المنشور

الأرضية الصالحة لبدء الحوار الوطني

مع أنه لا توجد حتى الآن أي مؤشرات جدية تنبئ ببدء حوار حقيقي يخرج
البحرين من الأزمة الدائرة، باستثناء اجتماعات وزير العدل مع عدد من
الجمعيات السياسية والتي لم يتم التأكيد فيها على النية في البدء بالحوار،
إلا أن ما أراه فعلياً هو عدم الجدية في تهيئة الأرضية الصالحة لأي حوار
مقبل خلال الفترة المقبلة.

كان من المفترض وقبل الحديث عن أي حوار
يجمع كل أطياف المجتمع أن تتخذ الحكومة خطوات عملية في سبيل تنفيذ جميع
التوصيات التي أصدرتها اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، أو أن تقوم على أقل
تقدير بوضع إطار زمني وآلية لتنفيذ هذه التوصيات وأهمها أن «تقوم الحكومة
بصورة عاجلة وأن تطبق بشكل قوي برنامجاً لاستيعاب أفراد من جميع الطوائف في
قوى الأمن، وأن تعمل على وقف التمييز، وضرورة إعداد برنامج للمصالحة
الوطنية يتناول مظالم المجموعات التي تعتقد أنها تعاني من الحرمان من
المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية». في حين أن ما نراه
حتى هذه اللحظة يشي بعكس ذلك تماماً.

فحتى الآن لم تنفذ الحكومة حتى
أبسط التوصيات التي تتصل بإرجاع جميع المفصولين إلى أعمالهم، فكيف بالحديث
عن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين المتهمين بقضايا تتعلق بحرية الرأي
والتعبير، أو السماح للمعارضة باستخدام أكبر للبث التلفزيوني والإذاعي
والإعلام المقروء، أو محاسبة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، بمن فيهم
المتسببون بموت المعتقلين بسبب التعذيب، ووقف استخدام القوة المفرطة من
قبل قوات الأمن في التعاطي مع الاحتجاجات التي تشهدها البلاد.

كما
كان من المفترض أن يسبق أي حوار هادف يراد منه مصلحة جميع مكونات المجتمع
البحريني أن تبدأ خطوات على طريق المصالحة الوطنية الشائك، وأولى هذه
الخطوات وقف خطاب التخوين والعمالة للخارج في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي،
ولا حاجة لأحد في التبجح بحرية الرأي والتعبير، فلم يعتبر التخوين والشتم
بأقذع الصفات والألفاظ وبث روح الكراهية والفرقة أسلوباً من أساليب حرية
الرأي في أي يوم من الأيام.

ليس من المفهوم كيف يمكن لأي حوار أن
يكون منتجاً وناجحاً إن كان من يحاورك يرى فيك خائناً لوطنه مكانك السجن
وليس طاولة الحوار، وكيف يمكن الوصول إلى توافق وطني حين يرى فيك الآخر
عميلاً لدولة أجنبية تتلقى أوامرك منها.

حتى نصل إلى حل سياسي يخرج
البحرين من دائرة العنف والعنف المضاد لابد أن يعترف كل منا بحق الآخر في
العيش بكرامة وحرية ومساواة، وأن يحترم خياراته، ويرى فيه أخاً ومواطناً،
لا عدواً وخائناً.

جميل المحاري


صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

التقشف أم التوسع ألإنفاقي أيهما أنسب لدول “التعاون” ؟


تشهد بلدان الأضلع الأساسية للنظام الرأسمالي العالمي التي تدين بمذهب اقتصادي موحد هو الأيديولوجيا الاقتصادية التحررية، نوعاً من الانقسام على خلفية الأزمة المالية/الاقتصادية التي ضربت قلاع النظام (الولايات المتحدة وأوروبا) في الثلث الأخير من عام ،2008 وتداعياتها المتواصلة لاسيما منها الأزمة المالية التي تكاد تكون مستعصية والتي تمسك بخناق بلدان الاتحاد الأوروبي، لاسيما منها البلدان الأعضاء في منطقة اليورو . انقسام بين بلدان تؤيد سياسات التقشف الإنفاقي وتتزعم ألمانيا هذا الاتجاه، ومجموعة بلدان أكثر عدداً تؤيد بقوة سياسة إمداد الاقتصادات الوطنية بمزيد من حزم (حقن التنشيط) المالي سبيلاً للتغلب على الضائقة المالية .
 
الجيد أن الفريقين، بحكم مرجعية نظامهما المؤسسي الديمقراطي الراسخ لديهما من المرونة الكافية (التي يبديانها على أية حال في اجتماعاتهما الماراثونية) التي تمكنهما من الوصول إلى نقاط التقاء وسطي بين التقشف وبين إجراءات التحفيز المالي، مع أن التوفيق بين الضدين ليس سهلاً بالنسبة للاقتصاديين المشتغلين على هذين الخيارين . وصعوبة التوفيق بين الخيارين تكمن في أن الدول المنحازة لخيار التحفيز المالي، وهي غالبية الدول المأزومة مالياً، لديها فعلاً مشكلة تتصل بالمصداقية، ذلك لأنها تنطلق من منطلقات لها خلفية أيديولوجية تتصل ببرامج أحزابها الانتخابية ووعودها لجمهورها من الطبقات الفقيرة والمتوسطة بأن تجيء حلول المشكلات الاقتصادية في اتجاه تخفيف أعبائهم المعيشية، كما هو حال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي استفاد حزبه الاشتراكي من السخط الشعبي الفرنسي على السياسات النيوليبرالية للرئيس السابق وحزبه اليميني حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية وطرح نفسه وبرنامجه بديلاً مغايراً لهذه السياسات . فكان لابد وأن تأتي سياسات هولاند الاقتصادية والمالية متوافقة أكثر مع مصالح الشرائح الاجتماعية التي انتخبته أكثر من توافقها المفترض مع المقاربة الحصيفة والمطلوبة للتعامل مع أزمة المديونيات والعجوزات .
 
في الجانب الآخر نرى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومن دون التقليل من حقيقة انتمائها إلى الاتجاهات اليمينية المحافظة في الاقتصاد، إلا أنها تمثل الاتجاه السياسي الاقتصادي الذي يحاول أن يعبر عن ثقافة اقتصادية واستهلاكية وأخلاقيات عمل، تعكس فلسفة الألمان في بناء الأوطان والمجتمعات عبر العصور .
 
وهم أي الألمان من وجهة نظرنا، لهذا السبب بالذات يستنكفون عن إعطاء موافقتهم المجانية والاعتباطية، باسم التضامن الأوروبي، لتقديم يد العون والإسعاف المالي لبلدان مثل اليونان على سبيل المثال التي صار الألمان يعبرون بشكل صريح وواضح عن رأيهم في سلوك اليونانيين كمبذرين وكسولين يتعين عليهم إعادة النظر في هذه الثقافة السلوكية السيئة قبل أن يحظوا بالدعم الذي يطلبون .
 
هنا بالذات يكمن جوهر القضية، بعيداً عن المبارزات الإعلامية الدعائية والأيديولوجية الضيقة . وهنا بالذات علينا نحن في مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحديداً أن نسارع الآن لالتقاط هذا الخيط الرفيع الذي يغلف مماحكات الأوروبيين حول عقم مساوماتهم المضجرة والعقيمة بشأن كيفية خروجهم من العنق الضيق جداً للزجاجة التي حشروا أنفسهم مالياً فيها .
 
لا أن نفاضل فقط كما يفعل الأوروبيون الآن تحت وطء أزمة مديونياتهم وعجوزاتهم بين أيهما أجدى وأسلم على المدى المتوسط والبعيد، الاستمرار في سياسة التوسع المالي الإنفاقي أو البدء، الآن، بتنفيذ خطط عمل لضبط وترشيد الإنفاق ما دامت الأوضاع المالية تسمح لنا بذلك الآن، وإنما التقدم خطوة أخرى إلى الأمام باتجاه إعادة دراسة جدوى وتقييم نموذج التنمية الانفجاري المعتمد على عمالة كثيفة ورخيصة نضطر لجلبها من الخارج وجعلها مكوناً أصيلاً في نموذجنا التنموي بكل ما تنطوي عليه هذه العملية من أحمال ثقيلة على قدرة الطاقات الاستيعابية لأسواقنا ولاقتصاداتنا الخليجية، شاملة لكافة مواردها ومرافقها وكامل بنيتها الأساسية .
 
وعلينا أن نتذكر دائماً ونأخذ بعين اعتبارنا اننا لسنا معزولين عن بقية الحراك الاقتصادي العالمي، فاقتصاداتنا منتعشة فقط لأن القدرة الاستيعابية للطلب الكلي من جانب الأسواق العالمية ومراكزها الاقتصادية الرئيسية مازالت في طور تحمل استمرار الطلب فيها بنفس الزخم المؤمن لأسعار النفط التي مازالت تحلق فوق متوسطات الأسعار التقديرية لبرميل النفط المقومة بها الموازنات الخليجية العامة . ولكن هذا الوضع المريح غير مضمون استمراره حتى على المدى القريب، وذلك في ضوء الأوضاع المالية المتردية في بلدان منطقة اليورو، وإمكانية حدوث هبوط شديد للاقتصاد الصيني (أُعلن في 13 يوليو 2012 عن انخفاض معدل نمو الاقتصاد الصيني إلى 6 .7% هو الأخفض منذ ثلاث سنوات)، وعدم ترسخ اتجاه النمو في الاقتصاد الأمريكي، وما سوف يترتب على كل ذلك من تراجع للطلب العالمي على مصادر الطاقة وبضمنها النفط .
 
ونعتقد أن المعطيات الأخيرة لأداء المراكز الاقتصادية العالمية الرئيسية المشار إليها آنفاً، تعد أسباباً وجيهة لإعادة النظر في سياساتنا المالية التوسعية .
 
وكما قال بول كروغمان الاقتصادي الأمريكي الحائز نوبل في الاقتصاد، بأن الوقت المناسب لإنفاذ سياسات مالية منضبطة هو وقت صعود الدورة .


