المنشور

تصحيح “نهج”..!


شهد التجمع الجماهيري في “ساحة الإرادة” مساء الإثنين مجموعة من المفارقات ذات الدلالة التي يجب التوقف أمامها… إذ إنّه بينما كان هناك لفيف من شباب “التيار التقدمي” بينهم محمد قاسم؛ حسين الحربي؛ فيّ الرجيب؛ منصور المطيري، وخالد العازمي، بكل ما يعنيه تنوع انتماءاتهم الطائفية والفئوية والمناطقية من دلالة رمزية وطنية كويتية، يجولون ذهابا وإيابا في أطراف الساحة رافعين لوحاتهم التي تحمل شعارات “لا لتغيير النظام الانتخابي قبل الانتخابات”، و”لا لتفصيل النظام الانتخابي على مقاس السلطة”، و”ليرحل مجلس 2009 غير مأسوف عليه”، و”تغيّر الرئيس ولم يتغيّر النهج”، و”لا للانفراد بالسلطة … نعم للإصلاح الديمقراطي”… كان هناك، في مقابل هذا المشهد الرمزي الإيجابي الوطني، مَنْ يستثير النعرات الطائفية والعنصرية ويؤججها عبر لمز وغمز وأحيانا عبر تصريح مباشر في خطاب لا صلة له بموضوع التجمع ولا بأهدافه المعلنة… وفي السياق ذاته حدثت المفارقة الأخرى تلك الليلة عندما أعلن عريف المنصة للجمهور أنّه لا منصة غير منصة “نهج” ولا شعار يجب رفعه غير الشعار الذي رفعته “نهج”، مصادرا حقّ الآخرين في رفع شعاراتهم والتعبير عن آرائهم ومواقفهم في تجمع يفترض أنّه منعقد دفاعا عن الديمقراطية!

إنّ مطالب التصدي لنهج الانفراد بالسلطة ومنع تغيير النظام الانتخابي قبل موعد إجراء الانتخابات، إنما هي مطالب ديمقراطية حقّة ومستحقة، وهي بالتأكيد ليست مطالب طائفية، ولكن البعض بحكم نزعاته الطائفية وحساباته الانتخابية الفردية لا يجد غضاضة في تناول الشأن الديمقراطي والوطني من منظور طائفي بغيض وضيق، ما يؤثّر سلبا على صدقية المحتوى الديمقراطي للقضية المطروحة ويسيء بشدة إلى الطابع الوطني المفترض للتجمع المقام.

وهذا ما ينطبق أيضا على محاولة ائتلاف “نهج” الاستئثار بقرار المعارضة واحتكارها التحرّك الشعبي مع تهميشها المتعمّد أي طرف آخر ومصادرة حقّ الآخرين في التعبير عن مواقفهم، والتصرف وكأنّ “نهج” هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الكويتي، ما يلحق أفدح الأضرار بالحراك الشعبي؛ ويتسبب في إضعافه وتصويره وكأنه فعالية حزبية مقتصرة على حركة بعينها!

وفي هذا السياق، فإنّه مع التقدير للبيان الصادر في 11 أغسطس الجاري عن نواب كتلة الغالبية في مجلس 2012، فإنّه من المهم توضيح حقيقة أنّ صفحة ذلك المجلس قد طويت بحكم القضاء الدستوري الملزم وبحكم الأمر الواقع القائم، ومعها طويت صفحة “الغالبية النيابية” ولم يعد هناك وجود واقعي لها، وإنما استمرت التسمية في جانبها الإعلامي… ومن هنا كانت أهمية الدعوة التي وردت في ذلك البيان بشأن تكوين جبهة وطنية لحماية الدستور وتحقيق الإصلاحات السياسية لتكون مظلة واسعة للحراك الشعبي في هذه المرحلة، ولكن من الواضح الآن أنّه بعد انقضاء نحو ثلاثة أسابيع على صدور ذلك البيان فإنّه لم ينطلق على أرض الواقع أي تحرّك جدّيّ ملموس لإنشاء مثل هذه الجبهة الموعودة ما يعني أنّ الأمر لم يتجاوز نطاق البيانات الإعلامية، بل الأسوأ من ذلك أنّ التصريحات اللاحقة لبعض مَنْ أصدروا البيان ركزت على إمكانية دعوة نواب سابقين ومجاميع شبابية مع التجاهل الواضح لدعوة القوى السياسية الأخرى.

باختصار، إنّ نهج “نهج” ونهج مَنْ كانوا نوابا يشكلون غالبية مجلس 2012 بحاجة إلى تصحيح وتغيير بنبذ النَفَس الطائفي عند بعض أطرافه؛ وبالتخلي عن نزعة احتكار القرار ومحاولات إقصاء الآخرين… حيث إنّه لا يجوز لمَنْ يرفع دعوات المطالبة بتغيير نهج السلطة أن يغض الطرف عن النهج الخاطئ والمواقف الضارة لبعض أقسام المعارضة!


اقرأ المزيد

الطائفيون وجماعات الكراهية في مجتمعاتنا العربية

الحديث عن الطائفية وعن من يتولى بث خطاباتها داخل مجتمعاتنا العربية هي
خطابات تستفيد منها مجموعات انتهازية تستفيد من اضطراب الأجواء وذلك من
أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية والشخصية على حساب أوجاع الآخرين وبؤسهم عبر
رميهم أسفل الدرجات، بينما تستفيد تلك الفئة من المكاسب التي تحصدها في
الوظيفة والسكن والمزايا الأخرى، علاوة على خطاباتها التي تبث الفرقة
والكراهية داخل المجتمع الواحد.

وهناك أشكال عدة للتعصب وقد أدت هذه
العصبيات إلى حروب على مر التاريخ، وتمكنت الشعوب المتقدمة من التخلص من
هذه العصبيات، فقد عانى الأميركيون من التمييز العنصري ضد المواطنين
الأفارقة وسكان أميركا الشمالية الأصليين (الهنود الحمر)، والتي تسببت في
حالة عدم الاستقرار الاجتماعي وسفك الدماء. كما واجهت أوروبا العصبية
النازية التي سببت الحروب.

إن العمل بسياسة «فرّق تسد» ليست علاجاً
سحرياً باقياً للأبد في المجتمعات التي تشهد احتجاجات شبه يومية في
شوارعها، لكون الحال العام غير مستقر، وأضيفت معه مشاكل جديدة إلى أكوام من
المشاكل القديمة التي لا تريد أن ترغب بحلها حكومات المنطقة، اعتقاداً
منها أنها قامت بالإصلاح وأن كل شيء على ما يرام. وهي عبارةٌ يكرّرها أكثر
من نظام عربي لا يريد أن يغيّر ويتبنى سياسات تواكب متطلبات وحاجات المرحلة
الحالية التي قد تحقّق ما يصبو إليه الشاب العربي من طموح لا يقل عن طموح
الشاب في المجتمعات الغربية التي تحظى بأنظمة ديمقراطية متكاملة.

وبحسب
المراقبين، فإن دغدغة الطائفية في قطاعات الرأي العام التي تعيش حياة هشة
وغير مستقرة في المجتمعات العربية التي تعيش يومياً احتجاجات سياسية، تكاد
أن تنهار بين حصار النظم الحاكمة التي تخشى انفجارها فتفرض عليها حكماً
مطلقاً يشلها عن التفكير والحركة والإرهاب والذي لا يكف عن استفزازها
ويضعها موضع الشك. كما نلمسه في وسائل إعلام وصحف الأنظمة الشمولية أياً
كانت حزبية أو قبلية ذات الصوت الواحد والإعلام الواحد.

إن غياب أفق
الحلول السياسية والوطنية ما هي إلا تربة خصبة لنمو المشاعر السلبية عند
الأفراد والجماعات التي تبدأ معها فكرة التخلص من الآخر والسطو على حقوقه
وموارده من خلال عدة وسائل ومنها خطابات الكراهية. فندرة الموارد وتصاعد
الضغوط وغياب الأمل بالوصول إلى نهاية النفق بالطرق الطبيعية، كل ذلك يؤدي
إلي خلق المنازعات في المجتمعات. وبقدر ما يصبح القتال أسلوب الإنتاج
الرئيسي للثروة والسلطة والجاه، تبرز الحاجة إلى بناء العصبية، أي روح
الطائفية، التي تتغذى من الجوانب الدينية أو القبلية أو الثقافية، وتصبح
بمثابة الشرارة التي تولد فتيل أزمة بين الإفراد داخل المجتمع الواحد.

ومنذ
مطلع 2011 وحتى اليوم، فإن النّظم السياسية في المنطقة العربية مازالت
للأسف ترى في النزاعات الطائفية خلاصاً من المطالب الشعبية التي لا تريد
تحقيق أيٍّ منها، لأن تحقيق ذلك معناه اهتزاز المصالح والنفوذ. ولذا فإن
حرمان الشعب من حقوقه السياسية والمدنية، واستدراجه في خطابات طائفية
تنشرها جماعات الكراهية والانتهازية، هو أفضل لها لاستمرار الامتيازات،
لأنه لا توجد دولة مواطنة حقيقية متساوية أو دولة تتجاوز مفهوم السيد
والعبيد، إلى مفهوم أكثر تفعيلاً وهي دولة وطنية ومدنية لا غير.

لقد
برهنت النزاعات الطائفية وخطابات الكراهية أنها لن تكون الحل الأمثل للصراع
بين الديكتاتورية والديمقراطية، ولكنها قد تكون كذلك لفترة زمنية معينة قد
تنتهي بكارثة للأنظمة التي تقصي الطرف الآخر في المجتمع وتهمّش الفئات
الأخرى من الطبقات الكادحة والشباب وصولاً إلى النساء.

إن استخدام
النزاع الطائفي وبث الفرقة ما هو إلا أسلوبٌ للتهرب من حل المشاكل العالقة
داخل المجتمعات، وللتشويش على قضايا داخلية يراد تجاهلها. وبالتالي لن
تتحرر النخب الحاكمة إلا من خلال الاعتراف بحقوق هذه المجتمعات وإلا فإن
التاريخ مليء بتجارب أمم وشعوب سبقت منطقتنا العربية في نضالها من أجل بناء
دولة مؤسسات ديمقراطية.

ريم خليفة


صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

إن اشتعلت المحرق… احترقت البحرين! – عيسى سيّار

المحرق الشماء… المدينة المعروفة منذ أيام الغوص و«اليامال» بتسطيرها
الملاحم البطولية ضد المستعمر وضد الظلم والطغيان. المحرق التي انطلقت منها
شرارة المظاهرات والانتفاضات الوطنية للمطالبة بالحقوق الإنسانية
والمعيشية. المحرق التي ظلت ولاتزال نموذجاً يحتذى للمدينة الحاضنة بدفء
العاشق لجميع مكونات الشعب البحريني. المحرق المدينة المعروفة بسماحة وطيبة
أهلها. المحرق التي إذا دخلت فرجانها لا تميّز بأنك من فريج هذه الطائفة
أو تلك.

المحرق تعيش بعد حراك فبراير/ شباط 2011 بين الفترة والأخرى
حالةً من الاحتقان الطائفي غير المسبوق في تاريخها، وكان آخره تداعيات وفاة
الطفل حسام الحداد بطلق ناري (الشوزن) بحسب تقرير النيابة العامة. ويتساءل
أهل المحرق الطيبون وبحرقة ما الذي أوصل مدينتهم الوديعة، مدينة التلاحم
الوطني، إلى هذا الاحتقان بين فرجانها وبين أهلها؟ ومن يقف وراء هذا
التحريض والتحشيد ونشر الفتنة الطائفية؟ ولماذا لا يتحرك عقلاء القوم فيها
من أجل رأب الصدع وإزالة الاحتقان وإعادة الحياة إلى مجاريها بين أهلها؟

وقبل
الإجابة على تلك التساؤلات دعونا نقف ونسلط الضوء على وفاة ابن البحرين
الشاب حسام الحداد وتداعياتها والهواجس والمخاوف التي تدور على ألسنة أهل
المحرق الشرفاء… وبغض النظر عن الروايات والتحليلات العديدة التي يطلقها
هذا الفريق أو ذاك، فإن الطفل ابن البحرين حسام الحداد قد انتقل إلى الرفيق
الأعلى جلت قدرته، ولكون الحادثة هي الأولى من نوعها في المحرق منذ
خمسينيات القرن الماضي فقد تركت دون شك أثراً نفسياً بالغاً على أهل
البحرين والمحرق بشكل عام وعلى أهله بشكل خاص، ولا يعلم إلا الله سبحانه
وتعالى حجم ونوع التداعيات التي قد تقع من جراء هذا الحادث الأليم الذي
أدمى قلوب أهل المحرق الشرفاء. ومن هنا نطالب المفتش العام وأمين التظلمات
بوزارة الداخلية بفتح تحقيق جاد ومحايد في ظروف وملابسات مقتل «ولدنه» حسام
الحداد.

ويراهن البعض ممن في قلوبهم مرض والذين لا يريدون الخير
للبحرين وأهلها، على استغلال هذه الحادثة في إثارة المزيد من التحريض
والاحتقان الطائفي لكي تصل المحرق إلى حال من المواجهات الأهلية بين
فرجانها وقراها، وأنا أقول لهم كمحرقي سوف تخسرون الرهان وسوف تصبح
محاولاتكم هباءً منثوراً. والمحرق الشماء وأهلها عصية عليكم كما كانت عصية
على المستعمر وأعوانه في انتفاضة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. وسوف
تولون متوشحين بوشاح المذلة والخسران. وخير دليل علي رهانكم الخاسر هو ما
شاهدته بأم عيني من الحشود الكبيرة من أهل البحرين بجميع مكوناتهم وطوائفهم
المتوجهة إلى مأتم الحجة بالمحرق لتقديم واجب العزاء إلى أهل الحداد، ما
جعلني أقول ان البحرين بخير وان المحرق بخير. لقد تجاوزوا والحمد لله ما
كان يدبر لهم في غفلة منهم.

لقد سبق أن حذّرنا من انفلات عقال اللحمة
الوطنية في المحرق، بسبب إدخال أجنحة راديكالية من هذا الفريق أو ذاك
مدينة المحرق في حساباتهم السياسية، ونقول لهم هذه المرة بل ونحذّرهم
وبأعلى صوتنا أن المحرق الشماء ليست قابلة للقسمة على اثنين، وأن المحرق
الشماء ليست كأي مدينة في البحرين لأن البحرين بكل مكوناتها تتجسد في
المحرق قلباً وقالباً. كما نقول لمن يملك نواصي الأمور وهم أولو الأمر: لا
تدعوا المتطرفين يتلاعبون بمشاعر أهل المحرق، لا تتفرجوا على ما يقوم به
الراديكاليون المتطرفون من نشر الفتنة والكراهية. لا تصفقوا وتهللوا
لأعمالهم الدنيئة فمن يلعب بالنار تحرق أصابعه كما يقول التاريخ. فإن
اشتعلت شرارة المواجهات في المحرق تحترق البحرين عن بكرة أبيها، والمشهد
العراقي واللبناني مؤخراً حاضر أمامكم ولن تنفع بعد ذلك حساباتكم.

إنني
أطالب رجال المحرق الأوفياء والمخلصين لبلدهم ومدينتهم بألا يتفرجوا على
خراب مدينتهم وذلك بأن يأخذوا زمام المبادرة ويسحبوا البساط من تحت أقدام
المحرّضين والموتورين ممن أطلقت عليهم «البطاقات المدفوعة الأجر»، ممن
أسموا أنفسهم بالنشطاء وهم في الحقيقة أقزام، وألا يدعوهم يأخذون مدينتنا
إلى المجهول. ألا من تحرك سريع يا رجال المحرق لإعادة اللحمة الوطنية إلى
فرجان المحرق وأهلها؟

إن على العقلاء من هذا الفريق أو ذاك أن يلجموا
الأجنحة الراديكالية المتطرفة، فأهل البحرين وبعد أكثر من سنة ونصف على
الأزمة الطاحنة يقولون: كفاكم لعباً بأهل البحرين. وإلى متى الاستمرار في
منح الضوء الأخضر للأجنحة الراديكالية المتطرفة لكي تتسيّد الملعب السياسي؟
أما حان الوقت وبعد هذه التضحيات الجسام التي قدّمها ولايزال يقدّمها
الشعب البحريني العظيم منذ عشرينيات القرن الماضي، أن نقف وقفة إنصاف
وعدالة مع أنفسنا وننصف هذا الشعب الأبي الصبور على المحن وشظف العيش؟ أما
حان الوقت لإيقاف نزيف الدم ونزيف الاقتصاد الوطني؟ أما حان الوقت لأن
نتصالح ونعترف بأخطائنا؟ ألم يعترف النظام السياسي في استراليا بعد مئات
السنين بما ارتكبوه من جرائم بحق أهل أستراليا الأصليين ويعتذروا لهم؟
لماذا هذا الكبرياء؟ وعلى من تتكبّرون يا مختلف الفرقاء؟ … على الوطن؟!
ألا تعلمون بأن الوطن يعلو على الجميع؟

وليعترف كل الفرقاء السياسيين
بأخطائهم التي اقترفوها بحق الشعب البحريني وليعتذروا له. ألا يستحق هذا
الشعب البطل الصامد المحتسب الاعتذار؟ ألا يستحق دم ابن البحرين حسام
الحداد ودماء من قتلوا قبله من هذا الفريق أو ذاك، ألا تستحق عين «ولدنه»
أحمد النهام ذي الأربعة ربيعاً أن نجلس على طاولة واحدة ونتحاور بما يرضي
الله وبما يرضي شعب البحرين؟ هل أصبحت دماء أبنائنا وأعينهم رخيصة إلى هذا
الحد؟ هل أصبح الشعب البحريني هو آخر ما نفكر فيه؟ فمن يرفع الشراع؟!

