المنشور

ما بعد جلسة جنيف

جلسة جنيف الخاصة بالمراجعة الدورية الشاملة لملف البحرين الحقوقي عُقدت
في 19 سبتمبر/ أيلول 2012، وخلال الجلسة أعلن الوفد البحريني برئاسة وزير
الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة موافقة البحرين على تنفيذ 145 توصية
بشكل كلي، و13 بشكل جزئي، من أصل 176 توصية، كما ورحب وزير الخارجية بزيارة
المقرر الخاص للأمم المتحدة للبحرين. ولكي نفهم ما حدث في جنيف، أقترح من
المفضل تجاهل القيل والقال والادّعاءات التي يطرحها البعض حول نصر مبين،
وذلك من أجل المحافظة على سلامة العقل.

هناك الآن التزامات علنية
قدمتها الحكومة أمام محفل دولي، والتوصيات التي طرحتها جلسة جنيف تختلف عن
التوصيات التي طرحتها لجنة تقصّي الحقائق (لجنة بسيوني)، والاختلاف يكمن في
أن لجنة بسيوني أوصت بنحو 30 توصية مهمة، ولكنها كانت لجنة وطنية، وليست
هناك أية التزامات دولية، وحتى أن المحاكم رفضت الأخذ بما جاء في تقرير
بسيوني، وعندما حاول المحامون الاستعانة بنصوص التقرير وجدوا أن الأبواب
موصدة.

توصيات جنيف طُرحت أمام محفل دولي، والبحرين لم تتعهد لنفسها –
كما كان الحال مع لجنة بسيوني – وإنما تعهدت للدول الأعضاء في مجلس حقوق
الإنسان التابع للأمم المتحدة. وهذا المجلس لديه آليات ومتابعات وخبراء
ومقررون ومفوضية سامية، وجميعها تتابع فيما إذا كان سيتم تنفيذ هذه
التوصيات أم لا، وأول تلك المراجعات ستكون في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني
المقبل، وفي 23 نوفمبر ستحل الذكرى الأولى لإصدار تقرير بسيوني.

ومن
المهم هنا الإشارة إلى أن من أهم التوصيات هي تلك التي تطالب بتنفيذ توصيات
اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق ووضع إطار زمني لتحقيق النتائج
الملموسة، وهذا يعني أن توصيات بسيوني أصبحت الآن جزءاً من توصيات جنيف،
وخبراء مجلس حقوق الإنسان سيتابعون مدى التزام الحكومة بالتوصيات التي
وافقت عليها وسيعودون إلى المجلس بتقاريرهم حول هذا الأمر.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية 
اقرأ المزيد

تنفيذ التوصيات لا يلغي حل الملفات العالقة

لا أحد يمكنه التكهن بماذا سيحدث بعد «جنيف»، كما لم يكن لأحد أن يعرف
ما الذي كانت الحكومة تنوي القيام به بعد أن تقدم رئيس اللجنة البحرينية
المستقلة لتقصي الحقائق محمود بسيوني بـ26 توصية حقوقية وليست سياسية لو
نفذت، أو كانت هناك نية صادقة لتنفيذها بشكل صحيح لكان وضعنا قد اختلف
كثيراً.

الاحتمالات تبقى مفتوحة بشكل كبير، فكما تعهدت الدولة بتنفيذ
الـ26 توصية التي تقدم بها بسيوني، فإنها تتعهد الآن بتنفيذ 156 توصية
تقدمت بها دول العالم أجمع.

من الواضح أن اللاعبين الأساسيين في قضية
البحرين، أي الحكومة والمعارضة يلعبان على عامل الوقت، دون أن يكون لأي
منهما قدرة كافية لهزيمة الآخر بالضربة القاضية، ولذلك فإن كلاً منهما يسعى
لتسجيل النقاط، والانتظار لحين أن يتعب اللاعب الآخر ويعلن قبوله بشروط
الطرف الآخر.

في مثل هذا الوضع تبقى المعركة مفتوحة دون أفق لحل يرضي
الجميع، وكلما طال أمد هذه المعركة كلما خسرت البحرين أكثر فأكثر سياسياً
واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.

المحبط في هذا الأمر غياب الصوت
التوافقي في الداخل البحريني، فالمجتمع انقسم – أو فلنقل قُسم – على بعضه
بشكل أفقي لم تترك فيه مساحة لرأي وسطي أو عقلاني يمكن أن يلعب دوراً ولو
محدوداً في تقريب وجهات النظر والإبقاء على حالة السلم الأهلي وعدم
الانزلاق نحو التناحر الطائفي، في حين تم رفض أي وساطات خارجية، حتى من
أقرب الدول لنا والتي نصفها عادة بالدول الشقيقة، كما حدث مع مبادرة دولة
الكويت في بداية الأزمة للوساطة والتي تم رفضها من قبل الدولة.

كما
أن الأمر لم يقف عند حد رفض مثل هذه الوساطات وإنما تعدى ذلك ليصل لحد
التشكيك في موقف أي دولة أو منظمة عالمية أبدت رأيها بحيادية حول ما يحدث
في البحرين.

إن تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي
الحقائق أو توصيات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لن تكون إلا خطوات
ترجعنا لما قبل أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام الماضي، في حين ما
هو مطلوب أكثر من ذلك بكثير وهو ما أدى إلى حدوث هذه الاحتجاجات؛ فما لم
تحل ملفات التمييز والتجنيس والدوائر الانتخابية العادلة والتعديلات
الدستورية وغيرها من ملفات عالقة عبر حوار سياسي حقيقي سيبقى الوضع مهيأ
للانفجار مرة أخرى حتى وإن تم تنفيذ جميع التوصيات الخاصة بحقوق الإنسان
والتي تعهدت الدولة بتنفيذها أمام العالم أجمع.

جميل المحاري

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

كريم مروّه لـ «الراي»: الأهداف العظيمة لا تكفي وحدها لإنجاح الثورات

بيروت – من
جنى فواز الحسن:


“الرأي”
التقت مرّوه وحاورته عن كتابه “قادة
تاريخيون كبار في ثورات القرن العشرين”، والواقع الراهن للثورات العربية:


• من أين أتت
فكرة الكتاب، وما الهدف من ورائه؟


– عندما
قرّرتُ
العمل
لاصدار هذا الكتاب، كانت الثورات العربية قد بدأت في تونس وفي مصر. تحقّق أول انجاز من الأهداف التي قامت لأجلها،
وهو تجسّد في سقوط كلّ من زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر. وفي مقدّمة الكتاب، أشرتُ اجابةً
عن سؤال «لماذا هذا
الكتاب
الآن؟» الى أن الهدف من استحضار ثورات القرن العشرين الآن هو ضرورة بالنسبة الى شباب الثورات المعاصرة. ماذا أعني
بذلك؟ ببساطة، رأيت أن أقدّم لثورات الشباب الجديدة صورة عمّا آلت اليه ثورات القرن العشرين بعد قيامها
وانتصارها، وما آلت
اليه
جميعها، من ثورة أكتوبر حتى الثورة الفلسطينية الجديدة، وهو كارثي بكل المعاني. ومردّ ذلك الى أن الذين
تسلموا مهمة تحقيق أهداف الثورات، وهي أهداف عظيمة، لم يكونوا جميعهم، وبنسب متفاوتة، أمناء لأهداف تلك
الثورات، وبعضهم تحوّل
الى مستبدّ
بكل المعاني، وبعضهم أخطأ من دون أن يدرك خطأه، فقاد ثورته الى الهلاك. اذاً، كان من الضروري أن نلفت نظر
شباب الثورات المعاصرة الى أن الأهداف العظيمة وحدها لا تكفي لإنجاح الثورات.


• ما المطلوب
لإنجاح الثورات؟


– لابد في البداية أن تنشأ علاقة حقيقية بين
أهداف الثورة ووسائل تحقيقها، وبين القوى التي تكون قادرة على قيادة عملية تحقيق هذه الأهداف بأمانة وصدق،
وبقدر عالٍ من الواقعية
ومن
الاستمرار لتحقيق تلك الأهداف مرحلة اثر مرحلة. وهذه الدروس من ثورات القرن العشرين اعتقدتها ضرورية، بسبب
ثوراتنا الجديدة. 


• لماذا
اخترت الحديث عن هؤلاء
القادة
بالذات؟


– اخترت
اسماء37 قائداً لتلك الثورات، لأنني لم أشأ أن أمارس عملاً تأريخياً للأحداث، اي التأريخ لهذه الثورات، فللتأريخ
أربابه، وأنا لست
واحداً
منهم. أنا لست مؤرخاً. أنا اكتب مهموماً بقضايا الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية، الأقاليم الثلاثة التي
عبّرت عنها جميع الثورات، قديمها وحديثها. انا مهموم بهذه الشعارات الثلاثة، للتاريخ القديم والتاريخ الحديث.
ومصدر همي الأساسي
هو أنني
أحب لشعوب بلادي أن تنتصر وتتجاوز في الحاضر وفي المستقبل، أخطاء الماضي. اخترت تلك الأسماء بالتحديد لأتجاوز
الكتابة التأريخية بالواسطة، من خلال متابعة سياق هذه الشخصيات التاريخية بالنسبة للثورات. ثم انني رأيت أن
الكتابة عن القيادات
واحد اثر
الآخر تسهّل على القارئ قراءة تاريخ الثورات أكثر من قراءة نص تاريخي، كما يكتب المؤرخون.


