المنشور

التاريخ مُنطَلقاً من الهامش

عكف
الباحثون في التاريخ عادة على تتبع الأحداث الجسام التي غيّرت مجرى هذا
التاريخ من حروب وانقلابات وثورات، ولكنهم، في الغالب الأعم، يغفلون ما
نريد أن نصفه ب”هامش التاريخ” ونعني به تلك التفاصيل الكثيرة التي يبدو
غالبها ذا طابع إنساني حميم، وهي لا تقع في بؤرة الواقعة التاريخية، أي أن
الحديث لا يدور عن الحرب أو المعارك الكبرى أو الهزائم والنكبات ونيل
الاستقلال وما هو في حكم ذلك من أحداث، وإنما يدور حول جوانب تبدو بسيطة
وهامشية لو نظر إليها من زاوية الحدث التاريخي الكبير، لكنها جديرة بأن
تمنحنا فرصة كبرى للتعرف الى المرحلة التاريخية التي تعود إليها أكثر مما
تمنحنا رواية الوقائع التاريخية الكبرى .

كان
محمد عابد الجابري يفرق بين ما يدعوه التاريخ الكبير والتاريخ الصغير، في
خانة الأول يضع تلك الأحداث التي يمكن أن تستوعب في ثناياها مجموعة من
التواريخ الصغيرة، التي لا تعدو كونها، في نهاية المطاف، مجرد تفاصيل في
الحدث التاريخي الكبير، ولكن الجابري يظل، حتى في هذا التفريق، عند حدود
الوقائع السياسية، ولا يذهب إلى ما نحن بصدده هنا، وهو الوقوف على تفاصيل
صغيرة تجري على هامش الواقعة التاريخية الفاصلة، ومفردة الهامش هنا مجازية
فقط، من أجل عقد المقارنة بين الحاسم والأقل حسماً، حين يتعين علينا عند
دراسة حملة نابليون على مصر،مثلاً، ألا نكتفي بالمعارك الحربية، وإنما نذهب
إلى يوميات العلماء والأطباء والفنانين والمصورين وسواهم الذين كانوا ضمن
الحملة كي نُكون فكرة عن تفاصيل الحياة في مصر يومذاك .

ولا
يعني هذا النوع من الكتابة أن الباحث، وهو يفعل ذلك، يكون خلواً من الهدف،
وهو لا يكتفي بتقديم تلك التفاصيل تاركاً للقارئ وحده استخلاص الاستنتاجات
الضرورية حول تلك المرحلة، وإنما يقدم هو رؤيته ولكن ليس على شكل خطاب
سياسي تعبوي . فهو لا يقوم بدور الداعية، بمقدار ما يسعى لإبراز جوانب
إنسانية مغفلة، تساعد معرفتها على إضاءة زوايا مهملة في التاريخ .

لعل
هذا يفسر لنا الاهتمام الذي توليه الدراسات الحديثة لما يمكن أن ندعوه
التواريخ الفرعية، من قبيل تاريخ النساء أو تاريخ الأقليات في هذا البلد أو
ذاك، ويمتد هذا الاهتمام إلى مجالات الأدب، خاصة في الرواية، حيث نقع على
الكثير من الروايات التي تحاول أن تتبع سيرة أجيال متعاقبة من النساء، من
خلال سرد حكايات عن نساء معاصرات يستعدن سيرة أمهاتهن وجداتهن، وعلى هذا
النحو أيضاً ينتعش الاهتمام بتاريخ الأقليات في المجتمعات لتبيان المسار
المتوتر تارة، والمتسامح تارة، من علاقة المجتمعات بالأقليات المقيمة بين
ظهرانيها .

في
هذا الاهتمام بالتواريخ الفرعية نوع من رد الاعتبار لحقائق ووقائع كثيرة
غيبتها الرواية الرسمية الأحادية للتاريخ التي إما أن تكون صيغت بمنطق
ذكوري، حين يتصل الأمر بتاريخ النساء، أو بمنطق إقصائي، حين  يتصل
الأمر بتاريخ الأقليات أو المجموعات الصغيرة والمهاجرين . ومن شأن أمر مثل
هذا أن يؤكد أن كتابة التاريخ يمكن أن تنطلق من الهامش أو الجزئي بمقدار
لا يقل عن انطلاقها من المتن، أي من الواقعة التاريخية الصاخبة، فالهامش
المغفل ربما احتوى من التفاصيل التي قد تؤدي معرفتها إلى إعادة فهمنا
للتاريخ .

اقرأ المزيد

سفه وبلادات ثروة البترول العربية – د.علي فخرو

ما يفعله أغنياء البترول العرب بثروة البترول من بطر وتبذير في بذخ
أسطوري مبتذل لم يعد مقبولاً لا بمقاييس الأخلاق ولا الذوق الرفيع ولا
أحكام الدين. وهي أفعال تتساوى في مساوئها وسقوطها في سلم القيم الإنسانية
على مستوى الأفراد والمسئولين في مؤسسات الحكم المختلفة.

على مستوى
الأفراد لا يحتاج المراقب لأكثر من التجوال في شوارع لندن التجارية ومناطق
سكنها الفاحشة الأثمان ليرى العجب العجاب. فإنْ يسوق شباب خليجيون سيارات
فارهة مطلية بالذهب وتصل أسعار بعضها إلى أكثر من مليون جنيه استرليني، أو
أن يفاخر أحدهم بأنه اشترى رقم سيارته في مزاد علني في بلاده بتسعة ملايين
جنيه، أو أن يتبختر أحدهم بأنه نقل سيارته الأعجوبة من بلاده إلى لندن
بواسطة طائرته الخاصة، أو أن يزور أحدهم متجر مجوهرات فلا يخرج منه إلا وقد
صرف عشرين مليون جنيه، أو أن يدفع بعضهم مئة مليون جنيه لشراء شقة فاخرة
تطل على منتزه هايدبارك… فإنْ يحدث كل ذلك من قبل أناس لم يمارسوا قط
الإنتاج أو الإبداع أو العمل المضني فإنه بطر مجنون لابد من طرح ألف سؤال
وسؤال بشأنه كظاهرة فرضية تثير الغثيان، ولابد أيضاً من مساءلة المجتمعات
والأنظمة السياسية التي فرّخت تلك الظاهرة العبثية.

على مستوى
الحكومات تعبت الأقلام وجفّ حبرها وهي تكتب عن عبثية الصرف على شراء أسلحة
لا تستعمل، وعلى إعلام يهبط بأذواق الناس ويكذب عليهم ويقودهم إلى جحيم
الصراعات المذهبية والقبلية والعرقية، وعلى قصور ويخوت وطائرات خاصة عَزَّ
نظيرها في قصص ألف ليلة وليلة، وعلى اقتصاد ريعي لا يبني تنمية إنتاجية –
معرفية مستدامة، وإنما يلعب بالمال البترولي في ساحات القمار والمضاربات
العقارية والأسهمية، من ثم تذرف الحكومات الدمع على تراجع خدماتها الأساسية
الإنسانية في حقول الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية للأطفال والمسنين
والعجزة والمهمشين والفقراء، وماذا تفيد دموع التماسيح وعجز الإرادة.

لكن
دعنا نورد لهؤلاء وأولئك ما حدث لدولة الأرجنتين، دولة السمن والعسل في
القرن التاسع عشر، فلعلنا نأخذ العبر قبل فوات الأوان. يذكر الكاتب
الإنجليزي ألن بيتي في كتابه «الاقتصاد الكاذب» الذي يراجع تاريخ الاقتصاد
في العالم، بأن الاقتصاد الأرجنتيني كان مشابهاً إلى حد كبير وواعداً بنفس
المستوى للاقتصاد الأميركي. لقد كانا كلاهما بلداً زراعياً وغنياً، لكن مع
مرور الوقت استعمل الأميركيون فائض ثروتهم الزراعية الهائلة لبناء اقتصاد
صناعي من خلال استيرادهم للفكر الصناعي الأوروبي. أما الأرجنتين فإنها
استعملت فوائض ثروتها الزراعية الكبيرة لاستيراد بضائع البذخ والرفاهية من
أوروبا ولصرف جزء كبير من تلك الثروة على حياة البذخ والابتذال التي عاشتها
الأقلية الأرجنتينية الفائقة الغنى في مدن أوروبا. ونتيجة لذلك الفرق
الهائل في الفهم والفعل بين البلدين انتهت أميركا بالتقدم الزراعي والصناعي
والتكنولوجي الهائل الذي نراه أمامنا، بينما انتهت الأرجنتين بإعلان
إفلاسها المدوي منذ عشر سنوات وهبوطها من عاشر اقتصاد في العالم في
الخمسينات من القرن الماضي إلى البؤس الذي تعيشه الآن كدولة من العالم
الثالث الذي يكافح ويتعثر في نموه.

الأغنياء في الأرجنتين الذين
ملكوا ثروة بلادهم الأساسية، ولكنهم ببلادة وطيش أضاعوها عبر العصور،
يشبهون إلى أبعد الحدود أغنياء البترول في بلداننا، من الذين يتحكّمون في
ثروة هائلة وناضبة، ويمارسون نفس السفه: إنهم يكتفون باستيراد البذخ وعيش
البذخ ويرفضون تنمية العلم والتكنولوجيا والإنسان واستيراد الأفكار العظيمة
القادرة إلى الدفع إلى الأمام. إنهم سيدفعون بلداننا، عاجلاً وآجلاً، نحو
نفس المصير الأرجنتيني: إضاعة فرصة تاريخية قد لا تعود، وانحدار تدريجي نحو
الإفلاس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

عبر قرنين من الزمن عرفت
عواصم الغرب سفهاً أرجنتينياً أضاع البلاد وأفقر العباد، وذلك من قبل أقلية
معتوهة جاهلة. اليوم تجول في عواصم الغرب لترى أقلية عربية معتوهة جاهلة
تفعل الأمر نفسه وتقود نحو إضاعة البلاد وإفقار العباد.

علي محمد فخرو

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

تجربة تشيلي مع ملف انتهاكات حقوق الإنسان

الدول التي تزايد على ملف انتهاكات حقوق الإنسان وعلى استمرار المحاكمات
المغلقة والصورية لا يمكنها أن تستمر طويلاً على هذا المنوال، فتلك
ممارسات أثبتت فشلها ونهاية من طبقها في نظامه السياسي المعتمد على ركائز
الفساد التي سبق وأن أشرنا إليها في مقال سابق. وقد تكون تشيلي مثالاً
جيداً جراء الانتهاكات الممنهجة التي شهدتها ابان حكم ديكتاتور أميركا
اللاتينية الشهير الجنرال اوغستو بينوشيه.

لقد واجهت هذه الدولة
الصغيرة أزمة أخلاقية وإنسانية حادة امتدت من العام 1974 حتى العام 1990،
جراء استمرار الممارسات الممنهجة والقمعية ضد المجتمع التشيلي وخاصة مع
السكان الأصليين من قبل حكم الطاغية بينوشيه الذي كان مختالاً بنفسه
وبحكمه؛ الذي كان يعكس انفصاماً سياسيّاً يعتمد على إصدار قرارات لا تناقش
في ظل قمع مستمر.

لقد ساد في فترة حكم بينوشيه الذي توفي في العام
2006 نظام سياسي غير مسبوق في تاريخ تشيلي، سواء من ناحية طول فترة حكمه
أوطموحه الراديكالي وصولاً إلى وحشية القمع الذي مارسه ضد أبناء شعبه الذي
كان متعطشاً لبناء نظامه الديمقراطي المبني على العدالة وحقوق الإنسان.

لقد
كتب ألكساندر وايلد زميل رئيسي بمركز ويلسون في واشنطن في كريستيان ساينيس
مونيتور ونشرته صحيفة «الاتحاد» في (21 يناير/ كانون الثاني 2010) مقالاً
قال فيه: « في مواجهة التيار «اليميني» الذي طالما التف حول الجنرال السابق
بينوشيه، فقد كان على الائتلاف الحزبي، الذي حكم بعده أن يحكم البلاد بقدر
عال من الكفاءة والديمقراطية. وهذا ما أوفى به الائتلاف «اليساري» بالفعل،
إذ نجح في بناء مؤسسات ديمقراطية يعول عليها وتتسم بالشفافية والخضوع
للمساءلة والمحاسبة، إضافة إلى نجاحه في التخفيف من وطأة ضعف البنية
التحتية المادية والاجتماعية التي خلفتها الديكتاتورية السابقة. وعليه يمكن
القول إن أهم تركة سياسية خلفها الائتلاف «اليساري» الحاكم سابقاً، هي
تمكنه من جعل تشيلي أكثر حرية وديمقراطية وثراءً وحداثةً».

وأوضح
قائلاً: «عشرون عاماً من حكم الائتلاف «اليساري» الحاكم – خلال أربع حكومات
متتالية – أسفرت عن إحراز تقدم كبير في محو ذلك العار المخزي الذي خلفه
ماضيها الأسود. فمنذ العام 2000 أدانت المحاكم الوطنية نحو 204 من المتهمين
بجرائم حقوق الإنسان، بينما لا تزال التحقيقات مستمرة مع 325 آخرين. كما
واجه بينوشيه وحده حوالي 300 تهمة على صلة بارتكابه جرائم انتهاكات حقوق
الإنسان، والاختلاس والتهرب الضريبي حين وفاته في العام 2006. وفي الاتجاه
نفسه؛ حولت رموز القمع الوحشي ومراكز التعذيب التي كانت تستغلها طغمة
بينوشيه الحاكمة للتنكيل بالخصوم السياسيين؛ مثل «فيلا جريمالدي»، وكذلك
الجزء المخصص من مقبرة تشيلي للمقابر الجماعية، التي دفن فيها «المختفون»
دون أسماء ولا عناوين، إلى متاحف ومواقع أثرية وطنية. إلى ذلك هناك ما يزيد
على 100 موقع تذكاري على امتداد البلاد، أصبح يدل اليوم على مدى العزم
الذي أبداه الائتلاف «اليساري» الحاكم سابقاً على تأكيد عدم تكرار حدوث هذه
الممارسات القمعية الوحشية. كما أنشأت السلطات الحاكمة حينها، لجنتين
رسميتين لتقصي الحقائق في العامين 1990-1991 و2003-2004 اضطلعتا بمهمة
التوثيق الشامل لفظائع ووحشية القمع الذي مارسه نظام بينوشيه بحق
المواطنين».

وايلد رأى أنه لم يكن ممكناً إحراز هذا التقدم من دون
وجود حركة قوية للدفاع عن حقوق الإنسان في تشيلي، مع العلم أن تلك الحركة
كانت نشأت خلال أيام فحسب من انقلاب الجنرال بينوشيه في العام 1973. وعلى
امتداد سنوات الديكتاتورية كلها؛ ظلت تلك الحركة بمثابة ضمير أخلاقي حي
ورمز للمقاومة التي كان لها قصب السبق في استعادة النظام الديمقراطي
للبلاد. وكتب يقول: «وعقب التحول الديمقراطي دفعت أسر الضحايا، بمساندة
مجموعة صغيرة من المحامين العاملين في مجال حقوق الإنسان بالدعاوى القضائية
المرفوعة وحرصوا على إبقائها حية، إلى جانب ممارستهم الضغوط المستمرة على
السياسيين مطالبين إياهم بتحقيق العدالة ورفع الظلم عن الضحايا. ويعود
الفضل في ذلك الإنجاز السياسي العدلي؛ إلى جسارة القضاة الوطنيين الذين
أعادوا إلى المؤسسة القضائية استقلاليتها وهيبتها، بعد أن فشلت هذه المؤسسة
في الدفاع عن أبسط الحقوق الأساسية للمواطنين. وبسبب الأحكام العادلة التي
أصدرها هؤلاء القضاة بحق جلادي الطغمة العسكرية، التي حكمت البلاد؛ فقد
ساهم القضاة في أن تظل الجرائم التي ارتكبها الجلادون واضحة وضوح الشمس
للرأي العام التشيلي».

وللعلم فان لجنتي تقصي الحقائق، اللتين تم
تأسيسهما بمبادرة من الرئيسين باتريشيو آيلوين وريكاردو لاجوس، تمكنتا من
إرساء لبنة قوية للحقائق التاريخية. واستكملت هذه المبادرة بمؤتمر المائدة
المستديرة المختص بالدفاع عن حقوق الإنسان الذي عقده الرئيس الأسبق فراي
رويز- تاجيل.

لقد نجح التشيليون في بناء دولتهم الديمقراطية من خلال
سيطرة المؤسسة الديمقراطية المدنية على المؤسسة العسكرية وإرساء مبادىء
حقوق الإنسان ومحاسبة ومحاكمة كل من كان له يد في قمع الحريات وقتل أرواح
الناس والتنكيل بأرزاقهم… فكم يحتاج عالمنا العربي من الوقت حتى يتعلم من
تشيلي اللاتينية؟

ريم خليفة

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

لِنَتصَافح ونتسامح ونتآلف ونتحالف – أحمد العنيسي

نعلم ونتفهم جيداً، بأن الجرح عميق وأن الصدمة كبيرة من إخواننا
وشركائنا في البلد، وغير متوقع منهم أن يقفوا ضد إخوانهم وضد مطالبنا
جميعاً، ولكن ليس هناك من مبرر لاستدامة القطيعة وتبادل الكره والحقد والغل
بيننا. كل البشر معرض للخطأ فكما أخطأنا أخطأوا، ولننسى الماضي بفتح صفحة
جديدة بيضاء، ونمحي الحقد من قلوبنا ضد بعضنا البعض.

شعب البحرين على
مدى القرون كان أسرة واحدة بعد التزاوج والتراحم بين الطائفتين الكريمتين،
ومتعاون في المصائب – غرق طائرة طيران الخليج نموذجاً – لذا دعوة صادقة
لإرجاع صدى مواقف الأمجاد واسترجاع ذكريات الماضي.

الكل متفق على
مطالب الشعب والذي يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فليس هناك ما يدعو التشتت
والفرقة ونخسر كل ما بنيناه على مدى العصور. والبشر معرض للخطأ لاسيما في
المواقف السياسية، ولكن السياسي المخضرم هو من يعدل عن مواقفه إذا ما لحظ
أن اختياره السياسي على خطأ، وليس في صالح العامة، ولنا أدلة عديدة من
السياسيين الدوليين، فعلى سبيل المثال نرى السياسيين اللبنانيين المخضرمين
(ميشيل عون ووليد جنبلاط)، مرة مع المعارضة وتلو ضدها، خاصة إذا ما ارتأى،
أنه فقد جادة الطريق وأن مواقفهما تهدد السلم الأهلي إذا ما عدل عنهما، أو
عندما يشهدان كيان البلد في خطر حينما تتداخل المصالح على الصعيد الدولي.

أيضاً
نحن مطالبون بمراجعة الذات والنظر ببصيرة بعيدة المدى، لاسيما أن شعبنا
يشتهر بحسن المعاملة وبطيبة القلب، والذي بالطبع يترافق مع التسامح والتآخي
والود بين الناس. فلماذا لا نترجمها إلى أفعال في الحب بيننا وزيادة أواصر
الترابط الأسري، وخاصة أننا يجمعنا دين واحد ونبي واحد ولغة واحدة ووطن
واحد.

