المنشور

الإصلاح قضية وطنية وليست طائفية




في مقالة قيمة له، شأنها شأن مقالاته الأخرى، نشرت منذ يومين، طرح الأخ
الدكتور محمد عيسى الكويتي رؤية تجمع الوحدة الوطنية لحل الأزمة السياسية في
البلاد، استنادا إلى الوثائق التي أقرها المؤتمر الأخير للتجمع، ورغم أنه كتب
الكثير حول ما ورد في وثائق مؤتمر التجمع المشار إليه، لكني وددت الانطلاق مما
عرضه الدكتور محمد الكويتي، كونه أحد وجوه التجمع القيادية، وكونه شخصية وطنية
ساهمت في الجهود التي بذلت وتبذل من أجل إخراج البلد من الأزمة، سواء في نشاطاته
أو في كتاباته الهادفة المفعمة بروح المسؤولية، على خلاف الكثير من الأنشطة
والكتابات المليئة بنفس التأزيم الذي، من خلاله، يريد أصحابه تبرير مواقفهم
المشينة، وإبقاء البلد في مناخ التقابل بين مكوناته، وتكريس القطيعة.

يمسك كاتب المقال بالنقطة الجوهرية التي يطرحها التقرير السياسي لتجمع
الوحدة الوطنية من انه لا يوجد مستقبل للعنف أو الحلول الأمنية أو رفض الحوار، بل
أن الحل يكمن في ضرورة طرح مبادرة سياسية لحل الأزمة، مؤكدا أن مستقبل البلاد هو
مسؤولية مشتركة لا تحتكرها جهة، ولا تأتي إلا من خلال حوار وطني ، كما يستند إلى
قناعة بان الإصلاح السياسي هو مطلب وطني لجميع فئات المجتمع ، وهو القاعدة للإصلاح
في جميع مناحي الحياة، وأن المواطنة هي حقوق وواجبات ومشاركة والتزام بثوابت
المجتمع الدستورية، ويقر بأن الاستقرار والأمن يقومان على الحرية والعدالة
والمساواة، وأن الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة هي مطلب شعبي جامع يؤسس على
القاعدة الدستورية:”الشعب صدر السلطات”، وأن المواطن الحر الموفور
الكرامة هو أساس بناء هذه الدولة.

ان جوهر هذه الرؤية التي بسطها مقال الدكتور الكويتي يمكن إذا ما جرى
تفعيلها، كما نتمنى أن تشكل قاعدة لقاء تجمع دعاة الاصلاح من قوى وشخصيات في هذا
البلد من منطلق أن الاصلاح وتطوير النظام السياسي هي قضية وطنية وليست فئوية
وستكون خطيئة قاتلة لنا جميعاً إن قسمنا البحرينيين بطريقة نظهر بها أن
بعضهم يريد الإصلاح، وبعضهم الآخر لا يريده، وفي عنقنا جميعاً مسؤولية إظهار أن
الإصلاح السياسي والدستوري والتوزيع العادل للثروات هي قضية البحرينيين جميعاً،
سنة وشيعة، ويجب ألا نسمح للنوازع الطائفية أن تشوه الوعي الوطني في هذا البلد.

وحسبنا هنا أن نتذكر أسماء العديد من
الشخصيات الوطنية، المتحدرة من مختلف الطوائف والأعراق في هذا المجتمع التي نذرت
حياتها للنضال الوطني، لندرك أن القضية لم تكن ولا يجب أن تكون قضية طائفة أو فئة.

لدى البحرينيين تاريخ ممتد من النضال في
سبيل الحقوق السياسية، ونجحت الحركة الوطنية منذ خمسينات القرن الماضي، وعلى مدار
عقود، في أن تعبئ الشعب، في إطار وطني شامل من أجل الاستقلال والحرية وإطلاق
الحريات العامة والمشاركة السياسية.

جوهر القضية في البحرين هو جوهر وطني
بامتياز، فليس طلب الإصلاح والعدالة الاجتماعية أمراً خاصاً بطائفة بعينها. كل
البحرينيين يتطلعون إلى أن يروا في بلادهم مقادير أكبر من المشاركة السياسية ومن
الحريات الديمقراطية ومن العدالة في توزيع الثروات، وخطيئة لا تغتفر أن يجري تزييف
مطالب الإصلاح بإضفاء الطابع المذهبي عليها، والهروب من خيار الإصلاح المستحق بدفع
الأمور نحو الاصطفافات الطائفية.




اقرأ المزيد

الحاجة إلى العدالة الانتقالية… والاعتراف بالأخطاء

تهدف العدالة الانتقاليّة، في جوهرها، إلى فتح آفاق الاستقرار، ولا يمكن
أن يتم ذلك بسواعد من اتهموا بارتكاب جرائم بحق مجتمعاتهم، فهؤلاء يعيشون
«الوهم» ويعانون من عقدة القتل التي تبقى تلاحقهم حتى آخر رمق من حياتهم.
ولا يمكن أن ينفتحوا على الطرف الآخر مادام الإرهاب والقتل وسيلة للخلاص
بدلاً من مصالحة قد تهدد مصالح من يعيش على آلام وبؤس الآخرين.

وهو
ما ينطبق على الدول التي لديها ماضٍ من العنف والقمع، إذ يشكّل تطبيق
إجراءات البحث عن الحقيقة، والعدالة الجنائيّة، وجبر الضرر، وإصلاح
المؤسسات، أساساً لإرساء ثقافة العدالة واحترام سيادة القانون.

ولو
نظرنا إلى منطقتنا العربية، فهي لا تخلو من ماض وحاضر مليء بالقمع والعنف،
وهو ما يسهم بأي شكل من الإشكال في مقاومة الرأي الآخر الذي قد يهدد أركان
الأنظمة الدكتاتورية التي لا تقبل بالديمقراطية كحل، ولكن ترى في ذلك نهاية
لسلطتها. والمجتمعات العربية تمتلك عبر مراحلها التاريخية وصولاً إلى
اليوم، إرثاً كبيراً من انتهاكات حقوق الإنسان، والإبادة الجماعية، أو
أشكال أخرى من الانتهاكات تشمل جرائم ضد الإنسانية أو الحرب الأهلية.

وحتى
تبدأ المجتمعات بإعادة البناء الاجتماعي، المصالحة الوطنية، تأسيس لجان
الحقيقة، تعويض الضحايا، وإصلاح مؤسسات الدولة العامة التي غالباً ما ترتبط
بها الشبهات أثناء النزاعات الأهلية الداخلية المسلحة، مثل الشرطة وقوى
الأمن والجيش، فلابد من اعتراف بواقع المشكلة وتقبل التغيير والحل المتوقع
لوقف سلسلة الانتهاكات والنزاع المستمر بين قوى المعارضة والحكومة.

واليوم
تبدو تونس نموذجاً للمنطقة العربية في جانب تفعيل مرحلة العدالة
الانتقالية بعد ثورتها العام 2011، وتواجه تحديات كثيرة لكونها تمر بامتحان
صعب لشكل ومستقبل نظامها السياسي الذي قد ينجح أو يفشل. وهو أمرٌ مرهون
ومتروك للتونسيين ونظرتهم لواقع متطلباتهم السياسية والمعيشية، إذ لايزال
المسار في بدايته، فقد أظهرت تونس أيضاً التزاماً باتخاذ عدد من الإجراءات
الانتقاليّة، من تحقيقات ومحاكمات، ولجان تحقيق في قضايا الفساد وانتهاكات
حقوق الإنسان، وإجراءات لتعويض الضحايا، وذلك لإعادة الثقة بالحكومة وسيادة
القانون. وتشكّل العدالة ركيزة لأيّ عمليّة انتقاليّة لأنها الاستثمار
الحقيقي في تأسيس مجتمع مسالم.

تلك كانت الرسالة الأساسيّة في حلقة
النقاش غير الرسميّة التي استضافها المركز الدولي للعدالة الانتقاليّة
والبعثتان الدائمتان لسويسرا وتونس في مايو/ أيار الماضي، بشأن العلاقة
بين العدالة الانتقالية وسيادة القانون. ففي مداخلته، حدّد رئيس المركز
الدولي للعدالة الانتقالية ديفيد تولبرت الدور المركزي الّذي يجب على
العدالة الانتقالية الاضطلاع به في الحوارات عن سيادة القانون. في مجتمع
اختبر انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، «يجب التعامل مع الماضي،
والاعتراف بالضحايا، وتبيان الحقيقة، وإصلاح المؤسسات»، على حدّ قوله. فإذا
لم يحصل ذلك، ما من أساس لسيادة القانون.

وأضاف تولبرت قائلاً إنّه
«حيث تفشل المجتمعات في معالجة الماضي، يرتفع احتمال تجدد أعمال العنف
والانتهاكات. في مقابل ذلك، نجد أيضاً أمثلة عن بلدان خرجت من النزاعات أو
من الأنظمة القمعيّة وأنشأت أنظمة قويّة لسيادة القانون. في هذا الصدد،
تُعتبر الأرجنتين على سبيل المثال واحدةً من حالات عديدة أسست فيها عملية
منسقة للعدالة الانتقاليّة لاستتباب الأمن وأنظمة سيادة القانون».