• تحدّثت عن
أخطاء الثورات العربية. ما كان أبرزها برأيك؟


– حاولت بقدر
كبير من الدقة والموضوعية، ومن المعلومات التي قدمتها قدر استطاعتي، أن أبيّن للقارئ في شكل بسيط ومباشر، ومن
دون تعقيدات، الأسباب التي كانت تتكوّن
تدريجياً،
في تلك الثورات جميعها، والتي قادتها بعد انتصارها الى الفشل. أقدّم على ذلك بعض الأمثلة، كـ «ثورة أكتوبر»
(الشيوعية) وهي أعظم ثورة في التاريخ الحديث للبشرية، اذ انها حملت هموم البشر منذ فجر التاريخ وأحلامهم
لتحقيق الحرية للفرد
وللجماعة،
ولتحقيق التقدم لبلد معين، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي لا يمكن أن تقوم الا مقرونة بالحرية والتقدم
الاقتصادي والاجتماعي. ثورة أكتوبر الاشتراكية هي الترجمة الأولى لمشروع ماركس، هذه التجربة التي كان لينين أول
من اقتحم مغامرة
تحقيق
أهداف مشروع ماركس باسمها. كان لينين يصيب ويخطئ ويصحح أخطاءه، لكن ستالين كان نقيضه بالكامل، اذ حوّل العمل من
أجل الثورة ومن أجل شعاراتها، الى عملية تخدم مصالحه هو كقائد مستبد ارتبطت باسمه جرائم كبيرة، تحت شعار
الثورة الاشتراكية. وهذا
ما قادت
اليه التجربة بعد أكثر من نصف قرن، بسبب الطابع الاستبدادي والشمولي للدولة الاشتراكية. 


مثل آخر،
الثورة التونسية. كان الحبيب بو رقيبة أحد قادة الثورة، لكنه تحول قائدها الوحيد. ورغم ما ارتبط به اسمه في تونس بعد
الاستقلال من انجازات،
فانه اذ
تحوّل الى حاكم مستبّد، قاد الثورة الى أن يتسلّمها مستبد آخر، وهو بن علي، أي الى فشل الثورة. 
مثل ثالث،
الثورة الفلسطينية، وقد حققت في بداياتها بقيادة منظمة التحرير، وعلى رأسها ياسر عرفات، وبمشاركة تنظيمات
فلسطينية عدة، انجازاً
كبيراً
يتمثل بتحويل القضية الفلسطينية الى واحدة من كبريات قضايا العصر، لكن الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها
قيادات الثورة، جعلتها تصل الى هذه المرحلة المأسوية من حياة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. واعتقد
ان هذه الامثلة
الثلاث
كافية كي تعبّر عن الخلل الذي قاد ثورات القرن العشرين الى الفشل.


• كيف تستشرف مصير الثورات العربية الحالية؟


– في الفصل
الأخير من الجزء الثاني من
الكتاب،
قدمتُ قراءة موضوعية من وجهة نظري عن الثورات العربية المعاصرة، الظروف التي نشأت فيها، مسارها التاريخي
والصعوبات الموضوعية والذاتية التي واجهتها والتي ستواجهها في المستقبل. في هذه القراءة، توقفت أولا عند الطابع
العفوي الذي يشكل
الأساس في
قيامها، بمعنى أن العلاقة بين الوعي والعفوية في قيادة هذه الثورات كانت علاقة ملتبسة. ويعبر عن ذلك أن المسار
العام الذي قامت على أساسه الثورات هو
الحرية،
الكرامة الانسانية، العيش الكريم، العدالة الاجتماعية، وهي شعارات تعبر عن رفض عفوي وواعٍ في الآن ذاته لعقود
طويلة من القهر والظلم والاستبداد، وتوق عظيم للخروج الى الحرية، كمسألة أولى، رفضاً للاستبداد، كمقدمة
لنظام ديموقراطي لا اعتقد
أن شباب
هذه الثورات كانوا يدركون بوعي كامل، شكله ومحتواه وقواه. وهذا يعني أن هذه الثورات لم تكن تحمل معها ايديولوجيات
كانت في أساس ثورات القرن العشرين، بل هي حملت معها طموحا جارفا للتغيير، من دون أن تتوافر كل العناصر الضرورية
لتحقيق هذا
التغيير.
بدأت الثورات وبدأت الصعوبات معها، ولكن الأهم من كل ذلك، هو أن هذه الثورات، برغم كل الصعوبات والتعقيدات
وكل محاولات الالتفاف عليها، قد فتحت الباب على مصراعيه من أجل العبور من ماضٍ تمثّل بالاستبداد الى
مستقبل لا استبداد
فيه.


• أين
المشكلة أو الخلل؟


– المشكلة
الأساسية التي تواجهها الثورات اليوم
تنقسم الى
عدة أقسام، أبرزها قسمان: الأول هو أنّ قوى الثورة غير موحدة، حتى على الأهداف العامة، وهذه في رأيي مسألة
طبيعية في الظروف الراهنة. وعندما أتحدث عن الوحدة، لا أعني قطعاً أن يكون هناك اتفاق كامل بين مكونات
الثورة حول كل الأمور،
فمن
الطبيعي أن تكون هناك قوى متنوعة في تصورها وشكلها. ما أعنيه بالوحدة هو اتفاق بين المتعددين على الطريق الأفضل
للانتقال بأقل كلفة ممكنة من الماضي الى المستقبل، ومن الاستبداد الى الحرية. القسم الثاني يتمثّل في أن ثمّة قوى
كبيرة منظمة لا تزال
تمثل
الماضي وترتبط به وتحلم بعودته، أو قسم منها ما زال يخشى من المستقبل، حتى وهو يرغب في التحرر من الماضي. وبعض القوى
يتمثل بالتنظيمات الاسلامية التي رغم أنها كانت ضد نظام الاستبداد القديم، فانها لم تتحرر بعد من بُعدها
العقائدي الذي يجعلها
تتحول، في
حال استلمت السلطة، الى شكل من أشكال نظام الاستبداد.


وهذه
الصعوبات
موضوعية،
ولكنني أستطيع أن أجزم، وهذا رأيي، بأننا دخلنا دخولاً حقيقياً، لحقبة جديدة في تاريخنا، وتاريخ العالم، عبر
الثورات المعاصرة، رغم كل ما فيها من
التباسات.
وفي أساس هذا الاعتقاد الجازم عندي، ما شهدناه وما نشهده من رغبة جامحة عند كثرة كبيرة من الناس في البلدان
التي قامت فيها هذه الثورات، للخروج من الماضي، وحتى لو تمّ الأمر مرحلة اثر مرحلة. ولدي امثلة شديدة التعبير
في هذا السياق. المثل
الأول ما
يجري في سورية، فالشعب السوري يثبت أنه شعب عظيم، لم نكن ندرك كم هو عظيم، وهو متشبث برغم التضحيات الجسيمة
بالخروج من الماضي ومن الاستبداد، وهو سينتصر حتماً. المثل الثاني هو ما جرى في ليبيا في الانتخابات
الأخيرة، من كان يتصوّر أن
مجتمعاً
قبلياً مثل المجتمع الليبي الذي زاده تخلّفاً وتمزقاً وتعلقاً بالتقاليد شخص مجنون مثل القذافي وضع شعبه تحت
الأسر على امتداد 42 عاماً، من كان يتصور أن هذا الشعب سيخوض انتخابات ديموقراطية، حققت فيها القوى
الليبرالية واليسارية
والقومية
انجازاً كبيراً، تمثل في امتلاك الشعب القسم الأكبر من التمثيل في المؤتمر الوطني المنتخب. هذه هي قراءتي
للثورات المعاصرة.