عيسى سيار

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

“أخونة” الدولة العربية

إذا
صح السيناريو الذي يتصوره المحلل المخضرم محمد حسنين هيكل لمستقبل الوضع
العربي، انطلاقاً من رؤيته لآفاق التطورات الجارية في مصر والعالم العربي،
ومن معطيات ومصادر غربية موثوقة، إما على هيئة مراكز أبحاث ورسم
سيناريوهات، وإما على هيئة صُنّاع قرار، فإنه يمكن القول إن الدول العربية
ذاهبة نحو “الأخونة”، أي بمعنى هيمنة الإسلام السياسي، والتنظيم الدولي
للإخوان المسلمين خاصة، على أركانها، وهذا يؤشر إلى أفول مرحلة “عسكرة” هذه
الدول، بمعنى هيمنة العسكر عليها . وإذا ما استثنينا الحالة الخاصة لدول
مجلس التعاون الخليجي، يمكننا القول إن هذا أمر طبع الحياة السياسية في
العالم العربي مشرقاً ومغرباً طوال العقود الماضية، ويمكن تعداد الأمثلة:
مصر، سوريا، العراق، السودان، اليمن، الجزائر، ليبيا، وإلى حدٍ ما تونس .
ومن يتابع مجريات الأحداث في أول بلدين عربيين تغير فيهما نظام الحكم،
وتمكن الإخوان المسلمون من الصعود إلى السلطة فيهما، أي تونس ومصر، سيلحظ
الشبق الطاغي للسلطة لدى القوة الصاعدة التي لم تعد تكترث بالمكونات الأخرى
للمجتمع . لنتذكر هنا الجدل الدائر في مصر عن مساعي الإخوان إلى الإمساك
بمفاصل الدولة المصرية، ولنتذكر الشكوى التي تضجّ بها القوى المعارضة في
تونس لحزب النهضة الحاكم، وهي شكوى طالت، فيمن طالت، حزب رئيس الجمهورية
المنصف المرزوقي، حليف النهضة في البرلمان وفي الحكم، الذي عبّر في الخطاب
الذي ألقي باسمه في مؤتمر حزبه الأخير، عن امتعاضه من اندفاع النهضة نحو
مصادرة كامل الفضاء السياسي والإعلامي في البلاد . ممثلو” الإخوان”
ومناصروهم حين يتحدثون في البرامج الحوارية على الفضائيات العربية لا
يلجأون إلى مداراة الأمر، حين توجه إليهم أسئلة عنه، بل يذهبون صراحة إلى
القول إن من حق تنظيمهم مادام فاز في الانتخابات، أن يعيد بناء أجهزة
الدولة بما يتوافق والهوى السياسي والحزبي المهيمن، وهو الأمر الذي لا نجد
له مثيلاً في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية التي تشهد تناوباً دورياً
على السلطة بين الأحزاب الكبرى، أو بين الائتلافات الحزبية، كأن “الإخوان”
على عجلة من أمرهم في اقتناص هذه اللحظة التاريخية التي لم تؤاتهم إلا
بترتيب غربي – أمريكي بالدرجة الأولى . ولعل هذا ما لاحظه هيكل حين قال إن
نشوة “الإخوان” بالاعتراف الغربي بهم منعتهم من التبصر في عواقب ما
يفعلونه، إن هم مضوا قدماً في مشروع “أخونة” الدولة الذي يراد له أن يقابل
ترتيباً أمريكياً سابقاً ومستمراً بتمكين “حزب الدعوة” الشيعي في العراق،
وأخذاً في الاعتبار العامل الإيراني، فعلينا توقع أي منزلق يراد للمنطقة أن
تذهب إليه .

أياً
كان تقييمنا لحصاد الدولة القطرية العربية بعد الاستقلال التي هيمن عليها
العسكر، فإن الطابع “العلماني” لها حمى النسيج الوطني، ولو إلى حدود، من
التمزق والتفتيت، وفي حال المضي في مشروع الدولة الدينية الذي تتضح معالمه
أكثر فأكثر، فإن السجال القادم لن يكون بين العلمانيين وخصومهم، فذاك سجال
صحي ويمكن أن يكون خلاقاً، وإنما بين ممثلي الهويات الدينية والمذهبية
المختلفة، ما يعيد العالم العربي القهقرى، ويعطي “إسرائيل” الهدية الذهبية
التي تنتظرها: إغراق العرب في نزاعاتهم المذهبية، وتكريس هيمنتها المطلقة،
وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية .

اقرأ المزيد

حقيقة التسهيل الكمي




يعجب
المرء من الجهد الخارق الذي تبذله مجموعة من الاقتصاديين الأمريكيين
والأوروبيين من أجل تقديم المبررات والمسوغات “لآخر ابتكار” تفتقت عنه عقول
مصممي ومديري السياسات النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا . .
ألا وهو ما يسمى ب “التسهيل الكمي” .


يكتب
أحدهم في الفايننشال تايمز (مارتن وولف) رافضاً الاعتراضات على قيام مصرف
انجلترا (المركزي) بزيادة ميزانيته بواقع أربعة أضعاف منذ أغسطس/آب 2007
إلى ما يقرب من 350 مليار جنيه إسترليني باستخدام “التسهيل الكمي”، بأن
التهديد يتمثل في الانكماش وليس في التضخم المفرط، وفي تعليقه على اعتراض
الاقتصاديين الملتزمين بالأساسيات الاقتصادية على تفعيل سلطة الدولة من أجل
طباعة وإصدار نقود عن طريق المصرف المركزي واستخدام السلطة لهذا الامتياز
الحصري بأسلوب غير مسؤول، اكتفى بالقول إن الدولة مازالت تحتفظ بالحق في
خلق النقود لمصلحة الجمهور . وفي رده على المعترضين بالقول إن مثل هذا
الاستخدام المتعسف لسلطة الدولة المالية يتعدى الحدود السليمة للدولة، لا
يعدو كما يزعم أن يكون منسجماً مع الوظيفة الطبيعية للدولة ولنظامها المالي
في طباعة النقود وإصدارها وطرحها في التداول أو في أن تستبدل بها
مديونياتها لدى الجمهور والمصارف التجارية من أجل مدهما بالسيولة التي
يحتاجونها!


وهذا
رأي فيه الكثير من التسطيح والكثير من الاستخفاف بالمعادلات النقدية
(لاسيما معادلات العرض النقدي المعروفة) وقبلها أساسيات العلاقة الضبطية
بين النقد وبين الاقتصاد متمثلاً في معروض السلع والخدمات .


وهنالك
العديد من الآراء الاقتصادية التي تذهب في ذات الاتجاه والتي ترتكز على
خلفيات أيديولوجية تتصل بالدفاع المبدئي بالحق أو بالباطل عن تعديات
وانتهاكات رأس المال لضوابط وقوانين السوق التي تشكل بوتقة النظام
الرأسمالي، أكثر منها اجتهادات اقتصادية ذات مصداقية وواقعية .


الآن
ما هو التسهيل الكمي الذي كَثُر الحديث عنه هذه الأيام على ألسنة كبار
مسؤولي السلطات النقدية الأمريكية والأوروبية وبمعيتهم عدد لا يستهان به من
الأصوات الإعلامية المساندة لهم؟


هو
في الواقع حيلة “جديدة” نسبياً كان قد عرضها في عام 1994 الاقتصادي
البريطاني الدكتور ريتشارد فيرنر خلال جلسة مداولات مستثمري المؤسسات في
طوكيو، باعتبارها شكلاً جديداً لسياسة نقدية تحفيزية من البنك المركزي .
أما الحقيقة فهي أن هذا “التسهيل الكمي” ما هو في الواقع سوى قيام البنك
المركزي من أجل مساعدة وإنقاذ البنوك والشركات من الإعسارات والإفلاسات
المالية وإعطاء حقنة منشطة للاقتصاد، بشراء ما بحوزتهم من أوراق مالية
(سندات خزينة حكومية وضمانات مالية حكومية) جامدة أو ميتة بالمعنى
الاقتصادي بسبب طول أمد حلول مواعيد استحقاق تحصيل قيمتها من قبل مُصدرها
وهو هنا الحكومة – شرائها بأموال نقدية تمكن هذه البنوك والشركات من الحصول
على السيولة اللازمة لتنشيط عملياتها الإقراضية وبالتالي تنشيط حركة السوق
.


والسؤال
الآن: ومن أين يأتي البنك المركزي بهذه الأموال، وهي ذات أرقام فلكية، كما
هو الحال في عمليات التسهيل الكمي التي نفذها على سبيل المثال لا الحصر
الاحتياطي الفدرالي الأمريكي على مدى الشهور الأربعين الماضية والتي وصل
إجماليها إلى نحو 8 .1 تريليون دولار (لوح رئيس الاحتياطي الفدرالي
الأمريكي بن برنانكي في السابع عشر من يوليو/تموز 2012 إلى استعداد واشنطن
لإعطاء الجرعة الثالثة من التسهيل الكمي لتعزيز انتعاش الاقتصاد الأمريكي
الذي لم تفلح معه حزم التحفيز المالي على ما هو ظاهر من مؤشر البطالة
المستهدف والتحسن المتواضع لسوق العقار، واقتراب موعد رفع الضرائب بداية
العام المقبل وخفض الإنفاق الحكومي) .


والجواب
هو من المطبعة الحكومية التي لا تقابلها أية احتياطيات نقدية أو ذهبية أو
أي نوع من أنوع الأصول أو إنتاج سلعي له قيمة اسعمالية وتداولية .


إنه
(التسهيل الكمي) مرحلة أخرى متقدمة على المرحلة التي تصل فيها قدرة الدولة
على مقابلة تخطي مصروفاتها لإجمالي إيراداتها في الموازنة، فتلجأ حينها
لتغطية هذا الفارق (العجز) بالاقتراض (حسبما ينصح الكينزيون بذلك لتنشيط
الاقتصاد وخفض البطالة) . في المرحلة الأولى التي يطلق عليها التمويل
العجزي أو التمويل بالعجز هنالك خصوم في صورة سندات حكومية على الأرجح،
واجبة السداد في مواعيد استحقاقها ومضمونة بالقوة السيادية الاقتصادية
للدولة . وأما في المرحلة الثانية من الإعسار المالي، وهي مرحلة التسهيل
الكمي، فإن الحكومة ممثلة في سلطتها النقدية (البنك المركزي) تبادر إلى
شراء الأصول المستندية لدى البنوك والشركات المعسرة لمدها بالسيولة التي
تمكنها من إنعاش عملياتها المالية بمد رواد السوق بالسيولة التي يحتاجونها .
فهي بهذا المعنى تشبه الحالة التي يلجأ إليها حامل الكمبيالة المعسر
مالياً إلى البنك أو إلى صيرفي أو تاجر آخر مقتدر لتحويل قيمة استحقاقها
(قيمة استحقاق الكمبيالة) باسمه أي تظهيرها بالمفهوم التجاري مقابل الحصول
على سعر الخصم لهذه الكمبيالة الذي يقل عن سعرها الاسمي والذي سيحصل عليه
بالكامل في هذه الحالة حامل الكمبيالة الجديد مكافأة له على انتظار موعد
استحقاقها .


على
أية حال، فإن السحب على المكشوف (عندما يسمح البنك لزبونه بأن يتجاوز في
سحوباته النقدية رصيده المودع لدى البنك)، أو ما يسمى تلطيفاً أو تضليلاً
“التسهيل الكمي”، هو إجراء متوقع في ضوء استنفاد الدول المأزومة مالياً
كافة أدواتها المالية (الضرائب تخصيصاً) وأدواتها النقدية (سعر صرف العملة
الوطنية وسعر الفائدة المصرفية تخصيصاً)، “فآخر العلاج الكي” كما يقول
المثل . فإنعاش الاقتصاد بالحزم المالية بالاستثمار الحكومي الضخم في
البنية الأساسية إجراء يمكن القيام به لمرة واحدة وينتهي مفعوله، وخفض سعر
الفائدة المصرفية لتحفيز الطلب على القروض قد وصل إلى الحضيض (يقارب صفر في
المئة) فتوقف عن أن يكون أداة جاهزة للاستخدام .


ومن
المفترض أن تؤدي عمليات التسهيل الكمي التي بدأتها الولايات المتحدة
وتبعتها بريطانيا وحتى البنك المركزي الأوروبي، إلى حدوث تضخم مفرط، وهذا
متوقع على أية حال لولا أن الثقة في الاقتصاد الأمريكي وعملتها الخضراء
أصبحت أكثر التصاقاً ب ال 11 حاملة طائرات و92 غواصة و24 فرقاطة ومئات
السفن والبوارج الحربية، فضلاً عن القوة الصاروخية الضاربة والقواعد
الأمريكية المنتشرة على امتداد الكرة الأرضية التي توفر الدعم اللوجستي
للشركات والمصالح الأمريكية أكثر التصاقاً بهذه القدرات من استنادها إلى
الأرصدة الذهبية والنقدية ومخزون الثروات والطاقات الإنتاجية للبلاد .

اقرأ المزيد

بين فم الحكيم وقلب الأحمق في أقوال «ش.د» – مريم الشروقي

«قلب الأحمق في فمه، وفم الحكيم في قلبه»! حكمة تحتاج إلى تمعّن وإلى
عقول تفقه ما وراءها، فقلب الأحمق في فمه، لأنّه كثير الثرثرة قليل
التفكير، تخرج الكلمات منه من دون أن تُحسب في ميزانه، حتى إذا اشتعلت
النار، قال: يا ليت فمي كان في قلبي، فأصبحُ حكيماً أسمعُ وانتبه وأعقلُ
قبل أن أصيب أحداً.

الوجيه الشيخ «ش.د» زاد حمقاً في حسابه على موقع
التواصل «تويتر»، إذ لم ينتبه إلى قوّة الكلمة وخطورتها أمام العالم، بل
ألقاها جزافاً، ولا نعلم نيّته، فقد تكون لكسب الحسنات، لأنّ باعتقاده أن
«الرافضة» لن يدخلوا الجنّة، وقد تكون زيادة رقعة قارئيه، لأنّ المنطقة
مشتعلة بالكره والحقد والبغضاء.

لابد له أن يعي هذا وغيره من
المؤجّجين، بأنّ الحكمة هي أساس الخلق، وكانت من ضمن المبادئ التي اشتهر
بها «لقمان»، وهي لا تتأتّى عند الثرثارين بل تدخل قلوب الحكماء، الذين
يفقهون قبل أن تفتح الأفواه بما سيتحدّثون به.

للأسف هناك من عوّل
على كلام الشيخ بأنّ «الخطر الصفوي» هو ما دعاه إلى ذلك، ومهما برّر
المغرضون فإنّهم لا يستطيعون التصدّي للعقول النيّرة التي تعقل بقلبها قبل
أي شيء، وما يخالف قانون البشرية لا تجده عندها بمثقال!

وهناك من
دافع عنه لغرض خبيث في نفسه، فإمّا علّق على شكل من عارض «ش.د»، وهذا
بالطبع حيلة الضعيف عندما يلتفت إلى نقد المرسِل ولا يلتفت إلى نقد
الرسالة، فيشخصن القضايا، جهلاً منه وظنّا بأنّها مدعاة إلى غضب المرسِل،
وهيهات يغضب المرسِل أو يرد الصاع صاعين، إذا كانت نيّته الرسالة لا
المرسل.

قيل عن أحد المدافعين عن «ش.د» ممّن استمات غيظاً، حتى وجدنا
العرق يتصبّب عبر تغريداته، بأنّه «بو كحلة»، ونحن لا نرضى على الأخ «بو
كحلة» ولا غيره، بأنّ يتم وصمهم على أساس أشكالهم أو شخوصهم، فما يهمّنا هي
الرسالة فقط، وما يقومون به في وضح النهار أو حلك الليل، ما هي إلاّ أمور
تخصّهم، بينهم وبين ربّهم لا شأن لنا بها، ولكن شأننا التصدّي لتغريداتهم
المدمّرة لوطننا.

ندعو الجميع إلى الانتباه من خطورة ما كتبه السيد
«ش.د»، وأثره على المجتمع البحريني، ووجب على من لديه الأمر الرد والرفض
المطلق على دعاة التضليل وناشري الكراهية والفتن في بحريننا، إذ إنّ الفتنة
لا تخمدها إلاّ القلوب النظيفة النيّرة، وليست الخبيثة المظلمة.