من
هنا لابد من الإشارة – وبحسب المراقبين الدوليين – الى ان نظام العدالة
الجنائيّة الدولية في تطبيق العدالة وممارسات سيادة القانون على المستوى
الوطني يستند بالدرجة الأولى إلى تطبيق العدالة وممارسات سيادة القانون على
المستوى الوطني. أما البلدان التي تواجه إرثًا من الفظائع الجماعية، فلا
يتمّ فيها تحقيق ذلك من خلال العدالة الجنائيّة، ولكن بتدابير أخرى للعدالة
الانتقاليّة التي تشكّل قاعدة لتحقيق المحاسبة، مثل بعثات تقصّي الحقائق
ولجان الحقيقة. وهذا لن يتحقق إلا عندما تعترف الأنظمة بأخطائها، وإن لم
تعترف فإن الشعوب هي من تحاسب وتقرر في نهاية الأمر تبعاً لطبيعة مطالبها
وحراكها السياسي.

ريم خليفة

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

من يذكر ومن سيتذكر؟

من يذكر حقبة التسعينات جيداً، سيشعر الآن بشعور الخوف والقلق واليأس
والحزن ذاته الذي كان يغلف حياة الشعب البحريني بمجمله، عندما كان قانون
أمن الدولة هو سيد الموقف، وعندما كانت نقاط التفتيش تسد منافذ المناطق
والقرى والشوارع، وعندما كان المواطن ينام متوجساً على طرقات «زوار الفجر».
وعندما غادر المئات من المواطنين طوعاً أو قسراً، وعندما سجن المئات لمجرد
مطالبتهم بعودة الحياة النيابية والعمل بالدستور، وعندما كان المواطن يمشي
في ظل الحائط لا اتقاءً من شمس الظهيرة وإنما خوفاً من (…)، عندما كانت
تهمة المواطن مجرد «اسمه».

ومن يذكر حقبة الثمانينات جيداً، سيعرف
كيف تم إفقار الناس والقضاء على الطبقة الوسطى في المجتمع، وكيف تم نهب
السواحل والأراضي لتصبح ملكيات خاصة، وكيف تحوّلت المزارع و«حظور صيد
الأسماك» التي يعتاش منها البحرينيون إلى بنايات شاهقة تمتلكها فئة قليلة.
وكيف تحوّل المدرسون والموظفون وأصحاب المهن إلى طبقة مسحوقة. وكيف أصبح
المواطن ينتظر ما يقارب العشرين عاماً للحصول على بيت حكومي. وكيف أصبح
البعض يمتلك المليارات، في حين لا تمتلك أغلبية الناس دفع فواتير الكهرباء.

ومن
يذكر حقبة السبعينات جيداً، سيفهم كيف يمكن أن تعود البلاد إلى حالة العنف
كما كانت في التسعينات، وكيف يمكن أن تغيب الحريات بشكل تدريجي، خطوةً بعد
أخرى، ودون أن يشعر أحدٌ ليصحو الجميع وهو في مجتمع آخر ونظام آخر؛ وكيف
تحوّل مجتمعٌ بدأ يتنفس الحرية وخارجٌ للتو من وصاية الاستعمار إلى مجتمع
تحكمه السلطة؛ وكيف يمكن الانقلاب على الدستور… وسيذكر كيف تم حل أول
برلمان وبدأ العمل بقانون أمن الدولة.

من عاش تجربة الستينات من
القرن الماضي، يوقن أن الفرقة لا يمكن لها أن تستمر، وأن أصوات الفتنة مهما
بدت مرتفعة الآن لابد لها أن تخرس، وأن أبناء الطائفتين المخلصين إخوة
مهما اختلفوا… يوقن أن تجربة هيئة الاتحاد الوطني يمكن أن تعود مرة أخرى
أو بصورة أخرى.

من سيذكر العام 2011 بعد عشر سنوات، لن يفهم كيف
انقسم المواطنون على أنفسهم وحارب بعضهم بعضاً؛ وكيف تم تسريح الآلاف من
أعمالهم لمجرد انتمائهم لطائفةٍ معينة؛ وكيف حوكم وسجن الأطباء وأساتذة
الجامعات؛ وكيف فصل مئات الطلبة من جامعاتهم؛ وكيف تحول البعض من النقيض
إلى النقيض، وكيف أدان العالم بأجمعه الممارسات غير الإنسانية في حين صفّق
لها البعض. ولن يفهم حينها كيف اتهم نصف الشعب بالخيانة والإرهاب والعمالة
للخارج لمجرد مطالبتهم بتطبيق الدستور.

جميل المحاري

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

«إنكار الواقع»… ثقافة تعطل الحل السياسي

في حديث سابق تناولت ثقافة «الإفلات من العقاب»، وكيف أنها تدمر
المجتمعات. وهناك ثقافة أخرى خطيرة وهي «إنكار الواقع»، وخطورة هذه الثقافة
أنها تمنع تشخيص الواقع المؤلم وتمنع حدوث الحل السياسي المطلوب لمعالجة
الأزمة السياسية.

وثقافة «إنكار الواقع» تعني أن هناك من ينكر معرفته
بما يجري من انتهاكات وممارسات غير إنسانية ومعاناة للمجتمع بمختلف صنوفه،
وهذا الإنكار يتطور إلى اتباع سياسات وإجراءات لعرقلة مسيرة الحياة
الطبيعية، وغض الطرف عن أولئك الذين يرتكبون الانتهاكات، وإغلاق الآذان
والأعين، وعدم الاستماع لأي وجهة نظر لا تصدر من جهة واحدة فقط يهمّها
استمرار الواقع على ما هو عليه. وهذه الجهة لها رؤية مقلوبة للواقع ترى فقط
ما تريد أن تراه وتسمع فقط ما تريد أن تسمعه، وتوظف لها من يردد لها
أقوالها لعل وعسى يتحول الواقع إلى القصة الوهمية التي تروّجها بهدف
الاستمرار في إنكار الواقع.

من هنا تسعى الدول التي تشهد اضطرابات
سياسية إلى توظيف شركات علاقات عامة لتجميل الواقع من دون إصلاحه، ولكن هذه
الأساليب إنما تعمق المشكلة لأنها تساعد على إنكار ما يحدث في الساحة
الداخلية. وهذه الشركات لا يهمها ضياع بلد بأكمله لأن هدفها الربح وإرضاء
من يسعى للاستمرار في إنكار الواقع.

والذين ينكرون الواقع لا يلجأون
فقط إلى شركات علاقات عامة ولكن يلجأون أيضاً إلى سياسة تفريق الناس وخلق
الاستقطاب بين فئات المجتمع، معتقدين بأن هذا الاستقطاب سيساعد على تغيير
الواقع إلى حالة «متوهّمة» بعيدة كل البعد عمّا تمر به الساحة الداخلية من
قضايا ومطالب أساسية، لا ترتبط بفئة واحدة فقط وإنما بكل إنسان يسعى للعيش
الكريم بحسب ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وحالياً فإن
المنطقة العربية تمرّ بصحوة ديمقراطية انتقلت مع انتفاضات وثورات الربيع
العربي منذ مطلع العام 2011 وشملت أكثر البلدان من المحيط إلى الخليج، ونحن
لا نستطيع أن ننكر على العرب ربيعهم كما لا يستطيع أي مخلوق أن يحذف أي
بلد عربي من خريطة انتفاضات الربيع العربي، والأفضل أن ينفتح الجميع على
الواقع كما هو من دون إنكار.

المراقبون يرون في المنطقة العربية
نموذجاً لنشر وتغلغل هذه الثقافة لكونها تمنع الحل السياسي وتشجع على
المزيد من التخبطات وارتكاب المزيد من الانتهاكات، ولا يهمّها لو كانت هناك
لجان تقصي حقائق تخبرها بالأهوال وتنكر بمسئوليتها لإصلاح الوضع بما يلمّ
الشمل.

وترى أن المنكرين للواقع يعيشون حالة من اللاوعي وعدم
الاكتراث بالرأي العام العالمي أو غير العالمي، وتبحث دائماً عمّن يسرد
الأوهام بطريقة مملة ولا يصدقها أحد.

لقد لخص موقع الجمعية السعودية
للدراسات الاجتماعية ما جاء في كتاب «الصحة النفسية والعلاج النفسي» لحامد
زهران، الذي تحدث عن أهمية «العلاج بالواقع»، أو الإرشاد نحو الواقع، وهي
طريقة يقوم فيها العلاج على ثلاثة مفاهيم رئيسية، وهي أولاً «فهم الواقع»
المعتمد على الخبرات الحقيقية الشعورية في الحاضر، ويعبر عن واقع الحياة
بعيداً عن المثال أو الخيال، والفرد السوي هو الذي يتقبل الواقع ولا ينكره،
حيث إن من أهداف العلاج تنمية الواقع. وثانياً «القدرة على تحمل
المسئولية» وهذه تتجلى في القدرة على قيمة الذات، والجدية، والأمانة،
والصدق، والنزاهة، والحكمة. وثالثاً ضبط مبدأ «الصواب والخطأ» كمعيار
أخلاقي يحدد السلوك السوي وغير السوي.

وعلى رغم أن الكتاب يتحدّث عن
حالات الأفراد، إلا أن الوضع لا يختلف تماماً عندما يكبر الوضع ويتحوّل من
فرد إلى جماعة أو جهة، يصيبها حالة من إنكار الواقع الذي يمنع عنها إمكانية
التعافي والعلاج، وذلك لأن العلاج يعني أن تكون هناك شجاعة للتعرف على
الواقع، وشجاعة للاعتراف بالواقع، وشجاعة لاتخاذ ما يلزم لإصلاح الخلل.

إن
عالم السياسة متجدد ولا يمكن العيش على أطلال ما كان يرسم ويحدد للأنظمة
في مراحل سابقة. فما كان صالحاً بالفرض على المواطن ما عاد اليوم ممكناً
لأنه أصبح جزءًا من الكرامة الوطنية، والمواطن ليس عبداً مطيعاً للحكام،
ولكنه مواطنٌ وإنسانٌ له حقوق وواجبات، ويلعب دوراً في القرار السياسي الذي
لا يخصّ فرداً أو جماعة معينة، وبالتالي فإن إنكار واقع المتغيرات التي
تعيشها المجتمعات قد يؤدي إلى إصلاح ومشاركة سياسية حقيقية، أو اضطراب
الدول الذي ينتهي بالتغيير الجذري.

