المنشور

حديـــــث التوافــــــــــــــق

في الاسبوع المنصرم برزت بعض العناوين في تصريحات وخطابات بعض أطياف
المعارضة على ضفتي الانقسام المذهبي يمكن، إذا ما توفرت الإرادة السياسية،
التأسيس عليها لصياغة خطاب موحّد افتقدته الساحة الوطنية منذ تداعيات أحداث
فبراير من العام المنصرم، وهي تتلاقى مع مضامين خطاب جلالة الملك في
افتتاح دور الانعقاد الجديد للمجلس التشريعي فيما يتعلق باستعداد السلطة
لأي حوار وطني.
هذه العناوين تضمنها بيان «تجمع الوحدة الوطنية» الذي جاء فيه بأن
«المشروع السياسي للتجمع ورؤيته لحل الأزمة يدعو إلى حكومة تمثل الإرادة
الشعبية، مُساءلة ومحدودة المدة، ومجلس برلماني كامل الصلاحيات وقضاء
مستقل»، وفي كلمة الأمين العام لجمعية «الوفاق» في المعامير التي جاء فيها
أن «المطالب المحورية هي حكومة منتخبة ومجلس برلمان كامل الصلاحيات وأمن
للجميع»، وهي مطالب تتفق عليها كافة أطياف العمل السياسي من خارج إطار
التجمع وتحالف الوفاق، فهي في صلب أهداف «المنبر التقدمي» وهي في مضمون
مبادرة ولي العهد، والقوى والشخصيات الوطنية التي تناضل من أجل ترسيخ
الوحدة الوطنية وانتشال الوطن من هاوية الطائفية والعنف، ولتفعيل العمل
الوطني الجامع تعزيزاً لمكاسب الشعب في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ومن المؤشرات الإيجابية تصريح أحد قادة «وعد» بأن الحل ينبغي أن يكون
بحرينيا، وحديث علي سلمان حول ضرورة «التفكير في التوافق، وأن نحقن دماءنا،
وأن نتوافق في تطوير بلدنا والتنمية الاجتماعية… «لقد بحت أصوات
الكثيرين وهم ينادون بالتوافق وتهدئة الأجواء لأن أحداً لا يستطيع التحدث
منفردا باسم الشعب، وأن في الوطن شركاء وهم قوى محسوسة ومؤثرة ولهم رؤاهم
فيما يطرحه الطرف الاخر وسبل تحقيقه. وإذ وصلنا اليوم إلى مفهوم التوافق
وضرورة «حقن الدماء» فإن أول ما يفرضه هذا الفهم هو احترام إرادة الآخرين
في شكل العمل السياسي لتحقيق ما أظهرته التصريحات من اتفاق على المطالب
الإصلاحية الرئيسية، وفي الامتناع عن وصف الحراك السياسي المعارض بالثورة
وبالتالي تهدئة الشارع والتوقف عن شعارات الإسقاط وما يترتب عليها من عنف
وعنف مضاد، واتخاذ الخطوات الضرورية لطمأنة «شركاء الوطن» من أن الحل ينبغي
أن يكون بحرينيا دون ضغوط وإملاءات وتدخلات خارجية، ومن أن مرجعية الحراك
السياسي هو الوطن.
وليكون للحديث عن «الشركاء في الوطن» ودعوتهم الى التوافق مردوده الإيجابي
في محنتنا الوطنية القائمة لا بد من التوقف عن احتكار دور المعارضة ووصم
الآخرين بالموالاة، إذ يفرغ هذا الموقف الحديث الجميل عن التوافق من محتواه
ويسلب الآخرين حقهم في اختيار الوسائل النضالية المناسبة بالنسبة لهم
ويجعلهم هدفاً للتطاول والاتهام بالعمالة والتخاذل. ليس في مطالب «الوفاق»
وحلفائها ما يميّزها عن مطالب الأطياف السياسية الأخرى. هناك توافق في
المجتمع على صلاحيات البرلمان واختيار الحكومة واستقلال القضاء وهو توافق
كرّسه ميثاق العمل الوطني وتظهره الأدبيات والمواقف السياسية لمختلف القوى
المجتمعية.
ليست المعضلة في المواقف والمطالب السياسية وإنما في سبل تحقيقها بين طرف
يصرّ على استنفار قسم من الشارع وتجييشه بأمل انتزاع المطالب اليوم وقبل
الغد لأن في الغد نهاية الدنيا، ويطالب باعتماد مرجعيته للحوار وتلبية
مطالب معينّة قبل السير في أي حوار، والتي يمكن أن تكون على جدول أعمال
طاولة الحوار وقابلة للتحقيق حين تهدأ النفوس ومن خلال الحوار نفسه، وطرف
يتبنى أغلب المطالب ويسعى إلى تحقيقها ولكن بالوسائل المشروعة الجامعة ومن
خلال عملية تراكم الإنجازات باعتبار أن عملية الإصلاح مهمةّ معقّدة ولا
تستحمل حرق المراحل لاعتبارات وطنية وإقليمية، وبسبب الخوف الذي يلف الوطن
من الانقسام الطائفي إذا ما استمرّت حالة التوتر والحشد المذهبي من أية
جهة لها مصلحة في هدم الصرّح الوطني المعمّد بدماء وعرق أجيال متتالية نجحت
في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتوظيفها في النضال من أجل التحرر والتطور
السياسي والاجتماعي.
نتمنّى مع المخلصين أن يتوجّه العمل السياسي إلى الابتعاد عن الأوهام
والنرجسية وأن يرتبط أكثر بالواقع وقوانينه من أجل خلق توافق حقيقي ومتكافئ
في الأهداف وفي أسلوب العمل وقد نضجت الظروف لذلك.
اقرأ المزيد

السياسة حين تغدو عاطفة



نحن
متورطون، بمقادير مختلفة، في السياسة، ولا منجاة للأدب والفن عموماً، من
أن يتورطا، هما أيضاً، في القضايا المصنفة في عداد السياسة أو الشأن العام .
وحتى في ما نحسبهُ نصاً ذاتياً صرفاً، أو تناولاً لقضية إنسانية ذات صلة
بالقيم الكبرى، تحضر السياسة .


في
»الملك لير« يُقرع شكسبير الاستخفاف بالسياسة، التي هي في أحد أوجهها،
عندما نتحدث عن التباسها بالمشاعر، إحساس بالمعاناة العامة، التي تصبح
المعاناة الفردية في كثير من حالاتها تجلياً شخصانياً لها .


يقول
شكسبير: »تجرعي الدواء، أيتها العجرفة، تَعري لتشعري بما يشعر به البؤساء،
علك تنفضين الفائضَ عنكِ لهؤلاء، وتظهرين السماء أكثر عدالة« . لكن ليس
علينا أن نبحث عن »سياسية« الشعر، مثلاً، في الحدث السياسي، وإنما في
التفاصيل المُرهفة ذات الصلة بهذا الحدث . وفي شعر محمود درويش العديد من
القصائد التي يمكن أن نعدها »سياسية« لارتباطها بحدث سياسي فاجع مثل »أحمد
الزعتر« أو »مديح الظل العالي«، أو مرثياته لرفاقه من قادة وكوادر الثورة
الفلسطينية الذين قُتلوا غيلةً، أو في قصيدته الموجعة عن استشهاد محمد
الدرة .


لكننا
سنندهش حين نشعر، ونحن نقرأ أو نسمع هذه القصائد، بأننا إزاء شعر موغلٍ في
رهافته وإنسانيته، بحيث انه يرتقي بالفاجعة إلى مصاف النشيد الإنساني
الملحمي، الذي يُنسينا لوهلةٍ الحدث الذي منهُ انبثقت فكرة القصيدة، لأنه
وهو يُدخله في ملكوت الخلود الإنساني والشعري، لا يفتعل إضفاء الصفة
الأسطورية عليه، وإنما يحقق ذلك عبر مهابة الشعر في الدرجة الأولى .


شاعر
شهير من البيرو اسمه سيزار فاليجو يستخدم في إحدى قصائده التي لم يضع لها
عنواناً، والمنشورة ضمن مجموعته »قصائد إنسانية« كلمة »سياسي« ليصف بها
حالة الانفعال الفياضة، حين يقول: »لقد اجتاحني لبضعة أيامٍ شعور، فياض،
سياسي، بالهيام وبالرغبة في تقبيل الرقة على وجهيها« .


أحد
النقاد رأى أن هذا النص يكاد يبرز معالم الموجة الأساسية العارمة من الحب
المعطاء اللامعقول التي يتميز بها المزاج »السياسي الفياض« المشترك بين
الناس جميعاً من مختلف المشارب السياسية، فكل الناس يتمتعون بنفس القدر من
العاطفة التي يتم اشتراكهم فيها عن طريق عهد أو ولاء عام، حين يغدو الحب
طاقةً إنسانية طليقةً، لا يمكنها أن تقترن بالشرور .


وتظهر
التجارب أن النفس الانسانية تفصح في منعطفات معينة مقادير مهولة من الشر
داخلها، تحار أين كان كل هذا الشر مخبئاً قبل ذلك، حتى وجد أصحابها في
الفواجع والمآسي فرصتها للانتفاع والتمصلح، وتحضرني في هذا رواية جميلة
للكاتب الرائع فالنتين راسبوتين اسمها: »الحريق«، فيها يتناول أحداث ليلة
واحدة من حياة بلدة سيبيرية تلتهم النيران مستودعاتها الهائلة، وتهدد
البلدة كلها بالإهلاك، لكنه لا يكتفي بوصف فاجعة الحريق، إنما يرصد تشوهات
النفس الإنسانية والتشوه الخلقي الذي أصاب البشر، حين يدفعنا لتأمل الفوارق
بين المخلصين الساعين لإطفاء الحريق، إنقاذاً للبلدة وأهلها، وأولئك الذين
يصبون الزيت في أواره، لأن استمراه يؤمن استمرار المنافع التي تحققت لهم
بسببه .


واقعنا
العربي الراهن أكثر بلاغة من أحداث وتشخيصات هذه الرواية البليغة، فما
أكثر الحرائق المندلعة من حولنا، وتلك المتوثبة للاندلاع من براميل البارود
التي أعدت لذلك، فقط لأن هناك من مصلحته أن تندلع هذه الحرائق وأن تبقى
مندلعة .
اقرأ المزيد

مطلوبٌ أيضاً ربيع فكر سياسي – د.علي فخرو

سيكون مفجعاً لو أضاعت وسائل الإعلام العربية الفرصة التاريخية الحالية
من أجل ربط واقع المجتمعات العربية، سواءً واقع ما قبل الثورات أو ما
بعدها، بحملة مركزَّة لنشر ثقافة سياسية رصينة في صفوف المشاهدين.

إنها
فرصةٌ تاريخيةٌ؛ لأن أحداث ونتائج حراكات الربيع العربي أثارت في الفرد
العربي رغبةً فضوليةً نشطةً لمعرفة فضائح وانتهاكات أنظمة الماضي التي سقطت
أو التي جارٍ إسقاطها، ولفهم الأخطاء والقصور في أوجه إدارة أمور حاضر ما
بعد الحراكات الناجحة.

هذه الرغبة العفوية عند الجماهير العربية عبر
الوطن العربي كله لمعرفة ما الذي جرى ويجري، يجب أن لا تحصل على استجابة
محدودة سطحية من قبل الإعلام العربي لا تتعدَّى إعطاء المعلومات عن السرقات
واستباحة القوانين وغيرها، وإنّما تحصل أيضاًً وفي الوقت نفسه، على ثقافة
سياسية تبيّن الأسس التي يقوم عليها حقل الفلسفة السياسية من مثل الحرية،
حرية الأفراد والأوطان، والعدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية،
والمساواة في الفرص وأمام القانون، والإنصاف التكافلي بين مكونات المجتمع.
كذلك التثقيف بشأن تطبيق تلك المبادئ الفلسفية في منهجية مشاريع ومؤسسات
حكومية ومجتمعية.

إن ربط المفاهيم السياسية وتعبيراتها وكلماتها عند
الحديث عن أخبار ومعلومات التجاوزات سيسهّل كثيراً انتقال عقل ووجدان
المواطن العربي من مرحلة الغضب والحزن على ما فات التي لا يتعداها
الكثيرون، إلى مرحلة التحليل والفهم من أجل التجاوز إلى فهم ما سيأتي به
المستقبل من حياة سياسية ستحتاج لكي تنضج وتستقر إلى دعم نشط من مواطن
يمتلك المعرفة السياسية الناضجة، وليس المواطن التّائه في قشور ومماحكات
السياسة اليومية أو الموسمَّية.

من هنا الحاجة لأن يتواجد في كل جلسة
يدعى إليها مسئول سابق أو حالي لإعطاء معلومات عن مخازي الحياة السياسية
في الماضي والحاضر، أن يتواجد رجل فكر سياسي مرافق لكي يغني الجلسة
بالجوانب الثقافية والفكرية التي تحلل وتنتقد وتبيّن للمواطن تعارض
الممارسات السابقة مع أسس ومنهجية الحياة السياسية السليمة من جهة، ولكي
يبرز ما يجب أن يتوافر من فكر ومنهجية سياسية ومؤسسات مجتمع وأنشطة
مواطنين، لمنع تكرار حدوث تلك المخازي في المستقبل.

إن هذا التفاعل
المقارن الديناميكي بين الواقع وبين الفكر، لن يرسم فقط بعلمية رصينة صورة
المستقبل المنشود، وإنما سيكشف في الوقت نفسه زيف وتخلّف الفكر السياسي
السابق وممارسات فرسانه من المستبدين والفاسدين والأنانيين، ذلك الفكر الذي
تراكم عبر القرون بجهد وتطوير كتبة وفقهاء السّلاطين في غفلة من جانب
الأمة.

وفي الوقت نفسه سيساهم مثل هذا الربط والتفاعل بين المعلومات
عن الممارسات السابقة وتناقضها مع الفكر السياسي الإنساني الديمقراطي
السليم، سيساهم في تثقيف الجماهير وتعويدهم، وعلى الأخص الشباب منهم، على
التعامل مع السياسة بمنهجية رصينة موضوعية تكفل عدم العودة إلى ماضي الظلم
والطاعة الذي نخر وأنهك جسد المجتمع العربي عبر القرون. وتكفل أيضاً محو
التهمة التي ألصقت بالعرب والمسلمين عن قابليتهم للتعايش مع التسلط الشرقي
ورجالاته ومؤسّساته.

إذن هناك حاجة لترسيخ ثقافة وطنية سياسية مشبعة
بروح التسامح مع الآخر، والانفتاح على ما لديه، متعودةً على الاحتكام إلى
الدساتير والقوانين، منضبطةً بالنضال من خلال أنشطة سلمية ديمقراطية لإدارة
الخلافات والصّراعات الاجتماعية، وملتزمة بهوية وطنية وقومية جامعة تتخطّى
الهويَّات والولاءات الفرعية.

ولأن المجتمعات العربية لم تصل بعد
إلى حياة ديمقراطية مستقرَّة، هناك حاجة ملحّة للتركيز على الآليات
المعقولة الكفؤة القادرة على مساعدة تلك المجتمعات للانتقال إلى
الديمقراطية. ولعلَّ من أهم تلك الآليات تواجد المؤسسات الفاعلة كقنوات
لإنجاح العمل السياسي وضبط إيقاعه.

الإعلام العربي، وهو يقوم مشكوراً
بتبيان ما جرى وما يجري، يحتاج أن يكمل المشوار فيضيف إلى ربيع الثورات
والانتفاضات العربية، ربيعاً فكرياً سياسياً يوجّه ويُغنِي ويحمي تلك
الثورات والانتفاضات الجماهيرية على المدى الطويل.

علي محمد فخرو
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

فقر الشعوب وثروات الحكام

بمناسبة عيد الحج المبارك اليوم، يمكن الحديث عن الثروات والنقود والغنى
والفقر؛ إذ غالباً ما ترتبط مثل هذه المناسبات بضيق شديد يحسه المواطن
العربي بدلاً من الفرحة والسرور؛ لما يترتب على هذه المناسبات من أعباء
إضافية ترهق ميزانيته، وخصوصاً إذا كان من الطبقة الفقيرة، وهي التي تشكل
الغالبية في وطننا العربي، أو حتى الطبقة المتوسطة التي باتت تتلاشى يوماً
بعد يوم بفضل سياسة حكوماتنا الرشيدة.

تشير الإحصائيات إلى أن حوالي
40 مليون عربي يعانون من نقص التغذية، أي ما يعادل 13 في المئة من السكان
تقريباً، منهم 6.8 مليون عربي يعيشون بدخلٍ أقل من 1.25 دولار يومياً، حسب
ما جاء به تقرير التنمية البشرية العالمي 2010 للأمم المتحدة، بالإضافة إلى
أن نحو 100 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وأن 9 في المئة من أطفال
العالم العربي يموتون تحت سن الخامسة نتيجة الفقر وسوء التغذية.

في
مقابل ذلك، يشير تقرير لموقع «انفيستوبيديا» المختص بشئون المال والذي تم
نشره مؤخراً، إلى أن خمسة رؤساء عرب قائمين أو مخلوعين أو راحلين تربعوا
على قائمة «الديكتاتوريين» الأغنى في العالم، كان أولهم معمر القذافي،
والثاني بشار الأسد، والثالث حسني مبارك، والرابع علي عبدلله صالح، والخامس
زين العابدين بن علي.

ونقل التقرير أن ثروة الرئيس الليبي الراحل
معمر القذافي على مدى فترة حكمه التي استمرت 42 عاماً كانت بين 75 إلى 80
مليار دولار، وتبلغ ثروة الرئيس السوري بشار الأسد مليار ونصف، ولكن مع
إضافة الأصول الثابتة وثروة عائلة الأسد خلال فترة حكمها فإنها تصل إلى 122
مليار دولار، في حين حقق الرئيس المصري السابق حسني مبارك ثروة بلغت 70
مليار دولار على مدى حكمه الذي استمر 30 عاماً. بينما حقق الرئيس اليمني
السابق علي عبدالله صالح 32 مليار دولار على مدى 30 عاماً من الحكم، أما
الرئيس التونسي زين العابدين بن علي فبلغت ثروته حوالي 7 مليارات دولار.

أي
أن مجموع ما يملكه خمسة حكام عرب وصل إلى 311 مليار دولار، ولو حسبنا
متوسط ما يملكه كل حاكم عربي لبلغ 62.2 مليار دولار مضروباً في 22 حاكماً
عربياً ليصبح المبلغ 1368.4 مليار دولار، أي تريليوناً و 368 مليار دولار.

ومع
كل هذه الثروات المنهوبة من المواطن العربي فإن معدل البطالة بين الشباب
في الدول العربية هو الأعلى في العالم، ولذلك لم يكن غريباً أن يشعل أحدهم
النار في نفسه احتجاجاً على منعه من الحصول على قوت عائلته، ليشعل بعدها
ثورة الربيع العربي التي ما تزال في أولها، لتكشف مقدار ما يمتلكه الحكام
العرب من ثروات مقابل ما تعيشه الشعوب من فقر.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

الجيل الجديد في الخليج



ذات
مرة أجرت إحدى الصحف استطلاعاً عن هموم وتطلعات وأفكار الشباب في ذلك
البلد تضمن أسئلة حول »الميول والسلوكيات والمشاعر الذاتية والاتجاهات
والآراء العامة«، وهذه النتائج تقدم مؤشرات مهمة عن الأمور التي تشغل أبناء
وبنات هذا البلد الخليجي من الجيل الجديد، وطبيعة الهموم التي تستحوذ على
أذهانهم، وكذلك الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم والأحداث من حولهم،
وشدّتني خلاصة ميل الغالبية الساحقة ممّن أجريت عليهم الدراسة نحو تأييد
سياسة انفتاح دولتهم على العالم، حيث أيّد أكثر من 85% من الشباب هذه
السياسة، ويشير محللو الدراسة إلى أن هذه المسألة بالذات، من بين المسائل
الأخرى التي شملها الاستطلاع، حظيت بهذه النسبة العالية من التأييد، ما
يعطي فكرة عن الظروف الجديدة التي يتشكّل فيها جيل اليوم، الذي يمكن
اعتباره إلى حدود كبيرة نتاج مؤثرات ثقافية ومعلوماتية متعددة تتيحها الحال
الراهنة من انفتاح العالم وتفاعل ثقافاته وأفكاره، وهي تعطي فكرة أيضاً عن
طبيعة التكوين الثقافي والنفسي والاجتماعي للجيل الجديد لا على مستوى بلد
خليجي بعينه وإنما على المستوى العام لكل بلدان هذه المنطقة .


وقد
عدتُ، بالمناسبة، إلى قصاصة أحتفظ بها عن تحقيق كانت صحيفة عربية قد أجرته
منذ سنوات عن الطريقة التي يصنع بها جيل اليوم أحلامه وأوهامه، وكيف يبلور
الشبان والشابات التحولات التي يمرون بها، واختار من أجرى التحقيق نماذج
محدودة، ولكنها مأخوذة من بيئات اجتماعية مختلفة، بحيث يمكن القول إنها
تعطي مؤشرات عن نمط تفكير الجيل العربي الجديد، وكان محور الاستطلاع يدور
حول سؤال محوري هو: »أي صورة يتمناها الشاب، أو الشابة، عن نفسه، وأي شاب
يطمح أن يكون؟«، كان هدفي من هذه العودة إلى تلك القصاصة، عقد مقارنة بين
الطريقة التي فكر فيها المشاركون في تحقيق تلك الجريدة، وبين الطريقة التي
يفكر فيها شباب الخليج اليوم .


والحق
أنني لاحظت فروقات معيّنة عائدة إلى طبيعة البيئة الاجتماعية التي أجري
فيها التحقيق، وهي بيئة لبنان تحديداً، عن البيئة الاجتماعية والثقافية في
الخليج . فعلى سبيل المثال لاحظت أن المدينة، في حال لبنان، تمثل حلم
الشباب والشابات الذين وُلدوا أو نشأوا في القرى أو الأطراف، والمقصود
بالمدينة هنا العاصمة تحديداً، حيث السينما والمقهى والعلاقات الرحبة
والصداقات . 


لكن
الباحثين في علم الاجتماع يصفون دول الخليج الصغيرة بأنها الدولة المدينة،
حيث تتشكّل الدولة ذاتها حول محيط العاصمة وتُعد امتداداً لها للدرجة التي
يصعب الحديث فيها عن أطراف ومركز بالطريقة المعهودة في الدول العربية،
وغير العربية الكبرى، ويواجه هذا الجيل، كما تدل على ذلك التطورات الجارية
أسئلة مفصلية تتصل بعجز البرامج التعليمية عن استيعاب طموحات هذا الجيل من
جهة، والتطورات المذهلة في المعرفة والعلوم من جهة أخرى، فضلاً عن توفير
فرص العمل للآلاف المؤلفة التي تخرجها الجامعات والمعاهد العليا سنوياً،
ناهيك عن نظرائهم ممن لا تتيح لهم ظروفهم المعيشية الخانقة مواصلة تعليمهم،
وتعجز سوق العمل عن استيعابهم حتى في الوظائف متدنية الدخل، فحسب دراسة
أجرتها مؤسسة الخليج للاستثمار فإن البطالة بين فئات الشباب في بعض دول
الخليج تكاد تصل إلى 30% وهذه نسبة عالية في مجتمعات يشكل الشباب ممن هم من
دون الثلاثين من أعمارهم غالبية سكانها .
اقرأ المزيد

بين تخفيف الاحتقان ومعالجة الأزمة


هناك مستويان متداخلان ومترابطان للأزمة السياسية المحتدمة في الكويت، ومن الضروري التمييز بين هذين المستويين والتفريق بينهما، وذلك ليس فقط من باب التوصل إلى تحليل موضوعي دقيق للأزمة، وإنما للتوصل إلى مخارج واقعية لتجاوزها … فهناك من جهة حالة الاحتقان التي تعانيها الحياة السياسية خلال الأشهر الأخيرة وذلك جراء محاولة السلطة الانفراد بتغيير النظام الانتخابي وتفصيله على مقاسها… وهناك المستوى الآخر لهذه الأزمة الذي يتمثّل في تفاقم التناقض غير المحسوم تاريخيا بين نهج المشيخة من جهة، وهو النهج الذي عفا عليه الزمن ولم يعد قادرا على إدارة الدولة الحديثة، وبين متطلبات التطور الديمقراطي للمجتمع الكويتي من جهة أخرى، حيث لم يعد بالإمكان تجاهل هذه المتطلبات أو القفز عليها.

صحيح أنّه يمكن أن يتم تخفيف حدّة الاحتقان عبر إصدار مرسوم بدعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الأمة المقبل وفق النظام الانتخابي القائم من دون تغيير، أو عبر بيان رسمي واضح وصريح يصدره مجلس الوزراء يعلن التزامه فيه بإجراء الانتخابات المقبلة وفق نظام الدوائر الخمس وآلية تصويتها الحالية من دون تغيير، إلا أنّ السلطة تدرك جيدا بعد تجربة مجلس 2012 أنّ انفرادها بتغيير النظام الانتخابي هو الطريق الوحيد المتبقي أمامها لمنع وصول كتلة واسعة من الغالبية النيابية المعارضة لها، التي ستفرض عليها خلال أسابيع تقديم تنازلات سياسية من حيث تشكيل الحكومة وحجم المشاركة النيابية فيها، بل ربما رئاستها، ناهيك عن قدرة الغالبية على إصدار تشريعات متعارضة مع التوجّه السلطوي، ما يدفع السلطة إلى تكرار حلّ المجلس المقبل لعدم قدرتها على التعامل معه، مثلما عجزت عن التعامل مع سلفه المبطل… وفي المقابل فإنّ السلطة تدرك مدى صعوبة مضيها في محاولتها الأخيرة للانفراد بتغيير النظام الانتخابي، وهي تخشى التداعيات التي يمكن أن تحدث في حال صدور مرسوم بقانون لتغيير آلية التصويت، بدءا من الأعمال الاحتجاجية، مرورا بالمقاطعة الانتخابية، وانتهاء بتفاقم الأزمة السياسية وبلوغها مستويات جديدة غير مسبوقة لا يمكن التنبؤ فيها ولا تقدير عواقبها.

وبذلك، فإن تراجعت السلطة عن محاولتها الانفراد بتغيير النظام الانتخابي، فإنّ هذا التراجع سيحدث تغييرا لغير صالحها على ميزان القوى السياسي، ولاحقا ميزان القوى الانتخابي، ثم النيابي، ما سينعكس بالضرورة على حسم التناقض التاريخي القائم بين نهج المشيخة ومتطلبات التطور الديمقراطي للمجتمع الكويتي، وهذا ما ترفضه السلطة في ظل استمرار سطوة عقلية المشيخة؛ وتحاول أن تدرأه عبر انفرادها بتغيير النظام الانتخابي، وبذلك ستعود مجددا إلى النقطة التي لم تبتعد عنها كثيرا… وهكذا يتضح أنّ الأزمة السياسية المحتدمة في الكويت إنما هي بالأساس أزمة نهج المشيخة وعدم قدرته على مواكبة التطور الديمقراطي وعجزه عن تلبية استحقاقاته… ويزيد هذه الأزمة تعقيدا وصعوبة أنّ السلطة اليوم لم تعد قادرة مثلما كانت سابقا على اللجوء مجددا إلى القوة في التزوير المباشر للانتخابات، كما فعلت في انتخابات مجلس الأمة الثاني في العام 1967، وفي الوقت ذاته فإنّ السلطة لا تستطيع الآن أن تفرض بالقوة سلطة الأمر الواقع عبر الانقلاب الصريح على الدستور، كما فعلت مرتين في العامين 1976 و1986، خصوصا بعد أن أدركت حجم المعارضة الشعبية لمحاولتها الأبسط للانفراد بتغيير النظام الانتخابي، ولكنها مع ذلك ليست في وارد التخلي عن نهج المشيخة والاستجابة لاستحقاقات التطور الديمقراطي ومتطلباته… وهكذا فقد ضاقت خيارات السلطة، ولعلّها أصبحت أمام خيارين محددين، إلا أنّ أحلاهما مُرّ، وهي بالتأكيد ستتجرع كأس المرارة عاجلا أم آجلا.


صحيفة عالم اليوم
18 أكتوبر 2012

اقرأ المزيد

التوظيف السياسي للعصبيات

 


ثمانون قتيلاً و400 ألف مشرد هي حصيلة المصادمات الطائفية بين المسلمين والهندوس، من قبيلة بودو أساساً التي تقطن المناطق الشمالية الشرقية من ولاية آسام الهندية المحاذية لبنغلاديش . في العادة فان الاحتكاكات والصدامات التي تحدث بين المسلمين والهندوس في هذه الولاية تبقى محصورة ضمن نطاق الولاية نفسها، فيتم احتواؤها وإخماد فتنتها في مهدها . إلا أن ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية (خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين) في الولاية من مصادمات بين المسلمين والهندوس، خرج عن ذلك النطاق المألوف للصدامات بين الجانبين . فلقد انتشرت رسائل الهاتف النقال التي تحذر الهندوس من هجمات مميتة يحضر لها المسلمون ضدهم بعد انتهاء شهر رمضان، وخلال ساعات من ظهور تلك الرسائل قام الهندوس الذين يعملون في مصنع للسيارات في مدينة بونا بالانضمام الى عشرات آلاف الهندوس الذين فروا من أماكن عملهم وسكناهم قافلين إلى مواطن إقامتهم في المناطق النائية في الشمال الشرقي بعد تلقيهم نفس الرسائل . وقد أدت هذه الرسائل الى نزوح أكثر من 30 ألف هندوسي يعملون في مدن الشمال الشرقي مثل مومباي وبونا وبنغلور وتشناي وحيدر أباد عائدين إلى مدنهم وقراهم . وقد نال العنف الطائفي من بعض هؤلاء وهم في طريق العودة . وزير الداخلية الهندي قال بأن مصدر هذه الرسائل التحريضية هو باكستان .
 
والسبب هو محاولة الأحزاب السياسية والساسة الدينيين استغلال التوتر بين الهندوس الذين يشكلون أغلبية سكان الهند وبين المسلمين الذين يشكلون أكبر الأقليات، حيث يناهزون المائة والسبعين مليوناً . فالبلاد تقترب من انتخابات برلمانية في عام 2014 في ظل ظروف تراجع معدل نموها الاقتصادي وفقدان الوظائف .
 
وبما أن السياسة هي السياسة، فإن من الصعب تنزيه بعض الأحزاب السياسية من الوقوع في خطيئة استثمار التوترات الدينية والطائفية، واللعب على أوتارها والنفخ فيها إن اقتضى الأمر، من أجل التكسب السياسي والانتخابي . ومع ذلك تبقى أحزاب اليمين المتطرف ذات الخلفيات القومية الشوفينية والدينية المتطرفة، هي أكثر القوى الاجتماعية السياسية ميلاً وتفضيلاً واستعداداً لافتعال وتفجير واستغلال واستثمار الحساسيات الدينية والاثنية والطائفية من دون أي اكتراث للكوارث البشرية والمادية الناتجة، بالضرورة، عن مثل هذه التوجهات والممارسات الانتهازية السياسية الاجرامية المشينة . فهذه الأحزاب اليمينية المتطرفة هي تحديداً من راح ينعت مسلمي ولاية آسام ب»الغرباء« و»الأجانب« و»المهاجرين البنغلاديشيين غير الشرعيين« . وهو ترديد لذات الاتهامات التي تسوقها قبائل »بودو« الهندوسية ضد مسلمي ولاية آسام والتي تزعم أن هؤلاء تسللوا بصورة غير شرعية من بنغلاديش وتكاثروا بأعداد ضخمة حولت البودو إلى أقلية، بينما يدافع المسلمون عن أنفسهم بالقول إنهم ضحايا عقود من التهميش من جانب البودو الأقوى منهم اقتصادياً وسياسياً . وهو صراع إقطاعي مديد على تملك واستثمار الأراضي الزراعية الخصبة في الولاية .
 
وبما أن الطرفين، الهندوس والمسلمين، يشكلان »وجبة« انتخابية مغرية، فكان لابد للحزبين الرئيسيين المتناوبين على حكم البلاد في العقدين ونيف الماضيين، حزب المؤتمر ذو التوجه العلماني وحزب بهاراتيا جاناتا اليميني القومي المتطرف الذي يُتهم دائماً بالتحريض على العنف الطائفي بين الهندوس والمسلمين وبتأييده ودعمه القوي لطائفة البودو ولادعاءاتها بشأن مسلمي ولاية آسام، بينما يُتهم حزب المؤتمر الهندي بالتواطؤ في عملية استقدام المهاجرين المسلمين من بنغلاديش ليشكلوا قاعدة تصويتية داعمة له، إلا أن حزب المؤتمر يرد على هذه الاتهامات بالقول إن معظم مسلمي آسام هم مواطنون هنود .
 
والنتيجة، أن وجد مئات الآلاف من سكان ولاية آسام من المسلمين والهندوس على السواء، أنفسهم مُكَوّمين في مخيمات مؤقتة خوفاً من العودة الى منازلهم التي فروا منها بعد أن وجدوا قراهم قد سويت بالأرض وممتلكاتهم نهبت وجيرانهم يُقتلون إما رمياً بالرصاص أو ذبحاً كالنعاج .
 
ولاشك أن هذه الوقائع المريعة تشوه صورة الهند كدولة وكمجتمع متعددي الأعراق والديانات والمذاهب المتصالحة والمتجانسة بقوة ورسوخ ثقافة احترام الآخر والديمقراطية التعددية التي اختارها محررو الهند بزعامة المهاتما غاندي كخيار لبناء دولة قوية مستقرة ومتطورة . ولكن يبدو أن عبء قرون من الحكم الإسلامي للهند، والذي تمثل تحديداً في الغزو المغولي للهند وإقامة الامبراطورية المغولية على معظم الأراضي الهندية خلال الفترة من منتصف القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر والتي تقوضت بفعل التمردات الشعبية في عام ،1857 وبدء الاحتلال البريطاني للهند، مع أن الحكم الإسلامي استمر في ولاية حيدر أباد وبعض الولايات الصغيرة حتى إعلان توحد الولايات الهندية في عام ،1948 يبدو أن ذلك العبء قد عاد ليلقي بظلاله على العلاقات بين الهندوس والمسلمين في الهند . والسبب هو صعود الاتجاهات المتطرفة لدى الجانبين . حيث شهد مطلع تسعينات القرن الماضي تصعيد النبرة القومية الهندوسية المتطرفة من قبل حزب بهاراتيا جاناتا الذي فجر الصراع على نطاق واسع بعد حملته المشؤومة لهدم مسجد بابري في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش في عام ،1992 وهو ما أدى الى صدامات دموية بين المسلمين والهندوس راح ضحيتها قرابة الفي قتيل من الجانبين . وكان ذلك إيذاناً بالصعود المتوازي للتطرف الإسلامي وسط أحزمة البؤس والتهميش المنتشرة في ولايات آسام وأوتار براديش وبيهار في الشمال والبنغال الغربية في الشرق وكيرلا في الجنوب .
 
وكما هو ملاحظ، فإن العصبيات الدينية والعرقية والطائفية والمذهبية تبقى دائماً حاضرة، سواء في حالة كمون أو حالة نشاط، في البيئات الاجتماعية المحلية لكافة المجتمعات . وهي »برسم إشارة« أي من الساسة الموتورين لتوظيفها لمصلحته، بحكم وجودها التاريخي ورسوخها عبر الزمن . ولولا فضيلة الديمقراطية الهندية، التي حولت المسلمين الذين يشكلون 14% من سكان الهند البالع عددهم 2 .1 مليار نسمة، من مجرد رقم الى قوة انتخابية مغرية أجبرت حتى حزب اليمين القومي المتطرف بهاراتيا جاناتا في السنوات القلية الماضية على تليين خطابه المعادي للمسلمين، لكان التوظيف السياسي لهذه العصبيات قد بلغ ذراه المرعبة، ولكانت فسيفساء العصبيات الهندية قد سهلت مهمة المتطرفين في الجانبين لإشعال الفتن والصدامات المدمرة . فالديمقراطية الهندية، بهذا المعنى، تنهض صماماً للأمان ومثالاً اعتبارياً لمن يريد الاعتبار بخطورة التوظيف السياسي للعصبيات على المجتمعات المتعددة الطوائف والأعراق .
 
 
 

اقرأ المزيد

بلادُ الإغريق .. غريقٌ يهفو للنجاة

 

ما زالت تداعيات الأزمة المالية / البنيويّة الحالية للرأسمالية المعاصرة تترى وتتعمق في كل أرجاء المعمورة، لتتكثّف في المركز الرأسماليّ القديم (قارة أوروبا) أكثر منها في معمعان وقلب المنظومة الرأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية). وقد أضحى الصراع الإجتماعيّ / الطبقيّ واضحاً ومتبلوِراً، عبر السنوات القليلة الماضية، التي تلت الفقاعة المالية وثقوبها المهترئة في سنة 2008 ، في القارة العجوز؛ جنوبها بالذات، حيث الوعي العماليّ أكثر تقدماً منه في الشمال الأوروبيّ. والصراع الطبقيّ أكثر بروزاً للعيان، ليس فقط لأن العمال والشغيلة الأوروبية اللآتينية ( اليونان / إيطاليا / إسبانيا ) أدركوا وعانَوا أكثر من زملائهم الطبقيين من البروليتاريا الغربية والعالمية، من جرّاء سياسات التقشّف المجحفة كعلاج وحيدٍ ومؤقتٍ للأزمة المذكورة. بل لأن الشغيلة الاوروبية تعرضت أيضاً منذ عقود قليلة لهيمنة برجوازيتها – المحافظة خاصة- من خلال محاولة فرض منظومة الإتحاد الأوروبي العسكرتارية قسراً، في أغلب البلدان الأوروبية. ولو أن العملية تمّت تحت شعارات وهميّة ديماغوجيّة، من خلال الآلية الشكلية البيروقراطية للديمقراطية الأوروبية، حين بدى الظلم الطبقيّ والعسف الاجتماعيّ غير مرئيّين للمواطن الأوروبي العادي المخدوع والمخدّر حتى النخاع، بسبب سطوة “الميديا” وابواقها الجهنميّة، التي تبث – ليلاً ونهاراً- جرعات من “البروباغندا”، كأفضلِ وسيلةٍ وسلاحٍ فتّاكٍ للاستغلال الرأسمالي “الناعم” في المجتمعات الاوروبية المعاصرة، بشكلٍ تبدو فيه الأفراد أشبه بأشباحٍ لا يعرفون بعضهم البعض.. في جوٍ من الغربةِ النفسيّة، الإغترابِ الاجتماعيّ والتفكّكِ العائليّ.

باتت أخبارُ الإضرابات العمالية، الحركات الجماهيرية، الإعتصامات والمواجهات بين الشغيلة والطبقة البرجوازية الحاكمة، ترد تباعاً من الدول الأوروبية، خاصة في الجنوب الأوروبي. ها هي اليونان أضحت ساحة حربٍ رئيسةٍ وميدانٍ لمواجهاتٍ يومية، بل صارت رأسِ حربةٍ لحركةِ الشغيلة الأوروبية قاطبةً.. إلى درجة أن المعارضة الراديكالية في اليونان ترفع شعار: “السلطة الشعبية” وضرورة؛ “كنس” الطّغمة البرجوازية اليونانية !؟ والسؤال الذي يدور في ذهن الرّاصد لهذا الصراع غير المسبوق في اليونان: هل بالفعل وصلت الأمور في هذا البلد، بشكلٍ صار بمقدور غالبية الشعب اليوناني إحداث تغييرٍ نوعيٍّ في منظومةِ الحكمِ البرجوازية / الرأسمالية؟! هل الظروف الموضوعية والذاتية ناضجة بما يكفي للدخول في هذا المعترك؟!؟

نعتقد أن الشواهد والمؤشرات لا توحي بمثل هذه الدرجة من التفاؤل وكأن البلد على أعتاب ثورة إجتماعية جذريّة، حتى ولو أن الصراع الإجتماعي وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة. ومن هنا فإن المعارضة الجذريّة اليونانية متمثلةً أساساً في الحزب الشيوعي اليوناني، الذي يعتبر ثاني أقوى حزب شيوعي في أوروبا الغربية، بعد أكيل القبرصي (الحزب الحاكم في قبرص حالياً). كان بإمكان الحزب الشيوعي اليوناني سلك دربٍ أكثر واقعية وأسهل كلفة، بُغية تشديد الضغط المتواصل على اليمين التقليدي تدريجياً وتراكمياً ومرحلياً، بعيداً عن نهجٍ إنعزاليّ ملحوظ ، يتّسم بسياسة حادة غير منسجمة مع واقع الحال وموازين القوى المحلية / اليونانية، والإقليمية / الاوروبية في الوقت الحاضر، كون التركيبة اليونانية وصراعاتها الإجتماعية الحادة- مهما تكن جذرية- لاتؤهلها بعد للركون على أهدافٍ “شعاراتية” صعبة المنال في الظرف الراهن (السلطة الشعبية!). ليس فقط لأن جماهير ومناصري الحزب الشيوعي لوحدها لا تشكل أغلبية بإمكانها الإطاحة الفورية بسلطة رأس المال. بل بسبب أن اليونان كبلدٍ صغيرٍ هو في الواقع الفعلي جزءٌ من كل. وهذا الكل متمثل – بالطبع- في؛” منظومة أخطبوطية / سياسية / إقتصادية / اجتماعية / ثقافية ” أكبر وأقوى ألا وهي الإتحاد الأوروبي. ومن هنا فإنه لا يمكن الحديث عن “سلطة شعبية” في بلد أوروبي أو حتى عدة بلدان، بدون سيادة وعي اجتماعي / طبقي جامع وميلان شعبي واضح في الرأي العام الأوروبي يرنو لتغييراتٍ راديكالية وحلولٍ جذرية للمشكلات الإجتماعية المتفاقمة. وهذا بالطبع لا يحدث إلا بتموضع وضعٍ ثوريٍّ بيّن، الأمر الذي يعتبر حالياً أقرب إلى الطوبى في الافق المنظور! والآن .. هل أخطأ الحزب الشيوعي اليوناني في قراءته للتضاريس السياسية في البلد وفي محيطه الأوروبي، إبان الإنتخابات البرلمانية في صيف العام الحالي؟! أكان نهج الحزب ورؤيته التحليلية لقراءة الواقع المعاصر ماركسية فعلية أم عدميّة متمركسة في أفضل الأحوال ؟! .. لنستعرض ساحة الصراع وموازين القوى من خلال خريطة القوى السياسية على اثر نتائج الإنتخابات اليونانية الأخيرة وتداعيات الوضع اليوناني من الصيف الملتهب حتى الخريف الحالي.

في إحدى السانحات التاريخية المفصلية، التي كان من الممكن أن يُسجّل فيها اليسار اليوناني / الأوروبي ، بشقّيه الإصلاحي والجذري، إنتصاراً ملحوظاً أو حتى جزئياً على الهيمنة العسكرتارية الأوروبية، المتمثلة في الإتحاد الأوروبي. بل كان في إمكان مختلف الطّيف اليساري، بضغطٍ مشروطٍ من قطبه الجذريّ-الحزب الشيوعي كرقم صعب- أن يقلع جزءً من مخالب منطقة اليورو الرأسمالية الإحتكارية المعاصرة، ويضاعف من تفاقم أزمة الرأسمالية العالمية (ازمتها المالية والبنيوية الحالية)، الأمر الذي كان من شأنه إعادة الروح المأمولة لإتحاد أوروبي أخرَ تقدميّ، منطلقا من خصائص ومصلحة الشعوب الأروبية المتنوعة ومن مصلحة عموم الشعب الكادح وطبقته الوسطى، بدل “الأمرالواقع” المفروض عنوة على الشعوب الأوروبية، لتسييد إتحاد فوقيّ بيروقراطيّ، منطلقاً أساساً من مصلحة الرأسماليين الكبار وخدمهم التنفيذيّين في الحكم والدولة والمؤسّسات، المتأتّية من فئةٍ تكنوقراطيّةٍ إنتهازيّةٍ أنانيةٍ ضّيقة.

نقول كان يمكن أن يحدث هذا الإنجاز المرحليّ الصغير، بدل الكابوس ، المتمثل في ؛ “إنتصار اليمين اليوناني الرجعي في إنتخابات الإعادة”، لو لم يعاند الحزب الشيوعي اليوناني الواقع الموضوعي في اليونان ومجمل القارة العجوز، وفَهَمَ تضاريس الواقع الأوروبي بدقة أكثر (اليونان جزء من منظومة الكل الاوروبي- كما اسلفنا)، محاولاً القراءة العقلانية للوضع الحالي، المستقر نسبياً (غير الثوري حتى الأمد المنظور). ومستفيداً من السانحة المذكورة، التي كانت قد تمثلت في؛ ” إمكانية تشكيل حكومة يسارية- وسطية إئتلافية واسعة”، بعد نجاح القوى اليسارية في الإنتخابات البرلمانية العامة، في الدورة الأولى، الأمر الذي – لو حدث المرتجى- كان سيترك تأثيره الملموس في كافة البلدان الأوروبية. ولابد أن “العدوى” كانت ستنتقل كالنار في الهشيم، إلى بقية البلدان الأوروبية، خاصة الجنوبية منها (أوروبا اللآتينية)! ولكن هذه السانحة النادرة، التي لا تتكرر دائما، قد وُئدت – وللأسف- على يد القيادة الحالية للحزب الشيوعي اليوناني، بسبب ضيق أفقها الفكري- النظري (الدوغما). وتخبطٍ شعبويٍّ إنعزاليّ حادّ وغير مرن، على الصعيد العمليّ. غير آبهة بفن “الإستراتيجية والتكتيك”، المتعلق بعدم الخلط بين الأهداف البعيدة المدى (الإشتراكية) والمرحلية منها (ضمن خط اليسار الإصلاحي البرجوازي حالياً)، المتمثلة في؛

أولاً: إمكانية قلع مخالب اليمين الليبرالي التقليدي المحافظ وحلفائه من القوى الفاشية والعنصرية الصاعدة والخطرة.

ثانياً:الفصل بين أجنحة البرجوازيات المختلفة (فن تقسيم العدو الطبقي).

ثم – ثالثاً- عضد تعبئة الرأي العام الأوروبي المؤيد لإتحاد أوروبي سلمي وشعبي بديلٍ، مناوئٍ لتركيبة الإتحاد الحالي، المعبّرة عن مصالح الإحتكارات اليمينية المحافظة.. كون التكامل أو الإتحاد الأوروبي صيرورة تاريخية موضوعية.

نعتقد أن مشكلة الألمعيّين النظريّين في الحزب المذكور، وفي مثيلاتها من الأحزاب الشيوعية؛ حادة التوجه، أنهم يتوهمون حينما يضعون تصوراتهم الفكرية / المعرفية المجردة – الحلم/الوهم- محل الواقع الموضوعيّ، غير المؤاتي لتحولات جذريّة آنيّة لأوروبا المعاصرة، المتّسمة بسيادة وعيٍ ليبراليٍّ مزيّفٍ (واقع افتراضيّ) تتناسب مع التركيبة الطبقيّة الهشّة؛ حيث مفهوم دولة “الرعاية الإجتماعية” يتحكم في الوعي الإجتماعيّ العام، بل ينخر كالدود في ثنايا المجتمعات الأوروبية؛ بسب الحجم الواسع والمنتفخ للطبقة الوسطى، المعتمدة أساساً على العملية الإنتاجية الخدماتية الإستهلاكية، بعد أن تآكلت المجمّعات الصناعية وتراجع حجمها في العقود الأخيرة. وانتقلت إلى حيث توجد العمالة الرخيصة والغرّة في التخوم الواسعة والفقيرة من الكرة الأرضية (الصين والهند وغيرهما)، لتدر فوائض قيمة مضاعفة، تعويضاً عن “تراجع معدل الربح” بفعل قانون “ماركس” ألاقتصادي من جهة. وتشويه البُنية الطبقيّة في المراكز الرأسمالية، من جهة أخرى.

نظرة عامة على بيان اللجنة المركزية للحزب، الصادر في 18 يونية / حُزيران (بعد يوم واحد من إنتخابات الإعادة)، ينكشف لنا بوضوح؛ مدى إبتعاد قيادة الحزب المذكور عن الواقعية السياسية ونأيها عن الفهم الجدليّ الصحيح لواقع الحال، وذلك بتبنيها شعار؛ “السلطة الشعبية” (هكذا!)، البعيد عن الشروط المادية التراكميّة لتحويله إلى حقيقة مجتمعيّة راسخة.. هذا، عدا ما جاء في البيان عن تبريرات واهية غير مقنعة، لأسباب فقدان الحزب لأكثر من نصف مقاعده ( 12 مقعداً في الجولة الثانية مقارنة بـ 26 مقعداً في الجولة الأولى )! في هذا السياق يجب أن لا نقلّل من دور ضغط الميديا الرسميّة والتجارية – المحلية والأوروبية- على المواطن اليوناني وتخويفه من الجوع الجماعيّ إن لم يفكر في مصلحته الحياتية والمعيشية! بجانب الهجوم المنهجيّ على مواقف الشيوعيين، الامر الذي أسهم إلى حد ما في خسارتهم وتراجع سهمهم التمثيلي. إلا أن تشنّجهم وعصبويّة مواقفهم ونهجهم الانعزاليّ لعبت -كل تلك العوامل- دوراً لا يستهان به في قرار فئة متذبذبة من مؤيديهم لعدم التصويت لهم! صحيحٌ أن الموقف المبدئيّ يحتم على الماركسيين والراديكاليين إنحيازاً طبقياً واضحاً.. وتشخيصاً للخصوم والمنافسين بدقة. لكن هذا شأن نظريّ بحت، مقارنة بضرورة مراعاة الموقف العملي على الأرض بدقة علمية -غير ذاتويّة أوإرادويّة – الخاضع فحسب، لمجمل العناصر الموضوعية والذاتية المتحكمة في تشكل وتموضع المجتمع اليوناني اليوم ومحيطه الأوروبي، بجانب ضرورة معرفة مدى قوة التركيبة ودرجة الوعي الطبقيتين، بالإضافة إلى تحديد ميزان القوى المجتمعيّ في الظرف الراهن بشكلٍ دقيق، الأمر الذي تسهم فيه محصّلة تلك العناصر في استنباط خارطة طريق عملية واقعية للتعامل الأمثل مع الواقع المحدد (تحليلٌ ملموس لظرفٍ ملموس)؛ بعيدا عن السقوط في مطبّ الشعاراتية والأكسونية أوحتى الشخصنة !.. فلا يجديك نفعا هنا، أن تنعت الآخر بالإنتهازية فحسب وأنت مجبر على التعامل معه، كونه نداً فاعلاً ولاعباً أساساً أوحتى خصماً سياسياً.. لكنه أقرب إليك من العدو الأكثر رجعية، ضمن الظروف والمرحلة الحاليتين.

لنرَ لغةَ الارقام الإحصائية على الأرض ونختبر ما ندعيه من الإمكانية، التي لم تُستغل بالشكل الأمثل في حينه: … إشترك 22 حزباً سياسياً في الإنتخابات البرلمانية اليونانية الاخيرة، التي جرت في 6 مايو/ أيار من الصيف الفائت ولم تتأهل إلاّ سبعة أحزاب، بسبب عدم تجاوز بقية الأحزاب حاجز الـ 3 % ، حسب القانون الإنتخابي اليوناني. ومن الممكن تقسيمهم إلى يمين (ثلاثة أحزاب متنافرة – بمن فيهم الفاشيين الجدد) ويسار (أربعة أحزاب – بما فيها الحزب الشيوعي). طرأ في وقته ظرفٌ مؤاتٍ للإنقلاب على هيمنة اليمين المحافظ (الديمقراطية الجديدة- 58 مقعداً+ 50 مقعداً بونس للحزب الأول حسب لائحة الإنتخابات اليونانية!).. والعمل على تشكيل حكومة يسارية – وسطية إئتلافية ( قوس قُزحية) خماسية، متكونة من ؛ “سيريزا” 52 مقعداً وباسوك 41 مقعداً واليسار الديمقراطي 19 مقعداً. والمستقلين ( يمين / وسط ) 33 مقعداً. والشيوعيين 26 مقعداً ( لو قبلوا الدخول في الإئتلاف المأمول) / المجموع = 171 مقعداً ؛ مقارنة بـ 300 مقعداً، الذي يشكل إجمالي مقاعد البرلمان اليوناني. إلاّ أن المحاولة قد فشلت بسبب عدم موافقة الحزب الشيوعي في الإشتراك مع من سمَّتْهم؛ أحزاب البرجوازية الناعمة والخادعة، خاصة “الإنتهازيّة” المتمثلة في الكتلة اليسارية “سيريزا”، بسبب أن غالبية كوادر “سيريزا” جاءت نتيجة انشقاقات سابقة من يمين الحزب الشيوعي ويسار حزب باسوك! وغرابة الظرف –لحظئذٍ- تجسدت في تشظي قوى اليمين، إلى درجة أن كتلة اليمين لوحدها لم تستطع تشكيل الحكومة، بسبب الخلافات المستعصية بينها؛ أي بين حزب الديمقراطية الجديدة وكل من المستقلين والفاشيين.

أما نتائج إنتخابات الإعادة التي جرت في 17 يونية / حُزيران من السنة الحالية، فقد رست على مشهدٍ جديدٍ نوعا ما، صبّ في صالح اليمين التقليدي المحافظ، الذي استعاد المبادرة بعد أن ضاعت فرصة المبادرة على قوى يسار الوسط، كما أسلفنا. حافظ على المركز الأول “حزب الديمقراطية الجديدة” اليميني، بحصوله على 128 مقعداً ( 78 + 50 مقعداً). و”سيريزا” في المركز الثاني بحصوله على 72 مقعداً. و”باسوك” في المركز الثالث بحصوله على 33 مقعداً. والمستقلون بحصولهم على 20 مقعداً. وعزّز الحزب الفاشيّ مركزه من السادس إلى الخامس ولكن بخسارة مقعدين، حيث حصل على 19 مقعداً. وتقدم أيضا حزب اليسار الديمقراطي من المركز السابع إلى المركز السادس، بحصوله على 16 مقعداً. أما الخاسر الأكبر فقد كان الحزب الشيوعي، الذي تقهقر من المركز الخامس إلى المركز السابع بخسارة 14 مقعداً، وحصوله على 12 مقعداً فقط.

لقد تنفست – وقئذٍ- البرجوازية اليونانية / الأوروبية، اليمينية المحافظة ومعها البرجوازية العالمية في المركز الامريكي وفي التخوم الصعداء، ما أن ظهرت النتائج- كما رأينا في الميديا- وهي تبتسم بخبثٍ على الأخطاء القاتلة لقوى اليسار والوسط المتناثرة؛ الجذرية الحادة خاصة!.. ورأينا كيف بادرت سريعاً في تشكيل الحكومة اليونانية الإئتلافية المتكونة من ثلاثة أحزاب، ولكن بهيمنة؛ حزب الديمقراطية الجديدة اليمينيّ المحافظ على حزبيّ السوسيال ديمقراط البرجوازيَّيْن؛ باسوك واليسار الديمقراطي كشريكينِ تابعين!..وهنا لابد من ذكر أنه قد يكون سلاح “الهيمنة والتبعية” الأضعف عددياً في حينه، سبباً وراء عدم إنبثاق الإئتلاف الثلاثيّ مباشرة بعد نتائج الجولة الأولى من الإنتخابات! نعم .. لقد سجّل اليمين المحافظ الآن نقطة على الطيف اليساري إلى حين.. ولكن هل يستطيع هذا الإئتلاف المصلحيّ الهشّ من إخراج اليونان من محنها البنيويًة المستعصية، بعصىً سحرية.. والتقليل من العبء المعيشيّ، الذي يرضخ تحت كاهله كادحو اليونان والشعب اليوناني عامة ؟! وهل يقبل هذا الأخير أن يستسلم لقيوده حسب مقاييس”تقشف” البنك الدولي.. وسياسة “ربط الأحزمة ” العائدة لمتنفِّذي وبيروقراطيِّي الإتحاد الأوروبي، القابعين في مكاتبهم الفخمة في بروكسل؟! وهل يقبل رجل الشارع في اليونان أن يستمر في تلقي ضربات السياط على ظهره العاري في منظومة “العبودية الجديدة”، المتأتية من الوحش المنفلت في منطقة “اليورو”؟! وهل يستسلم للشروط المجحفة للمراكز المالية الثلاثة (الترويكا)، حسب برنامج الإئتلاف الحكومي الحالي؟! هذا ما سيرينا المستقبل القريب..
 

اقرأ المزيد

مزاج الجمهور المتحرك



لا نعرف ما السبب في أننا حين نتحدث عن مؤيدي الكرة نقول: جمهور الكرة، وحين نتحدث عن رواد المسرح نقول: جمهور المسرح، وكذلك الحال بالنسبة إلى جمهور الأغنية والسينما والشعر، ولكننا ما أن نقترب من السياسة حتى نتحدث عن الجماهير، أي نجمع الجمع، رغم أن عدد المهتمين بالسياسة في عالمنا العربي، لا بل في العالم كله، لا يقارن من حيث ضآلته بجمهور كرة القدم أو الأغنية مثلاً، لكن اكتفاءنا بالقول: جمهور السياسة لوصف من يهتمون بالشأن السياسي أو سيتابعونه يجعل القول قاصراً، كأننا نرى ضرورة الحديث عن عدد من »الجمهورات«، إن صح القول، لا عن جمهور واحد فقط .


البعض يعزو هذه المفارقة إلى تعدد الآراء وسط من يهتم بالسياسة، وأن التيارات السياسية العربية هي وراء هذه المبالغة للإيحاء بأن لكل تيار سياسي جمهوره الخاص به، ولكن هذا القول لا يصمد للحجة، لأن أياً من هذه التيارات لم يكن يتحدث عن »جمهور« حين يعني مريديه ومناصريه هو فقط، وإنما عن الجماهير كلها توخياً للتعظيم والتفخيم والمبالغة . مفهوم الجماهير ابتذل كثيراً في بلادنا العربية، خاصة في البلدان المحكومة من قبل أفراد أو أحزاب شمولية كان همها إظهار تأييد هذه ال»جماهير« لها فكانت الأجهزة تحرص في المناسبات على حشد الشاحنات والحافلات، بل والقطارات، بأكبر عدد ممكن من الناس، بمن فيهم تلاميذ المدارس، بعد إخراجهم من أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم، وتأخذهم، أحياناً حتى من دون أن يدروا ما الموضوع، إلى الساحات العامة لتُحملهم اليافطات التي أُعدت مسبقاً .


لكن الجمهور ليس كتلة صماء، إنه مجموعة هائلة من الأفراد، قد يوحدها شعور جمعي، عفوي، تلقائي، دونما توجيه في لحظة مصيرية، والجمهور إلى ذلك ليس حالة مستقرة، أو كتلة جامدة ، فهو قابل للحراك والانتقال من موقع لآخر تبعاً للمزاج العام والمؤثرات المحيطة به، ويمكن لهذا الجمهور أن ينقلب في وجهته رأساً على عقب كما تدل نتائج الانتخابات في البلدان المختلفة، أو تغير ميول هذا الجمهور عند المنعطفات .


هناك من يتحدث عن موت مفهوم الجمهور، وفي بعض الأدبيات الأمريكية حديث عن النقلة من الخطابة بوصفها لازمة من لوازم الحشد الجماهيري، إلى الأحاديث العامة، أو ما يطلق عليه أحدهم سياسة الجلوس حول نيران المدفأة، حيث بإمكان المرء أن يبقى في منزله يتابع عبر التلفزيون ما يدور دونما الحاجة للذهاب إلى الساحة العامة أو حتى إلى ملعب كرة القدم لمشاهدة المباراة .


لهذا القول ما يبرره بالقطع، مع تقدم وسائط الاتصال ووجود مجتمعات أتقنت التنفيس عن الاحتقانات الاجتماعية عبر آلية معقدة من وسائل الاتصال ونمط الاستهلاك وأشكال الاستيعاب الجماهيري والفكري، لكن ما جرى ويجري في العالم العربي خلال هذين العامين يُظهر أن الجمهور، بالمفهوم التقليدي الذي نعرفه منذ عقود، مازال حياً يُرزق ويؤثر، وفعاليته لا تزال على منوالها الذي كان وربما أشد، لا من زاوية أن دور هذا الجمهور كان حاسماً في صنع هذه التحولات فحسب، وإنما لأنها أظهرت أن مزاج هذا الجمهور على حالة من السيولة وعدم الثبات بحيث يمكن توجيهه وجهات مختلفة، لا بل ومتضادة، اعتماداً على مدى كفاءة اللاعبين السياسيين .
اقرأ المزيد

لا للعنف

في كل مرة تسقط ضحية للعنف نقف لنؤكد موقفاً ثابتاً يرفض العنف بكل
أشكاله من دون أن يبرره أو يقبله مهما كانت المسببات. هذا الموقف لا يختلف
فيما إذا كان الضحية من هذا الطرف أو ذاك، فالنفس الإنسانية مقدسة، وعلينا
جميعاً تقع مسئولية إبعاد العنف عن الساحة، وعلينا جميعاً تقع مسئولية حث
الجميع نحو حل الأزمة التي طالت كثيراً.

إنه لمن المحزن أن تزداد
آلامنا من خلال مظاهر غير حسنة تساهم مباشرة في رسم صورة لمجتمع تغيب عنه
العملية السياسية القادرة على نقل المشكلات السياسية من الشارع، ومن
السجون، ومن المحاكم، إلى وسائل فاعلة نأمل رؤيتها، وهو ما نادينا به
باستمرار من أجل الخروج ببلادنا نحو مستقبل أفضل، مستقبل يكون فيه نصيب
إيجابي للجميع، ومستقبل ينشر الأمل والابتسامة التي تنقذ وطننا من مظاهر
وممارسات لا تولّد سوى والآلام.

لا يوجد بلد اعتمد على القهر والعنف
لحل مشكلاته واستطاع أن يحقق ذلك دون أن ينهك البلاد والعباد ودون أن يقع
في مصائب أكبر. وكمحب لوطني ولكل فئات شعبي من دون استثناء، فإنه بودّي أن
أراهم يجتمعون في الأفراح وليس في الجنائز، وبودّي أن أرى حكماء بلادي
يمسكون بأطراف المعادلة السياسية من كل جانب ويقولون للناس جميعاً إن رفضهم
للعنف يعبّر عن التزامٍ مبدئيٍّ، ويعبّر عن استراتيجية وطنية إنسانية
تستبدل الحزن بالفرح، وتستبدل الإحباط بالأمل.

من الواضح أن مثل هذا
الحديث يحتاج إلى ما يعمقه أكثر وليس فقط من خلال الشعارات التي لا علاقة
لها بما يجري على الأرض، ولا تعترف بما حدث، ولا ترى الطريق الحضاري الذي
يخرج بحل يجمع الناس ويوحدهم، بدلاً من تمزيقهم عبر النظر بعين واحدة
للأمور.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد