المنشور

الاستفراد بالوطــن


يبدو أن جماعة المتمصلحين من الوضع القائم، بعد أن استولوا على ما يمكنهم الاستيلاء عليه من مناصب كان يشغلها أفرادٌ من طائفة أخرى، بحيث أصبح السواد الأعظم من المسئولين في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية من تيارات سياسية وفكرية ذات صبغة واحدة، بدأوا الآن في الاستيلاء على المناصب التي يشغلها أفراد من طائفتهم نفسها، لكن ممن لا يشاركونهم أفكارهم الإقصائية. فالغنائم التي حصلوا عليها خلال الفترة المكارثية البحرينية لم تعد تكفيهم، كما أن هذه المغانم لم تصل حتى الآن إلى جميع أتباعهم ومريديهم.
 
ولذلك بالنسبة إليهم، لابد من الحصول على المزيد من الغنائم حتى وإن كانت على حساب أبناء طائفتهم، بشرط ألا يكونوا من التابعين.
 
في الفترة الأخيرة، حصلت بعض التغيرات في مؤسسة شبه رسمية وتم استبدال أحد الرؤساء المشهود لهم بالكفاءة والانضباط والمسئولية، وإحلال محله رئيسة للقسم الذي كان يديره، لمجرد أن هذا الرئيس ليس من المحسوبين على تيار معين، وليس لديه ظهر يسنده، في حين أن من حلت مكانه لها أكثر من جدار تستند عليه. كما يتم الحديث عن قصص مشابهة في عدد من المؤسسات الرسمية، كما اتَّهم مجلس بلدي العاصمة الجهاز التنفيذي (بلدية المنامة) بـ «مخالفات قانونية شابت توظيف 14 موظفاً في البلدية»، من دون أن يتلقى المجلس البلدي أية مستندات بخصوص الإجراءات التي اعتمدها الجهاز التنفيذي في عمليات التوظيف أو أن يعلن هذه الوظائف.
 
ما يحدث الآن من الاستيلاء على الوظائف العامة والمؤسسات الرسمية والأهلية لأطراف محددة؛ لا يمكن إلا أن يجُرَّ البلاد إلى المزيد من الفساد المالي والإداري، والمزيد من التراجع والتخلف. فلا يمكن أن تحكم البلاد من قبل طرف أو تيار واحد من دون أن يقدّم مصالحه على مصلحة الوطن، ومن دون أن يحاول إقصاء الجميع ليظل هو المهيمن الوحيد وصاحب القرار الأوحد.
 
لنا أن نتخيل البحرين بعد خمس سنوات من الآن حين يتحكم طرف واحد ذو أفكار رجعية بجميع مفاصل الدولة، وكيف سيكون الوضع حينها، عندما يسيطر هذا الطرف على مجلس النواب والمجالس البلدية والمناصب العليا في الدولة والجمعيات الأهلية.
 
هذه الفترة أصبحت لمن يسمون بتجار الحرب؛ فترة اغتنام الفرص والوصول إلى المراكز العليا والغنى والشهرة، كل ذلك يحدث في غفلة من البعض وتواطؤ من البعض الآخر.
 
إن الاستفراد بالوطن واعتباره غنيمة حرب يحصل المنتصر فيها على جميع الغنائم في حين يعامل فيها الطرف الآخر كما يعامل الأعداء المهزومون، لا يمكن أن يبني وطناً مستقرّاً، ولا يمكن أن يعيد اللحمة الوطنية بين أبنائه أو أن يكون وطناً للجميع.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 20 أبريل 2012م
 

اقرأ المزيد

الانتلجنسيا العربيــة


جاءت حوادث الانتفاضات العربية الشعبية ضد الاستبداد وتوابعها وتداعياتها المستمرة، والتي ذهبت مصطلحا متداولا عربيا وعالميا، اسمه “الربيع العربي”، جاءت مفاجئة وصادمة للجميع، بمن فيهم ممثلو الانتلجنسيا العربية (المحسوبين على الوسط الثقافي العربي الواسع)، خصوصا لجهة سعة نطاقها والقوى الاجتماعية العريضة ذات المشارب المختلفة المشاركة فيها، ولجهة فرضها حالة من الفرز العميق الذي أملته المواقف المتباينة التي حتمتها ظروف المرحلة على جميع مكونات المجتمع العربي وأطيافه المختلفة، ما كشف عن المآل الهش الذي انتهت اليه علاقات القوى المجتمعية على المستوى الكلي المجتمعي في خضم الحراك العارم ذي المباعث العرقية والطائفية والمذهبية الذي تعرضت له المجتمعات العربية على مدى العقدين ونيف الماضيين.
 
واذا كانت الشرائح المجتمعية الشبابية العريضة قد أثارت اعجاب وانبهار العالم أجمع بأدائها المبهر وحراكها الدؤوب والجسور في احداث النقلة النوعية في ستاتيكية البنى السياسية القائمة، فان أداء الانتلجنسيا العربية خلال عملية المخاض العسيرة التي عاشتها ولازالت المجتمعات العربية منذ مطلع العام الماضي هو الذي كان محيِّرا ومثارا للدهشة والجدل ليس فقط داخل الاقليم العربي وانما خارجه أيضا.
 
ورغم أهميتها في الرصد المعرفي التراكمي الضروري لاعمال التفكير والقياس والتقييم، فان القراءات المحلية التي لا تستطيع، بحكم الموروث الثقافي الغائر في اللاوعي الجمعي، الابتعاد عن بيئتها التي لازالت مشدودة الى ثقافة الفزعة والكيدية والغائية السياسية، ليست المصدر الوحيد الذي عكس تلك الحالة المتشظية التي بدت عليها – ولازالت – الانتلجنسيا العربية ابان التحولات العاصفة الي تمر بها المنطقة العربية. حتى المصادر الغربية هي الأخرى لاحظت باستغراب في قراءات تُقارب الموضوعية ذلك الغياب أو التواجد الهزيل للانتلجنسيا العربية عن أحداث “الربيع العربي” التي مارت ولازالت تمور بها الساحة العربية. في 29 اكتوبر 2011 كتب “روبرت وورث” في “نيويورك تايمز” عن غياب الانتلجنسيا العربية عن الربيع العربي بسبب ما أسماه “عقود من القمع من جهة وتغول الارثوذكسية الاسلامية السياسية من جهة ثانية”، مضيفا “أن كثيرين منهم منفيون رسميا أو قسرا واضطرارا ما أبعدهم عن التفاعل والمشاركة الفاعلة في حراك مجتمعاتهم”. وبموضوعية محقة يجد “وورث” الأعذار لما آل اليه حال المثقفين العرب من ضعف وتراجع وتهميش، اذ يقول بأن “التحول من القومية الى مطالب حقوقية مدنية والى الديمقراطية كان دوما حاضرا في خطاب المثقفين العرب. ولكن لغتهم العلمانية لم تجد لها أرضا خصبة في ظل تغول الاسلام السياسي”. ويستطرد في القول أن “حسن حنفي طالب في ثمانينيات القرن الماض باعتماد مقاربة العدالة الاجتماعية من داخل روح وفلسفة الاسلام في بناء الأوطان والمجتمعات فتلقى تهديدات بالقتل، وانه في حين وجدت أفكاره هذه لها صدى واسعا في بلاد بعيدة مثل اندونيسيا فانها حوربت في بلاده”.
 
وهناك تقييمات أخرى أقل تفهما وأكثر صرامةً في تناولاتها، السطحية العابرة والأخرى الرصينة العميقة، للموقف الملتبس، بوجه عام، للانتلجنسيا العربية ابان وبعد زوابع “الربيع العربي”. بعض تلك التقييمات يذهب الى أن كثيرا من ممثلي الانتلجنسيا العربية اختاروا بمحض ارادتهم نفي أنفسهم وهم داخل أوطانهم والنأي بها عن “مَواطن الزلل” والتوريط، فيما اختار آخرون مواصلة اجترار الماضي “التليد” الذي لا يكلف المرء عناء مشاركة الناس هموم البحث عن مخارج لمآزقهم التاريخية في النمو والتقدم المستدام. ويقارن بعض أصحاب هذه التقييمات بين الدور القيادي الذي لعبته الانتلجنسيا في أوروبا الشرقية في احداث التحولات الديموقراطية الكبرى أوخر ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي وبين دور التابع لحركة الاحتجاجات الشعبية العارمة الذي اكتفى به القسم الأعظم من الانتلجنسيا العربية في أحداث “الربيع العربي”. وهناك من الذين قرأوا واجتهدوا، من منطلقات تقييم منهجية وغير منهجية، مختلفة، في محاولة منهم لتفسير تلك التحولات اللافتة في الأوضاع العامة والخاصة لأوساط متباينة السعة والحجم من الانتلجنسيا العربية.
 
والواقع أن من الصعب النظر الى الانتلجنسيا العربية ككتلة واحدة متجانسة، فأفراد أوساطها ينتمون الى فئات اجتماعية ومنابت ومشارب مختلفة ومتباينة بتباين مواقعها المتفاوتة من الحيازات والمِلكيات والمصالح وتباين حظوظها التعليمية وامكاناتها الفكرية المؤسسة علميا.
 
وهذا ما يجعل من مسألة اختزال حالتها ووضع كافة عناصرها في سلة واحدة واخضاعها من ثم للفحص والتقييم، عملية مخلة من الناحيتين المنهجية والموضوعية. فهناك من شاركوا في الربيع العربي، من دون بخل بكل امكانياتهم وبكل أريحية واخلاص، وذلك فاءً لمناقبياتهم الانسانية التي لطالما انتظروا الفرصة التاريخية لتجسيدها فعلا حيا على الأرض، وهناك من شاركوا بهمة كجنود مجهولين وسط الموج الجماهيري الهادر، وهناك من آثر السلامة بالوقوف على الحياد لحكمة في النفس لا يعلمها سوى صاحبها وفحواها قول الشاعر “رب يوم بكيت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه”، وهناك من “صنعوا المفاجأة” الفارقة بتحولهم الدرامي الى عصبتهم ما قبل الحداثية ومكونهم الاجتماعي السابق لمعتنَقاتهم الوجاهية، فكان أن أغرقوا أنفسهم في تهويمات متهالكة غير مفهومة تتوسل أعاجيب التسويغات والتبريرات لبهلوانياتهم المنافحة عن انحيازاتهم العجيبة لاستمرار حالة الاستبداد، في حين انهم كانوا في حقيقة الأمر ينافحون عن تحقيق ذواتهم واستمرار تأمين مصالحهم الكامنة على ما بدا في ضمان استمرار “بقاء الوضع على ما هو عليه”. وبذا تكون الانتماءات العرقية والطائفية والمذهبية قد تغلبت على ما عداها من انتماءات اتضح انها لم تكن سوى بزات “ميري” للتأنق والتمظهر بما تستلزمه موجبات “الكشخة” الوجاهية السياسية والأدبية والفكرية، مثلما تبين أيضا أن المصالح الشخصية المرتبطة بالامتيازات التي تحوزها العصبة المجتمعية المعينة، لها الغلبة على ما عداها من أنساق قيم ومناقبيات انسانية كونية مشتركة، ذلك ان المشترك، كما هو معلوم، في كل تلك الانتماءات العصبوية، أو كما هو مفترض على الأقل، هو المحتوى الانساني لعلاقات البشر بغض النظر عن البقعة الجغرافية التي يتواجدون فيها وبغض النظر عن لونهم وجنسهم وما الى ذلك، فهذا المكون المناقبي الرفيع لم يستطع استقطاب سوى النزر اليسير من الانتلجنسيا العربية.
 
ويمكن القول عطفا على ما تقدم أن زوابع الربيع العربي” قد كشفت عن الآتي:

  • مدى الضعف البنيوي الفكري غير المؤسس منهجيا ومدرسيا لكثير من المحسوبين على الوسط الانتلجنسي، ناهيك عن تكشف حجم الانفصال بين الوعي بالقيم الايجابية الأولية لمستلزمات التقدم الانساني وبين الايمان بها.
  •  حجم التحولات الاقتصادية التي أصابت البنى الاجتماعية والتي انعكست بالضرورة على الأوضاع الحياتية لشرائح المجتمع العربي المختلفة وبضمنها الانتلجنسيا.


 
حرر في 20 أبريل 2012
 

اقرأ المزيد

نحـن وإيـران


رأى المنبر التقدمي في البيان الذي أصدره، منذ أيام، حول الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى جزيرة أبوموسى الإماراتية المحتلة من قبل إيران، هي وجزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى، أنها في توقيتها ومغزاها تحمل رسالة سلبية الدلالة على إصرار إيران على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، التي سبق للشاه أن احتلها في بداية سبعينيات القرن الماضي، واستمر نظام الجمهورية الإسلامية في احتلالها، رافضاً كل الدعوات المخلصة التي أطلقتها دولة الإمارات والدول الخليجية والعربية لتسوية الموضوع في إطار القانون الدولي، وانطلاقاً من السيادة المعترف بها لدولة الإمارات على هذه الجزر العربية.
 
وجاءت تصريحات الرئيس الإيراني خلال زيارته للجزيرة لتؤكد النوايا التوسعية لإيران في المنطقة، وتعيق الجهود البناءة لإقامة علاقات التعاون وحسن الجوار بين دول الإقليم الخليجي العربية وبين إيران، ولتضيف عامل توتر جديد في العلاقات الإيرانية الخليجية، التي يجب أن تتأسس على قواعد احترام سيادة الدول القائمة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
 
هذه الزيارة تؤكد بواعث القلق في المحيط الخليجي من تنامي الدور الإقليمي لإيران، وسعيها لامتلاك عوامل قوة إضافية، ويمكن العودة إلى الوراء بعض الشيء لتذكر أن عوامل الريبة أو عدم الاطمئنان في المحيط الخليجي تجاه إيران ليست وليدة الساعة، ولا ترتبط بقيام الجمهورية الإسلامية، فحتى في عهد شاه إيران كانت هذه العلاقة محاطة بجو معقد، رغم العلاقات الطيبة التي كانت تربط النظام الشاهنشاهي بالدول الغربية عامة، وبالولايات المتحدة خاصة والتي كانت مصدر التسليح الرئيسي لطهران.
 
علينا في هذا السياق تذكر المطالبة الإيرانية بضم البحرين والتي جرى احتواؤها دولياً من خلال استطلاع للرأي قامت به الأمم المتحدة في البحرين للوقوف على تطلعات شعبها وقواه الاجتماعية والسياسية، التي عبرت بقضها وقضيضها عن تمسكها بعروبة البلاد ورغبتها في أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة.
 
لكن مطامح ومطامع إيران التوسعية لم تتوقف، فما كاد ملف البحرين يسوّى حتى سارعت إيران إلى احتلال الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة وسط غض طرف مقصود من القوى الدولية المعنية، فسّر في حينه بأنه أشبه بالتواطؤ أو حتى الصفقة مع الشاه.
 
لم تُعِد الجمهورية الإسلامية النظر في مجمل السلوك التوسعي للشاه وتنسحب من الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلها، بل إن أصوات نافذة في النظام الجديد في السنوات الأولى للجمهورية الإسلامية أعادت المطالبة بضم البحرين، وما فتأت مثل هذه الأصوات تنطلق بين الحين والآخر في طهران.
 
ما من قوة محلية أو إقليمية استفادت من مجمل التطورات التي حدثت في المنطقة باحتلال العراق بعد سقوط العاصمة بغداد في التاسع من ابريل / نيسان عام2003 أكثر من إيران، التي خدمها صعود القوى السياسية الجديدة إلى السلطة في العراق، وهي قوى تشدها إليها أواصر قربى مذهبية وسياسية، مكنت من تنامي النفوذ الإيراني إقليمياً، وترافق ذلك مع صعود القوى الأكثر تشدداً داخل المؤسسة الحاكمة هناك، التي وجدت في الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد الصوت «الشعبوي» الممثل لها، وفي نطاق هذا النهج تأتي الزيارة الاستفزازية لنجاد للجزيرة الإماراتية المحتلة.
 
19 ابريل 2012
 

اقرأ المزيد

الاستثمار المعطل


ان تعلن شركة المواشي، انها تنتظر منذ 5 سنوات تخصيص أرض من الحكومة لإقامة حظائر جديدة ومسلخ جديد. وان تعلن قبلها شركة «اسماك» أنها هي الاخرى في انتظار الموقع المناسب للاستزراع السمكي لمباشرة أعمالها. وان يعلن مستثمرون من جنسيات متعددة «بحرينية وعربية واجنبية» تعرضهم الى ما قد يعد مخالفة صارخة من قبل أحد ملاك الأبراج السكنية بمنطقة الجفير الذي يماطل في تسليمهم شققهم منذ ثلاث سنوات. وان يعلن تعطيل اكثر من مشروع تجاري وصناعي بسبب اعتراضات من اعضاء مجالس بلدية، وان يخضع بعض النواب الشأن الاقتصادي لاعتبارات اللعبة السياسية، ويتعاملون مع هذا الشأن وكأنهم في حملة انتخابية وما يترتب على ذلك من مزايدات هي بالنهاية تسيئ الى كل جهد ايجابي على الصعيد الاستثماري، والاقتصادي.
 
وان.. وان.. وان، فإن ذلك يعني ان ثمة خلل في بيئة الاعمال والاستثمار التي تعلن الحكومة دوما دعمها وتوفير كل محفزات النمو لها وسعيها الى تذليل المعيقات التي تقف احيانا بصلابة حائط الصين العظيم في وجه تطور هذه البيئة. هو خلل يتوجب التصدي له على وجه السرعة والا ستظل الفجوة قائمة بين الاقوال والافعال، وهذا يعني الكثير مما هو غير ايجابي في أوساط المستثمرين، ويسيئ الى مصداقية التوجهات المعلنة الداعمة لبيئة الاعمال والاستثمار.. وطالما التوجه يمضي نحو بناء سياسات جديدة تدفع باتجاه توفير البيئة التي تمتلك المقومات الكفيلة بجذب وتعزيز ثقة اصحاب الاعمال والمستثمرين اليها، فإن الضرورة والمصلحة يقتضيان سرعة الحسم في التصدي لهذه المعوقات البيروقراطية، ومنها ايضا تلك التي تم تداولها في اكثر من مناسبة، ومنها حوار التوافق الوطني، وهو معوقات تتصل بالشفافية، ومحاربة الفساد وكفاءة النظام القضائي وسرعة البت في المنازعات التجارية والقضايا الاستثمارية…. الخ..
 
إننا اليوم في بيئة اقليمية وعالمية شديدة التنافسية على جذب المستثمرين وتوفير كل التيسيرات والتسهيلات لهم، ولابد من العمل على فهم طبيعة ما يواجه الواقع الاستثماري الراهن من بيروقراطية إدارية أكد سمو رئيس الوزراء في الاونة الاخيرة وفي اكثر من مناسبة على مواجهتها، فإن المطلوب آليات عمل وحلول عملية تمهيدا لمواجهة جادة وحازمة وفاعلة لكل ما يواجه مناخ الاستثمار من معوقات. وما دمنا نتحدث عن الاستثمار فلابد من التأكيد بأن الرهان على جذب الاستثمارات الخارجية العربية والاجنبية اذا لم يقترن بزيادة استثمارات ابناء البلد فهو رهان خاطئ. ولابد كذلك من ادراك أهمية عنصر الوقت، وعنصر الثقة لأي تطوير في اي حديث عن الاستثمار.
 
19 ابريل 2012

اقرأ المزيد

التنويـــــر والديـــــن


هل ذلك الفريق من خصوم التنوير يتحركون – فعلاً – من الغيرة على الدين وعلى الاخلاق والقيم ام ان عجزهم عن فهم معنى التنوير يدفعهم الى ذلك الخلط واطلاق احكام دون بينة او اثبات وبرهان؟ هذا السؤال طرحه الباحث حلمي النمنم في دراسته حول التنوير والدين.. والدافع كما يرى نمنم الى طرح مثل هذا السؤال يعود الى منشأ هذا الفهم المشوش والمسطح للتنوير اي يعود الى ان كثيرين هنا لا يدركون من التنوير غير النموذج او التجربة الفرنسية في التنوير خلال القرن الثامن عشر، قرن الثورة الفرنسية وفلاسفتها من امثال فولتير وروسو وديدرو والواقع ان التنوير الفرنسي كان احتجاجاً قوياً واعتراضاً حاداً على سلطة الكنيسة ونفوذ رجال اللاهوت الذي كان طاغياً لقرون.
 
وبالاضافة الى ذلك يسترسل الباحث في عرض موقف التنوير من السلطة السياسية في فرنسا اذ كان واضحاً, ناهض تلك السلطة وعمل على تقويضها حيث اسهم اسهاماً كبيراً في قيام الثورة ومن ثم اسقاطها لتحل الجمهورية محلها، وبعد الثورة حين استبد فريق من الثوريين ومارسوا القمع الثوري كما فعل «روبسبيير، الذي انطلق في الانتقام والتخلص من الخصوم، وقف التنويريون ضده، اي ان التنوير كان ضد الاستبداد والتسلط ايا كان مصدره سياسياً ام كهنوتياً دينياً.
 
ومن جملة ما وصل اليه الباحث في هذه الدراسة انه ليس هناك قالب للتنوير تؤخذ وتنفذ حرفياً ومن يتصور ذلك مخطئ سواء كان من السلفيين او حتى من التنويريين انفسهم. فالنموذج الاحادي ضد التنويري ولكن هناك تجارب وحالات عديدة اي التعدد في الفهم والرؤى فضلاً عن ان الباب مفتوح لتجارب اخرى جديدة قد تكون مغايرة لما سبق وبين هذه التجارب عناصر مشتركة تتمثل في اطلاق حرية العقل للتفكير وقدرة الفعل الانساني على التجريب والبحث عن الجديد وهو ما فتح الباب امام التطور العلمي والنهضة الصناعية في دول الغرب ويضيف: وقبل كل هذا وبعده لابد من الاصرار على حرية الانسان وحماية تلك الحرية، الحرية في القول وفي الفعل، فلا يجب ان يُمارس على الانسان استبداد سياسي او محاكم تفيتش تكبل روحه وتقيد مشاعره ويترجم هذا كله في بناء دولة مدنية تقوم على التعددية تضمن حرية الانسان وتحميه من التسلط السياسي او التسلط الاجتماعي باسم التقاليد والذي يترتب عليه النفاق والتدين الكاذب وفي النهاية تحمي الانسان من التمييز على اساس الجنس (رجلاً وامرأة) او على اساس الدين او العرق او اللون فحدوث ذلك التميــيــز هــو الظلاميـــة بعينهـــا والتنويـــر الحق عليـــه التصــدي لكــل هـــذا.
 
ويتحدث نمنم في هذا البحث عن النموذج او التجربة المصرية للتنوير ومدى تأثرها بالتجربة الفرنسية في حين يرى انه ما يلفت في التجربة المصرية عدة امور في مقدمتها ان حركة التنوير ظهرت من داخل مشروع الدولة الحديثة الذي بدأه وتبناه محمد علي ومن بعده اسماعيل امتداداً الى القرن العشرين، كما تحدث عن رواد الاستنارة في مصر مثل رفاعة الطهطاوي، محمد عبده، علي عبدالرزاق، طه حسين، محمد حسين هيكل وغيرهم.
 
وكذلك يتحدث عن رواد التنوير ذوي الاصول الازهرية في تعليمهم وثقافتهم مثل حسن العطار اول دعاة التنوير. ومع ذلك يقول: لا يعني ذلك ان الازهر بارك التنويريين على طول الخط ولا يمكننا القول ان التنوير خرج من معطف الازهر فقد كانت هناك مشاكل واعتراضات باستمرار وصلت الى حد تكفير بعض المتشددين من علماء الازهر للشيخ محمد عبده والشيخ علي عبدالرزاق!! لكن نحن اليوم ازاء حملة شرسة ضد التنوير اذ تعتبر التنوير كفراً صريحاً وقد اسفرت هذه الحملة عن اغتيال د. فرج فودة في صيف سنة 1992 ثم محاولة اغتيال نجيب محفوظ سنة 1994 ولازال مناخ التحريض قائماً ويزداد قوة وكثافة عاماً بعـد عــام.
 
اما لماذا هذه الحملة؟ وما اساسها؟ ومن يقف وراء هذه الحملة؟ يقول الباحث: يقف وراء هذه الحملة تيار لديه فهم خاص للدين والايمان، تحديداً الدين الاسلامي هؤلاء يضعون معادلة تقوم على صياغة قاطعة وهي ان تؤمن بالله وتعتنق الاسلام يساوي ان تؤمن بقيام الدولة الدينية وفقاً لآيات الحاكمية في القرآن فاذا لم تؤمن بالحاكمية تبدد اسلامك وصرت في عداد الكفار في حين التنوير يدعو للعمل على بناء الدولة المدنية ولهذا السبب وحده جرى اهدار دم فرج فودة واغتياله.. والمعنى ان التنوير ورجاله سوف يبقون في دائرة الاتهام والتكفير الى ان تتغير الظروف والمعطيات القائمة.
 
ألأيام 21 ابريل 2012

اقرأ المزيد

نفوس مثقلة بالأسى


نص بليغ لجان بول سارتر يقول: إن الانفعالات تعتمل في الجسد فتحدث به ما يفعله السحر. لو أن سارتر طور هذه المقولة بعض الشيء فدرس علاقة هذه الانفعالات بالإبداع لكان قد أسعفنا على مقاربة أثر الحزن والكآبة في الأعمال الخالدة لكبار الفنانين والمبدعين، ليس لكون الحزن هو واحد من هذه الانفعالات التي تحدث في الإنسان الهلاك والضياع، وإنما ذلك الحزن النبيل، الجليل الذي يشف عن درجة عالية من الحساسية والرهافة التي تسم نفوس المبدعين الكبار، فتمنحهم مهارات أعلى في التقاط ما هو إنساني والتعبير عنه.
 