 
حرر في 13 أغسطس 2012

اقرأ المزيد

الوحدة العربية في جديد الثورات – د.علي فخرو

لقد كتب الكثير عن ضرورة وجود مشروع سياسي اجتماعي – ثقافي بعد نجاح
الفعل الثوري مباشرة حتى لا تبقى الثورات مجرد شعارات عامة تتلاعب بها
الأهواء ومختلف التفاسير. وهذا بالطبع ينطبق على ثورات الربيع العربي
ومختلف الحراكات الحذرية الكبيرة في مختلف أقطار الوطن العربي.

هذا
الأمر ليس مهماً فقط من أجل أن يعرف الناس أهداف الثورات كما ستتجلى في
الواقع وإنما أيضاً من أجل أن يكون هناك دليل مفصل يرجع إليه شباب الثورات
في قيامهم بمهمات مراقبة الأنظمة الحاكمة الجديدة وتقويم مساراتها إذا
انحرفت ومحاسبتها إذا تمادت في الخروج عن مسارات الثورات الرئيسية.

لكن
حتى ذلك لن يكفي، إذ هناك حاجة نفسية وذهنية وروحية لأمة نامت لعدة قرون
وهي تعيش دوراً هامشياً ذليلاً في التاريخ لأن تشعر بأنها لا تشاهد أمامها
ثورات تنشد إجراء تغييرات جذرية كبرى فقط وإنما هي أيضاً على وشك بزوغ نهضة
جديدة وانبعاث حضاري هو الآخر يتصف بالجدة.

نحن هنا لا تكفينا ثورات
سياسية، بل نريدها ثورات نهضوية انبعاثية، بمعنى أنها لا تكتفي بطرح
شعارات وبرامج يعرفها الجميع وإنما كانوا محرومين منها بفعل الاستبداد،
وإنما أيضاً تأتي بشيء جديد. وكلمة جديد ليست وصفية فقط وإنما يجب أن تشير
أيضاً إلى ممارسة فكرية بالغة الأهمية. ما تشير إليه المهمة الجديدة هو ما
يهمنا في هذا المقال المختصر، وهو كالعادة موجه في الأساس إلى شباب الثورات
المعنيين بمستقبل ما بدأوا به.

دعنا نبدأ بالتذكير بقول الفيلسوف
سلافوج زيزك في كتابه المعنون «بعد المأساة الهزل، أو كيف يعيد التاريخ
نفسه». يقول «إن الطريقة المتميزة للإمساك بالجديد الحقيقي في كل أمر
نعتبره جديد هو تحليل العالم عبر الأهداف التي اعتبرها الأقدمون أهدافاً
خالدة وأبدية».

إن ذلك يعني بأن الجدّة التي ننشدها في نهضتنا وفي
انبعاثنا اللذين يجب أن يكونا في قلب مسار ثوراتنا، هذه الجدّة لكي تكون
حقيقية يجب أن تنطلق من تحليل الأهداف القيمية الكبرى التي اعتبرت في
الماضي أبدية وليست مؤقتة. ليس المقصود بالطبع هو تقليد الماضي ولا فهم
حياتنا الحالية من خلال شعاراته وقيمه وإنما الانطلاق لبناء الجديد الحقيقي
من أهداف الماضي الخالدة.

في هذه العجالة سنكتفي بذكر مثل واحد وحدة
الأمة العربية والوطن العربي الواحد. فمنذ قيام دولة الإسلام في المدينة،
وعبر العصور والحقب، ظل هدف وحدة أمة الإسلام هدفاً مقدساً عند العرب وباقي
المسلمين. وعندما سقطت الخلافة الإسلامية في بدايات القرن العشرين أصبح
هناك هدف آخر قائم في هذه المرة على رابطتي العروبة والإسلام الحضاري. ومنذ
ذلك الوقت، وخصوصاً في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وعبر الزخم
القومي الناصري بشكل أخص، ظلت الوحدة العربية هدفاً مقدساً عند ملايين
أفراد الأمة.

اليوم ونحن نتحدث عن عناصر الجدّة الصحيحة في الجديد
الثوري نحتاج أن نتأكد بأن تحليل الثوار لحاضر الأمة ولمستقبلها ينطلق من
قيم اعتبرت في الماضي خالدة ومقدسة كالهدف القيمي للوحدة العربية. ولنذكر
شباب الثورات بأن كل مشروع نهضوي في تاريخ الأمة الحديث وضع وحدة الأمة
والوطن في رأس قائمة الأهداف الأخرى، إذ إنه هدف قيمي وجودي لا تكتمل بقية
الأهداف إلا به وبتحققه.

إذا كان في الغرب الأوروبي على الخصوص تنطلق
أصوات فكرية وسياسية تنادي بضرورة قيام حركة انبعاث جديدة مشابهة لحركة
نهضة الأنوار الشهيرة منذ ثلاثة قرون، وذلك رداً على التراجع المذهل في
القيم الحضارية الأوروبية الذي أوجدته العولمة الرأسمالية المتوحشة، فأحرى
بنا نحن العرب الذين طال أمد نومنا التاريخي، أن نجعل من هذه الثورات
الحالية بداية نهضة وانبعاث.

علي محمد فخرو

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

القتل المُتلفز



التغطيات
الحية والمباشرة التي تردنا، عبر الفضائيات، لمشاهد القتل اليومي في مناطق
الحروب التي صار أكثر من بلد عربي مسرحاً لها خلال الشهور الماضية، تجعلنا
أمام مرأى الموت كلما شاهدنا نشرة للأخبار، أو طالعنا تقريراً مصوراً عما
يجري في البلدان المنكوبة بالحرب والاقتتال، العبثي في الكثير من حالاته .
فمشاهد الجثث الملقاة على الأرض أو تلك التي تتهاوى أمامنا برصاص القناصة،
والأشلاء الجسدية المبعثرة، تضعنا وجهاً لوجه أمام ما يمكن أن نصفه بالقتل
المتلفز، وهو غير ذاك الذي اعتدنا مشاهدته في الأفلام، لأن ذاك كان مجرد
تمثيل، بعده يعود الممثل “المقتول” لاستئناف حياته، أما ما نحن بصدده فهو
موت حقيقي، لاحياة بعده .



في
لوحة بابلو بيكاسو الشهيرة “جيرنيكا” تصوير مرعب لفكرة القتل الجماعي في
الحروب، وكانت اللوحة إدانة لبشاعة الفاشية وقبحها ودمويتها، وإدانة لفكرة
الحرب ذاتها لما يمكن أن تجره على البشر من أهوال وفواجع . كان العالم كله
قد صُعق في عام 1937 بما ارتكبه النازيون نصرة لحليفهم فرانكو في حربه ضد
الجمهوريين الأسبان، وكانت جرنيكا بمثابة العاصمة الثقافية والروحية لإقليم
الباسك الإسباني، حين قرر هتلر بالتواطؤ مع فرانكو أن يجعل من معاقبتها
عبرةً، فبالغ في تدميرها عبر القاذفات التي ألقت على المدينة الوادعة
أطناناً من القنابل مُوقعةً أعداداً هائلة من الضحايا .



كان
الألم يكاد ينطق في كل تفصيل من تفاصيل اللوحة التي تأخذنا إلى مناخ
الكارثة المهول عبر الوجوه والأعناق المشرئبة للسماء وهي تصرخ، والجثث
الملقاة على الأرض وتفاصيل أخرى نراها بارزة في اللوحة .



ويمكن أن نسأل: هل كانت لوحة الجيرنيكا ستصبح بالشهرة التي هي عليها  لو
أن الظروف التي رسم فيها بيكاسو لوحته أشبه بظروفنا اليوم؟ هل كنا سنحافظ
على نفس المقدار من الانفعال ونحن نشاهد لوحة مشابهة لفنان معاصر في وزن
بيكاسو وهو يوثق جريمة من جرائم الحرب في قانا أوصبرا أوشاتيلا أوغزة أو في
سوريا والعراق؟



إن
التطور المذهل في وسائل الاتصال قد جعلنا شهوداً على الحروب لحظة وقوعها .
فالصور التي تبث مباشرة من موقع هذه الحروب تنقل إلينا، هي الأخرى، مقدار
البشاعة والوحشية في فكرة الحرب والإبادة الجماعية وقتل الأبرياء . ولكن هل
يصل حجم انفعالنا وتأثرنا للدرجة التي تثيرها فينا لوحة بيكاسو كلما
شاهدناها، رغم أنه مضى أكثر من سبعة عقود على الجريمة موضوع اللوحة .


جيرنيكا
نتاج المخيلة أو فلنقل إنها إعادة تخيل لما حدث، أما الصورة فهي نقل حرفي
لما يجري . وفي حال القتل أو الموت الذي نشاهده عبر البث الحي فإن المنطق
يفترض أن يكون أثر الصورة أعمق وأقوى، لأننا ندرك أن اللوحة حتى وإن كانت
عناصرها واقعية فإنها نتاج مُخيلة، فيما الصورة هي الواقع ذاته نراه مرأى
العين، لكن الأغلب أن لوحة بيكاسو حفظت الذاكرة لأن الكاميرا لم تكن هناك،
أما الصورة التلفزيونية تحديداً فهي وإن نقلت، اليوم، المجازر نقلاً حياً
فإنها لتكرار ما تفعل جعلت فكرة القتل فكرة مألوفة وعادية ولا تثير ردود
الفعل الحادة . إنها تنقل بشاعة الحرب، ولكن الأبشع من ذلك هو أنها تُعود
الناس على التآلف مع البشاعة .
اقرأ المزيد

مساعدات الأصالة للجيش الحر وتزييف الواقع

من حق جمعية الأصالة أن تدعم سياسياً وإعلامياً من تشاء في الصراع
الدائر في سورية، حتى وإن كان ذلك مخالفاً لقانون الجمعيات السياسية
والسياسة الخارجية البحرينية المبنية على عدم التدخل في الشئون الداخلية
للدول الأخرى، ولكن أن تقوم بإيصال مبالغ مالية من أجل تسليح الجيش الحر في
سورية، فإن ذلك يدخل في باب إذكاء نار الحرب الأهلية واستمرار عجلة القتل.