لنتمعّن
جيداً في الحكمة التي كتبناها آنفاً، فهي مهمّة جداً لمن يثرثر ويقلب
الموازين، ويستخف بعقائد الناس وبأصولهم، ويحاول أن يشتريها بماله، ونحن في
النهاية لسنا أفضل من أحد، بل إنّنا نحاول أن نكون بشراً نخطئ ونصيب
ونستغفر. إنها حال الدنيا التي لا حال لها اليوم في ظل المتأسلمين، الذين
لا يفقهون من دينهم إلا القشور، ومحاربة من لا يناسب فكرهم الرديء.

مريم الشروقي


صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

الأمين العام لـ «المنبــر الديمقراطـــي» في لقاء مع «الوسط»: يؤكد أن «التقدمــــي» مستهـدفٌ من عدة جهات… وقوى في مواقع النفوذ داخل وخارج السلطة لا تريد حلاً…


اتهم الأمين العام لجمعية «المنبر الديمقراطي التقدمي» عبدالنبي سلمان، من أسماهم بـ«القوى في مواقع النفوذ والتأثير داخل وخارج السلطة»، بالحيلولة دون إيجاد حلول سياسية لما تمر به البلاد، مبدياً في الوقت نفسه رفضه لما وصفها بـ«مشروعات العلاقات العامة» التي تعتمد على لغة شعاراتية، وعرض للنوايا، ومغازلة الرأي العام الخارجي في إطار البحث عن حل سياسي.
 
وفي مقابلة أجرتها معه «الوسط»، أكد سلمان أن جمعية المنبر الديمقراطي مستهدفة من قبل عدة جهات، إلا أن كوادر التقدمي وقيادته تعي جيداً ما يدور من حولها، على حد قوله، مؤكداً أن علاقة جمعيته بالقوى السياسية لم ولن تنقطع.
 
وفيما يأتي نص المقابلة:
 
بعد مرور أكثر من 18 شهراً على اندلاع الأحداث في البحرين، لا زال جزء من الشارع البحريني يرى أن المعارضة هي من تتسبب في تأزيم الأوضاع التي تشهدها البلاد، فما ردك على ذلك؟
 
– حتى نفهم كيف تسنى لشريحة مهمة من الشارع البحريني أن تستوعب الأوضاع بهذه الصورة المقلوبة أو لنقل المبالغ في ارتداداتها، علينا أن نتأمل قليلاً في مسببات ذلك، وخصوصاً الأجواء التي أحاطت بالحراك الشعبي، وطبيعة القوى المساهمة فيه، وكذلك الاصطفافات التي أحدثتها وطأة الأزمة على الجميع من دون استثناء.
 
ولكن قبل ذلك علينا أن نفهم أن إطلاق يد قوات الأمن بصورة مبالغ فيها، وما رافق ذلك من الخسائر والمكابدات الاجتماعية التي للأسف لم تتوقف حتى اللحظة، وما قامت به بعض وسائل الإعلام في قلب الكثير من الحقائق، وتصوير الحراك المطلبي المشروع على أنه مجرد مؤامرة خارجية أو تدخل خارجي واستقواء بالخارج، وهذا أمر لازالت فصوله تتوالى حتى اللحظة في تزوير سافر للحقائق والتاريخ ومحاولة القفز أو الهروب بعيداً.
 
وطبيعي أن نفهم أن حراكاً بهذا الحجم لا بد وأن رافقته أخطاء كما رافقته نجاحات أيضاً، ونحن في المنبر التقدمي عايشنا الأوضاع السياسية عن قرب مع بقية القوى السياسية المعارضة، وكانت لنا صولات وجولات مع قوى ما يعرف بالموالاة أو القريبة من مواقع القرار، وحاولنا بكل طاقاتنا، ولا زلنا، التأثير بشكل إيجابي لخلق حالة من التوافق الوطني، واستثمرنا وجودنا المسئول والمطلوب في خضم هذا الحراك الجماهيري للمساعدة مع بقية المخلصين في حوارات واجتماعات امتدت لساعات وأيام.
 
وكنا في كل حراكنا نتلمس حجم المسئولية الملقاة على عاتقنا ربما بدرجة أكبر، نظراً لطبيعة تكويننا كحزب وتوجه سياسي، علاوة على دورنا التاريخي في الحركة الوطنية.
 
لكن علينا أن نقول بوضوح إنه كانت هناك قوى في مواقع النفوذ والتأثير داخل وخارج السلطة لا تريد حلاً، إذ لا تلتقي مصالحها مع التوجهات التي من شأنها أن تساعد البلد والناس على العبور نحو المستقبل بأمان، لبناء دولة ذات أفق وطني ونهج راسخ، وهي ذات القوى التي أعاقت أي نوع من الحوار، واشتغلت على تهويل الأوضاع، وأوصلت الوطن والناس لحالة من التشظي والانقسام والخوف من الآخر من دون مبررات موضوعية. وساعدها في ذلك الإعلام الرسمي وشبه الرسمي الذي لم ولن يُنسى له أبداً دوره التاريخي المسيء في ضرب اللحمة الوطنية.
 
ومع هكذا وضع، لا غرابة أن نجد أن هناك من يريد أن يصدِّق كل القصص والفبركات التي فندتها الحقائق على الأرض، كما فندها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وفندتها جلسات المحاكمات وأقوال الشهود ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ولم يصدقها العالم.
 
ورغم ذلك لا زال هناك من ينفخ في تلك الحالة التي تبعث باستمرار لتغذي عوامل الخصومة والتناحر الاجتماعي، وهنا تكمن مسئولية الدولة التي نجد أنه أصبح لزاماً عليها أن توقف كل ذلك، لمصلحة ومستقبل البحرين.
 
فلا يمكن للقوى السياسية الفاعلة في المعارضة والمجتمع أن تعمل وتفعِّل دورها في ظل استمرار حالة التشفي والخصومة والإقصاء والفصل والتخوين. كما أن الدول لا يشيِّدها مزاج الانتقام، بل الاعتراف بالمشكلة أولاً ومن ثم العمل على مواجهة المصاعب وتفهم طبيعة الصراع وأسبابه، وبالتالي وضع الحلول لذلك قبل أن تستفحل الأمور إلى ما هو أكبر.
 
وهل ترى أن ذلك أدى إلى انعكاس على حدة الفرز الطائفي في البحرين؟
 
– هناك عدة اعتبارات يمكن من خلالها فهم الوضع الطائفي وأسباب تفاقم الحالة الطائفية. ونعتقد أن الحالة الطائفية الراهنة في البحرين ليست وليدة الأزمة، وتداخلت فيها عوامل عدة منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فلقد ثبت أن اللعب بالورقة الطائفية هو الخيار المتاح لدى من يعملون على حرف بوصلة النضال الوطني والمطالب المشروعة لشعبنا، ومن لا يستطيعون التعايش حتى مع أدنى التوجهات الديمقراطية.
 
على أن التماسك الداخلي للمجتمع البحريني ظل على الدوام عقبة أمام هؤلاء، إلا أنه بالمقابل بقي في عقل ونظر ونهج القوى الوطنية البعيدة عن الطرح الطائفي التي حمت البحرين عبر برامجها ونهجها طيلة العقود الماضية من حالة التنافر الطائفي، رغم محاولات الاستعمار المستمرة والقوى المتعاونة معه والمستفيدة منه.
 
ومع هكذا أوضاع نحن نعايش عملية صراع اجتماعي حقيقي يراد له أن يكون عنوة بين طوائف ومكونات مجتمعنا. وبكل أسف أضحى وضعنا الداخلي محتقناً، وفي إطار وضع إقليمي يدفع باتجاه مزيد من الفرز الطائفي.
 
وفي مثل هذا الوضع يتم عادة توظيف عوامل مثل المذهبية والطائفية، ويسخّر الإعلام والمال السياسي من دون خجل وبقوة، لتحقيق أجنداته المعلنة وغير المعلنة، والتي تلتقي بالضرورة مع أهداف سياسية لدول وفئات وطوائف لا تستطيع إلا أن تعيش على هكذا حالة من التناحر والتمزق،  تحقيقاً لأجنداتها تلك.
 
وبالنسبة لنا في البحرين يبقى التماسك الاجتماعي لمجتمعنا البحريني حالة ملحة وأولوية يجب أن تشتغل عليها القوى الوطنية المخلصة، وأن تلتفت لها الدولة بإخلاص ومسئولية. فوحدتنا الوطنية هي ضمانة الاستقرار الاجتماعي والسياسي للحاضر والمستقبل. ونرى أنها يجب أن ترتبط بتوافقات سياسية واجتماعية ملزمة للجميع، وعلى الأرض، من أجل خلق حالة التوازن الاجتماعي المنشود الذي يجب أن يدفع باتجاه تعزيز عوامل الثقة بين الدولة والمجتمع، وبين مكونات المجتمع مع بعضها.
 
ويجب أن لا يستنكف أحد أبداً من حالة التنوع الاجتماعي والإثني أو العرقي التي ميزت مجتمعنا البحريني ضمن إطار روح وجوهر القانون المنظم لذلك بالطبع. فالتنوع الذي يحظى به مجتمعنا البحريني هو تنوع محمود بلا شك، طالما حكمته ضوابط معلومة، ومتفق عليها مجتمعياً.
 
وأعتقد أن الوقت لم يفت بعد لتتدارك الدولة وبعض قوى المجتمع أخطاءهم للخروج بالمجتمع من حالة الاحتقان الطائفي هذه إلى رحابة الوئام الاجتماعي.
 
ولكن يجب بداية لجم الإعلام الرسمي والأهلي والتوقف عن النفخ في تلك الحالة الطائفية، والتي تتناقض مع طموحات شعبنا في الاستقرار والانسجام الاجتماعي، كما تتناقض مع جملة الشعارات المعلنة رسمياً وشعبياً، على أن تلعب الدولة الدور الأكبر في هذا المجال.
 
أما الاستمرار في الاستسلام لخطاب الطائفيين من دعاة ومأزومين وكتبة وأنصاف مثقفين ممن يعتاشون كالفطر السام على الانغماس في الطائفية، وجر مجتمعنا عنوة إليها، فنحن نقول بوضوح إن هؤلاء لا يستطيعون أن يسهموا في بناء بلد حضاري يرتقي بكل أهل البحرين المتسامحين الطيبين.
 
لكن أين هو إسهام قوى المعارضة الوطنية اتجاه هذا الوضع الطائفي؟
 
– في ظل تعاظم الوضع الطائفي القائم لا تمتلك القوى الوطنية والديمقراطية سوى أدوات محدودة بكل أسف، نظراً لمحاصرتها وضربها وتعمد تحجيم دورها، ومنذ سنوات.
 
وهذا ما يسمح للحالة الطائفية بالتمدد بكل أسف، فنحن ندين باستمرار عمليات الشحن الطائفي المقيتة، ونرفض الفرز الطائفي الممنهج، وكافة مظاهر التمييز، ومحاربة الناس في أرزاقهم أو فصلهم على الهوية، ووقف أو حرمان أبناء وبنات البحرين من البعثات والتوظيف والترقي والتعيينات في مختلف الأجهزة الرسمية، والكثير من مؤسسات القطاع الخاص. ونجد أن لكل ذلك انعكاسات سلبية خطيرة بالنسبة للوضع الطائفي، وبالتالي اللجوء للتمترس في حدود الطوائف.
 
وهذه الحالة مرشحة لأن تتداعى بصورة أكبر في المستقبل بالنسبة للوضعين الاجتماعي والاقتصادي، وعلى مسار التنمية وحالة الاستقرار السياسي بشكل عام، إن تركت هكذا تتمدد دون تدخل الدولة السريع وتدخل جمعيات ورجالات وشخصيات البلد.
 
وبالنسبة لنا في «التقدمي» والتيار الوطني الديمقراطي نحاول جاهدين عبر ما نطرحه من مبادرات، ونوظف ما نملك من إمكانيات متواضعة، سواء عن طريق بياناتنا وندواتنا وفعالياتنا المشتركة أو على مستوى الجمعية الواحدة، وفي لقاءاتنا مع المسئولين أن نحذر من مخاطر هكذا نهج، علاوة على ما تشيعه كوادرنا ومنتسبونا وأصدقاؤنا من حالة مطلوبة من الوعي المجتمعي بتلك المخاطر.
 
وهنا يجب أن أذكِّر بأن أبسط الأدوات المتاحة لقوى المعارضة مثل النشرات الإعلامية التي من خلالها نخاطب الجمهور، قد أوقفت عنوة قبل أحداث فبراير/ شباط 2011 وحتى الآن، فكيف إذن للمعارضة أن تعمل على تصحيح هكذا انحرافات، وذلك في ظل سطوة وإصرار الإعلام الرسمي وشبه الرسمي على زيادة الشق بين أبناء الوطن الواحد، ومن دون أدنى مسئولية؟
 
كيف تسير الأمور على الجانب السياسي، وهل من أفق لحلحلة الأوضاع في البحرين؟
 
– الوضع السياسي الراهن لا يشي بالكثير في ظل المعطيات المتاحة، ولا توجد حسب علمنا أي بوادر للحل السياسي في الوقت الراهن. ونعلم أن هناك محاولات خجولة بل ومترددة من هنا وهناك يقوم بها وسطاء، وهي لا تعدو كونها محاولات لاستشفاف الأوضاع ليس إلا. كما أنها لا تأخذ طابع الجدية في الوقت الراهن. ونحن في المنبر الديمقراطي التقدمي يهمنا أن نسهم من موقعنا بدور أكثر إيجابية للدفع بعملية الإصلاح السياسي الشامل والحقيقي، ونعتقد جازمين برغبة كل المخلصين في ذلك، شريطة أن تطرح الدولة مبادرة للحل السياسي الشامل، فهي التي يجب أن تتحمل المسئولية الأكبر. وعبر تواصلنا الذي بدأناه مع الجميع في المعارضة والدولة وحتى جمعيات «الموالاة» إن صح التعبير، نسعى لخلق حالة إيجابية تدفع بحل سياسي وطني توافقي.
 
ونعتقد أن ذلك أمراً ممكناً، شريطة أن لا تتجه الدولة مجدداً لمحاولة اللجوء لحوار الطوائف كما كان عليه الوضع سابقاً، والذي لم ولن ينتج شيئاً، فقد جربته البحرين كثيراً إلا أنه أنتج علقماً، علينا الآن أن نتذوق مرارته على شكل تراجعات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية مريعة لا نود أن يعود إليها مجتمعنا مرة أخرى، ونعتقد أن الحل المطلوب يجب أن يكون حلاً سياسياً وطنياً وحقيقياً بامتياز، بحيث يأتي عبر مبادرة واضحة المعالم والأهداف وذات سقف زمني معلوم وملزم، بحيث تخرج البحرين وشعبها مجدداً إلى بر الأمان.
 
وفي هذا المجال على الدولة أن لا تتردد في المبادرة إلى تعزيز وإشاعة عوامل الثقة عبر خلق حالة من الحراك الإيجابي، تتمثل في سرعة إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين وإنهاء المحاكمات وسرعة استكمال ملف عودة المفصولين من أطباء وممرضين ومعلمين وعمال وطلبة جامعات وغيرهم، والتطبيق الأمين والصادق لتوصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، والبدء في التنفيذ العملي لتوصيات جنيف، ورد الاعتبار لكل من انتهكت حقوقهم أو عذبوا أو استشهدوا أو أصيبوا أو تضررت أسرهم وممتلكاتهم، بمعنى طرح مشروع متكامل للإنصاف والعدالة الانتقالية.
 
وهناك تجارب ناجحة في المغرب وايرلندا وجنوب إفريقيا، يمكن الاستعانة بها في هذا الإطار، مع ضرورة إلغاء كافة مظاهر التمييز القائمة التي ظهرت وستظهر للعيان نتائجها الوخيمة على مختلف مناحي الحياة، والشروع في بناء مؤسسات الدولة وهياكلها على أسس وطنية صرفة.
 
وأكاد أجزم أنه في حال أقدمت الدولة على تلك المبادرات بمسئولية، فإن الباب سيفتح واسعاً للدخول في مبادرة للحل السياسي، وأكاد أقول أيضاً إن قوى المعارضة السياسية ستكون على استعداد أكبر للحوار الجاد والحقيقي، وتمتلك من بعد النظر والموضوعية والمرونة المسئولة ما يؤهلها لإنجاح الحوار المنتظر.
 
وقد أوضحنا ذلك وبكثير من التفاصيل خلال لقائنا الأخير مع وزير العدل، وقلنا أننا لا نعول أبداً على الحلول المبتسرة أو تطييب الخواطر ومشروعات العلاقات العامة أو حتى تلك المفروضة من الخارج.
 
فالحلول المطلوبة يجب أن يتوافق حولها شعب البحرين بكل مكوناته، ولابد منها حتى نستعيد بلدنا ونعيد لشعبنا لحمته ولقواه السياسية دورها في تنظيم الجماهير وقيادتها، وبالتالي الإسهام في صياغة القرار الوطني، والأهم أن تستعيد الدولة هيبتها عبر التطبيق العادل والمسئول للقانون، الذي يجب أن لا يغفل عامل المساءلة والمحاسبة لكل من اقترفوا جرائم بحق شعبنا، وهذا الأمر بات أمراً يطالب فيه حتى حلفاء البحرين السياسيون أسوة بقوى المعارضة السياسية في البحرين، وهو أمر لا يمكن تأجيله فهو يدخل ضمن مشروع استعادة الثقة بين الدولة والشعب.
 
