المنشور

القوة الناعمة



في
التفريق الشهير الذي وضعه غرامشي بين مفهومين مختلفين، وإن بديا في الظاهر
متشابهين، يمكن أن نعثر على المقصود ب”القوة الناعمة” . فرق غرامشي بين
مفهومي “السيطرة” و”الهيمنة”، وعنى بالأول الاستخدام المباشر لوسائل القمع
والإكراه، أي استخدام القوة لإخضاع المجتمع للقوة المهيمنة على الثروة
والسلطة، ولكنه رأى في الهيمنة ما هو أشد خطورة وفعالية في تحقيق هذا
الإخضاع، لأنها ترمي إلى تحقيق الإجماع العام على سلطة القوة المهيمنة، عبر
تكييف الأذهان لقبول هذه السلطة، باعتبارها أمراً مسلماً به، وفي الأغلب
فإن الأدوات التي تستخدم لتحقيق الهيمنة، على خلاف السيطرة، هي الأدوات ذات
الطابع الثقافي التي تجعل من المرء قابلاً بواقع ما، حتى لو كان هذا
الواقع على النقيض من مصالحه، فهو يذهب طوعاً إلى قبول هذا الواقع تحت
تأثير “مخملية” الأداة المستخدمة لإقناعه، على خلاف قبول السيطرة التي
ترتبط عادة بالقسر والإجبار، المؤدي إلى الإذعان المحمول على الخوف، فتغدو
السيطرة قرينة القوة السافرة، والهيمنة قرينة القوة الناعمة .


لكن
مفهوم “القوة الناعمة” سرعان ما دخل في سياقات أخرى أكثر شمولاً، بينها
الحقل الاقتصادي، حين يدور الحديث عن العلاقات الاقتصادية الدولية، وإذا ما
سلمنا أن هذه العلاقات قائمة على لعبة إدارة المصالح المختلفة للدول التي
تتقاطع حيناً وتتناقض في الكثير من الأحيان، فإن راسمي هذه السياسات أدركوا
بحكم الخبرة أن الإكراه بالقوة لم يعد وحده السبيل الأمثل لضمان المصالح
الاقتصادية للدول الكبرى خاصة، بحكم أنها صاحبة الجبروت الاقتصادي، لاسيما
حين يدور الحديث عن قوى على درجة من التكافؤ في العلاقة، كشأن العلاقة بين
الولايات المتحدة وأوروبا، أو بين الأولى والصين مثلاً، حيث يتعين استخدام
“القوة الناعمة” وسيلة لتحقيق التفوق على الغرماء .


أحد
أساتذة الاقتصاد في جامعة هارفارد يُعرّف القوة الناعمة بأنها “القدرة على
اجتذاب الآخرين من خلال مشروعية سياسات بلدٍ ما، ومن خلال القيم التي تشكل
أساساً لها”، ورغم أن هذا المفهوم يطبق على أهداف السياسة الخارجية
والعسكرية لدولة ما، لكن ذلك يناسب الأهداف الاقتصادية أيضاً، حيث تمكّن
القوة الناعمة دولة من الدول من تحقيق أهدافها دون اللجوء إلى الإكراه
والدفع، وبطبيعة الحال فإنه كلما زادت المنافسة، زاد الاعتماد على القوة
الرخوة، لأن رأس المال الدولي ومعظم العقول المبدعة رحالة بدرجة عالية،
بحيث يمكن أن تختار الاستقرار في أي مكان تشاء، تبعاً لعوامل الجذب التي
يقدمها هذا المكان . 


لن
يعني هذا في حال من الأحوال انتفاء الحاجة إلى استخدام القوة العسكرية في
معناها المباشر، فقد تكرر ذلك خلال العقدين الماضيين، في الحرب على البلقان
وفي احتلال العراق وأفغانستان، وفي تدخل الناتو في ليبيا، والمرجح أن هذا
سيتكرر في بلدان أخرى، لكن الجديد في الأمر أن القوة الناعمة غدت أسلوباً
فعالاً موازياً للقوة في صورتها السافرة، تبعاً للظرف الملموس الذي يقتضيه
الحال في هذه المنطقة أو تلك، أو في هذا البلد أو ذاك، فالولايات المتحدة
خاصةً حين تدرك أن جاذبية نموذجها الاقتصادي تتآكل أمام تقدم نماذج أخرى،
في الغرب وفي الشرق على حدٍ سواء، لاتتردد في استخدام تفوقها العسكري
لتعويض هذا التآكل .
اقرأ المزيد

طريق التنمية المستقلة في “أرض الكنانة”



عرضنا
في مقال سابق . . “أهمية التعاون الاقتصادي بين العملاقين الآسيويين”
(الخليج الاقتصادي)، وكيف أن الهند رغم تعملقها الاقتصادي في العقدين
الأخيرين لم تختر معاندة وصد موضوعية العلاقات الاقتصادية الدولية المتمثلة
في حركة عناصر الإنتاج عبر الحدود، وتحديداً علاقاتها الاقتصادية مع
جارتها الصين . . العملاق الاقتصادي الآسيوي الصاعد بقوة في الحياة
الدولية، وذلك لتسليم وإقرار طبقتها السياسية الحاكمة، العاقلة، بموضوعية
وحتمية العلاقات الاقتصادية الدولية غير الخاضعة لرغبات الأفراد، أي للعامل
الذاتي وإن تأثرت به على خلفية إجراءات الحظر والمنع والعقوبات الاقتصادية
والحساسيات السياسية الناجمة عن حوادث تاريخية مؤثرة، كما هو الحال
بالنسبة للحساسية السياسية التي تحكم علاقة الهند بالصين الناتجة عن تورط
البلدين في حرب عام 1962 بسبب خلافاتهما الحدودية في الهيمالايا .

وكيف
أن الهند بدت منفتحة على استقبال الاستثمارات الصينية المباشرة في بعض
الصناعات وأنشطة البحث والتطوير، حيث التقت رغبة الهند في تعظيم وتنويع
مصادر تمويلها لصناعاتها ولمشاريع بنيتها الأساسية مع رغبة الصين في إيجاد
أقنية توظيف جديدة لفوائضها المالية الضخمة خارج إطار سندات الخزينة
الأمريكية والأصول الأمريكية الأخرى .

ولكن
الهند لم تستقطب الاستثمارات الصينية المباشرة لا ترفاً ولا عجزاً، أي ليس
نتيجة فساد السلطة الإدارية الاقتصادية الكلية للبلاد، رغم وجود الفساد في
أجهزة السلطة، بغية “تمصلح” وتربح فئة طبقية متنفذة، وليس نتيجة عجز سافر
في مصادر التمويل الوطنية، كما هو حال معظم الدول النامية الفقيرة، وإنما
من أجل المحافظة على وتيرة النمو العالية للاقتصاد الهندي التي كانت سبباً
في ارتقاء الهند إلى مصاف الدول الطليعية لما صار يُعرف بالاقتصادات
الصاعدة، وكان سبباً في مراكمتها لاحتياطات نقدية بلغت حتى شهر
يونيو/حزيران الماضي 290 مليار دولار وضعتها في المرتبة الرابعة بعد الصين
(45 .2 تريليون دولار)، واليابان (12 .1 تريليون دولار)، وروسيا (4 .479
مليار دولار) .