لم
يكن ليتكلم أحدٌ حول ذلك لو كانت هذه المساعدات موجهةً لضحايا الحرب
الدائرة هناك، من مواطنين سوريين هجروا بيوتهم هرباً من العنف الدائر بين
الجانبين، وأصبحوا لاجئين على الحدود مع الأردن وتركيا والعراق يبيتون في
العراء ولا يجدون ما يسد رمقهم في هذا الشهر الفضيل. ألم يكن من الأجدى
إنسانياً مساعدة هؤلاء الأطفال والنسوة، بدلاً من مساعدة المسلحين وتشجيع
أعمال القتل؟

لست في وارد الدفاع عن النظام السوري أو أي نظام عربي
آخر، فأغلب الأنظمة العربية قد انتهت صلاحيتها، وإن لم يحن دورها في هذا
الربيع العربي فهناك أكثر من ربيع قادم.

في حديثه في أحد المجالس عن
تجربته الشخصية خلال رحلته إلى سورية لتوصيل الأموال للجيش الحر، تعمد
الشيخ عادل المعاودة أن يخلط الأوراق ويحمل الحراك الدائر في سورية ما لا
يحتمله من تأويل وتحليل، حيث إنه يرى أن الصراع الدائر هناك هو صراع بين
أهل العقيدة الحقة والإسلام الصحيح وبين أهل البدع والضلال والشرك.

لقد
مر ربيع الثورات العربية في عدد من الدول، في تونس ومصر وليبيا واليمن،
فهل كان الصراع هناك بين أهل الإسلام الحق وأهل الإسلام الحق، أم كان ذلك
من باب «للمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر واحد» أو كما جاء في الصحيحين عن
عمرو بن العاص أن النبي (ص) قال‏:‏ ‏»‏إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران
وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر‏»،‏ وبذلك يكون للشعوب العربية التي تخلصت من
حكامها أجران في حين يكون أجر واحد لمعمر القذافي وزين العابدين بن علي
وحسني مبارك وعلي صالح؟

وكيف يفسّر لنا من يدعي وقوفه إلى جانب
الشعوب العربية من أهل السنة والجماعة صمته التام عمّا حدث لأهله وجماعته
في هذه الدول من قتل وتعذيب واغتصاب من قبل الأنظمة ذات العقيدة الحقة؟

أخطر
ما في الأمر هو تحويل الصراع السياسي في سورية إلى صراع مذهبي وطائفي،
وإسقاط هذا الأمر على الوضع البحريني… وأخطر ما قام به البعض هو تحميل
أبناء الطائفة الشيعية في جميع أنحاء العالم ما يقوم به النظام السوري من
جرائم، ليؤكد بعد ذلك أن «هؤلاء الناس على بدع وعلى ضلال وعلى شرك».

لقد
جانبتم الصواب فيما ذهبتم إليه لسبب بسيط وهو محاولتكم لي عنق الحقيقة
ومحاولة تصوير الصراع السياسي والحقوقي ونضال الشعوب من أجل استعادة حريتها
وكرامتها، على أنه صراع بين مذهب حق وآخر باطل.

جميل المحاري


صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

صُناع الجهل

 
 
في حينه تحدث أفلاطون عما وصفه بـ «الجهل المزدوج»، قاصداً بذلك جهل من يدعي إنتاج المعرفة، فيما هو لا يقدم للآخرين سوى الجهل عينه، لأنه هو ذاته جاهل. العصر الحديث أنتج الوسائط الفعالة القادرة ليس فقط على إنتاج هذا الجهل وإنما تعميمه وتسويقه بصورة جذابة، آسرة، ساحرة، تماماً كما تُسوق السلع الأخرى من خلال «فاترينات» العرض أو من خلال الإعلان الذي يتوسل أكثر الأساليب فتنة ومتعة وجذباً.

 
وفي القرن التاسع عشر، في عام 1848 كتب تشارلز ديكنز يقول: «نسمع أحياناً كلاماً عن دعوى التعويض عن الأضرار ضد الطبيب غير الكفء الذي شوه أحد الأعضاء بدلاً من شفائه. ولكن ماذا يقال في مئات آلاف العقول التي شوهتها إلى الأبد الحماقات الحقيرة التي ادعت تكوينها؟». في ظني أن أحداً لم يسبق له أن عقد مثل هذه المقارنة وطرح هذا السؤال بكل هذه الجرأة كما فعل مؤلف «قصة مدينتين» و»ديفيد كوبرفيلد»، كأنه بهذه المقولة يحثنا على التفكير في مدى مسؤولية أولئك الذين ينتجون الجهل. الشائع أن الجاهل هو الإنسان الذي لم يتعلم في مدرسة أو جامعة ولم يتلق خبرات كافية في الحياة، ولكن هذا الفهم يبدو سطحياً وعاجزاً عن الوفاء بشروط تعريف الجهل.

 
فالجهل، هو الآخر، يُعلم، كما العلم تماماً، ومثلما يوجد معلمون يُلقِنون أو يُعَلمون الناس العلم والثقافة، فإن هناك معلمين على قدر كافٍ من الذكاء والفطنة واللؤم، مهمتهم تعليم الناس الجهل. لا يعرف الجاهل انه جاهل، ليس فقط لأنه لا يعترف به، وإنما أساساً لأنه لا يدركه ولا يعيه، ويظن أن جهله معرفة. ويتيح العصر الحديث بما يقدمه من وسائط جبارة خارقة فرصاً واسعة لإشاعة وتعميم ما درج على تسميته بالثقافة الاستهلاكية المحمولة على إمكانات غير مسبوقة، التي تحمل في ثناياها،هذا النوع من الجهل الذي يتزيا بزي المعرفة.

 
وفي الوقت الذي تكابد فيه أشكال الوعي الحقيقي المشقات كي تجد لنفسها كوة تطل منها فإن الفضاء ينفتح كاملا لذلك النوع من الوعي الزائف الذي يدخل البيوت من دون استئذان، لأننا لا نملك أن نقاومَ مقدار جاذبيته، فتقع في أحابيل بمكره لأنه يظل واعياً بما يفعل، فيما تنساق الناس إلى هاوية الجهل بإرادتهم الحرة في كثير من الأحيان، دون أن يفطنوا، إلا بعد حين، وأحياناً لا يفطنوا على الإطلاق إلى انهم ضحايا وهمٍ كبير، جرى تسويقه عبر آلية دعائية معقدة.
اقرأ المزيد

على المحك الديمقراطي

 

استمعت لوزير الخارجية التونسي وهو يرد، بحدة وعصبية، على مذيعة الأخبار في قناة “فرانس 24”، واصفاً الاحتجاجات الجارية ضد الحكومة الحالية في بلاده بأنها عبارة عن تحركات فوضوية لجماعات يسارية صغيرة وبقايا النظام البائد، لإعاقة الحكومة الشرعية عن أداء مهامها، وازدادت حدة الوزير حين سألته المذيعة عن الفرق بين ما يقوله، وبين ماكان رجال نظام بن علي المخلوع يقولونه عن الاحتجاجات التي كانت تجري ضدهم في الشارع، فهم أيضاً وصفوها بأنها من صنع أقلية يسارية فوضوية .

يتزامن هذا مع حملة احتجاجات واسعة في الوسط الإعلامي في مصر، احتجاجاً على “محاولات الإخوان المسلمين السيطرة على الصحافة ومؤسسات الإعلام المملوكة للشعب”، غداة إعلان مجلس الشورى تعيين رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير جدد لهذه الصحف، فظهرت مساحات بيضاء للتعبير عن احتجاج في عدد من الصحف وكتابها على مساعي حزب الحرية والعدالة الذي يتحدر منه رئيس الجمهورية . الهيمنة على الصحف ووسائل الإعلام، رغم اعتراض نقابة الصحفيين على استمرار العمل بنفس الآليات التي كانت متبعة في عهد حسني مبارك لإدارة الصحف الحكومية، وتطالب قيادات في القنوات التلفزيونية الخاصة والصحف المستقلة والقومية بحماية وسائل الإعلام المملوكة للشعب من الهيمنة، وبضرورة أن تستعيد هذه الوسائل بعد الثورة حريتها واستقلالها التام عن أية سلطة أو جماعة من خلال إنهاء النظام الفاسد الذي فُرض عليها وحولها إلى ملكية خاصة تُستخدم “كأبواق تهليل ودعاية للحزب الحاكم”، خاصة أن “القدر النسبي المتاح من حرية الصحافة والإعلام تم انتزاعه عبر نضال طويل بدأ قبل الثورة، ورسخته شجاعة الصحفيين والإعلاميين خلالها وبعدها” .

علينا هنا تذكر أن صحافيي تونس بدورهم سبق أن احتجوا على قيام رئيس وزراء تونس الجديد بتعيين رؤساء تحرير في التلفزيون الرسمي، معتبرين ذلك خطوة غير ديمقراطية في بلد بالكاد تخلص من نظام حكم استبدادي، ويُشرع في عملية التحول نحو الديمقراطية، أو هكذا يُفترض، وطالبوا الحكومة برفع يدها عن الإعلام، وتماماً كما يُقال في مصر الآن جرى، في تونس، التذكير بعهد الرئيس السابق ابن علي الذي كان يمسك الإعلام بقبضة من حديد، والتحذير من أنه في حال ظل الإعلام صوتاً للحكومة، فإن تونس لن تخرج من المنظومة التي سادت فيها سابقاً .