ماذا تعني بـ«مشروعات العلاقات العامة»؟
 
– أقصد أن الحل الوطني المنشود والشامل يجب أن لا يستند على لغة شعاراتية وعرض للنوايا ومغازلة الرأي العام الخارجي، بقدر كونه مشروعاً حقيقياً قابلاً للتطبيق على الأرض، بحيث يكون ملزماً، وله سقف وآليات تنفيذ ومتابعة، فقد سئمنا من تلك الشعارات التي لا تنتج شيئاً، ونحتاج أن نتلمس الجدية في الطرح والتنفيذ وأدوات المساءلة، فمشروعات العلاقات العامة ربما تمطط الزمن، لكنها لا تنتج حلولاً حقيقية يتأملها الناس.
 
وطبعاً لكل ذلك التمطيط وتلك المراوحة أثمانها وكلفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي لم تعد بلادنا قادرة على دفعها. وفي متناول مؤسسة الحكم مبادرة ولي العهد التي حظيت بحالة إجماع من قبل جميع الأطراف منذ مطلع مارس/آذار 2011.
 
ما هي تفاصيل لقائكم الأخير بوزير العدل؟
 
– الوزير التقى عدداً من الجمعيات التي لم تعلن أسماؤها، كما التقى لاحقاً بجمعيات المعارضة، وهو في حقيقة الأمر لا يطرح مشروعاً للحوار بقدر ما يحاول أن يستشف الرؤى للتوصل إلى كيفية الدفع باتجاه تحقيق مدخل للحل المنتظر.
 
وقد تحدثنا معه بشفافية ووضوح، وأكدنا على ضرورة وجود مشروع واضح المعالم تطرحه الدولة، له سقف زمني وأهداف مرسومة تساعد في الخروج من الوضع الراهن.
 
وقلنا بصريح العبارة أن الاعتماد على الحل الأمني أثبت فشلاً ذريعاً، وأن الاستمرار في الاعتماد عليه يدلل على حالة من العجز لا نريد للدولة أن تبديها في مواجهة ما يعترض الوطن من مصاعب جمة.
 
كما قلنا أن مبادرة سمو ولي العهد يمكن أن تكون مدخلاً وأرضية مناسبة، وإننا لا نريد لهذه الحوارات أن تضيع على الوطن المزيد من الوقت دون التوصل إلى أهداف وحلول ناجعة نجد أنها في متناول الدولة إن أرادت، كما أننا لا نريدها -أي تلك الحوارات- أن تفهم على أنها توطئة زائفة لمواجهة الاستحقاقات المطلوبة من الدولة اتجاه المناشدات الدولية بالشروع في الحل. وقد وعدنا بالتواصل في الحوار بشأن كل ذلك.
 
التصريحات الرسمية بشأن الحوار، كانت مشروطة بوقف العنف من أجل بدء الحوار، فهل تعتقد أن ذلك محاولة لوضع العجلة أمام الحصان، إن صح التعبير؟
 
– الوضع في البلد بشكل عام يحتاج إلى نوع من التهدئة وتهيئة أجواء حوار، وأن يتم وقف العنف على القرى والأهالي واعتقال الأطفال والنساء، وعدم تكرار ما حدث للطفل حسام الحداد، وخصوصاً بالتزامن مع أجواء شهر رمضان المبارك وعيد الفطر المبارك، فمثل هذه الأمور لا تساعد على التهدئة، والحكومة مطالبة بخلق جو حقيقي للحوار، وبالتالي لا يمكن وقف العنف مع استمرار هذا النهج.
 
ولكن هناك من يتهم المعارضة بعدم أخذ دورها في إيقاف هذا العنف؟
 
– هذا هروب من مواجهة الحقائق على الأرض، وإذا كانت هناك أخطاء لدى الشارع، فهذا لا يعني أن توصم المعارضة بأنها عنيفة، ونحن أبدينا موقفنا برفض استخدام «المولوتوف» وقطع الشوارع، لأن كل هذه الأمور لا تساعد على أن تكون هذه المطالب في الاتجاه الصحيح، ولكن لا يمكن مقارنة عنف الشارع بما يجري على الأرض من عنف رسمي ممنهج.
 
وأين يكمن دور التيار الوطني الديمقراطي من كل ما يدور؟
 
– دور التيار الوطني الديمقراطي يجب أن يبقى محورياً في بناء البحرين الجديدة، فهذا التيار الواسع، وبرغم كل محاولات التهميش والإقصاء التي تعرض إليها عبر تاريخه الزاخر بالتضحيات الجسيمة، ظل هذا التيار وسيبقى مكوناً أساسياً في نضالات شعب البحرين، فالتيار الوطني الديمقراطي بمكوناته الأساسية ومؤسسات مجتمعنا المدني العديدة والفاعلة وبشخصياته الوطنية ورموزه وقياداته هو تيار مكين وراسخ وفاعل في تربة وبناء البحرين الحديثة، وبالتالي لا يمكن لأحد إلغاؤه من المعادلة السياسية، بل ومن غير المجدي الاستمرار في ذلك أو الاستمرار في تعزيز حالة الخصومة والتجاهل اتجاهه من أي طرف.
 
وبالفعل نحن في المنبر الديمقراطي التقدمي مع شركائنا من جمعيات سياسية وشخصيات وطنية ومؤسسات مدنية بتنا نستشعر بصورة متزايدة ضرورة هذا التيار ودوره أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً مع تعاظم حالة الفرز الطائفي والانقسام التي يمر بها مجتمعنا، علاوة على أن هذا التيار يكتنز بالكثير من الخبرات والكفاءات والقيادات والكوادر التي أسهمت وتسهم في بناء البحرين. فقد خرّجت الحركة الوطنية عبر تاريخها المديد أجيالاً من الكوادر الوطنية التي لعبت أدواراً في عملية البناء الحضاري للبحرين وبشهادة الجميع.
 
وهل أثر انقسام الشارع البحريني بشأن موقفه من الأحداث على جمعية المنبر التقدمي بشكل أو بآخر؟
 
– لنتفق أن حالة الانقسام الطائفي والمذهبي هذه، ضربت كل مكتسبات الوطن ولم تستثنِ أحداً، وهذا السؤال يستحضر إسقاطات الهجمة الشرسة التي يتعرض لها «التقدمي» ومن عدة جهات لها مصلحة في أن ترى المنبر التقدمي منقسماً، وأن يكون دوره النضالي معطلاً.
 
ونستشعر أن «التقدمي» بات مستهدفاً بالفعل، والهجمة علينا تأخذ أبعاداً متعددة، وتستخدم لأجلها أدوات بعضها مكشوف وواضح وبعضها مستحدث، لكن كوادر التقدمي وقيادته تعي جيداً ما يدور من حولها. ولذلك فنحن نتعاطى مع ما حدث ويحدث من متغيرات بوعي سياسي وتجربة تؤهلنا للخروج من الوضع الحالي. وهذا يتطلب الكثير من الصبر والكثير من العقلانية، شريطة التمسك بالثوابت والمبادىء التي ميزتنا طيلة تاريخنا الحافل، ورسمها برنامجنا السياسي ووثائقنا الهامة الأخرى.
 
فنحن تنظيم سياسي عريق ليس فقط في عدد أعضائه ومنتسبيه وأصدقائه، وهم كثر، وإنما عريق بطرحه وبتجربته النضالية، ولا يمكن أن نسمح تحت أي ظرف بالتفريط بهذا التاريخ وهذه الأمانة أو مجرد الانحراف عن نهجنا الوطني المنحاز لقضايا الناس والكادحين والشغيلة تحت أي دعاوى متهافتة أو مغرضة، فنحن مؤتمنون على كل ذلك، وهو جزء مهم ومؤثر من أمانة أكبر هي الوطن وقضايا شعبنا.
 
ومن يقرأ التاريخ السياسي الحقيقي للبحرين يمكنه أن يلحظ حجم الهجمات الشرسة التي تكالبت بخسة على تاريخ ونضالات جبهة التحرير الوطني تحديداً، والتيار الوطني بشكل عام، لكنه سيلحظ أننا كنا على الدوام حائط الصد الأول للدفاع عن شعبنا وسنبقى كذلك على الدوام، ونحن كطائر الفينيق ننهض لنستمر بقوة في طليعة القوى المعارضة للدفاع عن شعبنا، ولسنا معنيين بكل تلك الترهات والتنظيرات الخاوية والمتهافتة التي نعرف جيداً مصادرها ومواقعها ومرامي أصحابها.
 
والمنبر التقدمي حزب سياسي يضم كل هذا التنوع المحمود الذي يمثل في جوهره طبيعة وتكوين مجتمعنا البحريني ربما أكثر من أي حزب آخر. كما يضم فئات وشرائح اجتماعية متنوعة سواء من أعضائه وكوادره أو حتى من مناصريه الذين يتوزعون على كامل الرقعة الجغرافية للبحرين.
 
وهناك أجيال وأعمار متفاوتة بين كوادره ومناصريه وكل هؤلاء يهمهم بإخلاص الحفاظ على تاريخ ودور المنبر التقدمي الذي هو امتداد أصيل لتيار جبهة التحرير الوطني البحرانية التي لها من الحضور والسمعة النضالية الرفيعة، ما يؤهلها للخروج بقوة، والاطلاع بمهماتها الجليلة للدفاع عن كل أبناء شعبنا.
 
وطبيعي لتيار وحزب سياسي بكل هذا التنوع أن تكون هناك تباينات في اتجاه الموقف السياسي في بعض القضايا، وهذا أمر طبيعي جداً، وصحي جداً أيضاً، ونتعامل معه بسعة أفق، ونوظف لأجل ذلك رصيدنا من التجارب والممارسة لكي نستمر في أداء رسالتنا النضالية والتنويرية في المجتمع، وعلى قاعدة النقد والنقد الذاتي نتعاطى مع أوضاعنا الداخلية لنرتقي بأدائنا ودورنا في هذه المرحلة الصعبة على الجميع.
 
ولا يمكن لحملات إعلامية أو أقلام مضللة أو متاجرة أو متربصة أن تضرب هذا التاريخ والنضال الصبور، مهما اشتغلت ماكينة الإعلام المغرض أو استمرت عملية التخوين. فكل هذا الإرث والحاضر الزاخر بالنضال في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية والسعي لتحقيق الديمقراطية التي يستحقها شعبنا بكل جدارة لا يمكن لأي كان أن يلغيه أو يتجاوزه أو يشوهه أو كما يتصور البعض أن يجعله تابعاً لأحد.
 
فقرارنا السياسي مستقل، تحكمنا الواقعية السياسية والثوابت والمبادىء التي تربت عليها أجيال عديدة في تيارنا المناضل.
 
ونحن نعرف جيداً حجم وطبيعة الهجمة الشرسة التي نتعرض لها، فهي ليست إرهاصاً عارضاً كما يتخيل البعض، ونعرف مرامي وتوجهات من يقومون على توجيهها والنفخ فيها بدون توقف، لكننا سنظل سائرين على ذات الدرب الوعر المليء بالأشواك، والمليء بالمخاطر والذي أسس له مناضلون ومناضلات هم قامات وطنية وعلامات تضيء دربنا النضالي.
 
وما هو تفسيرك لما أسميته بـ” الهجمة الشرسة ” التي تشن ضد المنبر الديمقراطي التقدمي؟
 
– هناك حملات تشن بكل صلافة وخبث ضد جمعيتنا، وهي ليست مجرد حملة بل حملات متعددة الأغراض والهوى. وبعض تلك الحملات تشن أحياناً تحت يافطات الحرص على وحدة المنبر التقدمي ومعه التيار الوطني الديمقراطي. ولا نستغرب مع هكذا وضع مقلوب أن يسهم أشخاص بعيدون كل البعد عن التيار الوطني واليسار بشكل عام بتلك الحملات، لكنها مشيئة من يوجهونهم وتلاقي مصالح لا غير.
 
وفي كل الحالات نرى أن محاولات التسقيط والتشهير تلك باتت تفضح وتكشف نوايا وأدوار من يقومون عليها. فهناك مواقع نفوذ وجهات وأفراد وإعلام مسعور وموجه يراهن على إحداث الفرقة والشقاق داخل صفوف وكوادر التقدمي كجزء ودور، بل أقول مشروع مطلوب لابد منه بالنسبة لكل هؤلاء المشتغلين على هذا الدور المفضوح.
 
وهي بالنسبة لهم مهمة أساسية في إضعاف وهدم قوى المعارضة وشرذمتها، وبحكم تاريخنا وتجاربنا فقد ظل هذا التيار مستهدفاً على الدوام، لكنه دائماً ما يخرج للسطح أكثر قوة وتجدداً، وهذه ضريبة الثبات على المواقف التي تربينا عليها في وسط هذا التيار المناضل.
 
كما لا يجب أن ننسى أن هناك خوفاً ورعباً حقيقياً لدى بعض قوى النفوذ والطائفية من أي تقارب ممكن بين صفوف التيار الوطني الديمقراطي بكل مكوناته وشخصياته الذي نرى في قيامه رهاناً وهدفاً أسمى لكل البحرين. لذلك نراهم يستنفرون أقلامهم وأموالهم وإعلامهم وأبواقهم من أجل الإمعان في تسقيط قيادات وكوادر ودور التيار الوطني الديمقراطي والقوى التقدمية.
 
ولكن هناك حديثاً عن استقالات وانسحابات داخل المنبر الديمقراطي التقدمي؟
 
– أقولها بكل صدق، إذا كان للأزمة الأخيرة التي تمر بها البلاد من حسنات أو ميزات فربما تكون إحدى تلك الحسنات أنها كشفت بل عرت الكثير من الأمور والمواقف والتناقضات في مجتمعنا الصغير، والتي ربما كان الاستمرار في التعايش معها تعطيلاً للدور التاريخي لمسيرة شعبنا باتجاه الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة للجميع.
 
فخلال العام والنصف الماضية من عمر الزمن، انكشفت حقيقة وبؤس الكثير من الأقلام والتوجهات التي تحاول أن تستهدف المنبر التقدمي وكوادره ودوره الوطني أساساً، كما تحاول أن تزيف الحقائق التي ميزت جوهر ورسالة نضال شعب البحرين وقواه الوطنية طيلة العقود الماضية، وقد تابعنا جميعاً تهافتها الرخيص، وانتهازيتها المقيتة، وطائفيتها المفضوحة. وهي ممعنة في الخوض حتى الركب في محنتها تلك، لذلك لا نستغرب أن يصوروا الأوضاع لدينا في المنبر التقدمي على أنها تنازل عن الثوابت، وانحدار للمستنقع الطائفي، والتبعية وغيرها من المسميات التي نشفق بالفعل على مروجيها.
 
والحقيقة أنه لم تحدث لدينا استقالات منذ المؤتمر العام السادس، هناك خمسة أعضاء من رفاقنا قرروا الانسحاب من اللجنة المركزية ولهم مبررات وأسباب ربما نختلف معها لكننا بالتأكيد نحترمها ونتفهمها. لكنهم في المقابل أبدوا استعدادهم للعمل في صفوف التقدمي ومن أي موقع. غير أن ما صورته وتصوره بعض وسائل الإعلام من زيف بأن هناك انشقاقات وانسحابات بالجملة لا يمت للحقيقة بصلة، وليس لدينا ما نخفيه في هذا الشأن. لذا حاولوا أن يستجمعوا كل قواهم لتصوير الأمر وكأنه انشقاقات بالجملة، واستجمعوا أسماءً ابتعدت أو استقالت وربما تعبت حتى منذ أكثر من عام لعدة أسباب بعضها شخصي وبعضها الآخر له أسبابه ومبرراته، ولأننا حريصون فعلاً على كل هؤلاء الرفاق والكوادر، فقد كانت المهمة الأولى للمكتب السياسي الجديد هي تشكيل لجنة من خيرة كوادرنا للتحاور مع من ابتعدوا أو استقالوا ومحاولة استرجاعهم للجنة المركزية أو للعمل في صفوف «التقدمي»، ونحن نثق في كوادرنا المخلصة والحريصة على وحدة ودور التقدمي في الحياة السياسية.
 
الشارع السياسي يريد أن يعرف طبيعة علاقة المنبر التقدمي بقوى المعارضة (الوفاق وأخواتها)، خصوصاً بعد التباعد الذي لف العلاقة بين الطرفين في الفترة الأخيرة؟
 
– نحن تيار وطني معارض وأصيل في تاريخ وحاضر الحركة السياسية في البحرين، ولا يمكن لأية قوة إلغاؤنا مهما تكالبت علينا دعوات التسقيط، ونحن نعلم أننا ندفع ضريبة استقلالية قرارنا ومواقفنا. وعلى هذا الأساس فعلاقتنا بالقوى السياسية لم ولن تنقطع، ونحن نتشاور وننسق باستمرار فيما بيننا، وتجمعنا الكثير من المشتركات التي لا يمكن اجتزاؤها أو الانتقاص منها. ومن الخطأ حصر قوى المعارضة السياسية في إطار خماسي أو سداسي أو أكثر أو أقل. فالتيارات المعارضة تتباين وتختلف وتأتلف وتتحالف وربما تتنافر أيضاً. إنها إذن لعبة الإعلام الرخيص وأدوات التحريض السياسي والمطابخ، وما أكثرها هذه الأيام، والتي تشتغل بدون كلل على الإساءة لتاريخنا المضيء إرضاءً لنوازعها المريضة.
 
