المنشور

إدارة الوقــت


الإصلاح الإداري، او التحديث الاداري ليس فقط عددا من المشاريع والبرامج والسياسات الهادفة للتأهيل والتطوير والتدريب، بل تتضمن اضافة الى ذلك اقتلاع ثقافة سائدة وبناء ثقافة بديلة تعتمد على الانتاجية والانجاز والتكييف والمبادرة والابتكار والجودة.
 
والاقتراح برغبة الذي تقدم به النائب عيسى الكوهجي بجعل انشطة الحكومة من احتفالات ومهرجانات ومؤتمرات وندوات خارج اطار الدوام الرسمي هو اقتراح يستحق ان يلتفت اليه وان يصغى له، فهو يصب في تلك الثقافة المطلوب اقتلاعها، فاقامة الفعاليات وما اكثرها من حيث العدد والتنوع والهدف خلال اوقات الدوام الرسمي يعتبر عرقلة كبيرة لمصالح المواطنين، فحين ينشغل الوزراء والوكلاء والمدراء وغيرهم بالتحضير والترتيب وللافتتاح والحضور والمشاركة في هذه الفعاليات واحيانا في جلسات عمل بعضها، فذلك سيكون على حساب العمل، فانشغال اي وزير وأي مسؤول وأي مدير في هذه الفعاليات، والفعاليات وحتى المناسبات العامة والانشغال احيانا باجتماعات لجان، وفرق عمل، او غداء عمل والتي لا يتمخض عنها في معظم الحالات مردود ايجابي ملموس على العمل، سوى هدر الوقت والجهد والمال وعلى حساب الاداء والاتقان والانتاجية.
 
علينا ان نلاحظ ان مجلس الوزراء وجه اكثر من مرة الوزراء الى ايجاد الآليات التي تسرع وتبسط وتسهل اجراءات معاملات المراجعين والمترددين على الاجهزة الخدمية، وتسريع وتيرة العمل والانجاز فيها، ونرى ان ذلك يتطلب بداية معرفة اسباب التراخي واوجه القصور ومن ثم محاربة ذلك للانتقال الى مرحلة عمل وانجاز خالية من البيروقراطية التي دعا سمو رئيس الوزراء في الاونة الاخيرة وفي اكثر من مناسبة الى مواجهتها، ونرى ان الالتزام باستثمار وقت العمل للعمل الجدي هو ما يجب التركيز عليه، فإدارة وقت العمل في الوظيفة العامة قيمة اقتصادية وادارية مهمة لابد من استغلالها بشكل فعال بما يضمن الوصول الى حسن الاداء واقصى درجات الانتاجية، ولا ننسى ان تحدي الانتاجية هو من بين التحديات التي تواجه الاقتصاد البحريني، وهذه حقيقة خلص اليها مجلس التنمية الاقتصادية في احد تقاريره، وهو تحدٍ يحتم تكثيف الجهود لمواجهته، ويفرض ادراج موضوع ثقافة الانتاجية ضمن استراتيجية طويلة المدى واكسابه طابعا هيكليا باعتباره موضوعا في غاية الاهمية.


26 ابريل 2012

اقرأ المزيد

عـــن غــزة وشعبهــا


كم كنت اتمنى منذ الصغر ان تطأ اقدامي تراب فلسطين المحتلة. ربما كان خيال يافع يرنو ان يزور بلدا لم يره إلا في شاشات الاخبار، وطيارات القصف تدك أرضه دكا. وربما لم نسمع عن هذا البلد إلا في كتب التاريخ التي كانت تعطى لنا حين كنا في المراحل الدراسية المختلفة، ولا أدري ان كانت تدرس حتى الان او تم الاكتفاء بالتطرق للاتفاقيات الموقعة بين الاطراف المتنازعة حسب تلك التعابير التي ترد في بعض بطون الكتب. حتى جاءت دعوة من المؤسسة الخيرية الملكية لزيارة قطاع غزة في فلسطين، حينها قلت ان الفرصة جاءتني لأضع اقدامي على هذه الارض، وأرى بعيني ترابها وشعبها. ومصادفة في اكتوبر من العام الماضي، كنت قد تعرفت على شاب فلسطيني من غزة ايضا، طموح ومتشبث بأرضه، وكان لي حوار معه حين كنا مبتعثين ضمن برنامج الزائر الدولي للولايات المتحدة الامريكية، وقتها كان هو الاقرب لي من بين الزملاء العرب جميعا.
 
ومن ضمن المسامرات بيننا، جرى حديث بيني وبينه عن بلده فلسطين، فوجدته مقتنعا كل الاقتناع ان بلده سيعود كل شبر فيه، فقلت له هذه اضغاث أحلام، والواقع ان المحتل لن يخرج ابدا، ولا بد ان تتقبلوا الواقع. أخبرني ان حديثي لا يمكن ان يقبله اي شاب فلسطيني ولا حتى كهل، فهم للعودة راغبون، وجني الزيتون من أرضهم طامحون.
 
ودعته قبل العودة الى البحرين بعد انتهاء برنامج الزائر الدولي وداعا لا لقاء بعده، ولم اظن حينها ان القدر سيأخذني الى غزة لألتقي به مجددا على ارضه. لم استغرب ان يكون اللقاء به حارا، ولكن استغربت من لقاء اهل غزة ممن لم يعرفوني أو يلتقوا بي، في الشوارع او المطاعم او اي مكان التقيت بهم وعرفوا انني بحريني، حقا هم شعب مضياف وكريم، يحبون الضيف العربي، فبزيارتنا لهم يعرفون اننا لن ننساهم حينها يطمئنون.
 