في الغالب الأعم فإننا نحتفي بالفرح ونميل لإبراز منجزات الحضارة الإنسانية في مجالات الفنون والأدب والعمارة وسواها بصفتها دليلاً على نبوغ العقل البشري، وإقبال البشر على الحياة، لكن من النادر جداً أن يجري الالتفات إلى المعاناة العميقة للمبدعين الذين اجترحوا مآثر هذه المنجزات، وما الذي أحاق بهم من ملابسات جعلت حياتهم ملأى بالكثير من الحزن وحتى الوجع في معناه الإنساني المعنوي وليس الحسي بالضرورة.
 
يسعى مؤلف كتاب عن تكوين الانفعالات في الحياة الاجتماعية لإثارة سؤال كبير عن أولئك البشر المجهولين الذين صنعوا الحضارات الكبرى في آشور وبابل ومصر الفرعونية وفي بلاد الإغريق. نحن نعرف أسماء الملوك والأباطرة والغزاة لكننا لا نعرف اسم الفنان الذي نحت تمثال أبي الهول مثلاً، أو أولئك الذين أقاموا المسلات والجداريات الكبرى: هل تعكس البهجة البادية في الكثير مما خلفته الحضارات العظمى القديمة أن من أبدعوها كانوا على الدرجة ذاتها من البهجة، أم أن خلف ذلك تختفي نفوس مكسورة مثقلة بالأسى والألم؟ ذلك ما يتعين إعمال العقل فيه.
 
النقاد يقولون إن سبب نشوء علم النفس الحديث يعود إلى انتشار الحزن وتغلغله في النفس البشرية وكذلك في المجتمع، مما استدعى تدابير علاجية يقوم بها المختصون للتخفيف من معاناة أولئك البشر الذين تداهمهم الكآبة أو الحزن فينزعون نحو العزلة والانسحاب من الحياة. في وقت لاحق سيستفيد النقد من منجزات علم النفس ليرى في ما أبدعه الفنانون والكتاب الحزانى تعبيراً عما تختزنه الطبقات الدفينة في نفوسهم من مشاعر الأسى والقلق وربما الخوف أيضاً، فيقيمون في إبداعاتهم عالماً موازياً بديلاً تذهب فيه مخيلاتهم الخصبة حدوداً بعيدة.
 
18 أبريل 2012

اقرأ المزيد

الغــش التجـاري


لا زال مشروع قانون الغش التجاري الذي نفترض انه خطوة تستهدف التوازن بين مصالح الاطراف المعينة بالقانون ويحدد عقوبات على مخالفي احكامه عبر تجريم الافعال الداخلة في الغش التجاري سواء بالنسبة للسلع الغذائية او المنتجات والعقاقير الطبية ويحدد معايير استيراد السلع وبيعها بهدف حماية المستهلك والمجتمع من الاثار الضارة لسوء التعامل معها.
 
هذا المشروع لا زال ومنذ مدة طويلة مطروحا على طاولة السلطة التشريعية ، وبات واضحا بان اقراره سيأخذ مدة طويلة اخرى، فمجلس الشورى في جلسة يوم امس الاول تداول 4 مواد من المشروع، ثم قرر عودة المشروع بالكامل الى تشريعية الشورى بهدف اعادة دراسته ولإشباعه مداولة داخل اللجنة..!!، هذا بالضبط ما اعلن، الامر الذي يوحي بان اللجنة المذكورة، لم تجري الدراسة الكافية والمستفيضة للمشروع ولبنوده مما اثار بحسب ما اعلن «جدلا كبيرا بين الشوريين والشوريات حول المادة الاولى التي تضمنت تعريفات القانون» لينتهي الجدل باعادة كل المشروع الى اللجنة..!!
 
ليس بيت القصيد هنا هذه النتيجة التي خلصت اليها تلك اللجنة، ولا المدة الزمنية التي بقى فيها مشروع القانون متداولا في مجلس النواب والشورى، ولكن ما اردنا التأكيد عليه هو ضرورة اقرار هذا المشروع على وجه السرعة، وعلى السلطة التشريعية ان تضع هذا المشروع في صدارة مشاريع القوانين التي يتعين اقرارها بأسرع ما يمكن في اطار استهداف خلق منظومة متكاملة تحمى المستهلك من الغش التجاري.
 
ان ظاهرة الغش التجاري اصبحت سمة مميزة لكثير من الانشطة التجارية في ظل روح تنافسية استشرت في جسد السوق العالمية، التي افرزت ايقاعات سريعة ادت الى ظهور صناعة غير متقنة، وسلع رخيصة مقلدة، لا تتقيد بالمواصفات والمقاييس، وبجانب مظاهر التلاعب بأنواع المواد الخام، وتلاعب في صلاحية المنتج، وادوية مغشوشة عديمة الفائدة، ويكفي ان نعلم ان قيمة البضائع المقلدة والغش التجاري عالميا قدرت بنحو 780 مليار دولار سنويا مشكلة نسبة تراوح بين 5 و10% من قيمة التداول التجاري العالمي، وتخطت قيمتها في الدول العربية 50 مليار دولار، فيما هناك تقديرات اخرى بان حجم الخسائر الناجمة عن الغش التجاري على المستوى العربي بلغ 88 مليار دولار و2200 مليار دولار على المستوى العالمي.
 
قبل ايام فقط نشر بان 60% من مواد البناء في المملكة العربية السعودية مغشوشة، ولكم ان تتخيلوا تداعيات هذا الغش في قطاع حيوي وبالغ الاهمية، ولا يمكن الجزم بان السوق البحريني يخلو من هذا النوع من الغش وغيره في مختلف المجالات، رغم الجهود الكبيرة والمقدرة لوزارة الصناعة والتجارة. لضبط انواع الغش. اننا اليوم في حاجة الى بناء منظومة متكاملة من التشريعات والآليات والنظم التي تحيمنا من الغش التجاري.



18 أبريل 2012
 

اقرأ المزيد

بعيداً عن الأضواء أفريقيا تصنع معجزتها الاقتصادية


في الوقت الذي تصارع فيه الولايات المتحدة من أجل إبعاد دينامياتها الاقتصادية الأساسية عن التأثيرات الضاغطة لأزمة مديونيتها وأزمة عجز موازنتها العامة، وفي الوقت الذي تواصل فيه القيادات الأوروبية للدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، عقد اجتماعات متتابعة، للحيلولة دون سقوط اليورو بعد تنقل شبح الإفلاس من اليونان إلى البرتغال وأسبانيا وإيطاليا وأيرلندا .. في هذا الوقت تواصل بقية المراكز والأقاليم الاقتصادية العالمية توسعها الإنمائي الطموح.
 
الأمر لا يقتصر على الاقتصادات والأقاليم الصاعدة المعروفة، مثل الصين والهند ورابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي قررت بالمناسبة تسريع عملية إقامة سوقها المشتركة لتفادي آثار أزمة اليورو وتباطؤ الاقتصادات الغربية الكبرى، الأمر يشمل هذه المرة القارة السمراء.
 
نعم القارة الأفريقية التي لطالما أهملها المستثمرون ولم يولوها أي اهتمام في الماضي، نجحت أخيراً في تغيير الصورة النمطية عنها في أجهزة الميديا بفضل الأداء المتميز الذي حققته اقتصاداتها في السنوات العشر الأخيرة المنتهية حتى عام 2010. بل إن 6 دول من أصل 10 أسرع دول نمواً في العالم خلال الفترة من 2001 إلى 2010، كانت من دول القارة الأفريقية جنوب الصحراء.
 
من دول مجموعة بريك (البرازيل، روسيا، الهند الصين BRIC) وحدها الصين كانت ضمن قائمة العشر دول الأسرع نمواً في العالم، حيث احتلت المرتبة الثانية بمعدل نمو بلغ متوسطه 10.5%، فيما احتلت انغولا المرتبة الأولى بمعدل نمو بلغ متوسطه 11.1%. والدول الخمس الأخرى الأفريقية هي نيجيريا بمعدل نمو بلغ 8.9%، أثيوبيا 8.4%، تشاد 7.9%، موزمبيق 7.9%، وراوندا 7.6%.
 
وبحسب نفس المصدر السابق وهو صندوق النقد الدولي، فإن توقعاته تذهب إلى أن القارة الأفريقية سوف تستحوذ في السنوات الخمس القادمة على المراكز السبعة الأولى من بين أسرع 10 دول نمواً في العالم، بعد أن كانت على مدى عقدين من الزمن (من عام 1981 – 2000) لا تشغل سوى مرتبة واحدة من بين الدول العشر الأسرع نمواً في العالم، وكانت من نصيب أوغندا مقابل 9 دول من القارة الآسيوية.
 
وللمقارنة فقط فإن الدول الأفريقية جنوب الصحراء حققت معدل نمو اقتصادي خلال العقد الأخير بلغ متوسطه 5.7% مقارنة بمتوسط معدل نمو حققته خلال العقدين الأخيرين لم يتجاوز 2.4%. وبذا فإن معدلات نمو الدول الأفريقية جنوب الصحراء تتجاوز متوسط معدل نمو بلدان أمريكا اللاتينية البالغ 3.3%، ولا تتخطاها سوى اقتصادات البلدان الآسيوية الصاعدة بمتوسط معدل نمو بلغ 7.9%، مع ضرورة التنويه هنا إلى أن معدل الـ 7.9% يتضمن الأداء الاستثنائي لكل من الاقتصاد الصيني والاقتصاد الهندي، ذلك أن معظم الاقتصادات الآسيوية الصاعدة مثل كوريا الجنوبية وتايوان قد حققت نمواً بلغ 4%.
 
وتذهب التوقعات إلى أن القارة الأفريقية سوف تتصدر سباق الدول الأسرع نمواً في العالم في السنوات الخمس المقبلة, وتتخطى بذلك القارة الآسيوية التي ظلت تقليدياً في الصدارة. ويتوقع ستاندرد تشارترد بنك بأن ينمو الاقتصاد الأفريقي بمعدل 7% سنوياً في المتوسط في السنوات العشرين القادمة بما يتخطى قليلاً متوسط معدل النمو الصيني.
 
ومع أن نمو إجمالي الناتج المحلي لا يعكس بالضرورة حقيقة صورة مستوى الرخاء الاجتماعي، مثلما هو الحال في حالة بلدان القارة الأفريقية، حيث ظلت حصة الفرد في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي (Real Gross Domestic Product) تتراجع لسنوات عدة، حتى إن حصة الفرد في إجمالي الناتج المحلي لبلدان القارة السمراء في عام 1980 كانت تفوق أربع مرات حصة الفرد في إجمالي الناتج المحلي للصين، انعكس الوضع اليوم لتصبح حصة الفرد الصيني في إجمالي الناتج المحلي لبلاده تفوق ثلاث مرات قرينتها للبلدان الأفريقية، والسبب هو النمو السريع للسكان في أفريقيا. ومع ذلك فإن هذا أيضاً قد تغير، حيث راحت حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي لبلدان القارة الأفريقية تنمو اعتباراً من عام 2000 بمعدل 3% سنوياً، وهو ما يعادل مرتين المتوسط العالمي.
 
صحيح أن اقتصادات القارة الأفريقية مجتمعة لازالت تعتبر في عداد الاقتصادات الصغيرة، إذ لا تتجاوز حصتها في إجمالي الناتج العالمي 2%، مقارنة مثلاً بالاقتصادات الصاعدة في آسيا التي تزيدها بعشر مرات، إلا أن معدلات نموها السريعة وتوجه الصين، أكبر أسواق العالم، نحو الاستثمار في الموارد والطاقات المثبتة والكامنة في بلدان القارة السمراء لتغذية طلبها المتنامي على المواد الخام والموارد الطبيعية، وإلى حد ما المساعدات الدولية واعفاءات الديون الدولية، وتحسن الإدارة الحكومية وترتيباً الإيرادات الحكومية – من العوامل التي ستسهم في تعزيز حصة أفريقيا في الناتج الإجمالي العالمي.
 
بيد أن هنالك تحديات جدية يمكن أن تعيق تسارع نمو اقتصادات بلدان القارة بصورة مطردة. من هذه التحديات وأبرزها:
 

  •  السكان الذين سيزيدون بنسبة 30% بحلول عام 2030.
  •  إن هذا النمو المتسارع تغذيه أساساً إيردات وأسعار صادراتها من الثروات الطبيعية.
  •  عدم الاستقرار السياسي وغياب حكم القانون والفساد المستشري.
     
اقرأ المزيد

نقص الدولة ونقص المواطنة!


مهما تعددت الرؤى واختلفت المواقف وتباينت التقديرات للنهايات المتوقعة للثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية التي اجتاحت العديد من الأقطار العربية، إلا أن هناك اتفاقاً عاماً غير خاضع للنقاش وهو أن هذه الثورات قد شكلت نقطة تحوّل مهمة غيرت الوجه السياسي والاجتماعي في عموم المنطقة، لماذا؟… أولاً: لأنها قد شرعت الكثير من الأبواب الموصدة التي كان يحرم على المواطنين الدخول منها. ثانياً: أنها قد فتحت بعض الصناديق المغلقة وأخرجت بعض محتوياتها السرية والممنوعة. وثالثاً: أنها قد أنهت أسطورة أو تقديس تلك القضايا التي تشبه المحرمات وغير القابلة للتداول والنقاش. رابعاً: قد أسقطت تلك الهالة المصطنعة عن بعض الرموز أو الشخوص بحكم انتهاء صلاحياتها السياسية، وسقطت معها كل «الخطوط الحمراء» و «الخطوط الصفراء» ولم يعد هناك أحد فوق النقد، ولم يعد هناك من يخاف أو يخشى ممارسة هذه القيمة أو الفضيلة.
 
إلى جانب هذه المسائل الفرعية والمهمة التي أفرزتها الثورات العربية، هناك قضية رئيسية تمثل في تصورنا أهم تداعيات هذه الثورات أو التحركات الشعبية قد برزت بصورة واضحة وجلية في كل الدول العربية التي هزتها هذه الثورات ونعني بها قضية «الدولة» برمتها والموقف منها، وما فرضته من إعادة تقييم لدورها في أعقاب هذه الأحداث والتطورات.
 
الدولة – أي دولة – مهمتها عادة تنحصر في حماية المواطن وتحقيق الأمن والاستقرار للوطن، والعمل على جلب أو إنجاز هدف التنمية الشاملة لمصلحة كل المواطنين، دون تفريق أو تهميش لأحد منهم لأسباب سياسية أو دينية أو مذهبية، باعتبار أن هذه الدولة تمثلهم جميعاً، طالما كانت دولة قانون ومؤسسات ومواطنة، بخلاف ما يحدث عندما تكون هذه الدولة قائمة على «عصبيات» ما قبل الدولة مثل القبلية أو الطائفية أو العائلية هنا يغيب مفهوم الشعب، والمواطنون يصبحون مجرد «رعايا» يتم تسخيرهم لخدمة (الدولة/السلطة) وليس العكس، وهذه إحدى صفات أو مميزات الدولة المأزومة، وهنا تتجلى إحدى علامات تآكل أو اختفاء البنية القانونية أو المؤسساتية في مثل هذه الدولة، وتتكشف أهم أعراض مرض «نقص» الشرعية الذي يطفح على جسدها ويطبعها بالضعف والهزال الدائمين.
 
في مثل هذه الدولة – كما هو شأن كل الدول العربية – هل يمكن الادعاء أن الثورات التي حصلت فيها ومازالت تداعياتها تتفاعل، قد جاءت من غير أسباب ودون سابق إنذار، أو أنها أتت من فراغ؟ حتى وإن بدت فجائية أو عفوية عند لحظة انطلاقها، اليوم باتت الصورة أكثر وضوحاً. فخلف هذه التحركات الشعبية – على مختلف مستوياتها ومسمياتها – عقود من القهر والحرمان والمعاناة السياسية والاجتماعية التي كان يئنُّ تحت وطأتها المواطنون العرب، وكذلك تردي أحوالهم الاقتصادية والمعاشية وفقدان كل أمل لهم في التغيير والإصلاح وفوق هذا وذاك، هناك سلوك البطش والقمع الذي اختارته هذه الدول كطريق وحيد لكسر إرادة المواطن وسلب حريته وكرامته وحرمانه من أبسط حقوق المواطنة ومن شعور بإنسانيته، وهو ما أجبر هؤلاء المواطنين على اختيار طريق الثورة والحراك الشعبي لتغيير هذا الواقع المفروض عليهم.
 
هنا نحن في الحقيقة نستخدم وصف (الدولة) مجازاً لأنها في واقع الأمر هي دولة غائبة لا حضور لها، أو أنها مجرد حالة افتراضية، أو صورية في أحسن أحوالها، بمعنى أن حضور الدولة هنا ناقص ومتعثر بل مشوه نظراً لغلبة الوظيفة السلطوية على هذه الدولة، واتساع الهوة بين الحكام والمحكومين، فالسلطة هي المركز أو المحور الذي تدور من حوله ومن أجله كل المقومات والمكونات الأخرى. لذلك هي لا تتردد في وضع يدها على كل الفضاءات أو المجالات العامة، وأن تصبح هي «المكان» و«الزمان» و«التاريخ» وهي من يكتب هذا التاريخ ويرويه أيضاً. مع كل ما في هذه الرواية من مغالطات وظلم. وهل ينتظر أي شعب تكون دولته أو سلطته بهذه المواصفات غير التقهقر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي؟
 
هنا في مثل هذه الدولة (السلطوية) يتحول جهاز الأمن إلى جهاز للقمع والسيطرة والمراقبة وبث الفرقة والانقسام بين مكونات المجتمع.
 
في مثل هذه الدولة (السلطوية) يجري التحكم في كل المجالات من التعليم إلى الإعلام إلى الثقافة والفن والرياضة، باختصار لا يبقى مجال عام أو خاص لم يتم السيطرة عليه أو التحكم فيه وإخضاعه للمراقبة من جانب هذه الدول.
 
وهنا أيضاً في مثل هذه الدولة (السلطوية) أيضاً يقترن عادة الفساد بالاستبداد، ويقود أحدهما للآخر، فالفساد هنا ليس دوره أو وظيفته توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي القائم وتوسيع الفئات المستفيدة والمتواطئة معه. كما إنه ليس مجرد نهب لموارد الدولة وثرواتها الطبيعية أو الثراء غير المشروع من قبل المتنفذين في السلطة، كما أن الفساد ليس مجرد تنامي بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة مثل المحسوبية والواسطة والرشوة، إنه فوق كل هذا هدم لبنية المجتمع وضرب كل الأسس القانونية والقيم الخلقية فيه، من خلال التلاعب بالقانون والقضاء والتشريع الذي يبرر الاستبداد ويعيد إنتاجه، وهذا ما يقوّي إصرار هذه الدولة على رفض أية مطالبات مشروعة من أجل الحرية والعدالة، الأمر الذي يؤكد الارتباط الوثيق بين الفساد والاستبداد، وهي الحقيقة التي شخّصها الكواكبي قبل ما يزيد على القرن في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» عندما اعتبر أن الفساد السياسي هو أصل الداء، وأن أي إصلاح قبل الإصلاح السياسي هو مجرد لغو لا قيمة له.
 
ما نريد أن نخلص إليه هو أن الثورات والانتفاضات الشعبية في الدول العربية قاطبة، هي معنية أساساً بإعادة الاعتبار إلى مكانة ودور الدولة «وسد النقص فيها»، أي جعلها دولة مؤسسات وقانون، لأن مثل هذه الدولة هي حجر الأساس وقاعدة انطلاق أي مجتمع نحو آفاق التطور والإصلاح الديمقراطي، لذلك فإن هدف كل ثورة شعبية وكل حراك شعبي كما يعلمنا التاريخ والحاضر، هو إعادة تصحيح العلاقة بين الدولة والمواطن، من خلال «عقد اجتماعي» جديد، يقوم على ركيزتين أساسيتين. الأولى: إصلاح الدولة لتكون دولة مدنية عصرية ديمقراطية تسود فيها العدالة وقيم المساواة وحقوق الإنسان. والثانية: صياغة نظام سياسي جديد ليكون نظاماً ديمقراطياً وتعددياً.
 
باختصار، إنه عقد اجتماعي يعالج نقص الدولة ونقص المواطنة على حد سواء، لأن هذا الأخير هو نتاج للأول بصورة حتمية.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 17 أبريل 2012م
 

اقرأ المزيد

تهجين الجمعيات الأهلية أو حلها


من أهم ركائز المجتمع الديمقراطي، وجود مجلس تشريعي منتخب يمثل جميع المكونات الشعبية تمثيلاً عادلاً، إلى جانب وجود مؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات عمالية وجمعيات أهلية ومهنية تدافع عن مصالح منتسبيها، وتعمل على رفع المستوى المهني والاقتصادي والاجتماعي لهم.
 
ويعتبر صوت مؤسسات المجتمع المدني في كثير من الأحيان صوتاً حاسماً لدى مثيلاتها في الدول المختلفة والمنظمات العالمية والحقوقية، خصوصاً حين تكون هذه المؤسسات تمثل منتسبيها تمثيلاً حقيقياً، بسبب أن هذه المؤسسات في مجموعها تمثل كافة شرائح المجتمع وانتماءاته الفكرية والسياسية والاجتماعية، ولذلك تسعى المنظمات العالمية لسماع صوت مؤسسات المجتمع المدني سواءً من خلال دعوتها للمؤتمرات الدولية أو حتى الالتقاء بالقائمين عليها قبل إصدار أي قرار أو حكم بخصوص احترام حقوق الإنسان أو حرية الرأي و التعبير في أي دولة من الدول.
 
ولذلك نرى الدول التي ليس لها رصيد كبير من المصداقية فيما يتصل بالحقوق السياسية والمدنية، تسعى للسيطرة على هذه المؤسسات أو خلق بديلٍ عنها يُموّل ويُدار بأيدٍ حكومية، وهو ما يعرف بمؤسسات «الغونغو» كممثلٍ زائفٍ للإرادة الشعبية.
 
مثل هذه المؤسسات يُصرف عليها الكثير من المال والجهد، ومع ذلك لا يمكن لها أن تقوم بالدور الذي يفترض منها القيام به، وسريعاً ما يتم كشفها ولا يتم التعامل معها بجديةٍ، وذلك ما حدث لدينا في البحرين، إذ لم تستطع أي من جمعيات «الغونغو» أن تلعب ولو دوراً بسيطاً في مجريات الأمور، أو أن تقنع المنظمات الدولية بوجهة نظرها.
 
ولذلك فإن الهدف في المرحلة الراهنة هو السيطرة على كافة الجمعيات الأهلية وخصوصاً الفاعلة منها، بحيث تكون هذه الجمعيات مهجّنةً، تسيطر عليها فئةٌ واحدةٌ وفكرٌ واحد، يصب في نهاية الأمر مع التوجه الحكومي، وليس مهماً بأي صورة يتم ذلك، سواءً باختراق القانون، أو بفرض الأمر الواقع أو حتى بتزوير إرادة أعضاء هذه الجمعيات.
 
ولهذا شهدنا في الآونة الأخيرة هجمةً شرسةً على عدد من الجمعيات، من خلال تصفيتها، كجمعية المعلمين البحرينية، أو حل مجالس إداراتها وتعيين مجالس إدارات تابعة، كما حدث سابقاً مع «جمعية التمريض البحرينية» و»جمعية المحامين»، أو حتى تزوير الانتخابات عن طريق تجاوز القانون والنظام الأساسي للجمعية كما حدث قبل أيام لـ «جمعية الأطباء البحرينية».
 
هناك الآن عددٌ من القضايا المرفوعة للقضاء من قبل الجمعيات الأهلية والمهنية ضد الممارسات غير القانونية من قبل وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، والتي تستخدم الأساليب المشروعة منها وغير المشروعة، بهدف تزوير انتخابات الجمعيات الأهلية لتغليب طرفٍ على آخر، وفرض مجلس إدارة يتوافق مع توجهاتها.
 
خلال الفترة البسيطة الماضية قامت وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية بتصفية جمعية المعلمين وحل مجلس إدارة جمعية التمريض وتعيين مجلس إدارة تابع لها، ولكن بعد مضي فترة الستة أشهر من تعيين مجلس الإدارة، وهي الفترة المسموح بها حسب القانون لتعيين مجلس إدارة لتصريف أعمال الجمعية، انتخب الممرضون مجلس إدارتهم الشرعي والذي كان أغلبيته من الأعضاء السابقين في مجلس الإدارة الذي تم حلّه من قبل الوزارة!
 
وقبل فترة بسيطة اعترضت الوزارة على انتخابات جمعية المحامين البحرينية وقامت بحل مجلس الإدارة المنتخب وعينت محلهم أعضاء جدد، ولكن في هذه المرة لم يقبل خمسة أعضاء من أصل سبعة أعضاء تم تعيينهم بهذا التعيين، ولذلك قامت الوزارة بتجميد أرصدة الجمعية لدى البنوك المحلية!
 
قبل أيام قامت الوزارة بتعدي النظام الأساسي لجمعية الأطباء البحرينية والسماح للأطباء غير البحرينيين بالترشح والانتخاب بهدف تغليب فئةٍ من الأطباء على أخرى، بالرغم من أن الوزارة لا يحق لها تغيير النظام الأساسي لأية جمعية كانت، وهي ليست معنيةً بذلك، ولا مخوّلة أصلاً بذلك، ولا يوجد أي قانون يتيح لها القيام بمثل هذا الإجراء، وإنما كان قيامها بهذا الأمر عن طريق فرض الأمر الواقع على الأطباء، ليس بقوة القانون، وإنما بقوة كونها وزارة معنية بشئون الجمعيات الأهلية، وقوة من يستطيع كسر القانون دون مساءلة.
 
 

صحيفة الوسط البحرينية – 17 أبريل 2012م
 

اقرأ المزيد