راهناً
يتعرض الاقتصاد الهندي والروبية الهندية لضغوط شديدة انعكست تراجعاً في
معدل النمو الإجمالي وتسريبات متعمدة عن احتمال حدوث هجرة لرؤوس الأموال
الأجنبية، على غرار ما حدث لبلدان جنوب شرق آسيا صيف عام 1997 في ما عرف
بالأزمة المالية الآسيوية . ولكن الهند آثرت مقاومة هذه الضغوط، من أجل
المحافظة على سيادة استقلال قرارها وخياراتها الاقتصادية الوطنية . فقد
اتخذ البنك المركزي الهندي بالفعل إجراءات سريعة يوم الرابع من مايو الماضي
من أجل تشجيع استقطاب الودائع الأجنبية للمصارف الهندية، حيث رفع سعر
الفائدة 200 نقطة فوق سعر الفائدة المعياري “الليبور”، بعد أن كانت 125
نقطة فوق سعر الليبور . كما أعطى البنوك حرية تحديد سعر الفائدة على ائتمان
الصادرات بالعملة الأجنبية .

وهذا
يقودنا إلى ما تتعرض له مصر والجنيه المصري اليوم من ضغوط دولية (من قبل
مؤسسات التمويل الدولية تحديداً) من أجل خفض الجنيه المصري . وكما فعلت
وتفعل الهند، على مصر أن لا تستسلم لهذه الضغوط، لأن الاستسلام لها تحت
ذريعة تحفيز الصادرات المصرية سيجلب معه دماراً محققاً متمثلاً في ارتفاع
المديونية وارتفاع التضخم وزيادة إفقار الفئات الفقيرة والمتوسطة . إن حزمة
المشاريع ونوعيتها (الصناعية التحويلية) التي طرحتها قبل أيام وزارة
المالية المصرية والمقدر إجمالي قيمتها بنحو 14 مليار جنيه، وتشمل مشاريع
في التعليم الجامعي والمدرسي، وبعض المستشفيات الجامعية المجانية، وتدوير
المخلفات الصلبة في المحافظات، وتطوير وتوسيع ميناء سفاجا الصناعي على
البحر الأحمر بهدف تحويله إلى ميناء محوري لتجارة مصر الدولية، خصوصاً فيما
يتعلق بتصدير الفوسفات الخام والسائل واستيراد الحبوب، وإقامة حوض عائم
لإصلاح السفن وإنشاء منطقة صناعية وخدمات لوجستية في المنطقة . . إضافة إلى
مشاريع إنشاء محطات مياه وصرف صحي، إن مثل هذه المشاريع هي الخيار التنموي
الصائب الذي يجب على الفريق الاقتصادي في النظام المصري الجديد أن يسلكه .
لقد حان الوقت لكي تطلق مصر أرجلها للريح وتلتحق وتتساند بتجمع “بريكس”
الذي يضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا .

لقد
تضعضع وضعُف موقع مصر الإقليمي والدولي نتيجة لتضحية مصر منذ وصول الرئيس
الراحل أنور السادات إلى السلطة في عام 1971 إثر الوفاة المفاجئة للرئيس
جمال عبدالناصر، باستقلالها الاقتصادي مقابل مكاسب زهيدة لم يُرَ لها أثرٌ
بائنٌ على هيكل اقتصادها الوطني طوال العقود الأربعة الماضية . ومن الصعب
قياس حجم الخسائر المصرية الضخمة، المباشرة وغير المباشرة التي نجمت عن تلك
الإدارة الاقتصادية الخاطئة . وأمام الحكم الجديد في مصر فرصة لتصحيح
المسار الاقتصادي الذي يوائم بين التزامات مصر ومتطلبات توافقها مع الكوكبة
الاقتصادية وبين مقتضيات التنمية الوطنية المستقلة على نحو ما فعلت بلدان
عديدة في آسيا وما تفعل اليوم بلدان أمريكا اللاتينية .

وتمتلك
مصر مصادر أخرى مهمة غير تلك المصادر الريعية التي كرستها الإدارات
الاقتصادية السابقة كمصادر تعتمد عليها لتوليد النمو (البترول والغاز، قناة
السويس، وتحويلات المصريين في الخارج) . وفي مقدمة ذلك القطاعان الأساسيان
اللذان يشكلان عماد التنمية المستقلة، وهما قطاع الزراعة وقطاع الصناعة
اللذان يتعين إعادة الاعتبار لهما من جديد في خطط التنمية الجديدة .


اقرأ المزيد

“ترسيم” جديد للدولة العربية



مرةً، منذ سنوات قلائل مضت، تحدث وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر عن ثورات ثلاث تجري في مواقع مختلفة في عالم اليوم في الوقت ذاته . واحدة في أوروبا حيث تتخلى الدولة الأم عن بعض وظائفها وصلاحياتها السيادية لمصلحة إطار عابر للدول، وثانية في العالم العربي والإسلامي حيث تتخلى الدولة الوطنية، مرغمة غير طائعة، عن مجالات نفوذها الحيوي التقليدية لمصالح الأصوليات الناهضة التي لا تعترف بشرعية الدولة ولا القانون الدولي، وثالثة تتمثل في انتقال مركز ثقل القرار الدولي من المحيط الأطلسي إلى المحيطين الهادي والهندي، مع بروز كل من الصين والهند واليابان كأقطاب دولية كبرى، اقتصادياً وسكانياً وعسكرياً .


لا يمكن أن ننجو من المفارقة المرة التي يشي بها حديث كيسنجر، حين نعقد مقارنة بين تضاؤل دور الدولة في أوروبا، وبين الظاهرة نفسها في عالمنا العربي الإسلامي .


في أوروبا تتم هذه الظاهرة لمصلحة تعزيز مكانة ودور الاتحاد الأوروبي، كأن مفهوم السيادة الوطنية بات ضيقاً ها هنا على كيان أكبر يوحد المصالح ويصهر المكونات المتعددة في بنية أشمل وأوسع وأكثر مهابة . أما عندنا فإن فشل الدولة الوطنية في إنجاز ما كان منوطاً بها من مهام في تحديث مجتمعاتها وتحقيق التنمية المتوازنة، قد دفع بها نحو الإخفاق .


وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فعلينا توقع انبثاق كيانات جديدة أصغر فأصغر . يدفعنا ذلك إلى مشارف الاستنتاج، فنقول إن الدولة – الأمة في أوروبا قد استوت إلى مرحلة النضج – التي لا تجعلها خائفة من الاندماج في كيانٍ أوسع، يُثريها وتثريه، أما الدولة الوطنية، أو القطرية إن شئنا، في عالمنا العربي – الإسلامي فقد شارفت على مرحلة إفلاسها التام، قبل أن تنجز مهمتها، في بناء كيانات حديثة، قوية ومتطورة .


نواة تمزق هذه الكيانات وانحلالها إلى عشائر وقبائل ومذاهب كامنة في بنيتها الهشة من الأساس، فالحدود التي رسمت الدول والكيانات القائمة هي صنيعة المنتصرين في الحرب العالمية الأولى الذين قسموا بلدان هذه المنطقة بشكلٍ اعتباطي، يوائم توزيع الغنائم في ما بينهم، وما اتفاقية سايكس – بيكو إلا التعبير الأبلغ عن هذا “الترسيم” الاعتباطي .