 
هناك خشية مبررة من إعادة إنتاج ذات الممارسات غير الديمقراطية للأنظمة التي أسقطتها الانتفاضات الشعبية، وليس الاستحواذ على وسائل الإعلام إلا أحد هذه الممارسات الفاقعة، فأن تقوم حكومة تمثل خطاً أيديولوجياً معيناً بتعيين مسؤولين ومحررين من هذا الخط على رأس الإعلام يعني الاستمرار في “أدلجة” الإعلام وتأميمه، وهو سلوك لا يختلف عن نهج الأنظمة السابقة في الإمساك بمفاصل الدولة ووسائل تكوين الرأي العام، فيما المفروض أن الإعلام العمومي صوت للجميع، ويتيح المجال لكل التيارات، لا أن يكون صوتاً للحكومة فقط . مُنَظر الثورة الجزائرية والمشارك النشط فيها فرانز فانون حذر في حينه: “لن نقوم بهذه الثورة ضد الفرنسيين حتى نستبدل برجال الشرطة الفرنسيين رجالَ الشرطة الجزائريين”، وحري بمن أوصلتهم الثورات العربية إلى السلطة أن يتذكروا بأن شعوبهم لم تقم بهذه الثورات كي تستبدل بأنظمة القمع السابقة أنظمةَ قمع جديدة .
اقرأ المزيد

نائب الأمين العام للتقدمي في لقاء مع صحيفة الأيام …مبادرة التقدمي في 2009 فرصة تاريخية فوتت


أكد نائب الامين العام لجمعية المنبر التقدمي عبدالجليل النعيمي في لقاء مع صحيفة الأيام  بأن الإصلاح جاء نتيجة التقاء الإرادتين الملكية بالشعبية بعد تجربة ربع قرن ضائع منذ حل المجلس الوطني عام 1975 وحقبة قانون أمن الدولة السيئ الصيت التي تميزت بقمع وتشريد القوى الديمقراطية، وبعد نضال شعبي مرير من أجل عودة الديمقراطية. وشهدت بضع السنوات الأولى من الاصلاح  تطور الممارسة الديمقراطية وتحقق عدد من المكاسب واقعا، وتابع إلا ان هناك قوى متضررة تقتضي مصالحها عرقلة الإصلاحات أو العودة عنها. وهناك بعض من المعارضة متطرفة توّاقة إلى حرق المراحل.

ووجه النعيمي نقداً حاداً للجوء بعض القوى إلى توسيع قاعدتها الاجتماعية ليس عبر القوى الاجتماعية الحديثة، بل القوى الطائفية والعصبيات الأخرى.
وأشار الى انه يوجد لدينا من الثغرات ما يسمح بدخول القوى الخارجية طرفاً في أزمتنا التي عجزنا عن إدارتها.
كما انتقد حجب التمويل الرسمي وأشكال الدعم الأخرى عن القوى السياسية وجمعيات المجتمع المدني الديمقراطية ومحاصرة إمكانيات تمويلها الذاتي.
واعتبر ان هناك تراجعا حتى عن نمط التنمية في ستينيات – سبعينيات القرن الماضي، حيث كان التوازن الاقتصادي – على اختلاله – أفضل منه حالياً..
 
وفيما يلي نص الحوار.

–  عادة تنطلق تحليلاتكم للأوضاع السياسية من الواقع الاقتصادي الاجتماعي المحلي مربوطاً بالأزمة العالمية. لكن تقارير تقول بأن البحرين تجاوزت الأزمة.. لماذا لا تذهبون إلى الموقف السياسي مباشرة؟

– ليس من أدوات علمية لفهم الواقع بشكل صحيح سوى تلك التي ترجع الظواهر إلى مولداتها المادية، وتقرأ السياسة على أرضيتها الاقتصادية الاجتماعية.
عالمنا مترابط عضوياً، خصوصاً في زمن العولمة الحالية. ورغم انهيار قسم من النظام الاشتراكي العالمي، إلا أن الاقتصاد الاشتراكي يستعرض في مثال جمهورية الصين الشعبية أفضليته. وبلدان جديدة في أمريكا اللاتينية وآسيا وغيرها تتحول نحو الاشتراكية أو اقتصاد السوق الاجتماعي. وتتقوى مواقع الأحزاب التقدمية حول العالم. وفي الوقت نفسه لا تزال أزمة الرأسمالية العالمية تفرز تبعاتها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية المريرة. وموجاتها المتتالية تضرب مختلف مناطق العالم.
بالنسبة لبلادنا التقارير مختلفة إلى حد التناقض. أما الحقيقة فإن خصائص اقتصاد البحرين تجعله واقعا في عين الأزمة. وإذا كان قطاعا المال والعقار يشكلان مرض الاقتصاد العالمي الأول، فوزنهما مجتمعين في ناتجنا الإجمالي المحلي يفوق الثلث، أي أكثر بكثير مما في البلدان الرأسمالية. وبينما تلك البلدان تتخذ إجراءات لكبح دور هذين القطاعين لصالح القطاعات الإنتاجية، فإن الحديث يجري هنا عن دورهما الريادي في الاقتصاد. صحيفتكم نشرت في 28 يوليو أن قيمة المشاريع العقارية المتعثرة قاربت 878 مليون دولار، والقضايا العقارية تقارب 60% من إجمالي النزاعات أمام القضاء البحريني. المفارقة أن ممثلي هذين القطاعين يطالبون الدولة بالتعويض على حساب المال العام.
المديونية هي المرض الثاني للاقتصاد العالمي. ومديونيتنا ارتفعت الى 42 % ناتجنا الإجمالي المحلي، وتتصاعد بوتيرة كبيرة. وكما ترون فنحن مكشوفون تماما أمام موجات الأزمة العالمية، بتبعاتها التي ذكرنا.
 

–  بالنسبة للبحرين لماذا ينعكس عليها هذا الامر خصوصا كما اشرتم الى ارتفاع مديونيتها؟

لأن بلادنا تراجعت حتى عن نمط التنمية في ستينات – سبعينات القرن الماضي، حيث كان التوازن الاقتصادي – على اختلاله – أفضل منه حاليا. فقد شيدت صناعات تصديرية كالألمنيوم والبتروكيماويات وذات علاقة بأمننا الغذائي كمطاحن الدقيق، أو خدمية صناعية كالحوض الجاف. أما الآن فالغلبة للقطاعات غير الإنتاجية، خصوصا المعتمدة على العمالة غير الماهرة دون التقنيات والتكنولوجيات المتقدمة.
 

–  معلومات مهمة التي طرحتها في السؤال السابق ولكن ما العلاقة بين هذا والأوضاع الاجتماعية والسياسية ؟

– الإنحراف التنموي زاد من اختلال توازن الهيكل الاقتصادي، وبالتالي التركيبة الاجتماعية والسكانية. غدا المواطنون أقلية، ضعفت البرجوازية الوطنية الصناعية، تباطأ نمو الطبقة العاملة الصناعية، تضاءلت أعداد الحرفيين المنتجين وانهارت الفئات الوسطى. وهذه الطبقات والفئات هي محور الاصطفافات الاجتماعية وأساس البناء الصحيح والفاعل للمجتمع المدني والأحزاب السياسية وكذلك بناء الدولة الحديثة. متى تشوه البناء الاقتصادي تشوه البناء الاجتماعي بقيام مجتمع مستهلك ومقترض أكثر مما هو منتج ومُدَّخر، ودبَّ الفساد وذهبت السياسات مذهبا غير حميد، وتحولت لدى كثير من الناس أنماط الوعي والتفكير من العلمية إلى الغيبية والطائفية الدينية السياسية، وتجاذبت قوى السلطة والسوق والغيبيات أعدادا كبيرة من المثقفين لتتشوه الثقافة أيضا. وبالتالي ينشأ نظام اقتصادي اجتماعي قد يعتقد بعض ذوي النفوذ أن مصلحتهم تقتضي الحفاظ على طابعه غير المتوازن.
فليست الاصطفافات على أساس طائفي من طبيعة مسار تطور الحركات السياسية في البحرين، بل من بعض تعرجاته، والتي استطاع شعبنا تخطيها في الماضي. لكن الطابع الطائفي يبدو سائدا الآن. ومع تعمق الأزمة تلجأ بعض قوى النفوذ إلى توسيع قاعدتها الاجتماعية ليس عبر القوى الاجتماعية الحديثة، بل القوى الطائفية والعصبيات الأخرى. ولكي تُطمس التناقضات الاجتماعية المحركة والدافعة نحو بناء الدولة الحديثة فلابد من تقوية الصراع الطائفي، مع ما يتطلبه ذلك من امتيازات وتمييز والنفخ في هويتَي «نحن» و»هم». النتيجة – أن القوى الطائفية تتقوى، أما القوى الديمقراطية (ومعها الجماهير من الطائفتين) فتتحمل عبء هذا الصدع المجتمعي. تلك هي الجذور الاقتصادية – الاجتماعية التي تفسر، مثلا، لماذا فازت كتلة الشعب الديمقراطية في انتخابات السبعينات، وتفوز قوى الطائفية في انتخابات هذا الزمن.

–  هناك من يقول ان تفاقم الطائفية جاء بتأثير التطورات والتدخلات الإقليمية والخارجية؟

– لكي لا يُخلط السبب بالنتيجة، نقول ان هذا صحيح فقط لأن لدينا من الثغرات ما يسمح بدخول القوى الخارجية طرفا في أزمتنا التي عجزنا عن إدارتها. الثغرات الداخلية هي التي تجعل للإنقسامات الطائفية الإقليمية والعربية عظيم الأثر في تفاقم أوضاعنا الداخلية. ليس سرا أن كبار دول المنطقة تتنافس على النفوذ في صغارها وفي كامل المنطقة. وكذلك دول العالم الكبرى. وهذا ما يسمح بأقلمة وتدويل الأزمة المحلية بارتداد تفاقمي. وليس سرا أيضا أن للقوى الإقليمية – على تناقضاتها – مصلحة في حرف نضالنا عن مساره الوطني من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلام. إنها تخاف عدوى الديمقراطية، إنْ نجحت لدينا.