نحن تيار سياسي يلتزم بشرف النضال من أجل مصالح شعبنا والدفاع عنها، وننحاز لقضايا شعبنا على الدوام فذلك سر استمراريتنا، وفي ظل حالة الانقسام الطائفي والفرز والتدافع الحاصل في المواقف نعتقد أن هناك من تستهويه الإساءة لتاريخنا النضالي الحافل بالتضحيات.
 
نعم لدينا الشجاعة لأن نراجع مواقفنا ضمن التزامنا بخطنا السياسي، فنحن الحزب السياسي الوحيد حتى الآن الذي امتلك القدرة وشجاعة الموقف لعمل مراجعة نقدية لممارستنا السياسية خلال الفترة الماضية، وننطلق من ثوابت ومبادىء لا يمكننا أن نغادرها لأنها من صميم وجوهر رسالتنا النضالية، وقد صادق مؤتمرنا العام السادس بالإجماع على وثيقة المراجعة النقدية وهي وثيقة هامة جداً وملزمة للجميع.
 
ونعتقد أن الحالة السياسية والاجتماعية التي عاشتها ولا زالت تعيشها البلاد حتى اللحظة قد أفرزت واقعاً ووضعاً ومواقفاً واصطفافات ما كان ممكناً أن تفرز قبل هذا الوقت، وقبل أن يُبتلى الوطن بهذا الكم من الضغائن والأحقاد والكراهية التي أرهقت هذا الوطن وأضاعت عليه الكثير من الفرص المواتية، كل ذلك من أجل الإبقاء على منظومة المصالح البالية التي أُسست لها جهات وقنوات نفوذ وفساد وإعلام وصحف وفئات لها مصالح مباشرة وغير مباشرة في استمرار حالة التردي والتراجع التي تعيشها البلاد منذ عقود.
 
وطبيعي أن تُلقي تلك الاصطفافات وذلك الفرز بثقله على مجتمعنا الصغير ويتأثر تبعاً لها الجميع دون استثناء، لكننا بكل تأكيد نثق أولاً في قدرة شعبنا على تخطي هذه المرحلة العصيبة بنجاح، كما نثق في المستقبل وفي قدرة كوادر التقدمي جميعهم على تجاوز الوضع الحالي، والحفاظ على وحدتنا الداخلية ومواقفنا وثوابتنا السياسية كتيار معارض ليست محل نقاش أو مساومة.
 
تعرضتم إلى هجوم، مفاده أن الوفاق تتحكم في قراراتكم، ما سبب هذا الهجوم؟
 
– تربطنا بالوفاق الكثير من المشتركات كقوى معارضة سياسية، وهذا أمر واضح للعيان، وأعتقد أن هناك أسباباً خفية وراء من يتهمنا بالتبعية للوفاق أو أية جمعية أخرى، لأنه لا يمكن أن تكون هناك جمعية بحجم وتاريخ المنبر الديمقراطي، وجمعية بحجم وإمكانات الوفاق أن يربطهما علاقة التابع بالمتبوع. وفي الواقع فإن ما يربطنا مع القوى السياسية في الشارع، هو الخط الوطني الواضح باتجاه تصحيح مطالب شعبنا، ولا يمكن أن نقبل تحت أي ظرف أن نكون توابع لأي كان، سواء كانت جمعية سياسية أو الدولة.
 
ففي الجمعية نحافظ على استقلالية قرارنا الداخلي ووحدتنا الداخلية وبرنامجنا السياسي، وتحكمنا أطر مؤسساتية في الجمعية، ولا يمكن لفرد مهما كانت إمكانياته أو قدراته أن يصادر قرار هياكل الجمعية تحت أي ظرف.
 
على صعيد الوضع العمالي، هناك عناصر محسوبة على «التقدمي» لديهم توجهات مغايرة من الحركة النقابية، وبعضهم دعم تشكيل الاتحاد الحر للنقابات، هل تعتقد أن هذا الأمر صحي؟
 
– أولاً نحن نأخذ هذه المسألة بكل جدية ومسئولية، ولا يمكن أن نسمح أو نقبل تحت أي ظرف بتفتيت وحدة الحركة النقابية في بلد بحجم البحرين، وتأسيساً على فهمنا ومعرفتنا لما يتهدد الوحدة العمالية والنقابية من دعوات ومشروعات، وحتى مفهوم التعددية الذي يروج له الآن فقد أثبتت التجارب وفي أكثر من بلد عربي وأجنبي مواطن الفشل والتمزيق التي سببها على الأوضاع العمالية والنقابية، وذلك ما يعطينا دروساً وعبراً على سطوة وجشع رأس المال وأهدافه المرسومة لضرب وحدة الحركة النقابية وتمزيقها.
 
وبرنامجنا السياسي اتجاه هذه المسألة واضح ومحل إجماع، علاوة على مواقف التقدمي الضمنية والمعلنة عبر مواقف وبيانات واضحة وصريحة كانت ولا زالت تدعو لوحدة الحركة العمالية والنقابية وسنستمر في هذا المواقف بكل تأكيد، حيث إننا بحسب فكرنا ونهجنا السياسي ننظر للحركة العمالية والنقابية باعتبارها رافعة حقيقية لتعزيز الوحدة الوطنية ولتعظيم المكاسب العمالية والنقابية.
 
ونحن نعرف ربما أكثر من غيرنا أن وحدة الحركة العمالية كانت السلاح الأمضى للحفاظ على نسيجنا الاجتماعي وحراك شعبنا المطلبي نحو الوحدة والتحول الديمقراطي انطلاقاً من الدور التاريخي الذي لعبته الحركة العمالية والنقابية، علاوة على تعزيز المكاسب العمالية ومنذ مطلع الخمسينيات، ونعرف جيداً أن هناك أطرافاً نافذة تتحين الفرص لضرب وحدة الحركة العمالية ومنذ عقود، لذلك هي تحاول باستماتة استغلال الشقاق الطائفي الحاصل بكل أسف في المجتمع لتنفيذ أجندتها تلك في ضرب الوحدة العمالية، وبالنسبة لها لا يوجد أفضل من الظرف الحالي، ليس حباً أو مباركة في تعزيز التعددية النقابية كما هو معلن، وإنما لإضعاف الحركة النقابية وكسر شوكتها.
 
وانطلاقاً من هذا الفهم، يؤكد رفاقنا العمال باستمرار مع كل من يلتقونهم، ويتشاورون معهم على ضرورة الوعي لمخططات ضرب الوحدة العمالية، وتلافي أخطاء ارتكبت في المؤتمر العام الأخير للإتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والتي نتيجة لها تم استبعاد نقابات مؤثرة تتجاوز في حضورها وعددها أكثر من ثلث الحركة النقابية.
 
ويبدو أن ذلك أصبح يلاقي تفهماً واضحاً وحريصاً على وحدة الحركة العمالية، ونتمنى أن تسود الحكمة والتعاطي المسئول مع ما يعترض الحركة العمالية من تعقيدات ومصاعب، وهي على أبواب المؤتمر العام القادم للاتحاد. وعلى الجميع أن يرتقي لمستوى التحديات، والذكي من يتعلم من أخطائه، ومع هكذا وضع على الجميع أن يتحلى بالموضوعية والحكمة وبعد النظر وتفعيل أدوات الضبط والالتزام، من أجل صون وحدة حركتنا النقابية والعمالية بعيداً عن ما يعترضها من عواصف ودعوات تمزيق نثق أن مصيرها إلى زوال، فهي ليست من صميم وتقاليد حركتنا العمالية المناضلة.
 
ما هي الأخطاء التي أرتكبت أثناء المؤتمر العام الأخير لاتحاد النقابات؟
 
– كان يفترض أن يكون هناك بعد نظر فيما يتعلق بالأطراف المسيطرة على الساحة النقابية في البحرين، وتمثيل جميع القوى العمالية في الاتحاد، من بينها على سبيل المثال نقابة «ألبا».
 

اقرأ المزيد

استقلال البحرين

في  الثامن  و التاسع  من يناير 1968 قام  عضو البرلمان  البريطاني وزير  الدولة لشئون الخارجية  جورونوي  روبرتس Goronwy Roberts بزيارة   للبحرين  و دول الخليج و ذلك  لغرض توجيه  الانذار   لحكام الخليج   بقرار   حكومة   صاحبة  الجلالة بانسحابها العسكري  من  منطقة الخليج.  و بعد  اسبوع  من   هذه الزيارة و تحديدا في  السادس عشر من يناير   أعلن رسميا السيد  هارولد  ولسن Harold   Wilson  رئيس  حزب  العمال  و رئيس  وزراء  بريطانيا عن نية  بريطانيا الانسحاب  من  منطقة الخليج.   كان  وقع  هذا  الاعلان  سيئا  في   نفوس حكام الامارات الخليجية الذين  جاء رد فعلهم  الأولي  سلبيا  مطالبين بريطانيا  بالبقاء  مع  استعدادهم  لدفع    النفقات   العسكرية.    لكن   بريطانيا  أعلنت رفضها   هذا العرض و أكدت في  الثلاثين  من  يناير   1968أن  الانسحاب  سيتم في موعده  المحدد.   و   في  1 ابريل  1968 أعلنت  بريطانيا أن  القرار  الرسمي بالانسحاب  سيصدر  في 31 ديسمبر من عام  1971.

في  الاجتماع   الذي    عقد   في دبي  ما  بين  الخامس و العشرين  و السابع و العشرين  من  فبراير  1968 تم    توقيع إتفاقية لاقامة الإتحاد التساعي   على أن يبدأ العمل بالاتفاقية فى  30 مارس 1968 .

لكن  هذا  الاتحاد  الفدرالي   التساعي لم  يعمر  طويلا   اذ   لم يلبث  أن  فشل   بعد  سنتين  و  نصف  و  ذلك   بسبب   الخلافات   الحدودية  بين  السعودية  و  أبوظبي   و بين  ابوظبي  و  دبي  بالاضافة  الى  العلاقات  السيئة  بين  قطر  و  السعودية.  لكن  رغبة  البحرين  في تولي  منصب    قيادة   هذا  الاتحاد يعد  أحد  الأسباب  الرئيسية.  و لا  يقل  أهمية  عن  ذلك     خوف   أبوظبي   من  مطالبة  ايران  بالبحرين  و  عدم  استعدادها للوقوف    في  وجه  ايران   في  ذلك  الوقت.    

و على  هذا  الأساس   قررت   البحرين و  قطر   العمل  على   بناء الاستقلال  المنفرد لكل  منهما  بعيدا  عن  بقية   الامارات  التي  أعلنت    في  الثاني من  ديسمبر   1971  عن  قيام اتحاد  الامارت  العربية    المتحدة   الذي ضم  جميع امارات  ساحل عمان    باستثناء  رأس  الخيمة  التي  انضمت  في  10 فبراير  1972

من بين  جميع  الامارات الخليجية  اختارت   بريطانيا  البحرين   أن  تتبع  مثال    الكويت  و أن   تنهي    اتفاقيات  العلاقات  الخاصة معها    و ذلك  بالرغم من  عدم  رغبة  حكومة  البحرين   في  السير  في   طريق  الاستقلال  السياسي.  و  تنفيذا   للمخطط  الهادف   للاستقلال  المنفرد للبحرين  حرصت  بريطانيا على تهيئة الوضع   السياسي  و  الاقتصادي   لاستقبال المرحلة الجديدة  و ذلك بجعل  البحرين تقف على  قدميها  و تعتمد  على نفسها.

 يتحدث  السيد سايمون ويلسون  و هو نائب  السفير  البريطاني  في  البحرين   في الفترة ما بين 2001 و2005  فيؤكد   على مكانة البحرين  باعتبارها أهم مشيخة خليجية بالنسبة  لبريطانيا و  أنها  استضافت  أول مقيم بريطاني عام (1946) و ذلك بعد قرار بريطانيا نقل مقر المقيم البريطاني من بوشهر على  اثر  استقلال الهند في العام 1947 و انتقال المسئولية الادارية عن دول الخليج إلى وزارة الخارجية البريطانية في لندن. (  جريدة الوسط العدد : 2788 | الأحد 25 أبريل 2010 )

لم تمضي الا أيام  قليلة  على  اجتماع  دبي حتى جاءت   ذكرى  انتفاضة    مارس  65  لتتجدد الأحداث العنيفة في  البحرين في صورة مسلسل طويل   من  حرق السيارات التي  تخص  بريطانيين  و هنود و باكسانيين و بحرينيين  بما  في  ذلك  سيارتين   تخصان  الجيش  البريطاني .

و قد  تواصلت  أعمال  الاحتجاج و  الاعتصامات  لتصل  الى محطة  الكهرباء   التي شهدت  في  شهر ابريل  1968  عددا من الاضرابات   القصيرة التي  لم   تكن لتؤثر  على  امدادات الطاقة   الكهربائية.   و قد تم  فك  الاضراب  و  تسوية  النزاع  في نهاية ابريل و ذلك بموافقة  الادارة  على تعديل  رواتب العاملين  و بهذه المناسبة  اصدرت  جبهة التحرير  الوطني  في  مساء   الثاني  من مايو   1968   منشورا   تحدثت  في مقدمته عن الانتصار الكبير الذي حققه  عمال  الكهرباء و  من ثم وجهت  الجبهة  اتهامها  لكل من دائرة الكهرباء    و الشرطة و الشيخ خليفة  (  الذي تدخل  في الاضراب ) و الامبريالية   بشكل  عام و كان  النقد   اللاذع  من  نصيب دائرة  ” العمل    و العمال ” الحكومية.  و  لم   يغفل البيان الاشارة   الى ضرورة  تكوين    الاتحادات  العمالية  و غيرها  من الاتحادات مثل   الاتحادات  الطلابية و هو  المطلب  الذي  يتماشى   و  برنامج الجبهة  و يتكرر   دائما في بياناتها    و أخرها  البيان الذي  هاجمت  فيه الجبهة دائرة    التعليم.

في  تعليقه  على أحداث  دائرة الكهرباء   يقول  المعتمد  السياسي  في رسالته  المؤرخة في  13  أبريل 1968 و المعنونة باسم  الدائرة  العربية بالخارجية  أن  حدوث    الاضرابات  في  هذه  الدائرة   مردها   تواجد  عناصر  جبهة التحرير  و   حركة القوميين  العرب  و  أن  الشئون  العمالية  في البحرين هي  دائما   بمثابة الديناميت  مثال  ذلك  ما  حدث  في شركة بابكو من اضطرابات في  مارس و ابريل من  عام  1965  جراء   تطبيق  برنامج  الاستغناء  عن  بعض  العمال.

 تجدر الاشارة الى أن الادارة البريطانية تعمدت اخفاء أحداث ذكرى مارس 65 و ما  صاحبها من  اعتقالات  و حرصت  على عدم  الاعلان  عنها  في  الصحافة البريطانية حتى  تتجنب  تكرار نشر العناوين الكبيرة  من مثل  ” البحرين   أصبحت عدن  الثانية “.

 

مما لا  شك  فيه  أن   ادعاءات  ايران  بالبحرين  شكلت  أحد  العوامل  الرئيسية  في تأجيج الشعور  القومي  و تعزيز الشعور المعادي  لايران في  البحرين.  فحركة   القوميين  العرب و الناصريين رأوا في الهجرة  الايرانية   و  التسلل الايراني  تهديدا لعروبة  البحرين مما  دفعهم  للخروج في  المظاهرات المؤيدة  لعروبة البحرين و ذلك  في الرابع و العشرين و الخامس و العشرين من فبراير عام 1968.   و  قد جابت  المظاهرات  شوارع  المنامة  و  هي تندد بمطالبة ايران  بالبحرين.

في    واقع  الامر  فأن البناء  المستقل   للبحرين  خارج  اطار الاتحاد  الاماراتي  كان يمثل  رغبة  بريطانية    بالاضافة  الى  كونه  رغبة  أمريكية.  

