجنة وعاد مرة أخرى لمواصلة عمله. وكانت اللجنة ذاتها قالت في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2011 إنها طلبت من الحكومة تقديم تفسير لبعض العبارات الواردة في الفقرتين (1716) و(1722-ب) كعبارة «آلية محايدة ومستقلة»، وعبارة «تلك الموجودة في سلسلة القيادة العسكرية والمدنية»، وعبارة «المعايير الدولية – للمسئولية العليا»، وردّت الحكومة على اللجنة بأنه تمّت دعوة وفد من الخبراء والفقهاء القانونيين البارزين على المستوى الدولي لتقديم الدراسة والمشورة. وبعد ذلك كثر عدد الخبراء من فرنسا وبريطانيا وأميركا، وكل مجموعة من الخبراء بدأت تشرح هذه الكلمة أو تلك الجملة، كما بدأوا بإعداد برامج لتدريب المسئولين الحاليين على تنفيذ التوصيات.
 
عندما التقيت ببعض هؤلاء الخبراء ضمن برامج اللقاءات التي أعدت لعدد منهم، أرجعتني ذاكرتي إلى اجتماعات عمل كنت أحضرها في مطلع التسعينات من القرن الماضي عندما كنت مديراً هندسياً في إحدى الشركات ببريطانيا، وكنا نتعامل مع الصينيين. حينها كنا نحضر في كل جلسة لمناقشة بعض الأمور التي تأخذ في العادة ساعة لمناقشتها، ولكننا كنا نقضي نهاراً كاملاً. فبدلاً من مناقشة الموضوع مع شخص واحد كان يحضر الاجتماع، مثلاً، خمسة أشخاص، واحد منهم يفهم شيئاً من الإنجليزية، والأربعة الآخرون ينتظرون أن أكمل بعض الجمل مع زميلهم، ومن ثم يناقشونه فيما قال أو قلت له. وكان الأشخاص الخمسة يدخلون في نقاشات مطولة فيما بينهم، وأنا في الغرفة لا أدري ماذا كانوا يقولون، ولم أعرف كيف تطول ترجمة شيء قلته في دقيقة أو دقيقتين إلى ربع أو نصف ساعة. بعد ذلك تتعرف على الأشخاص وتكتشف أن كلَّ واحدٍ منهم جاء ليستوعب كل حرفة وكل مهنة وكل تطور ضمن هدف وطني كبير جداً. كانت الصين حينها تستلهم كل شيء من كل مكان، ومن ثم تعيد تصنيعه في بلادها، وتصبح هي المنتجة والمصدرة.
 
لكن هناك فرق بين ما يحدث في البحرين وبين الصينيين الذين انكبّوا على كل شيء من أجل أن يتعلموه ويتقنوه ويحولوا بلادهم إلى ثاني أعظم اقتصاد في العالم (كما هو الوضع حاليا)ً… فعلى رغم أن الجهد في البحرين حالياً متشابه في درجة الإنهاك الذي يحدث أثناء الاجتماعات مع الصينيين، إلا أن اجتماعات البحرين المضنية لحد الآن تبدو أنها تدور في حلقات مفرغة. إننا نأمل أن يتغير هذا الحال إلى شيء آخر، ونحن سنكون من الداعمين لكل جهد يدفع باتجاه إيجابي لتصحيح الوضع الحالي غير السليم.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 18 مارس 2012م
 

اقرأ المزيد

أمام السؤال الشائك


ثمة سجال قديم – جديد عن مدى قابلية المجتمعات العربية – الإسلامية للتحولات الديمقراطية، فيه تذهب بعض الأطراف إلى استحالة مثل هذه التحولات بسبب عوامل ثقافية أو تاريخية تحمل طابع العداء المبطن والازدراء للآخر، وتذهب أطراف أخرى إلى أن هذه الاستحالة ناجمة عن طبيعة الدولة العربية وهيمنتها المطلقة على المجتمع وعلاقاتها التحالفية مع الغرب، ويعود هذا السجال إلى موقع الصدارة في ظروف العالم العربي المستجدة، بعد تحولات العام 2011والتداعيات المستمرة لها حتى هذه اللحظة.
 
ومن الأمور المهمة التي استجدت في هذا السياق، الصعود غير المسبوق لنفوذ التيارات الإسلامية، لا على صعيد تأثيرها في المجتمع، فهذا أمر سابق، وإنما أساساً لأن هذه التيارات هي من قطف ثمرات هذه التحولات، إذا ما نظرنا للأمر من زاوية مخرجات الانتخابات التي شهدتها بعض البلدان العربية، وكذلك من زاوية كون هذه التيارات هي القوة الطاغية في تقرير مجرى ما يدور من تحركات في الشارع.
 
ويبدو مفهوماً أن يطرح على بساط البحث مدى قدرة هذه القوى على قيادة، ناهيك عن تحقيق الأجندة المعلنة للانتفاضات والثورات والتحركات الشعبية في غير بلد عربي المطالبة بدمقرطة المجتمعات العربية، في حين يعرف عن هذه القوى شموليتها الايديولوجية وانغلاقها على منظومة المفاهيم الخاصة بها، وحذرها، لا بل ورفضها للرأي الآخر، وهذا ما تشي به بعض علائم سلوك هذه القوى بعد أن استوى لها الأمر.
 
فهل ما أخفقت في تحقيقه الأنظمة السابقة التي جاءت، في كثير من الحالات، من رحم حركات قومية وعلمانية، سيتم على يد الحركات الإسلامية الصاعدة التي لا يوجد في تاريخها ما يدل على قابلياتها الديمقراطية، ولا تتوفر حتى اللحظة، مؤشرات جدية على رغبتها في اكتساب هذه القابليات، أخذاً بعين الاعتبار ما تكشف عنه تجارب الكثير من الثورات في أن المسافة شاسعة بين تلك الشعارات التي ترفعها وبين قدرة من ينتصر في وضعها موضع التطبيق، بل كثيراً ما يحدث التناقض بين جذرية مطالب التحركات الشعبية التي تستوعب في صفوفها قاعدة جماهيرية كبيرة، وبين براغماتية من يقودون هذه التحركات بعد أن تنتصر.
 