وهو ما أشار إليه الكاتب المصري
عاطف الغمري قبيل أحداث الربيع العربي في (5 مايو/ أيار 2010) في مقال كتبه
تحت عنوان «الديمقراطية… ليست عرضاً وطلباً»، نشره موقع «الأهرام
الرقمي» قائلاً: «التاريخ لا يتغير، لكن الفكر السياسي في إطار الحقب
التاريخية المتتالية، قابل للتغير والتطور». وأضاف: «المفاهيم السياسية
تغيرت… الديمقراطية والأمن القومي، وقدرة الدولة ومكانتها ونفوذها
والحياة اليومية للمواطن… كلها قد انزاحت بينها الفواصل، وتشابكت في
بعضها، وصارت كل منها تؤثر في الأخرى وتتأثر بها. ولم تعد الديمقراطية في
إطار هذه التغيرات، مجرد أفكار لنظام سياسي، لكنها صارت متصلة مباشرة
بالكرامة الوطنية، والأمان الداخلي، وفرص التوظيف، والقدرة على تكوين أسرة،
وجودة التعليم، والارتقاء بالبشر، بل وأن تكون الأسعار محتملة ومنضبطة،
والحياة المعيشية ليست مستعصية».

وهو ما يعني أن التغيير سيستمر رغم
مقاومة الأنظمة، لأنها رغبة طبيعية صادقة انطلقت من صميم إرادة المواطن
العربي الذي يريد نظاماً سياسياً لا ينكر الواقع ولا يمنع الحل السياسي.

ريم خليفة

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

أفكــار اشتراكيــة في المسـألة القوميـة


تتشكل المسألة القومية، كما هو معروف، من مجمل العلاقات السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والقانونية والمناطقية التي تجمع بين قوميات أو شعوب أو تجمعات سكانية في مختلف التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية. وقد تصل هذه العلاقات إلى وضع مأزوم يتعين فيه تقرير مصير القوميات والشعوب التي تتقاسم العيش في إطار دولة تاريخية موحدة، بين التغيير النوعي لهذه العلاقات أو الانفصال وتشكيل دولة قومية مستقلة. وسأركز في هذه المقالة على موضوع الانفصال مع ملاحظة أن الأفكار التي تتضمنها المقالة هي أفكار منهجية بالدرجة الأولى وليست مُقاسة قطعاً على حالة بعينها.

 إن مبدأ حق ألشعوب في تقرير مصيرها، هو مبدأ قديم سبق ولادة الفكر الاشتراكي العلمي، وقد كان واحداً من أركان الفكر السياسي البرجوازي الناهض بوجه مبادئ وأسس الدولة الاقطاعية. لذا فان أغلب حركات التمرد على التاج الملكي في الحقبة الاقطاعية في أوربا كانت حركات تحرر قومي أو حركات تسعى للانفصال وتشكيل الدولة المستقلة. وقد تضمن إعلان إستقلال الولايات المتحدة الأمريكية  عام 1776 وإعلان حقوق الانسان والمواطن فيها عام 1789  بندآ واضحآ يقر بحق تقرير ألمصير.

  إلا أن بداية تجليات هذا المبدأ في رؤية نظرية ” للدولة القومية” لم تتشكل إلا بعيد ذلك في كتاب فيختة ” أحاديث إلى الأمة الألمانية ” عام 1808، أي قبل ولادة كارل ماركس بعشرة أعوام! ثم وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر ظهرت في الكتابات الاشتراكية  نقاشات لموضوعة الدولة القومية. كان أهمها دراسات مفكري الاشتراكية الطوباوية. ومع تنوع، وأحيانآ إختلاف، أفكار مؤسسي الاشتراكية الطوباوية، سان سيمون وفورييه وأوين، وأنصارهم في تصورهم للدولة والنظام السياسي إلا أنهم كانوا يلتقون عند موقف أساسي واحد، وهو أن الدولة بمفهومها السياسي آيلة حتمآ إلى الاضمحلال والتلاشي. لذا فمن غير المجدي وضع تصور مستقبلي للدولة.

 ومع أن مؤسسي الاشتراكية العلمية، كارل ماركس وفريدريك إنجلز أسسوا لفكر جديد يستوعب حركة التاريخ في مفاصله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إلا أنهم إستعاروا فكرة إضمحلال الدولة في المجتمع الاشتراكي اللاطبقي من الاشتراكية الطوباوية. ولم تكن الدولة في فهم مؤسسي الاشتراكية العلمية سوى أداة للقمع الطبقي، مع أنهم إفترضوا في ظروف معينة إمكانية إستقلالها عن الطبقة المهيمنة. إلا أنها حتى في تجلياتها الأخيرة أو عند إقامة سلطة ” دكتاتورية البروليتاريا” ، فهي في جميع الأحوال ظاهرة تاريخية مؤقتة ملازمة للمجتمعات الطبقية، تزول بزوال دواعيها، أي بزوال المجتمع الطبقي.

 وتبعآ لذلك فان الفكر الاشتراكي لم يول الدولة إهتمامآ  كبيرآ يرفعها إلى مستوى الدراسة المنهجية في إطار ديالكتيك التطور الاقتصادي الاجتماعي. ولكن هذا لا يعني بالتأكيد أن الاشتراكيين الأوائل أغفلوا تمامآ موضوع الدولة و حق تقرير المصير. خاصة وان أحداث التمرد القومي في أوربا والمشاكل المتعلقة بالتوسع الاستعماري الأوربي في آسيا وأفريقيا كان لها أثرها الواضح في مسار تطور النظام الرأسمالي والحركة العمالية في في أوربا الغربية آنذاك. الفرق يكمن في مدى خضوع الحدث التاريخي لآليات النظام المعرفي للاشتراكية العلمية عند إتخاذ موقف محدد منه. لذا فقد لجأ مؤسسو الاشتراكية العلمية إلى إستخدام مصطلحات تشخص الحدث في مدى تأثيره السلبي أو الايجابي على حركة التطور التاريخي للمجتمعات في محاورها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وعليه فقد وصفت الحركات الانفصالية المطالبة بحق تقرير المصير بأنها تارة “رجعية” وتارة أخرى “تقدمية”.

 وهذا ما فسر مواقف ماركس وأنجلز من أحداث عام 1848 في النمسا والمجر وكذلك موقفهما المعروف من المشكلة الايرلندية. وربما يكون القارئ مطلعآ أيضآ على موقف ماركس وإنجلز من الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية على المكسيك وإستولت بنتيجتها على مقاطعات غنية وضمتها إلى أراضيها وغير ذلك، الموقف من الاحتلال الانكليزي للهند. ثم موقفهما من إستعمار الجزائر ومصر. لست هنا بصدد عرض تاريخي للأحداث المذكورة، كما أني لست في سبيل محاكمة نصوص بعينها وردت في هذا الشأن. ولكن الدراسة المتأنية لها تفرض علينا الاستنتاج بأن معلمي الاشتراكية الأوائل كانوا مع الدولة الواحدة الموحدة مع إقرارهم ضمن توصيفات وإشتراطات معينة، بحق الأمم في تقرير مصيرها. ولا ينفي هذا الواقع ما ورد في البيان الصادر عن الكونفرنس العالمي للأحزاب والنقابات الاشتراكية العمالية المنعقد في لندن عام 1896 من إقرار صريح وغير مشروط بالحق الكامل لجميع الأمم في تقرير مصيرها. فعدا النص المقتضب الذي تضمنه البيان الختامي للمؤتمر، لم يكن هناك أي تفصيل أو تفسير لموقف الأحزاب والنقابات الموقعة عليه، كما أن هذه الأحزاب ذاتها، كانت قد أهملت أو تناست فيما بعد ما أقرته في مؤتمرها بهذا الخصوص.

  إن حق تقرير المصير في رأي ماركس وأنجلز، يجب أن يكون منسجمآ مع حركة التطور التاريخية، أي أن يكون متوافقآ مع مصالح الطبقات الاجتماعية الطليعية، ليس فقط عند الأمم التي تسعى لتقرير مصيرها بل وتلك الأمم ألتي سيجري فيها التغيير نتيجة إستخدام هذا الحق. وعلى العموم فان مصالح الطبقات الاجتماعية الطليعية عند جميع الأمم تتجسد في وحدتها وكفاحها المشترك وليس في تفككها وإنضوائها تحت رايات قومية متنافرة. هذا أولآ وثانيآ، يجب أن لا يفضي الانفصال إلى إقامة دولة قومية مستقلة ترتد  فيها التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية إلى الوراء مقارنة بالدولة الأم. أي أن لا تولد دول إقطاعية مثلآ من رحم دولة تسود فيها علاقات الانتاج الرأسمالية. وأخيرآ فان حق تقرير المصير، يجب أن يبرره إضطهاد منهجي واضح تتعرض له أمة صغيرة يعيق تطورها الاقتصادي الاجتماعي ويجعل من غير الممكن مواصلة العيش المشترك في إطار دولة واحدة. وعدا هذه الاشتراطات التي أفرزتها وقائع القرن التاسع عشر فان التطور الاقتصادي الاجتماعي والسياسي منذ ذلك الحين يفرض على الاشتراكيين التعامل مع وقائع جديدة ومفاهيم عصرية تغني وتمنهج الموقف الاشتراكي من موضوعة حق الأمم في تقرير مصيرها.
 وعلى الرغم من أن البلاشفة كانوا قد أدخلوا في برنامجهم الحزبي منذ عام 1903 إعترافآ صريحآ بحق الأمم في تقرير مصيرها من منطلقات سياسية واقعية، إلا أنهم لم يبتعدوا كثيرآ عن أفكار ماركس وإنجلز في هذا الشأن. ففي كتابه المعروف (عن حق الأمم في تقرير مصيرها) الصادر عام 1914، ذكر لينين ” إن إقرارنا بهذا الحق لا يعني التشجيع على الانفصال وإنما لتعزيز إنتصارنا في مسار نضالي ضد التوجهات ألقومية عند هذه الأمم….وفي سبيل وحدتها الأممية المتراصة بالضد من محاولات البرجوازية لجرها إلى الانكفاء على قضاياها القومية”، وفي تذييله لملاحظاته في نفس الكتاب أوضح لينين “… الاعتراف بحق الأمم في الانفصال لا يعفي الماركسيين من دعوة الأمم المضطهدة إلى التخلي عن فكرة الانفصال، إنه كحق الطلاق الذي لا يمنع من الدعوة إلى نبذ الطلاق”

وبعيد ثورة أكتوبر(19-21 أكتوبر عام 1917) عاد لينين مرة أخرى إلى مسألة حق الأمم في تقرير مصيرها وإمكانية إنفصال أجزاء من الامبراطورية الروسية السابقة عن روسيا السوفيتية، ليؤكد هذه المرة بوضوح ” نحن لا نريد الانفصال. إننا نسعى لدولة كبرى بالقدر الممكن، إلى إتحاد متماسك،  فيه أكثر ما يمكن من التنوع القومي المتجاور مع القومية الروسية العظيمة. إننا نسعى إلى ذلك  لمصلحة الديمقراطية والاشتراكية….”

 وفي العام 1920 أعلن المسؤول السوفيتي المكلف بشؤون القوميات يوسف ستالين، بصورة حازمة أن الانفصال عن روسيا الجديدة غير مقبول على الاطلاق. وجرى توصيف العمليات الحربية التي كانت تدور رحاها على الأراضي الأوكرانية والقوقاز وآسيا الوسطى، على أنها حرب أهلية وليست حرب ضد إنفصاليين مع أن التوجهات الانفصالية كانت حاضرة عند بعض القوى المعادية للنظام السوفيتي الجديد في تلك المناطق آنذاك. ثم أجرى ستالين وبعد أن أصبح الشخص الأول في الحزب والدولة تغييرآ مبدئيآ في الدستور السوفيتي ليكون فيه تقرير المصير من حق الجمهوريات المتحدة في إطار دولة الاتحاد السوفيتي وليس من حق القوميات أو الشعوب المتعايشة في إطار الدولة السوفيتية.

 وتبعآ لذلك فان الاشتراكيين، بما فيهم البلاشفة، كانوا يدركون ما ينطوي عليه مبدأ حق تقرير المصير بالانفصال عن الدولة التاريخية وإنشاء دول قومية مستقلة من مخاطر ومطبات قد تهدد مسيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي والتاريخي، من آثاره السلبية نشر الفرقة وروح العداء القومي وتمزيق النسيج الاجتماعي. وقد ذكر لينين بأن التنوع الثقافي والاجتماعي في الدول المتعددة القوميات يساهم بفعالية في تطورها ويجعلها أكثر قدرة على الابداع مقارنة بدولة القومية الواحدة.

هذه الرؤيا المتعددة الأبعاد لمبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها، جعلت الاشتراكيين ومنهم البلاشفة أكثر حذرآ وروية في تعاملهم مع مشروع بناء الدولة الاشتراكية الجديدة. ففي الوقت الذي كانوا فيه يؤمنون ويأملون بأن النظام الفيدرالي هو البديل الأفضل لحل مشاكل القوميات على إمتداد المساحة الجغرافية لروسيا القيصرية، إلا أنهم في نفس الوقت كانوا حذرين من أن يستغل الانفصاليون القوميون تباين النضج في مفاصل هذا النظام وضعف الخبرة في إدارته، لتحويله إلى منصة إنطلاق نحو الانفصال. فالبلاشفة كانوا يرون في الفيدرالية نظاماً توحيدياً لدولة متنوعة الأجناس والقوميات، وليس لتفكيك الدولة الروسية وتمزيق أوصالها. وفي هذا السياق كتب لينين في موضوعات إلى المؤتمر الثاني للكومنتيرن عام 1920 ” من الضروري أن نسعى لنظام اتحادي فيدرالي أكثر تماسكآ”.

ثم ان واقع وجود أكثر من 2000 قومية ومكون أثني يسكنون في 191  دولة من دول العالم اليوم، يفرض على الاشتراكيين الديمقراطيين بالدرجة الأولى التأني عند التعامل السياسي مع هذا المبدأ كخيار لحل مشاكل القوميات. فالمكونات السكانية المتنوعة لأغلب دول العالم، والتي تعايشت مع بعضها منذ زمن مديد على أرض تاريخية واحدة وتمازجت في نسيج إجتماعي وثقافي واحد، ستكون مهددة على الدوام لأن تكون عرضة لتأثير المغامرين والمتعصبين القوميين أو الدينيين أو الطائفيين، الذين تدفعهم رغبتهم الجامحة للسلطة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي في أي من هذه البلدان متذرعين بحق تقرير المصير!

 إن مجرد إنشاء دول على مقاس قومية واحدة أو دين أو مذهب واحد، سينهار معه لا محالة ركن أساسي من أركان الديمقراطية وحقوق الانسان والمواطنة وهو (أن المواطنين جميعآ سواسية أمام القانون). والتجربة التاريخية للانفصال، بصورة عامة، أدت إلى تكوين دول فيها مواطني الدرجة الأولى ومواطني الدرجة الثانية. وإشتدت فيها ظاهرة الاضطهاد والتمييز سواء في الدولة الحديثة النشوء أو في ما تبقى من الدولة التاريخية الأم. كما أنه من غير الممكن، في عالم اليوم، التفكير بانشاء دول “نقية” أحادية القومية، تخلو من الأقليات. لذا فاننا لا ريب أمام خيارين، إما الايمان المطلق بحق الشعوب بالانفصال عن دولها التاريخية وإنشاء دولها المستقلة وبالتالي إشاعة التمزق والتشتت والفوضى والمزيد من أنهار الدماء ومظاهر الانعزال والكراهية، أو أن نكافح معآ من أجل دولة لا يكون القانون فيها بيد السلطة بل أن يكون القانون، هو الأساس المحدد لهذه السلطة في التكوين وفي الممارسة. ومن أجل قانون واحد للجميع، للسلطة وللمواطن. لم أعثر في التاريخ سوى على حالتين للانفصال لم تؤد إلى مآس إجتماعية ودماء إنسانية غزيرة، وهما في تجربة إنفصال النرويج عن السويد وكذلك الانفصال الجيكي والسلوفاكيا عن جيكوسلوفاكيا. إنها إستثناءات تثبت القاعدة.

 منظمة الأمم المتحدة تعتبر مبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها بالانفصال وتشكيل دولها المستقلة واحد من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظومة الدولية، وهي في نفس الوقت تعتبر مبدأ عدم المساس بوحدة أراضي الدول في إطار حدودها المعترف بها دوليآ، كذلك من المبادئ الأساسية للنظام الدولي المعاصر. التناقض واضح ما بين المبدأين وإلا فكيف يمكن أن تنفصل دولة جديدة دون تغيير في جغرافية وحدود ألدولة الأم التي تنفصل عنها، المتخصصون في هذا الشأن يضعون تفسيرات واهية تفرق ما بين متطلبات الانفصال الناشئة من داخل الدول وبين التغيير في حدود الدول نتيجة للتدخل أو العدوان الخارجي.  والقارئ يعلم تمامآ بان أي نظام في العالم لا يتورع عن الربط بين أي تحرك إنفصالي في بلاده والتدخل الخارجي، فلم إذا تعتمد هذه المنظمة الدولية التي تؤثر اليوم في كل منظومة العلاقات بين الدول والشعوب، مبادئ لم ترسم حدودها القانونية الواضحة وغير القابلة للتأويلات الذاتية المختلفة وغير ذلك فأن القانون الدولي لم يحدد مواصفات القومية أو التكوين الاثني الذي تنطبق عليه شرعية تقرير المصيربالانفصال وإنشاء الدولة المستقلة. فهناك في واحدة من الجمهوريات الروسية قومية لا يزيد عدد أفرادها على الألفين شخص، فهل يحق لها وفقآ للقانون الدولي الانفصال عن روسيا وتشكيل دولتها المستقلة.

 لا أريد إدخال القارئ في متاهات القانون الدولي، فهي متاهات سياسية مقصودة، ليسهل إستخدامها من قبل الدول والمحاور المتنفذة في مجلس الأمن لتنفيذ وقائع على الأرض تخدم مخططات الأقوى والمنتصر وتشرعن أحيانآ لسياسة العقاب وتصفية الحسابات. هذا ما كان تمامآ بعد خروج المنظومة الاشتراكية خاسرة في حربها الباردة مع النظام الرأسمالي الغربي.