–  وكيف يمكن سد هذه الثغرات ؟

– بناء جبهة وطنية على قاعدة إصلاح ديمقراطي حقيقي لن يوجد ما تقتات عليه القوى الخارجية. بالعكس، تستطيع هذه المملكة الصغيرة أن تتحول من ساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية إلى أن تكون السباقة في وضع قواعد للعلاقات بين دول المنطقة قائمة على أساس توازن المصالح بدلا من توازن الرعب الحاصل حاليا، وبالتالي النأي بالمنطقة عن تدخلات القوى الكبرى وشحن بلداننا ضد بعضها على قاعدة الانقسام الطائفي. ليس للبحرين أن تختار جيرانها، لكنها تستطيع المساهمة في صياغة أسس التعايش معهم وزرع بداية لتعاون إقليميي قائم على التكافؤ والاحترام المتبادل بما يحوِّل الخليج العربي إلى منطقة تعاون من أجل التنمية والسلم، وتخدم أمن واستقرار العالم وتطوره.

–  في هذا الصدد.. ما موقف المنبر التقدمي من فكرة الاتحاد الخليجي؟

– هو نفسه موقف شعوب بلدان مجلس التعاون الطامحة إلى أن تنبسط الرقعة الجغرافية الخليجية أمامها وتتحقق المواطنة الخليجية. ذلك يستجيب لحاجات تطورها. وفي عالم التكتلات والوحدات الإقليمية، لن تستطيع بلداننا فرادا حماية مصالحها في علاقاتها مع العالم وأزمته. لكن أن يُدعى لهذه الوحدة تحت الظرف والهاجس الأمنيين ووفق سياسة المحاور الإقليمية، ودون دراسة وتخطيط علميين، فأي اتحاد قد تنهار بذات السرعة التي أقيم بها. ولنا في التاريخ عبر.

–  ما المطلوب عمله لسد الثغرات الداخلية برأيكم؟

– ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية وطنية جازمة لدى السلطة وسائر القوى السياسية على اختلافها. نحتاج إلى حوار وطني، أكثر فاعلية من الذي جرى العام الماضي، لا يستثني طرفا سياسيا من المشاركة الفعالة.
وأن يفضي الحوار هذه المرة ليس إلى تبادل الآراء، فهي معروفة، بل إلى تفاوض واتفاقات أكيدة حول جوهر الإصلاح الذي يعطي للمجلس النيابي حقوقه العليا كمؤسسة تشريعية ورقابية منتخبة من الشعب، وأن تتمثل القوى السياسية المعارضة وقوى المجتمع في مجلس الشورى، وأن تتشكل حكومة وطنية تضم ممثلي مختلف القوى السياسية والاجتماعية دون محاصصة طائفية، وتحظى بثقة مجلس النواب، ويعاد رسم الدوائر الانتخابية وقوتها التصويتية بشكل عادل، وبناء دولة القانون والمؤسسات والمواطنة المتساوية، لتستمد الدولة هيبتها من انتظام علاقتها بالمجتمع عبر القانون لا القوة، والاحترام الصارم لحقوق الإنسان ومعاقبة منتهكيها، وأن يعطى للقوى السياسية وقوى المجتمع المدني الحقيقية دورها الفاعل والمقرر في الحياة السياسية والاجتماعية، وإعادة صحافتها المعطلة، والاعتراف بحقها في الدبلوماسية الشعبية وتمويلها الكافي كحق ينظمه القانون وليس الولاء أو أية اعتبارات أخرى.
عموما، نرى أن مبادرة سمو ولي العهد التي قدمها في ذروة الأزمة في مارس 2011 بنقاطها السبع ودعواته المتكررة ذات الرجع الطيب للبحث عن حلول ناجعة ومنصفة يمكن أن تشكل قاعدة انطلاق للحوار والتفاوض. ولا ضير أن تأتيها السلطة السياسة بمنطلق «مبادرة ولي العهد، ليس أكثر»، والمعارضة بمنطلق «مبادرة ولي العهد، ليس أقل»، لنلتقي في منطقة ذهبية بين المقاربتين. طبعا، الدولة هي الأقدر على قيادة هذه العملية وعليها تقع المسؤولية الأكبر لتهيئة شروط نجاحها.
على أن التنفيذ التام والنهائي لجميع توصيات اللجنة الملكية لتقصي الحقائق ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بكل ما يتطلبه ذلك من قوانين وإجراءات وعقوبات وتعويضات ورد اعتبار وغيره. فذلك ليس من قضايا النقاش، بل متطلب إنساني وحقوقي ومقدمة ضرورية للإصلاح الوطيد الذي لن يتحقق دون المرور بطريق العدالة الانتقالية والإنصاف.
ومن المهم جدا أن يُهيأ الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لتشكل تلك الأهداف رسالته الحقيقية، وأن يستوعب جميع إعلامييه بلا تمييز، وبلا تمييز يخاطب كل المواطنين.

–  ألن تعيق التدخلات الإقليمية ذلك؟

– ستعيق إذا استسلمت لها قوى في السلطة أو المعارضة. أما إذا استبقنا التطورات الإقليمية بالوعي المطلوب فسنكسب أنفسنا والتاريخ. أُوضِّح أكثر: إن كل العمليات الاجتماعية – السياسية التي تختمر حاليا في أحشاء مجتمعات المنطقة ستطفو قريبا على السطح دافعة بقوة نحو التغيير الديمقراطي حتما. وستكون البحرين في المقدمة إن هي عالجت أوضاعها منذ الآن بحكمة، أو في المؤخرة إن ظلت أسيرة الظروف الحالية.

–  تتحدثون عن ضرورة الإصلاح.. هل هو غير موجود برأيكم؟

– دعني أخبرك شيئا. معرفتي بجلالة الملك تعود إلى دراستنا معا في الثانوية. ضم صفنا طلبة من العائلة الحاكمة وعوائل ثرية وفقيرة، من المدن والقرى، سنة وشيعة وغير مسلمين، ومن أصول بحرينية وغير بحرينية، حزبيين وغير حزبيين. ولو كانت مدرستنا للإناث والذكور لكانت العينة أصدق تمثيلا لمجتمع البحرين بتلاوينه. كان التعايش طبيعيا. وكثيرا ما تحدَّث جلالته في لقاءات سياسية وفي بعض خطاباته الرسمية باعتزاز عن هذه التجربة وأثرها عليه. هذه الخلفية تساعد في تفسير أن جلالته جاء إلى الحكم حاملا مشروعه الإصلاحي حتى قبل أن تُفعِّل الولايات المتحدة الأمريكية برنامج مبادرة الشرق الأوسط لنشر الديمقراطية. جاء الإصلاح نتيجة التقاء الإرادتين الملكية بالشعبية بعد تجربة ربع قرن ضائع منذ حل المجلس الوطني عام 1975 وحقبة قانون أمن الدولة السيئ الصيت التي تميزت بقمع وتشريد القوى الديمقراطية، وبعد نضال شعبي مرير من أجل عودة الديمقراطية. أكثر من ذلك كان جلالته يأمل بأن تصبح مملكة البحرين مركز إشعاع ديمقراطي في المنطقة. وحكما على كل ذلك فليس من سبب وجيه للاعتقاد بأن الملك أطلق مشروعه الإصلاحي كمناورة سياسية محدودة زمنيا. يشهد على ذلك تطور الممارسة الديمقراطية خلال بضع السنوات الأولى وتحقق عدد من المكاسب واقعا، وقبل ظهور قاعدة تشريعية تحميها، ولكن هناك قوى متضررة تقتضي مصالحها عرقلة الإصلاحات أو العودة عنها. وهناك بعض من معارضة متطرفة تواقة إلى حرق المراحل وتخلط، فهماً وممارسةً، بين الإصلاح والثورة التي يجب أن تتوافر شروطها الموضوعية والذاتية. هنا اشتغلت القاعدة المجربة تاريخيا: «أقصى اليمين وأقصى اليسار يلتقيان». تتابعت حلقات سلسلة القوانين والإجراءات المكبلة للحريات. وفي حين وجد ذلك رفضا شعبيا عاما، إلا أن مواجهات العنف الرسمي والعنف المضاد أوصلا البلاد إلى احتقان أخذ في الاشتداد خلال النصف الأول من عام 2009. في مايو من ذلك العام طرح «التقدمي» للجميع مبادرة الحوار الوطني من أجل الخروج من المأزق. التيار الوطني الديمقراطي دعا إلى تفعيلها. معظم المعارضة رحب. أما السلطة فلم تقل سلبا أو إيجابا. الآن يمكن القول ان فرصة تاريخية فُوتت. ولو أُخذ بالمبادرة فالأرجح ألا يتطور المأزق إلى الأزمة الشاملة التي انفجرت في فبراير 2011 على إثر هبات الربيع العربي في تونس ومصر وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية الداخلية. ومهما حُمِّلت بعض قوى التطرف في المعارضة من مسؤولية، إلا أن السلطة السياسية تتحمل المسؤولية الأكبر.

–  بأية أدوات تم إضعاف القوى الديمقراطية وتقوية نقيضها ؟

– المال السياسي المغموس في الفساد ودوره في تشويه الوعي وإعادة بناء المصالح على أساس الانتماء الطائفي والقبلي والمناطقي والأصل القومي وصلات القرابة وغيرها من العصبيات. ولذلك أساسه المادي. اقتصادنا القائم على عائدات النفط لا يستطيع بهيكله استيعاب إلا اليسير منها. ويسمى الباقي «فوائض» يتم تصريفها عبر قنوات مختلفة. من أهمها، ضخ المال السياسي عبر وخارج ميزانية الدولة عن طريق وجهاء الطوائف والمؤسسات الدينية والخيرية لإعادة اصطفاف المجتمع ومؤسساته على أساس طائفي. ومن حيث يدري رجال السلطة السياسية أو لا، فإنهم يضعفون الدولة التي يديرون. أمام تغوُّل الاستقطاب الطائفي تضطر الدولة لإبداء تنازلات رجعية لشراء «الولاء» أو السكوت المؤقت فتفقد مشروعها الخاص. بالمقابل يتم التضييق على القوى الديمقراطية التي تناضل ضد المشاريع الرجعية والصفقات الطائفية. من أهم التضييقات ترسانة القوانين والإجراءات المقيدة للحريات، وحجب التمويل الرسمي وأشكال الدعم الأخرى عن القوى السياسية وجمعيات المجتمع المدني الديمقراطية ومحاصرة إمكانيات تمويلها الذاتي. بالمقابل يستمر تدفق المال السياسي الوفير لقوى الطائفية من مصادر داخلية وخارجية، تستطيع به تفعيل مؤسسات دينية وخيرية كبديل لمؤسسات المجتمع المدني. أما الدولة فتملك ما تشجع به قيام مؤسسات سياسية ومدنية «بديلة» (تعرف عالميا بالجونجو)، تتمتع بالدعم اللامحدود. 
  


–  2  -

 

 النص الأصلي للحلقة الثانية من مقابلة “الأيام” مع عبد الجليل النعيمي، نائب الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي


“الأيام”، الجمعة، 10 أغسطس 2012

 


يبرز خلال الحديث في السياسة جانب مهم ويلعب دورا كبيرا في مجريات العملية السياسية سواء على مستوى القوى السياسية أو على الأفراد وهو استخدام المال السياسي.. كيف تعلقون على هذا الموضوع؟

حسب السيناريو الذي وضعه مصرف “سويس كريديت” هناك احتمال كبير وقريب بتدهور الاتحاد الأوروبي، ما سيهوي بأسعار النفط دون 50 دولارا للبرميل. إذا حدث ذلك فسينعكس بالسلب اجتماعيا وسياسيا في بلداننا مع ارتفاع أسعار السلع الأخرى وفي ظل التوترات الأمنية الإقليمية والداخلية الدافعة لمزيد من التسلح وهروب الأموال المحلية. هنا ستطرح بقوة مسألة إعادة اقتسام “الفوائض” المالية المتناقصة. وعليه سيضعف التمويل الداخلي والخارجي للقوى السياسية والاجتماعية الطائفية، وخصوصا الموالية.
 
وما الآثار الاجتماعية السياسية لذلك ؟

 تردي الأوضاع الاقتصادية سيشدد الضغط حتى على قوى الموالاة السياسية لأن تبرر وجودها أمام “جماهيرها” بغير وسائل الشحن الطائفي. وهذا سيجبرها على تصعيد مطالب اقتصادية اجتماعية وربطها بمطالب الديمقراطية السياسية. إرهاصات هذه الظاهرة بدأت تحدث حتى قبل موجات الأزمات القادمة.



كيف قرأتم ذلك على أرض الواقع ؟

خذ مثلا الطرح السياسي في مؤتمر تجمع الوحدة الوطنية الأخير. فمهما أثير حوله من نقد من خارج وداخل التجمع، إلا أنه يشكل نقلة نوعية قياسا بالخطاب السابق. وهذا يؤشر على أن استنفاذ إمكانيات الشحن الطائفي قد وجد بداياته. لكن هذه العملية ستسير ببطء، ما لم يعجلها ارتقاء وعي أشخاص من بين قيادات الطائفتين ليسمو فوق الطائفية. هنا بالذات يمكن أن يلعب ممثلو التيار الوطني الديمقراطي دورا مهما. وهنا أيضا مصدر الخطر على دعاة الانقسام الطائفي واستنفارهم للأموال والأقلام وماكنات التشويه والتسقيط ضد أي نفس وطني ديمقراطي في داخل التنظيمات الطائفية، وضد ممثلي التيار الوطني الديمقراطي على غرار الحملة التي لا تزال مستعرة ضد “التقدمي”.
 
أليست أسباب ضعف التيار الديمقراطي داخلية ؟ فبالنسبة “للتقدمي” مثلا كثر الحديث عن انشقاقات وخلافات أدخلته في فتور ملحوظ منذ أشهر، ما صحة ذلك؟

تعقيد الأوضاع التي مرت بها البحرين انعكس تعقيدا على العلاقات الداخلية في كل قوى المجتمع. في “التقدمي” بدت الأمور أكثر وضوحا لأسباب، منها : أولا، أن المنبر ينتهج الشفافية والإفصاح ما يسهل لأي متابع الوقوف على حقيقة الأمر. فكثير من الجدل اتخذ طابعا تسجيليا في وثائق ومقالات ظهرت إلى العلن.  ثانيا، يضم “التقدمي” أعضاء من كل المحافظات والطوائف والأقليات. هذا التنوع مصدر ثراء، لكنه خلال الأحداث المؤسفة كان أيضا مصدر أشكال مختلفة من المعاناة. البحرين كلها عاشت أوضاعا سيئة، لكن مناطق بعينها كابدت بشكل يومي أشكالا من العنف الرسمي والعنف المضاد، ومن العقوبات الجماعية التي طالت أطفالا ونساء وشيوخ جراء الغازات السامة لمسيلات الدموع والإطارات المحروقة، ومن الاعتقالات والفصل من العمل والمحاكمات غير العادلة. فليس هناك أحد من رفاقنا في هذه المناطق، إن لم يكن هو فكثير من أقربائه وأعزائه راح ضحية القمع أو عسف الإجراءات. رفاقنا من مناطق أخرى لم تعان بنفس الدرجة، أبدوا التضامن القوي مع جميع الضحايا بلا تمييز. لكن يبقى صحيحا القول أن تفاوت الأوضاع أوجد تفاوتا (مشوبا بالتشوهات) في أشكال الوعي الاجتماعي في المناطق. ومهما كان وعيك الفردي أرقى بحكم ثقافتك الأيديولوجية وتربيتك الحزبية، إلا أنه معرض للتفاعل مع الوعي الاجتماعي المحيط. فلضغوط الواقع والأهل والمعارف أثرها. من هنا تأتي المقاربات المختلفة أحيانا. ولا يعود ذلك لجذور طائفية كما يصور البعض.
وقد تفاعل “التقدمي” مع الأحداث وفق تقديراته وقدراته. لنا رفاق وأصدقاء أبلوا بلاء حسنا في مختلف المجالات، ودفعوا ثمن مواقفهم.
 
تم الترويج لوجود انسحابات واستقالات مستمرة في المنبر التقدمي جراء الأحداث الأخيرة، فكم نسبة المنسحبين، وهل لا زالت الإنسحابات مستمرة؟

نعم، روجت بعض الصحف لذلك كثيرا. هناك “مطبخ” سبق وأن مارس طهاته هذا الفعل، وبتنظيرات تفوح بؤسا. لا تهمهم مشاكل “التقدمي”، إذ كل “التقدمي” بالنسبة لهم مشكلة إِنْ هو لم “يؤَبَّط”. ولمزيد من الإثارة جمعوا هذه المرة أعداد من استقالوا أو ابتعدوا خلال الأعوام الأخيرة ليصوروا الأمر وكأن ذلك حدث كله، فجأة، في مؤتمرنا الأخير. ولم يلتفتوا إلى الرفاق الخمسة استقالوا من اللجنة المركزية وليس من المنبر. وقد أكدوا رفضهم استغلال استقالتهم في حملة الترويج ضد منبرهم التقدمي، بعكس ما فعل “المطبخ”. وفي “المطبخ” من عرف أن هناك خطوات معينة يجري بحثها على طريق المعالجة، فراح يتحدث وكأنها اقتراحات من عندياته كـ”مرجعية نضالية”. طبعا، هم لا يتحدثون عن طلبات عضوية شابة جديدة تتقد حماسا. هناك بالطبع من مارس تجاهنا نقدا بناءا، ونحن مدينون له، وحقه علينا أن نتعلم من نقده ونستفيد.
 
هل تعتقد أن مواقف المنبر التقدمي من الأحداث خصوصا في العام الماضي أفقدته كثيرا من جماهيره، وأصبح الرقم غير المحسوب في خارطة العمل السياسي في البحرين؟

هناك غلاة في الموالاة كما في المعارضة. هاجمت الموالاة مواقف “التقدمي” من باب “تبعيته” للوفاق. وهاجمته بعض المعارضة من باب القرب من السلطة. كلاهما خسر الإجابة الصحيحة. الذي يتهمنا بهذا أو ذاك إما أنه، إذا أحسنا الظن، لا يفهم الطبيعة الفكرية والسياسية والاجتماعية لا للسلطة ولا للوفاق ولا للتقدمي، أو أنه يخلط الأمور عمدا. في نفس الوقت فرغم قلتنا العددية نسبيا، إلا أن مواقف المنبر لها وزنها السياسي لدى كل الأطراف ويحاول كل الشد باتجاهه. وما هدف كل الهجوم الإعلامي على المنبر سوى شده إلى مواقف هؤلاء أو أولئك. 
أما جماهيريا فهذا الزمن الطائفي الرديئ ليس زماننا عموما. بل أننا خلال الأحداث المؤسفة دفعنا ثمن لا طائفيتنا وعدم سيرنا وراء أحد. ومواقفنا هذه هي رصيدنا للمستقبل. لقد تعودنا العيش في كل الأزمان الصعبة معبرين عن الضمير الشعبي. لكن كوننا رقما غير محسوب في خارطة العمل السياسي فهذا ما لم يحدث في تاريخ البحرين ولو ليوم واحد منذ تأسست جبهة التحرير الوطني عام 1955 وباعتبارنا حامل تقاليدها النضالية. وكم من كؤوس قرعت في نخب “إنهائنا” في أزمان مختلفة.
نعم، في الفترة الأخيرة خضنا تجربتنا الخاصة. أصبحنا خارج إطار الجمعيات الخمس لنستطيع أن نُعمل أدواتنا الخاصة في دراسة الأوضاع ونقول الرأي الذي نعتقده صحيحا وفق قراءتنا للوضع، وأن نتفاعل مع الأحداث بالطريقة التي نراها مناسبة. وفي نفس الوقت نلتقي مع كل طرف من الأطراف السياسية التي نبادلها كل احترام لأنها قوى وطنية لها رؤاها وجماهيرها وثقلها السياسي، ونتبادل الآراء والتجارب والخبرات، ونتعامل بانفتاح لتتضح نقاط الاتفاق والافتراق ونحدد علاقاتنا على هذا الأساس. بكلمة، نحن نمثل التيار التقدمي ونرى في التيار الوطني الديمقراطي بيتنا الطبيعي الذي علينا ألا نتوانى في النضال من أجل بنائه وتوسيعه وتعزيز دوره في الحياة السياسية للمملكة. وطبيعي أن تلك ليست مهمتنا وحدنا. إنه قبل أن يكون هذا التيار طريقنا إلى تحقيق الأهداف السياسية المشتركة مع القوى السياسية الأخرى، فهو طريقنا لتحقيق الوحدة الوطنية وقضايا المرأة والحريات العامة والشخصية التي لا تقل أهمية، بل وبدونها لا يمكن تحقيق تلك الأهداف أصلا.
ولكي يكون المنبر رقما حاضرا فليست الأولوية للأعداد على أهميتها ، بقدر ما يجب أن نعبئ طليعة نوعية واعية من شغيلة بلادنا ومثقفيها الكفاحيين وأن نوسع قاعدة الأعضاء والأصدقاء والمناصرين والحلفاء للنضال من أجل وطن حر وشعب سعيد. يجب أن ننجح في بناء حزب توحده نظرية الاشتراكية العلمية – حلم البشرية ومستقبلها، ويوحدنا بناء تنظيمي قوي يوفق تفاعليا بين الديمقراطية والمركزية، وبرنامج علمي واقعي، يدافع عن مصالح الجماهير ويستجيب بصدق لحاجات شعبنا.
 
بعد مؤتمركم العام السادس هبت رياح الخلافات مجدداً جراء توزيع المناصب الإدارية خصوصا المتعلقة بالأمانة العامة، حيث استغرق المنبر أسابيع قبل إعلان توافقه على المناصب، ألا تعتقد أن تلك الخلافات ستجعل المنبر في حالة ارباك مستمرة؟ وهل هناك تحفظ من أعضاء اللجنة المركزية على بعض المناصب وممثليها؟

الجدل في الأساس حول قضيتين : أولا ، الخط الذي انتهجه المنبر ما قبل وبعد الأحداث الأخيرة تمت مقاربته من على يمينه ويساره، من خارج المنبر وداخله. رفاق نشدوا التصحيح في هذا الجانب وآخرون في ذاك. وهذا طبيعي قياسا إلى تعقيد الأوضاع التي ذكرنا. وطبيعي أيضا أن المنبر عمل قبل المؤتمر وخلاله على مراجعة مواقفه نقديا، وقد أكد المؤتمر بشكل عام على الوثيقة النقدية المقرة، وهي تلاقي استحسان الغالبية الساحقة من الأعضاء. وبعد المؤتمر أكد بيان الدورة الأولى للجنة المركزية على روح هذه الوثيقة الهامة. ولا نزال مستعدين لمراجعة مواقفنا مع مضي عملنا النضالي الدؤوب. فالممارسة تختبر الطرح وتساعد على تصحيحه.
الأهم الآن أن ننظر بعين فاحصة نحو المستقبل. عنوان الفترة المنظورة القادمة هو البحث عن مخرج واقعي من الأزمة بعد إعادتها إلى أطرها وأطرافها وحلولها الوطنية. ونعتقد بأن دورنا كمنبر وكتيار وطني ديمقراطي مطلوب بإلحاح. فطبيعتنا وتركيبتنا غير الطائفية تؤهلنا لاقتراح برنامج الحد الأدنى الذي يعيد إلى الإصلاح معناه ويصون الوحدة الوطنية في ذات الوقت.
هذه المرحلة تتطلب أن يتهيأ المنبر داخليا ويستنفر كوادره كي تسهم في إعداد تصورات وبرنامج عمل المنبر والتيار الوطني الديمقراطي للمرحلة القادمة.
ثانيا، هناك دعوات من عدد من رفاقنا بإعادة النظر في التوازنات التي أفرزتها نتائج انتخابات المؤتمر، بما يجعل هذه التوازنات جاذبة أكثر ولأكبر عدد ممكن من الأعضاء. وحيث أن هذه ليست مسألة تنظيمية فقط، بل وسياسية، فقد وجدت هذه الدعوات ترحيبا وتجري دراسة تحقيقها.
حول تشكيل المكتب السياسي كان تحفظ بعض الرفاق ليس موجها ضد أحد، بل ارتباطا باستمرار الجهود من أجل التنويع. أما تحفظ بعض الرفاق الآخرين فأصدقك القول أن أحدا لم يوضح الموقف بصراحة. ربما هو مُحمَّل على التحفظ الأول. وبالمناسبة، ليس صحيحا ما نشرته صحيفتكم من أنني هددت بالاستقالة. الصحيح أنني أبديت استعدادي للعمل من أي موقع متى كان ذلك مناسبا.



يؤخذ على المنبر الديمقراطي التقدمي أن عناصر منه ساهمت في شق الحركة النقابية والعمالية بتأسيس اتحاد النقابات الحر. ما قولكم في ذلك ؟

“التقدمي” بأيديولوجيته لا يمكن أن يقبل أصلا بشق وحدة الطبقة العاملة، فما بالك على أساس طائفي، وضد أن تسلك أي قيادة عمالية هذا المنحى. وقف رفاقنا العمال ضد ذلك في المؤتمر الأول لاتحاد النقابات. وقد أخطأ بعض الأطراف حينها عندما جرى استبعاد ممثلي قرابة ثلث الطبقة العاملة من قيادة الاتحاد. لكننا أكدنا على وحدة الطبقة العاملة في إطار هذا الاتحاد، وأنه لا يمكن معالجة الخطأ بخطأ. وحيال الأزمة الأخيرة فإن موقف “التقدمي” موضح في بياني الدورة الأولى للجنة المركزية والقطاع العمالي للمنبر بتأكيد التمثيل العادل في إطار وحدانية الاتحاد. ونحن نعرف من تجارب الحركة العمالية العالمية أن الطبقة العاملة تعرضت في بلدان وأزمان مختلفة لمحاولات قوى رأس المال شقها بتفعيل ظاهرة “الأرستقراطية العمالية” ذات الامتيازات الاستثنائية. وقد تنجح لبعض الوقت، لكن ليس لكل الوقت.
 
لنختم بسؤال ماذا لو حدثت حرب في المنطقة؟ وما العمل لدرئها ؟

بالفعل الأمور مهيأة لأن تصل التوترات الأمنية في المنطقة الخليجية والعربية حد الإنفجار، سواء في حرب ضد سوريا أو إيران أو في شكل نزاعات إقليمية مسلحة أخرى.
ولا ندعو أحدا للتفاؤل بهذا السيناريو من منطلق الثأر السياسي أو من منطلق أنه سيؤدي إلى تضاعف أسعار النفط وارتفاع عائدات بلداننا. فالنفقات الدفاعية والأمنية “ستحرق” هذه العائدات مهما بلغت. كما يجب تذكر أن النفط نفسه مادة سريعة الاشتعال. ناهيك أن بلداننا تأوي قواعد عسكرية أميركية تجعلنا هدفا مباشرا في أية حرب.
قوى التيار الوطني الديمقراطي أكثر من يكره حدوث هذا السيناريو، ليس فقط لأنها ضد الحرب وداعية إلى التعايش السلمي بين الشعوب، وليس فقط لأنْ لا مصلحة تجمعها بأيِّ من أطرف النزاع. فكما في الصراع الطائفي المحلي كذلك في أي نزاع إقليمي مسلح ستكون القوى الديمقراطية هي الخاسر الأكبر. وفي ظروف الحرب عادة ما تنتعش الدكتاتوريات، بينما تقمع الديمقراطيات وإلى أمد طويل. إن النضال ضد الحروب ومن أجل السلام هو نداء طبيعي لكل القوى المناضلة من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي. وهو نضال من أجل أهم حقوق الإنسان والشعوب – الحق في الحياة.


 
إنتهــــــــــى

 

اقرأ المزيد

البراكيـن الخادعــة


بسياحة سياسية بانورامية سريعة خاطفة، في العالم العربي، وعن بعد أيضاً، يمكن للمرء أن يخرج بحصيلة وفيرة من المعطيات الدالة على أن ما تسمى بالفوضى “الخلاقة” تكاد تختزل المشهد السياسي العربي العام وتشكل عنوانه الرئيس . فهناك حروب أهلية جزئية قابلة للتمدد والانتشار لتصبح أكثر شمولاً، مثال ذلك سوريا، العراق وكذلك الجزائر التي انكفأت فيها الحرب ولكنها لم تزل مندلعة على نطاق أضيق . وحروب قبلية (ليبيا المحررة) . وهناك بؤر متفجرة وأخرى تنتظر توصيلات صواعق التفجير . ويكاد العطب يسم الجو كله بأدخنته المتلبدة في كبد السماوات العربية وروائحها الخانقة كما لو كانت نذر الشؤم التي تحوم عادة بأشباحها وظلال أشباحها حول “ضحاياها” قبل الانقضاض عليها . وكان هدير ونذير فوران البراكين الخادعة بسكونها الهاجع قد بدا مع إطلالة عام 2011 انطلاقاً من تونس المعروفة بالإحكام الحديدي التام لقبضة نظام زين العابدين بن علي البوليسية على مفاصل الدولة التونسية ومناحي حياة الشعب التونسي كافة . ثم ما لبثت حممها (حمم تلك البراكين) أن راحت تقذف شظاياها هنا وهناك حيثما وجدت الأراضي الخصبة لها التي نبتت فيها بذور ومحاصيل الفساد والاستبداد . وما أن بدأ غبار وأدخنة تلك الحمم بالانجلاء قليلاً عن بعض “مراكز هدير” تلك البراكين حتى بدأت تتضح الرؤية، ومعها بدأت تظهر معالم المشهد الجديد “ما بعد الزلازل” لتصدم كل الحالمين بعالم عربي جديد خالٍ من توأمي الفساد والاستبداد . فما اعتقده أولئك الحالمون “ربيعاً عربياً” إذا بهم أمام شيء آخر لا يشبه الربيع في شيء، اللهم إلا في التوقيت المتزامن لقدومهما، بقدر ما يشبه “الخريف” في كل شيء تقريباً على حد وصف أولئك المصدومين .
 