ولهذا كم كانت تلك المشاريع الخيرية التي اقامتها البحرين على أرضهم محل اعتزاز وفخر لدى الفلسطينيين، ليس لأنها ستساعدهم، بل لأنهم سيشعرون ان هناك شعبا عربيا في بلد عربي يفكر في شعب مظلوم تحيط به اسوار الاحتلال. هم محتاجون الى من يمد لهم يد العون، ولكنهم شعب عزيز متعفف، لم نجد منهم احد يتسول. لا يمكننا بعد زيارتنا الى هذا القطاع، إلا ان نقول للمؤسســة الخيريـــة شكرا لكم، فقد أدخلتم السرور على غزة واهلها.
 
ألأيام 25 ابريل 2012
 

اقرأ المزيد

الحوكمة في القطاع الحكومي


التوجه باصدار التشريعات اللازمة لتطبيق نظام الحوكمة في القطاع الحكومي الذي اعلن عنه في سياق ما بحثه مجلس الوزراء يوم الاحد الماضي «لتعزيز الاداء المؤسسي ورفع مستوى الكفاءة والانتاجية في هذا القطاع تنفيذا لمرئيات حوار التوافق الوطني»، هذا التوجه مطلوب، ويفترض ان يكون في صدارة اهتمامات واولويات الحكومة، فالحوكمة في العمل الحكومي هي اليوم سمة مميزة للبلدان المتقدمة والمتطورة، فهي تعني ادارة متسقة وجودة في الاداء وسياسات متماسكة، وقرارات تراعي المسؤولية والشفافية، والمحاسبة وانفاذ القانون، وحسن ادارة المال العام، والاستغلال الامثل للموارد والانضباط المؤسسي.
 
صحيح ان الحوكمة، تعددت مصطلحاتها، ولكن كلها لا تخرج عن تلك الاسس، وهي اليوم نهج ومبادئ واسلوب لممارسة الادارة الرشيدة التي تدور في فلك الاصلاح الذي انتقل مفهومه من السياسة وادارة الدولة الى المؤسسات والهيئات، ولذلك اصبحنا نجد من يطرح او يدعو او يتبنى بنهج الحوكمة في الشركات والمؤسسات المالية والمصرفية، في التجارة، في التنمية، في قطاع الاستثمار، وفي الجمعيات والاحزاب والمنظمات.
 
يهمنا الآن الشق المتصل بالحوكمة في القطاع الحكومي، فمجلس الوزراء وتنفيذا لمرئية من مرئيات حوار التوافق الوطني تدارس في جلسته الاخيرة الاتجاه للاخذ بالحوكمة، والمرئية المعنية تدعو بالنص الى: الحوكمة في ادارة الشأن العام، والمال العام والزام جميع الشركات الحكومية التي تساهم فيها الحكومة بنسبة تزيد على 30% من رأس المال بتطبيق انظمة واجراءات الحوكمة.
 
ذلك يعني انه اذا ما اخذت الحوكمة المرتقبة في القطاع الحكومي مداها المأمول، واصبحنا على وعي كامل باهميتها وبضرورتها وبالحاجة الفعلية اليها وباعطاء موضوع المساءلة والشفافية العناية القصوى، نكون عندئذ امام مرحلة جديدة من العمل بالقطاع الحكومي بانسانه ونصوصه وطرقه واساليبه ومفاهيمه، ادارة اكثر فاعلية ومنفذة لقرارات على اساس قوانين واضحة لا لبس فيها ولا تعقيد، ومهيأة لتحمل مسؤولياتها بجدارة في مجالات النهوض الاجتماعي والاقتصادي، وهو امر بالنهاية يخدم الاقتصاد والمستثمرين والمواطنين.

اقرأ المزيد

” رفات ” لوركا


لا أذكر في أي رواية قرأت عن امرأة خرجت من إطار صورتها المعلقة على جدار بيت، كان رجلا يطيل التحديق في صورة المرأة، ولطول تحديقه فيها تعلق بالمرأة التي خرجت له ذات ليلة لتسامره. هل كفَّت الصورة عن أن تكون صورة، وتحولت إلى امرأة حقيقية، أم أن الأمر من صنع المخيلة، مجرد أضغاث أحلام؟ أدهشني أن مثل هذه الصورة المعلقة على الجدار كانت الحب الأول للشاعر الأسباني فدريكو جارثيا لوركا الذي اغتالته عصابات فرانكو انتقاماً من مواقفه التقدمية المعادية للفاشية، مع فارق أنها لم تكن معلقة على الجدار، وإنما موضوعة، كيفما اتفق، في صندوق ملابس بالبيت، وفي كل مرة يتم فيها إخراج الملابس من الصندوق كان الصبي لوركا يهرع لمشاهدة صورة الفتاة، ليشعر بعدها بذكراها ممتزجة مع تلك الرائحة الفريدة للأشياء المغلقة.
 
هذا ما يرويه لوركا نفسه في الجزء الذي يحمل عنوان: «حبي الأول»، في مذكراته التي نشرت لأول مرة ترجمة لها بالعربية في أحد أعداد «أخبار الأدب»، وضعتها مروة حلمي. على محيا فتاة لوركا في الصورة ارتسمت ضحكة بسيطة وحزينة بحيث تبدو وكأنها ستبكي، يداها متشابكتان، وأمام صدرها باقة من الزهور. ثوبها الفضفاض والفاخر مطرز بالضفائر السود .
 
