المنشور

أهمية عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية


أخيرا، أصبح لدى منظمة التجارة العالمية ما يمكن أن تفاخر به كإنجاز ملموس تحققه بعد حالة “جفاف” طويلة في تحقيق نجاح ذي بال مستمر منذ فشل مؤتمرها الوزاري الثالث الذي عُقد في مدينة سياتل الأمريكية خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 3 ديسمبر/كانون الأول ،1999 الذي أنهى أعماله قبيل الموعد المقرر له بسبب التظاهرات الضخمة التي واجهها المؤتمر .


الحديث يدور هنا عن إعلان المنظمة من مقرها في جنيف عن اعتماد عضوية الدولة رقم 156 في المنظمة، وهي ليست دولة عادية كما هو حال جمهورية فانواتو، (أرخبيل من الجزر الصغيرة لا تتعدى مساحتها 800 كيلومتر مربع تقع في جنوب المحيط الهادي) التي أصبحت عضو جديد (العضو 157) في منظمة التجارة العالمية، وإنما هي روسيا الاتحادية بحجم اقتصادها الذي يقارب تريليوني دولار، حتى إن السكرتير العام للمنظمة باسكال لامي أفرط في تضخيم أهمية انضمام روسيا للمنظمة بالنسبة لمستقبل التجارة الدولة، كما أسهب بعض الاقتصاديين والمضاربين الماليين الغربيين والروس في تعداد فوائد هذا الانضمام على الاقتصادين الروسي والأوروبي . واعتبرت أوساط اقتصادية ومالية عالمية، عن حق، أن أهمية انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية بالنسبة للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي إجمالاً، لا تضاهيها في الأهمية سوى خطوة انضمام الصين إلى المنظمة في المؤتمر الوزاري الرابع للمنظمة الذي عقد في الدوحة، حيث صادق وأجاز ممثلو 142 دولة عضواً في المنظمة بروتوكول انضمام جمهورية الصين الشعبية للمنظمة في العاشر من نوفمبر ،2001 وفي 11 ديسمبر أصبحت الصين العضو 143 في المنظمة، وذهب البنك الدولي في السياق لحد الزعم بأن انضمام روسيا للمنظمة سوف يضيف نحو 162 مليار دولار سنوياً لإجمالي الناتج العالمي، مع أن المنظمة نفسها، وتحديداً الولايات المتحدة والدول المحورية في الاتحاد الأوروبي، هي من تسبب في تعطيل وإطالة أمد قبول عضوية روسيا في المنظمة إلى تسعة عشر عاماً (من 1993 إلى 2012) حافلة بالمطالب الحقة (في اتصالها بتحرير أنشطة قطاع التجارة الروسي وتخفيف القيود الكمية وغير الكمية المفروضة على حركة الصادرات السلعية والخدمية الدولية إلى روسيا وكذلك حركة رأس المال الأجنبي)، والأخرى غير المحقة أو المسيسة تحديداً .


أما الذي لا شك فيه فإن انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية سوف يشكل إضافة مهمة للغاية لمنظمة التجارة العالمية ودفعة معنوية قوية للمنظمة التي تراجع دورها وخفت بريقها في السنوات التي أعقبت الإطلاق “القيصري” لجولة مفاوضاتها التاسعة في الدوحة أواخر عام ،2001 فروسيا بمساحتها الشاسعة وثرواتها التعدينية والهيدروكربونية ومواردها البشرية، يفترض، بحسب البروتوكولات الخاصة بتحرير تجارة السلع والخدمات والاستثمار وتسهيلات انتقال الأشخاص الطبيعيين في منظمة التجارة العالمية، أن تشكل إضافة حقيقية لحجم المبادلات التجارية الدولية، خصوصاً للعلاقات الاقتصادية الروسية والأوروبية (بحكم الجوار وتوفر البنية التحتية لانسيابية حركة عوامل الإنتاج في الاتجاهي) . وهو الأمر الذدي أكده المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي كارل دي جوفت “بأن انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية هو خطوة مهمة لمزيد من تكامل روسيا مع الاقتصاد العالمي، وتسهيل حركة الاستثمار والتجارة وتسريع عملية تحديث الاقتصاد الروسي وتوفير فرص لا حد لها للشركات ولقطاعات الأعمال في روسيا وأوروبا” .


ونلفت هنا إلى أن ترتيبات صفقة قبول عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية تضمنت قيام روسيا بخفض سقف الضريبة الجمركية على وارداتها من 5 .9% حالياً إلى 8%، وصولاً إلى 6% بحلول عام 2015 . كما تضمنت التزاماً روسياً بفتح عدد من قطاعات التجارة والخدمات بما في ذلك القطاع المصرفي وقطاع التأمين وصناعة السيارات .


لقد تأخر انضمام روسيا إلى النظام التجاري العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية 67 عاماً بالتمام والكمال، وذلك بسبب خطأ مميت ارتكبته القيادة السوفييتية التي تعاملت آنذاك مع المؤسسات الاقتصادية الدولية التي أنشئت لتنظيم وتأطير العلاقات الاقتصادية الدولية لما بعد الحرب ومنها الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية بعداء، باعتبارها جزءاً من النظام الإمبريالي . ولم تتقدم روسيا بطلب العضوية للاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية إلا في عام ،1993 وهو الطلب الذي تمت إحالته في عام 1995 إلى منظمة التجارة العالمية التي ورثت “الغات” في ذلك العام .


بالنسبة لنا كدول عربية منتجة ومصدرة للنفط فإن وجود روسيا في منظمة التجارة العالمية هو بشكل عام إيجابي لنا وللدول الأعضاء في المنظمة المنتجة والمصدرة للبترول كافة، وذلك في المفاوضات الخاصة بالتجارة في السلع (النفط في هذه الحالة، وكذلك الغاز) في ما يخص المعوقات الكمية وغير الكمية التي تؤثر سلباً في التجارة النفطية (لاسيما الضرائب العالية التي تفرضها الدول الأوروبية على مستهلكي النفط)، والتجارة في الخدمات لاسيما المفاوضات المتعلقة بتحرير خدمات الطاقة وبضمنها الخدمات البترولية وكذلك الاستثمار في قطاعات الطاقة المختلفة .