هل نذهب أكثر في هذا الاستنتاج، لنقول إن الغرب، خاصة بريطانيا وفرنسا، وهما يتقاسمان مناطق النفوذ في منطقتنا كانتا “تقيمان” كيانات وجدت لتتفكك بعد حين، لا لتبقى . إنه افتراض ينطوي على وجاهة، إذا ما عاينا هذا الهجين الغريب الذي تشكلت منه هذه الكيانات . وفاقم من ذلك أن من حكموها لم يتوافروا على برامج واضحة لبناء دول حديثة تمتلك أسباب القوة والمنعة، وتحقق لشعوبها ما هي في حاجة إليه من عيشٍ كريم وحياة حرة، فلا هي أمنت لقمة العيش ولا فضاء الديمقراطية، ما قذف بهذه المجتمعات إلى أتون الانفجار الذي ظل مؤجلاً حتى حانت لحظته .


وكما في حال “اصطناع” كيانات كثيرة في المنطقة، حين كان لفعل فاعل خارجي أكبر الأثر فيه، فإن تفكيك هذه الكيانات إلى وحدات أصغر، لا يبدو أنه يجري بعيداً من تأثير فعل فاعل خارجي مشابه، مع فارق أن مركز القرار انتقل من لندن وباريس، إلى ما وراء المحيط، في واشنطن .
اقرأ المزيد

سياسة الحبل المشدود



تُذكرنا
الأجواء المتوترة المتصلة بالملف النووي الإيراني والفارضة نفسها الآن
بقوة على صدارة المشهد السياسي الشرق أوسطي، والمستولية على كامل انشغالات
وزارات الخارجية والإعلام والمالية وغيرها في المنطقة، بأجواء الحرب
الباردة بين الشرق والغرب في إحدى فترات ذروتها (فترة الرئيس الأمريكي
الأسبق جيمي كارتر الذي فتح جبهة جديدة في الصراع مع الاتحاد السوفييتي
والدول الحليفة له في القارة الأوروبية وخارجها عنوانها حقوق الإنسان، أو
الفترة الريغانية، نسبة إلى الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان الذي أوصل
العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى حدود الصدام الذي كان سيدمر الحياة على
الكوكب الأرضي .


فمن
خلال القيام بتمرين بسيط يتمثل في حوصلة متابعات ما دار من أحداث،
وتداعيات أحداث، ومواقف على مدى فترة زمنية قياسية محددة، ولتكن شهراً
واحداً من شهور العام الجاري حصراً، أو حتى أسبوعاً واحداً، تبياناً لسعة
مساحة تكثيف وتركيز الحالة الصدامية لأطراف الصراع الصاخب والناشب بينها،
في حيز زمني ضيق، سيجد المرء المتابع لهذه الوقائع التي ستتضمن حتماً
تحركات دبلوماسية والتعبير بأشكال مختلفة، بعضها بطريقة كاريكاتيرية، عن
مواقف سياسية ملتهبة، والإعلان عن إرسال سفن حربية إلى منطقة مسرح العمليات
المحتمل، والإعلان بالمقابل عن إجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، برية
وبحرية وجوية (صاروخية)، والكشف المتعمّد عن بعض أنواع الأسلحة المستخدمة
في هذه المناورات، والقيام بعملية تدوير للكراسي الحكومية بهدف إرسال رسائل
تصعيدية كما فعل على سبيل المثال رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين
نتنياهو حين استقطب إلى صفوف حكومته في يونيو/حزيران الماضي زعيم حزب
كاديما الجديد شاؤول موفاز الذي خلف تسيبي ليفني في شهر مارس/آذار الماضي،
وهو ما اعتُبر حينها نجاحاً باهراً لنتنياهو في تشكيل حكومة وحدة وطنية
واسعة التمثيل ومناسبة لاتخاذ قرار مصيري بحجم مهاجمة المنشآت النووية
الإيرانية، قبل أن يعود موفاز ويعلن انسحاب حزبه “كاديما” من حكومة نتنياهو
في شهر تموز/يوليو الماضي، ليقوم نتنياهو بعد ذلك باستمالة وإغراء شخصية
أخرى نافذة في حزب كاديما وتوزيرها في حكومته من أجل معاضدته مع شريكه في
عملية دق طبول الحرب وزير الدفاع إيهود باراك، في التغلب على الأصوات
المتزايدة المنتقدة لتوجهاتهما الحربية ضد إيران .


هي
إذاً، حرب يمكن أن نُوَصّفها بالحرب الباردة الصغيرة، أطرافها الأساسيون
الولايات المتحدة والدول الكبرى الرئيسة في أوروبا الغربية (بريطانيا،
فرنسا وألمانيا تحديداً) و”إسرائيل” والوكالة الدولية للطاقة الذرية من
جهة، وإيران من جهة ثانية . في حين يقف كل من روسيا والصين موقفاً هو أقرب
إلى مواقف بلدان عدم الانحياز، إنما عملاً بمبدأ ما سمي بالحياد الإيجابي  من
القضايا الدولية الخلافية بين الشرق والغرب إبان حقبة الحرب الباردة .
فالدولتان لا تتبنيان بصورة مطلقة المواقف الغربية المتشددة تجاه ملف إيران
النووي، وإنما هما تعملان من خلال ثقلهما السياسي والدبلوماسي في الوكالة
الدولية للطاقة الذرية وفي مجلس الأمن الدولي بصفتهما دولتين دائمتي
العضوية في المجلس، وفي “مجموعة 5 + 1” التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية
في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، على اتباع طريق الحل السلمي الدبلوماسي
لأزمة الملف النووي الإيراني، مع مجاراتهما للغرب بعض الشيء في المرات التي
يستخدم فيها الغرب “عصا” مجلس الأمن للتصويت على حزمة عقوبات دولية جديدة
ضد إيران، حيث يمتنعان عن استخدام حق النقض “الفيتو” لإحباط تلك القرارات .
علماً أن برنامج إيران النووي بدأ في الخمسينات من القرن الماضي بمساعدة
من الولايات المتحدة، وبدعم وتشجيع ومشاركة حكومات أوروبا الغربية، واستمر
التعاون حتى إسقاط شاه إيران سنة ،1979 وتم إيقاف البرنامج بعد الثورة
مؤقتاً وإعادة تشغيله مجدداً بقليل من المساعدة الغربية .


وحين
تجد الأطراف الغربية نفسها عاجزة عن دفع الإيرانيين إلى تقديم تنازلات في
المفاوضات، تلجأ إلى خيار التلويح بورقة الحرب التي تحول دون وقوعها، أسلحة
الردع لدى كل من الطرفين المتبارزين . ولذلك أصبح الطرفان رهينة مساحة
اللعب الضيقة المتبقية لديهما، وهي أخذ كل منهما الآخر إلى حافة الهاوية
المنبئة بالخطب العظيم اللائح في أفق سمائه . ونظراً إلى اضطرار طرفي “لعبة
شد الحبل” إلى تكرار هذا  السيناريو
بصورة مجترة على مدى السنوات العشر الأخيرة، وما ينطوي عليه ذلك من إمكان
فقدانهما لمصداقيتهما، فقد تمت معالجة هذه “الثغرة” من خلال “التفنن
والإبداع والابتكار” في طريقة إعادة فيلم “حافة الهاوية” .


بموازاة
ذلك يراهن الطرف الأول على مفعول تأثيرات العقوبات التي يعمل على زيادة
جرعاتها بهدف زيادة إحكام الخناق والضغط على الطرف الأول لدفعه إلى تقديم
تنازلات، فيما يراهن الطرف الثاني (إيران) على فشل نظام العقوبات ومقابلة
كل وجبة منها بخطوات تصعيدية من قبيل إجراء تجارب على أنظمة صاروخية جديدة،
أو الكشف عن منشأة نووية جديدة، أو زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي لترفيع
نسبة التخصيب، من دون الحاجة إلى تحويل الاقتصاد، في الوقت الراهن على
الأقل، إلى اقتصاد حرب، وذلك بالرهان على اكتفائه الذاتي من الغذاء .


بهذا
المعنى تبدو التسوية صعبة على الطرفين، لأنها أولاً تنطوي على تقديم
تنازلات متبادلة تبدو غير محتملة في الوقت الراهن على الأقل، (مع أهمية
الإشارة هنا إلى أن إيران كانت وافقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2003 على وقف
تخصيب اليورانيوم والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش
منشآتها، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2004 أكدت إيران هذا الموقف بعد اجتماع
مع سفراء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لتجنب عقوبات دولية جديدة)، وثانياً لأن
أهداف “أعضاء” الفريق الأول غير متجانسة وإن تقاطعت في العناوين . ولذا
فإن تغييراً مهماً في أعلى هرم السلطة لدى أحد الطرفين أو لدى كليهما معاً
يمكن أن يُحدث “ارتجاجاً” في الحالة ال”ستاتيكية” السائدة راهناً .


وقد
يكون الاتيان برئيس جمهوري جديد في واشنطن (ميت رومني الذي اختاره
الجمهوريون الثلاثاء 28 أغسطس/آب 2012 لتمثيلهم في السباق الانتخابي
الرئاسي ضد الرئيس باراك أوباما في نوفمبر المقبل)، هو التغيير “المثالي”
الذي تحتاج إليه الحالة ال”ستاتيكية” لأزمة الملف النووي الإيراني، من حيث
إن هذا الرئيس القادم بخطاب شعبوي على ما هو ظاهر حتى الآن، سوف ينزع، على
الأرجح، إلى تغيير قواعد اللعبة!


الحرب
لها مغرياتها التي تسيل لعاب الرؤوس الحامية في بعض دوائر صناعة القرار
الأمريكي وفي “إسرائيل” بأمل الخروج منها “بصيد ثمين” . ولكن ما يغل أيدي
هذه الدوائر، هو تلك الأكلاف الباهظة لهذه “الجواهر” الثمينة، والفوز غير
المضمون بها . فمهما بلغت دقة الحسابات، إلا أن هناك دائماً هامش مخاطرة قد
يرتد خلفاً إلى ما لا تُحمد عقباه .   
اقرأ المزيد

لتصعد السياسة والمواطنية… من أجل التنمية – د.علي فخرو

في الأقطار العربية التي نجحت فيها الثورات الشعبية، مهما اختلف البعض
حول مقدار نجاحاتها، والتي نقلت تلك الأقطار من نظام سياسي فاسد مستبد سابق
إلى وضع سياسي جديد واعد بالإمكانيات التي ستأتي مستقبلاً بتغييرات
مجتمعية وإنسانية كبرى… في هذه الأقطار سنحتاج للعودة المرَّة تلو المرَة
لموضوعي السياسات الاقتصادية وملابساتها الاجتماعية الكارثية خصوصاً
وأنهما كانا أحد أهمٍ عوامل تفجُّر الأوضاع.

لقد تبنت الأنظمة
السابقة عدة اتجاهات اقتصادية اجتماعية خاطئة. فهي أولاً احتضنت بصورة تامة
كل توجُّهات وممارسات اللّيبرالية الجديدة المتوحّشة التي هبَّت رياحها
العاصفة منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي. وقد ركزت اهتمامها على التجارة
وتدفق السّلع والاستهلاك النهم، وعلى حرية حركة الرأسمال الوطني والأجنبي،
وانزلقت شيئاً فشيئاَ نحو تبني الاقتصاد المالي غير المنضبط المبني على
المغامرة والمضاربات الجنونية في العقارات والأسهم بدلاً من تبني الاقتصاد
الإنتاجي للسّلع الضرورية وللخدمات العامة والاقتصاد المعرفي.

ثم
اتبعت ذلك بتنازلها عن مهمتها الأساسية في بناء دولة الرعاية والرفاهية
الاجتماعية فخصخصت مؤسسات البنية التحتية من كهرباء وماء ومواصلات وإسكان
ومؤسسات الخدمات العامة من صحة وتعليم وتدريب ورياضة، وفي الوقت نفسه أصرت
على أن تكون الموازنات العامه متقشفة وبذلك غير قادرة على تقديم خدمات عامة
معقولة لعموم المواطنين، وخصوصاً الفقراء والمهمشين منهم.

ومن أجل
الحصول على قروض لسد العجز في موازناتها، خضعت لإملاءات وشروط وابتزاز
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية المتناغمة
والمتعاونة مع دوائر النيوليبرالية في عواصم الغرب والشرق. وهي التي بدورها
كانت خاضعة لإملاءات وأطماع وجنون مؤسسات المال والاقتصاد الدولية العابرة
للقارات الكبرى والمكتسحة للاقتصادات الوطنية.

ولأنَّ تلك الأنظمة
العربية كانت فاسدة وطامعة وأنانية، أصبحت مع الوقت أداة طيّعة منفّذة
ومشاركة في بناء اقتصاد أدَّى إلى زيادة هائلة في ثروات الأغنياء وفي فقر
وعوز الفقراء وإلى جمود الرَّواتب وضمور الطبقة الوسطى. وحتى لا تجد من
يعارضها في تطبيقها لتلك السياسات أضعفت وهمَّشت النَّقابات العمالية
والمهنية، بل واخترقت تنظيماتها وأفسدتها.

نحن إذن أمام صورة بائسة
لاقتصاد غير تنموي ودائر في فلك مصالح أقلية مغامرة جشعة من مالكي
الرأسمال. ولذا فان مهمة أنظمة ما بعد الثورات هي قلب تلك الصورة رأساً على
عقب، وهي مهمَّة لن تكون سهلة إلا إذا رافقتها إرادة سياسية وطنية
مستقلَّة غير خاضعة لابتزاز أميركا وحلفائها ومؤسساتها الدولية من جهة، وفي
الوقت نفسه انبنى جهد عربي متناغم مشترك لمقاومة الضغوط الدولية وللمساعدة
في عودة الجميع نحو اقتصاد عربي إنتاجي – معرفي طال انتظاره. وبالطبع فان
ذلك سيتطلب استراتيجيات على المدى الطويل، لكن هناك خطوات يمكن البدء بها
على المدى القصير.

أولاً: عدم الالتحاق بهوس ممنوعات الليبرالية
الجديدة من مثل عدم السماح لأي تضخُم أو أي عجز في الموازنات العامة أو
تدخل الدولة لضبط حركة الأسواق والاستثمارات والسياسات النقدية. هناك أمثلة
لدول في آسيا وأميركا الجنوبية رفضت تلك المقولات ونجحت في بناء اقتصاد
تنموي لصالح عموم المواطنين. القاعدة الأساسية هي أن كل ما يؤدي إلى بناء
اقتصاد إنتاجي – معرفي وإلى توافر خدمات اجتماعية معقولة لعموم الناس يجب
أن يؤخذ دون تردد.

ثانياً: يجب عدم السَماح لأن يكون القرار بيد مالك
رأس المال فقط، وإنما يشمل عناصر الإنتاج الأخرى من مثل المؤسسات الحكومية
والتشريعية التي تساهم بأشكال كثيرة في توفير البيئة المادية والمعنوية
لمالك المال ومن مثل النقابات ومديري مختلف المؤسسات الذين يشغّلون المال
وأشكال من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن الصالح العام.

ثالثاً:
الإصرار على عودة صعود مكانة السياسة في الحياة الاقتصادية، أي مكانة
المواطنية بما تعنيه من توزيع عادل للثروة، وكفاية معيشية إنسانية لكل
مواطن، ورفض لفروق جائرة بين الغني والفقير، ومنع لأي ممارسات مالية أو
اقتصادية تؤدّي إلى أزمات لا يكتوي بنارها في النهاية إلا الفقير الذي لا
ناقة له ولا جمل في ساحات جنون المضاربات.

رابعاً: ألا تكون مرجعية
الفكر والسياسات الاقتصادية في يد أدوات التدخُّل الأميركي المستتر من مثل
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

خامساً: السَعي باسم الأخوة
والعروبة والإسلام لأن تكون التّسعة تريليونات من الدولارات التي ستدخل في
خزائن دول مجلس التعاون في العشر سنوات القادمة، والتي ستفيض عن حاجاتها
كثيراً، أحد مداخل العون غير المشروط للنُّهوض الاقتصادي الذي نتحدَّث عنه.
هذا سيعتمد على مقدار حساسية دول وشعوب الخليج العربي للعدالة والتراحم
والتعاضد.

علي محمد فخرو

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

النص الكامل لإجابات نائب الأمين العام للمنبر التقدمي على أسئلة صحيفة “الأيام” في مقابلة تمت في 28 أغسطس ونشرت – بتصرف –

   
النص الكامل لإجابات الرفيق عبد الجليل النعيمي، نائب الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي على أسئلة صحيفة “الأيام” في مقابلة تمت في 28 أغسطس ونشرت – بتصرف – يوم الأربعاء، 5 سبتمبر 2012.


 



س 1 : هل اجتمعتم مع القوى السياسية في الفترة الماضية ؟



ج 1 : شهدت الفترة المنصرمة عددا من الاجتماعات الثنائية والمتعددة الأطراف مع عدد من الجمعيات السياسية، إضافة إلى اللقاءات العابرة والاتصالات التي جرت سواء مع ممثلي الجمعيات أوالشخصيات الوطنية والحقوقية. فقد جرت لقاءات مركزية وتخصصية مع رفاقنا في التيار الوطني الديمقراطي في كل من “وعد” والتجمع القومي. وتم تدارس الوضع السياسي الراهن الذي لا يزال ينتظر حلولا تتمثل في خطوات وإجراءات جدية في كل من الجوانب الأمنية والإنسانية والحقوقية، بما يتحاوب ومعايير الحضارة البشرية والمواثيق الدولية، والتي تفتح الطريق ليس فقط نحو الحوار الوطني، بل والتفاوض المباشر حول ماهية وتزمين الإصلاح الحقيقي. وتمت مناقشة تطوير العمل المشترك، كما تم تشكيل فريق مشترك من القانونيين لصياغة مذكرة قانونية تدعم مرئيات هذه القوى الثلاث التي سبق وقدمت من أجل خروج بلادنا وشعبنا من الأزمة التي نمر بها.

وإلى ذلك عقد اجتماع مشترك بين “التقدمي” وجمعية الوفاق، تم فيه مناقشة القضايا السالفة الذكر وبحث استمرار العلاقات المنتجة التي تعود بالمكاسب على الحركة الوطنية، وبما يخدم إخراج بلادنا وشعبنا من الأزمة بأقل الخسائر والتكاليف الاجتماعية والزمنية والمادية الممكنة. وكان اللقاء إيجابيا للغاية وتم الاتفاق على تكراره بشكل دوري.

وقد أعرب “التقدمي” عن رغبته في عقد لقاء مع قيادة تجمع الوحدة الوطنية من أجل بحث سبل العمل سوية على ترسيخ أسس الوحدة الوطنية التي يمكن أن تشكل قاعدة انطلاق صلبة لتحقيق التعايش والخروج من الأزمة والعمل من أجل تحقيق المطالب الديمقراطية لشعب البحرين كافة. كما نسعى إلى لقاء بقية الجمعيات السياسية على اختلاف مشاربها الفكرية ورؤاها السياسية للوصول إلى تصورات حلول على أرضية الوحدة الوطنية وتحقيق التحولات الديمقراطية.

ومع دعوة معالي وزير العدل إلى سلسلة لقاءاته مع الجمعيات السياسية فرادى فقد رأينا، ولا نزال، أهمية التشاور مع مختلف القوى السياسية لتبادل وإغناء الآراء لوضع الأمور على طريق الخروج من الأزمة. وقد كان لنا لقاءان أحدهما مع سعادة مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام والآخر مع معالي وزير العدل. وأصدرنا بيانا أكدنا فيه على القضايا الجوهرية التي طرحناها فيما يتعلق بتخفيف التوتر الأمني ووقف وإدانة القمع وأعمال التخريب وتنفيذ الالتزامات المتعلقة بالجوانب الإنسانية والحقوقية بموجب توصيات بسيوني ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وخصوصا إطلاق سراح معتقلي الرأي وعودة كافة المفصولين. كما أكدنا على ضرورة أن تكون الدعوة للحوار من قبل السلطة مشفوعة بأرضية سياسية أولية، ولتكن تلك مبادرة سمو ولي العهد ذات النقاط السبع.

نقطة هامة طالما ركزنا عليها، وهي أنه حان وقت أن يقرأ الرأي العام آراء كل تنظيم سياسي غير منقوص عن طريق صحافته التي تمثل لسان حاله. ليس هناك من مبرر لاستمرار منع الصحافة الحزبية. ونحن لا نعرف عن بلد آخر أحزابه علنية وصحافته سرية أو ممنوعة !
 
س 2 : هل ستعودون مجددا للعمل مع الجمعيات الخمس ؟

تربطنا علاقات وثيقة مع كل من التنظيمات الخمس. فقد جمعتنا معها سنوات من العمل النضالي المشترك. ونحن نبادلها الاحترام ونبحث معها بكل صراحة علاقاتنا الوطنية، بما تمليه ظروف المرحلة الراهنة والدور الوطني الذي يمكن أن يلعبه المنبر الديمقراطي التقدمي في هذه الظروف لخدمة الحركة الوطنية وتطوير أدائها من أجل تحقيق مطالب شعبنا العادلة. وقد نعمل معا على إيجاد إطار عام ليس بالضرورة خماسيا،  لكن بالضرورة أكثر فاعلية وتجاوبا مع حاجات المرحلة. وقد لمسنا أن موقفنا يجد التفهم والاحترام، ولم نجد من الرفاق والأخوة في الجمعيات السياسية من يلحُّ على العكس.

س 3 : هل هناك تواصل مع المستقيلين وهل من بوادر لرجوعهم ؟

ج 3 : نعم، هناك جهود حميدة تبذلها اللجنة المختصة. وستتم قريبا إحاطة المكتب السياسي من قبل هذه اللجنة عن تطورات الاتصالات الجارية. كما ستطرح مقترحات بهدف اتخاذ القرارات اللازمة بالخطوات اللاحقة.

س 4 : هل لا يزال هناك حديث عن وجود تشرذمات وصعوبات وضغوط خارجية تعرقل تقدم المنبر إلى الأمام  ؟

ج 4 : آلة “التقدمي” تعمل بشكل جيد. ومعظم الرفاق على اختلاف آرائهم لا يبخلون بالغالي والنفيس من أجل أن تهدر هذه الآلة بفاعلية ودويٍّ أكبر. ولم نسمع عن مجاميع أو ما تصفها بتشرذمات من رفاقنا الفعليين تناهض التقدمي إلا من خلال بعض الصحف وليس على أرض الواقع. أما إذا كان هناك من تتعارض أفكاره الأيديولوجية وانحيازه الاجتماعي ومسلكه السياسي مع “التقدمي” أو مصالحه الخاصة بشكل جذري، أو أنه عاجز عن تحمل تبعات ذلك، ويجد أن نشاطه ضمن إطار سياسي آخر أجدى بالنسبة له، فله ما اختار.

الضغوط الخارجية التي تتحدث عنها متواصلة وتأخذ أشكالا مختلفة. لكن أكثرها شدة ومنهجة هي الضغوط الإعلامية التي تجند لها أقلام وكأنها خلقت أساسا “للنضال” ضد المنبر التقدمي. وبقياس ردات الفعل الاجتماعية نجد أن إعلامنا التقدمي على إمكانياته المتواضعة يتمتع بقوة الإقناع لأنه يحمل الحقيقة التي تستطيع أن تبدد أحلام أقلام لها حساباتها. ما نستطيع أن نقوله لمثل هؤلاء هو أنه إذا كنا نحن قضيتهم فهم بالتأكيد ليسوا قضيتنا.. وقد يجدون في ذلك “خبزتهم”، أما نحن فنخسر جهدا ووقتا نحن بحاجة إليهما. كما نقول أن النيل من “التقدمي” أو فصائل التيار الوطني الديمقراطي أو أية قوة أو شخصية وطنية أخرى إنما يسعى لإضعاف الحركة الوطنية ككل، لأنهم يريدون أن يبرزوا الحركة الوطنية على أنها طائفية الطابع. إن الذي تفعلونه يكرس الطائفية، وأكثر من ذلك يساعد في تسميم الرأي العام وإشاعة الكراهية.

اقرأ المزيد

العمل النسوي في الكويت – وليد الرجيب



أعلنت ” لجنة الدفاع عن قضايا المرأة – الكويت” عن تأسيسها في الأول من سبتمبر الجاري، ومن خلال متابعاتي في وسائل التواصل وجدت ترحيباً شديداً بانطلاقة هذه اللجنة واعجاباً ببرنامجها وأهدافها.

وقد جاء في ورقة الجانب النظري الذي قامت هذه اللجنة على أساسه ما يلي: “ما تزال الحركة النسوية في الكويت قاصرة عن أن تصبح حركة ذات رؤية علمية اجتماعية وثقافية واقتصادية واضحة، كما لا يزال عملها نخبوياً لا يمثل المجتمع بقطاعاته العريضة، وهو عمل نمطي يقتصر في الغالب على رعاية الأم والطفل وقانون الأحوال الشخصية، أو يركز على النشاطات الخيرية (رغم أهمية هذه القضايا)، وإضافت الورقة: “إن قضايا المرأة لا تنفصل عن قضايا المجتمع، كما أن دفاع المرأة عن قضاياها ونضالها من أجل تحقيق مطالبها إنما هو بالأساس جزء من الحركة العامة للنضال الوطني والديموقراطي والاجتماعي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والتقدم..كما أن مجرد مساواة المرأة والرجل في الأجر والحقوق السياسية، لا يعني أن قضية المرأة قد تم حلها، ذلك أن غياب المساواة هو نتاج قرون طويلة من تهميش المرأة وبالتالي لا بد من مواصلة الصراع في الجبهة الثقافية أو البنية الفوقية” (انتهى).

ولعل تصور هذه اللجنة الوليدة هو من أنضج التصورات لمهام المرأة الكويتية حيث ربطت تحررها بتحرر المجتمع، أي بتحرر الرجل والمرأة معاً،  ولم تحصر صراعها مع الرجل، أو تعتبر وجودها إزاء الرجل، وهو وعي ناضج لمهمات العمل النسوي.

ودور المرأة في الكويت ليس جديداً بل بدأ منذ بدايات القرن الماضي عندما تبرعت السيدة شاهه حمد الصقر بأساورها الذهب للقضية الفلسطينية عام 1936، كما تبرعت بدكان كمقر للمكتبة الأهلية في نفس العام، ونذكر كذلك حركة التمرد الرمزية عام 1953 والتي قادتها السيدة فاطمة حسين في ثانوية القبلة، عندما تم حرق الخمار “البوشية” والعباءة في ساحة المدرسة، إضافة إلى الحركة الاحتجاجية ضد العباءة عندما نزلت طالبات البعثة في القاهرة من الطائرة سافرات لفرض الأمر الواقع عام 1956 أو ما بعدها بقليل، وجميع تلك الأعمال الرمزية هي نضال ضد قيود التقاليد التي تجعل من المرأة تابعة للرجل ومن أجل التقدم والتطور.

كما أن نضال المرأة لم يتوقف من أجل نيل حقوقها السياسية في الترشيح والانتخابات البرلمانية حتى حصلت على هذه الحقوق ودخلت كعضوة في مجلس الأمة، هذا عدا عن تسنمها مراكزاً قيادية في الدولة.

ولا يمكننا العبور على الدور العظيم والخالد الذي قدمته المرأة أثناء الاحتلال، وانخراطها في المقاومة والعصيان المدني، وتعرضها للاعتقال وللتعذيب الوحشي، ولا يمكن نسيان شهيدات الوطن أمثال أسرار القبندي ووفاء العامر وسناء الفودري وغالية التركيت ونوير عيد المطيري وسعاد علي الحسن، وهو أيضاً ما يعكس التنوع الفئوي والاجتماعي والوحدة الوطنية للمجتمع الكويتي بأطيافه المختلفة، بعكس ما يحدث الآن من استقطابات طائفية وقبلية وفئوية مؤسفة.

وبرأينا أن تعدد المنظمات النسوية مثل الجمعية الثقافية النسائية ومجموعة 29 ولجنة الدفاع عن قضايا المرأة، هو لصالح قضية المرأة وقوة لها، وهو ما يطرح أهمية التنسيق والتعاون بينها من أجل قضايا المرأة والوطن.

 

وليد الرجيب : كاتب كويتي
اقرأ المزيد

«إدارة الآلام»… جراحة القلب مثالاً

المرء يمر في حياته بآلام كثيرة، وبعضها يشكل خطراً مباشراً على
الاستمرار في الحياة، ومن ضمن هذه الآلام الخطيرة تلك التي تصيب القلب.

أحياناً
لا يدري الإنسان أن لديه مشكلة قد تصل به إلى الإصابة بسكتة قلبية أو يقع
مغمى عليه من شدة الألم، وأحياناً تتدهور جودة الحياة تدريجياً وتتباطأ
حركته ويثقل جسمه مع ازدياد المشكلة التي يعاني منها قلبه.

بالنسبة
لي، فإنني بدأت أشعر بالتعب الشديد منذ العام الماضي، ولكنني لم أتوقع أن
تكون لديّ مشكلة في القلب، والمفاجأة كانت عندما أجريت اختباراً لتخطيط
القلب أثناء الإجهاد في يونيو/ حزيران الماضي (2012) وبدا أن المؤشرات ليست
جيدة، إذ أكدت الاختبارات التي أجريت لي في مجمع السلمانية الطبي وفي مركز
محمد بن خليفة آل خليفة التخصصي للقلب بالمستشفى العسكري أن هناك انسدادات
في الشرايين المحيطة بالقلب لا تستطيع عملية القسطرة فتحها وأن الحاجة
ملحة لعملية جراحية مباشرة.

الصدمة التي تواجه أي شخص لا يمكن شرحها،
وهي من النوع الذي لا تفهمه جيداً إلا حين تدخل التجربة الفعلية، وذلك لأن
الأمر يتعلق بجزء مهم من جسمك تعتمد عليه حياتك. وحياتك الآن أصبحت تعتمد
(بعد الله سبحانه وتعالى) على مهارة الجراحين والطواقم الطبية
والتمريضية… وتبدأ هنا علاقة خاصة بين المريض ومن يتولون علاجه، إذ إنك
تسلم بقدراتهم وكفاءتهم وتؤمن بأنهم يستطيعون تنفيذ المهمة، وتتحمل كل
الآلام التي تمر بها لأنهم يخبرونك بطبيعة وضعك وكيف ستتم معالجتك وكيف
ستتعافى، وكيف سيقومون بـ «إدارة الآلام» على مدى الأيام والأسابيع والأشهر
المقبلة.

بعد أن ترى كل شيء أمام عينيك، فإن عليك أن تجيب على أسئلة
محددة: هل تثق بالتشخيص؟ وهل تثق بخبرات وقدرات الجراحين والطواقم الطبية
والتمريضية والإمكانات الداعمة لها؟ بالنسبة لي، فإن ثقتي كانت ومازالت
عالية جداً بجميع القدرات المؤهلة على مستوى عالمي، ولم تكن لديّ مشكلة في
قبول خطة العلاج والمضي قدماً والتحرك بسرعة لمعالجة الآلام من أجل الشفاء
منها.

الآلام التي تصيب الجسم بعد إجراء العملية شديدة جداً، ولكن ما
كنت أشعر به كألم شديد كان الأخصائيون المشرفون على العلاج يرونه علامة
على نجاح العملية، وأن الأمور تسير على ما يرام، وأن المسألة لديهم تتلخص
في المضي قدماً في تنفيذ خطة «إدارة الآلام» للخروج منها بصحة أفضل… وأن
الوقت الذي يتوقعونه للعودة تدريجياً للنشاط الحياتي الاعتيادي سيكون بعد
ستة أسابيع على الأقل.

الآن وقد مضت نحو ستة أسابيع على إجراء
العملية، فإنني أعود تدريجياً للكتابة، وأتقدم – مرة أخرى – بالشكر للقيادة
السياسية التي اطمأنت على وضعي، والشكر لجميع من سأل عني، ولا بد أن أشكر
بشكل خاص الطواقم الطبية والتمريضية، وعلى رأسهم مدير مركز العناية بالقلب
الدكتور ريسان البدران، والجراح القدير الدكتور حبيب طريف، واستشاري
التخدير الدكتور نزار بوكمال، واستشاري أمراض القلب الدكتور حسام نور،
واستشاري أمراض القلب الدكتور راشد البناي، وجميع الطواقم الطبية
والتمريضية بوحدة العناية بالقلب والمستشفى العسكري ومجمع السلمانية
الطبي… إليهم وإلى كل من سأل عني أشكرهم جميعاً.

وإن كانت لي
أمنية، فإنني أتمنى أن نستفيد من أنموذج هذه القدرات الفائقة في «إدارة
الآلام» في جسم الإنسان (بعد جراحة القلب) إلى ما يمكِّننا من إدارة آلام
بلادنا التي تحتاج إلى دورة علاج حقيقية وواضحة من أجل أن يتعافى الوطن،
تماماً كما هو الحال مع جسم الإنسان.

منصور الجمري


صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

في ذكرى عبدالرحمن النعيمي

بمشاركة
جمعيات سياسية وشخصيات وطنية من بلدان الخليج والجزيرة العربية ومن
البحرين، أقامت جمعية «وعد» حفلاً تأبينياً للقائد الوطني الراحل عبدالرحمن
النعيمي في الذكرى السنوية الأولى لرحيله، بعد أن قضى أربع سنوات في غفوته
التي طالت بعد حياة حافلة بالعمل والعطاء الوطني والتضحية، في صنع الوعي
الوطني وفي المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم، في المراحل
العمرية المختلفة التي كرسها للعمل النضالي الذي سار عليه طويلاً, هو
وأحمد الذوادي وآخرون من أولئك الرجال والنساء الذين قُدت إرادتهم وعزائمهم
من فولاذ, فكانوا, في أقسى المصائر التي عبرها هذا الوطن, يُربون الأمل في
النفوس, لكي تكون البحرين التي أحبوها ويحبونها أجمل وأزهى, وليكون شعبها
حراً سعيداً.
نفتقد عبدالرحمن النعيمي اليوم, حيث يغيب صهيل الخيول الجامحة نحو المجد,
ويعلو فحيح أفاعي الفتن الطائفية والمذهبية, المتربصة شراً بهذا الوطن,
التي تريد لنا العودة القهقرى, ومصادرة المنجز الوطني التوحيدي للشعب الذي
صنعه قادة الشعب منذ هيئة الاتحاد الوطني, ومنذ إضرابات العمال في شركة
«أكمي» مطالع الخمسينات يقودها حسن نظام وعلي مدان ورفاقهما. ومنذ الخلايا
السرية الأولى في المنامة والمحرق والقرى, تطبع منشورات الحرية والخبز,
وتوزعها في أرجاء الوطن المفعم بالتوق للمستقبل يوم كانت بواكير الفكر
التقدمي تعبد طريق الحرية والأمل في البحرين, مروراً بانتفاضة مارس 1965,
مروراً بالصعود التقدمي الديمقراطي بين السبعينات والثمانينات الذي كان
أبوأمل أحد قادته البارزين وأحد أعمدته الصلبة في وجه آلة القمع.
في منافيه الطويلة التي دامت عقوداً بين الإمارات وعدن ودمشق وسواها من
مدن, كان النعيمي أقرب إلى الوطن ونبض الشارع فيه من الكثير من المقيمين
فيه، وكان أحد صناع ما يدور من أحداث وهو في البعد. وحين أطلق عاهل البلاد
مشروع الإصلاح الذي أتاح للمناضلين المنفيين العودة للوطن, عاد أبوأمل
حاملاً معه الأمل في أن تكون هذه لحظة قطع مع الماضي المثقل بالآلام
والأحزان, صعوداً إلى الأمام.
من أجل ذلك عمل أبوأمل, ومن أجل ذلك عمل أحمد الذوادي وكل رفاقهما الذين
عادوا من المنافي أو أولئك الذين تحرروا من عبء العمل السري, لينقلوا إلى
العلنية القضايا التي أفنوا في سبيلها زهرات شبابهم, وكابدوا من أجلها
أهوال السجون والمعتقلات والمنافي.
لن تكتب يوميات السنوات المفعمة بالأمل التي تلت التصويت على ميثاق العمل
الوطني, دون الوقوف على الدور المحوري الذي كان لعبدالرحمن النعيمي ولأحمد
الذوادي وأحمد الشملان وللتيار الوطني الديمقراطي في التأسيس لاستحقاقات
المرحلة الجديدة, وصوغ أشكال التعاطي مع مستجداتها. وليس أمراً غير ذي مغزى
أن التيار الديمقراطي بالذات كان أول من شكل الجمعيات السياسية, لأنه يقف
على أرض صلبة شكلها التراث الكفاحي العريق الممتد الذي يستند عليه هذا
التيار. عبدالرحمن النعيمي الذي رحل يظل حاضراً في كل الخطى في الأذهان
والأفئدة، بعطائه وإرادته ومنجزاته لشعبه ولوطنه, اليوم وغداً.
اقرأ المزيد

إحياء عظام مجلس 2009 وهي رميم!


 
لئن كانت صفحة مجلس الأمة المنتخب في 2012 قد طويت بحكم القضاء الدستوري الملزم للجميع وكذلك بحكم الأمر الواقع، فإنّ صفحة مجلس 2009 المرفوض شعبيا قد طويت قبل ذاك بحكم الإرادة الشعبية التي تجلّت في التجمّع الشعبي الحاشد مساء الاثنين 28 نوفمبر 2011 في “ساحة الإرادة” لعشرات آلاف الكويتيين الذين طالبوا بحلّ ذلك المجلس سيئ الذكر، ثم بالاستجابة الأميرية لرغبة الأمة، وهي إرادة نافذة لم تُبطل من حيث موضوعها، وإنما قامت المحكمة الدستورية بإبطال شكلها الإجرائي الخاطئ، الذي كان هناك مَنْ تعمّد أن يكون كذلك عبر التوقيع المجاور لرئيس مجلس الوزراء المكلّف حينذاك على مرسوم الحلّ قبل أن يشكّل حكومته ورئاسته غير ذات الصفة لاجتماع الحكومة المستقيلة.
 
وبالطبع فقد كان يفترض الإسراع في تصحيح الإجراء الخاطئ منذ اليوم الأول لصدور حكم المحكمة الدستورية في 20 يونيو 2012، إلا أنّ المماطلة السلطوية حاولت منذ اليوم الأول ولا تزال تحاول مدّ العمر الافتراضي المنقضي لمجلس 2009 المسقط شعبيا، مرة تحت ذريعة عدم ورود النصّ الرسمي للحكم، ومرة أخرى تحت غطاء بحث الجوانب الإجرائية، ومرة ثالثة بحجة تشكيل حكومة جديدة لتحصين الإجراءات، ومرة رابعة حتى تتمكن الحكومة الحالية من أداء القسم الدستوري لوزرائها من غير النواب أمام ذلك المجلس، وفي المرة الخامسة كان المبرر تمكين ذلك المجلس المرفوض شعبيا من الانعقاد وهو ما لم يتحقق بفعل الرفض الشعبي، وبعدها انتقلت الحكومة إلى تقديم طلب طعن ملغوم في عدم دستورية قانون الدوائر ليتم تأجيل الحلّ حتى لا يُدعى إلى إجراء انتخابات خلال شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ المصحح قبل صدور حكم المحكمة الدستورية في الطعن، ثم دارت الاسطوانة الإعلامية المشروخة لاستفزاز أعضاء مجلس 2009 من أقليته المعارضة لتقديم استقالاتهم رسميا، وكان الهدف أن يلتئم ذلك المجلس في جلسة للبتّ في الاستقالات المقدّمة، وبعدها تُجرى انتخابات تكميلية لمقاعد النواب المستقيلين لعلّها تبعث الحياة إلى مجلسهم المرفوض، وأخيرا بدأ إطلاق تصريحات هي أقرب ما تكون إلى بالونات الاختبار لعقد جلسات لإقرار قانون الميزانية؛ أو لتعديل قانون الدوائر الانتخابية تحت ادعاء أنّ هذا هو  البديل لانفراد السلطة بإصدار مرسوم بقانون لتعديله بعد صدور حكم المحكمة الدستورية… وهكذا يمتد مسلسل إطالة العمر الافتراضي المنقضي لمجلس 2009 المرفوض شعبيا عبر سلسلة لا تنتهي من الذرائع والمبررات والحجج والألاعيب، وذلك بهدف كسر إرادة الأمة التي أسقطت ذلك المجلس في تجمّع 28 نوفمبر 2011 ومحاولة فرض إرادة السلطة وأمرها الواقع!
 
وبعيدا عن أي وهم حول القصد السلطوي من ترويج الذريعتين الأخيرتين بهدف بعث الحياة في رميم مجلس 2009 المرفوض شعبيا عبر تمكينه من إقرار قانون الميزانية وتعديل قانون الدوائر الانتخابية، فإنّ الردّ على الذريعة الأولى المتصلة بإقرار الميزانيات تقدمه المادة 145 من الدستور التي تنصّ على أنّه “إذا لم يصدر قانون الميزانية قبل بدء السنة المالية يُعمل بالميزانية القديمة لحين صدوره، وتجبى الإيرادات وتنفق المصروفات وفقاً للقوانين المعمول بها في نهاية السنة المذكور… ألخ”، وهذا ما كان متبعا في السنوات السابقة عندما يتأخر المجلس في إقرار قانون الميزانية… أما الذريعة الأخرى فهي محاولة ابتزاز مكشوفة، خصوصا بعدما قدمت الحكومة طعنها في قانون الدوائر الانتخابية، بحيث يصوّر هذا الخيار وكأنّه البديل الأسلم عن إصدار الحكومة مرسوم بقانون لتعديل قانون الدوائر في حال الحكم بعدم دستوريته بعد حلّ مجلس 2009 الميّت سريريا، أي أن يكون ثمن عدم انفراد السلطة بتعديل قانون الدوائر هو عودة الروح إلى مجلسها الساقط، بحيث تفصّل السلطة ذاتها قانون الدوائر الانتخابية بمشاركة غالبيته، أو بالأحرى غالبيتها فيه، وذلك وفق مقاسها ومقاسات نوابها ومرشحيها، ليقال لنا بعد ذلك إنّ هذه هي إرادة الأمة!
 
باختصار، أزمة قانون الدوائر اختلقتها السلطة، وليس أي طرف آخر… وليس هناك من مخرج حقيقي من هذه الأزمة سوى تخلي الحكومة عن طعنها؛ وتخلي السلطة عن محاولاتها العابثة لبعث الحياة في مجلسها المرفوض شعبيا وذلك بالإسراع في تصحيح إجراءات حلّه وإجراء انتخابات نيابية وفق القانون الحالي، على أن تكون أولى أولويات المجلس المقبل هي إصلاح النظام الانتخابي على أسس ديمقراطية عادلة بالتزامن مع انجاز الإصلاحات السياسية المستحقة وفي مقدمتها إقرار قانون ديمقراطي لإشهار الهيئات السياسية… وهذا ما ستفرضه الإرادة الشعبية ذات يوم طال الزمان أم قصر، وشاء مَنْ شاء وأبى مَنْ أبى!


 

صحيفة عالم اليوم 2 سبتمبر 2012

اقرأ المزيد