حيرت هذه الصورة لوركا طويلاً، حين سأل أمه من تكون، قالت إنها إحدى صديقات أمها، وأنها ماتت في سن صغيرة جداً، وخلال الساعات التي كانت الأسرة تترك الصبي لوركا وحيداً في البيت، كان يتسلل بحذر شديد نحو الصندوق، ويقلب الخطابات والحرائر والتذكارات بحثاً عن اللوحة ليحدق فيها. كانت عيناها كبيرتين مثل الشموس، وفمها كنز من العذوبة، وكان يتخيل تلك الفتاة الشقراء وهي تتحدث معه، وتحكي له أغرب وأروع القصص، قبل أن يسارع إلى إخفاء اللوحة حين يتراءى له أن الفتاة تحرك عينيها، فيشعر بالخوف من أنها ستسحره. في بعض الأحايين تبدو كأنها تسدي له النصح، فيضع اللوحة على وجهه، ويبكي دون أن يعرف السبب، فهو لم يكن يعلم ما إذا كانت ستحين لحظة يشرح فيها تلك المشاعر الغامضة التي تجتاحه إزاء صاحبة الصورة.
 
سيوجز لوركا القول بأن تلك المرأة التي مرت على هذه الدنيا منذ سنوات طويلة كانت أقوى حب متوهج شعر به في حياته القصيرة. في إحدى قصائده تنبأ لوركا بأن جثته لن يُعثر عليها بعد موته. وللدهشة فإن هذا ما حدث بالضبط، ففي مكان ما في التلال المحيطة بغرناطة في عام 1936 قتلت فرق الموت الفاشية، المؤتمرة بأوامر فرانكو، لوركا الذي كان في الثلاثينات من عمره فحسب. كان يهجس بالموت، لذا طلب أن تبقى نافذته مفتوحةً عندما يموت. لكنه لم يَمت، إنما قُتل غيلةً. لم تكن ثمة نافذة لتفتح لحظةَ قتله في الفضاء الشاسع تحت السماء الأندلسية، ولكن الشاعر الذي أراد لنفسه موتاً شاعرياً كان يقول نبوءته في ان شعره سيُحلق من خلف نوافذ غرناطة، التي عاش وتعلم وناضل وقُتل فيها، ليطوف الدنيا.
 
في العام 2008 أمر أحد القضاة الأسبان بفتح عددٍ من المقابر الجماعية لضحايا الفاشية في الحرب الأهلية في بلاده، لأن هذا القاضي الشجاع وضع على عاتقه مهمة إنصاف ذكرى هؤلاء الضحايا، فاستجاب القاضي لنداء ذوي من فُقدوا فترة حكم فرانكو، والذين يُقدر عددهم بـ 500000 شخص. رفات الشاعر لوركا الذي مات حباً سيكون في واحدةٍ من هذه المقابر.
 
24 ابريل 2012

اقرأ المزيد

الفورمولا1 والاقتصاد


الحديث عن الفورمولا 1 مجددا.. هذه المرة بعد انتهاء هذا الحدث العالمي وبالتالي الحديث عن تداعياته التي سجلت لصالح الاقتصاد الوطني من واقع ما نشر امس وامس الاول على لسان ذوي العلاقة والمعنيين بالامر، وعليه دعونا نمعن في هذه الارقام.

– رئيس غرفة التجارة قدر العوائد الاجمالية للحدث بما يتراوح بين 220 الى 400 مليون دولار.
– نائب الرئيس لعمليات المطار صرح بان عدد الذين دخلوا المملكة بالتزامن مع سباق الفورمولا 1 بلغ 60 الفا بواقع 20 الفا في اليوم الواحد.
– فندقيون اعلنوا بان مستويات حجوزات الفنادق في ايام السباق تجاوزت 60% بالنسبة لبعض فنادق الاربع نجوم، و100% لفنادق الخمس نجوم.
– اصحاب محلات الصرافة اكدوا نمو حركة سوق الصرافة وان كانت ليست بنفس مستوى الدورات السابقة للفورمولا 1.
– تجار مواد غذائية اشاروا الى انتعاش قطاع تجارة المواد الغذائية والتموين بنسب تصل الى 40-50%.
– رئيس لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بغرفة التجارة يصرح بانعكاس الحدث في انعاش الحركة التجارية وعلى قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
– باحث اقتصادي يشير الى المهن والحرف والتخصصات الجديدة التي دخلت سوق العمل البحريني والتي قامت على اكتاف الحلبة والسباق.
– باحث اقتصادي آخر اعتبر الفورمولا 1 مشروعا سياحيا ورياضيا واقتصاديا.
 
تلك التصريحات وغيرها هي شهادة بأهمية هذا الحدث، ونجاحه من دون شك هو نجاح للبحرين، وذلك نراه امر يدفع الى التفكير لتحقيق نجاحات اكبر في السباقات المقبلة واي فعاليات واحداث عالمية اخرى تقام في البحرين، وذلك عبر رؤية واضحة المعالم والاهداف والمنطلقات والآليات التي تحقق الاستثمار الامثل واقصى استفادة ممكنة لهذه الفعاليات من سباقات رياضية، ومعارض ومؤتمرات ومهرجانات، بما يخلق حركة وانتعاشا دائمين لمختلف قطاعات التجارة والاعمال والاستثمار يجعلنا على وعي وادراك تامين باقتصاديات هذه الفعاليـــات ودورها في دفع العجــلة الاقتصاديــة الى الامام.
 
24 ابريل 2012

اقرأ المزيد

صديقي المصري


التقيت مؤخراً بصديق مصري تجمعني به اهتمامات الثقافة في المقام الأول، وفي هذا المجال هناك، دائماً، ما يمكننا الحديث حوله، ولكن لأن الطوفان السياسي هو المهيمن في الساحة العربية الآن، ولأنه مصري، فقد احتل الوضع الراهن في مصر وآفاقه حيزاً كبيراً من حديثنا.
 