وهذا يجعلنا نقف أمام معضلة السؤال الشائك: هل يمكن بناء الديمقراطية من خلال قوى غير ديمقراطية، وفي هذا مفيد الاستماع لرأي سديد يطرحه الباحث المغربي محمد سبيلا الذي يرى أن الديمقراطية هي الترياق المؤسسي ضد أي نزعة سلطوية شمولية، ولأنها كذلك فهي لا تستقيم مع إرساء السلطة على أساس إيدولوجي ديني أو دنيوي، لأن مثل هذا الأساس كان في الأغلب الأعم مبرراً لسياسة القمع ومصادرة الحريات وممارسة حكم شمولي بدعوى تحقيق أهداف سامية.
 
حكماً من بعض الخطاب السياسي والشعاري الدارج اليوم، يبدو أن هناك تنبهاً لهذا الأمر بدليل أن كثيراً من القوى التي كانت تركز، فيما مضى على برامجها الاجتماعية والسياسية وتعد باليوتوبيا الخاصة بها، صارت تكثر من استخدام مصطلحات التعددية، وهنا أيضاً ينبغي توخي الحذر، فهل يتصل الأمر بتحولات بنيوية في تفكير وسلوك القوى التي ترفع هذه الشعارات، أم أنه يندرج في سياق المناورة السياسية، التي تُخفي ولا تنفي.

اقرأ المزيد

” فزعة ” ضد الثقافة !!


إنها ليست المرة الاولى التي تواجه فيها الثقافة المنع والحظر والإلغاء، ولذلك فلا عجب من الوصاية التي يفرضها هذه الايام بعض ممثلي الشعب على الفعاليات الفنية والثقافية التي تحتفي بها البحرين في ظل اختيار المنامة عاصمة الثقافة العربية 2012.
 
 على اية حال ان الهجوم الشرس على الثقافة المستنيرة لم يأت مصادفة ولم يكن حدثا عابرا مفصولا عن ما جرى لربيع الثقافة في السنوات الماضية عندما خرج بعض النواب شاهرين سيوفهم في وجه الثقافة النيرة لاعتبارها رجسا من عمل الشيطان!! وعلى هذا النحو جاءت تلك الوصاية لتفرض قيوداً تكبل هذه الثقافة طالما لم تلتزم وفق منظورهم بتشريعات القرون الوسطى!!
 
لا نريد ان نستطرد في استعراض ابعاد هذه الوصاية فهي معروفة للقاصي والداني طالما هي تمس حرية الرأي والتعبير ومن هذا المنطلق نشد على ايدي كل الفعاليات الفنية والثقافية التي استنكرت هذه الوصاية ونقول للأوصياء ارفعوا ايديكم عن الثقافة.
 
احد النواب قال في تصريح له: ان كتلته تتجه لاستجواب وزيرة الثقافة وان هذا الاستجواب سيتناول عدة موضوعات في مقدمتها الحادثة التي تداولتها بعض المواقع الالكترونية من ان توجيهات صدرت من وزارة الثقافة بمنع اذان احد المساجد بالمحرق اثناء اقامة حفلة ضمن مهرجان ربيع الثقافة، وقال ايضا ان الاستجواب سيتضمن الجوانب المالية والمصروفات الباهظة على مشاريع الثقافة وعلى الامور التي تخالف عادات وتقاليد، ويضيف سوف نسأل الوزيرة حول عدم الاكتراث بدعوات ومطالب النواب بإيقاف المواسم الثقافية والمهرجانات في الفترة الحالية وذلك للتضامن مع الشعب السوري الذي يتعرض للقتل.
 
ولو تمعنا في محاور الاستجواب في البدء نقول: اخي الكريم لا يمكن لاحد الاعتراض على الاستجواب كأداة من الادوات الرقابية الدستورية التي تشكل عصب العمل البرلماني ومع ذلك عندما نتحدث عن المبررات التي تبني عليها هذا الاستجواب نتساءل هل يعقل ان تصدر وزارة الثقافة توجيهات تمنع اذان مسجد في المحرق او غيرها من المحافظات الاخرى؟!! في حين ان مجلس امناء مركز الشيخ ابراهيم للثقافة والبحوث أكد رفضه التام لما ورد حول منع الاذان ومنع اقامة الصلاة في «مسجد بن نصير» الواقع في منطقة البيوت التراثية بالمحرق والشيء الاخر والمهم الذي أكد عليه المجلس المذكور ان فعاليات المركز تنعقد عقب الساعة الثامنة مساء اي بعد وقت اذان العشاء واقامة الصلاة والاكثر اهمية ان اهالي المنطقة كما يقول مجلس امناء المركز أكدوا على رفضهم التام لهذا التجني على المركز والثقافة، مشيدين بالدور الذي اضطلع به في احياء المنطقة وجعلها موقعا ثقافيا مهماً حافظ على الهوية الوطنية من خلال ترميم البيوت التراثية واعادة استخدامها بما يخدم المنطقة ويستقطب الزوار وضيوف المملكة من كبار الشخصيات والادباء والمفكرين.
 
