المنشور

مبادرات المصالحة والحوار المدني


سواء نجحت تلك المبادرات التي تدعو الى المصالحة والحوار المدني او لم تنجح، تبقى هي مبادرات جديرة بالاهتمام ومشكور سعي القائمين عليها. لا يخفى على الكل، حالة التشظي التي يعشها مجتمعنا، بسبب أحداث مرت بهذا الوطن لم تكن في الحسبان ولا في الخاطر، وزاد من وتيرة سرعة التشظي النفخ الطائفي البغيض الذي يغذيه أبطال (الكيبورد) من جهة، وبعض رجالات الدين من جهة اخرى.
 
تابعت خلال الايام الماضية، تغريدات كثيرة أطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي ضد اعلان تدشين مؤسسة للمصالحة والحوار المدني، التي اكد القائمون عليها انها ليست معنية بالشأن السياسي، بل كل ما يعنيها هو التصالح الاجتماعي الذي لعبت فيه السياسة ما لعبت، فتجذرت الفرقة وزادت الهوة، خصوصا اذا ما نظرنا الى الحالة الاقليمية التي عاشها الوطن العربي قبل الربيع، فقد كانت التأثيرات العراقية واللبنانية وغيرها منعكسة على مجتمعاتنا الخليجية الى حد كبير.
 
المؤسسة التي تم اطلاقها في 12 يونيو الماضي، تتبنى نهجا يعتمد على مساعدة المجتمع والتطلع الى ما بعد الوضع الحالي، مهمتها تقوية التضامن والتناغم الاجتماعي. هذا ما أعلن عنه مؤسس المؤسسة الاخ سهيل القصيبي، وشخصيا لم التق بالقصيبي من قبل ولا اعرف توجهاته لا من بعيد ولا من قريب، إلا ان اي شخص في هذا الوطن يحمل على عاتقه مسؤولية رأب الصدع وتحقيق الاندماج الاجتماعي هو محل تقدير، فنحن لا نعلم عن ظاهر الاخرين إلا خيرا، وبالتالي من غير المعقول ان نجد من يحمل الناس عل محاميل اخرى بعيدة كل البعد عن ظاهر الدعوات الخيرة التي يصدرونها.
 
هناك مع الاسف الشديد من لا يريد لعناوين المحبة ان تتصدر مجالس واحاديث الناس، يريدون فقط خطاب الكراهية والبغض وتصنيف الناس من يدخل الجنة ومن يدخل النار، لذلك هي حقيقة لا جدال فيها كثيرون من الشباب انفضوا عن مخالطة مجالس بعض رجالات الدين والسبب هو هذا الخطاب النتن الذي تلفظه افواههم، ألم يسمعوا تلك المقولات التي وردت في اللسان ويتعظوا بها، من بينها بيتان من الشعر جاء فيهما: احفظ لسانـــك أيها الإنسان….. لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه….. كانت تهاب لقاءه الأقران . لماذا لا نجعل من الكلمات التي تصدر من هذا اللسان كلمات حب ووحدة ووئام، بدلا من التشكيك في النوايا.
 
ان مبادرات المصالحات ولم الشمل الاجتماعي هي مبادرات تحتم علينا ان ندعمها، وان كانت هذه المبادرات ستتطور في حال تزامنت معها مبادرات سياسية تخفف حدة الشحن السياسي بين الاطياف المختلفة، إلا انه لا يجوز ان نكسر مجاديف كل من يحاول الابحار نحو شواطئ الوئام الاجتماعي.
 
الأيام  16 يونيو 2012
 

اقرأ المزيد

التنظيمات السياسية.. وإقصاء الآخر !!


كثيراً ما نتحدث عن الاختلاف والديمقراطية ولكن ما ان تتباين وجهات النظر ويحتدم الجدل حول الكثير من القضايا السياسية والمواقف الفكرية حتى نتعصب ونصادر الرأي الاخر وبدلاً من البحث عن نقاط الاتفاق والمسائل المشتركة نقصي الاخر رأياً وفكراً، والأدهى من ذلك نصنّف المختلف في خانة العار والانهزامية والانتهازية!!هذا يحدث أو ما يجري في اغلب الاحزاب السياسية العربية؟ لماذا؟ لأن لا مكان في صفوفها للمختلف وهذا يعني أما معنا أو ضدنا!! اذاً كيف الخروج من هذا المرض المزمن والمتفشي بين بعض النخب السياسية؟
 
هذا ما يجب البحث عنه خاصة ان تلك الاحزاب وتلك المنابر لا تزال مسكونة بأفكار وقناعات تدعي باحترام ثقافة الاختلاف في حين ان ممارساتها السياسية لا تحترم الرأي الاخر!! وحينما نتحدث عن اقصاء الاخر من أحزابنا العربية لا نقصد ان هذه المنابر لا تؤمن بالمبادئ الديمقراطية وإنما نقصد استغلال الآليات الديمقراطية لإزاحة المختلف، وهذا من شأنه يهدد وحدتها الداخلية وخاصة اذا ما كانت تلك الاحزاب تشهد أوضاعاً داخلية وتنظيمية تبعث وتساعد على الانقسام!! وهذا بطبيعة الحال يحمّل النخب السياسية مسؤولية كبرى لأن لا يكفي ان ترفع الوحدة كشعار في برامجها السياسية في حين انها في أمس الحاجة الى ادارة خلافاتها الداخلية بعيداً عن الكراهية والاقصاء، ونعني بذلك كيف تدير خلافاتها دون ان تفقد وحدتها وتوافقها الداخلي.
 
 وحول هذه القضية يقول محمد محفوظ في كتابه الاصلاح السياسي والوحدة الوطنية: ان التنوع الاجتماعي المتوفر في فضائنا والاختلاف الثقافي (والسياسي) يدفعنا الى ضرورة وإرساء تقاليد التواصل والحوار كل هذا بحاجة الى ثقافة الاعتراف بالآخر وجوداً وفكراً؛ لأن الكثير من الاضطرابات الاجتماعية والنزاعات السياسية هي من جراء غياب حقيقة الاعتراف بالآخر. فالآخر المختلف له حق التعبير عن ذاته وأفكاره وله كامل الحق للدفاع عنها بالوسائل المشروعة، كما اننا لا نملك ازاء هذا التنوع والاختلاف الا احترام الآخر بكل ما تحمله كلمة الاحترام من مدلولات ومضامين. وأن محاولات قسر الاخرين على رأي وفكر واحد لا تفضي إلا الى المزيد من التدهور على الصعد كافة. وذلك لان ممارسة القوة في فرض الآراء تقابلها ممانعة طبيعية وسياسية مما يؤسس لعملية المواجهة والتحدث. واحترام الرأي الاخر لا يعني بالضرورة الاقتناع به، كما ان عدم الاقتناع به لا يؤدي بأي حال من الاحوال الى ممارسة العسف تجاهه ومنعه من البروز. فاحترام الاخر وجوداً ورأياً من صميم الثقافة التي تؤكد على نفي الاكراه وعلى الوقوف بحزم ضد كل محاولات عسكرة الآراء أو اخضاع الاخرين لآرائنا بالقهر والقوة». وبالتالي فإن اي اقصاء لأي طرف سياسي بدعوى الاختلاف فإنه بالضرورة يقود الى التهميش، وهذا في كل الاهوال يتنافى مع شعارات الوحدة التنظيمية التي ترفع في العلن في حين ان المستور يقول عكس ذلك! .
 
من هنا من الضروري ان تخرج تلك النخب السياسية من هذه الازدواجية التي تكرّس حقيقة واحدة لا غير وهي نفي الاخر! وقد يحدث ذلك ربما ارضاءً لدوافع ايديولوجية وعقائدية أو مذهبية وطائفية أو ربما لدوافع شخصية وطموحات فردية تبحث عن الاطراء والتصفيق الحار في المنتديات السياسية واللقاءات الاجتماعية! ولا شك ان هذه الدوافع قد تنجح لبعض الوقت وليس كل الوقت هذه حقيقة ينبغي ان تدركها النخب وإن تعيها بعقلية سياسية منفتحة احوج ما تكون الى الوحدة لا للانفراد والتفرد والانقياد وراء شعارات التعصب الطائفي والتطرف السياسي! وفي كلمات اخرى، فإن تسوية الحسابات الشخصية والسياسية على حساب التعددية والتوافق فاتورتها مكلفة وخصوصاً اذا ما كان الهدف من تلك الحسابات الاقصاء وضرب الوحدة بعرض الحائط! ولذلك فإن الوحدة الداخلية لأي تنظيم سياسي لا تتحقق في ظل العمل وراء الكواليس بغية نفي الاخر! وكذلك لا تنجز التنظيمات السياسية برامجها وأجندتها من دون تمتين تلك الوحدة، وهذا يتطلب في جميع الاحوال رص الصفوف وإشاعة ثقافة الديمقراطية والتعددية لا الانقسامات والنزعات الفردية والبطولات المصابة بداء الغرور السياسي وتضخم الذات! إذن فالعلاقة وطيدة بين الديمقراطية والتعددية واحترام الرأي الاخر، إذ لا ديمقراطية في ظل الاقصاء! أو كما يقول محفوظ: بدون ارساء قواعد وتقاليد السلوك الديمقراطي في واقعنا لن نتمكن من استيعاب الفرص المتوفرة ومواجهة التحديات الضخمة التي تواجهها ويقول ايضا: لا بد ان نسهم في خلق ذهنية قوامها الديمقراطية والانفتاح والتواصل مع الاخر واحترام الآراء والتعبيرات المتعددة وفتح المجال للحوار المتعدد والمفتوح على كل القضايا والامور للوصول الى نهاياته المنطقية.
 
إذن، فالقضية ليست في تلك الشعارات الديمقراطية التي ترفع هنا وهناك وإنما القضية كيف نمارس الديمقراطية داخل وخارج التنظيمات السياسية؟ والسؤال الملح هنا هو: كيف تناضل احزابنا السياسية العربية من اجل الديمقراطية، في حين ان اوساطها الداخلية غالباً ما تفتقد الى التقاليد الديمقراطية! ولا شك ان هذه الاشكالية تعد في مقدمة ما تعانيه تلك الاحزاب.
 
الأيام  16 يونيو 2012
 
 

اقرأ المزيد

أسعار الغاز العالمية هل تصعد من جديد؟


ظل الغاز يؤدي دور الوصيف الثالث كمصدر للطاقة التقليدية الاحفورية بعد النفط والفحم سواء في تأمين جزء من الطلب المحلي من امددات الطاقة اللازمة لادارة عجلة الاقتصاد الانتاجي والاستهلاكي، أو في امداد الأسواق العالمية. ومع ان أسعار الغاز الطبيعي، كبقية أسعار السلع، تتحدد على ضوء أساسيات العرض والطلب، الا ان أسعار الغاز الطبيعي يمكن – أو هكذا يُفترض – ربطها بسعر النفط الخام والمتجات النفطية خصوصا في القارة الأوروبية المستهلك النهم للغاز.
 
وقد بقيت أسعار الغاز العالمية مستقرة لفترة طويلة عند مستويات منخفضة قياسا لأسعار النفط التي غادرت المستويات المتدنية (حوالي 3 دولار للبرميل) اعتبارا من منتصف سبعينيات القرن الماضي من خلال عدة عمليات تصحيح أوصلت سعر البرميل الخام من النفط اليوم الى ما فوق حاجز المائة دولار. فعلى سبيل المثال استمرت أسعار الغاز شبه ثابتة عند حوالي 4 دولار في المتوسط لكل مليون وحدة حرارية بريطانية “British Thermal Unit – BTU” (المليون وحدة حرارية بريطانية عبارة عن حجم الطاقة اللازم لتسخين أقل قليلا من نصف كيلوغرام (0.454 كغ) من الماء، أي بالضبط ما يوازي واحد على عشرة “عُشر” الجالون الانجليزي وبما يصل الى ما يتراوح بين 3.8 و 4.4 درجة مئوية) خلال الفترة الممتدة من عام 1990 الى عام 2000، تراوحت خلالها ما بين 1.05 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في عام 1992، وهو السعر الأخفض للغاز، و حوالي 4 دولار و 7 دولار خلال الفترة من يناير  2000 الى يونيه 2001. كان هذا في أسواق العقود الآجلة، وفي الأسواق الفورية، في محطة هنري للتحميل بالولايات المتحدة  على سبيل المثال، وصل السعر الى حوالي 11 دولارا.
 
وهكذا تكون أسعار الغاز العالمية قد ارتفعت بشكل درامي في عام 2000 وظلت محافظة على زخمها الصعودي حتى النصف الأول من عام 2001 وذلك بسبب ارتفاع الاستهلاك العالمي من الغاز وتراجع طاقة انتاجيته في الولايات المتحدة. ولكن وبمثل صعودها الدرامي انهارت الأسعار سريعا خلال فترة وجيزة (من سبتمبر الى نوفمبر 2001) الى ما دون دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وعادت الأسعار لتتخذ منحىً صعوديا من جديد ووصلت الى ذروتها في ديسمبر عام 2005 اذ بلغت 15.35 دولار، مع أهمية الملاحظة هاهنا بأن الأسعار سبق وأن طاولت هذا المستوى وكان ذلك في الثاني من فبراير عام 1996 حيث بلغ السعر 14.50 دولار وذلك بسبب موجة برد فجائية ضربت القسم الغربي من الكرة الأرضية لاسيما عبر الأطلسي. وخلال الشهور المنصرمة تدهورت أسعار الغاز من حوالي 7 دولارات في شهر يناير 2011 الى حوالي دولارين ونصف الدولار للعقود الآجلة تسليم نهاية العام الجاري (بحسب مجموعة بلومبيرغ).
 
وللمقارنة فقط، فانه في الظروف الاعتيادية كان متوسط النسبة والتناسب بين الغاز والنفط على أساس مقياس مليون وحدة حرارية بريطانية هو 1:6، أما اليوم حيث يباع الغاز بسعر حوالي دولارين ونصف الدولار مقابل أكثر من مائة دولار لبرميل النفط فقدت غدت النسبة التناسبية 1:37.
 
وكان التكالب على الثروة الجديدة الصاعدة في عالم الطاقة، خصوصا في الولايات المتحدة، ونقصد بها غاز المكامن الصخري أو السِجِّيل الغازي (Shale gas) من جانب الشركات المحلية النفطية الأمريكية المسماة بالشركات المستقلة (Independent oil and gas companies) لتمييزها عن الشركات النفطية العالمية (IOCs) وشركات النفط الوطنية للدول النامية (NOC)، قد أدى الى حدوث تخمة غازية أفسدت مخططات الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة للغاز في العالم التي أطربتها نشوة الصعود التاريخي لأسعار الغاز فعقدت في طهران في عام 2001، أي ابان طفرة أسعار الغاز العالمية، أول اجتماع لها لتأسيس منتدى منتجي ومصدري الغاز في العالم على غرار منظمة أوبك، حيث حضره مندوبون عن 11 دولة هي روسيا وايران وقطر والجزائر وليبيا وفنزويلا ومصر وبوليفيا وغينيا الاستوائية ونيجيريا وترينيداد وتوباغو، على اعتبار أن هذه الدول تتوفر على 70% من احتياطيات الغاز في العالم وتستحوذ على 38% من خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي وتضطلع بحوالي 85% من انتاج الغاز الطبيعي المسال (LNG) في العالم.
 
والحال أنه وبالعودة الى التاريخ الاقتصادي لاقتصاديات الطاقة سوف نجد أن عقدي 1050-1970 من القرن الماضي قد شكلا ما يمكن أن نطلق عليه بعصر النفط الرخيص، حيث حوَّل الكثير من محطات توليد الطاقة والمنشآت الصناعية مصدرها الطقوي من الفحم الى النفط، ولم يتوقعوا أن تحدث فيما بعد الصدمات النفطية التي أجبرت أسعارها المرتفعة قسما منها على العودة ثانية للفحم.
 
وهذا ما دفع الكثيرين للاعتقاد، كما أسلفنا، بأن عصر الغاز الرخيص قد انتهى على غرار ما آل اليه النفط، بعد أن راحت أسعار الغاز ترتفع رويدا رويدا مع توجه الكثير من الدول للاعتماد على الغاز في توليد الطاقة ابتعادا عن النفط وأسعاره الجامحة وعدم كفاية الطاقات الفائضة (Spare capacities)  من النفط أكثر منه لدواعي التوافق مع المعايير والمتطلبات البيئية العالمية المستجدة والمتصاعدة.
 
بيد أن سعر الغاز اليوم العائد الى ما قبل مستوياته الخفيضة ما قبل الجموح ربما يُجبر بعض منتجيه من الشركات النفطية الامريكية المستقلة – وهي في الغالب شركات صغيرة – على ترك وهجر مواقع تنقيبها الغازية (Well abandoning) هذا العام بسبب ارتفاع كلفة الانتاج في المواقع “التعدينية” التي استأجرتها لغايات التنقيب قياسا للتدفقات النقديـة الداخليـــة (Cash flow) للحقول الغازية محل التنقيب. ولا تكمن علة انهيار أسعار الغاز في عدم كفاية الطلب عليه أو الى دخول الغاز الصخرى الى سوق مصادر الطاقة العالمية على الرغم من أهمية هذا المتغير الجديد في احداث الفارق خصوصا بالنسبة للولايات المتحدة التي عوضها هذا الغاز المكتشف عن دفع فواتير استيراد غازية باهظة، وقلل بالتالي طلب أكبر مستهلك لمصادر الطاقة الاحفورية في العالم على الغاز. العلة تكمن، على ما نزعم، في عدم توفر الدعم اللوجستي لتصريف هذه السلعة ذات مواصفات النقل  الخاصة في الأسواق العالمية ذات الطلب العالي على الغاز مثل الأسواق الآسيوية التي تدفع اليوم حوالي 15 دولارا مقابل استيراد كل مليون وحدة حرارية بريطانية. ذلك أن الصناعة الجديدة لغاز المكامن الامريكي لم يُسعفها الوقت بعد لمواكبة ذلكم الانتاج الضخم والمفاجىء لغاز المكامن بانشاء البنية الأساسية لهذه الصناعة ومنها على نحو خاص شبكة أنابيب نقله الى مواقع التصدير الملائمة ومحطات معالجته (تحويله من حالته الغازية الى سائل أي تسييله ليصبح غاز طبيعي مسال LNG) لتسهيل نقله أي تصديره بواسطة ناقلات الغاز المصممة لهذه الغاية. ولعل هذا ما يفسر تزايد قائمة محطات استقبال الغاز المسال المستورد المقدمة للسلطات الامريكية والتي تطلب التحول الى محطات لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ولا يُتوقع أن يحدث هذا قبل عام 2015، حيث ستتحول حينها الولايات المتحدة ربما الى أكبر مصدر للغاز في العالم، اذ انها يمكن أن تصدر حوالي 17% من انتاجها من الغاز. واذا ما حدث هذ التحول (Shift) بتنفيذ هذه المشاريع فان الولايات المتحدة قد تغدو أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بحلول عام 2020. انما السؤال: هل هذا “الفتح” – ان جاز التعبير – البنيوي التحتي لصناعة الغاز العالمية، يكفي وحده لاعادة أسعار الغاز العالمية الى اتجاهها الصعودي الذي اتخذته في عام 2000؟

 في الحلقة القادمة من هذا الموضوع الحيوي لاقتصادات الطاقة سنحاول الاجابة على هذا التساؤل.    

اقرأ المزيد

أمن متعدد الأطراف للخليج


هدف مؤتمر: «أمن الخليج العربي: الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم» الذي انعقد في فندق السوفوتيل خلال اليومين الماضيين هو «البحث في إيجاد آفاق رحبة للحوار حول مستجدات أمن الخليج العربي، بحيث يتناول دور مجلس التعاون وكذلك بريطانيا والولايات المتحدة في الترتيبات الأمنية الراهنة، ومؤثرات الأمن الإقليمي، ودور اللاعبين الإقليمين فيه مثل إيران وسوريا والعراق، إضافة إلى مناقشة مزايا التعاون مع الجهات الفاعلة خارج المنطقة» وكان مفيداً الاستماع إلى مداخلات عدد من المشاركين في المؤتمر المذكور الذي نظمه مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية في بريطانيا، فقد سلط أصحابها الضوء على جوانب من هذا الموضوع الشائك المتصل بأمن واحدة من أكثر المناطق أهمية في العالم، إن لم تكن أهمها على الإطلاق بسبب ما في جوفها من مخزون نفطي هائل.
 
أحد المتداخلين قال في جلسة أمس الأول أن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، على كثافته، لم يمنع وقوع ثلاث حروب مدمرة فيها خلال العقود الثلاثة الماضية، كما تساءل عن مدى وجاهة أن تتعاطى الولايات المتحدة مع الأمن في منطقتنا بصفته مهمة أمريكية فقط، وليس مهمة متعددة الأطراف، بالنظر إلى أن العالم كله معني بما يدور فيها، وعلينا هنا التذكير بردة الفعل الأمريكية المتشنجة حين قدم الاتحاد السوفيتي ما عرف يومها بمبادرة بريجنيف التي دعت إلى تحويل الخليج والمحيط الهندي إلى بحيرة سلام خالية من القواعد الأجنبية.
 
منذ عدة سنوات وضع كاتبان أمريكيان تقريراً عن الأوضاع في منطقة الخليج العربي وأفقها المستقبلي، محوره دعوة دول المنطقة إلى ما وصفاه بـ «التعايش مع المتغيرات»، منطلقين من حقيقة شبه الاحتكار الأمريكي الحالي لكل من النظام الأمني والترتيبات الأمنية الأحادية الجانب، مما يؤجل عملياً العمليات الجيوسياسية العادية في الخليج. ولاحظ كاتبا التقرير وهما: أي فولر وايان اوليسر أن التحرك نحو بنيان امني إقليمي فعال هو أمر أساسي إذا ما أريد التقليل من المخاطر، لكن هذا التقرير صيغ، هو الآخر، بروحية أن أمن الخليج هو مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول وحلفائها الغربيين إلى حد ثانوي، ويغفل، لا بل يفند، مقولة أن يكون هذا الأمن جزءاً من منظومة الأمن الإقليمي المتفاهم عليه بين دول المنطقة في سياق اشمل للأمن العربي، ويبرز بصورة مكبرة أن دول الخليج الصغيرة المنتجة للنفط غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد اللاعبين الكبار في المنطقة، فانه لا يستطيع الهروب من الإشكالات الكثيرة الناجمة عن إشاعة مفهوم أن أمن المنطقة سيظل مهمة الدول المستفيدة من نفط الخليج.
 
المغيب في مثل هذه الأطروحات هو أن في هذا الخليج شعوب ودول معنية بأمن هذه المنطقة، الذي هو أمنها وأمن أجيالها القادمة في الدرجة الأولى، ورغم أن دول المنطقة خطت خطوة في الاتجاه الصحيح بتشكيلها لإطار مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية تمتلك درجة من التجانس، وبتمكنها من الحفاظ على استمرار هذا الكيان رغم بعض الخلافات، ورغم الهزات الكبيرة التي عرفتها المنطقة، لكن يظل أن المنتظر من هذا الإطار أكبر بكثير من المنجز.

اقرأ المزيد

مسألة الأكثرية والأقلية


لا توجد أي إحصائية رسمية تثبت أن أيّاً من الطائفتين الكريمتين تمثل الأغلبية في البحرين، ولم يكن ذلك يشكل أي فرق في السابق، حيث لم يشكل هذا الموضوع في أي وقت مضى مسألة مفصلية بالنسبة إلى الشعب البحريني الذي لم يعرها أي أهمية.
 
هذه المسألة لا يجب أن تؤخذ بحساسية مفرطة، بشرط أن يسود مفهوم المواطنة والعدالة بين جميع المكونات.
 
ومع ذلك لا يمكن السكوت عن الأصوات التي أخذت من غياب مثل هذه الإحصائيات مدخلاً لترويج الأكاذيب، بشأن استحواذ طائفةٍ معينةٍ على أغلب الوظائف سواءً الحكومية منها أو في القطاع الخاص، بالإضافة إلى هيمنة هذه الطائفة على مجمل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات أهلية ومهنية.
 
إن ما تطرحه هذه الأصوات من أن أغلب الأطباء والممرضين وأساتذة الجامعة والمهندسين والمعلمين وموظفي الوزارات الحكومية والمحامين والتجار وطلبة الجامعات وموظفي البنوك والفنيين وحتى الفراشين وحراس الأمن وبائعي الخُضَر والسماكين هم من فئة معينة – حتى أن البعض دعا إلى إنشاء أسواق خاصة في بعض المناطق أيّام الأزمة بسبب أن الطائفة الأخرى هي المهيمنة على النشاط التجاري وخصوصاً ما يتصل باستيراد المواد الغذائية – نقول إن ما تطرحه هذه الأصوات صحيح تماماً، وإن لذلك تفسيراً بسيطاً جداً، وهو أن هذه الطائفة تمثل بالفعل الغالبية في المجتمع البحريني، ولذلك فهي منتشرة بشكل أفقي في جميع المناطق والوظائف.
 
ولكن في المقابل فإنّ هذه الأصوات نسيت أو تناست أن أغلب الوزراء ووكلاء الوزارات والضباط والسفراء والدبلوماسيين ومديري ورؤساء البنوك والشركات الحكومية الكبرى ورؤساء تحرير الصحف والنواب وأعضاء مجلس الشورى وموظفي الوزارات السيادية غالبيتهم من طائفة أخرى.
 
حتى أن هذه الأصوات أخذت تنادي في الوقت الراهن بضرورة إقصاء بعض المسئولين الحكوميين القليلين – حتى وإن كانوا أكثر ولاءً للسلطة – لمجرد أنهم من طائفة معينة.
 
كيف يكون الأمر منطقيّاً حين تكون قاعدة الهرم الاجتماعي من فئة معينة في حين يكون الجانب الآخر من طائفة أخرى؟
 
لا أحد يدعو إلى المحاصصة الطائفية، ولسنا بحاجةٍ إليها، ولا أحد يدعو إلى إجراء تعداد سكاني ليثبت أن أيّاً من المكونين الأساسيين في هذا الوطن يمثل الأغلبية، كل هذه الأمور يمكن تجاوزها حين يكون المواطن البحريني ومهما كان مذهبه أو طائفته أو قبيلته أو عائلته يعامل بعدالة ومساواة، وهذا ما قامت من أجله جميع حركات الربيع العربي الذي مازال مستمراً في عددٍ من البلدان.
 
 

صحيفة الوسط البحرينية – 12 يونيو 2012م
 

اقرأ المزيد

خطاب الحوار لا خطاب التأزيم


في ساحتنا السياسية والإعلامية يلحظ المرء خطابين: أحدهما يعيد إنتاج الأزمة ويؤجج مناخاتها لتبقى بيئة التوتر سائدة في المجتمع، يراوح في مداراتها وغير قادر على تجاوزها، وخطاب يدعو لتجاوز آثار هذه الأزمة وتداعياتها المؤلمة على كافة الأصعدة، من خلال التوقف عند الأخطاء، والعمل في سبيل تصحيحها، عبر آلية حوار وطني شامل يستوعب الأطراف الفاعلة في المجتمع، القادرة على أن تكون شريكاً في إخراج البلد من أزمته.
 
مصلحة البحرين ومستقبل شعبها، وآفاق الاستقرار والتنمية والعيش المشترك لأبنائها من مختلف التنويعات مرهون بالنجاح في المضي على طريق المصالحة الوطنية، وهناك العديد من التجارب التي يمكن أن نتعلم منها في هذا الاتجاه، رغم تفاوت الأوضاع واختلافها بين بلدنا والبلدان الأخرى، لكن العبرة في جوهر الموضوع، لا في التجليات التي يعبر عن نفسه من خلالها. بل أن في مثل هذه المقارنة بين وضعنا وبين تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال ما يحسب لصالحنا، فعلى الرغم من فداحة ما جرى ويجري عندنا على مختلف الأصعدة، ألا انه لا يقارن من حيث الحجم والاتساع والتداعيات مع ما شهدته بلدان أخرى.
 
ومن التجارب القريبة لنا والتي يمكن أن تفيدنا في أكثر من وجه تجربة المغرب حين شكل الملك محمد السادس لجنة الإنصاف والمصالحة في مطالع عام 2004، التي كان من ضمن مهامها تقرير تعويض ضحايا القمع في مراحل سابقة، وقد ترك نجاح هذه التجربة آثاراً بالغة الأهمية في الحياة السياسية المغربية، وكذلك على الصعيد الإنساني، وساعدت هذه التجربة على تمكن المغرب من المضي في المزيد من الإصلاحات السياسية المهمة.
 
بطبيعة التوصيات التي خلص اليها تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة المستشار بسيوني والتي يتصل بعضها بموضوع المصالحة الوطنية، تشكلت في البحرين قاعدة يمكن الركون إليها في ولوج طريق المصالحة الوطنية، من خلال معالجة ملف جرائم الاستخدام المفرط للقوة والقتل خارج القانون، وإيجاد آلية مستقلة للتحقيق فيها، وكذلك تعويض الضحايا وذويهم مما لحق بهم من عسف، على أن تشكل هذه المعالجة منطلقاً لحل سياسي شامل في البلاد، يقطع مع جراح المرحلة الراهنة التي ما نزال نعيش تداعياتها المؤلمة حتى الساعة.
 
والحل السياسي يتطلب تهيئة أرضيته من خلال معالجة القضايا ذات الطابع الإنساني، لكن في نهاية المطاف لن يمكن خروج البلد من الأزمة الراهنة إلا عبر الحل السياسي التوافقي، الذي يراعي التعقيدات المحلية والإقليمية، وينطلق من رغبة الشعب البحريني في المزيد من الإصلاحات، وتكون فيه الأطراف المختلفة مستعدة للبحث عما يجمع، وخلق القواسم المشتركة.
 
من السهل جداً إعادة اجترار الحكايات نفسها عما جرى ويجري، واستخدامها وقوداً لاستمرار التأجيج السياسي والاحتقان الاجتماعي، ولكن الصحيح هو الصعب دائماً الذي يتطلب اجتراح الحلول بايقاف دوامة العنف والتأزيم، وتطييب الجراح التي أُثخن بها الوطن وأبناؤه، وفتح طريق التصالح، بما يضمن للبحرين أمنها واستقرارها، ومعافاة الوضع الاقتصادي فيها، وتهيئة سبل إقلاعها نحو المستقبل.


13 يونيو 2012

اقرأ المزيد

من أي وجه نقارب غسان تويني؟


تحار من أي وجه من الوجوه تقارب شخصية إعلامية ودبلوماسية وسياسية بقامة غسان تويني الذي غادرنا للتو. فاسمه ارتبط بأكثر من حدث وبأكثر من اهتمام وخبرة. حسبه انه أدار طوال عقود صحيفة «النهار» التي يشهد لها المختلفون معها، قبل المتفقين، على أنها كانت مدرسة فريدة في الصحافة اللبنانية والعربية عامة، من حيث الحرفية والمهنية والمصداقية، والتي طورت لنفسها شخصية لا نظير لها في التحرير والإخراج والتبويب، وأن تؤدي رسالتها وسط حقل الألغام اللبناني المليء بالفخاخ السياسية والمذهبية، وأن تقدم لنا أسماء لامعة في دنيا الصحافة والفكر، بينها، مثلاً، الراحل، غيلة، ميشيل أبوجودة والشهيد سمير قصير.
 
«النهار» لم تكن صحيفة فحسب، إنما كانت مدرسة صحافية لا تشبه إلا نفسها، وكانت إلى ذلك مؤسسة للطباعة والنشر قدمت للقارئ العربي كُتباً وكتاباً يشهد لها ولهم، أي للكتب والكُتاب معاً، بالرصانة والموضوعية والثراء المعرفي. ووراء ذلك كان يقف عقل ببراعة عقل غسان تويني، الوطني اللبناني، الذي ذاد عن استقلال لبنان ووحدته واستعادة أراضيه من الاحتلال الإسرائيلي من موقعه كإعلامي وكدبلوماسي هو الذي مثلَّ لبنان في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكان وراء استصدار المجلس المذكور للقرار 425 الشهير حول سيادة لبنان على أراضيه، واليه تُنسب المقولة المدوية: «اتركوا شعبي يعيش في سلام»، في قبة هيئة الأمم المتحدة ، والتي جعل منها عنواناً لأحد كتبه.
 
رحل غسان الأرثوذكسي الذي تزوج من درزية، مؤكداً تجاوزه لأسوار المذاهب والطوائف، وأشهر أحد كُتاب الافتتاحيات الصحافية في لبنان والعالم العربي، التي كانت مجساً للمخاضات السياسية في البلد والمنطقة، مستنداً في ذلك على مهاراته الصحافية وعلى عمق تحليله وبعد نظره وشبكة علاقاته المحلية والدولية، التي تجعل من هذه الافتتاحية مؤشراً على المسارات المتوقعة للأوضاع.
 
هذا التألق في الحياة المهنية والدبلوماسية تجاور مع تراجيديا حياته الشخصية هو الذي فقد زوجته ناديا مبكراً، ثم ابنته التي ماتت طفلة بالسرطان، وقضى ابنه الأول في حادث سيارة بفرنسا، فيما ذهب ابنه جبران في اغتيال سياسي آثم دبرته عصابات القتل التي تضيق بالرأي المستقل، بالرأي الآخر.
 
غسان تويني نتاج لبنان التعددي، الديمقراطي، الذي تشكل من السجال الفكري والثقافي المنفتح على آفاق المعرفة الإنسانية والمدارس الحديثة في الصحافة والإعلام والفكر، لبنان حامل المشروع المستقبلي الذي داهمته غلواء الطوائف والمذاهب وتدخلات أنظمة الاستبداد العربي والإقليمي، التي قطعت مسار الحداثة في لبنان وفي المحيط كله، حينما أرادت أن تجعل من لبنان المنفتح، المتعدد، على صورتها الشمولية، الأحادية، فأدخلته في نفق الحروب الأهلية المستمرة والمتقطعة، وحولته إلى ساحة تصفية للحسابات الإقليمية، في تناغمٍ مثير للريبة مع العدوانات الإسرائيلية المتواصلة عليه، والطامعة في مياهه وأراضيه.
 
قامة أخرى بعقل متقد تغيب في وقت تعز فيه مثل هذه القامات.
 
12 يونيو 2012

اقرأ المزيد

الإعلام: ثقافة أم أداة توصيل ؟


علينا أن نتفق، أولاً، على ما نعنيه بالثقافة، وما نعني بالإعلام، لكي لا نجد أنفسنا في متاهة تعريفات الموضوعين، وليس هنا مقام استعراض المفاهيم المتعددة التي قدمت للثقافة، فذلك حديث أكاديمي يطول، وسنكتفي بتحديد ما نجده أكثر دقة واتساقاً مع حديثنا هذا، لنقول إننا أميل للنظر للثقافة بوصفها تلك المظلة الواسعة التي تتسع للتعبيرات الأدبية والفنية والمفاهيم وأشكال العيش والرموز المتعددة التي تميز شعباً عن شعب آخر.
 
ولا يجعلنا ذلك نغفل عن ملاحظة المفارقة الناجمة عن كون الثقافة تجمع في الآن ذاته بين الخصوصية والتعددية، فهي إذ تعي أوجه الفرادة الخاصة التي يمكن أن تميز ثقافة شعب عن ثقافة شعب آخر وثقافة أمة عن أخرى، فإنها في الآن ذاته قائمة على عدد محدود من القيم والمبادئ والأفكار المتشابهة، ولكنها تختلف في أشكال تجليها بين ثقافة وأخرى، وحضارة وأخرى.
 
وإذا انطلقنا من هذا التحديد للثقافة فإن المعضلة الأكبر ستنشأ عند الحديث عن الإعلام، فهل يجب النظر إليه على انه مجرد موصل أو ناقل أو حامل للثقافة، أم انه هو بحد ذاته ثقافة، أو شكل من أشكالها، وهذه إشكالية جدية تتصل بأي حديث يدور حول حدود وقدرات الإعلام في خدمة الثقافة. لأنه إذا اكتفينا بالنظر إلى الإعلام على انه مجرد خادم، أو لنقل في تعبير أكثر تهذيبا مجرد ناقل أو موصل فإن الأمر قد يعطي، ولو في حدود معينة، صك براءة للإعلام لأنه إنما ينقل ما هو متيسر في المجتمع من ثقافة، فهو لا يصنعها وإنما يوصلها فقط، كما توصل المطبعة الكتاب للقارئ، وبالتالي فانه ليس مسؤولاً عن مستوى جودتها أو رداءتها، فذلك ليس شأنه.
 
أبلغ تشبيه للفرق بين الإعلام والثقافة هو ذالك الذي قدمه د. مصطفى المصمودي حين قال: «إذا كانت أجهزة الثقافة بمنزلة الحرفي التقليدي كالنجار والحداد والنقاش يسعى إلى الكيف أكثر من الكم فإن أجهزة الإعلام تكون أشبه بالآلة الصانعة التي لا تعتبر إلا الكم انطلاقاً من نموذج قياس موحد.
 
يحثنا هذا على ملاحظة حقيقة أن الإعلام هو نمط من الثقافة، أو للدقة فإنه يقدم الثقافة الخاصة به إلى الجمهور، الثقافة التي تلاءم طبيعته، وهي طبيعة جرى تكريسها على أنها ثقافة الترفيه والتسلية، ورغم أن المعرفة ليست نقيض التسلية بالضرورة، ولكن الرأي استقر على أن مهمة التلفزيون هو أن يُسلي وأن ينأى عن المادة الدسمة التي تتطلب تركيزاً ذهنياً، وبالتالي فانه، من حيث أردنا أو لم نرد، ساهم في خلق نوع من «الثقافة «الشعبوية « الخفيفة، لا بل والاستهلاكية، أو ما بات يطلق عليه في دراسات علم الاجتماع الثقافي تعبير الثقافة الجماهيرية.
 
وعلى خلاف الثقافة التي يعد الاستثمار فيها تعويلا على المستقبل، لأنها لا تعطي اُكلها إلا بعد حين قد يطول، فإن خطورة الإعلام تكمن في راهنيته، لأنه يمتلك مقدرة هائلة في تكييف الأدمغة وفق مقتضيات اللحظة الراهنة، بما يلبي حاجات القوى الممسكة بمفاتيح القوة على أنواعها.
 

اقرأ المزيد

لو عممت تجربة غرفة التجارة !


لو أنَّ جميع المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى التي فصلت الموظفين من أعمالهم لديها؛ قامت بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عما حصل في تلك الفترة وكيف تم إيقاف وفصل الآلاف من أعمالهم، ومن هم المسئولون عن ذلك؛ كما فعلت غرفة تجارة وصناعة البحرين، لانكشفت أمور وأسرار، وقضايا فساد وتزوير، ولأصبح من قام بالتحقيق مع الموظفين المفصولين ومن قام بالتوقيع على قرارات الفصل، في قفص الاتهام الآن، بدلاً من الذين قطعت أرزاقهم.
 
بعد أن أخذت فترة «المكارثية البحرينية» مداها انتفض عددٌ من التجّار وأصحاب الأعمال البحرينيين خلال الجمعية العمومية التي عقدت في غرفة التجارة في 8 إبريل/ نيسان الماضي للوقوف ضد الإجراءات التي اتخذها مجلس الإدارة خلال الفترة الماضية ومن بينها فصل عضوين من أعضاء المجلس وأحد رؤساء اللجان بالإضافة إلى 4 مديرين، وما يقرب من 6 موظفين، وطالبوا بإعادة جميع المفصولين، سواءً من مجلس الإدارة أو الموظفين، كما طالبوا بتشكيل لجنة للحقيق في التجاوزات التي حدثت خلال هذه الفترة.
 
وبالفعل، تم تشكيل لجنة مكونة من خمسة من أعضاء الجمعية العمومية للغرفة، للتحقيق فيما قامت به الإدارة التنفيذية العليا في الغرفة ومن بينها، فبركة محضر اجتماع الجمعية العمومية للغرفة والذي تمت فيه المطالبة بـ «محاسبة المتورطين» من التجار في أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، والتزوير في بيانات راتب المدير التنفيذي للغرفة المقدّمة لهيئة التأمين الاجتماعي، والتحقيق في الفصل غير القانوني لموظّفي الغرفة.
 
كان من المفترض أن تقوم لجنة التحقيق برفع ما توصلت إليه إلى مجلس الإدارة أمس (الخميس)، إلا أنها أعطيت 10 أيام إضافية بهدف الانتهاء تماماً من تحقيقاتها. لكن ما صرح به رئيس لجنة التحقيق حتى الآن يؤكد وجود «تدليس وتلاعب بين قرارات وتوصيات الجمعية العمومية الأخيرة، بين التسجيل الصوتي، والتدوين الكتابي». ويقول: «لاحظت اللجنة خلال تحقيقاتها مع مختلف الموظفين التنفيذيين، المفصولين أو القائمين، تواتر بعض الأسماء في الجهاز التنفيذي المسئولة عن شبهات الفساد ومخالفة قوانين الغرفة ولوائحها الداخلية، وقد تبين للجنة أن هذه العناصر انتهزت الأحداث المؤسفة التي مرت بها البحرين للتخلص من الكفاءات التنفيذية والإدارية وإحلالها بكفاءات تم توظيفها من خارج الغرفة… وفي نظرنا أن بعض المتنفذين يتعامل في الغرفة وكأنها دكانٌ خاصٌ به أو فستان خاص به ولجماعته».
 
ماذا لو عُمّمت تجربة غرفة التجارة، وتم تشكيل لجان للتحقيق فيما قامت به المؤسسات الحكومية والخاصة، خلال الفترة الماضية، فما الذي ستتوصل إليه؟ 
 



صحيفة الوسط البحرينية – 08 يونيو 2012م

اقرأ المزيد

تعميم من الأدراج العتيقة


كان ممثلو مؤسسات المجتمع المدني في البحرين من أطباء ومحامين ومهندسين ونقابيين، وممثلات للجمعيات النسائية، هذا فضلاً عن أدباء البحرين ومثقفيها، بين قلة قليلة من ممثلي البلدان العربية الأخرى الذين لهم أن يتباهوا بكونهم مستقلين عن الموقف الرسمي، على خلاف نظرائهم في بلدان يحكمها الحزب الواحد، أو تقوم الحكومات بتعيينهم لتمثيل بلدانهم في فضاءات يجب أن تكوم مستقلة عن تدخل الحكومات، وأن تعكس الموقف الأهلي، سواء افترق عن الموقف الحكومي أو تقاطع معه في هذه القضية أو تلك.
 
أذكر أن ممثلي المعارضة المغربية حين يشاركون في مؤتمر من المؤتمرات يضعون نصب أعينهم، لا بل في مقدمة أولوياتهم الدفاع عما يعتبرونه «مغربية» الصحراء الغربية التي كانت تهيمن عليها جبهة البوليزاريو، وهو نفس الموقف الذي تتبناه الحكومة المغربية، لكنهم بالمقابل كانوا يطرحون مواقف المعارضة من الحريات والإصلاح السياسي بتصميم، وفي هذا كانوا يجمعون بين موقفهم من وحدة أراضي بلادهم، دون أن يعني ذلك تماهيهم مع الموقف الرسمي من القضايا الأخرى.
 
من الأمور التي تحسب لمؤسسات لمجتمع المدني في البحرين انها نبعت من قلب الحراك المجتمعي المستقل عن الدولة، وليس القصد هنا أنها نشأت لمغالبة الدولة، وإنما لتتوفر على أهم شرط من شروط المجتمع المدني وهو الاستقلالية، وكتبنا هنا منذ فترة أن المجتمع كان أسبق من الدولة في تنظيم نفسه في هيئات معبرة عنه، ومجسدة لمصالح وتطلعات قطاعاته المختلفة، ويعود الفضل في ذلك للشرائح الحديثة من الكفاءات المهنية والثقافية التي تلقت خبراتها الأولى في العمل النقابي في صفوف الحركة الوطنية والتقدمية البحرينية، واستطاعت أن تضع مداميك المجتمع المدني البحريني الحديث المناهض للطائفية والمعبر عن كافة فئات المجتمع.
 
صحيح ان هذه التجربة لم تخلُ من أخطاء لا سبيل لنكرانها في بعض الحالات، ولكنها أخطاء من النوع الذي يمكن التغلب عليه مع تعمق التجربة ونضجها، ولا يصح وضعها في سياق يعطيها أكبر من حجمها، لو قارنا الأمر بما بات يتهدد استقلالية مؤسسات المجتمع المدني في الفترة الأخيرة.
 
هذه الاستقلالية باتت مهددة، وأشرنا في حديث سابق إلى بعض مظاهر ذلك، ونضيف اليوم التعميم الآتي من أدراج عتيقة والموجه من قبل وزارة التنمية الاجتماعية إلى مجالس إدارات المنظمات الأهلية يقول فيه مرسلوه إن «غالبية الجمعيات والأندية لا تقوم بتزويد الوزارة بصورة من قرارات اجتماعات مجالس الإدارة خلال 10 أيام من تاريخ الاجتماع». وتعود هذه المادة إلى ترسانة التشريعات المقيدة للحريات ولاستقلالية المجتمع المدني، ومنها قانون الجمعيات الأهلية الصادر في عام 1989 في مرحلة أمن الدولة.
 
ما الذي تتوقع الوزارة أن تبحثه مجالس اداراة مؤسسات أهلية في اجتماعاتها غير وضع ومتابعة تنفيذ الخطط والأنشطة المتصلة بطبيعتها، وطبيعة المجالات التي تنشط فيها، وبالتالي يبدو مثيراً للسخرية موافاة الوزارة بمحاضر اجتماعات تتضمن تفاصيل غير ذات أهمية للوزارة، والدليل أن المشرع فطن إلى ذلك، فحرص على عدم تضمين مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي سيحال للبرلمان قريبا مثل هذه المادة.
 
 10 يونيو 2012

اقرأ المزيد