من سيكون رئيس مصر القادم؟ هذا السؤال كان مدخل الحوار. وكما في مثل هذه الحالات يظل الحديث محصوراً في نطاق الاحتمالات فقط. لكن الصديق المصري وهو يتحدث عن ما شهده المجتمع المصري من تحولات، تذكرنا بالمحتوى العميق لكتاب جلال أمين: «ماذا حدث للمصريين»، عقد مقارنة رائعة بين اهتمامات جيله، الذي هو جيلي أيضاً، فصديقي سبقني في الدخول إلى الجامعة بعام واحد فقط، وبين اهتمامات الجيل الجديد في مصر.
 
قال الصديق ان أحاديث طلبة الكلية التي درس فيها وتخرج منها في سبعينيات القرن العشرين وغيرها من الكليات كانت تدور، مثلاً، حول آخر فيلم ليوسف شاهين، فيتحاورون عن مغزى اللقطة التي ينتهي بها الفيلم، أو حول حبكته، وأداء الممثلين فيه، ومستوى السيناريو، أو حول آخر قصة كتبها يوسف إدريس، أو آخر رواية لصنع الله إبراهيم: ما فيهما من مغزى ودلالات وما في شخوصهما من أبعاد، أو حول آخر أغنية للشيخ إمام وفؤاد نجم. ويعقد الصديق المصري المقارنة بين تلك المناقشات، وطبيعة النقاشات الدائرة بين طلبة وطالبات الجامعة في مصر اليوم، حيث يتحاور المتحاورون حول قضية من نوع: أيهما أصح شرعاً: الحجاب أو النقاب؟، وفيما كان موضوع انخراط المرأة في العمل بعد التخرج من البديهيات التي كان يبدو مستنكراً مجرد التفكير فيها يومذاك، فان طالبات الجامعة وزملاءهم بالطبع، يمكن أن يتجادلوا اليوم حول عدم جواز خروج المرأة للعمل، وتفرغها في البيت لزوجها وأطفالها، أو أن الضائقة الاقتصادية والمعيشية ربما تبيح للمرأة أن تعمل، شريطة أن يكون في مكان لا يختلط فيه النساء بالرجال.
 
المدهش أن هذا يحدث في بلد عرف الأوبرا والباليه منذ مطالع القرن العشرين، وفي بلد الشيخ علي عبدالرازق صاحب: «الإسلام وأصول الحكم»، وبلد قاسم أمين صاحب: «تحرير المرأة»، وبلد طه حسين الذي كانت كتبه تزلزل الدنيا وهي تنير الأدمغة بأنوار التقدم والتنوير، وفي بلد نجيب محفوظ الذي أعاد صوغ الشخصية المصرية في أدب جميل حمله، ومعه حمل مصر كلها، إلى العالمية، ليس بسبب حصوله على «نوبل» للآداب، فالجائزة هي النتيجة وليست السبب، والبلد الذي أسس للصحافة وللسينما في العالم العربي، وأعطانا أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وغيرهما من عمالقة الموسيقى والغناء، وإليه كان المبدعون يأتون من لبنان وبلاد الشام وحتى من تونس والمغرب العربي، لأن مصر كانت بمثابة المصهر الإبداعي للثقافة العربية.
 
ماذا ستفعل مصر بميراثها التنويري هذا، ماذا ستفعل بما خلفته ألمع أدمغتها وأذكاها وأكثرها بعداً في النظر، حين كانت تحلم بمستقبل غير هذا لمصر، التي لم تسم عبثاً بأم الدنيا؟ أيكون تعثر مصر الراهن هو الحصيلة المنطقية لعقود الاستبداد والفساد وانقطاع المسار الديمقراطي فيها، أتكون هذه كبوة لا بد منها للحصان كي يعاود انطلاقه السريع نحو هدفه؟
 

اقرأ المزيد

السياحة العمانية


يبدو ان سلطنة عمان بعد اختيارها عاصمة للسياحة العربية لعام 2012 بدأت في تنفيذ جدول من الفعاليات والتسهيلات التي تشجع السياح من مختلف الدول على وضع السلطنة ضمن قائمة اهتماماتهم وبرامجهم السياحية.
 
في سياق التنمية السياحية قامت السلطنة بتخفيض تكاليف التأشيرات السياحية، وقدمت شركة طيران عمان عروضا مميزة للمسافرين على متن خطوط شبكتها الدولية، واطلقت منتجعات وفنادق اسعارا خاصة بشكل كبير لفصل الصيف، ونظمت معرضا عنوانه «اكتشف وعش التجربة» روّج وسوّق لابرز وجهات السياح الراغبين بقضاء العطلات والعائلات والمجموعات السياحية والافراد في ربوع السلطنة وبالاخص في مناطق وادي بن خالد وجبل شمس والجبل الاخضر وشواطئ المنطقة الشرقية وجزيرة مصيرة وصلالة، ونظمت فعاليات ثقافية وفنية.
 
مسقط بحسب المنظمة العربية للتنمية السياحية، والعديد من الاوساط والدوائر ذات الصلة حققت كل المعايير التي تتطلب اي مدينة ان تفوز بلقب عاصمة السياحة من امن واستقرار وتنمية متطورة، ومنتوج سياحي متنوع، وبيئة طبيعية واسعة وغنية، وارث حضاري وتاريخي عميق وشعب ودود.
 وهي المقومات التي اهلت مسقط لما اسمته العديد من الاوساط المعنية بالشأن السياحي بالاختيار المستحق الذي من شأنه ان يجعل مسقط لها مكانة على خارطة السياحة العربية.
 
ما ينبغي ملاحظته ونحن نتابع احتفاء مسقط كعاصمة للسياحة العربية، هو روح الفريق الواحد للاجهزة الحكومية في الترويج والتسهيل والخدمات لاستشعار هذه الاجهزة باهمية انجاح هذه المناسبة، اقتناعا بمردودها الآني والمستقبلي على الدولة والمجتمع والاقتصاد. والى جانب ذلك علينا ملاحطة ان المجتمع العماني هو مرحب، بل داعم ومساند لكل ما ينهض بواقع السياحة واستدامة التنمية السياحية في عمان ولم نسمع ان ثمة اعتراضات على اي من الفعاليات وتلبيسها لباس الدين او السياسة.
 
ومادامت المنامة تستعد لتكون عاصمة السياحة العربية في العام المقبل فاننا نتمنى النظر الى التجربة العمانية، وكل تجربة متقدمة التي تستنزفها الجهود في اطار تكاملي فاعل ومؤثر وايجابي، بعيدا عن الحساسيات والحسابات الضيقة ايا كان نوعها ودوافعها.
 
 

اقرأ المزيد

ما هو في حُكم زلات اللسان


من الأمور الممتعة التي اهتم فرويد بدراستها: زلات اللسان، ومفيدة جدا تلك الخلاصة التي صاغها في هذا الصدد، من أن الكلمات هي ما يخطئ به الناس قبل أن يصبح خطؤهم فعلاً، وفي هذا تفريق بين الكلام الذي نصدره بوعي وبقصدية، وبين الكلام الذي يسبقنا، قبل أن نزن ما إذا كان قوله مناسباً أم لا.
 
زلات اللسان، إذاً، ليست سوى تعبير عن التفكير العفوي الأولي لدى الإنسان، وعما ينطوي عليه منولوجه الداخلي من تصورات ورؤى قبل أن تنتقل إلى الواقع، وكثيراً ما يدرك الإنسان في وعيه أن هذا النوع من المنولوج غير مقبول أو مستساغ من الجماعة، فيسعى لترويضه وتكييفه ليحظى بالقبول.
 
ذات مرة قال جاك دريدا: لا توجد حقيقة خارج اللغة! مهما بدت هذه العبارة صارمة في حكمها، فإنها تتضمن الكثير من الصحة، فبدون اللغة – الحوار ما كان للخبرات والتجارب الإنسانية أن تصاغ في نسق من التفكير، وما كان بإمكان الأحكام المختلفة أن تخضع لامتحان الصواب.
 
نترك للدارسين تحليل العلاقة المعقدة بين التفكير والكلام، بين تلك المسافة التي تفصل بين لحظة انبثاق الفكرة في دماغ الانسان وبين خروجها من لسانه على شكل كلام يوصله لمن هم حوله، وهي مسافة لا نعلم كيف يمكن قياسها بالزمن، ما هي الوحدة الزمنية اللازمة لمثل هذا القياس، أتكون الثانية مثلاً، أم الدقيقة أم ماذا، لاننا لا نكاد نفطن لذلك، وننسى أن ما قلناه على لساننا إنما مر عبر عملية معقدة، منذ لحظة إرساله من الدماغ، حتى لحظة تشكله ككلام مقال ومسموع من آخرين. ولكن ليس كل ما ينبثق في الدماغ بوسعه أن يصل للآخرين، وتتعدد في ذلك الأسباب، لأنه تبقى في جعبة الإنسان الكثير من الحكايا والخفايا التي لا يلحق أن يرويها للآخرين أو لا يرغب، ويبدو أن الكتابة الإبداعية تنهل من هذا الاحتياطي الثري، وتنفس شيئا من هذا الكتمان، حين تصهر ما في مستودع الذاكرة من تجارب وعواطف وأشواق وأحزان، وتعيد تشكيله في نسيج جديد من الصعب أحيانا تفكيك عناصره وردها إلى أصلها.
 
لكن المنولوج الداخلي مهما كان ثريا، فانه مليء بالمحاذير. يقول بطل رواية عبدالرحمن منيف: «شرق المتوسط» ما معناه: «إن الإنسان مهما كان حكيما وخبيرا بالحياة وسديدا في الرأي، فانه بحاجة دائما لمن يستشيره ويحاوره قبل اتخاذ أي قرار». لكن ما أكثر ما يرتد الإنسان إلى فرديته، فيغلب المنولوج الداخلي، ما تزينه له النفس الأمارة بالسوء على الديالوج، على الحوار مع الآخرين، للدرجة التي تجعلنا نثير السؤال التالي: ألن تصبح حياتنا أكثر استقامة لو أصبح فيها (ديالوج) أكثر، و(منولوج أقل)، لو ضممنا إلى الرأي شيئا آخر اسمه الرأي الآخر؟!
 
مشكلة الولع بالرأي وتجاهل الرأي الآخر هي إحدى عاهاتنا المزمنة، لأن الكثيرين منا يعيشون بين المرايا المتقابلة، فلا يعود بوسعهم رؤية شيء سوى أنفسهم ووجوههم تتراءى لهم من خلال هذه المرايا، في نوع من النرجسية العالية توصلهم لحال الانبهار بالنفس، التي هي حال مَرضية من التضخم تعميهم عما حولهم.
 
22 ابريل 2012

اقرأ المزيد

الفورمولا 1


كثير من اصحاب الأعمال، ومعهم العديد من الاوساط والدوائر المعنية بالشأن الاقتصادي اجمعوا على اهمية هذا الحدث العالمي الذي تستضيفه البحرين هذه الايام، والمتمثل في سباقات الفورمولا 1 وهو الحدث الذي ذكر بانه يعتبر ثالث اضخم حدث رياضي على مستوى العالم.
 
تلك الاطراف اجمعت على العوائد الايجابية الكبيرة التي ستعود على الاقتصاد الوطني، وتبعا لذلك فان هذه العوائد والمردودات لن تقتصر على القطاع السياحي بما يتبعه من اشغال المطاعم والفنادق والشقق الفندقية فحسب، بل ستمتد الى قطاع الخدمات بمكوناته المختلفة من اتصالات ومواصلات وتأجير وتموين وشحن وتجارة تجزئة ومجمعات تجارية …. الخ ، بجانب استفادة القطاعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الاخرى، وهو الامر الذي اكد عليه العديد ممن يمثلون تلك القطاعات في التصريحات التي نشرناها لهم في هذا الملحق الاقتصادي وفي الصحف الزميلة الاخرى.
 
العوائد الاجمالية المتوقعة والمعلنة لهذا الحدث العالمي المباشرة وغير المباشرة قدرت بما يتراوح من 220 الى 400 مليون دولار، فيما ذهبت بعض التقديرات الى انها قد تصل الى 500 مليون دولار.
 
يبقى مهما التأكيد على امرين، الاول انجاح هذا الحدث الذي يجعل البحرين في دائرة الاهتمام الاعلامي على المستوى العالمي واستثمار تدفق الزوار واصحاب الاعمال والمستثمرين من مختلف الدول بما يحقق اقصى استفادة ممكنة للترويج لبيئة الاعمال في البلاد وتعميم واقتناص هذه الاستفادة لتشمل اوسع القطاعات في سبيل انعاش اوضاع هذه القطاعات والحركة التجارية.
 
اما الامر الثاني فهو يتمثل في التأكيد على ضرورة بلورة رؤية او خطة استراتيجية تترجم الاهتمام الجدي باقتصاديات الفعاليات الدولية من سباقات ومعارض ومؤتمرات ومهرجانات واجتماعات، وتفعّل كل اوجه التعاون والتنسيق وتكامل الجهود بين مختلف الوزارات والاجهزة الرسمية وغيرها لبلوغ اقصى درجات النجاح لهذه الفعاليات ولتعزيز تنافسية البحرين في هذا المجال، من حيث الادارة التنظيم والمشاركة والترويج وتحقيق العوائد المرجوة والمردودات الايجابية على حركة التجارة والاقتصاد، وطالما نحن مقبلون على مشروع مهم سيعطي دفعة قوية لصناعة المعارض والمؤتمرات ويرفع من جاهزية وتنافسية البحرين في هذا المجال هو الذي يتمثل في انشاء مدينة المعارض والمؤتمرات، يفوق حجمها مركز المعارض بـ 10مرات من حيث الحجم والتجهيزات الحديثة، وتتراوح مساحتها بين 150 الى 200 الف متر مربع، فان هذا المشروع وهو الامر الذي يزيد من الحاجة الى تبني مثل هذه الرؤية وهذا التوجه لعلنا نصل الى ما بلغته الدول المتقدمة التي وضعت كل المقومات التي جعلتها تستثمر اقتصاديات الفعاليات الدولية خير استثمار لتنشيط اقتصادها وقطاعاتها التجارية والاقتصادية على مدار العام.
 
22 ابريل 2012

اقرأ المزيد

المنبر التقدمي …كلمة قبل المؤتمر


تحدد يوم السابع والعشرين من إبريل الجاري موعداً لانعقاد المؤتمر السادس للمنبر الديمقراطي التقدمي في ظروف استثنائية يمر بها الوطن بعد مرور عام ونَيّف على أحداث فبراير 2011. فلقد انقسم المجتمع بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية والمهنية بشكل غير مسبوق واختلطت المفاهيم ولم يعد من السهل الفرز بين الوطني والاجتماعي عن الطائفي والديني.
 
لم يشهد المجتمع البحريني لا قبل الاستقلال ولا بعده هذا التفريط في نعمة العيش المشترك لهذا التنوع الانساني الجميل في المذاهب والأصول. بل إن المراحل النضالية للشعب وقواه الوطنية كانت تصب دوماً في مصلحة تأصيل الانتماء المشترك للمرجعية الأوحد، الوطن، في مسيرته نحو التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ليس في النضال العادل للشعب الموحد في بوتقة الوطن من أجل هذه الأهداف النبيلة المشتركة ما يمكن أن يشرخ الصف الوطني أو يُشتِت وعيَه، بل وعلى النقيض من ذلك، استقبلت الأمهات في بيوت المحرق المصابين بمسيلات الدموع والرصاص من أبناء المنامة وقراها والعكس صحيح. كانت القلوب مشرّعة تحتضن بعضها البعض دون تمييز. النضال الوطني المشترك أنبت كتاباً وشعراء يلتقط تغريدتهم كل المتعطشين للكلمة الوطنية الجامعة والمعبّرة عن همُوم الناس وأحلامهم. كانت الحركة الوطنية بأطيافها إطاراً لكل من قرر الانتماء الى العمل السياسي المُنظم دون تمييز، إذ كان المعيار الوحيد الالتزام ببرنامج العمل السياسي والذي كان وطنياً بامتياز على اختلاف الانتماءات الفكرية والايدلوجية لأطراف الحركة الوطنية، خلافا للأحزاب الطائفية اليوم. وفي النضالات المطلبية والنقابية كان الجامع المشترك هي الحقوق المعيشية والنقابية. واختلط المعتقلون والمنفيّون معاً سنّة وشيعة، يساريين وقوميين ومستقلين.
 
هذه كانت طبيعة العمل الوطني وجوهره إلى أن هبّت رياح الطائفية والتشطر المذهبي على بلدنا والمنطقة والبلاد العربية قاطبة بدءاً بالثورة الايرانية التي أقصِيَ عنها الليبراليون واليساريون والقوميون والنقابيون والبرجوازية الوطنية وجيّرتها المرجعية الدينية لصالح الدولة الدينية الطائفية، وانتهاءً بالقاعدة وطالبان والإخوان والسّلف والقوى والدول التي اخترعت بعضاً من هؤلاء ووظفت البعض الآخر. كان الهمّ لدى الأصيل منهم والوكيل مواجهة قوى التقدم والديمقراطية والحداثة ببرامجها الاقتصادية والاجتماعية وتمسّكها بالسيادة الوطنية والعلاقات الدولية المتوازنة. هنا نبتت نبتة الفتنة وتلوث الوعي بداء غريب عن المجتمع بدأ ينخر في العقول والنفوس فهدّ مناعتنا أمام الفكر الظلامي بتلاوينه، وحجب الرؤية عن أعين البعض ليصبحوا فريسة للتطرف وللانتهازية معاً.
 