نعلم أيضاً أن هناك من المؤزمين ومثيري الفتنة من الكتبة ورجال
الدين! ولكن مُطَالب من كل مواطن أن يضع مصلحة البلد فوق كل الخلافات، وأن
يستخدم بصيرته وعقله في الخير والصالح العام، وهنا ترجع بنا الذاكرة أن
أحد الإخوان قد انسحب من المسجد الذي كان يؤمه أحد المشايخ الذي كان يزدري
من طائفة بألفاظ نابية، ويخون شركاءه ويصفهم بالنعوت غير الأخلاقية ويبعث
سموم الحقد بين أبناء الوطن، ويلفق التهم الجزاف من غير رادع ديني أو
أخلاقي. حقيقة هذه العقول والنفوس التي يحتاجها البلد في هذه الفترة
الحرجة. مع إقفال هذا المقال، ونحن في هذا الشهر الكريم، بحاجة لمراجعة
الخيارات بمحاسبة النفوس وتنظيفها من السموم (الكره) ، ولا يجب أن نسمح
لأحد باستلاب تفكيرنا وعقولنا، بعد أن اتضحت لنا جميعاً الصورة الحقيقية،
واستنتجنا من يعمل ضدنا ومن يعمل لصالحنا، فيجب أن تكون خياراتنا مبنية على
مصالح الناس، وليس ضد مطالب الشعب، وكذلك المطلوب مجابهة كل ما يغوينا
بالحجج والبراهين وعدم الانصياع لسياسات تفتت الناس إلى ملل أو أيديولوجيات
تُخوِن المواطنين، وتزرع الحقد بينهم، بينما العمل على التحالف بين أبناء
الشعب للوصول إلى مطالبه الحقيقية.

أحمد العنيسي

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

ممارسات «الفصل المذهبي» ونتائجها

ما يحدث الآن من تعيينات في الوظائف الحكومية العامة على فئة معينة
واستثناء الفئة الأخرى من الترقيات وشغل مناصب قيادية في الدولة، كما أن ما
يحدث من استثناء أبناء هذه الفئة من المتفوقين من البعثات الدراسية
والتخصصات العلمية المرموقة كالطب والهندسة، لا يمكن له إلا أن يؤدي إلى
تبعات كارثية على المستوى القريب ليس على هذه الفئة وحدها وإنما على الوطن
بأكمله.

شواهد كثيرة تؤكد الإقصاء الطائفي، والاستحواذ على ما يمكن
اقتناصه من فرص وبأي أسلوب كان، «فالغاية تبرر الوسيلة» أصبح الشعار الطاغي
لدى البعض.

من هذه الشواهد الحملات الإعلامية ضد كبار موظفي الدولة
من طائفة محددة حتى أن هذه الحملة لم تستثنِ الوزراء، فها هو وزير العمل
يتعرض إلى هجوم حاد من قبل البعض وصل لحد اتهامه بالوقوف مع الاتحاد العام
لعمال البحرين «والذي لعب دوراً أساسياً في الأحداث الأخيرة» ضد الاتحاد
الحر لنقابات عمال البحرين «الوليد الشرعي لفترة المكارثية البحرينية»،
بهدف التشكيك في وطنيته، وكان أحد الوزراء من الطائفة نفسها قد تعرض في
فترة سابقة إلى هجمة مماثلة وصلت لحد تلويح عدد من النواب باستجوابه، وكان
الهدف من كل ذلك إقصاؤه رغم ما يمتلكه من كفاءة تخصصية وإحلال بديل عنه من
طائفة أخرى.

من الشواهد إبعاد خيرة الخبرات الطبية الاستشارية من
مواقعها رغم عدم وجود بديل لها ليس فقط في البحرين وإنما في جميع دول
الخليج حيث تحظى مثل هذه الكفاءات في الدول المجاورة بجميع الامتيازات بهدف
المحافظة عليها وبقائها بدلاً من هجرتها للدول المتقدمة، وأخيراً سمعنا عن
قيام البعض بكتابة عريضة تطالب بعدم توظيف الأطباء والممرضين من طائفة
معينة في مستشفى الملك حمد التخصصي بحجة أنهم من طائفة شاركت في الأحداث
الأخيرة ضد الدولة!

من الشواهد تقديم 11 أستاذاً جامعياً يشغلون
مناصب إدارية وأكاديمية بينهم عميد كلية، ومديرون ورؤساء أقسام في جامعة
البحرين إلى محاكمة ظالمة بتهمة التحريض على كراهية نظام الحكم والتحريض
على الامتناع عن القيام بالوظائف، وإذاعة أخبار كاذبة والتجمهر والشغب،
وجميعهم من طائفة واحدة.

من الشواهد استبعاد أبناء هذه الطائفة من
البعثات التعليمية وخصوصاً في التخصصات العلمية كالطب والهندسة رغم أن
جميعهم تجاوز معدله التراكمي 95 في المئة، وحصولهم على منحة تعليمية أي ما
يساوي 400 دينار سنوياً.

محاولة البعض تطبيق نظام الفصل المذهبي كما
حدث في جنوب افريقيا خلال نظام الفصل العنصري لن يحقق نصراً لأي من مكونات
الشعب، وإنما سيخسر الوطن بأكمله كفاءات لا يمكن تعويضها، كما أن تهميش
وتجهيل وإفقار أحد مكونات الشعب بشكل متعمد لا يمكن له إلا أن يخلق ردة فعل
من قبل هذا المكون تكون بحجم ما مورس عليه من انتهاكات.

جميل المحاري

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

أي مجتمع مدني نعني؟

لرأي
الأكثر جدية في مقاربة مفهوم المجتمع المدني، هو ذاك الذي يُقرنه
بالمدينة، ومؤسسات هذا المجتمع هي تلك التي ينشئها سكان المدن لتنظيم
أنشطتهم في الحقول المختلفة بشكل طوعي، وينسحبون منها، فيما لو أرادوا،
بشكل طوعي أيضاً، على خلاف الانتسابات الأخرى، القبلية والعشائرية
والمناطقية والمذهبية، التي يولد المرء منتمياً إليها، وليس من السهل عليه
التحرر منها .  ولكن  هناك
مقادير من التسطيح السائد . صار مفهوم “المجتمع المدني”، يطلق على كل شيء
غير حكومي، بصرف النظر عن طبيعة الدور الذي تؤديه المجموعة التي يطلق
عليها، حتى لو كان مُحافظاً وتقليدياً، وعلى “يمين” الدور الذي تؤديه
الدولة، على الأقل في بعض القضايا ذات الطابع الاجتماعي والثقافي، والمتصلة
بمفاهيم الحداثة وعصرنة المجتمع وحقوق المرأة، ذلك أن الدولة، أي دولة،
بوصفها تنظيماً عصرياً بالمقارنة للأشكال التقليدية السابقة لنشوئها، تعد
خطوة نوعية للأمام، من وجهة النظر التاريخية، وبالتالي لا يمكن أن نعد كل
من يعارض الدولة، بصفتها هذه، ممثلاً للمجتمع المدني، من دون التمعن في
طبيعة البرامج والأهداف والشعارات التي يطالب بها أو يدعو إليها .

