المنشور

في الحوار الوطني


يوما بعد آخر يتعمق الادراك بأن المجتمع والوطن برمته يعاني من أزمة، وإن كان التعبير عن هذا الادراك يتباين و يتلوّن بالمواقف المسبقةِ من ضرورات الحل الشامل على خلفية الانتماء السياسي والطائفي والمصلحي.
 
ولا تخلو بعض المواقف من الأبعاد الانتهازية الذاتية التي تأخذ أحياناً طابعَ الاستخفاف بكل إرادة وبكل صوتٍ، جِهة تسعى إلى الخروج من هذه الأزمة ووضع البلد على سكة الوحدة الوطنية والإصلاح . وإذ يكاد الجميع يُقر بضرورة الحوار لمعالجة كافة القضايا المطروحة على الساحة، نرى أن هناك نوعاً من الاتفاق بين بعض المكونات السياسية والاجتماعية المتناقضة، إما على رفض الحوار صراحة أوعلى وضع شروط مسبقة لأي حوار قادم. فحين تطرح الوفاق والجمعيات المتحالفة معها الشروط التي تضَمّنها بيانها الأخير عن الحوار، يقابلها التجمّع بموقف مماثل بل وأكثر تشددا برفض الحوار.
 
الحوار السياسي والمجتمعي ليس مطلبا مُستجدا في الساحة الوطنية البحرينية. فقد نادى الكثيرون، ومنهم المنبر التقدمي، إلى اعتماد هذا النهج بين أطراف العمل السياسي والوطني وخاصة بعد الاجماع على المشروع الاصلاحي. إلا أن هذا المطلب لم يلقَ الاعتبار اللازم، ولم يعمل أحد على ترسيخ الحوار كأسلوب حضاري لحل الخلافات والتأسيس للثقة والاحترام المتبادل بين كل المكونات السياسية والاجتماعية بما فيها السلطة. بل ولقد تمّ في بعض الأحيان الالتفاف على مبدأ الحوار السياسي بين السلطة والقوى السياسية باللقاءات مع مكونات طائفية لتقديم تنازلات معينة لها، أدت الى شعور مكوّنات طائفية أخرى بالتهميش. أي أن التعاطي كان طائفيا و لم يأخذ الطابع الوطني الجامع واستُعيضَ عن الحوار السياسي مع قوى سياسية بمجاملاتٍ وحلولٍ جزئية لمصلحة هذه الطائفة أو تلك. وكان موقف بعض الجمعيات السياسية المعارضة, وخاصةً الوفاق، سلبياً وفوقياً وفضّلت لغة التحشيد في الشارع والصفقات الثنائية.
 
أما القوى الوطنية والليبرالية فقد وُضعت خارج المعادلة لأنه لم تكن هناك إستراتيجية لمعالجة الطائفي بالوطني الجامع .و نحن هنا لا نبرر سلبيات و أخطاء المكون الوطني الديمقراطي و هي كثيرة , لكن تجاهل هذا التيار صبّ في مصلحة الطائفية. ونخشى اليوم أن نعود الى نفس المطبّ في الحوار المرتقب. فهناكَ من يدعو صراحة إلى هكذا حوار بعد أن قسّم المجتمع إلى نحن وهم والسلطة، أو ما أسموه بالأضلع الثلاثة. وهناك من زعماء الطوائف الدينيين من يحاول تصدرّ المشهد السياسي فيفتي في الحوار ويرفضه أو يضع شروطه، وهم في واقع الأمر يجهضون الحوار وفي أحسن الأحوال يفرغونه من محتواه، الأمر الذي يعيدنا الى المربّع ذاته.
 
هذا الواقع يفرض بإلحاح ضرورة التعامل الجدي في الموقف من الحوار ومن الأهداف المرجوة منه، وفي تحديد القوى والشخصيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ستُدعى إليه. ليس من مصلحة أحد، وكلنا نشكو سوءَ الأوضاع القائمة، الخوض في جدوى البدء في الحوار الوطني من عدمه، بل في سبل إزالة المعوقات أمام انعقاده وفي مقدمتها الامتناع عن الشروط المسبقة وحملات التشهير والتحريض.
 