• وماذا عن
القول أن الثورات
العربية لن
تكتمل الا مروراً بفلسطين؟


– وضع قضية
فلسطين أمام الثورات العربية
كشرط
لانتصارها هو كلام «قومجي» يحاول أصحابه أن يشككوا بهذه الثورات اليوم. صحيح أن القضية الفلسطينية هي قضية جميع
الشعوب العربية، لكنها في الأساس قضية الشعب الفلسطيني، ولكل شعب من الشعوب العربية قضية، والمطلوب منه أن
يرتبط بقضيته ويناضل
من أجلها
لتحقيق أهدافه، كمهمة أولى، والا يكون قد سقط، وسقطت معه القضية الفلسطينية، تماما كما حصل في لبنان
حيث أدّى الارتباط العضوي بين القضيتين
اللبنانية
والفلسطينية الى تقديم القضية الفلسطينية على القضية اللبنانية، وبالتالي الى انهيار كليهما. تراجعت الثورة
الفلسطينية الى واقعها المأسوي الراهن بسبب صراعات الداخل، ووقع لبنان في مأزقه الراهن الذي لا يعرف
السياسيون من الأطراف كافة
العمل
للخروج منه. بعد أن تنجز الثورات العربية الراهنة المهمات المرتبطة بأهدافها، تستطيع أن تساعد الشعب الفلسطيني بشرط
أن تكون القيادات الفلسطينية مهيأة للاتفاق في ما بينها للخروج من مأزقها، والاتفاق على طريق يقودها الى
الهدف الأساس، اي دولة
فلسطينية
مستقلة على أرض فلسطينية وعاصمتها القدس.


• ماذا عن
لبنان، ألا يجب أن
يكون
امتداد لهذه الثورات الى الداخل اللبناني؟


– لكل بلد
شروطه الخاصة، كي
تواجه قوى
التغيير فيه مهمات هذا التغيير، ولكل بلد أشكال للنضال تختارها قوى التغيير، ولا يوجد تطابق بالكامل بين
بلد وآخر، وبين ثورة وأخرى، لكن في تقديري، ان لبنان لن يكون بعيداً عن هذه الموجة من حركات التغيير، التي
تحمل اسم ثورات. ليس
بالضرورة
قطعاً ان يتخذ ذلك الشكل نفسه الذي اتخذته هذه الثورات، هنا وهناك وهنالك. أنا واثق أن مأزق الدولة الطائفية،
القائمة على المحاصصة، ومأزق القوى السياسية وبؤس ممارستها للسياسة، جميعها ستقود الى حركة غير مسبوقة من
أجل التغيير. لكنني
أرى
بواقعية أن من الصعب تحديد زمن هذه الحركة، وتحديد طبيعتها وقواها. هذا أولا، ثم انني أرى أن في طبيعة الأمور في
لبنان، أن يكون مصير بلدنا مرتبطاً بهذا الشكل أو ذاك بمصير سورية، وبهذا المعنى، فان نوعاً من الانتظار اذا
صحّ التعبير، مفروض
على القوى
التي ستقوم بحركة التغيير المشار اليها والمنتظرة مآل الامور في سورية. هناك مخاض تعبّر عنه حالات شعبية
متعددة، رافضة للنظام القائم والقوى المهيمنة عليه وعلى الدولة. ولكن هذا المخاض، كي يصل الى ولادة حركة جديدة
للتغيير، يحتاج
بالضرورة
الى قوى ذات صدقية تعبّر عنه. ولكنني لا أستطيع أن أتنبأ متى وكيف سيتبلور هذا المخاض، لكنني واثق أننا قادمون
باتجاه ذلك الزمن الذي لن يكون بعيداً




اقرأ المزيد

هنتنغتون يعود



من
حيث شئنا أو لم نشأ، فإن الضجة التي أثارها ويثيرها الفيلم البذيء المسيء
عن الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، تعيد إلى أذهاننا أطروحة صموئيل
هنتنغتون عن صراع الحضارات التي توافقت زمنياً مع أطروحة فرانسيس فوكوياما
عن نهاية التاريخ، ما أعطى انطباعاً بأن الرجلين، هنتنغتون وفوكوياما،
ينطلقان من أرضية فلسفية وسياسية وفكرية واحدة، إلا أن عيون القراء
النابهين لكتابات الاثنين لا تخطئ ملاحظة الفروق الجوهرية بينهما . 


وهي
فروق ربما ضاقت أو أخذت تضيق بالمراجعات التي قام بها فوكوياما تحديداً
لأطروحته التي بشّر فيها بالانتصار الساحق لليبرالية الرأسمالية، حين لاحظ
أن القيم الفلسفية والسياسية التي يتبناها الغرب ويروج لها لا تحظى بالدرجة
نفسها من القبول في المجتمعات الأخرى، خاصة المجتمعات العربية والإسلامية
التي أولاها هنتنغتون عناية خاصة بوصفها، من وجهة نظره، رأس الحربة في
المواجهة العالمية الجديدة مع الغرب، كما أشار إلى ميل المجتمع الأمريكي
إلى الاسترخاء واللامبالاة والجهل بما يعج به العالم من ثقافات وديانات
وفروق، وفي تلك المراجعة وصل فوكوياما إلى خلاصة مهمة حين تحدث عن حاجة
الولايات المتحدة إلى أن تكون بلداً أكثر عفوية، بمعنى أن تدرك ضعفها
الحقيقي، وليس قوتها فحسب . برأيه، أن ذلك أولى من أن تعدّ نفسها سيدة
العالم القادرة على تقرير مصائره منفردة متجاهلة عمق هذا العالم وتعدّده
وتنوّعه .


تركز
الرفض الفكري والثقافي في الغرب وخارجه على نظرية فوكاياما عن”نهاية
التاريخ”، ربما لأن مسعى صاحبها إلى إلباسها رداءً فلسفياً وفكرياً، جعل
منها موضوع نقاش في الأوساط الأكاديمية والسياسية التي رأت في تبشيرها
بنهاية التاريخ صياغة مشوهة وفقيرة الدم لأطروحات سابقة في التراث الفلسفي
الكلاسيكي، عند هيغل خاصة، مع ملاحظة ضآلة قامة فوكوياما إزاء المنظومة
الثرية والمعقدة لهيغل .


أما
أطروحة هنتنغتون فقد بدت أقرب إلى الأطروحة السياسية المباشرة منها إلى
التنظير الفلسفي، وخاصة أنها في الأصل ليست أكثر من مقالة للكاتب نشرت في
دورية “شؤون خارجية” المتخصصة في القضايا الدولية، وفي المساجلات
والمقابلات الصحفية والإعلامية معه لم يَظهر صاحب الأطروحة بالعمق الذي
حاول أن يضفيه على أطروحته التي تنحو إلى إبعاد النظر عن التناقض العميق في
المصالح بين الشمال والجنوب وبين الكتل الاقتصادية – السياسية الكبرى عبر
تقديم صراعات أخرى تنتسب إلى ما يمكن وصفه بالبنية الفوقية، أي إلى حقل
الأفكار والثقافات والديانات واللغات .


لا
يصح تفسير كل الظواهر بنظرية المؤامرة الشهيرة، لاسيما مع إدراك الأوساط
الأكاديمية والعلمية في الغرب أن مفهوم الإسلام يشمل أيضاً الحضارة العربية
التي غيرت العالم ذات يوم، ولا تغفل عن أهمية الطاقات الروحية والمعنوية
التي يستمدها المسلمون، عرباً كانوا أو غير عرب، من ديانتهم وتاريخهم
وحضارتهم وثقافتهم، لكن المؤكد أن في دبلجة الفيلم المذكور وتعميمه تقف قوى
تعرف جيداً أنها بذلك تلعب بالنار، لتشعل هذه المنطقة بصراع ديني لا يكون
تجليه مواجهة مفترضة بين العرب وأمريكا، وإنما بين مكونات المجتمعات
العربية نفسها، خاصة بين المسيحيين والمسلمين، وبالتالي إغراق المنطقة في
فوضى إضافية أوسع نطاقاً من الفوضى المدمرة التي هي فيها حالياً، مع وجود
قوى محدودة الأفق ترى أن صراعنا مع الغرب هو صراع ديني، مع أنه ليس كذلك .



جريدة الخليج الأماراتية 
اقرأ المزيد

هل يبادر الحزب الشيوعي قبل أن يباغته جمهوره؟ – علاء المولى

ثارت الجماهير العربية في غير مكان،
وتجرأت على السلطة بمبادرة ذاتية من دون انتظار مبادرات الأحزاب. يطرح ذلك
للنقاش الجدي تساؤلات عن الأحزاب اليسارية والديموقراطية العربية. انكشفت
هشاشة الأنظمة، وبدا أنّها لم تستمر إلا لأنّ الأحزاب التي تعارضها أكثر
هشاشة منها. أكد الشعب أنّه أقوى من النظام وأكثر إدراكاً وكفاحية من
الأحزاب التي استكانت وغرقت في سبات عميق وطويل، لكنّ التطورات اللاحقة
أثبتت، من جهة أخرى، أنّ كفاح الشعب لا يكفي لتحقيق أهداف الثورة التي لا
أمل لها في النجاح من دون قوى ثورية منظّمة، تتمتع بوجود أطر فكرية
وبرامجية ونضالية ومثابرة. يعيدنا ذلك، مرة أخرى، إلى أولوية البحث في
ضرورة الحزب الثوري القيادية في العملية الثورية.


أكثر من يجب أن يستيقظ، على وقع هذا السجال الموضوعي، هو التشكيلات
اليسارية العربية، وفي مقدمها الأحزاب الشيوعية. لا مبالغة في القول إنّ
هذا هو أكثر الاستنتاجات وضوحاً وجديّة وفائدة، لأنّ التعامل الفوري معه
يحمل إمكان التأثير في الفعل خلال صيرورته، أما بقية الاستنتاجات، فالوقت
لن يفقدها قيمتها.


قلّة من المناضلين فقط، تعوّل على إمكان إيقاظ الأحزاب الشيوعية العربية،
بينما تعدّها كثرة راجحة، ميتة وبحاجة إلى من يدفنها. والحق أنّ التشابه
بين بعض علامات النوم، وبعض علامات الموت يبرر مثل هذا التباين في الرأي،
ويقيم الحجة على من يدعي إمكان الاستنهاض. إذا لم توقظ النائم صفعة الشعوب
المدوية، فهو على الأرجح ميت، ودفنه واجب. هي «لحظة» في حضرة التاريخ، فإما
أن تستيقظ الأحزاب الشيوعية، أو تعلن موتها النهائي، إذ إنّه ليس أمام
مجتمعاتنا العربية ترف منح المزيد من الوقت للشيوعيين واليساريين لـ«البحث
في ضرورة التغيير». ذلك كان قبل الثورة، أما بعدها، فصارت الساعة وحدة قياس
الوقت، لا السنوات.


في اللغة السياسية انكشفت «أزمة البديل» الثوري والديموقراطي، على حدّ
سواء، على نحو لا يصلح معه سوى «الإسراع» في معالجة هذه الأزمة. والتغيير
هو مدخل المعالجة المطلوبة وشرطها: تغيير في القيادات والرؤى والسياسات
والأساليب والخطط والخطاب… إلخ. لا يمكن إيكال أمر الخروج من الأزمة الى
جيل هو سببها، والى رموز استكانت تحت وطأتها، وتكيّفت مع السائد بدل العمل
على تغييره. هكذا بدأت البدائل الجديدة تتكوّن من رحم الثورة، وتشهد
تشكيلات يسارية انشقاقات مرشحة للتوسع، وتبحث النخبة في إمكان التلاقي على
مشروع نضالي جديد خارج تجربة الأطر القائمة. ومهما تعثرت بدايات هذا
المخاض، فلا شيء ينتظره أقل من مستقبل أفضل، ذلك أنّه لا ينبثق من ماض محمل
بالأخطاء.


يحسن الحزب الشيوعي اللبناني إن هو التقط «اللحظة»، وبادر، من دون إبطاء،
الى تغيير فوري وجدي وذي مغزى. وهو من بين قلّة من المنظمات اليسارية
العربية، مؤهل لذلك، ويمكن صحوته أن تتحول بسرعة الى عدوى إيجابية، وتلك
ميزة ليست لغيره. في داخل الحزب وعلى ضفافه، قناعة واسعة، سابقة على زمن
الثورة العربية بإلحاحية التغيير. وهي قناعة مستندة الى شعور واسع وعميق
بحجم العجز وعمق الأزمة. تتحوّل هذه القناعة سريعاً إلى إرادة وفعل راهنين
ومثابرين، تقتضي الحكمة والمسؤولية ملاقاتهما بالاحتضان والتبني، بدل
محاربتهما، على طريقة الأنظمة، بالأساليب الإدارية الفوقية أو العقلية
الأمنية. فمن الأفضل للحزب أن يبادر قبل أن يباغته جمهوره.


عندما قال الرئيس التونسي لشعبه «لقد فهمتكم الآن»، أجابوه بأنّه تأخر وبات
مطلوباً منه المزيد. كل تغيير مكلف، ويوجب بعض التضحيات التي تكبر كلما
ازداد تعنت السلطة وطال.

* عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي اللبناني


جريدة الأخبار اللبنانية

اقرأ المزيد

في ذكرى «جمّول» المقاومة ما تبقّى لنا – إيلي حنا

أحيا الحزب الشيوعي اللبناني الذكرى
الثلاثين لانطلاق «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية». في قصر الأونيسكو،
امتزج الأحمر بالأحمر. الشماليّ بالجنوبيّ. جمعهم حزبهم «تحت راية
المقاومة»، حيث لا مكان للخلاف

«جمّول» ليست مجرّد ذكرى. عبارة تتردّد
على ألسنة الشيوعيين. ينتظر هؤلاء عاماً آخر ليكرّروها. ليس في يدهم حيلة.
منهم من غادر تنظيمه. بعضهم «يغيّر» من الداخل، وآخرون مقتنعون بالخط
الحزبي. جمعتهم ذكرى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. ملأوا قاعة قصر
الأونيسكو ليهتفوا باسم «الشهيد».
موجة حمراء انسلّت بهدوء إلى أبواب العاصمة بيروت. لم يعكّروا صفوَ
«البيارتة» القاطنين على مقربة من مكان الاحتفال، في طبقاتهم العلوية
المحكمة الإقفال. باصات «المنظمات» اختلطت بعفوية، شبّهها أحد الحاضرين
بحال الحزب. ردّة الفعل والارتجال طاغية على الرؤية السياسية والتنظيمية،
يقول.


في الداخل، مشهد موحّد في احتفالات الشيوعيين، حيث يختلط الأحمر بالأحمر.
ابن لبّايا مع رفيقه البترونيّ. هموم الحزب والوطن… وسوريا. لم يكن ينقص
الشيوعيين سوى الأزمة/ الثورة السورية لتلتبس على بعضهم الرؤية، ولينحازوا
أو يحايدوا. لا فرق. بالنتيجة هم مأزومون.


في قلب هذه «الأزمة» يستقبل «بيار الصغير»، المسمى تيمّناً بالشهيد بيار
أبو جودة، قبلات متفرّقة من الرفيقات. ألكسي يلهو بسيارته الكهربائية.
أحمد، القادم من زوطر الشرقية أصبح يمسك براية حزبه بإحكام أكثر من قبل.
أحمد ولد بعد عام 2000. في يوم توقفت فيه عمليات الشيوعيّين العسكرية. لا
همّ. أحمد يعلم جيداً أنّ في قريته نصباً للشهيدة يسرى اسماعيل. رأى صورتها
على الشاشة في قاعة الاحتفال. مرّت صور الشهداء والعمليات والعروض
العسكرية. قواذف «ب 7» وحنين. إعدام العميل روبنسن… «جمول وجدت لتنتصر
وانتصرت»… حنين في الوجوه. زهوٌ في المقل. أيننا اليوم على الألسنة؟


تمرّ أغلفة صحيفة النداء على الشاشة. يستنفر «غوار» و«البرجي» و«باتنجان».
ثلاثة من مدينة الميناء في الشمال المنسيّ، تذكروا جيداً عبارات «الصفحة
الأولى». «بتذكر وقت ما وزّعنا 1500 عدد بالـ 83»، يسأل البرجي. «كيف كانوا
يوصّلهون لفوق»، يسأل باتنجان بدوره. «ما منعرف وما لازم نعرف، كل حزبي
عمل دوره»، إجابة البرجي قاطعة.


في الطبقة العلويّة من القاعة، تجمّع «المتحمّسون». رصّوا صفوفهم. رفعوا قبضاتهم اليسرى وأنشدوا في كلّ لحظة صمت تخلّلها المهرجان.
ابن «بيئة حركة أمل» إلى جانبه ابن «بيئة تيار المستقبل». لم تصبهم لوثة
الطائفية بعد. أو بالأحرى مضادّهم (الماركسي) الحيوي كان أقوى.
افتتح الحفل بفيلم من إعداد منطقية بيروت، لخّص خلال ثلاثين دقيقة انطلاق
جبهة المقاومة حتى يوم التحرير. في إحدى زوايا القاعة «ترجم» أحد الآباء
لابنته أحداث «الشاشة». «هيدي المدينة الرياضية عم تنقصف… هيدي محطة أيوب
محلّ أول عملية للرفاق… الإسرائيليون جبناء انسحبوا بعد كم يوم…
المقاومة أقوى». أصغت الصغيرة بفخر. تعلّمت «ألف باء» حزبها قبل انطلاق
عامها الدراسي. حفظت جيداً «إلى السلاح تنظيماً للمقاومة دفاعاً عن الوطن».


كما في كلّ عام، طغت الأعمار الشابة والصغيرة على الحضور. «القدامى» يتشبثّون بهم. هم الأمل، يؤكدون.


في زاوية المدخل، يقف «مناضلان متقاعدان». تبدو أيام «العسكر» أقلّ
استعصاءً أمام ما يواجهونه اليوم. في شفاههم كلام عن مدرسة أولادهم، «أنت
مسلم أو مسيحي، يسألون ابني في الصفّ». يواجه رفيقه مشكلة أخرى «اضطررت إلى
أن أضع ابني في كشافة الرسالة، أصدقاؤه هناك. ما العمل».


ما العمل؟ سؤال الشيوعيين اليوم. أجاب عنه لينين. لم يُسمع صداه في بيروت.


بين الأروقة، يجتمع رهط من «الرفاق» كأنهم في ورش عمل مصغّرة. مجموعة تقوّم
نشاط منظمتها الحزبية. مجموعة أخرى تتأسّف على وضعها التنظيميّ. فيما
يُجمع معظمهم على انتقاد «من غادروا أو انتقلوا إلى ضفّة أخرى». إنّهم
كالحمصّ الفاسد يطفون على الماء وحدهم. عبارة قالها زياد الرحباني في أحد
المهرجانات الحزبية، ما زال يردّدها «الرفاق».


في عيد «جمول» الثلاثين، كلمة سياسية واحدة، ألقاها الأمين العام للحزب
الشيوعي اللبناني، خالد حدادة. تمنى فيها أن «يكون جمال الاحتفالات بذكرى
المقاومة دافعاً لنا لمنع الاختلاف حول بعض جوانب هذه المقاومة وبعض
عملياتها وتاريخها»، ودعا إلى «عدم الوقوع في خطأ الفئوية والتنافس على
قضية هي مفخرة شعبنا وتاريخه».


وسأل: «هل انتهينا من تحديد من هو العدوّ؟ وهل كلّ القوى المشاركة في
الحوار صادقة في التعبير عن أنّ عدوها الأول هو العدو الإسرائيلي ولن
يحتضنه ويناصره في الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية؟ السياسة
الدفاعية ليست فقط سلاحاً، السلاح جزءٌ من هذه السياسة وليس الجزء الأهم،
لقد اطلعتم على أن العملية الأولى للمقاومة بدأت بقنبلتين وجدتا في بيت أحد
الرفاق، ولم تحتج عملية إطلاق المقاومة الى طائرات وصواريخ، السلاح ضروري
ولكن الأهم أنّ لأيّ خطة دفاعية جوانبها العدة». وسأل: «كيف نكون أعداء
إسرائيل وأصدقاء أميركا؟ لا أقدر أن أستوعب ذلك. وكيف نكون أعداء إسرائيل
ومسموح لمندوب أميركي بأن ينتهك سياستنا».


ختم حدادة. جلس «عود» سامي حوّاط. ارتفعت القبضات من جديد. أنشدوا «يا رياح
الشعب» ملء الحناجر. حملوا راياتهم وانطلقوا إلى قراهم المتناثرة. عاد
أحمد إلى ضريح يسرى. ووسيم إلى نصب رفاقه في كفررمان وغيّاث إلى مَعلَم
وائل نعيم في حلبا.



جريدة الأخبار اللبنانية
اقرأ المزيد

ذكرى جبهة المقاومة: استعادة الإنجاز وابتكار الدور – علاء المولى

حيي الحزب الشيوعي ،كعادته كل عام، ذكرى تأسيس «الجبهة»، وهي درّة تاج نضال
الشيوعيين اللبنانيين والعرب ضد الاحتلال الإسرائيلي. ولأنها الذكرى
الثلاثون، وتأتي في قلب مخاض عربي عسير يمهد لمرحلة جديدة تستمر فيها قضية
الاحتلال والعدوان حاضرة، تستحق «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» ما هو
أكثر من وجدانيات وحنين إلى ماضٍ، لا يعوضان ضمور الحاضر. تستحق التفكير في
تلك التجربة ــ الظاهرة بعين اليوم وظروف الماضي ضمن سياق يرى إلى موقع
المقاومة كفصيل متقدم من فصائل حركة التحرر الوطني العربية وبما يتيح
تقويماً يفتح على دور يبدو، اليوم، ضرورياً.


لا شك في أن أهم ما في تجربة «جمول» هو القرار التاريخي والجريء والرؤيوي
بإطلاقها، وهو قرار وطني ــ محلي بامتياز، استند إلى مجموعة عوامل يقف في
طليعتها وجود آلاف المناضلين الشيوعيين الشجعان والتواقين إلى النضال
لتحرير أرضهم والمستعدين لتقديم الغالي والنفيس من التضحيات في سبيل هذه
القضية. سيفتح ذلك القرار الباب واسعاً أمام تطورات غير مسبوقة، أهمها طرد
الاحتلال الإسرائيلي مهزوماً لأول مرة من بلد عربي، من دون قيد أو شرط. غير
أن المفارقة التي شهدها اللبنانيون، هي إقصاء حزب المقاومة «الأول» عن
دولة ما بعد اتفاق الطائف، وهو الأمر الذي لا تزال تداعياته واضحة على
الحزب الشيوعي الذي يستمر دوره بالتراجع وبريقه بالخفوت. وتطرح هذه
المفارقة جملة تساؤلات عن سيرورة المقاومة نفسها، وخصوصاً عن الأسباب التي
جعلتها تولد وتنمو شيوعية وتنضج إسلامية. فهل كان ممكناً لمقاومة مسلحة ضد
الاحتلال الإسرائيلي، يقودها حزب شيوعي، أن تستمر وتتطور بشروطه؟ بمعنى
آخر، هل كان ممكناً ألا تؤول الأمور إلى ما آلت إليه واقعاً؟ وكيف؟


يرى البعض أنه، بالنظر إلى النتائج اللاحقة، يجوز أن ذلك كان ممكناً لو
اتبع الشيوعيون المسلك العام الذي سلكه حزب الله في قيادته للمقاومة
الإسلامية لجهة الخيارات الاستراتيجية والسياسية الكبرى بالدرجة الأولى.
لكن البعض الآخر يرى أن على الشيوعيين أن يعوا أنه، في ظروف لبنان، لم يكن
ممكناً أفضل مما تحقق.


في الواقع، لم يكن ممكناً للشيوعيين، بسبب طبيعة حزبهم من جهة، ونتائج
انخراطهم في الحرب الأهلية من جهة أخرى، أن يتحولوا بنحو حصري إلى مقاومين
يناضلون تحت الأرض على عكس حزب الله الذي تحول، بعد سنوات قليلة على نشأته،
إلى حزب مقاوم فقط قبل أن ينضم إلى السلطة. كذلك بينت التجربة أن وحدة
الحزب نفسه وضعت على المحك حين بات مطلوباً سورياً أن يندرج ضمن إطار
تنسيقي مع بقية القوى المقاومة. والأهم أن الدور السياسي والوطني للحزب في
تلك المرحلة وقع في تناقض موضوعي مع موجبات حماية ظهر مقاومته، رغم مسعاه
إلى تحقيق تكامل بين مجمل مهماته النضالية، وذلك بسبب الطبيعة الطائفية
التي هيمنت على الحرب الأهلية، وخصوصاً في سنواتها الأخيرة. لذلك، دفع
الحزب ثمن إصراره على استقلالية مقاومته إقصاءً عن دولة ما بعد الطائف.
وبغض النظر عمّا إذا كان هذا الإصرار على الاستقلالية صائباً أو لا، فإن
الحزب لم ينجح في تحويل موقفه ذاك إلى قيمة إيجابية ذات معيارية أخلاقية
عالية ــ كان يمكن البناء عليها ــ بل تماهى مع دور الضحية وموقفها
وسلوكها، وأمعن في كيل الاتهامات، ما جعله يفقد المغزى الإيجابي لموقفه
المستقل. والأدهى أن ذلك انعكس إحباطاً في أوساط الشيوعيين، الذين تلقوا
ضربة قاسية بانهيار الاتحاد السوفياتي في الفترة نفسها، ولم يشكل منصة
انطلاق للنضال وفق الشروط الجديدة. ومن زاوية نفسية ــ اجتماعية، من المفيد
الإشارة إلى أن مجرد ظهور حالة الإحباط هذه هو مؤشر على وجود توقعات
عالية، وهو ما قد يرجح أن المزاج العام للشيوعيين ــ على عكس بعض قياداتهم
التي لم تتأخر في الانتقال إلى المعسكر الآخر ــ كان ميالاً إلى القبول
بالتنسيق بين أطراف المقاومة، ولو برعاية سورية؛ فثقافة الشيوعيين أصلاً،
تنظر إلى مقاومتهم باعتبارها جزءاً من معركة مختلف قوى حركة التحرر العربية
ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وهم ــ بهذا المعنى ــ يتفهمون
ضرورات العمل الجبهوي، ويتوقعون منه ما يتناسب مع مدى مساهمتهم فيه. لم
يستجب الحزب إذاً ــ بقرار منه ــ لشروط استمرار دوره المقاوم، وهذا يحتم
عليه، من الناحية الأدبية والتاريخية، القبول بنتيجة قراره ذاك والتفاخر
بها والنظر إلى قراره هذا باعتباره عاملاً سهّل «نضج» المقاومة كإسلامية.
ومؤدى ذلك، تجاوز حالة الغربة عن المقاومة التي يعيشها والبناء على فهم
جديد لتلك المرحلة يمكنه من وصل ما انقطع ويساعده، خصوصاً، على ابتكار دور
مقاوم له ضمن الظروف الحالية، أكثر فاعلية وتأثيراً. وجوهر التقويم المنشود
يقوم على التركيز على النصف الممتلئ من الكوب، بعد أن استهلك أكثر من عقد
من الزمن في التركيز على النصف الفارغ.