اقرأ المزيد

هنتغتون يعود


من حيث شئنا أم لم نشأ، فإن الضجة التي أثارها ويثيرها الفيلم البذيء المسيء عن الرسول محمد (ص)، تعيد إلى أذهاننا أطروحة صموئيل هنتنغتون عن صراع الحضارات، التي توافقت زمنياً مع أطروحة فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ، مما أعطى انطباعاً بأن الرجلين، هنتنجتون وفوكوياما، ينطلقان من أرضية فلسفية وسياسية وفكرية واحدة، إلا أن عيون القراء النابهين لكتابات الاثنين لا تخطئ ملاحظة الفروق الجوهرية بينهما. وهي فروق ربما ضاقت أو أخذت تضيق بالمراجعات التي قام بها فوكوياما تحديداً لأطروحته التي بشّر فيها بالانتصار الساحق لليبرالية الرأسمالية، حين لاحظ أن القيم الفلسفية والسياسية التي يتبناها الغرب ويروج لها لا تحظى بنفس الدرجة من القبول في المجتمعات الأخرى، خاصة المجتمعات العربية والإسلامية التي أولاها هنتنجتون عناية خاصة بوصفها، من وجهة نظره، رأس الحربة في المواجهة العالمية الجديدة مع الغرب، داعياً الولايات المتحدة إلى أن تكون بلداً أكثر عفوية، بمعنى أن تدرك ضعفها الحقيقي، وليس قوتها فحسب.
 
برأيه، أن ذلك أولى من أن تعتبر نفسها سيدة العالم، القادرة على تقرير مصائره منفردة متجاهلة عمق وتعدد وتنوع هذا العالم. تركز الرفض الفكري والثقافي في الغرب وخارجه على نظرية فوكاياما حول «نهاية التاريخ»، ربما لأن مسعى صاحبها لإلباسها رداءً فلسفياً وفكرياً جعل منها موضوع نقاش في الأوساط الأكاديمية والسياسية التي رأت في تبشيرها بنهاية التاريخ بصياغة مشوهة وفقيرة الدم لأطروحات سابقة في التراث الفلسفي الكلاسيكي، عند هيغل خاصة، مع ملاحظة ضآلة قامة فوكاياما إزاء المنظومة الثرية والمعقدة لهيغل. أما أطروحة هنتنغتون فقد بدت أقرب إلى الأطروحة السياسية المباشرة منها إلى التنظير الفلسفي، خاصة وأنها في الأصل ليست أكثر من مقالة للكاتب نشرت في دورية «شؤون خارجية» المتخصصة في القضايا الدولية، وفي المساجلات والمقابلات الصحفية والإعلامية معه لم يَظهر صاحب الأطروحة بالعمق الذي حاول أن يضفيه على أطروحته، التي تنحو لإبعاد النظر عن التناقض العميق في المصالح بين الشمال والجنوب وبين الكتل الاقتصادية – السياسية الكبرى عبر تقديم صراعات أخرى تنتسب إلى ما يمكن وصفه بالبنية الفوقية، أي إلى حقل الأفكار والثقافات والديانات واللغات.
 
لا يصح تفسير كل الظواهر بنظرية المؤامرة الشهيرة، خاصة مع ادراك الأوساط الأكاديمية والعلمية في الغرب أن مفهوم الإسلام يشمل أيضاً الحضارة العربية التي غيَّرت العالم ذات يوم، ولا تغفل عن أهمية الطاقات الروحية والمعنوية التي يستمدها المسلمون، عرباً كانوا أو غير عرب، من ديانتهم وتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم، لكن المؤكد أن في دبلجة الفيلم المذكور وتعميمه تقف قوى تعرف جيداً أنها بذلك تلعب بالنار، لتشعل هذه المنطقة بصراع ديني لا يكون تجليه مواجهة مفترضة بين العرب وأمريكا، وانما بين مكونات المجتمعات العربية نفسها، خاصة بين المسيحيين والمسلمين، وبالتالي إغراق المنطقة في فوضى إضافية أوسع نطاقاً من الفوضى المدمرة التي هي فيها حالياً، مع وجود قوى محدودة الأفق ترى أن صراعنا مع الغرب هو صراع ديني، مع انه ليس كذلك.
 
 

اقرأ المزيد

أشـياء لا تشـتـرى – جنـى نخـال


في عيد «جمّول»، يتوقف كثيرون عند القصص الفردية للمقاومين، ليضعوها في سياق يتيح لهم فهم خياراتهم ودوافع صمودهم والتزامهم. المقاومة ليست سلاحاً فحسب.. هي فكر وعقيدة وقناعة بأن الموجود ليس الطريقة الوحيدة للحياة
 
جنـى نخـال
 
«من كلّ عمود آنتين (هوائي) بدّو يفوت الاستعمار على قلب بيوتنا». بهذه الكلمات، بل بهذا الوعي، نقل رسّام من الحزب الشيوعي فكرة «جمّول» إلى مراهق من بلدة كفرحمام. انخرط هذا الصبي في صفوف «الحزب الشيوعي اللبناني» في أواخر السبعينيات، وبدأ عمله، من دون أن يعي أهمية ما يفعل.

أُرسِل إلى القرية في العام 1982، ولم يجر الاتصال به إلى ما بعد سنة، عاش خلالها في قريته كأي شخص آخر، يحاول معرفة العدو من الصديق، والمحتلّ من المقاوم. عاش هناك تحت تأثير القاعدة الإسرائيلية التي تقول: «اللي معنا معنا، واللي مش معنا ضدنا». كما كان ممنوعاً على الرفاق أن يتواصلوا معاً. «شوي شوي، صار ممكن من الحديث أن نستشفّ مين معنا».

في تلك المرحلة، كان القلق من المتعاملين مع الاسرائيليين حاضراً، لذا كان هناك خوف دائم من الانفتاح على الآخرين. وفي الوقت نفسه، الحاجة ملحة لمعرفة الآخر، بسبب التهديد الذي تعيش البلدة تحته، والعمل على التصدّي له. وبما أن الشباب في ذلك الحين كانوا يعيشون تحت إغراء دائم للانضمام إلى «ميليشيا لحد»، اقترح إنشاء «فرقة كشفية». يذكر مقاومنا، كيف اجتمع مع عدد من الشبان في غرفة صغيرة. وهناك، من خلال الأحاديث «انكشفنا شيوعيين لبعضنا البعض».

بعدها، حصل أول اتصال معه. مرّ بجانبه شخص لم يكن قد رآه من قبل، وهمس في أذنه «رح يكون إلك رسالة في المكان الفلاني، تحت حجر لبن، في عبّارة الساعة 6». ذهب إلى المكان المحدّد، ووجد رسالة مكتوباً عليها: «تحية رفيق، نزال عشتورة. البس طاقية على راسك». نفّذ التعليمات. توجّه إلى شتورة. وفي ساحتها، مرّ بجانبه رجل وهمس له بسرعة «إطلع في سيارة المرسيدس البيضاء». صعد في السيارة، فطلب منه السائق أن يخفض رأسه ويغمض عينيه. نزل من السيارة، وقد عُصِبَت عيناه، ودخل بيتاً لن يخرج منه إلا بعد ثلاثة أيام بلياليها.

خلال هذا الوقت، كان رفيقاه الوحيدان، مكتبة ورجلاً حنوناً هادئاً، يدخل إليه الطعام ويهدّئ من روعه حين تضيق به الغرفة. بعد هذه الأيام الثلاثة، توجّه إلى البقاع. ولأوّل مرّة، بدأ تدريباً عسكرياً حقيقياً. تعلّم كيف يقوم بمختلف المهمات والأدوار، ويتحمّل المسؤولية أينما وُجِد على الجبهة.

كان اسمه «وعد». وكان يمكن أن يكون «ثائر» أو «أبو الليل»، أو أيّاً من أسماء الرفيقات والرفاق الذين نسمع قصصهم. هي قصص أشخاص قاوموا المحتلّ. لا تهمّ، هنا، العمليات النوعية التي قام بها «وعد» بعد هذه الأحداث، والرفاق الذين تعرّف إليهم وتعلّم منهم، وقضى أجمل أوقاته معهم. وليس مهماً أيضاً ذكر أنواع الأسلحة التي استعملها، ولا أيام الاعتقال الطويلة. كلّ هذا، سيصبح نتيجة لما سردناه، «تحصيل حاصل». ما يهمّ، هو أن المقاومة كانت ولا تزال. قد نراها الآن غارقة تحت ستار من الديماغوجيا واللهاث الفارغ وراء النجاح من دون تأسيس فعلي لقاعدة فكرية أيديولوجية تكون هي مفتاح التحرّر. إلا أنها أولاً، التزام فردي ومجتمعيّ بتطوير الذات والمجتمع والبحث، كيفما استطعنا، عن أساليب لقلب موازين الواقع. «التزام فردي» أقول، والمعنى في ما مرّ به رفيقنا خلال أكثر من سنة ونصف السنة. كان يعيش في جهل تام لمصيره ولما يفعله ولدوره.

فلنتصوّر أنفسنا دقيقة مكانه، نعيش خياراً اتخذناه، تمليه علينا قراءتنا للأحداث، لكن الأحداث والمجتمع والجهة التي تميل إليها موازين القوى في الوضع الحالي تقول إننا مخطئون؟ عندها يمكن أن نفهم قوة أولئك الذين اختاروا هذه الطريق، برغم رياح «الواقعية» التي تعصف بمجتمعنا؟
لم تكن المقاومة بالنسبة إليهم عبارة عن سلاح يحملونه فحسب. كانت فكراً وعقيدة وأيديولوجيا، بكل ما تحمل تلك الكلمات من التزام وتعلّق بالقضية واقتناع بها. فالاحتلال لم يكن يوماً محدوداً بحدود أرضي الخاصة، أو منطقتي أو أهلي، ولم يكن شكله معرّفاً بالجندي الإسرائيلي الذي يوجّه مدفعه باتجاهي، بل هو الاستعمار بأشكاله المتعدّدة، يهدّد كل حرّة وحرّ في الأرض.

إنه العدو نفسه الذي يقول بإنه يحقّ لجيش ما أن يحتلّ أرض شعب آخر، وأن تربح شركة عملاقة الملايين من حصاد أرض الفلّاحين المعدمين، وهو العدو ذاته الذي يضع نفسه مقرّراً لمصائر الملايين ومحدِّداً ثقافتهم وتاريخهم وانتماءهم. إنه «الفكر الأبيض» (من «الرجل الأبيض») باستعماله لعقولنا وأرضنا وتكريسه وعينا لخدمته مصالحه التي هي بالطبيعة ضد مصالحنا.

هي المقاومة إذاً، جاءت لتقول للإمبريالية بأن لاستعباد الشعوب نهاية، وأن لسجن الفرد في نواميسها كما لحريته على حدّ سواء، سيطرة على وعيه، وأن الموجود والمطروح والممكن، ليس الطريقة الوحيدة للحياة. جاءت المقاومة كفكرة مجتمع وعى لواقعه، ولكنها قبلاً، فردٌ فتحت عينيها يوماً، ورأىت قيودها واضحة جلية، توقّف تطوّرها، فإذا تطوّر الإنسانية جمعاء، وتعيق تقريرها لوجهتها في الحياة. من أصغر التفاصيل إلى أكبرها، كانت مقاومتنا وتكون، ضد كل حركات تغييب وعينا وبالتالي السيطرة على شكل حياتنا وتطوّرها. جاءت المقاومة أوّلا لتقول بأن فكرة الملكية زائلة، لأنها تنتهي بانتهاء حكم القوي، ولأن الاستعمار جاء يوماً وقسّمنا دويلات وأشباه أوطان نصغر يوماً بعد يوم بصغر حدود الملكية.

أهدي هذا النهار، بساعاته، ونسماته، ولعب الضوء على جدرانه إليها. من حملتْ سلاحاً وتركت عائلتها ومشت باتجاه الجدار، جدار المجتمع والمحتلّ وقاتل النهار عند انبثاقه. وأهديه أيضاً إليه، من يرى أن التصاقه بالقضية هو التصاقه بالحياة، ومن يرى في عيون الآخرين توقاً إلى النور، مماثلا لتوقه. لهما ولكلّ محبّات ومحبّي الضوء، ينفلش على التلال دون أن يبقي زاوية في الظلمة، يطلع رغم امتداد يد الظلم فوق عيوننا، أهدي هذا اليوم.
 
 
صحيفة الأخبار اللبنانية
الكاتب: جنــى نخــال
15 سبتمبر 2012
 

اقرأ المزيد

أسندوا أمكم النخلة إن مالت وإن مال الزمان

 


“أسندوا أمكم النخلة إن مالت وإن مال الزمان”


النخلة تشبه الإنسان… إن قطع رأسها ماتت ولا تعويض للسعف 

تغنى الكثير من شعراء البحرين بالنخلة وثمارها، فكانت مصدر إلهام لكثير منهم، خاصةً هؤلاء الذين تربوا في البقع الخضراء التي تكثر فيها الزراعة حتى باتت تلك الشامخة جزءاً لا يتجزأ من حياتهم وكتاباتهم. 
 
تأثر الشاعر يوسف حسن كذلك بالنخلة في ديوانه الشعري “من أغاني القرية” حيث قال: 
أسندوا أمكم النخلة ان مالت وإن مال الزمان 
فهي ان امحلت الدنيا من الجوع.. أمان 
وهي للملهوف مأواه وللمقطوع دفء وحنان 
هي صدر الأم عن برد
وفي الأصياف ضرع وسلام.


 
الوطن الملون

هكذا وصفها شاعر القرية المرهف والرئيس الأسبق لأسرة أدباء وكتاب البحرين يوسف حسن، الذي رأى في النخلة الأمان والشبع، والظل والعجب، الأم في فصل المطر، والسلام في فصل العرق.. 


 
ليس سرا أن البحرين عرفت بلقب “بلد المليون نخلة”، وهو وطن كان ملونا بالأخضر ولون العيـون الممتدة والمحيطة بزواياه، هكذا اعتادت ارض الفلاحين أن تـكون، ولكن اعتادت اليوم ان تكون ارضا بحلة جديدة معاصرة قد تكون بعيدة عن النخلة، قريبة للنهضة، لذا اختلفت النظرة بين القدامى الذين استظلوا بالنخيل و صنعوا من جذوعه سقوف و أعمدة لبيوتهم وجعلوا من النخلة حبلاً للأواني و اتخذوا من التمر طعاماً مغذياً، وعلفاً لنواة الماشية وعسلاً وحتى خمراً، وبالطبع تختلف نظرة الجيل الجديد للنخيل واستخداماتها. 

 


النظرة المختلفة

 
ففي الدول المجاورة والشقيقة مثلاً نظر إلى النخلة منظراً مختلفاً تماماً عن بلادنا أم المليون نخلة، ففي الإمارات العربية المتحدة مثلاً يكفي أن يقوم الزائر بجولة برية من مدينة ابوظبي قاطعاً المنطقة الغربية حتى الإمارات الشمالية ليرى انتشار النخيل دون انقطاع على كل جانب، حيث ان بلغت تلك النخيل أرقاما هائلة، ولم تهتم الإمارات المتحدة بالمنظر السياحي وحسب، إنما تم إنشاء مصانع للتمور، ومراكز الإرشاد والتوعية ومراكز محاربة الآفات التي تصيب النخيل، بينما لا يوجد إلا مصنع واحد للتمور في البحرين.

 
أما بالنسبة للكويت فصحفها الصادرة خلال العام 2001 م وأخبارها التي غطت الحملة الكبيرة لزراعة أشجار النخيل والتوعية والتشجيع لما لمسوه من فائدة عظيمة لتلك الشجرة في البيت الكويتي الذي يقدم التمر بجانب الفواكه للضيوف ولم تكمن هنا روعة الحدث بل إن الأواني المقدمة بها مصنوعة من النخيل.


النخلة الإنسان

 
وقد يظهر الاهتمام والاشتياق من نفس الإنسان نفسـه لما للإنسان من شبهة على حد قول كمال الدين القاهري صاحب كتاب النبات والحيوان: “إن النخلة تشبه الإنسان” فهي ذات جذع منتصب ومنها الذكر والأنثى وإنها لا تثمر إلا إذا لقحت، وإذا قطع رأسها ماتت، وإذا تعرض قلبها لصدمة قوية هلكت، أو قطع سعفها لا تستطيع تعويض محله كما لا يستطيع الإنسان تعويض مفاصله وكذلك غشاء النخلة الليفي شبيه بشعر جسم الإنسان، نبتة على صورة إنسان، والإنسان في البحرين يكاد يفقد رفيقة دربه “النخلة” وقرينة أرضة ومياهه.

 
هل من الممكن ان تفيق الدولة بشعبها عن النفيسة “النخلة” وتلتفت الى وجه هذه العمة الكبيرة على هذه الأرض الطيبة الجميلة.
اقرأ المزيد

الوعي بالحريات والديمقراطية يتنامى عربياً

يتابع العالم عن كثب ما يحصل في شوارع البلدان والعواصم العربية التي
مازالت في صراع دائر بين دعاة الديمقراطية ودعاة الدكتاتورية. هذا الصراع
الذي بدأ يأخذ أشكالاً تستغل فيها صورة الأديان والطوائف كطريقة للفرقة،
وأيضاً للتشويش وتشتيت المطالب الشعبية من خلال بث خطابات الكراهية
والعنصرية داخل المجتمعات.

وتعتبر الديمقراطية قيمةً عالميةً تستند
إلى إرادة الشعوب المعبرة عنها بحرية في تحديد نظمها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، وإلى مشاركتها الكاملة في جميع نواحي حياتها. ولذا
فان المواطن في كل مجتمع وبلد، يحتاج إلى أن يفهم حقوقه وواجباته فهماً
كاملاً لا فهماً يستند على مبدأ الاستعباد والعطايا. ورغم وجود سمات مشتركة
بين النظم الديمقراطية، فليس ثمة نموذج وحيد للديمقراطية.

وأمس حلت
ذكرى اليوم العالمي للديمقراطية (15 سبتمبر/ أيلول) في عام حافل بالتقلبات
السياسية الممتدة للمتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية منذ مطلع العام
2011 وهي مستمرة حتى هذه اللحظة، إذ ان مزاج الرأي العام في البلدان
العربية أصبح مختلفاً، فما كان مقبولاً من قبل المواطن العربي تجاه نظامه
السياسي على مدى أربعين عاماً، أصبح اليوم غير مقبول نظراً لتزايد الوعي
بالديمقراطية وبثقافة حقوق الإنسان التي تشهد في الوقت الراهن حراكاً
دولياً يدعو إلى التغيير الذي يحترم ويحفظ حقوق الإنسان بالأفعال، وليس
بتصريحات تستخدم للاستهلاك الإعلامي من أجل استمرار أنظمة سياسية استبدادية
لا تعترف بحق وقيمة الانسان أصلاً.

الأمين العام للأمم المتحدة بان
كي مون قال في كلمته التي نشرتها وسائل الاعلام بما فيها صحيفة «الوسط»…
«إننا ننظر اليوم إلى عام آخر حافل بالحوادث المثيرة في قصة الديمقراطية،
وهي قصة مازال يكتب سطورها أناسٌ تواقون للتمتع بالكرامة وحقوق الانسان».

كلام
الأمين العام للأمم المتحدة هو كلام دقيق، فيما لو نظرنا إلى ما يحدث داخل
مجتمعاتنا العربية من الخليج إلى المحيط، فشعوب هذه المنطقة الجغرافية
الكبيرة مازالت تعيش في دوائر الاضطهاد والاستبداد السياسي الذي لا يمكن أن
يقرّ بأخطائه، ولكن يفعل أي شيء ليدفع الآخرون ثمن أخطاء لم يقترفها،
كالانتقام عبر القتل أو التعذيب أو إقامة دعاوى قضائية كيدية ومحاكمات
صورية، للنيل من الأفراد والجماعات التي تطالب بحقوق مدنية، حالها كحال
مجتمعات الدول المتقدمة صاحبة الديمقراطيات العريقة.

وقصة نضال
الديمقراطية في المنطقة العربية هي قصة مريرة لكنها مستمرة، لأنها بدأت
تنجلي على سطح الواقع الذي تحرص فيه الأنظمة على إنكار هذا الواقع وتغليفه
بواقع طائفي أو إثني من أجل استمرار أوضاعها حيث لا يراد لها أي نوع من
الاصلاح أو تحقيق مكاسب لصالح المواطن.

والمطالبون بالديمقراطية
الذين خرجوا بالأمس في الشوارع العربية أغلبهم من فئة الشباب، وهؤلاء –
بحسب كلمة بان كي مون – يجب أن تُسمع أصواتهم ويكون لهم دور في صنع القرار
الذي يحقق مكاسب وطموحات هذه الفئة التي هي ليست بصغيرة في المنطقة. وهو ما
شدّد عليه الأمين العام للأمم المتحدة بالقول «ويجب لأصوات الشباب أيضاً
أن تجد آذاناً صاغية، فالضغوط الديمغرافية الشديدة في جميع أنحاء العالم
تفرض ذلك، وأمام انسداد الآفاق وعدم استجابة الحكومات سيهب الشباب لتولي
زمام مستقبلهم بأنفسهم».

ان الوعي بأهمية الديمقراطية، وأيضاً بالنظر
إلى المادتين 19 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يتيح
تدابير حمائية قوية لجميع أشكال التعبير، كما انه منذ أكتوبر/ تشرين الأول
2008 والمفوضة السامية لحقوق الإنسان تتصدر القيام بجهد عالمي للنهوض بإطار
قانوني يستند إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لمناقشة حرية التعبير
والحاجة إلى إنفاذ الحظر على التحريض على الكراهية الوطنية أو العنصرية أو
الدينية.

ولذا فإن نظرة ووعي المواطن العربي اليوم ليست كالأمس، فهي
في تزايد وتنامٍ في هذه المرحلة، والتجاهل والمنع بصوره المختلفة في
التظاهر والتعبير السلمي وملاحقة نشطاء الرأي وغيره، يعني أن بلدان المنطقة
في موقع مترنح قد ينتهي إلى تغيير جذري على غرار ما حدث في بلدان أميركا
اللاتينية وأوروبا الشرقية قبل عقدين.

ريم خليفة

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

المنحى الانتقامي ليس حلاً

من المؤسف له أن نشهد المنحى الانتقامي في العديد من الإجراءات
والقرارات والتصريحات، وهذا المنحى لا يمكن أن ينفعنا في البحرين ونحن نقف
على مفترق طرق؛ باحثين عن مخرج لما نمرُّ به. بإمكان أي مراقب أن يتابع
تخصيص الإمكانات في القطاعات الحيوية، المشاريع الإسكانية، البعثات،
التعيينات، وفي مختلف المجالات الحياتية اليومية أو الاستراتيجية؛ ويرى بكل
بساطة المسار التصاعدي والممنهج لهذا المنحى السقيم.

حاليّاً يمكن
قراءة الأخبار ومتابعة التصريحات والقرارات؛ لنرى أن أي شيء له علاقة بمنصب
أو بمشروع أو أي شيء مهم؛ فإنه يُخص بفئة معينة من المجتمع، وفي الوقت
ذاته؛ فإن أي خبر عن معتقلين أو محكومين أو مفصولين أو مطاردين في أرزاقهم
على كل المستويات؛ فإنه يخص بفئة معينة أخرى من المجتمع.

المشكلة في
هذا المنحى؛ أن الفئة المستهدفة تقرأ التصريحات الرسمية بشكل مختلف…
فسيادة القوانين قد تعني المزيد من هذه الإجراءات، وحماية المكتسبات قد
تعني أن الوضع غير الصحيح سيبقى إلى الأبد، وأن التوافق الذي تحقق بين
فرقاء؛ إنما هو توافق على كل هذه الأمور وهو يعني – فيما يعني – قراءة
الفاتحة على مستقبل فئة كاملة من المجتمع، وبالتالي التأسيس لاستمرار حالة
من عدم الاستقرار.

القضايا التي يمكن طرقها أصبحت كثيرة جدّاً، وهي
لم تعد خافية على أحد، بل إن هناك حاليّاً حالة من التفاخر العلني بهذا
المنحى الذي لا يخلق سوى مزيد من الإحباطات التي تؤثر مباشرة على الوضع
السياسي. ولقد تطرقت من قبل إلى مثل هذا الموضوع في مارس/ آذار 2011، بأن
«خطاب الانتقام يسعى لتوسيع وتثبيت ومواصلة كل القرارات والأعمال التي تهدف
الى إنزال أكبر قدر من الضرر ضد مجموعات من المعارضة وفئة من المجتمع كانت
ومازالت لديها شكاوى ومطالب… ومن يرفع خطاب «الانتقام» يخلط ذلك بمفاهيم
تتعلق بالثأر والاستئثار والإضرار والإقصاء. وأصحاب هذا الخطاب واهمون،
لأن ما حصل في البحرين إنما كان إحدى نتائج هذه الثقافة غير الصالحة،
والإمام علي (ع) يقول «لا سؤدد مع انتقام». فالانتقام، وكما يوضح الإمام
علي لا يدوم، وإنما يعود على من يقوم به سلباً قبل أن يعود على الآخرين
بالضرر».

أجد نفسي بحاجة إلى التذكير، لأن الذكرى تنفع المؤمنين،
ولاسيما أن الحديث عن الحوار لا يتناسب مع هذا المنحى الذي لا ينتج سوى
الخراب والمعاناة، وهو منحى لا يتوافق أبداً مع التصريحات التي تتطلع إلى
الأمام وإلى الأمل في ما هو أفضل.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

يا أيها الجالس على عرش مصر.. حذار – رفعت السعيد


الأستاذ الدكتور محمد مرسى. لك احترام واجب وجوب استمرار معارضتى لك ولحزبك ولسياساتك. وأعرف جيداً أن ابتسامتك المنتشية بما لم تكن تحلم به قد تغريك بعدم الاهتمام بتحذير أسوقه لوجه الوطن، وخوفاً على الوطن. فتحذيراتى جدية فاحذر من تجاهلها. ولا يغرنك تحكمك المتواصل فى المفاصل والمناصب فكل ذلك قد يستحيل كما استحال سابقه فى لحظة انتفاض شعبى. وأبدأ:

أحذرك من أن الأمريكيين وبرغم ما يبدونه نحوك ونحو جماعتك من حماس وحنان ودعم ويحفرون تحت أقدامك غير الراسخة سعياً لمخطط يستهدف مصر ذاتها، لتفكيكها فتصبح دولة ولا دولة، وحكومة ولا حكومة، وبرلماناً ولا برلماناً، وتردياً فى الأمن، وفوضى تتصاعد. ويبقى العرش عرشاً ولكن على خواء.. ونموذج العراق جاهز.

واحذر من أن جيش مصر مستهدف فى وحدته وقدراته وتماسكه فهو آخر ما تبقى لمصر وللعرب، وتأمل جيوش تونس، ليبيا، والسودان، سوريا والعراق.. فكل منها بشكل أو بآخر تمزق وأصبح ولا شىء، ولم يبق سوى الجيش المصرى فإن فعلوها به أصبحت إسرائيل سيدة وحاكمة ومتحكمة بلا حرب. وتمزيق الجيوش الأخرى تم التخطيط له أمريكياً.. فاحذر لئلا يكون زمانك هو زمان دمار مصر وخضوعها.

أحذرك من إغواء جماعتك بدفعك للمساس بالدولة المدنية وحقوق المواطنة وحريات الصحافة والإعلام والإبداع والخلق الفنى والأدبى. أو مواصلة أخونتها فذلك سيزيدك ضعفاً وعزلة وسيسهل على الأمريكيين مؤامرتهم لضرب الجذور المصرية التى ظلت راسخة قروناً، فاحذر أن يكون زمانك هو زمان الهيمنة الأمريكية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على ركام مصرى لا يستطيع المقاومة أو حتى النهوض. وأحذرك من قنبلة دائمة ومؤهلة بسبب جلوسك أنت وجماعتك على عرش السلطة للانفجار.

إنها قنبلة الإخوة المسيحيين الذين طال زمان تجاهل حقوقهم.. وحانت بسبب وجودك ساعة استيقاظهم للمطالبة بها جميعاً. وإخوان جماعتك وحلفاؤك السلفيون لا يهتمون إلا بنص منتزع من قول فقهى قديم يختلف عن أقوال أخرى.. ومع ذلك يدقون به مسامير فى نعش حقوق المواطنة المتساوية تماماً، فى كل شىء.. تماماً فى كل الوظائف ودور العبادة وغيرها. وحذار من المماطلة أو التجاهل فالأمر أكثر تعقيداً وخطورة مما يهمس به رجال جماعتك المحيطون بك.

حذرك من فقر الفقراء. وأنت يلهيك عنهم أحاديث ترفض الحد الأدنى للأجور بزعم نقص الموارد وترفض الحد الأقصى للأجور بزعم عدم إغضاب الكبار وترفض الضرائب التصاعدية بزعم تشجيع المستثمرين ويحقنونك كل يوم بوهم أن الأمور ستهدأ وأن العمال سيمتنعون عن المطالبة بخبز لأطفالهم لمدة عام وهو ما لن يحدث.. فهل يصبر أب على جوع أطفاله لمدة يوم واحد وليس عام كامل؟

ثم تتمادى عمليات إفقار الفقراء لتصل إلى تجويع الفقراء فيغريك خبراء جماعتك برغيف العشرة قروش فحذار.. حذار من أن تمس رغيف الخبز. واحذر ثورة الجياع فلا أنت ولا جماعتك ستقدرون على مواجهتها.

يا د. مرسى إن نصيحتى تأتى من خوف على مصر وليس عليك. ومع ذلك أتمنى أن تأخذها مأخذ الجد.. فمصر العظيمة قد تنهار بسبب نشوة الاستحواذ وسوء الحكم والتحكم، لكنها ستنهض لتعيد كتابة تاريخها، وساعتها لن يبق للمسؤول عن ركوعها سوى «عار الزمان وسبه للأبد».. فحذار مرة أخرى وليست أخيرة.
 
 
موقع الحوار المتمدن
الكاتب: رفعت السعيد
15 سبتمبر 2012

اقرأ المزيد

لانزال بحاجة إلى حل سياسي

قبل ثلاثة أسابيع كانت هناك دلائل على أن وضعنا السياسي سيدخل مرحلة
مختلفة؛ تفسح المجال لانفراجات على عدة أصعدة، من بينها طرق باب الحوار
بصورة جادة وفاعلة، ومراجعة لطريقة التعامل مع الملفات السياسية الحرجة
وإيقاف الممارسات غير السليمة التي تفاقم الأمور. على أننا تعوَّدنا أن
نشهد استمرار النهج ذاته الذي أوصلنا إلى الطريق المسدود المكلف للمجتمع
والدولة والاقتصاد.

ولعل واحدة من أسباب المراوحة في المكان ذاته؛ هي
عدم الجرأة على الدخول في الحل السياسي، والإصرار على التعريفات الفنية
للمشكلة، وبالتالي؛ فإن الحلول تطرح على أساس فني، مثلاً: زيادة تدريب هذا
القطاع أو ذاك على حقوق الإنسان، وكأن المشكلة تتعلق بالتفاصيل فقط. وعليه؛
فإننا نعيش في حالة من ردود الأفعال، وفي الإصرار على المواقف (سواء كانت
صحيحة أم خاطئة).

ولأن الحل السياسي ليس مطروحاً على الأجندة العامة؛
فإن مختلف الأطراف تسعى إلى تحصين مواقعها، ولذلك ترى تصعيداً واستنجاداً
من كل جانب، وصل إلى حد الاستنجاد بالمقيمين الأجانب، ربما لتحشيدهم ضد
الأطراف المعارضة، ونرى الاستمرار في خلق مؤسسات وهمية؛ هدفها الوحيد
محاربة مؤسسات شعبية أخرى… وفي كل الأحوال؛ فإن هذه السياسة تأتي نتائجها
معكوسة؛ لأن منطلقاتها غير صحيحة، ولأنها تسعى للهروب إلى الأمام بدلاً من
مواجهة الواقع من خلال خطوات عملية واضحة ومنصوحٍ بها من كل محبي البحرين.

إن
أكثر ما يثير الدهشة لدى كثير من المراقبين وأصدقاء الحكومة؛ هو استخدام
وسائل غير ناجحة مع جهات دولية مرموقة، وهذه الوسائل لا تقتصر فقط على
الخطاب اللاذع، وإنَّما أيضاً استخدام أساليب وإجراءات لا تستوعب طبيعة
مجريات الأمور في عالم اليوم، وهذه جميعها إنما تثير الشكوك أكثر، ولا
يستفيد منها سوى أولئك الذين يحصلون على ما يتم إنفاقه عليهم من مبالغ
طائلة في هذا المجال الخاسر. ما نحتاج إليه هو حل سياسي ينهي الاستقطاب
المثير للاشمئزاز ويحوِّل حالة القلق والشكوك إلى طاقة إيجابية نحو مستقبل
أفضل.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

عن أي دور تتخلى الدولة؟



تنويعاً على حديث سابق لنا هنا عن خطورة أن تتخلى الدولة عن وسطيتها بين مكونات المجتمع، نلاحظ أنه لم يسبق أن أُخضعت الدولة، على المستوى العالمي، للنقد الذي يبلغ حد المطالبة بإقصاء دورها، أو في أحسن الحالات، بالحد منه إلى أبعد مدى، كما هو حادث اليوم، في ظل تزايد الحديث عن المبادرة الفردية والدور السحري للخصخصة التي تُصَّور كما لو كانت دواء الداء المتمثل في الركود الاقتصادي والأزمات المتتالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي . ورغم أن بيروقراطية الدولة وبطء أدائها كانا موضوعاً للتهكم والنقد والسخرية منذ زمن بعيد، فإنّ ما يجري اليوم هو الانطلاق من ذلك للمطالبة بإبعاد الدولة عن دورها الموجه .

 
الغريب في ذلك أن الحديث لا يدور عن السطوة السياسية للدولة واختراقها للمجتمع المدني ومؤسساته، لا بل تغييب هذه المؤسسات ومصادرة أي دور مستقل لها . . إن الأمر حصراً يتركز في الحقل الاقتصادي، وفي الخدمات الاجتماعية الضرورية التي تقدمها الدولة لأبنائها في حقول الرعاية الأساسية من تعليم وتطبيب وضمان اجتماعي وخدمات ثقافية وإعانات مختلفة . وإذا ما تجاوز المرء اليوتوبيا التي صاغتها فلسفة القرن التاسع عشر عن اضمحلال محتمل لدور الدولة، فعلينا التسليم بأن الدولة، من حيث هي دور اجتماعي، تشكل أحد الإنجازات المهمة في التاريخ البشري، لأن تلك اليوتوبيا حين تنبأت باضمحلال دور الدولة، إنما كانت تراهن على قيام عدالة اجتماعية حقيقية تنفي الحاجة إلى وجود الناظم القانوني والإداري للتمييز الاجتماعي بين الطبقات، لكن ما يميز دعوات مناهضة دور الدولة في التنظير الراهن، هو مصادرة دورها كهيئة رعاية اجتماعية، في مقابل الحرص على تأكيد دورها النقيض لدور المجتمع المدني الذي يفترض التعددية السياسية والاجتماعية، ويصبح بموازاة الدولة ضامناً للتطور الصحي للمجتمعات . وتدفع التطورات والتحولات في النظام الدولي في اتجاه المغالاة في الحديث عن أفول الدولة القومية، أو الدولة  الأمة وتلاشي دورها، ومراجعة مفهوم السيادة الوطنية للدول، عبر إبرام الاتفاقات والقواعد القانونية التي تحمل الصفة الكونية، ومطلوب من التشريعات الوطنية مجاراتها وإلا فإنها ستسحق سحقاً لأنها لن تجد لها مكاناً في عالم اليوم . 


ربما وجب التفريق الواضح بين تلك المجالات التي يتعين على الدولة أن تفسح فيها المجال لدور أكبر للمبادرة الفردية، ولدور أكثر فاعلية لمؤسسات المجتمع المدني وهيئاته وشخصياته، ولاسيما في الدول النامية حيث الدولة هي المؤسسة الأقوى والأكثر جبروتاً، وقد تكون الوحيدة في بعض الحالات، حيث تنجح في احتواء التكوينات التقليدية السابقة لها وتجعلها جزءاً منها، وتتحول  أي الدولة  إلى ناطق باسمها ولكن بلغة عصرية، وبين تلك المجالات التي يتعين على الدولة أن تتمسك فيها بالدور المنوط بها، ونعني بذلك مجالات الخدمة الاجتماعية، خاصة في الحقول الحيوية كالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والثقافية .

 
وقرأت مرة لعبدالرحمن اليوسفي رئيس الحكومة المغربية الأسبق، والقادم من قلب مؤسسات المجتمع المدني، من قلب المعارضة بوصفه أميناً عاماً لحزب الاتحاد الاشتراكي، تصريحاً مُهماً يؤكد فيه أهمية المهام الجوهرية للدولة كمساهم أساسي في التنمية البشرية وكمصحح للفوارق الاجتماعية، وذات مسؤوليات تجاه قضايا مستجدة كالبيئة وإدارة الموارد الطبيعية . “الدولة  بكلماته  هي الضامن للانسجام والتماسك الاجتماعي” .
اقرأ المزيد

11 سبتمبر لم يقع



هل
بوسع أحد في العالم اليوم أن يقول إن الهجمات على برجي مركز التجارة
العالمية في نيويورك، وعلى مبنى البنتاغون في واشنطن لم تقع؟ هول ما جرى
وهول نتائجه يتكفل بالتوضيح، لكن سبق لأحد مفكري ما بعد الحادثة، جان
بوريار، أن قال عن حرب الخليج العام 1991 إنها حرب لم تقع، في كتابه الذي
حمل العنوان نفسه، وفيه ذهب إلى أن تلك الحرب كانت حرباً افتراضية، رأيناها
على الشاشة وتحكمت فيها الكمبيوترات .  صدَّق
البعض ذلك الوهم، لكن ما جرى في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر أعاد
الغرب إلى رشده . هذه المرة لم تكن الأمور افتراضية تُرى على الشاشة، إنما
هي أمر رآه المواطن الأمريكي مرأى العين .  يومذاك رأت “المجلة الفلسفية البريطانية” أن “ما بعد الحداثة”، بوصفها فلسفة، قد ماتت إثر أحداث 11/9/2001 .  فأولئك
الذين احتفوا بنظرية “أن حرب الخليج لم تقع” لأنهم من على بعد آلاف
الأميال، رأوها على الشاشة، مجرد طائرات تقصف مواقع وليس جيوشاً تشتبك وتكر
وتفر، ورأوا في هذا احتفاء ب “ما بعد الحداثة”، صُدموا هذه المرة في عقر
دارهم بأن سطوة العالم الواقعي هي من القوة والحقيقة والملموسية إلى درجةٍ
يبدو معها الواقع الافتراضي هشاً ووهمياً . لذا يجري اليوم نعي ما بعد
الحداثة وإعلان وفاتها تماماً، كما كان دعاتها ومريدوها قد أعلنوا قبل ذلك
موت الحداثة التي بنوا عليها سلسلة “ميتات”: موت المؤلف، موت الأيديولوجيا،
موت الشعر، موت الفلسفة .  ابتدأ
الأمر في ما يتصل بإعلان وفاة الحداثة بإعلان نهاية الفلسفات أو النظريات
الكبرى التي تحاول الإحاطة بكل شيء أو الإجابة عن كل الأسئلة، على شكل
منظومات فكرية متكاملة كما هو الحال عند كَانْت وهيغل وماركس، وجرى الترويج
لفكرة التشظي، حيث العالم، حسب زعمهم، عبارة عن شظايا مبعثرة لا مطلق ولا
نهائي . كل الأمور نسبية، وتأكيد النسبية وارد في بعض الفلسفات الكبرى
القائمة على إخضاع الأمور للفحص، فحين سُئل ماركس مرةً عن القول المأثور
الذي يستهويه، أجاب بأنه الشك في كل شيء . 


لكن
دعاة ما بعد الحداثة ذهبوا بالأمر إلى أقاصيه، إلى حد السخرية من كل شيء،
وحد التنصل من كل فكرة، ففي رأيهم كل الأفكار على قدم المساواة، فلا توجد
أسئلة كبرى يتعين إرهاق الفكر في البحث عن أجوبة عنها، فهذا العالم عبثي
ومجنون إلى درجة لا يستحق معها جهد تأويله أو البحث عن علله . ولكن الذين
بشروا بموت الحداثة أسسوا من حيث يعون أو لا يعون، للقاعدة التي يمكن منها
الانطلاق لإعلان موت ما بعد الحداثة أيضاً، فلم يعد بالإمكان السخرية من
واقع دموي يجلب الموت إلى عقر الدار، بمنزلة ترف منتديات لأناس لم تكتوِ
أياديهم بلهب الحياة .  

وللغرب
في ما يذهب إليه شؤون، لكن لعل هذا النقاش يعيد الصحوة إلى البعض منا الذي
يصطف في طليعة المبشرين بتجاوز ما بعد الحداثة إلى ما هو بعدها أيضاً،
لأنها قليلة على طموحاته، ناسياً أن مجتمعاتنا ارتدّت حتى عن النزر اليسير
من الحداثة التي حققتها، فباتت طموحاتنا هي من التواضع فلا تكاد تتجاوز
استرداد ما فقدناه من أفكار، تماماً على طريقة استرجاع ما احتل من أراضٍ
.ئ؟

اقرأ المزيد