فحيثما وليت وجهك ستجد أن الإخوان المسلمين، وهو حزب إسلامي راديكالي أنشأه حسن البنا في مدينة الإسماعيلية المصرية عام 1928 وأنشأ له فروعاً في معظم البلدان العربية، هو الحزب الذي صار قابضاً على مقاليد الحكم وعلى مفاتيح ومسارات التطور المستقبلية في عدد من بلدان العالم العربي . ينطبق ذلك على تونس ومصر، وحتى ليبيا (حتى من قبل إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية التي ستضع مسودة الدستور الليبي، حيث احتل الإخوان المسلمون المناصب القيادية في أجهزة الدولة ومؤسساتها)، فيما تتم التهيئة لتسلمهم مواقع رئيسة وقيادية في اليمن على خلفية صفقة إعادة تعويم النظام السابق بأقل الأكلاف، بينما عيون إخوان سوريا على مواقع السلطة العليا في هذا البلد الذي تحول الصراع الاجتماعي والسياسي فيه إلى حرب أهلية ضروس .
 
وحين ينظر المرء ويعاين ويقرأ ويعيد بتمعن قراءة وفحص متواليات تلك “البراكين” فسوف يجد نفسه وقد أحالته ذاكرته، في إحدى مراحل الدرس والتفكر، إلى ما كانت ابتدعته النظرية الفكرية للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش من مبدأ أسمته “الفوضى البديعة أو الخلاقة”، وهي نظرية تحاكي بشكل من الأشكال المقولة العربية الشهيرة “اشتدي يا أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج” . هنا سوف يتساءل البعض باستنكار: وهل من الجائز والمعقول ربط ثورات الربيع العربي بالخارج من خلال “تلبيسها” شبهة الاقتران ب “الفوضى الخلاقة” الأمريكية؟
 
الجواب هو: وما المشكل في ذلك؟ فليست كل العوامل التي حركت المياه الراكدة في المشهد السياسي العربي وحولت ما كان يعتقد إنه رماد هامد إلى جمار متقدة، “محلية الصنع”، فلقد أسهمت عوامل أخرى خارجية كان لها الدور الحاسم في صب الزيت على نار السخط الشعبي المتراكم على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة ونيف الماضية، وتطوير القضية من مجرد حدث صغير معزول إلى ثورات شعبية عارمة كان للعامل الخارجي دور واضح في توسيع دائرة المنخرطين فيها .
 
فكان لابد والحال هذه أن تنقسم النخب الاجتماعية على اختلاف مشاربها بشأن هذا الحصاد غير المتوقع (ربما بسبب مذاقه غير المستساغ) “للربيع العربي”، بين من يرى أن الذي لاشك فيه هو أنه لا الأمريكيين ولا حتى مناصريهم الأوروبيين هم من أشعل فتيل ثورات الربيع العربي، فقد كانت وستبقى من صنع ظروف الاستبداد والفساد المحلية التي أوصلت السخط الشعبي العارم والمكبوت إلى درجة الغليان والانفجار . ولكن هؤلاء وأولئك كانوا السباقين لاستثمار هذه الفرص التغييرية المواتية والسيطرة على مساراتها والتحكم في إيقاعات نسقها صعوداً وهبوطاً من طريق السماح لعوامل وعناصر الفوضى بعمل عملها وتأدية ما هو مطلوب منها من خلط عجيب للأوراق والانتظار ومراقبة ما ستسفر عنه زوبعة تلك “الفوضات” قبل أن تستقر عند مستوى أو حالة معينة، فإن كانت مقبولة جرى التحرك، سواء عبر الأنصار المحليين أو الإقليميين من وراء الكواليس، أو علناً إن تطلب الأمر ذلك، “لحياكة” وإخراج الشكل النهائي للحل والنظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي الجديد .
 
الفكرة تكمن، إذاً، في ترك الفوضى “المندلعة” بجهد “مشترك”، ذاتي وبفعل فاعل، تتفاعل ويضطرم أُوارها ويتفاقم مأزقها وانتظار ما ستسفر عنه عملياتها الداخلية من حوصلة وغربلة مواتيتين قبل التدخل بمعاونة الآخرين المقحمين في الأوقات المناسبة المختارة بعناية دبلوماسية فائقة، لصياغة صيرورتها التوافقية . هي (الفوضى الخلاقة) مقاربة قذرة من حيث محاكاتها لفلسفة الباحث السكاني والاقتصادي الإنجليزي توماس مالتوس (1766 – 1834) الذي قال إن السكان يزيدون على شكل متوالية هندسية (،2 ،4 ،8  . .16 . الخ) بينما يزيد الإنتاج الزراعي على شكل متوالية حسابية (،2 ،4 ،6 8 . . . الخ)، وهي نظرية اتخذ منها المستعمر الأوروبي مبرراً لارتكاب جرائم إبادة بحق كثير من الشعوب . كما تم إجبار أبناء العرقيات المضطهدة، كالسود والهنود الحمر، على إجراء التعقيم القسري . وهي أيضاً، أي (الفوضى الهدامة)، مقاربة ماكرة لأنها تعمل بصمت من دون أن تلفت الانتباه وتثير ردود الأفعال التي تستحقها .
 

اقرأ المزيد

حَــــيَّ عـلى الـحُــــبّ… !

 

 



 
حَــيَّ عـلى الـحُــــبّ…!




 


أوبـعـدَ ما غَـشِـيَ الـنـخـيـلَ ظـلامُ          أيــدانُ تــاركُ صــمــتِـــــهِ ويـــــلامُ
أو بـعـدَ ما نَـعـِبَ الغـرابُ بشـؤمِهِ          أيـعـابُ إن عَـزَفَ الـهـديــلَ حـَمـــامُ
أو بـعـدَ ما بلغَ الزُبى سيلُ الأسـى          أيـقــالُ لـلـشــكـوى عـلـيــهِ حــــرامُ
غـيضَ التصـَبُّـرُ فالفـؤادُ يمُـضُّــهُ          عِـشــقٌ مُـقـيــمٌ والجُــروحُ كَــــــلامُ
وتـشابكتْ أيـدي عـواذلِ شـوقــــهِ          وتـنــاهـبـت أحــلامَـــــه الأيــــــــامُ
وتـلاقـف المـتـمـصلحون تـُراثَـــه          وعـدا عـلى مـا يـجـتـنـيـــــه طُــغـامُ
وتـحلّـقـت حـول الـمـُعـزِّ وتـِبـــرِهِ          تـلـك الـوجــوهُ وبــايــعــت اقـــــلامُ
وتـباشرَ الخـُبـثـاءُ: هــذا يــومــنا          ونـَســـوا بـأن مـن الـمُـحـــــالِ دوامُ
وتـقـوّلوا ضـد الـنـدى وتـغــولـوا          طـول َالـمـَدى إذ بُــوركَ الإجـــــرامُ
قــد فــرَّقــونـا بـالـتطـأفـنِ حـيلــةً          ســادوا بـهــا وتــنـاحــرت أرحــــامُ
وامـتـارَ من سُحتِ الفُـتاتِ تـزلُّـفٌ         فـأثـيـرَ فـي جــوِّ الـنـضــالِ قــَتــــامُ
فـليـخـسأ الجـبـنـاءُ حـيـث ترددوا          وتــثـاقــلـوا وتـلـعـثـمـوا وأغــامــوا
قـالَ الرعـيـلُ الحـرُّ: إنّ طـريـقَـنـا         شـوكٌ و وعــرٌ يـعـتـريــه حِـــمــــامُ
سيـظـلُّ يـتـبـعُ ســائـرٌ مُـتـقـدمـــاً          ويـخـوضُ امــواجَ الـكـفــاحِ هُـمــام
يا إبـنةَ الخـيـرِ التي نـشكوى بهــا          ولـهـا طـويـلاً مـا جـَنــاه خِــصــــامُ
شكوى القريبِ إلى القريبِ ظُلامـةً         هــانـت بـهـا مـِن ســالـفٍ أرقــــــــامُ
يا نـخـلــةَ الأطـيــابِ يـا أيـقـــونـة          لـلـحُـبِّ تـجـتــرحُ الـعُـــلا وتـضــــامُ
يا روح روح الواثـبـين وفخــرهمْ          ودريـئــــة عــمَــا رأوه وحــامــــــوا
جَـمـَراتُ قـلبـكَ في عذاباتِ الألـى         بـذلــوا نـفــوساً لـلـحـيـاةِ فــدامـــــوا
صعدوا نجوماً في سماواتِ النُهى         وتـفـيـئـوا سُوحَ الـنـضـالِ ونـامــــوا
وتــبـوأوا حُـبَّ الـقـلـوبِ كـرامــةً         فـعـلـيـهِــمُ أبــدَ الــكــفــاحِ ســــــلامُ
يا أيـها الأطـيـابً صـونـوا وحـدةً         فــبـهــا يُــنـالُ مـن الـطِــلابِ مـــَرامُ
وبـكـم نـذودُ عـن الحِـمى بكرامةٍ         ولأنــكــمْ خــلــفٌ نـمــتــهُ كِــــــــرامُ
ولـكـمْ يعـودُ الفـضـلُ في إيـثارِكم         أنــتــمْ عـلى سُـبُــلِ السُــرى أعـــلامُ
أحـيـوا وشائـج حُـبـِكم وتـقـدمـوا         صــفَّ الــقــلــوبِ فـتـُـمســــحُ الآلامُ
لنعـيـشَ حـبَّ الأرخـبـيـلِ وخـيرَه         ويــطِــلُّ فـــجـــرٌ واعــــــدٌ بــــسّــامُ
 

    

عبدالصمــد الليــث
10 اغسطس 2012
 

اقرأ المزيد