فلقد حقق الشيوعيون إنجازاً تاريخياً كبيراً سيكون له الأثر الكبير على
جوهر التطورات اللاحقة في لبنان والمنطقة. لكنهم كادوا يطيحونه نتيجة
تركيزهم، المبالغ فيه في أحيان كثيرة، على الاتهامات بالإقصاء ومحاولة
توظيف ذلك في المعادلة الداخلية، مع ما يتطلبه من تعبئة وتجييش ضد من
كانوا، آنذاك، منخرطين في العمل المقاوم. المطلوب اليوم هو التركيز على أن
جبهة المقاومة حققت أمرين في غاية الأهمية:


1- حررت القسم الأساسي من الأراضي المحتلة، وهذا إنجاز يتعمد كثيرون تجاهله أو التقليل من أهميته الواضحة للعيان.


2- حولت «قرار» المقاومة إلى خيار شعبي واسع، لا يهم من يقوده في المراحل
المختلفة، علماً بأن الرصاصات الأولى أطلقت بينما كان لبنانيون كثر من كل
الطوائف يرشون الأرزّ على جنود الاحتلال.


هذان الإنجازان يجب أن يبقيا محفورين في ذاكرة الحزب والشعب والتاريخ
باعتبارهما «إرثاً وطنياً» لا يقلل من شأنه ما حصل لاحقاً. النظر إلى
المقاومة الإسلامية باعتبارها امتداداً لمقاومة الحزب وعموم الشعب اللبناني
هو، بهذا المعنى ومن دون مبالغة أو افتراء، انتصار للحزب ولجبهة المقاومة
الوطنية وتثمير لنضالات أبطالها وتضحياتهم. فقد أدى هؤلاء الأبطال واجبهم
الوطني على أكمل وجه، وبطولاتهم وانتصاراتهم ستبقى دائماً مصدر فخر واعتزاز
لحزبهم ولوطنهم، وليس مفهوماً ولا مبرراً أن يبقوا ضحية مشاعر الخيبة
والإحباط نتيجة تراجع المساهمة «العسكرية» في المقاومة، وإن يكن مفهوماً،
لا بل ومطلوباً، ألا يشعروا بالرضى عن أوضاع حزبهم وسياساته، وخصوصاً تلك
التي تتجاهل المقاومة بشتى أشكالها.


لقد حققت «جمول» الأساسي من غايتها قبل أن ينقطع نضالها بسبب ظروف لم تعد
اليوم قائمة. ويمكن «جمول»، في ظل الظروف الجديدة، أن تستأنف نضالها بأشكال
«جديدة»، إن هي تجاوزت أسباب إعاقتها، وذلك لأن ثمة مهمات تحتاج إلى من
ينجزها، وثمة ظروف تساعد على النجاح؛ فالعالم اليوم يعيش مخاض ولادة تعددية
قطبية جديدة حفزتها الأزمة الرأسمالية العامة والحروب الإمبريالية
المدمرة، ولكن غير الناجحة. ويتزايد دور اليسار العالمي، حيث حقق نجاحات في
أميركا اللاتينية ويعيش مرحلة انتعاش جديدة في بلدان أوروبا الصناعية،
ويسعى في البلدان العربية، إلى إعادة إنتاج نفسه من رحم الانتفاضات الشعبية
خارج الأطر التقليدية، ويشكل كل هذا بيئة مواتية للاحتضان والدعم. في
المقابل، تستمر منطقتنا ساحة لحرب إمبريالية لا يزال الهدف الرئيسي فيها
يتمحور حول تصفية القضية الفلسطينية وتأبيد الاحتلال الإسرائيلي وضمان
هيمنته وفرضه مكوناً طبيعياً في المنطقة. ومن أجل هذا الهدف استُهدف لبنان
قبلاً، ويجري استهداف سوريا حالياً كما يعمل من أجل تقويض المحور الإقليمي
ــ الدولي الناشىء حولها.


لكن شكل الحروب الإمبريالية بات مختلفاً أيضاً؛ فالحروب «الجديدة» (ألبير
داغر ــ «الأخبار») لم تعد تستند إلى الجيش النظامي بالدرجة الأولى، بل إلى
وسائط وأدوات أخرى (مرتزقة ــ إعلام ــ منظمات غير حكومية ممولة ــ شبكات
دعم وتنسيق خارجي إلخ). ويفيد هذا التوصيف في توسيع قاعدة بنك الأهداف
بالنسبة إلى الفعل المقاوم بما يفتح أمامه مجالات إضافية أخرى شبه ــ
عسكرية وشعبية وغير تقليدية. وتعتمد هذه الحروب على بثّ الكراهية ضد
«الآخر»، تمهيداً لإلغائه بدل اكتسابه، ويعني ذلك ــ في ظروف بلدان المشرق
العربي خصوصاً، وفي الحرب الدائرة على سوريا نموذجاً ــ إثارة وتعميق حروب
دينية وحروب مذهبية، تفقد خلالها القوى الطائفية بالضرورة – حتى لو كانت
مقاومة – الكثير من إمكانات دورها المقاوم.


إن التطورات الجارية وآفاقها المنتظرة تدفع، موضوعياً، نحو قيام حركة
مقاومة، أقله في بلدان المشرق العربي حيث فلسطين والاحتلال المباشر، تكون
وطنية وعلمانية لا يمكن قوى المقاومة ذات الطبيعة الطائفية أن تؤدي دوراً
حاسماً فيها لجهة تطويرها وتوسيعها وتصعيدها على الصعيد الشامل، وإن كان
«حزب الله» قادراً، على سبيل الافتراض، على الانتصار في معركة وجودية حاسمة
ضد العدو تكون ساحتها محصورة بلبنان. ومن نافل القول أن القوى اليسارية
والعلمانية الوطنية والتقدمية يمكن أن تتأهل بسهولة للتصدي لهذه المهمات،
وبرنامج «جمول» هو بهذا المعنى جاهز ولا يحتاج إلا إلى بعض الإرادة وكثير
من الحكمة والمسؤولية. وإذا ما ركزنا على الوضع في لبنان، ظهر المشهد،
انطلاقاً من هذه الرؤية، أكثر وضوحاً؛ فالعملاء منتشرون في كل مكان وثقافة
التساهل مع العملاء عادت لتتقدم، سواء في مؤسسات الدولة أو على صعيد
المجتمع المدني. كذلك إن الولايات المتحدة شاركت بشكل معلن في عدوان تموز
الذي غطته بعض الدول الخليجية أيضاً. كل هذا يشكل، من حيث المبدأ، سلة من
المهمات والقضايا المتعلقة بصلب القضية الوطنية بما هي قضية التصدي للعدو
الصهيوني «وأدواته»، وكذلك لحلفائه الإمبرياليين والرجعيين. ويضاف إلى كل
ذلك استمرار احتجاز العدو لجثامين عدد من شهداء الجبهة وقضية استمرار
اعتقال المناضل جورج إبراهيم عبد الله في السجون الفرنسية. ومع ذلك تقف
المقاومة الإسلامية، للأسباب التي ذكرناها، عاجزة عن التصرف حيال كل هذا.


إن المبادرة لإعادة إحياء «جمول»، من أجل استكمال مسيرتها من خلال التصدي
لهذه المهمات، وكذلك الاستعداد لأي عدوان إسرائيلي مستقبلاً، هو أمر بيد
كوادر الجبهة وأنصارها وحزبها الشيوعي، ولا يوجد من هو قادر على منع حصوله.
كذلك فإنه يكتسب ضرورة إضافية اليوم بسبب وقوع المقاومة الإسلامية أسيرة
طبيعتها الطائفية وتحالفاتها السياسية المحلية، وخضوعها للعبة توازنات
سياسية غالباً ما تدفعها إلى تقديم تنازلات، وهو ما يجعلها عاجزة عن
الإحاطة بكل ما يستوجب الإحاطة. وهذا بدوره يفتح الباب واسعاً أمام دور
«تكاملي» لجمول مع المقاومة الإسلامية إذا ما كان «التنسيق» أمراً متعذراً
لسبب أو لآخر.


إن هذه الإمكانية الموضوعية المتاحة لا تلتقي فقط مع تطلب متزايد من «أبناء
جمول»، بل هي تشكل مناسبة لهم، جميعاً، للانخرط مجدداً في قلب الصراع
والمشاركة في صوغ السياسات الكبرى، وخصوصاً داخل حزبهم، بعد طول شعور
بالتهميش. وسيساعد هذا الأمر على إعادة تظهير أعداد كبيرة من المناضلين
الذين ذهبوا ضحية سياسات خاطئة وتكتيلهم كقوة مؤثرة لا يمكن تجاهل وزنها
ودورها. ومن نافل القول إن تحقيق ذلك يتطلب عملاً مسؤولاً وجدياً، بعيداً
عن الحماسة والانفعال، لتوفير كامل الشروط الضرورية للنجاح. ويأتي في طليعة
تلك الشروط:


1- إحداث التغيير الضروري في الحزب الشيوعي عبر مؤتمر استثنائي بات فرض انعقاده واجباً.