الحوار الجاد والمسؤول يبتغي التوافق، والتوافق يعني تقديم تنازلات قد تكون مرّة للبعض ولكنها ضرورية للتأسيس لمرحلة جديدة من العمل الوطني المشترك، خاصة و أن هناك أرضية مشتركة للجميع هي ميثاق العمل الوطني ومبادرة ولي العهد وتوصيات اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق. لتُرفع كافة الملفات السياسية والاقتصادية والمطلبية من المنابر وتوضع على طاولة الحوار، فلم يعد جائزاً استمرار التوترات والانقسامات القائمة والتعنت والمكابَرة في المواقف. لم يعد جائزا تفويت الفرصة المتاحة اليوم، للحوار ولهزيمة المشروع الطائفي الإقصائي الذي يكاد يقبض على المجتمع والدولة معاً، بانتظار نصرٍ ما، فليس هناك نصرا أكثر قدسية من انتصار الوحدة الوطنية في أصعب المعارك التي تتطلب شجاعةً خاصة ووعياً وطنياً عابراً للطائفة والمذهب.



3 ابريل 2012

اقرأ المزيد

حكاية مواطن عربي


ذات زيارة إلى ألمانيا منذ عدة سنوات خلت، استوقفني في إحدى مدنها مشهد ذلك العربي المهاجر إلى تلك البلاد الذي كان يفترش الأرض في وسط الشارع الرئيسي في المدينة، ويضع أمامه طبلة صغيرة الحجم ويمسك عصا بكل يد من يديه. وسط ازدحام المارة ولهثهم نحو أمورهم كما هو حال الناس في المدن الأوروبية عامة، حيث كل الأمور تسير بسرعة لا يبدو معها ان كثيرين هم من يأبهون بأمر هذا العربي الغريب، إلا من قدر له ان يقف أمام «فاترينة» محل قريب من المكان الذي جلس فيه الرجل.
 
ولكن العرب المهاجرين الى المدينة يتداولون الحكاية الدرامية لهذا المواطن العربي الذي وجد نفسه بعيداً عن أهله ووطنه. ما يعرفه هؤلاء أن الرجل فاقد الذاكرة تماماً، وأنه لا يعرف من أين أتى بالضبط، ومن هم أهله وأين هم وكيف أصبحوا. ولذلك حكاية تكشف مقدار الهوان الذي نحن عليه. حكاية هذا الرجل البسيط انه ذهب ذات جمعة بعيدة إلى المسجد للصلاة. بعد الصلاة انقلب تجمع المصلين إلى حشد مناوئ للحكم في البلد الذي أتى منه وسط جو مشحون في ذلك البلد، حين تقدم رجال الشرطة والجيش نحو الجموع مدججين بالعصي والسلاح ألقوا القبض على من تيسر لهم القبض عليه، وكان بينهم هذا الرجل البسيط، البعيد كل البعد عن السياسة وعن الجماعات موضوع الشبهة في ذلك الحشد، ولأنه لم يكن يعلم شيئاً عن خلفيات ومقدمات ما جرى، فإنه لم يعرف أن يجيب عن أسئلة المحققين. لم يكن يعلم شيئاً وكان يكرر هذا القول أمام من يستجوبونه. لكن من يقنع رجل الأمن بأن الشخص يمكن ان يكون لا يعرف شيئاً بالفعل ولا علاقة له بما جرى؟ على هذا الشخص ان «يعترف» إجبارياً، أن يقول انه يعرف وأن يعطي أسماء ووقائع.. لأن القول إنه ذهب الى الجامع لأداء صلاة الجمعة فحسب وحدث ما حدث هو بالنسبة للمحقق ترهات. فكان ان انهالوا عليه بالضرب وبصدمات الكهرباء التي أفقدته ذاكرته وعقله نهائياً، ليخرج من السجن رجلا آخر قذفته الأقدار في ما بعد إلى المانيا لتلقي العلاج، لكن كيف يمكن إعادة العقل لمن فَقَدَ عقله؟ أيقن الاطباء الألمان أن لا سبيل لعلاج الرجل، ولكنهم من باب التعاطف معه أوصوا بأن يمنح حق اللجوء الإنساني في ألمانيا.
 
لقد انتهت حياة الرجل قبل ان يموت، حيث لا سبيل لاستئناف الحياة في صيغة جديدة بعيداً عن أوطان كأنها صممت للقهر والعدوان على حق أبنائها في الحياة، فكان ان وجد نفسه وحيداً يفترش الارض في أيام ماطرة، باردة، عارضاً نفسه امام الناس بطبلة وعصا في كل يد، بعيداً عن حضنه الأول وعن سمائه الأولى، بعيداً تحت سماء رمادية كئيبة لا تشبه تلك السماء التي تضيئها شمس الشرق الساطعة التي تحت نورها يسرح الجلادون وجلاوزة التعذيب والقتل والسماسرة.
 
4 ابريل 2012

اقرأ المزيد

اللقاء التشاوري


كما توقعنا لم يخرج بشيئ جديد ذلك اللقاء التشاوري الذي دعت إليه غرفة التجارة امس لتجار سوق المنامة القديم، ولعله ذات التوقع هو الذي جعل معظم تجار السوق يعزفون عن الحضور، حيث يبدو أنهم ملّوا من وعود الجهات الرسمية بالتطوير وتلبية احتياجات السوق من مرافق وبنى تحتية، وقد عبر عن حالة الملل هذه احد تجار السوق رياض المحروس حين قال بأن النقاش حول وضع السوق يتكرر، نفس الكلام ونفس الرؤى ونفس الملاحظات ونفس الوعود، ونفس الخلل في عدم قيام الجهات الرسمية بواجبها وبدورها المفترض ان تقوم به.
 
السوق القديم يعاني ضغوطات، ويكاد يحتضر بحسب قول النائب الاول لرئيس الغرفة ابراهيم زينل الذي كان واضحا تركيزه على نقطتين مهمتين، الاولى، ان عودة العافية للسوق وكل الاسواق والاقتصاد برمته مرهون بعودة الامن والاستقرار، والثانية دعوته بالابتعاد عن المنظور التجاري في استثمار الجهات الرسمية في اي عمليات للخدمات وللمرافق وبوجه عام البنى التحتية للسوق، وفي هذا السياق تمت الاشارة الى مواقف السيارات الذي انشئ ولم يحقق الهدف من اقامته لكون تسعيرته بنيت وفق ذلك المنظور.
 
سوق المنامة القديم كما هو واضح لا يعاني فقط صراعا بين الماضي والحاضر كما قال احد الحضور، ولكنه ربما يعاني وفق ما طرح امس من هشاشة البنى التحتية ومن غياب التنسيق الفعلي بين الجهات الرسمية وتقاذف المسؤوليات فيما بين بعضها البعض، كما يعاني من حضور مكثف للعمالة السائبة التي تنافس بعض التجار في ارزاقهم، وكثرة اللجان التي لا تجعل أحدا يعرف من هي الجهة الرسمية المعنية حقا بالسوق، وغياب المرجعية الرسمية التي يمكن التعويل عليها في كل شئون السوق ومتابعة المشاكل اليومية لتجاره وغياب الترويج للسوق….الخ.
 
ان القضايا والمتطلبات والمشاكل التي يعاني منها سوق المنامة القديم قائمة ومتداولة ومعروفة منذ نحو عشر سنوات وقد تفاقمت هذه الاوضاع بسبب الاوضاع الأمنية والمعطيات الجديدة في العمل التجاري الى درجة ان المتبقي من التجار البحرينيين بالسوق على ذمة احد تجاره امس «عبدالكريم الفليج» بقي منهم مابين 20 الى 30 تاجرا فيما بقية التجار أجروا سجلاتهم الى اجانب من الباطن وهذا يعني ان السوق يعاني من هجرة التجار والمتسوقين على حد سواء.
 
 لقد بات مطلوبًا وبإلحاح جدية اكبر في التعاطي مع القضايا والمشاكل والمتطلبات المتعلقة بالسوق القديم وبالقطاع التجاري بأكمله وقبل ذلك فإن هذا السوق وهذا القطاع بحاجة الى رؤية واضحة من قبل الحكومة وقرارات تنفيذية أوضح للنهوض بالسوق وبالقطاع وبالاقتصاد.


4 ابريل 2012

اقرأ المزيد

مستودع الكلام


في رواية «ليلة القدر» للطاهر بن جلون ترد فكرة طريفة غير مألوفة عن مستودع للكلام يلجه الناس للتزود بالكلمات، على طريقة التزوُّد بالطعام أو الشراب وما إلى ذلك. كان هذا المستودع بمنزلة «قاموس المدينة»، حيث ثمة رفوف كبيرة فوقها يافطات، كل يافطة تحمل حرفاً أبجدياً، والغريب أنه لا يأتي إلى هذا المستودع البُكم أو الذين يعانون فقراً في الكلمات، وإنما يأتي إليه أيضاً للتزود بالكلمات المعروفون بالكلام من دون أن يقولوا شيئاً مُفيداً، والثرثارون الذين تنقصهم الكلمات، ليأخذوا منها ما يلزمهم لعدة أيام أو أسبوع.
 
وفي المستودع أيضاً كلمات مُكدسة وقد علتها طبقة من الغبار لأنه لا أحد يستعملها، وكانت توجد منها أكوام تصل إلى السقف، للدرجة التي تجعل الزائر يتساءل عما إذا كان الناس لم يعودوا في حاجة إلى هذه الكلمات، أو أنهم أخذوها بصيغة نهائية وخزنوها عندهم.
 
لكن حتى لو لم نكن من هؤلاء الذين يذهبون إلى مستودع الكلمات هذا، ونشعر بأن احتياطي الكلمات لدينا كافٍ للعمر كله، فإننا نقع في حالات تهربُ فيها الكلمات منا، فنشعر حينها بأن الصمت يكاد يتحول إلى لغة، إلى وسيلة تعبير، لأن الكلمات أعجز من أن تنقل أو تصف ما نحن فيه.
 
الإيطالي ألبيرتو مورافيا في روايته «الاحتقار» وصف حالة مشابهة، سماها تحديداً حالة عجز، حالة صمت لا يُحتمل، مصنوع من كل ما كان يجب أن يُقال، حين يضغط الشعور بأن علينا أن نتكلم، وأن لدينا أشياء كثيرة نقولها، ومع ذلك نلزم الصمت، لا مع الشعور بالرضا، لأننا صامتون، بل مع ذلك الشعور بأننا صامتون رغماً عنا.
 
لا يحضرني الآن اسم الرواية ولا اسم مؤلفتها، ولكنها كاتبة ألمانية كانت تعيش في القسم الشرقي من برلين، وتصف فيها وقائع يوم واحد فقط من حياتها، يوم حافل لكنها تركز على التأملات الذاتية للبطلة، التي تقول الكاتبة انها تخفي خلف صمتها مقادير كبيرة من الكلام، لكنها آلت على نفسها ألا تتكلم. «آه لو انها تكلمت» – هكذا تقول الكاتبة بحسرة لتومئ لنا مقادير الأفكار والمشاهدات والانطباعات التي تختزنها هذه المرأة البسيطة، مع ما في هذه المقادير من شهادات على زمن عاشته وتعيشه، وما أكثر الناس مثل هذه المرأة الذين يملكون ما يقولونه، لكنهم لا يقولون.
 
على موقع «يوتيوب» أعجبني ما يشبه «الفيديو كليب» لقصيدة الراحل الكبير محمود درويش: «فكر بغيرك»، على خلفية صوت الشاعر وهو يلقيها بإلقائه المميز المعروف. اختار مخرج هذا العمل مقاطع للحالات المتناقضة التي يصفها الشاعر، وصولاً إلى قوله «وأنتَ تُحررُ نفسكَ بالاستعارات، فَكر بغيرك، مَن فقدوا حَقهم في الكلام». في المقطع الأول تظهر صورة لجانب من مظاهرة في أحد البلدان الديمقراطية، وفي المشهد الثاني تظهر صورة لسجين خلف القضبان، عقاباً له على مواقفه الاحتجاجية.
بدا لي هذا المقطع من قصيدة محمود درويش مُجسداً في تلك الصور تعبيراً بليغاً عن الفكرة أعلاه، حين تبدو الاستعارات ترفاً في مجتمعات يعزُ فيها القول.


3 ابريل 2012

اقرأ المزيد

الأمن والاستقرار والاقتصاد


مهما تحدثنا عن المشاكل والتحديات التي تواجه القطاع التجاري والاقتصاد الوطني في البحرين، ومهما تحدثنا عن الحلول والمعالجات والمقترحات والمبادرات والقرارات الحاسمة المطلوبة التي يفترض ان تصب في اتجاه النهوض بهذا القطاع وتجاوز الحالة الراهنة المأزومة التي يعاني منها، يظل الامن والاستقرار هما الركيزة الاساسية لاستعادة النشاط التجاري واعادة العافية للاقتصاد، واستعادة ثقة المستثمرين في بيئة الاعمال، ومن دون الامن والاستقرار تكون الجهود والخطوات المبذولة لتجاوز الحالة الراهنة بمثابة مسكنات ان لم تكن عديمة الجدوى والفاعلية من الاصل.

 ليس بمقدور التجار في لقائهم التشاوري اليوم بالغرفة لبحث اوضاعهم وما آل اليه حالهم وحال القطاع التجاري، وليس بمقدور لا الغرفة التي نعلم بأنها ليست جهة تنفيذية، ولا حتى اي جهة تنفيذية، ليس بمقدور تلك الاطراف فعل شيء ما حيال الاوضاع الاقتصادية الراهنة من دون امن واستقرار وسنبقى حالة القلق هي المسيطرة على الدوام. بيان الغرفة المنشور اليوم لعله يترجم حالة القلق التي تنتاب القطاع التجاري والاقتصادي ويحذر من الخسائر المستمرة التي يمنى بها الاقتصاد كما يحذر ومن مغبة افلاسات وهجرة استثمارات، وهو من دون شك قلق في محله في غياب الامن والاستقرار في ربوع الوطن، وفي ظل حالة التأزيم المستمرة وتغييب عودة الحياة الطبيعية، ما نريد ان نؤكد بانه مهما وضعنا هدف النهوض بالاقتصاد، وتعزيز النشاط التجاري، وعملنا على تجنب ما حذرت منه الغرفة من موجة افلاسات وهجرة استثمارات، وتفادينا تنامي حجم البطالة، فان ذلك الهدف سيكون بعيد المنال اذا لم يوضع عنصرا الامن والاستقرار على رأس اجندة الجميع من قوى واوساط سياسية وحكومة، وكل قوى المجتمع البحريني حتى لا نبقى في دوامة لا يمكن الخروج منها ويظل اقتصادنا في ازمة تلو ازمة وعلى كل الاطراف ان تتحمل مسئولياتها.
3 ابريل 2012

اقرأ المزيد

ما قبل خيرت الشاطر وما بعده


إلى أية درجة يبدو قرار الإخوان المسلمين في مصر بتقديم مرشح عن الجماعة لانتخابات الرئاسة مفاجئاً، هم الذين عكفوا على طمأنة المجتمع المصري، وخاصة قواه الليبرالية المدنية والأقباط والنساء والأوساط الثقافية والأكاديمية، أنهم زاهدون في هذا الموقع؟
 
حتى أيام معدودات مضت كانت أوساط نافدة في الحزب تؤكد التزام الجماعة بما تم الإعلان عنه من قبل بأنها لن تُرشح أحداً، من طرفها، لرئاسة الجمهورية المصرية، مضيفة أن ذلك يتوافق مع قرار الجماعة بأن حزب الحرية والعدالة سيقف على مسافة متساوية من كل المرشحين للرئاسة، كما كان المرشح الرئاسي القريب من الجماعة عبدالمنعم أبوالفتوح أكدَّ الأمر نفسه حين قال: «إن الإخوان المسلمين حركة إسلامية ولا تريد أن تكون لاعبا سياسيا، وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية»، مضيفاً أن الأخوان لا يطمحون لإقامة حكم إسلامي في مصر لأن الدولة الإسلامية قائمة في مصر منذ تأسيسها قبل 1500 سنة، ولا داعي لإنشائها، وإنما من الضروري تطويرها وإصلاحها.
 
ولكن سرعان ما بدا أن ذلك الإعلان انطوى على الكثير من التضليل الذي ينال من صُدقية الجماعة وصورتها أمام المجتمع، حتى لو كانت نشوة اكتساحها للانتخابات البرلمانية تُعميها، هذه اللحظة، عن رؤية الحقيقة.
 
العارفون بتركيبة الجماعة وما هي عليه من براغماتية سياسية يؤكدون انه لا يوجد مقدار ذرة واحدة من المفاجأة في ذلك، فالإخوان نفسهم كانوا قد أعلنوا بعيد سقوط نظام مبارك وعشية انتخابات مجلس الشعب أنهم لن يتقدموا بما يزيد عن 30% من أعضاء البرلمان، ليفسحوا المجال للقوى الأخرى كي تكون شريكة لهم في السلطة التشريعية، ولكنهم سرعان ما نقضوا إعلانهم، وتقدموا بالعدد الذي يضمن لهم الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى.
 
ما يصح على هذه الانتخابات يصح على طريقة تشكيل الهيئة المناط بها كتابة الدستور المصري الجديد، حيث عمد الإخوان إلى الهيمنة على الهيئة وتهميش القوى الأخرى، مع أن الأمر يتصل بصورة الوثيقة الدستورية التي ستحدد صورة مصر المقبلة، والتي لا يجوز بحال من الأحوال أن تنفرد قوة واحدة برسمها، خاصة حين يدور الحديث عن بلد بعراقة وثقل وعمق مصر، وقوة تقاليدها السياسية، ووجود أدمغة لامعة بين أبنائها في مجالات التشريع والرؤية السياسية.
 
باعلان الجماعة عن ترشيح نائب مرشدها العام رجل الأعمال خيرت الشاطر، وفي صفته هذه بالذات ما يشي بطبيعة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي يحمله الأخوان لمستقبل مصر، تكون الحركة قد برهنت أنها في سباق مع الزمن، وأنها ليست في وارد إضاعة الفرصة التي تجدها مؤاتية لكي تمسك بكامل مفاصل الدولة المصرية في هذا المنعطف التاريخي.

بهذ القرار يضع الأخوان المسلمون أنفسهم ويضعون مصر كلها أمام تحدٍ كبير، ليس لأنه ليس من حقهم أن يتقدموا بمرشح للرئاسة، خاصة وأن ميزان القوى الراهن يغريهم بخوض معركة الرئاسة وربما كسبها أيضاً، ولكن المشكلة تكمن في مكان آخر، هي أن هذا الخيار بالذات حتى لو جاء عبر صناديق الاقتراع، يحمل مؤشرات مقلقة لقوى عديدة تحمل الكثير من الهواجس تجاه الإخوان وتجاه برنامجهم السياسي والاجتماعي.
 
2 أبريل 2012
 
 
 

اقرأ المزيد

القطاع التجاري


أكثر من صاحب عمل في رد على واقع الشارع التجاري اتصل بنا داعيا كل الاطراف ذات الصلة بالشأن التجاري والاقتصادي عموما الى التركيز وعلى وجه السرعة بتحقيق ما ينهض فعليا بحال القطاع التجاري، هؤلاء يرون ان المشاكل بكل تفاصيلها واسبابها معروفة ولا داعي لتكرار تداولها وعرضها في لقاءات او اجتماعات عامة او مغلقة، وان الاولوية الآن ليس الترويج للبحرين في الخارج، او تبني سياسة استثمارية جديدة، وما الى ذلك مما هو متداول الآن بقدر ما هو مطلوب ترتيب الوضع الداخلي، اي اعطاء جرعة كافية من المنشطات التي تجعل القطاع التجاري يتجاوز الازمة الراهنة التي يعيشها، وهي مسؤولية اكثر من جهة رسمية.
 
أصحاب الاعمال المعنيون، ومنهم تجار من سوق المنامة القديم يرون ان القطاع التجاري برمته وليس هذا السوق وحده، او تجار السوق وحدهم، يواجهون المعضلات جراء الاحداث وتداعياتها واستمرار الازمة السياسية، الجميع ينتظرون جرعة المنشطات، ووسائل تحقيق هذا الهدف باتت معروفة وطرحت على بساط البحث والتداول، وتعرضت لها غرفة التجارة في دراستها عن اثر الاحداث على القطاع التجاري. التوجهات المعلنة اخيرا ذات الصلة بالسعي لعودة الحياة الطبيعية لكل مكونات الاقتصاد، يجب ان تجعل في صدارة الاهداف والاولويات القصوى كيفية تحقيق هذا الهدف، ولن يكفي بطبيعة الحال خفض الرسوم، بل هناك من ينتظر سلسلة من الاجراءات التي يعوّل عليها اصحاب الاعمال وينتظرونها في الفترة القريبة المقبلة والتي يفترض أن تصب وعلى وجه السرعة في مجرى انعاش الاقتصاد.



2 ابريل 2012

اقرأ المزيد

جيلٌ جديد بتطلعات جديدة


لم تعبر مجتمعات الخليج برزخ التحولات البطيء والطويل الذي عبرته المجتمعات الأخرى، وإنما قفزت قفزة سريعة واحدة من حالٍ إلى حال.
 
ثمة فرق بين التحولات البطيئة، التي تتراكم تدريجياً، فتجعل الانتقالات سلسة أو مفهومة ومبررة، وبين القفزة الطارئة التي وجدت هذه المجتمعات نفسها في خضم نتائجها العاصفة سلوكيا وقيميا واجتماعيا.
 
صورة البلدان الخليجية انقلبت رأسا على عقب، ولم يبق من الرموز التي تذكر بالماضي سوى القليل أو النادر، فالأجيال الجديدة من أبناء هذه البلدان تعيش، بالمعنى الحرفي للكلمة، في مدنٍ جديدة لا تشبه في شيء تلك المدن التي عرفها آباؤهم وأجدادهم، وهنا يبرز التفاوت العميق الذي يكاد يشبه القطيعة النفسية والسلوكية والثقافية.
 
كانت صورة المجتمع الخليجي التقليدية أكثر طبيعية وعفوية وتلقائية، رغم ما كان يسم العيش وقتذاك من شظف وصعوبة. وكان الإنسان الكادح: بحاراً كان أو حرفياً أو مُزارعاً، متساوقا مع بيئته ومفرداتها. فأهل البحر كانوا على معرفةٍ بطوالع النجوم وأماكنها ومواقيت ظهورها، وبمواسم الرياح وتواريخها على وجه الدقة، وعلامات هذه المواسم، وما يسبقها وما يليها، وأهل الزراعة أدرى بمواعيد المطر ومواسم الزرع وأسماء الرياح ومواقيت هبوبها، وكان المعماري المحلي ابن بيئته في اختياره للمواد المناسبة لهذه البيئة في تشييد البيوت والمعالم المعمارية المختلفة، وما ينطبق على هؤلاء ينطبق على من ندعوهم بالحرفيين وسواهم.
 
ليس من العدل بطبيعة الحال أن نقلل أو ننظر بازدراء لحجم التحولات التي شهدتها مجتمعات الخليج بعد تدفق الثروات، خاصةً وانه جرى تشييد بنيةٍ تحتيةٍ متطورة قائمة على أحدث المعايير والوسائل وتضاهي مثيلاتها في أكثر البلدان تقدماً. لكن الهوة بين هذه النهضة وبين التطوير السياسي المطلوب وكذلك التحول الاجتماعي – الثقافي التراكمي ما زالت شاسعة، فالمجتمعات الخليجية وجدت نفسها في أتون مركب عالمي من العلاقات وأنساق القيم والثقافة التي تفرض نفسها فرضاً، وكان أن أثرت علينا بهذا الشكل الواضح، فنحن في فترة تحول وحراك في كل المجالات، وما لم يجرِ الالتفات الجدي إلى النتائج المتناقضة لذلك، من خلال المضي في طريق تحديث الهياكل السياسية والادارية لتوائم هذه التحولات، عبر استراتيجيات تحديث سياسي واجتماعي وثقافي شاملة، فان ضريبة التأخر في انجاز ذلك ستكون مكلفة، على نحو ما يحدث في غالب الأحيان، حين يجري التهرب من انجاز المهام الناضجة للحل، فتصبح الأكلاف مضاعفة حين يمضي الوقت.
 
جيل اليوم في مجتمعاتنا الخليجية هو نتاج هذه التحولات العاصفة، التي هي في جانب كبير منها، خارجةٌ عن السيطرة، ومن الطبيعي أن يحمل كل صفات فترة التحول والحراك، بما فيها من قلق وما يحمله من تطلعات وآمال وطموحات في حياة أفضل، أصبح يعرف انها ممكنة، من خلال علاقته مع وسائل الاتصال الحديثة، ومن خلال انفتاحه على ما في هذا العالم من تغيرات وتحولات في منظومات القيمة، بما فيها منظومة حقوق الانسان. القسر لن ينهي هذه التطلعات، وعنه تنجم مشاكل أكثر حدة، فالأساليب القديمة لا تحل مشاكل جديدة، وهذا ينطبق على احتياجات هذا الجيل والأجيال التي ستليه التي تتطلب معالجات من نوع مختلف.
 

اقرأ المزيد

السوق القديم مجدداً



لا أحد يعلم الى أي مدى يمكن أن تحققه أي خطة جادة- بافتراض وجودها حاليا او مستقبلا- في انعاش سوق المنامة القديم، وهو السوق الذي قلنا سابقا بأنه نعى نفسه بعد ان اغلقت الكثير من محلاته بسبب انخفاض المبيعات وغياب المتسوقين وانعدام المرافق والمواقف والخدمات، وجاءت الاحداث في السنة الماضية بتداعياتها الحالية لتضفي بعدا آخر للحالة المزرية للسوق، الذي بات كثيرا من تجاره على قناعة بأن هذه الحالة لن تجدي معها لا الزيارات التفقدية ولا الحلول الترقيعية، ولا الوعود التطويرية التي انهالت على تجار السوق في أكثر من مناسبة.
مشكلة سوق المنامة القديم ان اكثر من جهة رسمية ظهرت بمظهر الراعية والحانية والمعنية بأمر السوق وبتطويره وباوضاع تجاره المطحونين معظمهم بهموم مصيرية، وتنافست هذه الجهات على الظهور بهذا المظهر، وفوجئنا في فترة تالية بان بعضها قد تخلى فجأة عن ابداء اي اهتمام بالسوق وكأن الامر لا يعنيه لا من قريب او بعيد..!!، لذلك كان محقا احد تجار السوق الذي قال اثناء الزيارة التفقدية لوزيرة الثقافة يوم الاربعاء الماضي بعد ان سمع بان ثمة لجنة ستشكل للنظر في اضفاء الطابع الجمالي والتراثي للسوق، حيث قال بان تجار السوق ليسوا في حاجة الى لجنة جديدة، ولكنهم بحاجة الى جدية والى تفعيل دور لجنة تطوير السوق، وهي اللجنة التي تشكلت منذ سنوات والمكونة من ممثلين عن عدة وزارات هي البلديات، التجارة، والاشغال، المرور والتي لم يعد احد يسمع عنها شيئا.
 
اعتقد ان ما قد يظهر من هموم في اللقاء التشاوري لتجار السوق الذي دعت اليه غرفة التجارة يوم الثلاثاء المقبل سيكون من باب تحصيل الحاصل، لانها ذات الهموم والمواجع التي تطرح وتتداول في كل مرة وقد يظهر من يتبناها ويعد بمعالجتها ولكن دون تقدم يذكر، ومن الخطأ الفادح ان تظل الزيارات التفقدية والاعلامية للمسئوولين الى هذا السوق ووعودهم بالتطوير والانعاش هي الاسلوب المتبع حتى الآن، خاصة وان هذه الوعود التطويرية تفتقر الى التزام ومدى زمني ورؤية واضحة، وقبل ذلك ارادة حقيقية تنتشل سوق المنامة القديم من غرفة العناية الفائقة والانتقال به من حال الى حال.
 

اقرأ المزيد