المجتمع
المدني، من حيث هو مقابل للدولة، يتعين عليه أن يكون أكثر جذرية من الدولة
ذاتها في انحيازه لقيم الحداثة والتقدم والحقوق الديمقراطية، حازماً في
نضاله من أجل بناء الدولة الحديثة والعصرية، التي عليها أن تتحرر من ثقل
الولاءات والتعاضديات التقليدية السابقة لها، عبر تكريس مفهوم المواطنة
المتساوية للناس جميعاً، وإخضاعهم، على قدم المساواة، للقانون بما ينص عليه
من حقوق ومن واجبات، ونبذ كافة أشكال التمييز والمحاباة على أي من تلك
الولاءات أو الانتماءات .

يعكس
المجتمع المدني رؤية ومصالح الشرائح الحديثة من المجتمع، وهو إذ يتخذ
لنفسه موقعاً مقابلاً أو معارضاً للدولة، فإنما بهدف حملها على المزيد من
تدابير وإجراءات تجذير الممارسة الديمقراطية والشراكة مع المجتمع، في اتجاه
تطوير بنى المجتمع هيكلياً، باتجاه الحداثة وإقامة دولة القانون
والمؤسسات، النافية للولاءات السابقة لبنية الدولة، التي تعمل على النقيض
من آلياتها .

وهذا
يدعو للتفريق بين مفهوم المجتمع المدني والحركات الاجتماعية الواسعة في
عالمنا العربي، التي تبرز على شكل تيارات دينية أو مناطقية، وهي حركات
واسعة، فضفاضة، خالية من الضوابط والقواعد المؤسساتية، فهي تتحرك بإرادة
مرشد روحي أو زعيم قبيلة أو عشيرة، فيما المجتمع المدني هو في المقام الأول
مؤسسات ومنظمات وجمعيات وهيئات مستقلة لا عن الدولة وحدها، وإنما أيضاً عن
الأطر التقليدية القائمة في المجتمع، أو هكذا يجب أن تكون . ولأنها كذلك،
أو لأنها يجب أن تكون كذلك، فعلينا اشتراط صفة الحداثة فيها، بأن تكون حرة
من الكوابح التي تعيق فكرة الحداثة أو ترفضها كلية .

 وهذا
ما يمكن ملاحظته عند رصد مظاهر الحراك السياسي الاجتماعي في البلدان
العربية الذي لم تعد الأحزاب التي بشرت بفكرة الحداثة أو رفعت رايتها صاحبة
الدور الحاسم فيه، وإن دورها قد تراجع كثيراً لمصلحة قوى أخرى لا يمكن أن
نصفها بأنها جديدة، رغم حداثة انخراطها في مثل هذا النوع من النشاط
السياسي، فهي على الأرجح نوع من التقليدية الجديدة، أو التقليدية، منبعثة
في ظروف اليوم، حاملة معها خصائص هذه الظروف .

اقرأ المزيد

تهـديـد ووعـيـد..!!


أليس غريبا، وباعثا على الحيرة والقلق، ومثيرا لقدر لا يستهان به من علامات التعجب، ان توجه جهة رسمية تهديدا شخصيا لصحفي ولصحيفة على حد سواء، فقط لانهما تابعا ونشرا معلومات عن بواطن خلل وتجاوزات فيها..!!
 
هل من المعقول ألا يتردد صدى ذلك التهديد والوعيد، وان يمر مرور الكرام، وكأن المسألة عادية، وغير جديرة بالانتباه والتوقف والاعتراض، ولم نجد أحدا أبدى اهتماما بالامر، ولا احدا تقصى أو استفسرعن حقيقة هذا التهديد، أو شك بأن في المسألة «إن»، كما ولا نائبا واحدا تحرك وأدان وزايد في دلالات هذا التهديد وما يعنيه حتى من باب الاستعراضات الهزلية التي ألفناها من نواب كثر، كما لم يظهر من عدّ ذلك مساسا بحرية الصحافة، والمفاجأة ان الجهة المعنية لم تصدر نفيا ولا توضيحا ولا تصويبا ولا بيانا ولا تصريحا ولا اشارة مجرد اشارة او تلويحا بانها سلتجأ الى مؤسسة القانون لدحض ما وجه اليها من اتهامات وهي الوسائل التي يكفلها القانون بدلا من التهديد لتظهر وكأنها عاقدة العزم على اخذ راحة من وجع الدماغ، وفي نفس الوقت ظهرت وكأنها مصرة في التمادي في المسلك الخطأ والامعان في ازدراء الصحافة والناس والقانون على حد سواء..!!
 
ان صح هذا الذي نشرته الزميلة «البلاد» على صدر صفحتها الاولى من انها «تلقت تهديدات شخصية بوقف نشر اي تجاوزات بالهيئة العامة للتأمين الاجتماعي» البلاد -16 يوليو 2012»، فاننا نكون امام نموذج فج فريد من نوعه يدين الجميع، من هدد، ومن صمت، ومن يفترض انه معني بالسؤال والحساب، نموذج يعبر عن حالة من عدم الاكتراث باي مساءلة بل ويتحدى الرأي العام..!!،
 
نموذج هو باختصار يثير من جديد ذلك السؤال الجوهري: هل نحن جادون حقا في ضبط مجريات الخلل والقصور والانحراف والفساد والمضي في الاصلاح؟ هذا التهديد مثير، وبالاضافة الى انه يغري بالتحليل والتدقيق، والتعامل معه من الطبيعي ان يتم على اساس انه صحيح، ولا غبار عليه حتى اشعار آخر، لسبب بسيط ووجيه، هو ان الجهة المعنية لم يكن لها اي موقف لا متأن ولا متسرع، لا في اليوم التالي، ولا في اليوم الرابع ولا العاشر، ولا بعد ذلك وكأن الامر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، وبات لنا ولغيرنا كل العذر ان صدقنا ذلك التهديد، وصدقنا كل ما نشر وينشر عن الهيئة من تجاوزات ومخالفات بدءا بتلك التي كشف عنها ديوان الرقابة المالية والادارية في تقاريره، مرورا مما بات معلوما مما نشرته الصحيفة في الآونة الاخيرة والذي لم يجد من الهيئة الا الصمت وكأنها لم تقرأ ولم تسمع..وان وراء الاكمة ما ورائها..!!
 