2 – حسم التموضع الاستراتيجي في الصراع الدائر في المنطقة وبناء التحالفات الضرورية بعيداً عن لوثة المعايير الليبرالية.


3 – إعادة الاعتبار لأهمية كل مناضل في صفوف المقاومة، باعتباره راسمالاً أكبر من التقويم.


4 – تثبيت مقولة أن الصراع الطبقي، في البلدان الكولونيالية، إنما يخاض في مجال الصراع الوطني خصوصاً.
الانتصار لجمول في عيدها الثلاثين هو، بهذا المعنى، دعوة إلى تجديد حزبها
وإحداث التغيير الجذري والضروري فيه بالاتجاه الذي يجعله حزباً يسارياً ــ
وطنياً تقدمياً مقاوماً ــ حزباً مؤثراً وفاعلاً ومهاباً ومحترماً وعصياً
على كل إغراءات الثقافة السياسية السائدة. حزب لمناضلين أحرار متساوين في
الحقوق والواجبات تحت قيادة تحرص على التفوق الأخلاقي الذي كان يميز
الشيوعيين وقيمهم النضالية النبيلة. حزب يحمي أبناءه ولا يأكلهم أو يتركهم
على قارعة الطريق أو في غياهب النسيان، فذلك ضروري لحماية التجربة الجديدة
وتحصينها من الأمراض التي عانتها «جمول». وفي ما خلا ذلك، ستكون «جمول»
مضطرة إلى شق طريقها… على طريقتها.


*عضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي اللبناني



جريدة الأخبار اللبنانية
اقرأ المزيد

مدافعو حقوق الإنسان إلهام التحرر في المجتمعات

يمثل عمل من يدافعون عن حقوق الإنسان والذين يناضلون لوضع حل للتمييز
مصدر إلهام في مختلف مجتمعات دول العالم. ففي الوقت الذي تحتقرهم الأنظمة
السياسية القامعة لكل شكل من أشكال حقوق الإنسان والتعبير إمّا بزجهم في
السجون أو تعذيبهم أو التلاعب بأحكامهم في محاكمات صورية إلا أن قيمة هؤلاء
ترتفع في المجتمع الدولي وحتى داخل مجتمعهم؛ لأنهم يبقون الصوت الذي يوثق
الانتهاكات ويصر على العدالة في ظل استمرار نظام سياسي مستبد يقصى الآخر
على حساب مصلحة نفوذه في السلطة.

وقد وصفت المفوضة السامية لحقوق
الإنسان بالأمم المتحدة نافي بيلاي المدافع عن حقوق الإنسان بالقول: «يمكن
لكل واحد منا أن يكتسب صفة المدافع عن حقوق الإنسان. وهذه الصفة ليست دوراً
يحتاج إلى مؤهلات مهنية. وأمّا ما يعتمد عليه فهو الاحترام لأخواتنا في
الإنسانية والفهم بأنه يحق لنا جميعاً التمتع بكامل نطاق حقوق الإنسان،
والالتزام بتحويل ذلك المثال إلى واقع ملموس».

كلام بيلاي يركز على
مبادئ الإنسانية العالمية واحترام هذه المبادئ من خلال عدم انتهاكها، ولو
نظرنا إلى أسماء كثيرة خلال العشرين السنة الماضية، فالعالم يزخر بكثير من
النشطاء في مجال حقوق الإنسان وكثير منهم من برز بصورة تلقائية في ظل
استمرار المشكلة وتفاقمها داخل مجتمعه الذي يطالب بحقوقه المسلوبة التي
تنتظر إمّا إصلاحاً أو سقوطاً لنظام قمعي لا يعترف بتلك الحقوق.

وعبر
تجارب عديدة مرت لاتزال تمر بها المجتمعات التي تعيش دوائر الصراع بين
الديمقراطية والدكتاتورية نجد أن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان مازال يشكل
مصدر تهديد وقلق للأنظمة التي لا تريد صوتاً يُذكّرها على الدوام بحجم
الجرائم التي تقترفها والممارسات التي تقوم بها ضد فئة دون أخرى.

إن
أنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان تحفز على التغيير غير أن إجراءات
المدافعين كثيراً ما تجابه ردود فعل معادية وسلبية من جانب الأفراد
والجماعات والسلطات، فمثلاً يفقد آلاف من المدافعين عن حقوق الإنسان
وظائفهم ويتعرضون للتهديد والمضايقة والتشهير، والسجن غير القانوني
والتعذيب والقتل والنفي القسري.

وبحسب موقع الأمم المتحدة فقد اعتمدت
الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1998 الإعلان بشأن حق ومسئولية
الأفراد والمجموعات وأجهزة المجتمع عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات
الأساسية المعترف بها عالمياً. ويتوقف إلى حد كبير على أنشطة المدافعين عن
حقوق الإنسان، وأن هؤلاء – بسبب عملهم على وجه الدقة – كثيراً ما يحتاجون
إلى حماية إضافية. وفي العام 2000، عَيّن الأمين العام ممثلاً خاصاً يتمثل
دوره في رصد ودعم تنفيذ الإعلان. وفي أبريل/ نيسان 2010، أعرب مجلس حقوق
الإنسان عن عميق القلق لاستمرار التهديدات والهجمات التي يتعرض لها
المدافعون عن حقوق الإنسان في العالم، واعتمد قراراً يحدد الدولة بوصفها
صاحبة الدور الأساسي في مساندة المدافعين عن حقوق الإنسان مساندة تامة
وتوفير بيئة آمنة وممكنة لهم. وينص القرار بصورة واضحة على أنه عندما ترتكب
انتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، ينبغي للدول التحقيق في هذه
الحوادث بصورة سريعة ومتجردة وملاحقة المرتكبين.

وقد تكون تجربة دول
أميركا اللاتينية قريبة من التجربة المعاشة في دول المنطقة العربية من
الخليج إلى المحيط. ففي أثناء حكم أوغستو بينوشيه، الحاكم الدكتاتوري في
تشيلي اعتُقل ناشط يدعى روبرتو غاريتون (غاريتون عمله يشبه عمل الكثير من
نشطاء المنطقة العربية الذين برزوا في مطلع 2011 وحتى اليوم) لنشره مقالاً
عن انتهاكات حقوق الإنسان من جانب النظام الحاكم. وكان عضواً في منظمة
«فيكاريا دي لا سوليدارياد»، وهي منظمة ترمز إلى الكفاح من أجل حقوق
الإنسان، أعربت عن معارضتها للقمع في ظل حكم بينوشيه، ودافعت عن حقوق ضحايا
التعذيب والسجناء، وسعت إلى كشف مكان الأشخاص الذين تم إخفاؤهم؛ وتعتبر
الخلفية الشخصية لروبرتو غاريتون مؤاتية لعمله كمحام في مجال حقوق الإنسان
ودوره الحالي كعضو في الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم
المتحدة، والذي ينظر في عرائض من أفراد أو مجموعات تتعلق بمجالات الحبس
التعسفي. وفي الفترة من 1994 إلى 2000، شغل السيد غاريتون منصب المقرر
الخاص التابع للأمم المتحدة لحالة حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو
الديمقراطية، إذ قام بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في ذلك البلد.

إن
تجربة غاريتون ليست بعيدة عما يحدث اليوم في المشهد السياسي والحقوقي في
الدول العربية التي لا تخلو من النشطاء ولا تخلو من ملاحقتهم بصور شتى بسبب
صوتهم ورصدهم عبر التوثيق والتغريد في وسائط شبكات التواصل الاجتماعي
كمصدر قوة للتغيير في الشوارع والميادين العربية.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية 
اقرأ المزيد

ماذا سنفعل بتسعة تريليونات دولار؟ – د.علي فخرو

من المتوقَع أن تصل الإيرادات النفَّطية لدول مجلس التعاون الخليجي خلال
الاثنتي عشرة سنة القادمة، بأسعار البترول الحالية، إلى نحو تسعة
تريليونات (أي تسعة آلاف مليار) من الدولارات. نحن إذاً أمام ثروة مستقبلية
متدفٍّقة هائلة تستلزم طرح أسئلة تحتاج إلى الإجابة عليها في الحاضر، وليس
في المستقبل. ذلك أنه كما قال أحدهم في الماضي فإن خلف كل ثروة هائلة تكمن
الكثير من الجرائم. والمطلوب هو منع وقوع تلك الجرائم والتي يتفنَّنُ
البعض في ارتكابها حالياَ.