واذا ما انتقلنا الى المحور الاخير الذي سيتضمنه الاستجواب وهو مساءلة الوزيرة لعدم الاكتراث بدعوات النواب بإيقاف المواسم الثقافية في الفترة الحالية تضامنا مع الشعب السوري الذي يتعرض للقتل يكفي ان نشير هنا الى ما كتبه الاخ حسن مدن تحت عنوان هل نلغي ربيع الثقافة والذي قال فيه: الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال يقيمون في رام الله والقدس وغيرها من مدن فلسطين المعارض التشكيلية والحفلات الموسيقية والعروض المسرحية وهم الذين يواجهون ماكنة العسف الصهيوني اليومية التي تقتل النشطاء والابرياء وتحشد في معسكرات الاعتقال الآلاف من الفلسطينيين نساءً ورجالا كأنهم يبرهنون على مقدرتهم في الحياة والعطاء رغم قسوة العيش وفظاعة الاحتلال وكان شاعر فلسطين الكبير محمود درويش لسان حال شعبه وضميره حين هتف ذات قصيدة: «نحب الحياة ما استطعنا اليها سبيلا».
 
يا سادة نختلف كما نريد ومع ذلك نرفض المساس بالمقدسات والعادات والتقاليد كما نرفض التجني على الثقافة باتهامات لا اول لها ولا آخر!! ومن هنا نتساءل: لماذا كل هذه «الفزعة» ضد الثقافة النيرة؟! هناك قضايا اقتصادية وسياسية واجتماعية تستحق «فزعات» لمواجهتها بحلول تشريعية وكم تمنينا من اصحاب السعادة ان يلعبوا دوراً في تحقيق المصالحة الوطنية عبر حوار وطني جاد تشارك فيه كل الاطراف لتخرج البلاد من ازمتها السياسية الطاحنة ليعود اليها الاستقرار والثقة المتبادلة والتعايش بمنأى عن الاصطفافات الطائفية والكراهية التي يروج اليها مناهضو الحوار والانفتاح!!
 
الأيام  17 مارس 2012

اقرأ المزيد

عن الحراك الشعبي مرة أخرى


في المقال السابق توقفنا عند الحقيقة التي أكدنا من خلالها أن التحرك الشعبي السلمي من حيث طبيعته الزمنية ليس حراكاً (ظرفياً) يمثل ردة فعل على حالة جزئية أو وقتية، وقلنا أيضاً إنه ليس حراكاً (انفعالياً) يفتقر إلى الوعي والنضج ووضوح الأهداف.
 
لذلك فإن زخمه لم يتوقف، ولم يتراجع، بل وجدنا أنه بمرور الوقت كانت قاعدته الاجتماعية والسياسية تصبح أكثر وعياً وثباتاً وأكثر استعداداً للتضحية، وخاصة بعد أن صارت الأهداف والمطالب أكثر وضوحاً ما ضاعف من قدرتها على الإقناع والاستجابة من جانب المواطنين على مختلف انتماءاتهم السياسية، وبعد أن تبلورت على شكل حزمة أو صيغة سياسية تعكس رؤى القوى السياسية المعارضة وجماهيرها، وبصورة خاصة في محطتها الأخيرة التي شهدت صدور «وثيقة المنامة» التي باتت اليوم توفر أرضية مناسبة لأي حل سياسي قادم، إلى جانب مبادرة سمو ولي العهد وتوصيات لجنة تقصي الحقائق. ولقد جاءت مسيرة 9 مارس لتؤكد صحة هذه الرؤية.
 
إن هذه الفكرة تقودنا إلى حقيقة أخرى لا تقل أهمية: وهي أن الحراك الشعبي وفق المنظور الذي أشرنا إليه يكون حراكاً وطنياً عابراً للطائفية وللانتماءات الفئوية أو الحزبية، لأنه يرمي إلى جعل أوضاع البلاد أفضل بعد تخليصها من حالة العجز الديمقراطي المزمنة الذي تعاني منها. ومن ثم جعلها أكثر احتضاناً لقيم الحرية والديمقراطية، وأكثر استجابة لمبادئ المواطنة والعدالة الاجتماعية. وهي الركائز الأساسية في بناء النظام السياسي الذي توافقنا عليه في ميثاق العمل الوطني، وإن هذه القيم والمبادئ إذا ما ترسخت وتجذرت كقواعد للدولة المدنية التي نتطلع إليها، وتم البناء عليها في كل المجالات السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، لا يمكن لأحد بعد ذلك أن يدعي أنها ستكون حكراً على فئة دون أخرى، أو أن حصادها وثمارها السياسية والاجتماعية ستكون مقتصرة على طرف سياسي أو اجتماعي دون الآخر؟
 
عند هذه النقطة تسقط كل تهمة باطلة بأنه حراك طائفي أو انقلابي يحمل أجندات خارجية. كما درج الإعلام الرسمي وبعض الدوائر الإعلامية والصحافية التابعة الترويج له، إضافة إلى بعض القوى التي جاءت من رحم الأزمة، وأصبحت جزءاً منها، واعتادت بصورة دائمة على وصم هذا الحراك بالكثير من النعوت السلبية ومحاولة إلباسه لبوس الطائفية زوراً وبهتاناً، لأسباب ودوافع لم تعد خافية على أحد؟
 
من المؤسف القول: إن هذه القوى مجردة من السياسة وأسبابها ومهووسة بـ «التمذهب السياسي» وأوهامه، ومسكونة بنزعة الهيمنة والاستئثار فإن اختراق النظام السياسي والإداري في الدولة يمثل لها فرصة سانحة لتجييرهما لمصالحها الحزبية والطائفية، وليس من باب التجني القول إن هذا الوضع هو المسئول عن تعاظم وتفشي ظاهرة التمييز الطائفي والعرقي والقبلي في أجهزة الدولة والذي يعد من أهم أسباب تفجر الأزمة الراهنة.
 