نستطيع ان نذكر لمن يميل الى النسيان او له فيه مصلحة ومن دون حاجة الى استفاضة بعناوين هذا الكم من التجاوزات والمخالفات التي نشرت اخيرا، ولم نجد احدا حمّل المسؤولية عنها رغم انها او بعضها من الوزن الثقيل، من نوعية تلك المخالفات المتصلة بتسكين وظائف وصرف تعويضات بطريقة غير قانونية، والاخرى المتصلة بنائبين – تصوروا- حصلا على راتب تقاعدي يفوق راتبيهما عندما كانا على رأس وظيفتهما بنسبة 150% !! ويضاف اليها مخالفة شطب ديون من الهيئة من دون وجود سند قانوني، ومخالفة تعويض 20 مسؤولا في التأمينات تعويضات هائلة تصل الى نصف مليون دينار جراء شراء سنوات عمل سابقة اضيفت لسنوات خدمتهم مخالفة للقانون جملة وتفصيلا بعد ان دفعوا مبالغ على شراء سنوات برواتبهم القديمة ولكنهم عوضوا برواتبهم الجديدة بعد الدمج، والذين دفعوا منهم 9000 دينار لشراء سنوات خدمة حصلوا على 30 الف دينار بجانب الحصول على اقصى امتيازات التقاعد وهم على رأس وظيفتهم من دون ان يتقاعدوا..؟!!
 
كل ذلك منشور، والمنشور برمته يكشف حتى الان وحتى اشعار آخر وجود خلل وفساد بالهيئة واستغلال للصلاحيات وكل ما هو موغل في الغلط والتدليس، والاخطر ان ذلك لم يقابل باي رد او نفي او توضيح من الهيئة، وهو موقف سيظل عالقا في الذاكرة تماما كما هو الحال من الموقف من تلك التجاوزات التي كشف عنها ديوان الرقابة المالية والادارية في تقاريره فذلك في حد ذاته موضوع آخر، وبوجه الاجمال سيظل الامر باعثا على الاستياء ومثيرا للشبهات والشك وهو شك في محله وله ما يبرره.. خاصة في عدم اتخاذ خطوة الى الامام في الاصطدام الحقيقي والفعلي بالفساد والنيل منه.
 
قد يكون ما نشر غير دقيق، او مبالغ فيه، او فيه من التجني الشيء الكثير، او يلوي حقائق ووقائع، او غير صحيح بالمرة.. كل تلك الافتراضات واردة.. ولكن أليس واجبا ومن باب المسؤولية ان توضح الجهة المعنية موقفها، تفند ما نشر، او تعترف بما نشر، ولتؤكد للجميع بان قيمة المسؤولية ليست غائبة عنها وبان قيمة المساءلة لها ما تستحقه من اعتبار.
 
لا يعنينا التهديد فقط، الذي لا شك انه تصرف غريب ومثير للفزع، لدى المواطنين على الاقل المدركين لمعنى ودلالة هذا التهديد، ولسنا على يقين مما اذا كان قد فزع المسؤولون، والا لكانوا قد تحركوا ورفضوا التهديد وحاسبوا المهددين ودفعوا باتجاه تبيان الحقيقة.
 
لا يعنينا ذلك فقط، وانما يعنينا ايضا ان تكون مجريات العمل بالهيئة، وكل وزارة وهيئة ومؤسسة رسمية بمنأى عن اي انتهاكات للانظمة والقوانين مما لا يحتمل التهوين والخفة والصمت، ولا يقبل معه غض النظر عن المساءلة والحساب.
 
يعنينا اخيرا ان نتخلص من هذه الحالة السلبية التي استسلمنا لها وجعلتنا نقبل ونتقبل ونتساهل في امور ما كان ينبغي الا ان تواجه بالحسم والردع، لا ان تمر مرور الكرام وكأننا نعيش حالة من انعدام الوزن.

اقرأ المزيد

مفارقات المجتمع المدنـي


يعكس المجتمع المدني رؤية ومصالح الشرائح الحديثة من المجتمع، وهو إذ يتخذ لنفسه موقعاً مقابلاً أو معارضاً للدولة، فإنما بهدف حملها على المزيد من تدابير وإجراءات تجذير الممارسة الديمقراطية والشراكة مع المجتمع، في اتجاه تطوير بنى المجتمع هيكليا، باتجاه الحداثة وإقامة دولة القانون والمؤسسات، النافية للولاءات السابقة لبنية الدولة، والتي تعمل على النقيض من آلياتها.
 
الرأي الأكثر جدية في مقاربة مفهوم المجتمع المدني هو ذاك الذي يُقرنه بالمدينة، ومؤسسات هذا المجتمع هي تلك التي ينشؤها سكانها لتنظيم أنشطتهم في الحقول المختلفة بشكل طوعي، وينسحبون منها، فيما لو أرادوا، بشكل طوعي أيضاً، على خلاف الانتسابات الأخرى، القبلية والعشائرية والمناطقية والمذهبية، التي يولد المرء منتمياً إليها، وليس من السهل عليه التحرر منها.
 
المجتمع المدني، من حيث هو مقابل للدولة، يتعين عليه أن يكون أكثر جذرية من الدولة ذاتها في انحيازه لقيم الحداثة والتقدم والحقوق الديمقراطية، حازماً في نضاله من أجل بناء الدولة الحديثة والعصرية، التي عليها أن تتحرر من ثقل الولاءات والتعاضديات التقليدية السابقة لها، عبر تكريس مفهوم المواطنة المتساوية للناس جميعا، وإخضاعهم، على قدم المساواة، للقانون بما ينص عليه من حقوق ومن واجبات، ونبذ كافة أشكال التمييز والمحاباة على أي من تلك الولاءات أو الانتماءات.
 
وهذا يدعو للتفريق بين مفهوم المجتمع المدني والحركات الاجتماعية الواسعة في عالمنا العربي، التي تبرز على شكل تيارات دينية أو مناطقية، وهي حركات واسعة، فضفاضة، خالية من الضوابط والقواعد المؤسساتية، فهي تتحرك بإرادة مرشد روحي أو زعيم قبيلة أو عشيرة، فيما المجتمع المدني هو في المقام الأول مؤسسات ومنظمات وجمعيات وهيئات مستقلة لا عن الدولة وحدها، وإنما أيضا عن الأطر التقليدية القائمة في المجتمع، أو هكذا يجب أن تكون. ولأنها كذلك، أو لأنها يجب أن تكون كذلك، فعلينا اشتراط صفة الحداثة فيها، بأن تكون حرة من الكوابح التي تعيق فكرة الحداثة أو ترفضها كلية. وهذا ما يمكن ملاحظته عند رصد مظاهر الحراك السياسي الاجتماعي في البلدان العربية الذي لم تعد الأحزاب التي بشرت بفكرة الحداثة أو رفعت رايتها صاحبة الدور الحاسم فيه، وان دورها قد تراجع كثيرا لمصلحة قوى أخرى لا يمكن أن نصفها بأنها جديدة، رغم حداثة انخراطها في مثل هذا النوع من النشاط السياسي، فهي على الأرجح نوع من التقليدية الجديدة، أو التقليدية، منبعثة في ظروف اليوم، حاملة معها خصائص هذه الظروف. 
 


7 أغسطس 2012



 

اقرأ المزيد

المعايير.. من أين نبدأ ؟!!


بعد نفض اليد من النواب الذين نظن وليس كل الظن إثم بأنهم في وادٍ والناس في واد اخر، وكأنهم موجودون لزوم الديكور..!! ليس أمامنا غير التمني على الحكومة طالما هي تؤكد في هذه الأيام بالذات بأنها وجلة على وجود المؤسسات والسلطات والقوانين، وأبدت اهتماما ملحوظا بالالتزام بتوجيهات جلالة الملك الاخيرة لاسيما تلك الداعية الى إحداث التغييرات الإيجابية التي يرنو اليها المواطن وتلبي حاجاته وتطلعاته عبر سياسات حكومية مبنية على منهجية علمية تراعي أفضل الممارسات بالمعايير الدولية، واعتبار معيار كفاءة المسؤولين مبنيا على أساس التواصل مع المواطنين والكفاءة في حل مشاكلهم.
 
من منطلق تلك التوجيهات والتوجهات والمعايير الدولية التي بتنا نتوخاها في المبدأ والموجز والتفاصيل مع الإشارات العديدة التي توالت لتجعل موضوع المعايير وطبيعة هذه المعايير ودورها المفترض والحسابات التي تقوم عليها والالتزامات التي تبنى عليها والنتائج المتوخاة في التطبيق في دائرة الاهتمامات، وهي الإشارات التي نحسب انها بدأت بما اعلن في الآونة الأخيرة من إلزام الوزارات والمؤسسات الرسمية بالأخذ بمعايير ومنهجية التميز، مرورا بتوجيه سمو رئيس الوزراء لكافة الوزراء بالتعاطي الإيجابي مع المواطنين وإيلاء شكاويهم وملاحظاتهم الأهمية اللازمة تفاعلا واستجابة وجعل المواطن دائماً في أولوية العمل الحكومي، وربما انتهاء بالتصريحات الأخيرة لعدد من الوزراء والتي انصبت باتجاه تأكيد حرصهم على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين وإعلانهم الاستعانة ببيوت خبرة لتطبيق المعايير التي ينشدونها.
 
لا نعلم ماذا كان ذلك يجيز لنا ان نتوقع طورا جديدا فى العمل الحكومي، وتحديث الادارة بإنسانها ونصوصها وطرقها وأساليبها ومفاهيمها وآليات عملها وشفافيتها، او اننا موعودون بمرحلة جديدة عنوانها الرئيسي «الاصلاح الاداري»… مرحلة يكون فيها كل وزير وكل من يتولى مسؤولية عامة قادر بحق على قراءة مفردات واستيعاب التزامات ومتطلبات هذا الذي بات فجأة مطلوبا وبإلحاح بدءا من معايير دولية وتميز في الأداء والعمل والإنجاز مرورا برغبة بتفعيل التواصل الحقيقي مع الناس واحترام حقوقهم وكراماتهم، واننا اليوم في مرحلة التركيزعلى مسألة الكفاءة في حل مشاكل الناس والاستجابة الأمينة والسريعة لاحتياجاتهم في كل الميادين لاسيما تلك التي تطبق على القلوب والصدور.
 
لا نعلم أيضاً ما اذا كان السير في هذا الطريق سيمضي من دون ان تترك مجريات الأمور على هواها، اي من دون الدخول بالأوهام واجترار الكلام الممل او إعاقات المصالح الضالعة او العقليات التي وضعتنا ولإ زالت في أسر التردد والمراوحة، خاصة اذا فهمنا تلك التوجيهات والتوجهات والتعليمات والالتزامات بأنها تعني بان إدارة الشأن العام تتهيئ للخضوع للمعايير طوعا او قسرا، وان الانصياع لهذه المعايير يفترض ان يؤدي الى نقلة نوعية في مسار كل وزارة او مؤسسة رسمية تلتزم بها فعليا، التزام يجنبها سوء الأداء وصعوبة اختراق النظم المرعية، ويفرض عليها الشفافية وتوابعها وكذلك المبادئ الأخلاقية باعتبارها أساسا وانضباطا وهيكلا للمعايير التي يفترض أيضاً ان تؤدي الى تفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة وتحد من الهدر في المال العام ويجعلها قدر الإمكان بمنأى عن الوقوع في براثن البيروقراطية وملحقاتها وكل الممارسات التي تحترف خنق المعايير وتغتالها.
 
بقي ان يعي المعنيون بالأمر، ان الالتزام بالمعايير الدولية في الأداء والعمل والإنتاج والسعي الى التميز والجودة، لا يعني فقط عددا من المشاريع والبرامج للتأهيل والتطوير الإداري والتواصل مع الناس وإلا لكانت هذه الأمور قد أدت الى نتيجة على مر السنوات المنقضية، بل هو يتضمن قبل ذلك التخلص من البيروقراطية وإفرازاتها. واقتلاع ثقافة سائدة قائمة على البركة والركون الى عناصر تعتبر المسؤولية شرفية، تكتفي بالجلوس فى المكاتب، وان تواصلت مع الناس يكون تواصلا مسرحيا يستثمر في خلق بهرجة إعلامية لا تقدم ولا تؤخر، عناصر تدير الأمور بطريقة الرمونت كونترول، وكأنه لا علاقة لها بما يجري على ارض الواقع، ووجدنا كثر من هذه العناصر لا تؤدي مهامها ولا تقوم بواجباتها الا بناء على ردات فعل، او تعليمات من فوق ويكفي ان نتابع هذه الايام ردود أفعال بعض الوزارات والأجهزة الرسمية على خلفية اكثر من قضية أثيرت في الصحافة مؤخراً.
 
لعل آخرها قضية المياه المعبأة الملوثة وقضية شحنة الابقار الملوثة وقضية الوفيات المتتالية لمرضى السكلر، وقضية وفاة عشرة عمال آسيويين اختناقا جراء حريق في مسكن غير لائق ووضع غير انساني لا يراعي لا الصحة ولا السلامة المهنية، والشواهد والامثلة لا تزال ماثلة امام الاعين على اكثر من صعيد وكأن الجهات الرسمية المسؤولة لا تتحرك للقيام بمهامها وواجباتها المفترضة الا اذا حدث ما لا يحمد عقباه من حوادث ووفيات وفواجع!! وكل ما يعبر عن واقع مؤسف يمكن تلخيصه في جملة واحدة: مسؤولون لا يقومون بواجبهم واجهزة خدمة عامة لا تقوم بعملها كما ينبغي.
 
المطلوب بديلا عن هذه الثقافة السائدة، بناء ثقافة بديلة تعتمد أولا على مبدأ الكفاءة عوضا عن مبدأ المكافأة وعلى جعل المسؤولية غير قابلة للتجزئة، إما ان يكون المسؤول مسؤولا عن كل شيء يقع تحت طائلة مسؤولياته، والا يفضل الا يكون مسؤولا عن اي شيء، يتحمل نتيجة مهامه السلبية والإيجابية على حد سواء، فلا يسعى الى تسجيل الإيجابيات في حسابه وتحميل الغير مغبة السلبيات. مسؤول قادر بكفاءة وهمة واتقان وإخلاص ونزاهة ان يزرع أفكار الإنجاز والتكيف والابتكار فى الأدارة وخدمة الناس ويحفظ حقوقهم بعيدا عن لجة الشكليات والانسياق الى تيار الكلام غير المجدي.
 
المطلوب أيضاً، تبني الآليات آلتي تكفل الوعي بأن القرارات رهينة بأوقاتها وان أثمانا باهظة تدفع من المال العام لأن قرارات لم تصدر او مشاريع لم تنفذ في اوقاتها، آليات تكفل إخضاع كل وزير ومسؤول للمساءلة والمحاسبة، وتضمن وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، آليات تحول دون إعادة انتاج الأخطاء والتجاوزات ولا تعطي اي فرصة لتكليف نفس الأطراف التي ارتكبت ما يفترض ان تحاسب عليه من ممارسات غير سوية تصحيح هذه التجاوزات والممارسات.
 
علينا باختصار ان نؤسس لحالة جديدة من الإصلاح الاداري الذي يأخذ مداه الحقيقي عبر ادوات جديدة وضخ دماء جديدة في شرايين إدارة الشأن العام ومنع سد الأفق امام أجيال جديدة لابد ان تمنح الفرصة طالما تتوفر لديها قواعد الكفاءة والقدرة على إدارة دفة المسؤولية بمسؤولية وأمانة ونزاهة وحساب الضمير. وأخيرا علينا ان ندرك بأنه سيكون من العبث حقاً ان نسعى الى نهوض حقيقي لهذا الوطن دون إدارة فاعلة ودون معايير تعي تحولات هذه المرحلة ومتطلباتها وتؤمن بأن الأكفاء هم صناع المستقبل.
 
ويبقى السؤال الجوهري: من اين نبدأ؟ وأصلا هل نحن حقاً بصدد البدأ..؟!!
 
حرر في 25 يوليو 2012

 

اقرأ المزيد

التحولات الخليجية من منظور ثقافي


جلّ الدراسات والأبحاث التي كتبت عن الحراك الثقافي- الاجتماعي في بلدان الخليج لم تتوقف بما فيه الكفاية أمام ما يمكن أن نطلق عليه مصادر تكوين المثقف الجديد في بلدان المنطقة.
 
الواقع أن ثمة دراسات مهمة في هذا السياق، ويمكن الإشارة لبعض مؤلفات الدكتور محمد الرميحي من الكويت والدكتور إبراهيم غلوم من البحرين وآخرين سواهما كأمثلة على ذلك، ولكن يظل أن هذا الموضوع مازال بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتعمق والتفصيل.
 
ثمة وفرة في الدراسات النقدية التطبيقية على النصوص الإبداعية الجديدة في مجالات الشعر والقصة القصيرة والرواية قام بها نقاد من أبناء المنطقة، وفي غالب الأحيان نقاد من البلدان العربية الشقيقة، وليس أدل على ذلك من حجم الدراسات النقدية المكتوبة عن الأدب الجديد في بعض البلدان الخليجية الاخرى كدولة الامارات وسلطنة عمان، فرغم أنه أدب فتي حديث النشأة فان ما كتب عنه من دراسات منشورة في كتب وفي دوريات ثقافية يكاد يزيد على حجم المنتوج الإبداعي نفسه، وهو أمر له نتائج متناقضة، فمن جانب تؤدي الأعمال النقدية إلى إضاءة النصوص وتسهم في تطوير مهارات المبدعين، خاصة إذا كانوا شبابا، والأخذ بيدهم، لكنها من الجهة الأخرى يمكن أن تؤدي إلى المبالغة في قيمة النتاجات الأدبية وتحميلها أكثر مما تحتمل.
 
غالبية الدراسات النقدية إما أنها اهتمت بالجوانب التقنية في هذه الأعمال الأدبية، أي دراستها كعوالم إبداعية مستقلة عن دلالاتها الاجتماعية والتاريخية، وإما أنها بالغت في الإسقاط السياسي الاجتماعي لهذه النصوص، دون أن تتنبه كفاية إلى النظر إليها بصفتها إبداعا، فجاءت تلك الدراسات أشبه بمداخل إلى تشخيص الواقع المحلي من خلال هذه النصوص. لكن الحقل الغائب أو المغيب في هذا المجال هو ذاك الذي يمكن نعته A170; «علم اجتماع الثقافة» التي تذكرنا بها بعض الدراسات الجادة التي صدرت في بلدان المغرب العربي (الطاهر لبيب من تونس ومحمد سبيلا وعبدالسلام بنعبد العالي من المغرب وسواهم)، وهذا ما سعى إلى تناوله، على الصعيد البحريني، الباحثان ابراهيم غلوم وباقر النجار، حين يصبح المطلوب رؤية الحركة الثقافية رؤية شاملة في تجلياتها المختلفة، بوصفها مظهرا من مظاهر المجتمع المدني في تعبيراته الرمزية، وعاكسا لأشكال ومظاهر الوعي الاجتماعي والاتجاهات الفكرية والسياسية في المجتمع في سيرورته ولحظات تحوله من حال إلى حال، وليس من مدخل مؤثر وعميق كدراسة مصادر تكوين المثقف المحلي وسيلة لولوج هذا الحقل.
 
اهتم ناقد ومفكر مهم بقامة إدوارد سعيد بدراسة الثقافات الجديدة في البلدان النامية، التي شخصها في خانة «ثقافات ما بعد الاستعمار»، قاصدا بذلك تحديد الحقبة التاريخية التي انبثقت فيها هذه الثقافات، ملاحظاً انها تعبر عن أفكار وقيم ومشاعر كانت مكبوتة فيما سبق، مجهولة أو ذات سمعة مشبوهة من قبل المراكز الحضرية الشهيرة. هذه إحدى المقاربات لتناول هذا الحقل، ولكن هناك مقاربات أخرى يتعين القيام بها، بغية التحليل العميق للتحولات الثقافية، التي على ما لها من استقلالية، تظل غير منقطعة الجذور والتفاعل مع مع مجمل الحراك السياسي والاجتماعي.
 
6 أغسطس 2012
 

اقرأ المزيد