 الماركسيون الأوائل بما فيهم بلاشفة أيضآ، كانوا يؤكدون على ضرورة إيجاد صيغ للعلاقة بين القوميات والتجمعات السكانية المختلفة بحيث تضمن حريتها في ممارسة عاداتها وتقاليدها وحقها في تطوير ثقافتها وخصوصياتها الأخرى مع الحفاظ على وحدة الدولة التاريخية. من هؤلاء من دخل في سجال عنيف مع لينين في هذا الشأن مثل أ. دافيد وك.كونوف و و.باير و ك. رينر والاشتراكية اليسارية المعروفة روزا لوكسمبورغ وغيرهم من الاشتراكيين الديمقراطيين الروس. فالدول التي يتنوع فيها النسيج الاجتماعي وتتمازج فيها الثقافات وتتفاعل فيها المشتركات تملك بالتأكيد آليات تطور أكثر كفاءة وحيوية من تلك التي تنغلق على حضارة وثقافة من لون واحد. الاولى هي دول ” تقدمية ” ، حسب توصيف ماركس وأنجلز، وبالتالي فان الثانية دول ” رجعية “.

 أساس كل دولة هو الانسان- المواطن، فما الذي يحتاجه هذا الانسان في أي بقعة من بقاع العالم؟ إنه بالتأكيد يريد أن تحترم إنسانيته وأن يعامل على قدم المساواة مع الآخرين. أن يملك الحق في أن ينتمي لأية ديانة أو مذهب يؤمن بهما أو أن لا ينتمي لأية ديانة كانت. أن يتحدث أو يقرأ أو أن يكتب باللغة التي يجيدها. وفي نهاية المطاف فان هناك مقاييس دولية للحقوق والقوانين أصبحت تتغلغل بقوة في المجتمعات والدول وتكنس من أمامها الموقف الانتهازي الذي ينادي بخصوصية ونسبية القوانين.


 د. جاسم الصفار*
 * مدير مركز دراسات وأبحاث- روسيا الاتحادية.
جريدة طريق الشعب 6-7-2012

اقرأ المزيد

وزير حقوق الإنسان وأطباء السلمانية! – مريم الشروقي

إن لم تخنّي الذاكرة، فإنّه قبل سنة وأشهر حضر (وزير حقوق الإنسان
الحالي) ضيفاً أمام كاميرا برنامج «الراصد» في تلفزيون البحرين، وتحدّث عن
أزمة مجمّع السلمانية الطبي.

وفي هذا اللقاء، أشار إلى أمر خطير، وهو
أن الأطباء احتجزوا وكيلاً في وزارة الصحة كرهينة، ويمكن للقراء الرجوع
إلى النص الصحيح لما ذكره الوزير.

حينها قام وزير الصحّة آنذاك نزار
البحارنة بالردّ عليه هاتفياً، وأنكر التهمة أمام الجمهور البحريني الذي
كان يراقب الأحداث، وسأل عن مصدر المعلومات غير الصحيحة، ولكن لم يحصل على
جواب، بل رحّب وهلّل للوزير البحارنة!

معلومةٌ خطيرةٌ جداً نُسبت إلى
أطباء البحرين، وقد برّأهم القضاء البحريني من كثيرٍ من التهم المنسوبة،
ولكننا لم نسمع أحداً يتكلّم عن هذه التهمة الخطيرة من قبل وزير حقوق
الإنسان، وهي تهمة إن صدقت، فإنّنا نطالب بأقصى العقوبة على من قام بها،
وإن كانت خاليةً من الصحّة، فإنّ الوزير يحتاج إلى الاعتذار من الأطباء من
باب الاعتراف بالخطأ.

إنّ قسم الطبيب لهو من أعظم الأمور التي
سمعناها وقرأناها في حياتنا، فعندما تقوم مجموعةٌ من خرّيجي الطب، بالقسم
أمام الله والعالم بالحفاظ على شرف مهنة الطب، وعدم التفرقة بين جموع
الناس، إذ لا فضل لأبيض على أسود، ولا عربي على أعجمي، لأنّ الجميع يحتاج
إلى الطبيب. وإن كان الطبيب لا يستطيع الالتزام بهذا القسم، فإنّ ترك مهنة
الطب أولى له من المواصلة.

من العجيب جداً جداً أن نشهد كلاماً قيل
في الأطباء، ومن الأعجب ألاّ نجد له دليلاً مادياً قاطعاً. فبعد التشهير
بأطباء البحرين، أثبتت المحكمة «براءتهم» من احتلال السلمانية، ومن احتواء
بعض الأقسام على الأسلحة البيضاء وغير البيضاء. وعليه فإنّ المطالبة بفتح
تحقيق بشأن ما قاله الوزير، وهو الحقوقي الآن في مجال حقوق الإنسان ووزير
حقوق الإنسان، مدعاةٌ إلى إرجاع الحقوق إلى نصابها الصحيح.

إن بعض
الاتّهامات يجب ألاّ تذهب جزافاً من غير رقيب أو حسيب، وإلاّ فإننا جميعاً
نستطيع التقوّل والافتراء على الناس، وتلفيق التهم لهم، ونستطيع الخروج من
هذا التلفيق من دون أن يحاسبنا عليه أحد.

إنّنا في دولة القانون، ولا
نرضى إلا بالقانون نصاباً، فإن أخطأ أي شخص خطأً فادحاً، فإنّه لابد أن
يصل إلى عدالة القضاء، حتى يتم الاقتصاص منه، وإن كان كلامه سليماً، فإنّ
يد العدالة لابد أن تطال من حاول تخريب أمن وطننا الغالي. وجمعة مباركة.

مريم الشروقي

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

حكم القانون… لكن قانون من؟ – د.علي فخرو

لا يوجد أدنى شك بأن مدى هيمنة حكم القانون، ما يعرف بـ Rule of Law ،
يقيس مدى مدنية وتحضُّر أيِ مجتمع. وحكم القانون في قواميس السياسة هو نوع
من الحكم حيث لا سلطة تمارس على أحد إلا حسب أسس ومنهجية ومحدّدات القانون،
وحيث يستطيع أي مواطن أن يترافع بقضيته ضدَّ أي شخص مهما علا قدره وضدَّ
أي مسئول في الدولة يمارس خرق القانون.

مناسبة الحديث عن موضوع حكم
القانون هي ما يراه ويسمعه ويقرؤه الإنسان يومياً عبر وسائل الإعلام وهي
تتعامل مع نشاطات ومواقف شباب الثورات والحراكات العربية في الأقطار التي
وصلها الربيع العربي. فوسائل الإعلام تظل تردد بصورة ببغاوية بأن هذا
النشاط مخالف للقانون وذاك الموقف يكسر القانون وذلك المطلب لا يقرّه
القانون. وشيئاً فشيئاً تبدو الثورات والحراكات وكأنها عبث خارج حكم
القانون، وبالتالي يجب أن تتوقَّف عند حدود معيَّنه وأن تقوم الدولة
بالضَّرب بيد من حديد على القائمين بها، وعلى الأخص الشباب منهم.

لكن
وسائل الإعلام تحتاج إلى التذكير بأن عبارة «حكم القانون، التي يرفعونها
في وجوه شباب الثورات، لها متطلبات وشروط إذا أريد الاحتكام إليها. من
أهمِّها ما أكده المجلس الدولي لممارسي مهنة القانون في إعلان له سنة 2005
عندما اعتبر أن من أبرز مكوّنات «حكم القانون» وجود قضاء مستقل ومحايد
يمارس تطبيق القانون بصورة عادلة وعلنيّة وبدون تأخيرمتعمد يضرُ الناس.
وعليه اعتبر المجلس أنه من غير المقبول على الإطلاق القبض التعسُّفي غير
المبرر على أي مواطن، ولا احتجازه دون محاكمة، ولا معاملته بقسوة أو بصورة
مهينة تحطُ من كرامته ومعتقداته أو بممارسة تعذيبه، ولا محاكمته بصورة
سرية.

ولسريان حكم القانون هناك وجه سياسي يجب أن يتوافر. فتطبيق حكم
القانون يحتاج أن يكون من خلال وسائل ديمقراطية توفّر أولاً الأسس التي
تؤمّن أم الفضائل وهي العدالة، ولا تستثني ثانياً أحداً أيا كان من حكم
القانون الذي يطبق بالتساوي على المجتمع وعلى الحكومة، والتي تفعّل ثالثاً
الفصل الحقيقي لا الصوري بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية
والقضائية، والتي رابعاً تتأكد من انطلاق جميع القوانين من القائمة الشاملة
لحقوق الإنسان العالمية، والتي خامساً مثلما تؤكّد استقلالية القضاء تصُّر
على استقلالية مهنة المحاماة.

هل قائمة المتطلبات طويلة ومعقَّدة؟
نعم، إذ بدونها يمكن لحكم القانون أن يصبح ممارسة تعسُّفية ظالمة وفاسدة.
والبديل لتلك المتطلبات الصّارمة أن ينتهي حكم القانون إلى الممارسات
النَّازية والستالينيَّة البشعة في معسكرات الاعتقال، إلى التحايل والتلاعب
الأميركي في غوانتنامو، إلى ألوف سجناء الرأي والحرية العرب القابعين في
أقبية سجون ومراكز التوقيف العربية دون محاكمات أو بمحاكمات صورية، الى
إهانة أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا يومياً في محاكم الجهل أو الفساد، إلى
مجتمع يعيش حالة الجحيم.