وهكذا نصل من هذه المقدمات إلى النتيجة المنطقية والصحيحة وهي أن هذا التفكير الفئوي والإقصائي هو المسئول الأول والأخير عن ما آلت إليه أوضاعنا السياسية والاجتماعية من تدهور، وهو المسئول أيضاً عن الخراب الذي ضرب البنية الاجتماعية وهز أسس التعايش الأهلي في المجتمع البحريني، وبالتالي هو من يتحمل مسئولية إبقاء الضغائن والأحقاد مشتعلة في القلوب والعقول، التي لا يعلم سوى الله عز وجّل كم من الوقت والجهد نحتاج لتنقيتها من هذه الآفات المدمرة، ومداواة الجراح التي مازالت تنزف، على طريق إخراج الوطن من محنته، وإخراج المواطن من ضيق ومحدودية انتمائه المذهبي إلى رحاب المواطنة الفعلية؟
 
من هنا نجد أنفسنا مضطرين لمطالبة من أوجد هذه القوى ومكنها ونفخ في صورتها بأن يعمل على ضبط إيقاعها وإعادتها إلى رشدها ومحاولة إقناعها بأن افتعال المعارك الوهمية لا طائل منه، بعد أن «حصص الحق» وتبين «الخيط الأبيض من الخيط الأسود».
 
ولأننا على قناعة تامة بأن أزمتنا الراهنة هي ذات جذور وأسباب داخلية، فإننا نؤمن إيماناً مطلقاً بأن معالجتها وحلولها يجب أن تكون وطنية خالصة من دون أي تدخل أو تأثير خارجي،إلا أن المفارقة التي تستدعي التوقف عندها، هي أن القوى التي درجت على كيل التهم لقوى المعارضة بالتبعية والعمالة الخارجية والتي لم تدخر كلمة في قاموس السباب والشتائم دون أن توظفها في حملتها على المعارضة بكل أطيافها السياسية والفكرية بهدف شيطنتها التي هي مرة «خائنة» ومرة أخرى «عميلة» وثالثة هي من «الخوارج» الذين بغوا على إخوانهم؟
 
نقول: المفارقة هنا أن هذه القوى بإصرارها على مواقفها المتشنجة الرافضة لأية حلول سياسية عادلة والتمادي في السلوك والخطاب اللذين يزيدان الوضع احتقاناً وتوتراً طائفياً إلى درجة إضعاف المجتمع وتمزيقه، إنما هي في الواقع تستعجل تلك التدخلات الخارجية، حيث كما نعلم ليس هناك أفضل من هذه الظروف السياسية والاجتماعية المضطربة، لتحفيز وتحريض كل التدخلات في شئون وطننا، وتحويله إلى ساحة صراع بين دول إقليمية ودولية لكل منها مصالحها وحساباتها وبذلك تجعله مكشوفاً إزاء التحديات والأخطار الخارجية بعد أن تضعف مقاومته ومناعته أمام كل القوى المتربصة البعيد منها والقريب؟ هذا ناهيك عن الانتقائية والازدواجية الفاضحة التي تتعامل بها هذه القوى مع هذه المسألة (التدخلات الخارجية) فيما يخص الأوضاع السياسية في ساحات أخرى من الوطن العربي. فالمعايير هنا ليست لها علاقة بالمبادئ والوطنية، إنما هي المصالح الحزبية والطائفية التي تمثل «حجر الزاوية» في تفكيرها وسلوكها. وليكن بعد ذلك الطوفان؟
 
ما نريد أن نخلص إليه من هذه الرؤية أو التحليل الذي قد يزعج أو يصدم البعض، نظراً لصراحته الموجعة، هو التأكيد على قضية جوهرية مفادها أنه طالما سيكون هدف أي حوار قادم هو الوصول إلى حل سياسي متوافق عليه من قبل جميع الأطراف، ينبغي أولاً إقرار عناصر هذا الحوار، التي تشمل الأهداف والقوى المعنية بالمشاركة والآليات التي ستحدد المخرجات أو النتائج النهائية، ثانياً من البديهي القول إن التوصل إلى حلول عادلة يحتاج إلى نضج سياسي ومقدرة أو استعداد على تقديم تنازلات متبادلة، وقبل كل ذلك يحتاج الحوار إلى رؤية واضحة للتغيير وإرادة حقيقية للإصلاح السياسي من جانب الحكم، ومن تلك القوى لم تزل توزع الاتهامات يمنة ويسرى بحق المعارضة وجماهيرها المشاركة في الحراك، ولم نرَ منها حتى الآن ما يثبت امتلاكها القدرة والرغبة في الحوار والتفاوض. ولم تقدم – سواء على مستوى الممارسة العملية أو الخطاب السياسي – ما يؤكد تمتعها بالنضج السياسي الذي يؤهلها لإنجاز هذه المهمة المصيرية.
 
لذا فإننا ندعو الجميع إلى استحضار تاريخ التسامح والتعايش الأخوي بين كل أطياف ومكونات المجتمع البحريني عبر كل مراحل تاريخ شعب البحرين! وكذلك أيضاً استحضار كل القيم والثوابت الوطنية، وكل المواريث الحضارية التي عرفتها البحرين، وعرفت بها.
 
ومن نافلة القول إن هذا الأمر يتطلب وجود قوى تؤمن حقاً بالتعددية والديمقراطية، وقبول الرأي الأخر؟ قوى قادرة على استيعاب كل مفاهيم الدولة المدنية التي تقوم على احترام حقوق الجميع، وتدافع عن رأيها ومواقفها بطريقة حضارية وإنسانية، مسنودة بالمنطق والحجة، من دون الحاجة إلى الفتك بالآخرين أو التعدي عليهم لمجرد الاختلاف في الرؤى السياسية.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 13 مارس 2012م
 
 

اقرأ المزيد

سيرة الكِتاب


في معرض حديثه عن علاقته بمكتبته يذكر الروائي اللبناني الياس خوري انه قرر مرة للتخلص من تكدس الكتب فيها، بحيث لم يعد هناك متسع للكتب الجديدة، أن يتخلص من بعضها، وما ان حزم أمره في يوم من الأيام لتنفيذ هذه الخطوة حتى أصيب باكتئاب عميق، لأنه ما إن اقترب من الكتب التي أراد رميها حتى داهمه شيء من تأنيب الضمير، فكيف يمكن لمرء أن يتخلص من كتب رسم عليها ذكريات مراهقته وشبابه المبكر، أو كتب تركت بصمة ما فيه حياته؟
 
إن ذلك يفسر جانباً من تلك العلاقة الغريبة التي تنشأ بين الإنسان القارئ تحديداً ومكتبته، حين يصبح للكتاب نفسه سيرة وحكاية، على النحو الذي جعل الياس خوري يقول إن الإنسان يمكن أن يكتب سيرته من خلال الكتب التي قرأها.
 
والواقع أن أياً منا لو طرح على نفسه السؤال عن أي من الكتب تركت في حياته أو في نفسه أثراً أو آثاراً، فبالتأكيد ستخطر على باله عناوين عدد من هذه الكتب التي عقد معها صداقة حميمة ذات يوم، أو انها شكلت مفصلاً من مفاصل تحولاته ومشاغله، فرداً ورؤية للحياة والأمور.
 
وأذكر ان القاصة العراقية المرموقة لطفية الدليمي كتبت قصة في غاية الجمال عن محنة المثقف العراقي الذي اضطرته ظروف الحصار الذي فُرض على العراق يومها ان يبيع ما جمعه طوال عمره من كتب في سوق السراي ببغداد، بأثمان بخسة تأميناً لما يسد الرمق، حيث أخذت بطلة القصة مجموعة من أمهات الكتب وذهبت بها إلى السوق الشهير وباعتها، ثم ابتاعت بما تقاضته من ثمن نصف كيلو من القهوة، حين عادت إلى البيت حضرت لنفسها كوباً أو أكثر من هذه القهوة، لتجد بعد ذلك ان ألماً حاداً في معدتها نجم عن شربها القهوة، وقدرت ان مؤلفي الكتب التي باعتها ينتقمون لأفكارهم التي باعتها بثمن بخس، عبر الألم الذي انتابها.
 
تلك حكاية من حكايا معاناة المثقف مع مكتبته. يمكن للكتاب أن يكون كذلك، نوعاً من السيرة المشتركة لأشخاص أحباء أو أصدقاء، ان كتاباً معيناً استعرته من شخص عزيز عليك أو أهداه هو إليك يكتسب قيمة إضافية على قيمته الأصلية. ان الشخص الذي أهداه أو أعاره حاضر في هذا الكتاب أيضاً، انك لا تقرأ الكتاب وحده وإنما تقرأ روح الشخص الذي اختاره لك، وغالباً ما يكون قد اختاره بعناية. تقرأ وتحسّ بالود الذي تنطوي عليه لفتته، كي يشركك في المتعة التي أحسها هو حين قراءته له.
 
لشاعر كردي من العراق أيضاً اسمه شيركو بيكه قصيدة قرأت مرة ترجمة عربية لها تتحدث عن رواية أعارها إلى حبيبته، ولما أعادتها إليه بعد القراءة ووضعها في مكتبته، اجتمعت حولها كل القصص القصيرة، فراحت تحكي لها عن نزهتها الجميلة في تلك الأيام القليلة التي قضتها مع عينيّ الحبيبة، قالت الرواية للقصص: ان تلك الحسناء لا تحب إلا قراءة القصص الطويلة، وبعد مدة أجال الشاعر النظر في مكتبته فرأى أن جميع القصص القصيرة تحولت إلى روايات طويلة.
 

اقرأ المزيد

مفهوم المجتمع الدولي لدى واشنطن


…”اذا لم ينصاع العراق لمطالب المجتمع الدولي…”، و”اذا لم ينصاع نظام الخرطوم (السودان) لمطالب المجتمع الدولي…”، و”اذا لم تنصاع كوريا الشمالية لمطالب المجتمع الدولي…”، و”اذا لم تنصاع ايران لمطالب المجتمع الدولي…”، و”اذا….

عبارة تقليدية رتيبة وبليدة يحفظها عن ظهر قلب جميع العاملين في الشئون الخارجية للبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية. وباتقان شديد يجيدون القائها بطريقة آلية وكأنها مضبوطة بالمقاس تماما على لحظات استدعاء اطلاقها. وهي عبارة يحرص كبار مسئولي الادارة الامريكية الحاكمة، بدءا من الرئيس وحتى الناطقين الرسميين باسم البيت الأبيض والخارجية الامريكية، ترديدها بعناية كي تستقر في اللاوعي السياسي العالمي ويصير أمر تلقينها للدول الحليفة والنصيرة لتُرددها بدورها وكأنها من نافلات القول.

هذا هو المفهوم الامريكي للمجتمع الدولي الذي يختزل دول وشعوب يقارب عددها المائتين، في الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن المجتمع الدولي هو الولايات المتحدة والولايات المتحدة هي المجتمع الدولي، مع انه لا مساحتها الجغرافية ولا عدد سكانها يؤهلانها للتحدث باسم القارة الامريكية (أمريكا الشمالية والجنوبية والوسطى)، فما بالك باسم العالم!

مقاربة “المجتمع الدولي” أو “نظرية التحدث باسم المجتمع الدولي”، هي في الواقع تجلي آخر لفلسفة السيادة الكونية الامريكية التي أسس لها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة، ابتداءً من مبدأ مونرو الذي أعلنه الرئيس الامريكي جيمس مونرو في عام 1823 والذي جعل بموجبه قارة أمريكا اللاتينية، محظورة على كافة القوى الاستعمارية الاوروبية، وان الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي تملك حق التدخل والتصرف في شئونها. وقد دشن “مبدأ مونرو” بداية تطلعات وتطبيقات الهيمنة الامريكية على العالم الذي سيغدو كله – بعد ذلكم الاعلان –  ”مجالا حيويا” للمصالح والنفوذ الامريكيين. وقد توسع مفهوم هذا المبدأ في سبعينيات القرن العشرين الماضي ليشمل المنطقة العربية التي أدرجها النظام السياسي الامريكي ضمن “مجاله الحيوي” الذي لا يحق لا للسوفييت (آنذاك) ولا للأوروبيين أو اليابانيين أو غيرهم التدخل في شئونها باعتبارها منطقة نفوذ أمريكية مغلقة.

وكان الزعيم النازي أدولف هتلر قد طرح مطلع عشرينيات القرن الماضي النسخة الألمانية من نظرية “المجال الحيوي” حين أعاد تشكيل وتسمية الحزب النازي الألماني باسم “حزب العمال الألمان الأشتراكي القومي” (نازي بصورة مختصرة)، وذلك لاعادة بعث المانيا اثر هزيمتها النكراء في الحرب العالمية الأولى. تقوم نظرية “المجال الحيوي” الالمانية على أساس وحدة المانيا الكبرى والتوسع في مجالها الحيوي، أي ايجاد علاقة معقولة بين السكان والمجال الحيوي وذلك عبر القوة العسكرية الضاربة، فالرقعة الجغرافية الألمانية لم تعد تتناسب مع الاحتياجات الاقتصادية والسكانية والعسكرية، وانه ونظرا للزيادة السكانية الالمانية لابد من ايجاد مناطق توسع تناسب هذه المتطلبات الامنية والسكانية والاقتصادية، وهو ما دعا هتلر للمطالبة بضم النمسا على اعتبار انها المانية، وكذلك ضم السوديت (السوديت بالألمانية  Sudetenland “سوديتنلاند”، وباللغة التشيكية والسلوفاكية Sudety “سودتي”، وهو اقليم يقع الى الغرب من تشيكيا على الحدود مع المانيا)، على اعتبار ان سوديت تضم غالبية ألمانية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية حيث تم ترحيل معظم هؤلاء الى المانيا.

وتتقاطع نظرية “المجال الحيوي” مع المفاهيم المستجدة، نسبيا، التي ابتدعها وقدمها وتداولها رواد مدارس علم المعارف السياسية والعلاقات الدولية، وخصوصا منها المفهوم الذي شاع استخدامه في العقود القليلة الماضية وهو ما يسمي بالجيوبوليتيك أو الجغرافيا السياسية، والذي لا يعدو أن يكون، بحسب اعتقادنا، سوى مفهوم محسن وملطَّف لمفهوم “المجال الحيوي”.

ولقد فعَّلت الولايات المتحدة استخدام مفهوم “المجال الحيوي”، في ثوبه المتجدد “المجتمع الدولي” مع انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1990، حيث غدا “الملعب” العالمي “ملكا” لها دون منازع جدي، تسرح وتمرح فيه كيفما تشاء، وكان العراق العيِّنة الأولى له. وقد سهَّل الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسن للولايات المتحدة مهمتها بتسليمه لها بالامتياز الحصري في الانفراد بالاسرة الدولية والتحدث باسمها قاطبة. فيكفي أن يطلق أحد كبار مسئولي الادارة الامريكية عبارة “اذا لم ينصاع النظام “أ” لمطالب المجتمع الدولي…”، وما هي الا ساعات معدودات حتى يتلقفها الاعلام المعد لبيع البضاعة على المشترين المضمونين سلفا والجاهزين لشرائها ليس فقط لاستهلاكها وانما أيضا لاعادة تسويقها والافادة من فارق سعر الجملة وسعر المفرق!… وهكذا و”بضربة معلم” يتحول الموقف الامريكي سريعا الى موقف يمثل الاسرة الدولية قاطبة أو المجتمع الدولي كما يحلو للمسئولين الامريكيين تسميته.

وان حصل وتعذر على الولايات المتحدة تمرير هذه المنهجية البارعة، أي اضفاء الشرعية الدولية عليها من خلال الامم المتحدة ومجلس الامن تحديدا، فانها حينئذ تتوجه الى العواصم الاوروبية الغربية الحاكمة وتستميلها وتضمها اليها في تجريد حملة سياسية ودبلوماسية شعواء ضد الدولة الهدف، فتبدأ أوروبا تحركها، برسم الاشارات والتوجيهات الواردة اليها من واشنطن، بالتصريحات السياسية المعبرة عن الموقف الامريكي، فيتحرك البرلمان الاوروبي في ذات الميدان الذي افترشته سلفا المفوضية الاوروبية في بروكسل ممثلة في مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي (حاليا كاثرين آشتون)، وتزيد على ذلك بريطانيا العظمى اعتبارا بخصوصية علاقتها التاريخية بالولايات المتحدة، فتبدأ حزمة العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية تترى الواحدة تلو الأخرى.

ولولا دبلوماسية القوة الناعمة التي تعتمدها واشنطن في علاقاتها الدولية وتبتز وترهب بها بقية الاسرة الدولية لما استطاعت واشنطن اقناع حتى الحلفاء بمقاربتها المخادعة “المجتمع الدولي”. فالمجتمع الدولي الذي تتحدث واشنطن باسمه لا يتجاوز حفنة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي عددها لا يتجاوز 15 دولة في حين ان التمثيل الحقيقي الأوسع نطاقا للمجتمع الدولي المتمثل في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم كافة الدول الأعضاء في المنظمة (192 دولة)، غير معترف به أمريكيا. ثم ان الذي يتحدث عن المجتمع الدولي لابد أن يعترف بمؤسساته الحاكمة ومنها محكمة الجنايات الدولية على سبيل المثال، والتي ترفض الولايات المتحدة التوقيع على معاهدة انشائها. فضلا عن علاقتها السلبية بعدد من المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة مثل منظمة التربية والعلوم والثقافة (يونسكو).

وأخيرا وليس آخرا أليس غريبا أن تبقى اسرائيل كل هذه السنوات الطويلة بعيدة عن “كرباج” المجتمع الدولي (الأمريكي)؟!

اقرأ المزيد

تصريح الساعاتي


التصريح المطول لعضو مجلس النواب أحمد الساعاتي، المنشور في صحافة الأمس، حمل العديد من النقاط المهمة الجديرة بالعناية، والتي تتفق من حيث الجوهر مع رؤى ومطالبات قطاعات شعبية مهمة وشخصيات وطنية لها وزنها في المجتمع، من منطلق الرغبة في تجاوز الأزمة الراهنة، التي كلما تأخر حلها، كما ذهب إلى ذلك الساعاتي محقاً، استفحلت أكثر واستعصت على الحل بسبب شحن النفوس وتوسع دائرة المعارضين أو المتشائمين لطول فترة الانتظار.
 
وسعى الساعاتي في تصريحه لتحديد مسؤوليات الدولة من جهة والمعارضة من جهة أخرى لتحقيق الحل، لكنه كان محقاً في أن الدولة بالذات، من حيث كونها صانعة للقرار السياسي، ومسؤولة أمام جميع مواطنيها تتحمل مسؤولية أمن واستقرار الوطن والمواطنين وذلك من خلال استراتيجية قائمة على العدل والمساواة في عملية البناء والمشاركة السياسية.
 
وكما تجمع غالبية القوى السياسية والمجتمعية في توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، فإن الساعاتي يرى أن هذه التوصيات تشكل الأساس السليم للبدء بأي مراجعة سياسية أو للدخول في حوار بين الفرقاء ولا سيما بعد أن أكد عاهل البلاد التزامه بتنفيذ جميع بنودها، والذهاب إلى حوار وطني بمشاركة جميع القوى السياسية المؤثرة يكون للمصارحة والمكاشفة والعمل وليس منتدى للخطابة والعلاقات العامة، مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة الاعتراف بالآخر والقبول بتقديم تنازلات مؤلمة من اجل الوصول إلى تسوية تضمن مشاركة الجميع في الحكم. وهذا يتطلب، برأيه، الإدراك بأن نهج الدولة البوليسية قد ولى، لأن الزمن قد تجاوزه بسبب الوضع الدولي ووسائل الاتصالات التي تنقل كل صغيرة وكبيرة في لحظة وقوعها، كما يتطلب ذلك إدراك المعارضة أن هذا الوطن ليس حكرا عليها وحدها، وأن ثمة مكونات أخرى لا يصح تجاهلها، كما لا يصح لهذه المكونات، بدورها، تخوين المعارضة أو ربطها بالخارج بدون دليل لمجرد أنها تطرح رؤية مخالفة.
 
وبالنسبة للأزمة الطائفية والمشاكل الأمنية في المناطق فيرى النائب الساعاتي أنها ستحل تدريجيا متى ما انحلت المشكلة السياسية التي تغذيهما وتوفر الوقود اليومي لهما مشددا على دور الدولة في تدشين خطة متكاملة لمحاربة الطائفية بدءا من برامج التعليم في المدارس وإصدار تشريع يجرم الطائفية وانتهاء بتفكيك الانعزال السكاني الطائفي القائم حاليا من خلال انجاز مناطق سكنية مشتركة، تنهي العزلة والتباعد بين الطوائف.
 
هذه النقاط ونقاط أخرى تفصيلية، لكنها مهمة، تحمل رؤية نقدية لأداء الدولة والمعارضة على حد سواء في طريقة إدارة الأزمة التي مررنا بها، ولم نخرج من متاهتها حتى اللحظة، وردت في تصريح النائب الساعاتي تأتي في وقتها المناسب، حين تتزايد القناعة العامة في المجتمع بأنه لا بد من الخروج من نفق الأزمة بأسرع ما يمكن، عبر تدابير جدية وصادقة، وتساهم في بلورة خطاب للحل على مختلف الأطراف العمل في سبيله، وهذا يتطلب، فيما يتطلب، أن يكون خطاب أجهزة الدولة بالذات واضحاً وشفافاً وموحداً تجاه رؤيتها للحل، وتجاه رغبتها في تحقيقه، بما يساعد على خلق رأي عام مقتنع بأهمية هذا الخيار، كونه الخيار الوحيد الذي على العقلاء في مختلف المواقع الالتفاف حوله.

اقرأ المزيد

المأزقُ السياسيُّ والحلُّ المنتظر


ما هو مؤكد حتى الآن هو طلب جهات مسئولة في الدولة من الجمعيات السياسية تسليم مرئياتها بشأن الحراك السياسي في البحرين والإصلاحات الممكن تنفيذها لإخراج البلد من المأزق الحالي.

الجمعيات السياسية قامت بدورها وسلمت مرئياتها كُلٌ على حدة، وهي تنتظر الآن الخطوة المقبلة من جانب الحكومة، إن كان هناك مثل هذا التوجه لدى السلطة، فالوضع السياسي بشكل عام والتعتيم المتعمّد على أيِّ تحرُّك في هذا الاتجاه لا يمكن أن يقدم أيَّ مؤشر أو يوحي بأنّ هناك انفراجاً قريباً مقبلاً، فالجميع متأكد من أنه لا مجال لحوار مقبل ما لم يتم التوافق بين جميع الأطراف (الحكومة والمعارضة والموالاة) كخطوة أولى.

لا أحد يتحدث عن الحوار المقبل غير جهات قريبة من الحكومة تشير وبشكل غير رسمي إلى ملامح عامّة لا يمكن الاستناد إليها في حين تنفي الجمعيات المعارضة بشكل كامل قيام أي حوار بينها وبين الحكومة.

وفي حين يرى البعض أن ما يتم الحديث لا يعدو كونه بالونات اختبار لردات فعل الأطراف المعنية وما يمكن أن تقدمه من تنازلات، حتى أنهم يقولون إن المعارضة قدمت تنازلات معيَّنة في مرئيّاتها التي قدمتها، يؤكد البعض الآخر بأنه لا توجد نيّة جادّة للحوار في الوقت الراهن وأن لا أحد من جميع الأطراف مستعد لتقديم أي تنازلات مهما كانت وخصوصاً الجانب الحكومي.

هناك أطراف تستبق الأمور وتضع شروطاً مسبقة وغير عقلانية بهدف تعطيل أيّة بادرة أو توجُّه لحلِّ الأزمة، وكأنّ الوضع الحالي هو ما تريد استمراره، وليس مهمّاً عندها سقوط المزيد من الضحايا، فكل ما يهمها هو الحفاظ على موقعها الذي فقدته خلال السنوات الماضية وبدأت في استرجاعه خلال فترة الأزمة عن طريق «الفزعة»، واستطاعت خلال الفترة السابقة تحويل المطالبات الشعبية بالإصلاح والتنمية إلى نزاع طائفي بين مكونات المجتمع.

لا يمكن لأحد التنبُّؤ بما هو مقبل وما هو حجم التضحيات التي يجب على البحرين تقديمها من أجل أن يقتنع الجميع بأن لا مجال آخر سوى الحوار والتوافق والإصلاح، وأن التعنُّت والاستمرار في رفض الآخر من أجل الحفاظ على مكاسب آنيّة لا يمكنه إلا إرجاع البحرين للخلف مع المزيد من الخسائر والمزيد من الفرقة.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 13 مارس 2012م
 
 

اقرأ المزيد

عن الصفح والغفران


بعد خروجه من سجنه الطويل لم يدعُ نيلسون مانديلا إلى الانتقام من جلاديه هو شخصياً ومن منتهكي حقوق بني جلدته من السود في جنوب إفريقيا إنما دعا إلى الصفح، لكنه قال أيضاً: نعم للصفح، لا للنسيان. قريبةٌ من هذه العبارة عبارة أحد المعارضين في بلد أوروبي شرقي مكث طويلاً في السجن، تقول: «عفو عام.. لا فقدان للذاكرة».
هذا السلوك المتسامي على الجرح من قبل الثوار أو الرجال العظماء الذين تعرضوا للأذى يذكر بمقولة لكارل ماركس فحواها أن ضحايا الاستغلال هم الأقدر على التمتع بما يدعوه الأخلاق الكونية. إنهم أكثر حساسية من جلاديهم ومستغليهم تجاه القيم الإنسانية العليا، لذلك فإنهم من يظهر نبله واستعداده للغفران والصفح.
 
يبدو نيلسون مانديلا بالذات واحداً من هؤلاء المشبعين بتلك القيم الكونية التي تشرّبها من قراءاته المبكرة للمفكر اليساري سنوات شبابه، لذلك فإنه بعد خروجه من السجن مرفوع الرأس رسم لنفسه هدفاً يقضي لا بتفكيك جنوب إفريقيا وإنما بالعمل على إدماج السود فيها، وحين أصبح في موقع السلطة ممثلاً للأغلبية السوداء سعى لإدماج البيض في النظام السياسي الجديد الذي جاء هو على رأسه. لقد أدرك برهافة الثائر وبُعد نظره وتكوينه الإنساني المنفتح والواسع الأفق أن العقاب والانتقام يمكن أن يقودا البلاد إلى مخاطر كبرى، وإلى جانب هذا التقدير السياسي الصائب أظهر مانديلا نُبله الشخصي المثالي الذي فيه شيء من نبل القديسين.
 
برأي جاك دريدا أن الصفح عن أشياء قابلة للصفح عنها ليس هو الصفح بحد ذاته، «فما هو قابل للصفح مصفوح عنه مقدماً». المعضلة تكمن في الصفح عن الأشياء التي لشدة فداحتها لا تحتمل الصفح. ومن هنا تجيء أهمية العبارة المدوية لنيلسون مانديلا: نعم للصفح.. لا للنسيان، ذلك أن الصفح قرين الذاكرة الحية، فالصفح لا يتم إلا بتذكر الأعمال الشريرة كما وقعت من دون المساس بتفاصيلها، وباستحضارها، كما وقعت من دون رتوش أو ماكياج أو تلطيف، وفق الشرح الذي كان دريدا قد بسطه وهو يتناول الموضوع. أما مواطنه إدغار موران فيرى أن الأمم العظيمة لا تستذكر فقط اللحظات المجيدة في تاريخها وإنما تستذكر كذلك اللحظات القاتمة والمعيبة، تلك التي يمكن أن ندعوها البقع السوداء في هذا التاريخ، لا برغبة مازوخية في إعادة تعذيب الذات بتذكر عذاب سابق، وإنما برغبة العظة واستخلاص الدروس لكي لا تنشأ مجدداً تلك الظروف التي أنتجت تلك المعاملة الحاطة بكرامة الإنسان.

لا تبدو هذه الأفكار مجرد تهويمات نظرية، وإنما تتصل بمعضلات تواجه الكثير من المجتمعات التي تعبر من مرحلة قمع الدولة وعسفها إلى مرحلة التحول نحو الديمقراطية والتعددية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية، فالمراحل السابقة التي يراد تجاوزها تلقي بكل ثقلها على الحاضر جراء ما ضجّت به من آثام وخطايا بحق الضحايا الذين كانوا معارضين لسطوة الدولة وانتهاكها للحريات العامة والفردية، وما شهدته من انقسامات داخلية، بحيث لا يبدو الصفح ممكناً من دون مداواة جروح الضحايا، وخلق مناخات الثقة التي تساعد الأوطان والمجتمعات على عبور محنها.


13 مارس 2012

اقرأ المزيد