قام المنبر باقرار وثيقة النقد الذاتي لقراءته الخاطئة لأحداث فبراير وتداعياتها وللخريطة السياسية في البلاد وفي المنطقة، في ظل اختلافات في مقاربة الوثيقة بين من يراها غير كافية ومن يرفضها ويعتبرها تراجعا عن الخط الثوري واستسلاما للنظام. هكذا هو حال المجتمع والبيت الواحد ولا يمكن للقوى السياسية إلا أن تكون من هذا النسيج وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك موقف موحد تجاه حدث بحجم ما تعيشه الدولة أريقت فيه الدماء وغلفته سحب دخان الحرائق وزجاجات المولوتوف والغازات المسيلة للدموع والمواجهات اليومية، في جو الاستقطاب والتحريض ونشر الشائعات والإعلام المُؤزِّم، والموجة العاتية من الانتفاضات على امتداد البلاد العربية وما سُمي بالربيع العربي وأوهامه وإعلامه المنفلت ليلا نهارا.
 
ما كان من الممكن أن يتوحد الناس على موقف مُوحد وهناك من يسعى الى «فوضى خلاقة» رُصدت لها ميزانيات مفتوحة وجيوش وأسلحة دمار وأدوات تخريب وغرف عمليات، مستفيدة من الاستياء العام ضد انظمة القمع والفساد، ومن تلكؤ أنظمة أخرى في خطواتها الإصلاحية.
 
وإذا كانت الأوضاع بهذا الحجم من التعقيد فإن الحركة السياسية هي أعقد أشكال الحركة الاجتماعية وتختزل في تكوينها كل التمايزات الروحية والنفسية والاجتماعية وإن توحدت في الفكر السياسي والاجتماعي وتأطرت في نظام حزبي موحد. هذا بعض ما يفسر الانقسامات والتكتلات والشلليةِ في الأحزاب السياسية والانتقال من انتماء حزبي إلى نقيضه والصّدامات المسلحة والتصفيات الجسدية. هذه الحقيقة ليست خاصة ببلدٍ معين ولا بمجتمعات بعينها أو حزب سياسي دون غيره، بل هي ظاهرة تاريخية وعالمية تختلف حِدتها من بلد الى آخر تبعاً لمستوى التطور الاجتماعي والموروث الثقافي والمكون النفسي لهذا الشعب أو ذاك، ومستوى النضج الفكري والسياسي والخبرة التاريخية للحركة السياسية المعنية وأفرادها.
 
وعلى هذا الأساس نعتقد بأن عملية التقييم لمسيرة المنبر ومواقفه السياسية تتطلب قدرا أكبر من الموضوعية وهدوء الأعصاب وإلى مزيد من الوقت والحوار الداخلي. فهذا الكيان السياسي الذي ولد من رحم جبهة التحرير الوطني بعد عقود من النضال الدؤوب والتضحيات الجسام وفي ظل المشروع الإصلاحي وميثاق العمل الوطني، قد تبنى برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تقدميا يعبر عن تطلعات غالبية فئات الشعب ويؤكد على العمل تحت المظلة الدستورية وشرعيتها وبالوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المفصلة في البرنامج السياسي وبالتحالف مع القوى والشخصيات الوطنية، وهو في ذلك يعبر عن الفكر المنفتح الجامع وروح التسامح ضد كافة اشكال التمييز والإقصاء والاستبداد الفكري.
 
وكان المبادر إلى طرح مشروع الحوار الوطني للتوافق على المسائل الخلافية كي تسير عملية الإصلاح الشامل بصورةٍ سلسة تجنباً للتأزيم كالذي نعيشه اليوم ونجهدُ للخروج منه، ولقطع الطريق على أي شكل من أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للوطن، لأن أبناءه أقدر على حلّ مشاكلهم إذا ما خلصت النيات وساد العقل وأدرك الجميع أن أحدا َلا يمكنه احتكار القرار السياسي وتهميش الآخرين وأنه لن تستقيم أمور الدولة إن لم تكن عادلة مطهّرةَ من الفساد والمفسدين، وأن سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه وفصل السلطات ضمانة للعدلِ ولهيبة الدولة وثقة الناس بها وبمؤسساتها.
 
لعل أهمّ المحاور التي يتطلب التوقف عندها في المؤتمر السادس مقاربة الوضع السياسي وأسبابه وآفاق تطوره ودور المنبر والتيار الوطني الديمقراطي في هذا المسار. والمحور الثاني هو مسالة التحالفات السياسية الإستراتيجية المتصلة بتطوير النظام السياسي والاقتصادي المعبر عن مصالح الشعب وجماهيره الكادحة، والمرحلية حول قضايا آنيّة تخص المجتمع أو قطاعات معينة منه، وضرورة التوقف عند أسباب التذبذب وتكرار الأخطاء في موضوع التحالفات خاصة مع الوفاق والجمعيات الطائفية رغم سياسة الاستفراد والأنانية السياسية وإهانة الحلفاء في الخفاء والعلن. ولنا في التجارب الانتخابية والمساومات الجانبية مع السلطة في الدهاليز عِبرة. قضية التحالفات هي قضية حاضرة في المنبر منذ تأسيسه وكان في صُلب اهتمامات الجبهة في ظروف العمل السري. وبعد الثورة الإيرانية حين تصور البعض أن الثورة العالمية قد بدأت على غِرار ما يتصوره البعض عمّا يسمّى بالربيع العربي أكدت الجبهة آنذاك على ضرورة الدفع في عملية توحيد القوى التقدمية والديمقراطية واستقلالها فكريا وسياسيا عن التكوينات الطائفية التي وُضِعت لبناتها الأولى الخجولة نهاية السبعينات من القرن الماضي وتبلورت في التسعينات، وأن معيار التحالف مع هذه القوى او تلك هو قربها من برنامج التغيير الوطني والديمقراطي الذي أعلن عام 1962 والنهج التقدمي للحركة الوطنية بعيدا عن الاصطفاف الطائفي أو الديني.
 
بمعنى أننا نحن من يحدد طبيعة التحالفات التي نبنيها وشروطها وأهدافها مع من يصطف في نفس الاتجاه ونفس الخندق الفكري التحرري الجامع، وبالتالي فإنه لا يمكن لتنظيم تقدمي كهذا أن يكون مجرّد رقم في تحالف تهيمن عليه قوى بأمر الواقع على أمل أن نجني بعض الفتات وترضى علينا الناس. وهذا ما كنا نطرحه باستمرار منذ بداية المشروع الاصلاحي عن اختلاف الأجندات بين الوطني والطائفي من دون الاضرار بما تتطلبه المصلحة الوطنية من تنسيق وحوار مع كافة المكونات السياسية في القضايا المشتركة ولتعميم أجواء تصالحية في المجتمع.
 
إن تسارع الأحداث في مرحلة الميثاق وتردد فصائل وطنية أخرى في الانحياز لتحالف ديمقراطي ولأسباب آنيةٍ وانتخابية، وبسبب حساسيات المرحلة السابقة، ولعدم قيام النظام بخطوات جَادة لتعميق التحولات الإصلاحية و تلبية المطالب الملحة في المجالات المعيشية كافة وترددِها في السّير مع السلطة التشريعية لمعالجة ملفات الفساد وهدر المال العام والاستحواذ عليه، إلى جانب العامل الطائفي لدى البعض والضغوط النفسية والمادية على أبناء مناطق النفوذ الطائفي، أدّى إلى غلبة الرأي المؤيد للانضمام إلى ما سمّي بالتحالف السداسي في حينه، رغم وجود رأي آخر معارض لذلك من حيث المبدأ، ثبتت صحته بما آلت إليه الأمور منذ أحداث فبراير.
 
بعض من أصحاب الراي المنحاز إلى التحالف مع الجمعيات المعارضة دون اعتبار للثوابت الفكرية يرى أن المنبر قد عزل نفسه، بينما يذهب آخرون أبعد من ذلك ليتهموه بالاستسلام وربما بالخيانة. لسنا في هذا المقال في مجال معالجة هذه المسالة الشائكة فمكانها المؤتمر، ولكنها بلا شك أكثر المواضيع حساسية وإلحاحا وتتطلب مقاربة نقدية بنّاءة. لقد كان النقد والنقد الذاتي من أساسيات العمل التنظيمي للأحزاب الوطنية والتقدمية وبنداً إلزامياً في النظام الداخلي للجبهة وهو كذلك اليوم في المنبر ينبغي التمسّك به في كل الظروف. غير أنه، وليؤدي هذا المبدأ التنظيمي وظيفته، ينبغي تجريده من الذاتية والتعصب وازدراء الرأي الأخر والتشهير به والتكتل ضدّه. إن هذه الممارسات غريبة عن حياة الأحزاب التي تناضل من أجل الديمقراطية والتداول السلمي الحضاري للسلطة سياسيةَ كانت أم مجتمعية. والنقد والنقد الذاتي هو من أجل تعزيز بنية الحزب والحفاظ على بوصلته التي تتعرض للاهتزاز بفعل الواقع والعامل الذاتي. من لا يعمل لا يخطىء. والتنظيم السياسي شأنه شأن أي تنظيم مدني إنما يقام للعمل ولتحقيق أهداف محددة بالتفاعل مع المجتمع بهدير حركته وزخمها والتي قد لا نستوعبها في اللحظة الراهنة فنرتبك في التعاطي معها. ونقول أن أي حوار داخلي واختلافات في المواقف ينبغي أن يوجّه نحو الحفاظ على وحدة المنبر تنظيما وفكرا بالتغلب قدر الإمكان على التعقيدات البنيوية لتركيبته من أناس يتفقون في الفكر ويختلفون كبشر ما عدا ذلك.
 
المنبر هو تنظيم طوعي اختار أعضاؤه توحيد إرادتهم فيما يرونه من فكر ونهج لمصلحة الوطن وجماهير الشعب وهو جسم حيّ يعج بالحركة والتناقضات التي ينبغي أن تبقى في ظلّ الوحدة. وفي تقديري فإن هذا المطلب، وهو بند آخر على جدول الأعمال، هو حاجة بل وضرورة وطنية تهمّ كل الحريصين على التيار الديمقراطي بوصفه وعاءاً جامعاً لكل مكونات المجتمع ولمصلحتهم ومصلحة أبنائهم ومستقبلهم دون تمييز، ولمصلحة الحفاظ على المكاسب الوطنية والحضارية للمجتمع البحريني وتطويرها. وفي لحظة كهذه سيكون المنبر في حاجة إلى عون الأصدقاء وصبرهم وحكمتهم وليكونوا عوناً له في هذه المحنة الوطنية التي تتطلب وحدة الصف ونشر ثقافة الحوار فالمهام الوطنية جسيمة ودور التيار الوطني الديمقراطي محوري على المدى المنظور وفي الآتي من الزمن وقد برزت معالم تناقضاته بين قوى التنوير وقوى الظلام.
 
الأيام   21 أبريل 2012
 

اقرأ المزيد