السؤال الأول يتعلق بالوجهة التي ستتجه
إليها فوائض تلك الثروة النفطية. إذا كان الجواب هو ما يحدث في الواقع
الحاضر فانَّ ذلك سيعني أن نحو خمسين في المئة من تلك الفوائض، في شكل
تدفقات مالية استثمارية خارجيَّة لدول المجلس، ستذهب إلى أسواق الولايات
المتحدة الأميركيَّة لتغطّي دفع ديونها ولتشغٍّل مكنة صناعاتها ومؤسَّساتها
المالية والخدمية ولتَنقص نسبة البطالة بين مواطنيها. أمَّا الالتزامات
القومية تجاه وطن وأمَّة العرب، وهما اللذان يستجديان القروض والاستثمارات
الأجنبية ويتعرَضان لكل أنواع الابتزاز الامبريالي، فلا مكان لها أو أن
العطاء العربي الشحيح هو الآخر يقدّم بثمن ابتزازي يعرفه الجميع.

السؤال
الثاني المحوري يتعلَّق بنصيب مصالح الحياة العامة من تلك الثروة قي
مجتمعات دول مجلس التعاون. تحت هذا السؤال هناك عشرات التَّساؤلات الفرعية
التي يطرحها المواطنون يوميا، ونحن مضطرُون أن ننتقي فقط بعضا منها.

لنأخذ
مثلا موضوع التربية والتعليم. في كثير من دول العالم تحدث غالبا فيه نواقص
بسبب ضعف الإمكانات المالية لدى حكوماتها. لكن في دول مجلس التعاون لن
يوجد هذا العامل السّلبي. وإذاً ما الذي سيمنع أن يوجد نظام تعليمي رسمي
يضاهي في مستواه أفضل الأنظمة العالمية؟ بالمال الوفير يمكن أن يوجد المعلم
المثقف الممتهن المدرَب تدريبا جامعيا عاليا، المكتفي ماديا، المحترم
اجتماعيا، القادر على تخريج إنسان كفوء مبدع مفكِّر ملتزم بالوطن والقيم.
ما الذي يمنع أن يكون ذلك التعليم، وبالمستوى العالي ذاك، تعليما مجانيا من
مرحلة الحضانة إلى نهاية المرحلة الجامعية؟

نحن هنا نتكلم عن تعليم
يؤدِّي إلى تغييرات جذرية في الميول والسّلوك وفهم الحياة والطُّموح
الإنساني التعاضدي والقدرات الذهنيَّة، بحيث يوجد الإنسان القادر على
المساهمة المبدعة الفاعلة في عملية تنمية شاملة إنسانية مستمرة.

إذاً، المال سيكون متوفٍّرا، فهل ستتوفَّر الإرادة السياسية وأحلام النُّهوض والسُّمو؟

لنأخذ
مثلا موضوع البطالة. إن الفوائض المالية القادرة على نقل التعليم الى
المستوى الذي وصفنا قادرة أيضا على إيجاد برامج تدريب وإعادة تدريب وتعليم
مستمر بأعلى المستويات العالمية. فاذا اجتمع ذلك التعليم مع مثل هذه
البرامج سيكون من شبه المستحيل وجود حاجة لاستيراد قوى عمل أجنبية غير
عربية لملء المراكز القيادية والفنيَّة. عند ذاك سينحصر الاستيراد في عمالة
الأعمال البسيطة كما تفعل الدول المتقدمة.

إن أنظمة حكم تصل نسبة
العمالة الأجنبية في بعض دولها إلى نحو ثمانين في المئة من مجمل قوى العمل،
ولديها كل هذه الفوائض، يجب أن تتوارى خجلا بسبب ضعف ارادتها السياسية إن
هي ارتضت وجود نسب بطالة كالتي توجد في دول مجلس التعاون.

لنأخذ مثلا
حقل الصحّة وسنرى أن ما قلناه عن التعليم والبطالة ينطبق عليه. هل يوجد
مبرٍّر واحد لعدم وجود خدمات صحية رسمية، وقائية وعلاجية، بأعلى المستويات
الدولية؟ ما المانع في أن يكون لدى هذه الدول أفضل الأطباء والممرضات
والفنييٍّن وأقدرهم من بين المواطنين؟ ما المانع في المراحل الأولى شراء
أعلى القدرات العالمية؟

الواقع أن التساؤلات نفسها يمكن طرحها
بالنسبة لتواجد مراكز الأبحاث الرَّصينة والخدمات الثقافية غير المبتذلة
والإعلام غير التجاري العولمي المسطّح أو الاستزلامي وغير ذلك كثير.

نحن
أمام إمكانية امتلاك ثروة مالية هائلة. ومع أن الكثيرين من مفكّري
الاقتصاد، منذ آدم سميث، مرورا بماركس، إلى يومنا هذا، شدّدوا على أن ثروة
الأمم الحقيقية ليست هي مقدار المال الذي تملكه وإنما مجموع قدرات أبنائها
الإبداعية والإنتاجية، إلا أننا سنخاطر بتذكير أنفسنا بقول الكاتب الفرنسي
أناتول فرانس من أن الثروة هي شيء مقدَّس في الدولة التي تدار بنظام حكم
رشيد.

وعليه فبالنسبة لنا إذا أدرنا ثروتنا المالية القادمة بكفاءة
ورشد فإننا سنحيلها عند ذاك إلى ثروة الأمم الحقيقية: قدرات رفيعة المستوى
لدى عموم المواطنين، وهؤلاء سينتجون ثروات مالية مستمرة التدفُّق بعد
انتهاء حقبة البترول.

علي محمد فخرو
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

معركة جنيف المنتصر والمهزوم

ما الذي جرى في جنيف؟ وهل كان اعتماد مجلس حقوق الإنسان لتقرير البحرين
نصراً حاسماً للوفد الرسمي وشهادة حسن سيرة وسلوك لممارسات البحرين فيما
يخص حقوق الإنسان؟ وهل تمت حقاً هزيمة الوفد الأهلي أمام العالم؟

ما
يراد لنا تصديقه من خلال الإعلام والاحتفال بالنصر المؤزر بنشوة كبيرة هو
أن الوفد الرسمي الذي ضم أكثر من 100 ممثل حكومي ومندوب عن مؤسسات أهلية –
أنشئت مؤخراً عن طريق ضرب المؤسسات الأهلية الأصلية وخلق بدائل لها تتوافق
مع النهج الحكومي بالنظر إلى الأزمة الحاصلة في البحرين – استطاع أن يثبت
للعالم أن البحرين هي جنة حقوق الإنسان على الأرض، وأنها لم تقم خلال
الفترة الماضية بأي انتهاك يمكن أن يؤخذ عليها ويسجل في سجلها الحقوقي؛ وأن
دول العالم والمنظمات العالمية، عادت إلى جادة الصواب وانتصرت للحق بعد أن
كانت مخدوعة وتنظر للأمور من منظار واحد.

من يعود للوراء قليلاً،
وتحديداً إلى شهر مايو/ أيار الماضي، عند مناقشة ملف البحرين في مجلس حقوق
الإنسان، يتذكر كيف أن الإعلام الرسمي لدينا شن حملة هوجاء ضد جميع دول
العالم عندما أمطرت هذه الدول البحرين بـ 176 توصية خرج بها المجلس، وهو
كمٌّ من التوصيات لم تنله أية دولة أخرى نوقش ملفها الحقوقي في المجلس، حتى
أن البعض لم يتورّع من اتهام رئيسة مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة
نافي بيلاي بالتحيز، بل ووصفها بأبشع الصفات لمجرد أنها استمعت لمخاوف
الوفد الأهلي من التعرض لمضايقات من قبل الحكومة. بل وصل الأمر إلى حد شتم
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قبل أيام، عندما انتقد التهديدات
التي تعرض لها الوفد الأهلي البحريني الذي شارك في جلسة مجلس حقوق الإنسان
التابع للأمم المتحدة بجنيف.

ما يراد لنا تصديقه من نصر وهمي من خلال
اعتماد تقرير البحرين في مجلس حقوق الإنسان – وهو إجراء شكلي معتاد – بعد
أن قبلت البحرين بتنفيذ 145 توصية بشكل كلي و13 توصية بشكل جزئي من أصل 176
توصية قدمتها الدول في مايو الماضي أثناء المراجعة الأولى، بالإضافة
لتعهدها سابقاً بتنفيذ 26 توصية تقدّمت بها اللجنة البحرينية المستقلة
لتقصي الحقائق، وهو ما يجعل الحكومة البحرينية أمام التزامات دولية صارمة
ستحاسب على تنفيذها بشكل دوري، وسيكون أول تقرير عن التقدم الفعلي في تنفيذ
التوصيات في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، أي بعد شهرين من الآن.

ما
حدث في جلسة الأربعاء ما هو إلا بداية الطريق وليس نهايته، وما سيعد نصراً
للبحرين بجميع مكوناتها هو تنفيذ التوصيات على أرض الواقع وليس التعهد
بتنفيذها.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد