المنشور

عبد الإله أبو علي


الخلود لشهيد طبقتنا العاملة ..عبد الإله أبوعلي …الذي استشهد صباح اليوم الخميس أثناء العمل … لشهيدنا الرحمة.. ولذويه ومحبيه ورفاقه العمال الصبر والسلوان .
 
عبدالصمد الليث



 
  
  

 
عبد الإله أبو علي 




  
 
قد شادَ ألبا من البحرين شـــبّانُ         بكدحهم ترتقي للمجدِ أوطانُ
في مصنع ِالموت ِللعمّال ِمأثرة         تبقى نشيداً به تزدانُ أوطانُ


××××××××××

آه كم مِنْ كادحٍ صارَ الـقـتـيـلْ          ونجيـع ُالدمِ مـهـدوراً يسيل ْ
ثــاكـلٌ قـلـبُ أوال .. ودّعــت          إبـنها عـبـدَ الإلــهِ بالـرحـيـلْ


××××××××××

قمْ للشـــغـيلةِ واندب الأقـمـارا           فلقد قضوا ودماؤهم تـتجارى
في كـلِّ آونـةٍ يـفارقُ ســاطـعٌ            ويعـيش كلُّ الكادحـين حيارى
ماذا جنـى العمالُ كيما يـُبـتلوا           بالمـوتِ حتّى ماثلوا سنمارا
صـاروا لبحرِ الضيمِ أصدافَ           الغنى ولغيرِهمْ صيدُ اللآلئ صارا
عبدُ الإلهِ مضى وأورث َفقدهُ           (أسماءَ) يُتماً إذْ أصابَ صغارا
والأمُّ ثكلى والعـزيزةُ زوجـهُ           عـَبرى و والدهُ يفيضُ جمارا
تبّـاً لقابـيلَ الـنقـود ِوبطــــشهِ           وبما أتى فلسوفَ يُلحـقُ عـارا
سينال أســـيادُ الحياةِ حقوقَهمْ            ما دامَ وعيهـُـمُ يـَخـطُّ مسارا
 

اقرأ المزيد

نزع الليبرالية من شجاعتها


كشفت التطورات الحاسمة في عالمنا العربي عن هشاشة موقف من يصفون أنفسهم بالليبراليين، لا لأن الفكرة الليبرالية هشة، فهي نتاج مدرسة فكرية وسياسية عظيمة متعددة الأوجه والجوانب في تطور الفكر السياسي في العالم، وإنما بسبب كون بعض من يرتدون عباءتها في عالمنا العربي عاجزين عن تمثل هذه الفكرة، لأنهم يفتقدون أحد أهم شروطها وهو الشجاعة .

لا يصح التقليل أبداً من مخاطر الردات الاجتماعية والسياسية المحتملة عن المنجز المتاح في بلداننا نتيجة تطور مديد قطعه المجتمع بفضل جهود ودعوات المصلحين والمجددين، وبفضل ما يَسرهُ انتشار التعليم والوعي، ومجمل التطورات الاجتماعية، في مجالات الحريات الفردية وحقوق المرأة وتحديث بُنى المجتمع المختلفة، وهو أمر تحدثنا فيه غير مرة، ونحن من الرائين أنه يتعين استنهاض كافة قوى الحداثة في البلدان العربية لتقف صداً يحول دون مثل هذه الردات، على خلفية نشوء أنظمة حكم جديدة ينتسب المُستوون عليها إلى أطر حزبية وفكرية معروفة بانغلاقها على ذاتها وتزمتها .

هذا أمر، وأمر آخر أن يجري تحت هذه الذريعة ممالأة قوى الفساد والاستبداد التي أوصلت عالمنا العربي إلى ما وصل إليه من أزمة خانقة، بلغت مستوى لم يعد معه ممكناً تحاشي الانفجارات التي رأيناها ونراها . صحيح أن الليبرالية تعني في أحد مرتكزاتها الأساسية شجاعة التصدي لكل ما يعيق التقدم من قيود على الفكر، ولكن صحيح أيضاً أنها تعني شجاعة الدفاع عن الحقوق السياسية للمواطنين . ولا تصح المطالبة بتحرير العقل من الأوهام، في الوقت الذي يجري السكوت فيه عن الاستبداد الذي من مصلحته تأبيد الجهل وقمع حرية العقل .

كان مفكرون عرب قد رأوا منذ فترة أن الحديث لا يدور فقط عن أصولية محافظة ترفض الغرب في المطلق، وإنما عن أصولية أخرى، ليبرالية الطابع هذه المرة، تلتقي من حيث أرادت أم لم ترد في جوهر الموقف مع الأمر أعلاه في نفيها لفكرة الحوار الثقافي والحضاري، ويمثل هذه الدعوة من يعرفون اليوم ب”الليبراليين الجدد”، ومن يمثلونهم في العالم العربي الذين يحصرون الحداثة في شقها الاقتصادي والفكري، مغفلين بعدها السياسي – الفكري النابذ للاستبداد والداعي للعدالة الاجتماعية والحقوق السياسية .

ينزع دعاة هذه الليبرالية عنها شرط الشجاعة الذي يجب أن تتحلى به، حين يزدرون مفهوم العدالة الاجتماعية، التي تبدو بالنسبة لهم موروثاً فقد شرعيته، لأنها تنتسب إلى عصر الأيديولوجيات والقيم المثالية التي لم يعد لها مكان في عالم اليوم القائم على اقتصاد السوق، وعلى حرية المبادرة الفردية التي يعرف الأذكياء والنشطون استغلالها، وبالتالي فإنهم مستعدون للمساومة على قاعدة جوهرية في الفكر الليبرالي، من خلال تحبيذهم لاستمرار الاستبداد السياسي، والتماس الأعذار له، بحجة الخوف من البدائل المحتملة .

مقارعة الاستبداد هي في الأساس، مسؤولية القوى الحديثة التي تحمل مشروعاً للمستقبل، وهو مشروع ناقص، أو فاشل سلفاً، إن خلا من بعدي العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية، بل إن جوهر الأزمة الراهنة في العالم العربي ناجم عن أن القوى التي أقامت أنظمة باسم الحداثة، أسقطت من اعتبارها، خاصة في العقود الأخيرة، هذين البعدين، فأوصلت بلدانها وشعوبها إلى المهالك التي نعرف .

اقرأ المزيد

فلتلد الثورات اقتصاداً عربياً إنسانياً – د.علي فخرو

هذا الإقحام المتعمَّد للاقتصاد في مسيرة الثورات والحراكات العربية
يتطلب فهماً عميقاً للموضوع واتفاقاً على نوع العلاقة التي يجب أن تسود
فيما بين الاقتصاد والسياسة. إن قوى الثورات المضادة تتحدث ليل نهار عن
تراجع السياحة والاستثمارات، وعن ارتفاع نسب البطالة وغيرها من جوانب
الاقتصاد في بلدان الثورات والحراكات. وهي بذلك تريد حشر المواطنين في
زاوية الاختيار بين حلّ الإشكاليات السياسية أو حلّ الإشكاليات الاقتصادية.

هذا
اختيار لا معنى له، ذلك أن الاقتصاد لم يكن قط مستقلاً عن السياسة وعن
هيمنتها عليه حتى يضطرَّ المواطنون للاختيار. فالحياة السياسية المؤسَّسية
الديمقراطية غير الفاسدة وغير المسيطر عليها من قبل أقليّات الامتيازات، لا
يمكن إلا أن تؤدّي إلى اقتصاد إنساني أخلاقي عادل. والعكس صحيح. ولذا
فالمحاولة العولمية لإقناعنا بأن الاقتصاد له قوانينه الذاتية التي لا رادّ
لها هي محاولة مضلّلة، ذلك أن الاقتصاد والسياسة هما من صنع الإنسان، ومن
صنع المواطنين، وبالتالي يمكن تغييرهما وإصلاحهما ووضع مسار جديد لهما.

قيادات
الثورات والحراكات إذن يجب أن لا تخضع للابتزاز ولا تستبدل الديمقراطية
والحرية والكرامة التي تحارب من أجلها بنجاحات، هي في الأصل كانت متواضعة
ومتذبذبة، في بعض جوانب الاقتصاد من مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية
والمظاهر الكمالية.

لكن ذلك لا يعني إعفاء قوى الثورات والحراكات من
إعطاء الاقتصاد اهتمامها الكبير، بل على العكس من ذلك. إنّما المطلوب في
الحال هو الاتفاق على أسس وقوانين وضوابط الاقتصاد التي يجب أن تتبنّاها
أنظمة وحكومات وبرلمانات ما بعد الثورات والحراكات، والتي يجب أن يحارب
المواطنون بشتى الطرق من أجل تبنّيها من قبل تلك الجهات التشريعية
والتنفيذية.

مربط الفرس هو أن تعرف قيادات الثورات والحراكات نوع
وأسس الاقتصاد الذي تريد من أنظمة الحكم الجديدة التوجّه إليه. أن تعرفه
وتجعله جزءاً من المسار السياسي للثورات والحراكات حتى يطمئنّ المواطنون
بأن المستقبل يحمل حلولاً اقتصادية تنموية عادلة من أجل الجميع وبالجميع.

هنا
دعنا نذكّر أنفسنا بأننا نحن العرب لا نحتاج إلى أن نبدأ من الصّفر أو
المربّع الأول. فمنذ بضع سنوات صدر بيان مدعوم من مئات الباحثين
الاجتماعيين في مختلف دول الغرب الرأسمالي تحت عنوان «مانفستو من أجل
اقتصاد إنساني»، وقد صدر ذلك البيان من قلب ساحات العولمة الرأسمالية
المتوحّشة الجائرة كردّ فعل على ما أدّى إليه ذلك الاقتصاد العولمي من ظلم
وتهميش وإفقار وتوزيع غير عادل للثروات طال جميع المجتمعات البشرية. يقول
ذلك البيان:

«إن النهاية الشرعية الوحيدة لأي اقتصاد هي كيفيّة
الحياة التي يعيشها الرجال والنساء، بدءاً من أولئك المحرومين منهم. إن
كيفيّة الحياة تلك يجب أن لا تشمل فقط الاستجابة لحاجات وتطلعات الإنسان
المادية وإنّما أيضاً مجموعة التطلعات الأخرى من مثل الكرامة الإنسانية،
السَّلام، الأمن، الحريَّة، التربية والتعليم، الصحَّة، حق َّ الاختيار،
نوع البيئة التي يعيش فيها الإنسان، وحقوق الأجيال القادمة… إلخ.

يتابع
البيان بالتأكيد على أن الكرامة الإنسانية والعدالة لا يتعارضان على
الإطلاق مع الكفاءة الاقتصادية في استعمال الموارد وتصنيعها وعدم بعثرة
جهود العاملين في حقل الاقتصاد. هذا التعارض وُجد في خيال من يريدون
الاقتصاد مستقلاً عن أية التزامات قيمية وإنسانية وسياسية.

هناك
ضرورة أن لا تنشغل قوى الثورات والحراكات بظواهر مؤقتة من مثل تناقص عدد
السوَّاح في هذا البلد وتباطؤ الاستثمارات في ذاك البلد، أو تحذيرات يطلقها
ذاك الصندوق الدولي أو تلك الجهة الإعلامية المشبوهة. بدلاً من بعثرة
الجهود في مواجهة قضايا اقتصادية هي نتاج نظام أو فكر اقتصادي سابق فاشل،
مطلوب التعاون مع مفكّري السياسة والاقتصاد والاجتماع العربي لوضع تصوُّر
جديد تنموي إنساني لاقتصاد المستقبل ليصبح برنامج كل الأنظمة التي سيلدُها
الربيع العربي مستقبلاً. برنامجاً لا ينحصر في متطلبات العولمة فقط وإنما
يتخطاها إلى رحاب قومية وإنسانية أكبر وأعدل.

علي محمد فخرو

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

لا يفوتكم الفوت – عيسى سيّار

يخطئ من يعتقد أو من يدعي أو يزعم بأن الحل الأمني المرن الذي يستخدم في البحرين في مواجهة حراك المعارضة الوطنية في منع المسيرات والاحتجاجات، بالإضافة إلى الرهان على الوقت، سوف يعمل على انحسار واضمحلال الحراك الشعبي المطلبي الذي تقوده المعارضة. ومن لايزال يعتقد ذلك فهو واهم، وعليه أن يتعظ من دروس وعبر تاريخ حركات التحرر العالمي في الشرق والغرب ورياح الربيع العربي، والتي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن لا أحد يستطيع أن يوقف عجلة التاريخ أو أن يؤخر الربيع، فهذه سنة الحياة التي أوجدها الخالق جلت قدرته ولن تجد لسنة الله تبديلا.

إن الحصافة السياسية التي يجب أن يتمتع بها أي نظام سياسي تكمن في القراءة الواعية والواقعية للظروف الذاتية والخارجية، فمن كان يتوقع سقوط أنظمة قوية كنظام مبارك وبن علي والقذافي وصالح، والأسد الذي هو الآن على قارعة الطريق.

إن تلك الأنظمة الشمولية كانت تملك من الأجهزة الأمنية والقمعية أكثر من عدد أصابع اليد ولكنها تفككت وانهارت أمام الإرادة الوطنية لشعوب تلك الدول، وهنا نقول: على كل من يمتلك الحصافة السياسية أن يسأل نفسه: لماذا واجهت شعوب تلك الدول الأجهزة الأمنية القمعية بصدور عارية؟ الجواب الذي لا تريد أن تفهمه الأنظمة القمعية أو قد تفهمه متأخرةً كما حدث لمبارك وبن علي والقذافي وصالح والأسد حالياً، أن الشعب إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر كما قال الشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي. والشعب البحريني، كغيره من الشعوب العربية، يعشق حياة الحرية والعدالة والمساواة، وتاريخه النضالي يشهد على ذلك. فهذا الشعب يمتلك تاريخاً نضالياً ضد المستعمر والاستبداد، يمتد على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان. وهو ليس بأقل من شعوب الربيع العربي تطلعاً إلى استنشاق عبير الديمقراطية التي تكفل له مشاركة حقيقة لا شكلية في صنع القرار السياسي.

وعلى رغم الاحتقان السياسي والمذهبي بسبب سيطرة الأطراف الراديكالية من هذا الفريق أو ذاك على المشهد السياسي، وعلى رغم اعتقاد حفنةٍ من المأجورين ممن باعوا نفوسهم مقابل المال في سوق النخاسة الدينية والإعلامية من أجل بث نار الفرقة وكراهية الآخر بأنهم قادرون ومن يقف وراءهم على ضرب مطالب الشعب البحريني في مقتل، فإن الشعب البحريني يقول لكم أنتم واهمون، فالشخوص تذهب وتبقى الشعوب وبيننا وبينكم التاريخ.

وعلى رغم انشطار وتشرذم المجتمع البحريني وكان آخره انشقاق الحركة العمالية والتي تقف وراءها أطراف معروفة باتت مكشوفة، يضاف إلى ذلك أخطاء استراتيجية وتكتيكية ارتكبتها جميع أطراف العملية السياسية، فإنه لاتزال أمامنا فرصة عظيمة يجب استثمارها من أجل رأب الصدع وتنقية الأجواء من الاحتقان السياسي والمذهبي، وكذلك من الغاز المسيل للدموع! هذه الفرصة تتجسد في أجواء شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن، هذا الشهر العظيم بأجوائه الإيمانية وروحانياته يجب أن يستفيد منه الجميع في جسر الهوّة وتليين القلوب التي تخشبت واخشوشنت حتى أصبحت الشخصنة والتصيد في الماء العكر والمناكفات العقيمة سمة التعامل وسيدة الموقف، حيث غيبت بقصد أو دون ذلك مصلحة الوطن والمواطن.

إن الليالي الرمضانية البحرينية بأجوائها الحميمية المعروفة من شأنها أن تقرب المسافات وتذيب الجليد، فأهل البحرين بطيبتهم ونبل أخلاقهم قادرون على السمو على خلافاتهم وجراحاتهم، وعلينا ألا نفوّت هذه الفرصة، فمن فاته الفوت ما ينفعه الصوت.

إن منظومة الحكم في البحرين هي المعنية رقم واحد بالأمر، وبالتالي عليها أن تقرن الأقوال بالأفعال ولا تفوت الفرصة، وأن نرى وبمناسبة هذا الشهر الكريم دعوة صادقة وصريحة من منظومة الحكم للقوى الوطنية لحوار منتج ومتكافئ وغير مشروط. وأعتقد جازماً بأن الشعب البحريني الأصيل يريد الحوار الذي يؤدي إلى أن يكون الشعب مصدر السلطات جميعاً كما ورد في دستور 2002 وهذا أمر ليس بدعة بل نصت عليه جميع الشرائع السماوية قبل الوضعية.

إن الشعب البحريني الأصيل الذي خرج في 14 فبراير/ شباط وفي فزعة الفاتح، لن يقبل مهما طال الزمن أن يعود الوضع السياسي والمعيشي إلى ما قبل 14 فبراير 2011، ومن يعتقد غير ذلك فعليه أن يأخذ دورات خاصة في ألف باء السياسة. فالقوى الوطنية على مختلف توجهاتها وانتماءاتها المذهبية والعقائدية والتي تقود الشارع السياسي، تتفق على أكثر من 80 في المئة من مطالب الإصلاح و20 في المئة الباقية قابلة للتفاوض ويمكن تزمينها، فالسياسة لا تؤمن بالمستحيل.

إن استمرار الجمود السياسي في البحرين لا يخدم إلا حفنة قليلة والتي تقتات على هذا الجمود، وإن استمرار منظومة الحكم في البحرين في المراهنة على الوقت والحل الأمني المرن واستراتيجية خنق التظاهرات التي تنظمها المعارضة الوطنية، يضع القوى الوطنية البحرينية قاطبةً أمام مسئولية وطنية جسيمة وبالتالي يتوجب عليها اليوم قبل الغد التداعي إلى حوار وطني صريح وشفاف وغير مشروط، وذلك لكي يتم الاتفاق على سقف مطالب محددة للإصلاح، تمثل الإرادة الوطنية للشعب البحريني بجميع مكوناته يتم تقديمها حزمة واحدة لمنظومة الحكم. حينها لا أعتقد بأن مثل هذه المطالب المجمع عليها من قبل القوى الوطنية سوف ترفضها أو تتجاهلها القيادة السياسية.

لذا فإن رمضان فرصة عظيمة أمام الجميع، فاغتنموها وعضّوا عليها بالنواجذ واحضنوها كما تحضن الأم وليدها، لا تضيعوها كما ضاعت فرص عديدة من قبل لأن البديل هو ترك البحرين وشعبها إلى المجهول… «فإن فاتكم الفوت ما ينفعكم الصوت»… فمن يرفع الشراع؟

عيسى سيار

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

رمضان وعودة دفء العلاقات الأخوية

شهر رمضان المبارك يمكن أن يساهم ولو بشكل بسيط في إذابة الثلج عن
العلاقات الأخوية بين البحرينيين، من خلال المجالس الرمضانية. فهناك العديد
من الأصدقاء والمعارف وزملاء العمل من الطائفتين الذين اعتادوا زيارة
بعضهم البعض منذ عهد قديم في هذا الشهر الفضيل.

في المجالس الرمضانية
تعود الألفة بين الناس ويطغى صدق المشاعر التي يكنها كل للآخر، وحتى وإن
اختلف معه مذهبيّاً أو سياسياً، فالجميع أبناء وطن واحد عاشوا معا منذ عقود
ولا غنى لأحدهم عن الآخر.

هناك من استطاع تحويل الحراك السياسي إلى
فتنة طائفية، وهو يسعى الآن لتتحول هذه الفتنة إلى عداء شخصي بين الناس،
ليسهل تحريكهم كما يتم تحريك البيادق الخشبية في لعبة الشطرنج. ولذلك فهو
يتحدث باسم جميع الناس ويفكر نيابة عنهم.

وللأسف فإن الأغلبية قد
صمتت وارتضت أن يتحدث باسمها الآخرون وكأن ليس لها لسان تتحدث به ووافقت
على أن يلعب الآخرون بمشاعرها، وكأن ليس لها رأي فيما يحدث، فكلما هدأت
النفوس وبدت الأمور تعود لوضعها الطبيعي، زادت حدة الشحن الطائفي وبثت
الأكاذيب وقدمت جرعات من التخويف والتخوين وكشفت المزيد من المؤامرات.

في
مقابلة نشرت قبل يومين للنائب الثاني لمجلس النواب الشيخ عادل المعاودة
يشير إلى نقطة مهمة وهي أهمية فتح قنوات للحديث مع بعضنا البعض للوصول إلى
نقاط مشتركة فهو يقول إن «الأزمة في البحرين هي أزمة سياسية اصطبغت بالصبغة
الطائفية عند البعض وعند آخرين العكس، لذلك أي حل يتم دون اشتراك المكونين
الرئيسيين للشعب هو حل فاشل، لذلك أولاً يجب أن يجتمع الممثلون للطائفتين
في الحل. وثانياً أن يترك لهما الاتفاق على سقف من الإصلاحات. وثالثاً يجب
أن تكون هذه الإصلاحات متوازنة تحفظ للطائفتين استمرار الاستقرار والتعايش
السلمي فيما بينهما».

هذا الطرح الوسطي لم يكن يسمع في السابق وهو
يمثل قاعدة يمكن البناء عليها للتقدم للأمام بدلا من حالة الجمود أو الرجوع
للوراء، بشرط أن يستمع كل للآخر. ويمكن أن يكون هذا الطرح غير مقبول لدى
البعض، لسبب أو لآخر ولكنه يمثل خطاباً عقلانيا يقترح حلولاً، في حين كانت
جميع الخطابات السابقة ترفض أي مقترح يتضمن الحوار.

لا أظن أن الشيخ
المعاودة وحده من يقتنع بأهمية الجلوس على طاولة الحوار، وإنما هناك العديد
من الشخصيات الوطنية من الجانبين التي تفكر في ذلك ولكن ارتفاع نبرة
الأصوات المتطرفة يجعلها متخوفة من طرح آرائها في هذا الوقت على الأقل.

جميل المحاري

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

حال الديمقراطية

تُعيد
مخرجات الانتخابات التي جرت في البلدان العربية التي طالتها التغييرات،
السؤال الإشكالي عن مفهوم الديمقراطية ومغزاها، وهو سؤال فلسفي قديم وعميق:
هل يتعين علينا القبول بالديمقراطية إذا ما أتاحت إحدى أهم آلياتها، أي
الانتخابات، فوز قوىً يُمكن أن تشكل خطراً على الفكرة الديمقراطية ذاتها،
من حيث هي احترام للتعددية بكافة مظاهرها: الاجتماعية والثقافية والدينية،
وبالتأكيد السياسية؟ هل تكف الديمقراطية عن أن تكون ديمقراطية، حين تسمح
الانتخابات بتمكين من هم غير ديمقراطيين ولديهم الاستعداد والرغبة في
اضطهاد الأقليات وحمل المجتمع على التسليم قسراً بفكر أو سلوك معينين لا
يستقيمان مع كل الأهواء، حتى وإن كانا يصادفان هوىً لدى من كسبوا
الانتخابات؟

ليست
كل القرارات التي تتخذها الأغلبية قرارات ديمقراطية . حتى لو كانت هذه
الأغلبية وصلت الى موقع القرار بالآليات الديمقراطية . علينا، هنا، أن
نتذكر أن هتلر وصل إلى السلطة في ثلاثينات القرن العشرين عبر الانتخابات
محمولاً على موجة دعم شعبي جارف، لذا لا بد من إيجاد الآليات التي تحول دون
أن تسطو هذه الأغلبية على حقوق الأقليات العرقية أو الدينية أو السياسية،
أو إملاء نسق أحادي للتفكير والمعيش على الناس .

صعوبات
الديمقراطية و”مخاطرها” يجب ألا تُعلي من شأن الرأي الذي يخشى المتغيرات
خوفاً من أن تأتي بالأسوأ، فالديمقراطية، رغم عيوبها ونواقصها هي أقل
الأنظمة سوءاً وضرراً، وحسب أوكتافيو باث، فإن “الديمقراطية ليست هي
المطلق، كما أنها ليست تصوراً مستقبلياً نهائياً، ولكنها منهجية تسمح للناس
بأن يعيشوا معاً بطريقة متحضرة وصون الجميع للحقوق الفردية ودفاعهم عنها”،
وهي إن دفعت إلى الصدارة بقوى غير ديمقراطية، فإن العيب ليس فيها، وإنما
في حقيقة أن المجتمع لم ينضج كفاية، بما يتيح له الاستخدام الأمثل لآليات
الديمقراطية في اختيار الأنسب من وجهة نظر التطور التاريخي والمجتمعي . ومن
هنا أهمية وجود نظام للتوازن والرقابة، يضمن في ما يضمن، استقلال القضاء،
ويوفر الحماية لضغط المجتمع المدني والرأي العام .

حتى
في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية العريقة يحدث أن يأتي إلى موقع
القرار من هو ليس أهلاً له، ولكن ميزة الديمقراطية أنها تتوافر على آليات
استدراك خطأ اختيار الناس، عبر الصندوق السحري للاقتراع الذي يحول دون
استمرار الخطأ، ولنتذكر هنا المثل القريب جداً في فرنسا، حين كفر الفرنسيون
عن خطئهم باختيار نيكولا ساركوزي رئيساً لهم، بعدم منحه فرصة ثانية للمكوث
في “الإليزيه” .

التغيير
في ظروف الاستبداد، هذا إذا توافرت ظروفه، وهو أمر لا يحدث كثيراً، يُكلّف
عُنفاً وإراقة دماء وربما حروباً أهلية، وها نحن شهود على ذلك، أما في
ظروف الديمقراطية فيكفي المكوث ساعة أو ساعتين في طابور الاقتراع، لإحداث
التغيير المطلوب، باختيار البديل .
الديمقراطية
بناء متواصل يحتاج إلى وقت وتراكم للخبرة، وليس شرطاً أن تعطي الديمقراطية
أكُلهَا بين عَشيّةٍ وضحاها، ولكي يتم ذلك يجب أن يتأمن استمرار ديناميات
النقد، بما في ذلك النقد لمخرجات الديمقراطية ذاتها، صَبواً إلى مخرجات
أفضل، وتحفيزاً للمجتمعات إلى اختيار هذا الأفضل، عبر كشف عثرات وعيوب
ونواقص المتاح، فالديمقراطية لا تنحصر في احترام مخرجاتها الآنية، وإنما
أساساً في تأمين حق وحرية نقد هذه المخرجات .

اقرأ المزيد

الاحتجاج يتحول إلى سلطة ثانية في البلاد

تجددت الحركة الاحتجاجية في شيلي وتنوعت خلال الأسابيع الأخيرة، ويكاد لا
يمر يوم دون أن تشهد البلاد تظاهرة أو نشاطا احتجاجيا يتناول قضية
اقتصادية أو اجتماعية حارقة، ففي الثاني عشر من تموز الجاري، وبمناسبة
الذكرى الحادية والأربعين لتأميم صناعة النحاس، في عهد حكومة الوحدة
الشعبية اليسارية بزعامة “سلفادور اليندي”، دعت النقابات العمالية واتحادات
الطلبة والتلاميذ إلى تظاهرة حاشدة رفعوا فيها شعارات تطالب بإعادة تأميم
صناعة النحاس، والكف عن خصخصة استخراج وتصنيع مواد الخام الأخرى. وشدد
المتظاهرون على إمكانية توظيف الأموال التي توفرها عمليات التأميم لتطوير
قطاع التعليم وتمويل البرامج الاجتماعية المختلفة.
وفي الأيام اللاحقة حاصر العاملون في شركة الاتصالات خطوط المترو وتقاطع
الطرق الرئيسة للمطالبة برفع أجورهم وتحسين ظروف حياتهم المعيشية.
وتظاهر
آلاف الصيادين في مختلف المدن الشيلية، وعمدوا إلى قطع الشوارع ونصب
الحواجز في الشوارع، وإشعال النار في إطارات السيارات، احتجاجا على قانون
الصيد الجديد، الذي يجري تمريره في البرلمان. وقام المئات من الصيادين
باحتلال مركز إدارة محافظة “آراوكو” المطالبة بإطلاق سراح زملائهم
المعتقلين. ويسمح مشروع القانون الجديد بمنح شركات الصيد الكبيرة امتيازاً
لمدة 20 عاما، ولا يأخذ المشروع بنظر الاعتبار مصير 120 ألف عائلة تعيش على
الصيد في المنطقة المشمولة بالامتياز، ويذكر إن لجنة قوانين الصيد في
البرلمان قد مررت مشروع القانون. وتنوي اللجنة الوطنية للدفاع عن الصيادين،
التي تمثل 50 ألف صياد، الاستمرار بالحركة الاحتجاجية، وعلى مستويات
مختلفة إلى حين تحقيق مطالبها.
الحركة الاحتجاجية تتحول إلى سلطة ثانية
في إطار تحليله لتطور الحركات
الاجتماعية والمتغيرات السياسية، يقول المؤرخ والأكاديمي اليساري المخضرم
“جبرائيل سالازار” في مقابلة أجرتها معه جريدة “نيوز دويجلاند” “المانيا
الجديدة”: لقد استطاع الطلاب تنفيذ عملية ناضجة وقالوا بوضوح إننا جموع
غفيرة ونريد نظاما تعليميا مختلفا، وفي البداية لم تكن الحركة الطلابية
تملك مشروع بديل ملموس، ولكنهم استطاعوا في الأشهر الأخير تقديم مقترحات
وخطط لإصلاح النظام الضريبي بغية تمويل إصلاح النظام التعليمي، وفي نفس
الوقت عملوا على تعزيز علاقاتهم مع نشطاء الحركات الاجتماعية الأخرى مثل
ممثلي تلاميذ المدارس وممثلي طلبة جامعات القطاع الخاص، ويبدو المستقبل
واعدا.
وفي سياق تناوله لأسباب هذا التفاؤل يقول “سالازار”، الذي كان عضواً في
حركة التيار الثوري اليساري الراديكالي في الفترة 1970 – 1973: الحركة لا
تمارس الاحتجاج فقط وإنما تضع البدائل على طاولة الحوار وتمارس ضغطا محسوسا
على الحكومة، وتمتاز الحركة بالجذرية واستقلالية نشطائها، وبمشاركة حقيقية
لقواعدها في اتخاذ القرار، أي أن الحركة تجذر الديمقراطية في صفوفها.
ولذا تبدو في عيون نقادها أكثر تطرفا من الحركات في عقدي الستينيات
والسبعينيات من القرن الماضي، ولدى الجميع وضوحاً كامل بضرورة تجديد اتحاد
النقابات العمالية، لأن زعماء الاتحاد يعانون العزلة ويحصرون ولاءهم
بالأحزاب السياسية بعيدا عن القواعد الاجتماعية الواسعة في زمن يريد الناس
بناء وطنهم بأنفسهم.
ويبدد “سالازار” المخاوف المرتبطة بتحالف النخبة الحاكمة مع الجيش
وشراستها في الدفاع عن مصالحها قائلا: لقد هزم الجيش رغبة الناس في
الديمقراطية 23 مرة ، ولكن الأمور اليوم مختلفة، وإذا ما عدنا إلى التجربة
التاريخية فسنرى: لقد انتصر “بينوشيه” لسنوات طوال لأنه شل قيادات الحركات
والأحزاب السياسية بالتصفية والتعذيب والاعتقال، ولكنه هزم، عندما عمد
الناس مابين عامي 1983 – 1987 لتنظيم أنفسهم بأنفسهم وخرجوا باحتجاجات
استمرت 22 يوما وشملت جميع أنحاء البلاد. وكان عليه إنزال الجيش إلى
الشوارع، عندها أصبحت شيلي عصية على الحكم، وكان واضحا أيضا أن الاستثمارات
العالمية ستتعطل، وهنا كانت نهاية نظام بينوشيه. والدرس الذي يمكن أن
نتعلمه هو: عندما يتمرد الشعب بأكمله لا يستطيع الجيش أن يفعل شيئا. وهذا
ما شهدناه عام 2011 في مناطق الجنوب عندما خرج الناس بأجمعهم إلى الشوارع
احتجاجا على أسعار الغاز المرتفعة، وفي الآونة الأخيرة اضطرت الحكومة إلى
التفاوض مع الحركات الاجتماعية في منطقة “آيسن”، حول ظروف معيشية أفضل، بعد
أن استطاع الشيوخ والشباب في العاصمة هزيمة القوات الخاصة.
ويرى “سالازار” أن الحركات المطلبية تضم في داخلها قوى قادرة على تحقيق
تغييرات هيكلية، ففي المطالب المحددة هناك دائما مكان للصراع مع مركزية
العاصمة، هذه المركزية التي تعمل على إفقار مناطق الأطراف، فعلى سبيل
المثال تنتشر اليوم سلسة من الأسواق و مراكز التسوق العملاقة، هذه الشركات
لا تدمر فقط المحلات الصغيرة في الأطراف فقط، بل تعمل على نقل الأرباح
وتركزها في العاصمة، لتستثمرها من جديد في افتتاح أسواق جديدة. وعندما
تطالب الحركات الاجتماعية هذه الأسواق باستثمار 30 بالمائة من أرباحها في
مناطق الأطراف فان هذه المطالبة تمثل فعلا ثوريا.
وعن الحركات الجديدة والحراك الاجتماعي في وطنه يقول “سالازار”: هنالك
اليوم سبعة تجمعات جماهيرية في المحافظات تدير مفاوضات مع الحكومة، على
الرغم من أنها تجمعات غير برلمانية ولا تملك أدواراً دستورية، فضلا عن مئات
المجموعات القاعدية في البلديات وفي الأحياء السكنية. وكل شيلي اليوم
تناقش وتريد تنظيماً مختلفاً للمجتمع، وتتوزع القوى الفاعلة على مختلف
الطبقات والفئات الاجتماعية، سواء كانوا العاملين في قطاع الصحة، أو عمال
الغابات، أو مجموعات السكان الأصليين “الهنود الحمر”، نحن نشهد اليوم سلطة
ثانية في البلاد تنبثق من الأسفل.

رشيد غويلب -طريق الشعب

اقرأ المزيد

يوم العدالة الجنائية… وضحايا النزاع

احتفل العالم في 17 يوليو/تموز الماضي بيوم العدالة الجنائية الدولية
والنضال العالمي من أجل العدالة والكرامة والمحاسبة بحسب ما أقرته، منذ
عامين، الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية من أجل التذكير بأنه «لا
كرامة بدون محاسبة».

ولقد انضم المركز الدولي للعدالة الانتقالية
إلى أصدقائه وشركائه من حول العالم في الإشادة بالإنجازات البارزة التي
تحققت في السعي إلى تحقيق المحاسبة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية
والإبادة الجماعية، واستحضار المركز نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية
الدولية الذي ينص على ضرورة وضع حد للإفلات من العقاب على الجرائم «التي
هزّت ضمير الإنسانية».

وبحسب موقع المركز الدولي للعدالة الانتقالية
فقد أشار عندما «تخضع السلطات القامعة للمطالبة بالعدالة، يجب عدم حصر
الطرق المؤدية إلى المحاسبة بقاعات المحاكم. المحاكمات الجنائية أساسية،
إلا أنها جزء من إطار أوسع لتحقيق العدالة والمصالحة والسلام الدائم. تشمل
المحاسبة الفعلية الحقّ في معرفة الحقيقة والعدالة، وجبر الضرر، وضمان عدم
تكرار انتهاكات الماضي».

ولا يمكن أن يتحقّق السلام المستقرّ والدائم
من دون تلبية المطالبة بتحقيق العدالة. وهذا ما يشير إليه مدير برنامج
الحقيقة والذاكرة لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية إدواردو غونزالس
قائلاً: «وعد العدالة الانتقاليّة هو أنّ السلام سيتخطى وقف الأعمال
العدائيّة، ليشمل مواجهة ومعالجة مباشرة لأسباب الحرب. تحمل إجراءات
العدالة الانتقالية وعداً في التوصل إلى ديمقراطية حقيقيّة ومستدامة وسلام
دائم».

إن الدور الأساسي للعدالة الانتقالية في عالم اليوم يساهم في
نشر الدروس المستخلصة لدول مثل مصر وكولومبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو
الديمقراطية وغيرها من البلدان التي تحمل إرثاً من العنف. لأن هناك الحاجة
إلى مقاربة شاملة ومتكاملة من أجل تحقيق المحاسبة في أعقاب الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان.

ولو نظرنا إلى المنطقة العربية في المرحلة
الراهنة فإن من يتأثر بالمتغيرات السياسية المختلفة والانتهاكات التي تليها
من جرّاء ذلك هم بالدرجة الأولى الأطفال والشباب. فالانتهاكات جسيمة لحقوق
الإنسان بيد الأنظمة القمعية التي تدخل في صراع بين الديكتاتورية
والديمقراطية.

ويظهر الأطفال بشكل خاص هم الأكثر عرضة للتأثيرات التي
تخلفها النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. وفي العديد من المناطق
الخارجة من النزاع، يشكل عدد الأطفال والشباب أكثر من نصف السكان المعرضين.
وغالباً ما يكونون هدفاً محدداً لانتهاكات حقوق الإنسان بسبب سنهم ووضعهم
الاجتماعي، وهذا ما نجده اليوم في البلدان التي تشهد نزاعات مختلفة
واحتجاجات سياسية يومية في البلدان العربية من الخليج إلى المحيط، فهم في
الغالب يصبحون إما ضحية هذا النزاع أو شاهداً على الجرائم.

وفي حال
لم تلجأ الحلول السلمية لإيجاد حل لمشكلة النزاع فإن هذه الدول مقبلة على
تنامي جيل لا يخلو من الإعاقات الجسمية والنفسية، وآخر من المجرمين، والسبب
التمادي في بطش الأنظمة الديكتاتورية التي تجد من يدعمها ويحمي سلطتها
الحديدية، كما كان مثلاً إبان مثلاً حقبة الرئيس التونسي المخلوع زين
العابدين بن علي المتهم بجرائم كبرى في حق الشعب التونسي.

ويرى خبراء
العدالة الانتقالية أن آثار الانتهاكات مثلاً عند الأطفال تختلف عن
البالغين. وربما يكونون ضحايا التجنيد القسري، والتعذيب والنزوح أو
الاعتداء الجنسي، ما يؤدي إلى أذى جسدي ونفسي خطير. وإذا ما خسروا أولياء
أمورهم، قتلاً أو بسبب الاحتجاز غير القانوني، أو الاختفاء، فهم يعانون من
صدمة الانفصال وفقدان الدعم في آن. كما يكون الأطفال معرضين لخسارة منافع
التعليم والعناية الطبية المناسبة والخدمات الأخرى في الوقت الذي تكون فيها
هذه الخدمات أساسية.

إن الملاحقة القضائية على الجرائم الدولية بشتى
أنواعها لمختلف فئات المجتمع قد تحدث أثراً أكبر متى تمت متابعتها محلياً،
ضمن المجتمع الذي ارتكبت فيه الجرائم. إلا أن المجتمعات الخارجة من نزاع
معين أو التي تمر بمرحلة انتقالية، قد تفتقر إلى الإرادة السياسية لملاحقة
هذه الجرائم، وقد تعجز الأنظمة القانونية أمام حالة مماثلة. كما أن ترك
المشاكل السياسية دون حلول سيزيدها تعقيداً، ما يعني أن عبئاً جديداً
ستحمله الدول التي تلجأ إلى القمع، بدلاً من بناء مجتمع متكاملٍ متساوٍ في
الحقوق والعدالة.

ريم خليفة

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

أهل السيف وأهل القلم

ما
كان يغيظ إدوارد سعيد في الدراسات التي اهتمت بكتابة تاريخ الاستعمار
الحديث هو اهتمامها المسرف بدراسة التاريخ العسكري لهذا الاستعمار بصفته
غزوات في نتيجته أوقع المستعمرون بلدانا بعيدة وشاسعة تحت سيطرتهم، وإغفال
البعد الثقافي في الهيمنة على هذه الشعوب .

وهو حكى، ذات مرة، عن أن طالبة دكتوراه لديه، هندية الأصل، نبهتهُ إلى قضية مهمة، حين لاحظت  في
أطروحتها الموسومة: “أقنعة الغزو” أن تاريخ الأدب الإنجليزي ابتدأ تدريسه
في الجامعات الهندية يوم كانت الهند تحت الاحتلال البريطاني، وليس في
الجامعات البريطانية ذاتها، حيث يُفترض . فالمنطقي أن يتوجه الإنجليز نحو
تعليم أبنائهم وبناتهم تاريخ أدبهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك في البداية،
وإنما اختاروا أن يقوموا بذلك في جامعات الهند، قبل أن يجري تعميم الأمر
على الجامعات البريطانية .

استدل
سعيد بهذه الحكاية لتعزيز أطروحته الأساسية في كتابه الشهير: “الثقافة
والإمبريالية”، المبنية على أن الإمبراطوريات الاستعمارية الحديثة:
البريطانية والفرنسية، وفي وقت لاحق الأمريكية، اعتمدت على إعادة تشكيل
أذهان شعوب المستعمرات بقبول الاستعمار بصفته ناقلاً حضارياً لها من التخلف
إلى التقدم، من الهمجية إلى الحضارة .

لا
يغفل سعيد أهمية القوة الغاشمة في إخضاع الشعوب وإكراهها وقمع مقاومتها،
ولكنه ينبه إلى أن القوة وحدها لم تكن الأداة أو الأسلوب الوحيد الذي
اعتمده المستعمرون لتحقيق مآربهم في بسط نفوذهم، فهو يحثنا مثلاً على
ملاحظة أن الهند التي ظلت تحت الحماية البريطانية نحو ثلاثة قرون متواصلة،
والتي كانت بالنسبة إلى الإنجليز عن حق، درة التاج الملكي، فإن قوة الجيش
البريطاني كانت عند الحد الأدنى في أغلب الحالات، خاصة إذا ما أخذنا بعين
الاعتبار مساحة الأراضي التي كان الاستعمار يديرها ويحتلها .

كان
غرامشي أول من فرق بين مفهومي السيطرة والهيمنة، أفرد الأول للقوة،
وبالثاني عنى أشكال التكييف والإخضاع الأخرى، وفي مقدمتها العامل الثقافي .
واستفاد سعيد من غرامشي في دراساته عن تجليات النفوذ الكولونيالي في
المستعمرات، حين ركز على أن القوة الغاشمة لاحتلال البلدان وقمع مقاومة
شعوبها للمحتل والغزاة والمستعمرين لم تكن هي الأسلوب الوحيد لبسط النفوذ،
وإنما استخدام وسائل الإقناع لحمل شعوب هذه البلدان على قبول الاستعمار
بصفته رافعة حضارية: “نحن هنا من أجل تقدمكم ورقيكم”، في سبيل بسط الهيمنة،
ومن هنا أتى التقابل بين دلالتي: السيف والقلم، اللتين تبدوان متنافرتين
في الشكل، ولكنهما ليستا كذلك في تطبيقات إدوارد سعيد .
وما
شدّ إدوارد سعيد إلى غرامشي ليس التقسيم بين المثقف العضوي والمثقف
التقليدي، وهي الأطروحة الأكثر رواجاً بين أطروحات الرجل، خاصةً في صفوف من
اهتموا بقراءته في العالم العربي، وإنما كون غرامشي مهتماً بكل شيء . ومع
أنه كان مقيّداً بشدة بحكم وضعه الصحي وبحكم كونه سجيناً لفترة طويلة، فإنه
مر بتجارب مدهشة كثيرة تجلت في رسائله وفي الوقت الهائل الذي أمضاه في
القراءة والكتابة في السجن، وهو أمر يمثل مغامرة إنسانية كبرى في التجارب
الإنسانية، غايتها الأسمى مساعدة الناس على فهم الآليات التي يتم بها
استعبادها .

اقرأ المزيد

المدني والديني في الدولة العربية المعاصرة

   
في واحدة من مفارقات عديدة أبانتها انتفاضات “الربيع العربي” وعرَّضتها لبعض الأضواء الكاشفة التي ربما تكون أسعفت بعض المراقبين والراصدين لحركة الأحداث في الاستدلال على بعض أكثر المسائل الإشكالية أو بالأحرى الاختلالات الهيكلية المتصلة مباشرة بالإدارة السلطوية الكلية، التي تعتور النسق الحياتي التنموي، الجاري والمتراكم، للمجتمعات العربية – في إحدى تلك المفارقات ظهر الفريق أحمد شفيق المرشح الثاني في جولة الإعادة (الثانية) لانتخابات الرئاسة المصرية (16 – 17 يونيه 2012) في إحدى خطبه الدعائية السياسية إبان حملته الانتخابية وهو يقدم نفسه لجمهور الناخبين المصريين كممثل للدولة المدنية وحامي حماها.
 
أما الرسالة التي أراد شفيق إرسالها من وراء الحرص على ترداد هذه المقولة أكثر من مرة وجعلها أحد العناوين الرئيسية لحملته الانتخابية، فهي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وتتمثل في تنبيه واستثارة غريزة الخوف لدى العامة من الدولة الدينية التي يمثلها خصمه مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدينية الدكتور محمد مرسي.
 
ومثلما أن للرسالة المسيسة دينياً والموجهة خصيصاً للكسب السياسي المحض، لها، كما هو معلوم، مفعولها السحري العجيب على عقول وأفئدة كافة خيارى الناس وأتقيائهم وأنقيائهم بسبب المكانة الخاصة لكل ما يتصل بأمور الدين الحنيف لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فإن الرسالة الميسية الموجهة خصيصاً للتهويل من عواقب ومخاطر الدولة الدينية التي سيقيمها الإسلاميون في حال وصلوا للسلطة، لها بالمقابل، وقع خاص وصدى واسع على أسماع شرائح مجتمعية واسعة وعلى أوساط الرأي العام عموماً المرتبطة مصالحها وأنماط حياتها المعيشية بالمجتمع المنفتح المستظل برعاية الدولة المدنية.
 
إنما السؤال هو: إلى أي حد يمكن الذهاب في مساءلة مصداقية ترداد الفريق أحمد شفيق لعبارة إنما هو يمثل الدولة المدنية، ومن ثم القياس على هذا الزعم بإماطة اللثام عن تفكيك الدولة الحاكمة في العالم العربي؟
 
نزعم أن الباحـث الموضوعي في هذا الموضوع البالغ الأهمية لن يحتاج إلى الغوص عميقاً في أغوار الدولة العربية المعاصرة والذهاب بعيداً في دراسة وتحليل الحالة (Case study) ، كعينة، وهي هنا مصر، قبل التحول للمرحلة الثانية من دراسة الحالة وهي الإسقاط العميم ولكن المنهجي الحذر. نقول ذلك ولكن مع الاستدراك بأن الحالة تنطوي على نوع من التركيب والتعقيد بسبب تداخل المدني والديني في مكونها. إنما سوف يجد الباحث فيها من المعطيات ما يغنيه عناء الاضطرار للإبحار عميقاً، كما أسلفنا، في دراسة الظاهرة.
 
فالحال أن الدولة العربية المعاصرة – مع التأكيد هاهنا على أهمية التفريق (وليس الفصل) بين الدولة ككيان اعتباري وبين نظام الحكم المسيِّر لجهاز الدولة المترامي الأطراف – هي دولة مدنية دينية في الشكل والمضمون. ففي حين لعبت أجهزة التسيير الحكومية لأنظمة الحكم المتعاقبة على تولي زمام إدارة شئون الدولة منذ ما قبل الاستقلالات الوطنية، وتحت تأثير وتوجيه الإدارات الاستعمارية المختلفة – لعبت دوراً مهاً في محاولة عصرنة الدولة العربية ومواكبتها لمتطلبات التواسق مع نظام العلاقات الدولية المعاصر ومع أدوات وثقافة إدارته – إلا أنها في ذات الوقت حرصت بنفس القدر على إضفاء الطابع الديني على كافة قسمات أوجه هذه الدولة وذلك في تجسيد حي وساطع لإحكام ربط الدولة كجهاز تسيير مجتمعي وتنموي بالدين.
 
وقد تكون أنظمة الحكم العربية المتعاقبة قد وجدت في هذه التوليفة التوفيقية بين الدولة والدين، المقاربة المثلى المحققة لهدفي الفوز بمزية الانتماء للأسرة الدولية والحصول على شرعيتها من جهة، والاستفادة في الجهة الأخرى من فرصة توظيف الدين للسيطرة على المجتمع وتأمين وتعظيم واستدامة القوى القابضة على مقاليد الحكم في الدولة.
 
وعلى ذلك فإنه وباستثناء الدولة التونسية في عهد جمهوريتها الأولى بعد الاستقلال عن فرنسا في 20 مارس 1956، وهو عهد قائدها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي تميز منذ البدء بمحاولة نقل التجربة العلمانية الفرنسية خصوصاً فيما يتعلق بتقنين علاقة الدولة بالدين في توجه صريح لتجاوز نمط الدولة العربية الهجين السائد، نحو دولة مدنية حداثية تعتمد المواطنة التي تساوي بين جميع أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، أساساً لعلاقة الدولة بالمجتمع وأفراده – باستثناء ذلك فإن كافة نظم الحكم العربية اختارت رفد الدولة المدنية بمكونات الدولة الدينية الأساسية للاستفادة والاستعانة بها في إدارة شئون الحكم والدولة معاً.
 
وعلى ذلك فإن ما ظل يردده المرشح الخاسر في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة المصرية الفريق أحمد شفيق من انه يمثل الدولة المدنية لا يعكس سوى نصف الحقيقة أما النصف الآخر فهو انه ونظام السادات ومبارك قبله يمثلون الدولة المدنية الدينية المشتركة، وإن كانت جرعات إحداهما تطغى على الأخرى في فترة من فترات الحكم أو في عهد من العهود، كما حدث مثلاً في عهد السادات الذي ارتفعت في عهده جرعات الدولة الدينية بصورة سافرة للغاية.

اقرأ المزيد