لنأخذ مثالاً واحداً لتوضيح ما ذكرنا في
الفقرات السابقة. أي كلام إعلامي مضحك ذاك الذي يطالب شباب ثورة مصر بقبول
ما صدر من أحكام بحق الطُّغاة والفاسدين والسُراق من رجالات الحكم البائد،
والتي استندت فيها الأحكام إلى القوانين المصرية السارية. يتجاهل هؤلاء
وجود إشكاليات، فالذي صاغ تلك القوانين مؤسسات تشريعية سابقة جاءت عن طريق
انتخابات مزوَّرة وبالتالي لا تمثل المواطنين، والذي أصدرها نظام حكم
استبدادي فاسد معني بما يخدم بقاءه وليس بمصالح المواطنين والمجتمع. إن
الغالبية السَّاحقة من المتطلبات والشروط التي ذكرناها سابقاً لا تتوافر
فيما تسمّيه وسائل الإعلام بحكم القانون وتنادي ليل نهار باحترامه. فلماذا
يطلب من شباب ثورة مصر عدم التحفُّظ على تلك الأحكام وعدم رفع عقيرة
الاحتجاجات في الساحات، بل ويتجرَأ البعض باتهامهم بممارسة الفوضى وينصحهم
بالرجوع إلى بيوتهم قبل أن تتحقق أهداف ومطالب الثورة؟

نعلم أن
القضيَّة شائكة، ولكن إلى حين تغيير القوانين الجائرة السَّابقة وتوافر
المتطلبات المذكورة سابقاً في عملية تشريع القوانين الجديدة وتطبيقها، أي
ممارسة حكم القانون النّزيه، ينبغي الاحتكام إلى توافر عنصرين أساسيّين في
كل حكم سيصدر: الأول هو تحقيق أهداف الثورة وعدم التلاعب بها وتأجيلها،
وهذا حق للذين استشهدوا في سبيلها، والثاني هو الأمر الإلهي باقامة الحق
والعدل والقسط والميزان كشرط للسلام وكل الفضائل وسموّ الإنسان، وكذلك أمر
الحكمة الإنسانية: «كيف السبيل إلى محاربة عنف الناس، ياحكيم الصين؟ بالعدل
يامولاي، بالعدل»، قالها كونفوشيوس.

علي محمد فخرو

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

منع المسيرات السلمية وعنف الشارع

للمرة السادسة أو السابعة على التوالي، تمنع وزارة الداخلية خروج مسيرات
سلمية تدعو إليها الجمعيات المعارضة خلال الشهرين الماضيين. فقد منعت
الوزارة مسيرة كان مقرراً لها الخروج في 22 يونيو/ حزيران الماضي في منطقة
الخميس، وعندما أصر المشاركون في هذه التظاهرة بالخروج سلمياً أصيب أحد
المتظاهرين بشكل مأساوي، وهو الشاب علي الموالي بإصابة خطيرة في الرأس وهو
لايزال في وضع صحي حرج جداً.

كما منعت مسيرة أخرى كان من المقرر أن
تنظم في 29 يونيو على شارع البديع، ومنعت قبلها عدة مسيرات تقدمت بها
الجمعيات المعارضة في منطقة كرباباد والمقشع والبلاد القديم.

أمس
الأول أعلنت وزارة الداخلية عن منعها للمسيرة التي كان من المفترض خروجها
اليوم الجمعة (6 يوليو/ تموز 2012) على شارع البديع، وفي كل مرة يبرر بيان
وزارة الداخلية منع المسيرات بأنه «وفقاً للضوابط القانونية الواردة بقانون
الاجتماعات العامة والمسيرات، تقرر منع هذه المسيرة في المكان والزمان
المحددين، حيث إن إقامتها بهذه المنطقة الحيوية من شأنه الإخلال بالأمن
العام والإضرار بمصالح الناس».

هناك انطباع عام بأن وزارة الداخلية
بدأت في الفترة الأخيرة بالتضييق على حق التظاهر المكفول قانوناً، ولن تسمح
بخروج مسيرات للتعبير عن الرأي بشكل سلمي إلا في حدود ضيقة جداً، تمهيداً
لمنعها تماماً في المستقبل، ما يدخل البلاد في مرحلة سابقة من تاريخها،
عندما كان قانون أمن الدولة دون الدستور هو المتحكّم في الحياة السياسية.

وفي
حين تؤكد وزارة الداخلية على الحق في التعبير عن الرأي وفقاً للضوابط
والمعايير القانونية، وتشير في أحد بياناتها إلى أن جمعية الوفاق نظمت ما
لا يقل عن 27 مسيرة منذ بداية العام الجاري و20 تجمعاً مفتوحاً، تؤكد
الجمعيات المعارضة أن التظاهر حق إنساني طبيعي كفلته المواثيق والمعاهدات
الدولية، وكفلها الميثاق والدستور والقانون المحلي، ومنع هذا الحق وحجره
على الناس هو سير في الطريق العكسي لطبيعة البشر، فلا يمكن أبداً منع الناس
من المطالبة بحقوقهم وإلزامهم بالصمت عمّا يتعرضون له من ظلم وانتهاكات.

إن
منع المسيرات والتظاهرات السلمية قد يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة الاحتقان
في الشارع، وربما يساهم بصورة غير مباشرة إلى تصاعد وتيرة العنف والعنف
المضاد، سواء من خلال تفريق قوات الأمن للمتظاهرين أو ردات فعل المتظاهرين
تجاه قوات الأمن.

ما يسعى إليه الجميع هو وقف العنف أياً كان مصدره
أو دوافعه، وجميع القوى السياسية تدين عنف الشارع، وتؤكد أهمية اتباع
الأسلوب السلمي في أية فعالية احتجاجية. ولقد شهدنا جميعاً توقف العنف
بصورة كبيرة عندما نظمت جمعية الوفاق مجموعة من الفعاليات في ساحة المقشع
خلال الفترة الماضية، فعندما يتاح للمواطنين التعبير عن أفكارهم وآرائهم
ومشاعرهم بحرية، لن تكون هناك أي دوافع لانتهاج أسلوب العنف.

جميل المحاري

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

نقـد “التقدمي” شرطـه تعزيز وحدته


حظي المنبر التقدمي في عددين متتاليين بشرف وضع اسمه في الصفحة الأولى لصحيفة الأيام بخبر مفاده ( بأن عددا كبيرا من اعضاء الجمعية قدموا استقالاتهم بعد تشكيل مكتب سياسي غير متوافق عليه برئاسة النائب السابق عبدالنبي سلمان.) ، وتتفنن الصحيفة في تحليل الخبر لأسباب معروفة و بتعمد واضح يخلط ما بين من قدم استقالته خلال أحداث 14 فبراير وتلك الاستقالات التي جاءت على خلفية المؤتمر العام السادس  .
 
وتنشر ذات الصحيفة ( عملا بحرية الرأي الذي يتوافق مع سياستها ) مقالات تصب في ذات الاتجاه مثل (المنــبر التقدمي أو المنــبر الريديــكالي ) وفي مقال أخر بعنوان ( أحييك علي البنعلي.. لأنهم رفضوك!! ) يسن كاتبه وفي أكثر من مقالات سابقة قلمه الذي لم يجف حبره بعد ، للنيل من مكانة المنبر التقدمي واصفا إياه بالطائفية وبغيرها من الأوصاف التي تفتقر للدقة والصدقية  في وقت كان فيه هذا الكاتب رفيقا من أولئك اللذين هجروا وتركوا نشاط وفعاليات التقدمي قبل أحداث 14 فبراير بزمن طويل لأسباب ذاتية هو يعرفها .
 
وفي ذلك نقول بكلمة واضحة وبصوت مرتفع أن المنبر التقدمي منذ تأسيسه وحتى اليوم لم يكن فوق النقد ، سواء النقد الذي يأتي من رفاقه ، أو من أصدقاءه ومحبيه ، أو من أولئك اللذين هجروه ، غير أن هذا النقد حتى يكون موضوعيا فان شرطه أن يكون مبنيا على أساس من البينة لا على الافتراض والتخيل أو على شهادة سماعية منقولة ، نقد يهدف أول ما يهدف  لتعزيز وحدة التقدمي  الداخلية وصون خطه الكفاحي .
 
لقد احتوت هذه المقالات وغيرها على العديد من الفهم الخاطئ للخلاف داخل المنبر التقدمي وشابها كثيرا من المبالغة والغلو ، فليس في المنبر التقدمي – كما يدرك ويعلم رفاقنا المستقيلين أنفسهم -  قوتين بل قوة واحدة كان يجب أن يحكمها النظام الأساسي والبرنامج السياسي اللذين أقرتهما أعلى هيئة في المنبر لتقدمي ، هي المؤتمر العام  ، تختلف أراء أعضاءه وتعدد من مجمل القضايا والملفات الوطنية ، ومن تحالفاته مع غيره من القوى السياسية لكنه من المبالغة القول  بأن ( المنبر التقدمي أصيب بداء الطائفية حتى ضرب العظم والنخاع ) أو أن ( قوى راديكالية متطرفة- حديثة الوجود- تحاول بيع الأعضاء وتصفية الموجودات لجمعية الوفاق!)
 
ومن المفارقة التي تكشف عن عدم دقة المعلومات التي استقاها كاتب مقال (المنــبر التقدمي أو المنــبر الريديــكالي ) ما سطره في مقاله من قول ( بأنه تم إقصاء الدكتور حسن مدن من قيادة المنبر ) ، ويكفي أن نشير إلى انه  لو كان نظامنا الأساسي يسمح بترشح الدكتور حسن مدن لدورة ثالثة لحصل على تأييد واسع من أعضاء المنبر ، لما  يمتاز به من شخصية وطنية مرموقة .

ويواصل كاتب المقال المذكور تصوراته الخاطئة لنضال المنبر وتحالفته فيقول (  فمع ما كان يتمتع به الرئيس السابق للمنبر الدكتور حسن مدن من خبرة وتاريخ وأخلاق إلا أن الخجل والحياء هو الذي دفع به إلى تبني سياسة الوفاق الصدامية ) ، بل يمتد هذا التصور إلى عبد النبي سلمان الأمين العام الجديد للمنبر ، فهو في الوقت الذي يؤكد معرفته  (ببعد عبدالنبي سلمان عن الطرح الطائفي إلا أن البعض يرى فيه امتداد لفكر جمعية الوفاق، وأنه سيصبح في أيديهم بدل الدكتور حسن مدن ) .
 
هكذا يختزل الكاتب المحترم سياسية المنبر التحالفية في الدكتور حسن مدن ، وفي عبدالنبي سلمان ، وينال من شخصيتهما النضالية ، ويكفي ان نرد عليه بأن شخصية مثل الدكتور حسن مدن الذي تمرس في النضال منذ أن كان شابا وظلت وما زالت روحه متوقدة حاضرة للمنبر التقدمي ، لا يعرف الخجل والحياء في السياسية ، لقد كان في قلب الأحداث قياديا فذا ،صريحا شجاعا جريئا ، صان وقاد مع رفاقه خط المنبر التقدمي الكفاحي ضد الطائفية والتطرف والتصعيد  ، وأن شخصية مثل عبدالنبي سلمان التي استخدمت جمعية الوفاق كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في مواجهته للحيلولة دون فوزه في انتخابات 2006،  ومع ذلك حصد 2396 صوتا في دائرة وفاقية مغلقة ، فكشف ذلك عن المكانة الوطنية التي كان يتمتع فيها وعن الدور البارز الذي قام به خلال الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب ، لا يمكن أن يكون امتدادا لفكر جمعية الوفاق بل امتدادا لفكر جبهة التحرير ، وأن البعض الذي نقل هذا التصور إلى كاتب المقال هو من عاش وما زال يغرد خارج السرب مثله كمثل


(طـــويــــر الـــزمّْ ) .
 
ويأتي في هذا السياق ولا يخرج عنه ما يكتبه صاحب مقال (( أحييك علي البنعلي.. لأنهم رفضوك!! ) ، واقتبس مما كتبه في هذا المقال قوله  ( لقد طفحت الطائفية الحزبية في جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي وكشرت عن أنيابها و(فاحت) رائحتها بشكل بشع ومقزز يزكم الأنوف والنفوس والعقول، ، عندما تم رفض رئيس نقابة ألبا علي البنعلي،  من كل لجان المنبر ) .
 
 لا … يا أيها الرفيق العزيز الفنان المخرج المعد المبدع ،  ما هكذا تورد الإبل ، وما هكذا تكون مبدعا في السياسة وفي الحرص على وحدة الكيان الذي انتميت إليه ، فإذا كنت حريصا على أن يكون الرفيق علي البنعلي في لجان المنبر ، فأن المنبر كان حريصا عليه في إطار قرارات هيئاته القيادية والقاعدية وأكثر مما تصورت وتتصور، وإذا كنت غيورا على علي البنعلي ، فأن غيرتك هذه كانت تقتضي أن تكون غيورا على المنبر ، وان تكون حاضرا في المؤتمر العام  لتقول رأيك .
انه من المخجل ما جاء في مقالك المشار إليه ( أن قيادة المنبر المتعاقبة لم تستطع استقطاب اهتمامات أخرى غير ضلوعها المخجل في الانجراف نحو الوفاق ) ، فهذا انتقاص وظلم بحق المنبر قيادة وقواعد بما فيهم النقابي الرفيق علي البنعلي وهو تصور يأتي لأنك لم تقرأ بيانات المنبر ومواقفه جيدا التي استقطبت اهتمامات المجتمع منذ تأسيسه ، نأمل أن تعود إلى رشدك وأن لا يستمر الزكام في أنفك ونفسك وعقلك ، فليس في المنبر عدوى (رائحة طائفية بشعة مقززة ) كما تصورت .
 
وتتوسع هذه الحملة الظالمة في مواجهة القيادة الجديدة للمنبر التقدمي إلى ما كتبه ومازال يكتبه للأسف رفيق عزيز للتقدمي حين كتب في مقاله بعنوان (التكفيريـــــون الخمينــــــيون! ) من أوصاف جديدة كقوله ( ان القيادة الجددة للمنبر التقدمي الديمقراطي قيادة لا تجرؤ الا ان تكون في الشكل مغايرة لسياسة جمعية الوفاق الاسلامية، اما في المضمون فالأيام القادمة سوف تكشف لنا الكثير من حقيقة التأويلات التي تتبادل بين السياسيين البحرينيين المتابعين لأنشطة الاسلام السياسي الايراني الطائفي في مملكة البحرين ) فهذا القول فضلا أنه جاء من البعض كما يقول كاتبه ودون يحددهم ، فهو لا ينفصل عن تخيل واهم يمتد إلى أعتقاد مضحك أن ( التهاني والتبريكات التي اطلقتها جمعية الوفاق على لسان امينها العام الشيخ علي سلمان عن هذا الانتصار الذي احرزوه «ديمقراطيا» بوصول اشخاص معينين.. الى قيادة المنبر التقدمي الديمقراطي!) يمكن لها أن تحرف التقدمي في تحالفاته عن استقلاله الفكري والتنظيمي في الشكل والمضمون ، فليس للمنبر يا رفيقنا الفاضل حضن آخر سوى حضن امتداده التاريخي الذى ولد وترعرع فيه كل الرفاق في القيادة الجديدة ، كل الرفاق المنتمين إليه بمن فيهم المستقيلين ، وإذا كان في التقدمي ( اشباه من اليساريين أوانصاف من العلمانيين ينفجون صدورهم بالجملالثورية الزائفة) كما يحلوا إليك الاعتقاد رابطا ذلك بالذين ( تساقطوا..) غير أن هذا التساقط الذي تتحدث عنه قد أقرنته بالخوف في حين انه كان مقرونا بتعذيب رهيب وهو ما تجاهلته ولا تجرؤ الحديث عنه ، وللتساقط أيها الرفيق مواقع مختلفة ليس بالضرورة أن يكون في الأقبية تحت التعذيب، بل يمتد في وقت الراحة  إلى الكتابة المنحازة إلى الجهات التي مارست التعذيب في ثمانينات قانون امن الدولة أو بعده  ، انك أيها الرفيق تفتح جرحا غائرا فيما كتبته ، غير أن ذلك سيفتح إليك متسعا كي تدرك أن الرفاق اللذين تعرضوا للتعذيب في ثمانينات قانون امن الدولة وشاركوا في تأسيس التقدمي وفي أنشطته بهمة وفاعلية مازالت قاماتهم مرفوعة لم تنحني أمام إغراءات مناصب السلطة .
 
 ولعل القراءة الواقعية لتحالفات المنبر التقدمي طوال عمله مع بزوغ المشروع الإصلاحي ستجعل منك أكثر قربا من حقيقة ما قاله إليك البعض ، ويجعل من قلمك يتجه نحو تعزيز وحدته الداخلية  بدلا من النيل منها .

اقرأ المزيد

المهمة التي لم تـنجــز


ستظل تلك المهمة الوطنية التي لم تنجز من قبل اطراف التيار الوطني الديمقراطي، موضع جدل ونقاش في صفوف الحريصيين على وحدة هذا التيار المناضل، ذو التقاليد النضالية والكفاحية على مدار أكثر من نصف قرن من النضال الوطني من أجل الحرية والأستقلال الوطني والعدل والمساواة والديمقراطية الحقة، وهي مسئولية تاريخية وجماعية لأطراف هذا التيار الوطني الديمقراطي، لا نستطيع التكهن متى سيتم تحقيق هذه المهمة الوطنية الماثلة أمام الشيوعيين والقوميين والديمقراطيين والشخصيات الوطنية، الوقت يمضي سريعاً والمهام والتحديات والتعقيدات في الساحة تزداد صعوبة وتعقيداً وكل يوم تنشأ ظروف واوضاع جديدة، والوضع السياسي يراوح مكانه ومؤسسة الحكم في البحرين غير جادة في موضوع “الحوار الوطني” والوضع الأقليمي والمنطقة ذاهبة نحو الأسوأ، بعد أحد عشر عاماً من طرح ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، وأطراف الحركة الوطنية الديمقراطية والتقدمية في البحرين لم تتفق على وحدة تيارها، مثلما جرى للعديد من أقرانهم في بعض البلدان العربية، بالرغم من أهمية قيام التيار، وما يمثله من تاريخ وتأثير على العديد من قطاعات شعبنا، بصفته قوى سياسية عابرة للطوائف والمذاهب، والجماهير الحريصة على وحدة هذا التيار تراقب وتنتظر تلك اللحظة التاريخية.

ولكن يبدو بأن هناك جهات وأطراف متعددة المشارب والأهداف في البحرين لا يروق لها توحيد ذلك التيار الوطني الديمقراطي، تتوجس خوفاً وريبة من قيامه ووحدته، وتخشى من برنامجه الأجتماعي قبل السياسي، لهذا تعمل جاهدة على عرقلة وأعاقة قيامه، ولا تريد له أن ينهض، كي لا يتميز عن الآخرين في الساحة السياسية، ويمارس انشطته وبرامجه المعبرة عن وحدة شعبنا بكل طوائفه وفئاته.

 هنا نريد أن نوضح أمراً في غاية الأهمية، وهو أن المرء لا يريد لهذا التيار الوطني الديمقراطي بعد ان يتوحد ويطرح برامجه وأهدافه ومشاريعه، بأن ينكفيء على نفسه وينعزل عن القوى السياسية المعارضة التي يتشارك معها في العديد من المطالب والاهداف السياسية، وان وجد التباين والاختلاف في هذه المسألة أو تلك، لطبيعة الصراع السياسي القائم في البلاد،هذا لا يعني بان يدخل معها في مناكفات لا طال منها. ان قيام التيار الوطني الديمقراطي، سيشكل قيمة اضافية ونوعية للعمل السياسي المنظم والمعارض، من هنا تبرز أهمية طرح فكرتان رئيستان وهما:

 الاولى: التحالف الوطني وما هي عناصر وشروط قيامه،


الثانية: الدولة المدنية ومقومات ومتطلبات تلك الدولة العتيدة.


 

أولاً: التحالف الوطني

التحالف الوطني في العمل السياسي المنظم في البحرين، ليس فكرة جديدة، أو فكرة طارئة.
عمليا وجد التحالف منذ ان بدأ النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني في البحرين والرجعية المحلية، وتحديداً منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تأسست هيئة الاتحاد الوطني، والتي تشكلت من قطاعات واسعة من شعبنا، وهي بمثابة تحالف وطني لأبناء شعبنا من فئات وطبقات متعددة وان غلب على الهيئة التأسيسية واللجنة التنفيذية فئة التجار والعوائل المعروفة في المجتمع.

ولكن القواعد تنحدر من الطبقات الفقيرة والكادحة، التي ناصرت ووقفت إلى جانب القيادة، ولكن التحالف الوطني الأهم، الذي برز في انتفاضة مارس المجيدة في عام 1965م بين حركة القوميين العرب وجبهة التحرير الوطني البحرانية وبعض الشخصيات البعثية والناصرية، وكذلك اللجنة التأسيسية لأتحاد عمال البحرين في اعوام 1971-1972، كان تحالف وتنسيق بين أكثر من طرف من أطراف الحركة الوطنية البحرينية، بعد حل المجلس الوطني في أغسطس من عام 1975، بالرغم من الخلاف حول المجلس الوطني (المشاركة والمقاطعة)، (جبهة التحرير ، الجبهة الشعبية)، صدر بيان ثلاثي في الخارج موقع عليه من قبل أطراف الحركة الوطنية البحرينية، (جبهة التحرير، الجبهة الشعبية، حزب البعث، البحرين) يدين السلطات الحاكمة في البحرين بحل المجلس الوطني وتعليق بعض مواد الدستور، وكذلك حملة الأعتقالات الواسعة التي طالت مناضلي جبهة التحرير والشعبية، في 23 أغسطس 1975، وأستمر الحال بأصدار البيانات المشتركة لفترة طويلة، والخطوة الاخرى الأهم كانت إصدار الأرضية السياسية المشتركة بين ( التحرير والشعبية) في عام 1981، تأكيداً على وحدة النضال الوطني المشترك، لإعادة الحياة النيابية وتطبيق الديموقراطية، واطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين في البلاد، وعودة المنفيين. 
 
بعد انتصار الثورة في إيران في فبراير من عام 1979 م ، برز في الساحة السياسية في البحرين تيار الاسلام السياسي المعارض وتحديداً “الشيعي”  منه  وبدل أن يعمل على التنسيق والتعاون مع أطراف الحركة الوطنية البحرينية انذاك، طرح شعارات معادية في محاولة منه للدخول في معارك جانبية، ولكنه في نهاية الثمانينات عاد من جديد ليؤسس لعلاقات جديدة مع أطراف الحركة الوطنية، وتحديداً (التحرير والشعبية) وصدرت بيانات مشتركة معهم في الخارج، وزاد التنسيق بين أطراف المعارضة البحرينية، بعد صدور العريضتين النخبوية والشعبية في أعوام 1992/1994م، المطالبة بعودة الحياة النيابية، واطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، وعودة المنفيين.

الحدث الأكثر أهمية في تلك الفترة من تاريخ الحركة الوطنية البحرينية، تشكيل لجنة التنسيق بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية في بداية التسعينات من القرن الماضي، لتطوير العمل الوطني المشترك نحو آفاق ارحب ، وصدرت نشرة مشتركة في الخارج بأسم “الأمل”، ولكن بعد سنوات تجمدت اللجنة وتوقف صدور نشرة “الأمل” . كانت المحطات النضالية المشتركة بين أطراف الحركة الوطنية الديمقراطية عديدة ، وأن وجدت الخلافات الفكرية والسياسية، فالقواسم الوطنية المشتركة كانت أكثر ،  أثناء وجود الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج كانت الخلافات بارزة، وبقيت بعض تلك الخلافات عالقة في أذهان من عاش تلك المرحلة التاريخية من حياة ونضال الحركة الوطنية البحرينية، ولا يريد ان يغادرها للابد .  

وخلال الأعوام الماضية منذ ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001 إلى فبراير 2011، من جديد برز التباين والاختلاف، عرف بثنائية (المشاركة و المقاطعة)، بعد انتهاء هذه الثنائية في عام 2006م، بمشاركة الجميع في انتخابات مجلس النواب لعام 2006م، وتشكيل كتلة الوفاق 17+1=18 عضواً، بدأت تحركات القوى الوطنية الديمقراطية من أجل توحيد صفوفها بشكل أفضل وبعد لقاءات واجتماعات عديدة بين القيادات والكوادر لتلك الجمعيات (الاحزاب) الوطنية الديمقراطية، طرحت من خلالها الرؤى والمرئيات من قبل الجميع و بالمقابل جرت العديد من المحاولات لتعطيل وافشال الأعلان عن قيام التيار الوطني الديمقراطي،لاسباب عديدة.
نعتقد بعد مرحلة 14 فبراير 2011، والانقسام والتشطير الذي حدث في المجتمع و استمرار الأزمة السياسية في البلاد ، لم يعد مقبول الاستمرار بنفس تلك الآلية المعطلة لقيام التيار الوطني الديمقراطي، تحت مبررات عدة.

حان الوقت بأن تبدأ الحوارات الجادة بين القيادات والكوادر في التيار الوطني الديمقراطي، لمعرفة حقيقة واحدة لا غير، ما هو مستقبل هذا التيار، هل البقاء  في مكانه دون ان يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام لتغيير واقعه وليصبح رقم هام في المعادلة السياسية يشار له بالبيان ، أم لا يريد ان ينهض من جديد، تتقلص قواعده ونفوذه في المجتمع شيئاً فشيئاً ، ويذووب مثلما يذوب الجليد أو الثلج بعد شتاء بارد وقارس ويصبح ماء ولكنه لا يجري في النهر، يتحول إلى بخار في الجو. هل يستفيق المناضلون أبناء الحركة الوطنية البحرينية من سباتهم العميق قبل فوات الأوان، ويفكروا في مستقبل هذا التيار المناضل، ويحددوا أهدافه وبرامجه وتحالفاته ويضعونه على السكة الصحيحة، لكي لا يصبح جزءا من التاريخ والتراث؟، من ينجز هذه المهمة الوطنية التاريخية الهامة الفاصلة في نضال شعب البحرين وحركته الوطنية الديمقراطية؟.
 


ثانياً: الدولة المدنية

اتضحت الصورة  جلياً بعد وصول قوى تيار الأسلام السياسي لسدة الحكم في مصر وتونس، وتحديداً (جماعة الأخوان المسلمين) الذين يرفعون هذا الأيام شعار الدولة المدنية الحديثة، ولكنهم يضمرون غير ذلك، وأفعالهم هي التي تكشف عن نواياهم الحقيقية قبل أن يكشفها الآخرون ، هم الذين استقووا بالتيارات السلفية في الانتخابات وفي بعض المشاريع ليتقاسموا معهم السلطة ان أمكن، “فالربيع العربي”، نخشى عليه بأن يتحول إلى “الخريف العربي”، وتضيع تضحيات الشباب الذين أشعلوا الثورات في البلدان العربية، فهل يتعلم الماركسيون والقوميون والديمقراطيون الدروس والعبر من تلك الدول،  ويحددوا خياراتهم وبوضوح أمام الرأي العام المحلي، لكي لا يبكون على اللبن المسكوب. 

الدولة المدنية الحديثة نقيض الدولة الدينية، الدولة المدنية لها مقومات ثابتة تبنى وتقوم على تلك الأسس، الديمقراطية والحريات العامة والشخصية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتشمل حقوق الأقليات والقوميات التي تعيش في كنفها، توجد فيها التعددية السياسية والفكرية وتؤمن الأحزاب السياسية المتنافسة بتداول السلطة ، و تنتهي فيها فكرة الحزب الواحد، الطائفة أو الأسرة الواحدة، القبيلة الواحدة أو العشيرة، يحترم فيها القانون والمؤسسات الدستورية والسلطة التشريعية المنتخبة وتصان فيها حقوق الإنسان، دولة ليست مثالية ولكن ليست دولة استبدادية، أو مزرعة أو اقطاعية خاصة لعائلة واحدة، دولة الجميع فيها أمام القانون سواسية، لا التسلط السلطوي الاستبدادي ولا التسلط اللاهوتي الذي  يسلب إرادة الناس وينتقص من وعيهم وحريتهم في الرأي والتعبير والابداع والفكر، دولة عمادها الديمقراطية والحريات العامة،  توجد فيها الديمقراطية الحقة ليست كشعار يرفع لمأرب وأهداف خاصة، وإنما الديمقراطية ذات تطبيق خلاق و سلوك وممارسة على الواقع الملموس. فهل تؤمن الاحزاب الدينية بتلك الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية؟.

تلك التساؤلات تظل قائمة، نريد ربيعاً بحرينياً و عربياً تتفتح فيه الزهور والورود، ويتوقف الرصاص والقتل والاعتقال  ضد الشعوب العربية المناضلة من أجل مستقبل أكثر إشراقاً.
 

اقرأ المزيد