فيما  يتعلق   برد  فعل  الشاه  على  الغاء   التواجد  العسكري  البريطاني  في البحرين  و تسليم  القاعدة  البحرية   للولايات  المتحدة كان  رأي  شاه ايران   أن    حفظ  الأمن و الاستقرار بعد   الانسحاب  البريطاني يقع  على   دول   المنطقة  و أن  ايران  لا  ترغب   في وجود  قوة أجنبية  تحل  محل  بريطانيا.  و حسب   قول   السفير  البريطاني  في   طهران فأن  تكرار   اشارات  الشاه   للقاعدة البحرية تسبب  الازعاج , و أنهم  عندما  يخطرون  الشاه  بأن  التسهيلات   في  البحرين  لا يمكن    وصفها بالقاعدة   و أن  البحرين  لا  تمثل أية  أهمية استراتيجية هذه  الأيام فأن الايرانيين  ليسوا  على استعداد  لسماع  هذا الكلام.   لكن  السفير   يعود  ليقول  في  مقطع آخر  من  رسالته    أن الشاه  سيكون  سعيدا  بأن  يكون  الأمريكان  هم  من  سيحل  محل  بريطانيا   لأن  الشاه  ربما  وجد  في  هذا  الاحلال   بعد  1971 مزايا كبيرة    لأن   التواجد  الأمريكي  سيساعد  في حفظ  الاستقرار و  يبعث  على اطمئنان الشاه  من عدم وجود  مخاطر تؤدي  الى وقوع  البحرين  في  أيد   عدوة  خاصة و أن   هذه المخاوف  هي ما   تشكل    الصعوبة  في طريق اسقاط    مطالبته  بالبحرين  حسب  قول  السفير. ( رسالة السفير  الى  الخارجية البريطانية في  الحادي  من  اغسطس 1968 )

يعتبر   موضوع المطالبة  الايرانية  بالبحرين من  المواضيع  البالغة  التعقيد و الحساسية التي  ورثها شاه ايران من  حكومة  الدكتور  مصدق و   مثلت بذلك ما  يشبه  الورطة  السياسية.  فالشاه  وجد   نفسه بين مطرقة ارضاء   الولايات  المتحدة  و  المملكة  المتحدة  بقبول  التسوية  السياسية  التي  تفضي  لاستقلال البحرين و بين سندان  كسب  رضى الشعب  الايراني  حيال   أية تسوية و عدم خسرانه  للكرامة  الوطنية.

في واقع  الأمر فأن  الادارة   البريطانية  و  الامريكية كانت  تدرك  حجم  هذه  المعضلة السياسية و ردود  أفعالها  في  الشارع  الايراني و لذا  وضعتا  في  اعتبارهما أن  لا  تكون   التسوية  سببا في الحاق الأذى بسمعة  الشاه  و  شعبيته. و من  هذا  المنطلق  تم طرح  موضوع الاستفتاء  العام في  البحرين  كأداة لحل  المستقبل السياسي  لجزيرة البحرين لكن  هذا  المقترح  رغم  رجاحته  و  صلاحيته  لخدمة  الطرف   الايراني  الا  أنه  ووجه  باعتراض  المعتمد  السياسي  السيد  بارسون  الذي  رأى أن  هذه  الخطوة محفوفة بالمخاطر في البحرين و ذلك  بسبب الوضع   الديمغرافي  و  السياسي.

في اطار  رسم  السياسات و وضع الخطط توجهت الخارجية  البريطانية  في  الخامس  و  العشرين من  يونيو 1968 بسؤال    سفيرها  في طهران  عما    اذا  كان  البرلمان  الايراني   يملك حق  الاعتراض على  الشاه و  حكومته  اذا  ما   دخلا   في ترتيبات   خاصة  باسقاط   المطالبة   الايرانية   بالبحرين.

و جاء   الرد  في الرابع  من  يوليو  من  السفارة .   ليقول   ” أنه من  الناحية    الدستورية   لا  يوجد   شك   في  أن  المجلس   لديه   القدرة  على  ابطال   قرار  الشاه  و   حكومته   في  حالة ما اذا وافقا على أية ترتيبات من  شأنها  أن  تؤثر على الغاء   المطالبة  بالبحرين.  

و في  غمرة  البحث  و  التنقيب عن  مخارج  التسوية السلمية أقدمت   حكومة  البحرين  على تشكيل  دائرة  خاصة للشئون الخارجية    مما   أثار  غضب    ايران  التي  اعتبرت هذه  الخطوة خروجا على روح التسوية  السياسية  التي  يجب أن تتم  في   اطار  الأمم  المتحدة. و قد  فسرت  ايران   هذه  الخطوة  على  أنها عملية  في طريق   الاستقلال  السياسي من  جانب  واحد.   

و قد  سارعت حكومة  الكويت   للتعبير  عن  دعمها  لهذه  الخطوة و بادرت   بتزويد حكومة  البحرين  بالمشورة   و  المساعدة  في   تشكيل  هذه  الدائرة   التي تحولت  فيما  بعد الى وزارة  للخارجية.  و قد  تمثلت  مبادرة الكويت في ابتعاث مسئول كويتي من   الخارجية  الكويتية  من  أجل   المساعدة  في   التنظيم و الادارة  الى  جانب   ابتعاث  أربعة  بحرينيين  الى  الكويت لتلقي    التدريب  العملي  داخل  وزارة   الخارجية  الكويتية.

لعل  أول  ما  يتبادر الى الذهن  عند تناول  موضوع  انسحاب بريطانيا  من  الخليج  هو  الكيفية  التي  سيتم   فيها  ملئ الفراغ   العسكري  و  الأمني  في  المنطقة .

يعتبر   موضوع   التنظيمات  الثورية  من  المواضيع   التي   شغلت  الادارة  البريطانية   منذ عقد  الخمسينات  و  لذا فلا  غرابة  أن  يحتل   الموضوع هذا  الحيز  الكبير   في  التقارير  المرفوعة   الى الخارجية  البريطانية.   هذا  التقرير  شأنه  شأن  التقارير  الأخرى  لا يختلف في القول   بأن  هدف هذه   التنظيمات  التي  وصفتها   بالهدامة  هو   اسقاط    النمط   التقليدي   للحكومة و  التخلص  من  النفوذ  الغير  عربي. و لذا  فأن  هذه  التنظيمات ستحاول استغلال   السخط  الموجود    وسط  السنة  و الشيعة  أو بين   العاطلين.  و أن  اعلان  حكومة  صاحبة  الجلالة   بالانسحاب  من  الخليج  قد شجع من  حيث المبدأ  الهدامين  الذين  شعروا  بأنه  سيصبح  من  اليسير  عليهم اسقاط   الحاكم  عندما  يخسر  الحماية البريطانية.  و  بدأ  الحديث عن  حركة القوميين  العرب  في البحرين  فقال  أنها  تتألف   من  غالبية  عرب  السنة  و أنها  تتطلع الى  الجمهورية  العربية  المتحدة  من  أجل  الدعم. أنها لم تكن   ذات تاثير  قوي   في السنوات الأخيرة مع  أنها  المنظمة  الوحيدة  التي نجحت  أثناء   حرب  يونيو 1967 في  انزال  الجموع   الواسعة  من  المتظاهرين في الشارع.  هناك   احياء   طفيف  لنشاط    الحركة  منذ اغسطس   عام  1968 لكن الحركة ما  زالت  منقسمة  و  تنقصها القيادة   القوية,   و ربما  هذا راجع   لغياب   التوجيه  من    الجمهورية  العربية  المتحدة.  و مع  ذلك فأن  بامكانها   توفير  التجنيد للاستخبارات   المصرية  بالاضافة   الى  القدرة  على   تنظيم الجماهير و هذا  مجتمعا    يشكل   التهديد  الرئيسي.

أما  عن منظمة   التحرير  الوطني  فيقول   التقرير  أن    الجبهة    تتلقى دعمها  من   الطائفة   الشيعية و مع  أن  الحزب  شيوعيا  في ايديولوجيته  و  تنظيمه  و اتصالاته   الخارجية ,   الا  أنه يبقى   حركة  بحرينية  ذاتية.      و قد  برزت  الجبهة   في عام  1968  باعتبارها  أكثر الاحزاب   الهدامة  تأثيرا  في البحرين و أنها نجحت  مع  الخريف  في بناء  تنظيم   محكم   يضم  حوالي  350  عضوا  كما نجحت   في  ترتيب  الفصول   التدريبية  في الخارج.  لكن هذا  التنظيم  تم  اختراقه  بعد  ذلك  من  قبل  الجهاز   الخاص  ( الاستخبارات )  و أن اعادة  تنظيمه  سيستغرق  بعض الوقت  و هناك ما  يدلل   على بدء هذه الخطوة. و مع  ذلك فأن الجبهة   لا  زالت  تمثل  تهديدا , و  أنها  تكرس  نفسها   لاستخدام الوسائل  العنيفة  و  هي تحتفظ    بكمية  صغيرة من  الاسلحة  في البحرين.

من  ثم  جاء   دور  حزب  البعث  في البحرين  فقال  أن حزب  البعث  يتبع الجناح  اليساري الذي يمثل  السلطة  في سوريا , و أنه  حاول  في عام 1968  تعزيز موقعه  و   أسس  اتصالا   مباشرا  مع  سوريا.   و يحاول  الحزب  توسيع  ساحة   تجنيده   -    البعث يتجه  لتقديم  نفسه  على  أنه   حزب  المثقفين-   و  تبعا  لذلك   ركز   على ابتعاث   الأعضاء  الى  الخارج  للتدريب.  و  ربما حاول  البعثيون   استعمال  البحرين  كمركز   للنشاط  البعثي  في الخليج.  و يبدو أن الحزب   يفضل في الوقت  الحاضر  تحقيق  أهدافه   باستخدام  الوسائل  السلمية.   بعد  ذلك  أشار  التقرير  الى وجود مؤشرات   على   خلق تعاون  بين   البعث  و  جبهة  التحرير في البحرين  لكن  حزب  البعث  رأى في  تمزق   جبهة  التحرير فرصة  له  للفوز  بالوضع  المهيمن.

و عن  قوة  هذه  التنظيمات و قدراتها   قال  التقرير أن هناك   قرابة   ألف  بحريني  مرتبط   بالحركات   الهدامة  و  من  هؤلاء حوالي مائة    من  الناشطين الذين يمثلون النواة الصلبة  و القادرين  على  القيام  بالحملات  الارهابية.

و تطرق   التقرير  للدعم  الخارجي  الذي   تتلقاه التنظيمات   الهدامة  فقال فقال  أن الجمهورية  العربية  المتحدة  تقدم   دعما قليلا لهذه  المنظمات  في الخليج , و أن  هناك مكتبا  لجبهة  التحرير  في القاهرة و  أن  الجمهورية  العربية  المتحدة  قامت  في الماضي  باعطاء    تدريب   على   أعمال  التخريب و  يبدو  أن هذا التدريب قد توقف.  و وضع  التقرير  الاحتمال  بأن  أعمال   التخريب  في الخليج  ربما يتم  تنسيقها  عن  طريق    سفارة  الجمهورية بالكويت   لكن  الدليل  ضعيف   على  وجود  مثل هذا النشاط  في البحرين  علما  أنه  لا   يوجد  نقص  في  التجنيد.   و  توصل  التقرير  الى الاستنتاج  القائل  بأنه طالما  أن    الجمهورية  العربية  المتحدة   تعتمد  على   العربية  السعودية  و  الكويت  في الحصول  على المعونات   المالية  و  أنها تعطي  الأولوية   للاعمار  الاقتصادي بدلا من    نشر الاشتراكية   العربية  في الخارج , فأن  الاحتمال المتوقع هو استمرار  هبوط  معدل   الأعمال الهدامة التي  ترعاها الجمهورية  العربية  المتحدة.    و مع  ذلك  فأنه  اذا  ما  أصبحت  الجمهورية  العربية   مستقلة  ماديا  و  تخلصت من  انشغالاتها   الحاضرة مع  اسرائيل  فأنها ربما   تميل    للعودة  الى  سياستها  السابقة  في   تشجيع    الثورة  في   الدول  العربية   ” الرجعية “  و  من  المحتمل أن   تشمل  هذه  الحملات  دول الخليج.    و   أشار التقرير الى سوريا  فقال   أنها  تمد  حزب  البعث  بقدر  كبير من المساعدات  بما  في ذلك  برامج  تدريب  الأعضاء, بالاضافة الى  وعدها   بامداد الحزب بالمعدات  العسكرية, حسب اعتقادهم.  و هنا  أشار  التقرير الى   تواجد أحد مؤسسي  جبهة  التحرير  في دمشق  و أن  هذا  الشخص  يقوم  بترتيب  السفر و  المنح   للاعضاء.   أما  عن  العراق  فذكر التقرير بأن  العراق   ربما  تصبح   في المستقبل  في  مركز الصدارة من  حيث  تدريب   الارهابيين  على  سبيل  المثال, و أنه اذا ما  نجح   فرعا  حزب   البعث  في سوريا و   العراق  في حل خلافاتهما   و  قاما  بتنسيق  تحركهما على   المستوى  الدولي  فأن  هذا  سيؤدي  لزيادة نفوذ  الحزب.

فيما  يتعلق بأيديولوجية الاحزاب الهدامة    -   جبهة  التحرير و  حزب  البعث  -  قال   التقرير  أن هذين  التنظيمين  يتبنيا   الأيديولوجية   الشيوعية  و أن لديهما   ارتباطات  قوية مع   كتلة  الاتحاد السوفييتي, و أن  هناك  فرع  للجيهة  في موسكو يتألف من   الطلبة  البحرينيين  و أن  البعثيين  سافروا الى موسكو  و أمانيا  الشرقية للدراسة , كما أصبحت كوبا  و بلغاريا أماكن   لتقديم  فصول  التدريب  أيضا.

 في الوقت  نفسه   يتضح    من  خلال  التقارير  الخاصة   بالموقف الايراني أن الشاه  خائف من  أنه  اذا ألغى  مطالبته   بالبحرين    فانه  سيتعرض  لضغط  متزايد    لالغاء  المطالبة  بالجزر  طنب  الكبرى  و  الصغرى   و  أبو موسى.

زيارة   الدكتور  عمر  السقاف  الى طهران  في   السادس  من مايو  1969 تعتبر   واحدة  من  الوساطات  التي  قامت  بها  المملكة  العربية   السعودية من  أجل  اقناع  الشاه بالغاء   مطالبة  ايران   بالبحرين. تقول  البيانات  أن  الشاه  ناقش  مع  السقاف مشكلة  البحرين  و  بشيء من   التفصيل    و أنه  أعاد  التذكير   بالتصريح   الذي  أدلى به  في نيودلهي  و   الذي عبر  فيه عن  أسفه  لعدم  حدوث  أي  تقدم.   كما أفاد   الشاه  بأنه   قد  قرر  الغاء  فكرة  أخذ  المشكلة  الى  مجلس  الأمن  و   أنه  قرر  بدلا  من  ذلك  تركها   للسكرتير  العام  للأمم  المتحدة   ليتعامل  معها  حسب  ما  يرى مناسبا.

و تطرق   الشاه  أيضا  الى  موضوع الجزر  المتنازع  عليها   في أسفل الخليج و  قال  للسقاف  أنه  يحتاج   للجزر   الثلاث  جميعها   للاغراض  الاستراتيجية  و  تمنى   أن يحصل  عليها  كجزء  من  الصفقة  التي   تشتمل  على البحرين.

بعد عودة الشيخ  من  نيويورك  الى  لندن  في  النصف  الثاني من سبتمبر تم  عقد  اللقاء  مع  الادارة البريطانية  من أجل  استكمال  المهام  المتعلقة باستقلال  البحرين.   و  أثناء   تواجده  في لندن  كانت  هناك   مقابلة   للشيخ مع  جريدة  التايمز في  18 سبتمبر  1969 في  لندن أفاد   بأنه  قبل  بلجنة  تقصي  الحقائق  التي  ستقوم بتشكيلها الأمم  المتحدة .

على  اثر  الاتفاق  الذي  تم بين  ايران   و بريطانيا  و  الولايات المتحدة  حول  استخدام ادوات  الأمم  المتحدة  من  أجل استقلال  البحرين بادرت  الخارجية  البريطانية  و الكومنويلث

في  معرض سعي   حكومة  البحرين  لكسب   التأييد  المحلي  لعروبة  البحرين  و انجاح  مهمة المندوب  الدولي بادرت  الحكومة على  المستوى  المحلي  بتشكيل  لجان من  كبار المسئولين في البلاد  للقيام بالاتصال بجميع الهيئات والمنظمات الشعبية والاقتصادية و اطلاعهم على  أخر التطورات والتفاصيل , طالبة منهم الاستعداد  لملاقاة   المندوب   و  اطلاعه  على   حقيقة   الموقف  تجاه  عروبة  البحرين.

أما  على  المستوى  العربي  فقد أوكل  لرئيس دائرة الخارجية في حكومة البحرين الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة لزيارة القاهرة ، حيث قابل الرئيس  جمال عبدالناصر الذي وعده  ببذل مساعيه  لدى سوريا و الدول  العربية  الأخرى  من  أجل  اقناعهم بوجهة نظر البحرين ومساعدتها في إنجاح مهمة جيوشياردي. كما  قام  الشيخ  محمد  بزيارة   بغداد و مقابلة الرئيس أحمد حسن البكر  الذي  ابدى  استعدادا  لتفهم موقف البحرين و  عبر  عن  تاييده للخطوات المتخذة في  سبيل  تحقيق  استقلال  البحرين.   في  الوقت  نفسه  أوفدت حكومة البحرين المستشار القانوني  لمجلس الدولة الدكتور حسين البحارنة إلى الكويت لإطلاع السفراء العرب هناك على أخر تطورات القضية. و قد تم  الاجتماع    في مقر السفير الجزائري في الكويت و   تعرض  الدكتور  حسين البحارنة لموجة من التشكيك  في   عملية  التسوية من  قبل معظم السفراء  العرب   خاصة و أن من يشرف    على  هذه  العملية المملكة  المتحدة.   و بالرغم  من  كل  هذا  التشكيك    فقد  نجح    الدكتور   البحارنه  في  كسب  تعاطف    الاغلبية مع  عروبة  البحرين.

في  اليوم التالي  لصدور هذا  البيان و تحديدا  في الساعة السابعة من صباح يوم الاثنين 30 مارس   عام  1970 وصلت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة  وضمت في عضويتها ستة ممثلين دوليين من إندونيسيا وأيرلندا وفرنسا والهند والأردن، إضافة إلى رئيسها المندوب الإيطالي السيد «ونسبير جيو شاردي» .Guicciardi

ما  هو   جدير   بالملاحظة  أن   هذه  الزيارة  دفعت   القوميين العرب و الناصريين  للخروج  في مظاهرة كبيرة    جابت  شوارع المنامة العاصمة رافعة شعارات  عروبة البحرين و مؤكدة على استقلالها.

في  هذا المقام  لا   بد  من  الاشارة  الى الزيارة  التي  قام  بها  الشيخ  عيسى   بن  سلمان  آل خليفة الى  النجف  الشريف قبل  عملية    استطلاع الراي    و  ذلك بهدف  كسب   تأييد المرجعية الشيعية  لعروبة  البحرين.  في  هذه الزيارة التقى   الشيخ عيسى   بالسيد محسن  الحكيم و حصل على تأييده و مباركته   الأمر  الذي ساعد  في  الحصول  على  تأييد  الطائفة الشيعية  لاستقلال  البحرين و الوقوف مع حكم العائلة  الخليفية.

فيما  يتعلق بعملية  الاستطلاع  تم   وضع  البرنامج بحيث يشمل معظم مناطق البلاد  كما  تم  اختيار قاعة المؤتمرات بفندق الخليج لتكون  مقرا لعقد  هذه  اللقاءات.    في واقع  الأمر    فأن حكومة  البحرين   كان  لها  الدور  شبه  الكامل  في  ادارة  عملية استقصاء  الرأي حيث قامت    بوضع  جدول  الزيارات  و  مخاطبة   المدعوين   كتابيا للالتقاء   بالوفد.    و  الخطاب  التالي  المرسل   للوجيه  عبدالله  بن  يوسف  فخرو   رئيس  مجلس ادارة  صندوق  التعويضات   التعاوني  نموذج  لهذه  المراسلات و  الدعوات:     

في اليوم  الاول  لوصول بعثة  الأمم  المتحدة  تم الاجتماع  الأول  برجالات الدين و ذلك في الساعة الخامسة عصرا.  تلى  ذلك  الاجتماع  اللقاء  بالوجهاء و  الاعيان  و ممثلي   منظمات  المجتمع  المدني  من  أندية  و  جمعيات  نسائية  و  مؤسسات و غيرها.   و قد شمل هذا  اللقاء  مع   البعثة  نادي  العروبة والخريجين والبحرين وجدحفص والنسور والسنابس والجزائر والفردوسي وسترة والرفاع واليرموك والإصلاح والنعيم والأهلي والترسانة. كما التقت البعثة بإدارات جمعية رعاية الطفولة والأمومة ونهضة فتاة البحرين، وأسرة الأدباء والكتاب وأسرة فناني  البحرين  و جمعية   الهلال  الأحمر   البحريني.

من  ضمن  الوفود  التي   التقت  بالمبعوث  الشخصي    للأمين  العام   للأمم   المتحدة   وفد  نادي  البحرين   بالمحرق  الذي يعتبر  آنذاك من الأندية  الوطنية و  الثقافية.  و  قد  ترأس  الوفد الأستاد جاسم مراد الذي  أصبح  نائبا في أول برلمان منتخب بعد الاستقلال. يقول   الاستاذ جاسم  مراد أنهم  قابلوا  بعثة الأمم المتحدة في مقرها بفندق الخليج بالمنامة بصفتهم  مكلفين من مجلس إدارة نادي البحرين بالمحرق و أن  الاجتماع  لم  يستغرق  أكثر  من  ثلث    ساعة  و قد سئل أعضاء الوفد فيما  اذا  كانوا يريدون   البحرين  دولة     مستقلة    و كان  جوابهم    أنهم   جميعا  مع  البحرين  دولة  عربية مستقلة.

بعد  ذلك   استفسر المبعوث الدولي عن كيفية استيعاب البحرين المستقلة للسكان من  غير العرب من ذوي الثقافة الفارسية ( العجم ) و    أجابه   جاسم  مراد  بأن الحضارة  العربية  تستوعب كل الثقافات دون تمييز   و  أن  اللغة  العربية  آكالة  (  من  أكل ) و تفرض نفسها  لأنها  لغة القرآن ، و أن  الدين    المشترك يسهل عملية التزاوج و  الاندماج والانصهار بين   الناس.

في  تعليق   الاستاذ  جاسم  مراد   على  االوضع السياسي  آنذاك  قال أن  التيار  الشعبي بالمحرق  في  ذلك الوقت كان  مع  القومية  العربية و عروبة  البحرين و أنهم جزء من   هذا  التيار   العروبي  الواسع.   و أنه  إذا أرادت   البحرين أن تنعم  بالاستقرار فإن العامل الكفيل بذلك هو الديمقراطية و  المشاركة  في صنع  القرار.

من ضمن الوفود   التي حرصت   حكومة  البحرين على  استدعائهم  لملاقاة  وفد  الأمم  المتحدة ممثلو أندية العجم الأربعة و هي  نادي الفردوسي و  نادي  التاج   و نادي  الشعاع  و نادي الاتفاق  الرياضي.   و قد تكون  وفد  نادي الاتفاق الرياضي  من  كل  من   السادة  مدير  النادي حمزة  رحيمي و  عبدالكريم  قناطي  و سهراب طاهري و  عبدالحسين محمود  ديان

في اللقاء  مع   بعثة الامم  المتحدة   تحددت   أسئلة  المبعوث في  الآتي:

  هل  أنتم  بحرينيون؟

 من   هي  الجهة  التي تمثلونها؟

 هل  ترغبون  في  بحرين  مستقلة  أو  تابعة  لايران؟       

و    جاءت  أجوبة  الوفود لتصب في  صالح   استقلال  البحرين كما  هو متوقع.

 

فيما  يتعلق   بشيعة  أهل  المحرق   يقول  عيسى  أحمد  الحايكي   أن    بعثة  الامم  المتحدة   قامت  بزيارة    فريق  الحياك  بمدينة   المحرق حيث  اجتمعوا بممثلي    فريق  الحياك  و  الصاغة  و  و البنائيين   و الحدادة   و الفردان  و ابناء  السادةو ذلك    في  مأتم   حجي  منصور  النايم.   و قد  كان  في صحبة  الوفد كل  من     سماحة   الشيخ  أحمد  العصفور   و  سماحة  الشيه  سليمان  المدني  و الاثنان  كانا  يعملان   كقضاة   في  محكمة   الشرع   الجعفرية.  في  هذا  الاجتماع   خاطب   الشيخ سليمان  المدني    الحضور   مؤكدا    على  عروبة  البحرين   و حث   الجميع   على  تبني    هذا  الاتجاه.

 

و   من  ضمن   وفود  المحرق  التي  التقت  بمندوب  الأمم  المتحدة   الوفد  المشترك   لنادي  سماهيج  و   نادي   الهداية  بسماهيج  و  المكون من  حجي  علي  أحمد  الحايكي  و الاستاذ  حسن  سعيد   ناصر.

و   أن  مقابلة المبعوث معهما  تمت  على انفراد    و أنهما  أكدا على عروبة البحرين .

أمضى   المبعوث   الدولي  عشرين  يوما في مقابلاته    و خلص  التقرير  ليعبر عن   الاجماع    حول  عروبة  البحرين   و  استقلالها.   فموقف  ممثلي الطائفة  الشيعية   بمن فيهم  رؤساء  المآتم  و  الحسينيات  لم  يكن  ليختلف عن  موقف  أبناء  السنة   في   هذا   الموضوع    الخطير   الذي يتناول  مستقبلهم و مستقبل  أبنائهم  و   أحفادهم.  .  ما  أن  أنهى  المبعوث  مهمته حتى قفل راجعا الى  جنيف   في  18 ابريل  1970 و ذلك لكتابة  تقريره  للأمين  العام   للأمم  المتحدة  السيد يوثانت.   و بهذه  المناسبة بادرت  جبهة   التحرير  الوطني  بارسال  الخطاب  التالي الى  ممثل  الأمين العام  السيد المستر وينسبير جيوشياردي تعبر   فيه      عن  احتجاجها و استنكارها حيال  هذه العملية و  ضمنت هذا  الخطاب    المطالب التلية:

” أن  جبهة  التحرير   الوطني  البحرانية ترفض  الصيغة  الحالية  التي قام  بها مبعوث  يوثانت   الشخصي  الذي  أتى ليثبت  حقيقة   بديهية   و هي  أن البحرين  جزء   من الوطني  العربي.

أن شعب  البحرين  يطالب الأمم  المتحدة  ملاحظة  النقاط  التالية  لتقرير مستقبل البحرين  السياسي:-

1-   رفض الاستعمار البريطاني والحكم  الرجعي  و ادانة  الادعاء الايراني.

2-   الغاء  المعاهدات  الاسترقاقية.

3-    المطالبة بحق  تقرير   المصير بحيث يكفل  الاستقلال الحقيقي.

4-   ابعاد القواعد العسكرية  و أجهزة الدمار   والحرب.

5-   اطلاق الحريات  الديمقراطية.

6-    ازالة حالة الطوارئ لكي يتمكن الشعب من ممارسة  جميع  حقوقه السياسية في جو  ديمقراطي لا  يستند  الى  اللون أو العنصر أو  الطائفة أو الجنس.

7-   اطلاق سراح المعتقلين  و السجناء  السياسيين.

8-   السماح للمنفيين  بالرجوع الى أرض الوطن.

أما  الجبهة  الشعبية  لتحرير  الخليج   العربي المحتل فقد اعتبرت  هذا  الاستفتاء   جزء  من مخطط ترتيب   أوضاع المنطقة  لصالح   ايران, حيث   أن الرجعية الايرانية  حينما وافقت  على اجراء  الاستقصاء   الجيوشياردي  انما   فعلت  ذلك   بعد   أن ضمنت  مصالحها  في مناطق  أخرى  – حتى  في البحرين  بشكل  أو بآخر – على المشايخ  و الأمراء.

في  الثلاثين  من ابريل 1970 تم عرض التقرير  الخاص   ببعثة   الأمم  المتحدة  لتقصي الحقائق  على  أعضاء  مجلس  الأمن مشفوعا  بمذكرة الأمين العام   للأمم المتحدة  التي    تتحدث  عن  رغبة   الأغلبية   الساحقة  من سكان  البحرين  في الاعتراف  رسميا بالبحرين   دولة  مستقلة  و ذات  سيادة  وطنية  لها   كامل  الحرية  في تقرير  شئونها  و علاقاتها  مع  الدول  الاخرى و بعدها أصدر   مجلس  الأمن    قراره  الجماعي  رقم  278  بالتصديق  على القرار. و قد  رحب  المجلس  في  جلسته   المجلس المنعقدة في  11 مايو  1970 و التي  حملت  الرقم  1536 بالنتائج  و  الملاحظات  الواردة  في  التقرير.

و  تنفيذا للخطة  المرسومة  مع  بريطانيا  و  الولايات  المتحدة   سارعت   حكومة  ايران  الى   التصديق    على هذا   القرار   في  الرابع  عشر   من  مايو  1970  و تبعها  في  ذلك  مجلس  الشيوخ ( البرلمان  )  الايراني الذي صدق عليه في   18 مايو.    و قد  ترتب  على  هذي  الاجرائين   اقدام شاه  ايران على  حل   حزب

و بهذه    المناسبة   عبر   السفير  الايراني   في  بريطانيا  عن رغبة  ايران   ارسال وفد  النوايا  الحسنة  لتهنئة  البحرين  بهذه  النتيجة   و  كانت الزيارة   في   17 مايو  1970 و برئاسة  وكيل  الخارجية. و قد حظي    الوفد  الايراني بالترحيب   الحار و  ردت  البحرين   بقرار ارسال    وفد  لايران  و قد    تمت الزيارة  في 4 يوليو 1970.

و  قد  علقت    جريدة   الفاننشل  تايمز  The  Financial   Times  على  هذا  الحدث مع  التركيز على  موضوع   الدستور حيث قالت    أن   الحاكم  الشيخ  عيسى  قد  وعد  شعبه  اليوم   بأول  دستور  له  و  ذلك  بمناسبة  الاحتفال   بالعيد  التاسع  لتوليه  الحكم.   و ان  الدستور  سوف  تتم  صياغته  بواسطة   خبراء  مهرة  و  أنه  آمل   أن  يكون  جاهزا  خلال   عام  واحد.  أن  هذا  الدستور  سوف  يرسم  شكل  السلطة   و  يعطي  كل  مواطن  استحقاقاته   و يفتح  الأبواب   ليمكن  كل  مواطن   من  المشاركة   في  شئون  الدولة   و  يحملهم  مسئولياتهم   تجاه   خدمة   بلدهم.  و في  حال   ما اذا  فهم  من  أن   هذه  الاصلاحات   تعني    ذهاب   البحرين   في  طريق  مستقل  ( عن  جاراتها ) فان  الشيخ  عيسى   قد عبر    عن   اعتقاده  الراسخ  في    اتحاد   الامارات   الخليجية  بمن  فيهم    البحرين  لأنه  يعتبر  هذا  الاتحاد   ضرورة  مطلقة  لصالح   الجميع.   و  اختتمت   الجريدة  مقالها   بالقول بأن  الشيخ  عيسى  يضع  آمال  كبيرة  على   الاتصالاات  المقبلة   التي   سيقوم بها الوفد   المشترك  السعودي   الكويتي  بين   الدول  الخليجية   و أنها ستعطي  ثمارها.

في  شهر  يونيو  1971  أي  قبل   شهرين من  اعلان   استقلال  البحرين قام  وزير   الخارجية   الايراني     بزيارة   للبحرين   و  أعلن   بأن  ايران    لديها   4  مطالب   هي:

1-    رغبة  ايران  في  استئجار   قاعدة   المحرق   العسكرية   بعد  انسحاب القوات    البريطانية  منها.

2-   على  البحرين   عدم   الدخول   في  اي  اتحاد  فدرالي مع  الكويت

و للعلم  فأن  أردشير زاهدي  هو زوج  أخت    الشاه  محمد رضا  شاه بهلوي     و يلقب  بأردشير  خان  نسبة   الى  النفوذ   السياسي  و  الاداري الذي  يستمده من الشاه.

 

في السادس  عشر من أغسطس 1971 تقدمت  البحرين  بطلب  الانضمام   الى  الأمم المتحدة مدعومة  من قبل الادارة  البريطانية و لم  يمضي  يومان  حتى صدرت    توصية    مجلس الأمن  بقبول   الطلب  بتاريخ  18  اغسطس  1971و بعد  ذلك بثلاثة  أيام  أي   في   21 سبتمبر   1971 صدر    قرار   الأمم  المتحدة في جلسة   الجمعية  العامة  للأمم  المتحدة  المرقمة ب  1934 بالموافقة  على  عضوية   البحرين ,   و قام  أول ممثل  للبحرين  و هو السيد سلمان محمد الصفار بتقديم أوراق اعتماده لسكرتير الأمم  المتحدة  السيد يو ثانت (U Thant)   في الثاني  و العشرين  من سبتمبر 1971.  

الولادة العسيرة  لمسودة الدستور.

في السادس عشر من ديسمبر 1970  و بمناسبة  الذكرى التاسعة لعيد الجلوس اعلن الأمير في خطابه عن اصدار دستور للبلاد ينظم ممارسة  السلطة و يحدد الاختصاصات و يرسم  الغايات  الكفيلة  بالسير بهذا الوطن في معارج التقدم و الازدهار.

انتخابات المجلس التأسيسى

في يوم الخميس الموافق  الثاني و العشرين من شهر يونيو 1972 صدرت مسودة دستور البحرين  في شكل مرسوم.

و تنفيذا لمشروع قيام مجلس تأسيسي صدر المرسوم الاميري رقم (12) بتاريخ 20  من شهر يوليو 1972 و القاضي بالدعوة  الى اجراء انتخابات المجلس التأسيسي من أجل مناقشة  مسودة الدستور الذي تمت كتابته  بواسطة لجنة حكومية بقيادة  الدكتور حسين البحارنة. كما  صدر على اثر ذلك  المرسوم بقانون  رقم (13)  لسنة 1972 بشأن  أحكام  الانتخاب للمجلس التأسيسي الذي حصر  الانتخاب في  المواطنين من الذكور فقط كما نصت  على ذلك الفقرة  – أ- من المادة الأولى. كما حدد القانون السن القانوني بعشرين عاما . في الوقت نفسه  أعطت   الفقرة –ب- من نفس المادة حق الانتخاب للمتجنس اذا مضت  عشر سنوات  على حصوله على الجنسية  و ذلك طبقا  لقانون الجنسية الصادر في عام 1963 .  أما الفقرة –ج- فقد حرمت أفراد القوات المسلحة و الشرطة من حق الأنتخاب.  والحقيقة أن الحكومة قد استعانت بالخبير الدستوري الكويتي الذي أبتعث الى البحرين للمشاركة في اعداد مسودة دستور  البحرين وكذلك قانون الأنتخابات و لذا فقد جاء دستور البحرين  نسخة طبق الأصل تقريبا للدستور  الكويتى.

من المهم في هذا المقام استعراض  المشهد السياسي كما صوره  السفير في  الرسالة  التي  بعث بها في  السابع  و  العشرين من فيراير  1973. يقول السفير: ” أن المجلس هو بمثابة مركز اهتمام  التطور السياسي  و من ثم  أنه اذا ما اسثنينا جانبا  العناصر  الهدامة فأن  التجربة قد مرت كما كان متوقعا. أن انعدام الخبرة هو أمر مزعج  و و أن ذلك يتسبب في اهدار وقت الوزراء لكنها(العملية الديمقراطية)  في الوقت نفسه مشوقة  لعدد كبير من البحرينيين. ” و تحدث عن كتلة  الشهابي المقاطعة  فقال: ” التقدميون الذين  تم الضغط عليهم من قبل الجبهة الشعبية  لتحرير  عمان و الخليج  العربي و القوى الخارجية  الأخرى  لتسويد صورة  العملية   الدستورية و قاطعوا الانتخابات منذ البداية تم استقبال شكوكهم  و معارضتهم  بفتور “.  و تحدث عن جماعة الشملان   فقال: ” أن “جماعة الشملان ” يضايقون  الوزراء  عن طريق   تعديلاتهم البعيدة عن الفهم لكن  هناك الاحتمال بأن  تكون  اثنتان  أو ثلاث من هذه التعديلات من النوع الهدام و  بشكل مقصود.  أنني  أشك في  أن يكون الشملان   نفسه ثوريا  مع أن  الدلائل متضاربة”.  بعدها  انتقل الى الجماعةالدينية  فقال :” أن الأعضاء الشيعة  الذين   يضمون  فيما بينهم مجموعة صغيرة  من الدينيين  لديهم  في الخلف  جماعتهم  التي  تشعر   بأنها  قد حصلت أخيرا على  الانصاف  و أنهم  ربما هرولوا في  آخر  المطاف  لا ليكونوا في صف الخليفة  و لكن ليكونوا ضد   الثوريين.  

 

في 12 يونيو 1973 صدر   تقرير  سري لوزير الدولة  لشئون الخارجية  والكومنولث  قال  فيه “  أن الدستور يحصن النظام  و الحكومة  بشكل  كبير و خصوصا  خلال  البرلمان  الأول ( الفصل التشريعي الأول ). و أن السلطة التشريعية  قد عهد بها الى  الأمير  و الأعضاء الثلاثين  في الفصل التشريعي الأول زائدا  الوزراء الأربعة  عشر بحكم مناصبهم.  الا  أن عدد الأعضاء المنتخبين سيرتفع الى أربعين  بعد أربع سنوات و لذا فأن  الأغلبية التي تتمتع بها الحكومة خلال الأربع سنوات  الأولى تبقى على ما يبدو في  السليم”. و  واصل السفير حديثه عن الصلاحيات فقال: ” أنه من حق  الأمير  أن يحيل   القوانين الى  دور الانعقاد التالي لكنه من  حق  أغلبية  الأعضاء أيضا اسقاط القانون. كما يملك  الأمير صلاحية  حل  البرلمان  و  الدعوة لاجراء انتخابات جديدة “. وعن تكوين  السلطة التنفيذية قال السفير: ” أنها تتكون  من رئيس  الوزراء  (  يعينه الأمير )  و مجلس الوزراء  (  يعينهم    رئيس الوزراء ) و هذا أيضا  يضع حماية لمراكز   الفريق  الحالي (مجلس الوزراء) لمدة أربع سنوات على الأقل. و أنه بالامكان عزل الوزراء   من مناصبهم بتصويت  أغلبية الأعضاء المنتخبين (عدا  الوزراء) على عدم  الثقة.  أما  التصويت بعدم   الثقة  في رئيس الوزراء  فأنه يحتاج الى  موافقة ثلثي جميع الأعضاء  المنتخبين  و أن للأمير  في هذه الحالة حل المجلس. لكن اذا ما قام المجلس  المنتخب الجديد بطرح  الثقة في رئيس الوزراء فأنه في هذه الحالة يحتاج الى الأغلبية العادية للأعضاء المنتخبين “. أما بخصوص  التعديلات على الدستور فقال :” أنها تحتاج الى موافقة أغلبية ثلثي جميع الأعضاء   المنتخبين و من بعدها موافقة الأمير و أن  هذه  التعديلات  لا يمكن اقتراحها  خلال  الخمس  سنوات الأولى من عمر المجلس, أما مبدأ الحكم الوراثي فأنه لا تنتهك حرمته “.

علي  ربيعة

اقرأ المزيد

المهمة المستحيلة للإبراهيمي

هناك نوع من الإجماع على أن المبعوث الدولي الجديد لإدارة البحث عن حل للأزمة السورية الأخضر الإبراهيمي شخصية تتمتع بالمهارة في إدارة التفاوض حول النزاعات التي شهدتها بلدان مختلفة، وأنه راكم خبرة يُعتد بها في هذا المجال من خلال نجاحه في إنجاز المهام التي أوكلت له، من الهيئات الدولية، في غير بلد، وهو ما لم يتمتع به سلفه، الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان .

 
ثمة أمر آخر في رصيد الإبراهيمي لم يتوافر عليه عنان هو كونه ابن هذه المنطقة، وعلى دراية أفضل وأعمق بالخصائص النفسية والثقافية لأهلها، وبالتضاريس السياسية الداخلية في سوريا ومحيطها، لكن كل ذلك لا يجعل من مهمته مضمونة النجاح، فهي أيضاً بإجماع المراقبين تبدو شائكة وصعبة، لا بل ومستحيلة، وهذا ما يُدركه الإبراهيمي نفسه حين ربط نجاح مهمته بدعم الدول الكبرى لها .

من علامات استحالة هذه المهمة، وفي أحسن الأحوال صعوبتها ما وُوجه به الرجل، وهو لم يبدأ مهمته بعد من سوء فهم، لا بل وهجوم من قبل طرفي النزاع في سوريا، أي من المعارضة والحكومة معاً،فقد أثار الإبراهيمي سخط المجلس الوطني السوري، الذي طلب منه الاعتذار عما عده “استهانة بحق الشعب السوري في تقرير مصيره” بسبب تصريح نُسب إليه، جاء فيه أن “من المبكر الحديث عن رحيل الأسد”، فيما انتقدت الحكومة السورية حديث الإبراهيمي عن حرب أهلية “طاحنة”، معتبرة أن ذلك ينافي الحقيقة، وطلبت منه “التمسك بالإطار الذي حدد لسوريا، إن كان “يريد النجاح لمهمته ويريد تعاون الحكومة السورية” .

وكما هو متوقع منه أظهر الإبراهيمي رباطة جأش في مواجهة هذه الانتقادات، وحدد الهدف الأول لمهمته في التغلب على انقسامات مجلس الأمن، قائلاً إن الحديث عن أي تدخل عسكري لن يفشل مهمته فحسب، بل سيفشل عملية السلام برمتها، وبدا دقيقاً في تشخيص طبيعة الأزمة التي يتصدى للبحث عن حلٍ لها حين رأى: “أن سوريا تشهد حرباً أهلية، على خلاف ما يراه الكثيرون من أنه يجب تجنب الحرب الأهلية في سوريا، فأنا أعتقد أننا نشهدها منذ فترة . ما يجب فعله هو وقف الحرب الأهلية وهذا الأمر لن يكون بسيطاً” .

لن يكون الأمر بسيطاً إذاً، فالإبراهيمي تسلم مهمته في الوقت الذي بلغت فيه مهمة عنان نهايتها، بإعلان صاحبها فشلها، وقد تتوج ذلك بإنهاء مجلس الأمن الدولي رسمياً مهمة المراقبين الدوليين في سوريا رسمياً، حيث جاء نشر فريق هؤلاء المراقبين تنفيذاً لخطة سلام وضعها عنان، لكن الأمم المتحدة أنهت مهمتهم مع تصاعد معدلات العنف، فيما كان عنان نفسه قد قال وهو يقدم استقالته إن زيادة تسليح المتورطين في الصراع وغياب الاتفاق في الأمم المتحدة جعل مهمته مستحيلة، وهو بذا يُلخص التحدي الذي على الإبراهيمي أن يواجهه إذا أريد له أن ينجح فعلاً في إحراز تقدم ملموس، ولا تبدو المهارات الدبلوماسية والتفاوضية للأخضر الإبراهيمي التي لا ريب فيها كافية لإحراز مثل هذا التقدم، في مشهدٍ لا يبدو أن المشاركين في صنعه أو في التأثير فيه أو حتى مجرد مراقبته، في وضع من هو بصدد إعادة النظر في حساباته .

اقرأ المزيد

عينات لبعض سمات “الدولة الآيلة إلى الفشل”


 
ما بين تدشين الرئيس المصري الجديد محمد مرسي في كلمة تهنئة وجهها للمصريين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، لحملة قومية على مستوى البلاد من أجل وطن نظيف ودعوته الجميع للمشاركة فيها يومي الجمعة والسبت 20 و 21 يوليو 2012، وما بين وصف النائب في البرلمان التونسي عن الكتلة الديمقراطية محمود البارودي في جلسلة المجلس التأسيسي التونسي التي عُقدت عشية شهر رمضان المبارك للائتلاف الحاكم الذي يضم حزب النهضة (اخوان مسلمين) بزعامة راشد الغنوشي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة المنصف المرزوقي وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر، تعليقا على عشوائية وتخبط رئيس الجمهورية في قراراته وآخرها القرار الجمهوري بتعيين الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي قبل اقالة المحافظ السابق للبنك مصطفى كمال النابلي، بأنه يدير “جمهورية موز”.. وما بين تهريب النفط العراقي من قبل حكومة اقليم كردستان الى خارج البلاد وخاصة الى تركيا وايران بأسعار بخسة – ما بين كل هذه “العيِّنات” من “اللقطات” المتفرقة والمختارة من المشهد العربي العام، وتحديدا من البلدان التي شهدت تغييرات “بمساعدة” الغرب، يمكن للمرء المتفحص أن يلتقط خيطا استدلاليا رفيعا سوف يقوده الى ذات النتيجة التي آلت اليها الحال العربية برمزية أمثلتها الثلاثة سالفة الذكر.
 
ويمكننا، قبل الاسترسال، أن نضيف هنا عيِّنة رابعة نوجزها في الثأرية والكيدية الحاقدة التي أظهرها الاخوان المسلمون في مصر تجاه ثورة يوليو في ذكراها الستين بعد أن قيضت لهم الظروف التاريخية الصعود – بالملابسات المعروفة لذلكم الصعود – الى سدة الرئاسة في مصر المحروسة والتي وصلت في حضيضها لحد التعريض بزعيم الثورة وقائدها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر!
 
تعليق محمود البارودي الساخر في البرلمان التونسي، استدعى، كما هو متوقع من المستقر المعتاد في حميّتنا وفزعتنا “للكرامة المهدورة”، ردود فعل غاضبة وصاخبة من جانب الائتلاف الحاكم وخصوصا من جانب حركة النهضة الاسلامية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، حيث تعالى الضجيج والصياح والطرق على المناضد في مشهد أشبه بحلبة صراع الديكة وفقا لتوصيف وكالات الانباء التي تناقلت الخبر.
 
وفي الاسترسال، دعونا نتوقف قليلا عند “اللقطة الرابعة” المتصلة بطبيعة الحال بـ”لقطة” العينة الأولى. طبعا شيء جيد أن يبدأ الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي رزنامة عمله الرئاسي بتجريد حملة وطنية للنظافة، فهذا دليل عافية فكرية حضارية يتصل فيها القول بالممارسة العملية. ونتمنى بطبيعة الحال أن لا تكون هذه اللفتة محض نزوة رئاسية طارئة وانما هي نوع من النسج على الأقل على منوال التجربة الناجحة التي خلّفها وراءه محافظ الاسكندرية السابق محمد عبدالسلام المحجوب خلال الفترة من 1997 الى 2006 والتي قام خلالها بتحديث المخطط العام للمدينة واستراتيجية التنمية العمرانية الشاملة للمحافظة حتى عام 2017، والتي نفّذ بموجبها ورشة اعادة بناء وصيانة عدد كبير من منشآت ومرافق المدينة العامة ومنها كورنيش الاسكندرية الشهير، حتى لقّبه أهالي اسكندرية بمحبوب الاسكندرية..أو حتى الخديوي اسماعيل الذي أنشأ الشوارع والأحياء المصرية وأمدها بالانارة وبشبكة الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، وأنشأ جهة خاصة للاعتناء بنتظيم شوارع العاصمة والقيام بأعمال النظافة والصيانة والصحة. فلقد كانت النظافة ابان الملكية وحتى في العهد الناصري عنوانا للذائقة الثقافية الرفيعة لأن الثقافة كانت لها مكانة رفيعة في المجتمع المصري آنذاك، وذلك برسم المشاهد التي سجلتها وحفظتها عدسة الأفلام المصرية القديمة (أفلام الأسود والأبيض) والتي لازالت تنهض الى اليوم شاهدا على مناقبيات تلك الأيام.
 
ومع ذلك فان نظافة القلوب وحفظ العهود يأتيان، على ما نفترض، قبل نظافة الأمكنة التي يشغلها ويستخدمها الناس. ذلك ان لفتة (gesture) النظافة التي أومأ بها سيادة الرئيس الدكتور محمد مرسي لا تستقيم مع الواقعة المتصلة بـ”لفتة” العينة الرابعة. فهنا يختفي الموقف الحضاري الذي شاهدناه في “اللقطة” الأولى، ويحل محله الكيد والثأر وكل ما نستبطنه في لاوعينا من موروث ماضوي سحيق.
 
نأتي الآن لقضية تهريب النفط العراقي من داخل حدود الدولة العراقية السيادية على يد حكومتها المحلية ، أي حكومة اقليم كردستان العراق ذات الخصوصية في “التوليفة” السياسية، الدستورية، التي نشأت بعد الاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003. هنا نحن أيضا أمام مؤشر آخر على فشل الدولة العراقية في تقديم نفسها للعالم الذي تنتمي رسميا الى عضوية اسرته الدولية ممثلة في منظمة الأمم المتحدة، بأنها دولة تمارس كامل سيادتها على حدودها وعلى ثرواتها الوطنية وعلى مصادر تراكم تلك الثروات، واثباتها، بالمقابل، بأنها دولة “حارة كل من ايدو الو”، بدليل ان لب الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان العراق هو النزعة الانفصالية لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني. فهو وان قبل أن يكون اقليم كردستان جزءا لا يتجزأ من العراق في الدستور العراقي، الا انه راح يمارس دور رئيس الدولة المستقلة ذات السيادة على ثرواتها وحدودها، فتفاوض مع شركات النفط والغاز العالمية وتعاقد مع بعضها ومنها شركة اكسون موبيل الامريكية. وقد وجهت الحكومة المركزية في بغداد أكثر من رسالة تحذير للشركة الامريكية (أكبر شركات النفط العالمية) بعدم تجاوز سيادة وصلاحيات الحكومة العراقية في تعاقداتها، وسافر لهذا الغرض رئيس الحكومة نوري المالكي الى واشنطن وسمع من الرئيس أوباما تطمينات بهذا الشأن، الا أن يد اكسون موبيل بدت أطول من يد الرئيس أوباما على لوبيات صناعة القرار في واشنطن.
 
أن تقوم المافيات والعصابات المنظمة، كما هو حادث في نيجيريا على سبيل المثال، بسرقة النفط الخام من شبكة الأنابيب الحكومية وتهريبه، سواء بصورته الأولية أو المكررة (يقوم أولئك القراصنة النفطيون بتكرير الخام النيجيري المسروق في معامل بدائية سرية وتحويله الى منتجات نفطية لاسيما الديزل والكيروسين أي المنتجات ذات القيمة المضافة العالية)، فهذا من بديهيات عمل المافيات والعصابات،  أما أن تقوم احدى الحكومات المحلية المؤتمنة، بالنيابة عن الحكومة الفدرالية (المركزية) على ادارة القطاع أو الاقليم أو البلدة، بسرقة وتهريب الثروات والممتلكات المسئولة عن حمايتها وادارتها، فهي ممارسة ليست أقل من أن توضع في مصاف الممارسات المشابهة التي سقنا المثال النيجيري كأحد نماذجها المتضادة تماما مع الدولة ككيان حضاري متماسك.
 
منتهى القول فيما تقدم، هو أن هنالك في أغلب بلداننا العربية، وليس فقط في بلدان العيّنة سالفة الذكر، أكثر من ملمح من ملامح الفشل أو السير على طريق الفشل، الذي يطبع الدولة الموسومة بالسيادة شكلا وغير المُحقّقة لها مضمونا.

 

اقرأ المزيد