المنشور

جناح المنصف و”حضن” النهضة



ثمة
التباسات عدة في حياة المنصف المرزوقي رئيس تونس الجديدة، مع أننا لا نعرف
إذا جاز وصفها بالجديدة، فالجدة ليست في الزمن، إنما في مضمون الزمن،
ولسنا نحسب الزمن التونسي الراهن جديداً، إذا ما نظرنا إليه من منظور
الحداثة والتقدم، وهما ما كانت تونس قد بلغت فيهما شوطاً يعتد به، فإذا
بمهمة من يحكمونها اليوم العودة بهذا الشوط إلى الخلف لا الذهاب به إلى
الأمام .


تقاطعت
محطات من حياة المرزوقي مع سيرة شخصيتين عالميتين عرفتا بالنضال من أجل
العدالة الاجتماعية والحرية لشعبيهما، ففي عام 1970 شارك في مسابقة عالمية
للشبان بمناسبة مئوية المهاتما غاندي لتقديم نص عن حياة الرجل وفكره، فازت
مشاركته ليحل ضيفاً في الهند يتجول فيها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب،
وفي عام 1994 يسجنهُ نظام زين العابدين بن علي في زنزانة انفرادية، لكن
تدخلاً حاسماً من الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا أدى إلى الإفراج عنه بعد
أربعة شهور .


في
ملابسات أخرى، لو أن المنصف المرزوقي عاف حضن “النهضة” الخانق، وحلق
بجناحه في الفضاء الرحب لتونس، لكان استقبل بالزهور في مدينة سيدي بوزيد،
حيث الشرارة التي أطلقت الثورة، التي كان المرزوقي، حكماً من مجمل سجله
النضالي والحقوقي، أحد دعاتها .


كانت
أم أحد شهداء الثورة قد طالبته، غاضبةً، بنزع صورة ابنها من صدره، وفي
أيدي من أراد أن يخاطبهم في ذكرى الثورة لم تكن ثمة زهور ليرشقوه بها .
كانت هناك حجارة قذفها بوجهه الغاضبون وهم في ذروة مراراتهم من الحصيلة
البائسة لمن استولوا على الحكم في تونس، الذين كان المؤمل منهم العمل على
تحقيق أهداف الثورة، لا الانشغال بتثبيت أقدام “النهضة” في الحكم .


ساكن
قصر قرطاج الجديد الذي يتعفف عن وضع ربطة العنق، إمعاناً في إبراز
شعبويته، ويصر على أن تظل على كتفه العباءة التونسية التقليدية، ليبدو
واحداً من الشعب، لا رئيساً له، ليس هو المسؤول عن إخفاقات الحكم، فهو
يعلم، كما يعلم كل التونسيين وكل الناس خارج تونس أيضاً، أن مفاصل الحكم
ليست بيده، إنما بيد راشد الغنوشي الذي نصبه رئيساً، ولهذا السبب، بالذات،
فإن غضب الناس منه يبدو مضاعفاً: كيف ارتضى أن يقدم بتاريخه صك براءة
للنهضة في أن تنفرد بتونس، التي ثارت لتنهي حكم الفرد لا لتستبدله بآخر؟
اقرأ المزيد

البحرين بلد المفارقات – عبدالنبي العكري

أضحى للبحرينيين قصب السبق في المفارقات بعد أن كان لبنان متصدرها، وكما
يقول الإخوة اللبنانيون في التعبير عن ذلك «صيف وشتا فوق سطح واحد»، أي
وجود الشيء ونقيضه في ذات المعنى أو الموضوع أو المكان.

أضحى الوطنيون المنافحون عن استقلال البحرين وحريتها خونةً وغيرهم هم الوطنيون.

أضحى
من يدافع عن حقوق الشعب وحقوق المقيمين أيضاً بكافة دياناتهم ومذاهبهم
وطبقاتهم وانتماءاتهم وفئاتهم، يُشهِّر بسمعة البلاد ويسيء إلى نظامها، أما
من يقوم بانتهاك هذه الحقوق بالقتل والتنكيل والتعذيب والإساءة فهو حارس
أمن الوطن.

أضحى من يطالب بإنهاء التمييز بكل أشكاله الطائفي،
والقبلي، والمذهبي، يحرّض على الكراهية والبغضاء بين مكونات المجتمع، أما
الذي ينافح عن التمييز وممارساته، فهو داعية للوحدة الوطنية واللحمة
الوطنية والتعايش.

إذا طالبت بالإنصاف قيل إنك تطمع في انتزاع مكتسبات الآخرين المشروعة التي تكرّست بعد عقود من القسر والإكراه.

إذا
طالبت بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع قيل لك إنك تستخدم الأكثرية ضد
الأقلية، ويعتبرون الشهداء الذين سقطوا في الشارع أو تحت سياط الجلادين،
قتلى يتحمل أهلهم والمعارضة المارقة مسئوليتهم. أما القتلى الآخرون فهم
شهداء.

الأطباء الذين أدّوا واجب المهنة بشرفٍ وضميرٍ ومهنيةٍ ودون
تمييز، وخاطروا بأرواحهم إبان الأحداث وتحمّلوا الاعتداءات والإهانات، هم
«خونة» لأنهم أنقذوا أرواح «الخونة».

المعلمون الذين تفانوا في تربية
الأجيال بنكران ذات، هم خونة لأنهم زرعوا أفكار إصلاح التعليم وتصحيح
الأوضاع الخاطئة في السلك التربوي والمطالبة بالتغيير وساهموا في ترقية
عقول الناشئة.

الإعلاميون والكتّاب الذين حملوا أمانة الكلمة… هم
أيضاً «خونة» لأنهم بثوا أفكار الحرية والكرامة وحفظ حقوق الشعب وكشفوا
الزيف وممارسات الفساد.

المتسلقون تسنّموا مواقع القيادة والقرار،
والمؤهلون أزيحوا في عملية تطهير بشعة، ترتّب عليها تردّي الخدمات الحكومية
الطبية والتعليمية والبلدية وغيرها.

هل من حكيم يضع حدّاً لهذا
الانفلات غير المعقول، والهذيان والهوس بالانتقام؟ ففي النهاية نحن شعبٌ
واحدٌ قُدِّر له أن يعيش مع بعض في جزر ربط بينها الحب والتآلف لقرون، وليس
من بر ممتد نذهب إليه… فهل نتحول إلى لاجئين أو متسوّلين لدى الآخرين
ليرضى البعض؟ إيماني عميق أن هذا الشعب سيتغلب على المتكسبين من وراء
الفرقة والفتنة والشقاق، وستعود اللحمة الوطنية والألفة إلى أبنائه، وستبقى
أوال لكل أبنائها، وستنهض البحرين درة الخليج من كبوتها.

عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

المواجهة الكبرى: القوى المدنية والقوى الدينية



لقد
كانت مساهمة قيِّمة تلك التي أسهم بها ابن مدينة حلب الشهباء وأحد رواد
الحركة الإصلاحية العربية ورجل الدين المعتدل عبدالرحمن الكواكبي
(1849-1905) في تأصيل فكرة أن الاستبداد هو بيت الداء في الأزمة التاريخية
التطورية للإدارة المجتمعية الكلية في العالم العربي، الممتدة منذ العصور
الأولى لقيام بنيان الدولة العربية المعاصرة، والتي أنجزها ودبجها في مؤلفه
الشهير “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” الذي شخَّص فيه داء الاستبداد
السياسي ووصف فيه أقبح أنواعه: استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على
العقل، وإن الاستبداد هو أصل لكل فساد .


وقد
حاول معاصره في مصر الإمام محمد عبده (1849-1905) أن ينسج على منواله
والسير على خطاه، وتخصيصاً في ما يتعلق بتجديد الفقه الإسلامي، والدعوة إلى
الإصلاح وتحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لقرون طويلة، وإيقاظ
وعي الأمة وتحفيزه إلى التحرر من محابسه الانغلاقية، وإطلاقه نحو آفاق أرحب
تستطيع مواكبة التطورات السريعة في العالم وحركة المجتمعات على مختلف
الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية .


لقد
مضى قرن ونيف من الزمان منذ أن ضبط الكواكبي بوصلة انشغاله الفكري على
الاستبداد باعتباره بيت الداء في أزمة التنمية العربية وترويج رؤيته
الثاقبة هذه، المُشخِّصة للمأزق العربي المستعصي والحابس للتطور الطبيعي
للمجتمعات العربية، ومازال المشكل هو المشكل، رغم التضحيات الجسام التي
دفعتها المجتمعات العربية وطلائع “أنتلجنسيتها” على مذبح التحرر من أغلال
وقيود هذا الكابح المضاد للتطور، ورغم استمرار الشعوب العربية وقواها
الاجتماعية الحية في الكفاح لكسر أغلاله، رغم كل ذلك، فإن الاستبداد مازال،
هو الآخر، يقاتل بشراسة من أجل الثبات والبقاء، متحصنا ومتسانداً بتوأمه
الفساد .


وللحظة
بدا أن فجراً جديداً قد بزغ في سماء المجتمعات العربية مع أول هبة شعبية
شبابية خالصة وصافية فجّر ينابيعها شاب تونسي من إحدى أكثر النواحي
التونسية دفعاً لضريبة الزيجة غير الشرعية بين الاستبداد والفساد . . وهو
الشاب محمد البوعزيزي، حيث كانت عملية إشعال النار في جسده أمام مقر محافظة
سيدي بوزيد الشديدة الرمزية في تعبيراتها ودلالاتها الاحتجاجية الصارخة،
كافية لإطلاق مارد الغليان والغضب الشعبي المكبوت لعشرات السنين .


ولكن
شتان ما بين الثرى والثريا . . فما إن تم التهليل لتلك “البشارة” فرحاً
وابتهاجاً واستبشاراً على طريقة الشاعر البحتري، أبوعبادة الوليد بن عبيد
الطائي (820-897م) المولود في بلدة منبج الواقعة إلى الشمال الشرقي من
مدينة حلب السورية، والذي كان من أهم ثلاثة شعراء عصرهم – العصر العباسي –
وهم المتنبي وأبوتمام والبحتري نفسه، حين خطّ قصيدته التي تعدّ إلى اليوم
من روائع ما قيل في وصف الربيع:


أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا    من الحسن حتى كاد أن يتكلما


 .
. وما هي إلا حفنة أيام حتى تكشف للخاصة قبل العامة أي نوع من الربيع –
الذي أسموه ربيعاً عربياً تيمناً بربيع براغ لعام 1968 – ذاك الذي يراد لهم
الترحيب بمقدمه . هو ربيع بدلالته الزمانية ولكنه ليس ربيعاً عربياً .
يمكن أن تكون نتائجه وإفرازاته على الأرض ربيعاً فوضويا “خلاقاً”، أو
ربيعاً إسلامياَ، ان شئتم، وذلك برسم ما انتهى اليه الفوران في البقاع التي
نشب فيها من وصول متزامن وغريب للإسلاميين وتحديداً حركة الإخوان المسلمين
إلى السلطة (المغرب، تونس، مصر، ليبيا)، والحبل على الجرار!


وللحظة
أيضاً . . هي في مقام ضربة الحظ أو ما يسمى في الفلسفة ب”الصدفة
التاريخية”، تراءى لجماعة الإخوان، خصوصاً في مصر وتونس، أن الأمر قد استتب
لهم محلياً، وإقليمياً ودولياً . . وأن لا شيء، بعد أن أصبح الحكم في
قبضتهم، يمكن أن يحول دون شروعهم في إنفاذ أجندتهم التي لطالما تجنبوا
الإفصاح عنها، ولطالما حلموا باليوم الذي يستطيعون فيه التخلص من عبء
“استبطانها” الذي اضطُروا إلى اللجوء اليه للمحافظة على نفوذهم وسمعتهم بين
العامة التي تشكل قاعدتهم الأساسية المنتشرة خصوصاً في الأطراف، وفي أحزمة
البؤس التي تلف المدن والبلدات في البقاع الحضرية . ولعل تصريحات راشد
الغنوشي الذي يعد المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين في تونس وجناحها
السياسي حزب النهضة الحاكم حالياً، وكذا تصريحات قيادات الإخوان المسلمين
في مصر، تحمل ما يكفي من المعطيات والدلائل التي تدفع إلى الاعتقاد بأن
“الجماعة” قررت تحويل “نوايا” أجنداتها المتمحورة على إشادة الدولة
الدينية، إلى حقائق راسخة على الأرض وبسرعة أفزعت كل من حولها من مكونات
وكيانات الدولة المدنية .


والحال،
إن إخوان مصر وتونس أخطأوا التقدير . . تقدير قوة الدولة المدنية والمجتمع
المدني والثقافة المدنية (الحداثية) . . باعتقادهم أنها لا تزيد على حفنة
أحزاب ومكونات نبرة أصواتها العالية لا تتناسب مع عديدها وعدتها . . وفات
عليهم أن الدولة المدنية إنما هي تلك الملايين التي تعمل بفضل وجود هذه
الدولة وأنماط الحياة الحداثية التي اعتادوا الحراك في فضاءاتها الرحبة
والتنعم بفضائل إنجازات إنسانها المعاصر . ربما اعتقد الإخوان في مصر وتونس
ومن ورائهم روابطهم الأممية، أن أسس الدولة المدنية في كل من مصر وتونس
هشة يسهل تهشيمها وابتلاعها ومن ثم إقامة دولتهم الدينية على أنقاضها .
وهذه نظرة أُحادية لا تستوعب معطيات المسألة برمتها، وإلا لكان حزب العدالة
والتنمية (إخوان مسلمون) الحاكم في تركيا أسبق إلى تطبيق هذا الخيار غير
العقلاني . ففي عالم القرن الحادي والعشرين المتعولم إلى حدّ سقوط السيادات
القومية والخصوصيات المجتمعية، رغم انفجار الهويات كردة فعل على اتجاهاته
العولمية، فإن خياراً كهذا ليس له حظوظ وفيرة للنجاح، اللهم إلا في تأخير
وتحطيم الطاقات والموارد وإهدار الوقت التنموي .
اقرأ المزيد

الانتقال من المفعول به إلى الفاعل

في مؤتمر عن التحوّلات الجيوستراتيجية في سياق الثورات العربية، والذي
دعا إليه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدَّوحة، عاصمة قطر،
استعرضت مجموعة من الأوراق المقدَّمة للمؤتمر نظرة وتفاعل مجموعة من الدول
لتلك التحوَّلات.

استعرضت نظرات وتفاعلات أميركا ودول اتحاد أوروبا
وروسيا والصّين وإيران وتركيا والهند وباكستان، وكذلك الكيان الصهيوني،
واسترعى انتباهي أمران:

أولاً: الحديث عن تحوُّلات وتغييرات
جيوستراتيجية عربية منذ بدء ثورات وحراكات الربيع العربي. بالنسبة لي فان
التحولات الجيوستراتيجية تعني تحولات كبرى، ثابتة ومستقرة، لها ملامح واضحة
وأصبحت جزءاً من الواقع، فهل حقاً أن تلك التحولات قد حدثت واستقرت؟

الجواب
هو أنه مما لاشك فيه أن ثورات مباركة قد قامت، وأن حراكات مبهرة قد وجدت،
وأن جميع الثورات والحراكات هي في سيرورة دائمة لتكوين فكر وأهداف
واستراتيجيات وبرامج وأدوات لإيصال تلك الثورات والحراكات إلى بر الأمان،
وإلى تحقيق كل أهدافها، وإلى عدم قابليتها للانتكاس. وحتى وصول سيرورة تلك
الثورات والحراكات إلى مستوى معقول من النُّضج والتجذر في الواقع العربي
والاطمئنان على من سيقودها إلى نهاية مطافها، فإن الكلام عن تحولات
جيوستراتيجية سيبقى عبارةً عن تكهنات واستشرافات مستقبلية.

ولذلك فلو
نظرنا إلى الأنظمة الجديدة في مصر وتونس وليبيا واليمن على سبيل المثال،
فإنه يصعب الحديث عن تغيُّرات جيواستراتيجية بالنسبة لأميركا والكيان
الصهيوني وأوروبا وبقية الدول التي ذكرناها سابقاً. وهذا يؤكد أن مجرّد
قيام الثورات أو الحراكات الكبيرة لا يعني أوتوماتيكياً حدوث تغيرات
جيوستراتيجية، لأن ذلك سيتطلب اتخاذ وتنفيذ نظرات وقرارات جديدة، وهذا لم
يحصل بعد في واقع الربيع العربي.

ثانياً: لقد أظهرت جميع الأوراق أن
كل الجهات التي استعرضت كانت فاعلة في الأمة، في الوطن العربي، بصور تمتدّ
عبر الاستفادة من خيراتنا غير المتكافئة إلى الهيمنة، أو الاستغلال البشع
أو الاحتلال لهذا الجزء أو ذاك، أو الإضرار بمصالحنا وتدميرها. كانت الصورة
الكلية هي أننا وطنٌ مفعولٌ به من قبل كل الجهات التي استعرضت، والتي كانت
أبداً هي الفاعلة.

كان لابد من طرح السؤال الآتي: ما صورة الوجود
العربي المطلوب ليصبح فاعلاً في الآخرين ويوقف هذه المأساة التاريخية التي
أنهكت قواه وجعلته وطناً هامشياً غير قادر على الفعل ومستكين لأن يفعل به؟
ثمُ هل ان الحراكات والثورات المكتسحة للأرض العربية حالياً ستكون مدخلاً
لرسم صورة ذلك الوجود العربي المشترك القوي الفاعل الرافض لأن يفعل به
الآخرون ما يفعلونه حالياً؟ أم ان القوى الحية في هذه الأمة ستضيع هذه
الفرصة التاريخية مجدداً وتجعل من ثوراتها وحراكاتها شأناً قِطرياً يركّز
على الخلاص القطري، وعلى الأنانية القطرية، فلا تتكون ولا ترسم الصورة
العربية القومية المشتركة الفاعلة المطلوبة للانتقال من حياة المفعول به،
استغلالاً وتمزيقاً وتدخلاً سافراً ومنعاً من التقدم والنمو الحضاري، إلى
حياة الفاعل الندّ المتفاعل بحيويةٍ مع الآخرين؟

من المؤكد أنه من
المبكر الحكم على توجُه الثورات والحراكات العربية، التي لاتزال في سيرورة
تكوين أهدافها واستراتيجياتها البعيدة المدى وقواها التي ستقودها والوسائل
التي ستستعملها، الحكم على ما ستساهم به في شأن صورة ذلك الوجود العربي
القومي الواقف بنديّة وحيوية أمام ما يفعل بوطنه الآخرون.

لكننا
نتوجه إلى شباب الثورات، وعلى الأخص القادة منهم، بأن يدركوا منذ الآن أن
خلاص ثوراتهم وحراكاتهم سيعتمد إلى حدٍ بعيدٍ على صورة ذلك الوجود العربي
المشترك القوي الفاعل الذي سيحمي منجزاتهم من أن تستفرد بها قوى الآخرين
وتغويها أو تشوّه مساراتها. من أجل تكوين تلك الصورة وبناء ذلك الوجود يجب
البدء من الآن، وفي الحال.

علي محمد فخرو
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

حرية التعبير والسلطة العربية

حرية التعبير هي تلك الحرية التي نمتلكها أولاً في نقد السلطات، أكانت
هذه السلطات حكومة قوية ومتنفذة أو برلماناً لديه سلطات تنفيذية واسعة أو
قرارات سلطة قضائية أخطأت في صنع قرارها. والجوهر الثاني في حرية التعبير
هي تلك التي يمتلكها كاتب أو مسرحي أو سينمائي أو مثقفون أو فئات أو جماعات
في قول رأيها بحرية وبلا موانع.

التحدي الأكبر الذي يواجه الحريات
في بلاد العرب مرتبط أولاً بالموقف من نقد أكثر السلطات قوة لما لهذه
المواقع من تأثير على حياة المواطن من مهده إلى لحده، ومن حاضره إلى
مستقبله. إن خطأ الفرد يؤثر بحدود الفرد، لكن خطأ السلطة وقراراتها بحق
السياسي والأدبي والفني والبحثي يمس الملايين. من دون المقدرة على نقد هذه
السلطات بحرية، ومن دون الحد من قدرة السلطات على معاقبة المواطن، فإن
مستقبل العالم العربي لن يكون سوى تكرار لماضيه المليء بالتردي والقمع.

ان
حماية روح المجتمع العربي ومستقبل ازدهار أفراده يتطلب تأكيد حرية التعبير
السياسي. لهذا فمن دون حل الإشكال السياسي الذي يجعل فئةً تتحكم بالسلطات
مدى الدهر، وفئةً أخرى تبقى في المعارضة أيضاً مدى الدهر لن تتقدم الحريات
في بلادنا ولن تتطور لا المعارضة ولا الحكومة، بل سيبقى كل شيء محل جدل
واختناق.

في الدول العربية قبل الربيع العربي، وباستثناءات قليلة
نجدها في الكويت ولبنان، سادت الفرضية الثقافية التالية: نتنازل عن حرياتنا
والكثير من حقوقنا لقاء الأمن والاستقرار. لهذا اختبر المواطن العربي في
العقود الماضية نزعتين متناقضتين: حاجته من جهة إلى حكومة وسلطة تقف فوقه
وتنظم أمور مجتمعه، وحاجته من جهة أخرى إلى الحرية في التعبير عن نفسه
وقضاياه.

ولقد نتج عن تنازل المواطن عن حقوقه على مدى العقود، خوفاً
من الفوضى، خسارته لتطوره السياسي ومنعه من النقد وسلب حرياته الأصيلة. وقد
نجحت الدول العربية في حشد التأييد لهذه الفرضية التي وصلت إلى طريق مسدود
ومقفر قبل العام 2010. لقد أثبتت التجربة العربية أن تسليم حريات
المواطنين لصالح الدولة قد يؤدي إلى تقدم مؤقت، لكنه على المدى المتوسط
والبعيد يؤدي إلى تردي التنمية، وسوء التخطيط، وتبديد الأموال، وانتشار
الفساد والاضمحلال الوطني.

ويمكن قراءة هذه المرحلة من التجربة
العربية بصفتها المحاولة الأهم والأجرأ لاستعادة حقوق طبيعية انترعت من
مجتمع المواطنين من قبل أخطبوط السلطة والدولة الحديثة. مازالت مقولة ان
الكثير من السلطة يؤدي للكثير من الفساد صالحة لهذا الزمن. فالكثير من
السلطة من دون مراقبة أو مساءلة والتي تمسك كل السلطات هي أصل الداء.

والأسوأ
في المعادلة العربية غير الديمقراطية أن الدولة تمتلك المقدرة على
الاعتقال والتوقيف والضغط والتهميش والمنع والسجن واستخدام الجيش والأمن
وفرض الأحكام وتغيير القوانين، وبإمكانها اقتناص الأخطاء ومصادرة السلطة
القضائية وإضعافها وإفقادها لاتزانها.

وفي وضع كهذا يقف مجتمع
المواطنين عاجزاً أمام هيمنة الدولة. في معظم الحالات لا يستطيع المواطن
وحده خوض غمار حرية التعبير، ولا يستطيع الدفاع عن سجين رأي كما حصل مع
آلاف الأمثلة العربية، ففي هذه المواجهة يطحن المواطن وتنتشر حالة من
الخوف، ويصبح الانتقاد خيانةً والاتهام بالولاء سلاحاً.

وتكشف لنا
الممارسات كم يتناقض خطاب الدولة عن الشعب مع ممارساتها. في معظم الحالات
تحتقر السلطات العربية الضعف في شعوبها، وفي الوقت نفسه تثور عندما تعبّر
الشعوب عن قوتها. الحالة العربية مصابة بانفصام كبير. في لحظة تاريخية
بإمكان قوة الدولة المنفصلة عن الواقع أن تصاب بالجنون والعصبية وبإمكانها
أن تتخيل الشعب وكأنه عصابة متآمرين فتبرر ما لا يبرر.

وفي العالم
العربي جيل جديد وحركات سياسية وشبابية خرجت للعلن. هذه الحركات لن تختفي،
كما أنها ستزداد زخماً وستنتشر بحكم تراكم التجربة، وهي حركات تؤمن
بالحريات لأنها وُلدت أساساً في ظل مواجهة من أجل الحريات والحقوق على
شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الميادين والأزقة. إن تطور وارتقاء هذه
الحركات الشبابية مرتبط بالحريات، بينما ستؤدي محاولات التحكم بها ومنعها
من التعبير عن نفسها إلى تعميق تصميمها على تطوير برامجها وأهدافها
وثورتها.

هذه الحراكات قد تأخذ أشكالاً جديدة، وقد ترتفع في الوتيرة
أو تخبو، لكنها مستمرة وستسهم في تغير المجتمعات العربية وإدخالها الحيز
السياسي والحقوقي كما لم تفعل أي حركة في تاريخنا الحديث.

لقد أصبحت
الحريات مرتبطة بالسعي إلى البحث عن مصادر جديدة لتطوير الحياة السياسية
العربية، وهذا يتضمن تطوير مشروع الدولة المدنية بصفتها دولة القانون
والحريات والحقوق والعدالة ودولة التمثيل السياسي والتداول على السلطة،
ودولة كل المواطنين والتنافس الشريف فيما بينهم.

إن حرية التعبير لا
تعني حتماً الموافقة على الخطاب العنصري تجاه عرق أو فئة أو جماعة أو طائفة
أو قبيلة ضمن المجتمع. والأخطر أن يقترن الخطاب العنصري في المجتمع مع
الاستضعاف والتمييز المؤسسي والقانوني ضد فئات منه. والأسوأ أن يتبين أن
للسلطة أو جناح منها علاقة بالخطاب العنصري، ما يسهم في أزمة أعمق، وتفتيت
أوسع للمجتمع في العلاقة مع النظام السياسي. الخطاب العنصري انتهاك لحقوق
الإنسان، لكنه ينتهي إلى توحيد المجتمع والقطاعات الأكثر تهميشاً لصالح
التغيير. في هذه الحالة تبرز أزمة الشرعية بأجلى صورها.

لقد تطوّرت
حرية التعبير في التجربة الإنسانية في ظل السماح للقوى الضعيفة في المجتمع
(الأفراد، المرأة، المهمشين، الفقراء، المستثنين، الفئات غير الممثلة)
بتوجيه نقدها السلمي للقوى الأكثر قوة من دون أن يؤدي ذلك إلى عقوبات
واتهامات وفتك. هذا أساس تطور التجارب وأمر رئيسي في قياس الديمقراطية.
الهدف الأهم لحرية التعبير هو جعل القوى المهمّشة في المجتمع قادرة على
إسماع صوتها.

السلطة تؤثر على تفكير من يشغلها، لأنها تصوغ نظرته
لذاته ولقوته وللعالم المحيط به ولمعارضيه. إن من ينظر من أعلى الجبل
بالكاد يرى القاع، ومن يجلس في القاع يشعر بالغابات والأشجار التي تحيط به
والمياه والصخور التي تتدحرج عليه. كما أن من ينظر من أعلى الجبل قلما
تعجبه حالة الحريات وكثرة النقد في مجتمعه. لهذا تطورت مبادئ التداول
السلمي على السلطة التي بالكاد بدأ العالم العربي خطواته الأولى تجاهها.

من
خلال التداول السلمي يمكن لمن يكون في قاع الجيل أن يختبر قمته لفترة من
الزمن، ويمكن لمن كان في قمته أن يختبر القاع لفترة أخرى، ما يعطيه المجال
ليعيد النظر ويطور القدرات ويحتك بالقاعدة. وكي يتم هذا بصورة سلمية لابد
من ضمانات الحرية التي يجب حمايتها دستورياً وقانونياً.

إن الحريات
التي تنتزع اليوم في الحراك العربي الأوسع هي المدخل ونافذة المستقبل، لكن
التداول على السلطات وفصلها هو المسار الذي سيؤمن حريات أكثر ثباتاً
وعمقاً.

شفيق الغبرا
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

أتاتوركية الغرب . . عُثمانية الشرق



لم
يكن بوسع الإسلاميين الأتراك الجُدد أن يحققوا ما عجزَ عنهُ قبلهم العسكر،
في أن يجعلوا من تركيا دولةً أوروبية، رغم ما بذلوه من جهود، لاجدال في
أنها كانت دؤوبة، زادها دأباً الرغبة الدفينة، لعلها الصادرة عن اللاوعي،
في إثبات أن “إسلامية” الحكم في أنقرة، لا تنفي براغماتيته، واستعداده
للذهاب بعيداً في استيفاء شروط “الأَوربة”، و”الغَرْبنة” عامة، بما في ذلك
خلع العباءة الدينية الخارجية .


ماذا
كان بوسع الإسلاميين الأتراك الجُدد أن يقدموه لإثبات حسن النوايا للغرب
أكثر ما قدمهُ له، قبلهم، العساكر ببذلاتهم وقبعاتهم المصنوعة من القماشة
الغربية ذاتها: لا شيء على الإطلاق، فالعساكر، ورثة كمال أتاتورك، الذين لم
يكن لهم مالهُ من كاريزما ولم يملكوا ما ملكَ من مشروعٍ للتحديث، ضموا
تركيا إلى الناتو، لتصبح ذراعاً له في الشرق وامتداداً في سياسة معاداة
السوفييت في أوج الحرب الباردة وجبروت الاتحاد السوفييتي، يوم كانت تلويحة
من إصبع ستالين أو من حكموا الكرملين من بعده، من على شرفة ساحة العرض في
الساحة الحمراء ترعب دوائر القرار في الغرب . 


ليس
من حربٍ باردة اليوم بالمعنى الذي كانت عليه، وبين تركيا والاندماج في
أوروبا برازخ، لا برزخ واحد فقط، وبخفي حنين عاد الإسلاميون الجدد الأتراك
من دأبهم على بلوغ ما حسبوه ممكناً، ومن أجله قدموا التنازلات، حتى ينالوا
مقعداً في النادي الأوروبي، فأزالوا “الماكياج” الذي لم ينطلِ على
الأوروبيين، وعادوا إلى “الأصل”، إلى الحلم الذي يداعبهم في استعادة
الامبراطورية التي من أجل تقاسم أراضيها بين القوى الاستعمارية الصاعدة
يومها قامت الحرب العالمية الأولى بعد أن أصبحت هي “رجلاً مريضاً” .


وهكذا
بعد أن التوى العنق غرباً بلا جدوى، جاءت الاستدارة التركية الكاملة نحو
الشرق، حيث الحدود الواسعة مع العراق وسوريا وإيران . هاهنا تتشكل خريطة
جديدة في الجغرافيا السياسية، وتركيا الممزقة بين “أمجاد” الامبراطورية
المنهارة، وبين الإرث الأتاتوركي الذي حفر عميقاً في وجدان الأتراك
وثقافتهم، تريد أن تتحول لاعباً إقليمياً رئيساً في رسم هذه الخريطة،
مستفيدة من تضعضع مصر والعراق ومن حرب سوريا الداخلية، واستشراء  لعبة
التجاذب المذهبي، الذي تُسعره قوى ودول مختلفة، محلية ومجاورة وأخرى وراء
البحار، ودخول العالم العربي كله في مدار التحول الذي ليس بالوسع توقع مداه
الزمني، ولا النتائج التي ستتمخض عنه .
اقرأ المزيد

شروط ما قبل الحوار

ما إن صدرت بعض التلميحات من جهات رسمية بأهمية الحوار للخروج من الأزمة
السياسية، حتى أخذ البعض في وضع العراقيل والشروط التعجيزية بهدف وحيد، هو
إفشال أي حوار مقبل حتى قبل البدء فيه، أو إلغاؤه من أساسه.

وعلى
رغم عدم وجود ما يشير إلى نية حقيقية وصادقة في إجراء حوار جدي بين أطياف
المجتمع والحكم؛ فحتى الآن لم يصدر بيان رسمي يؤكد أو ينفي مثل هذا التوجه،
إلا أن البعض أخذ يستبق الأمور، عبر فرض شروط مسبقة ووضع سقف محدد للحوار
ورفض مطالب معينة، فليس من المقبول لديه الحديث عن المملكة الدستورية أو
تعديل الدوائر الانتخابية لتكون أكثر عدالةً!

مثل هذه الشروط تُنبئ
بأن هناك من لا يريد الحوار؛ لأنه قد ينهي حالة الاستفراد بالوطن التي
استمرت لأكثر من عامين، تم خلالها تغييب طائفةٍ بكاملها، ليس من المشهد
السياسي فقط وإنّما من المشهد العام للدولة، فليس هناك إلا مكوّنٌ واحدٌ،
وصوتٌ واحدٌ يختصر الوطن بكامله.

أول هذه الشروط هو وقف العنف المضاد
في الشارع، ومع رفضنا التام لأي عنف أو عنف مضاد ومهما يكن مصدره، إلا أنه
ليس من مسئولية الجمعيات السياسية وقف ذلك، وليس باستطاعتها القيام بذلك
في هذه الفترة بالذات، فلقد وصل الناس إلى مرحلة من اليأس والإحباط نتيجة
فرض الحل الأمني وسقوط المزيد من الضحايا، في حين أن الدولة لم تقدّم ما
يعيد الثقة إلى الناس؛ وعلى رغم تعهداتها بتنفيذ العديد من التوصيات التي
خرجت بها لجنة تقصي الحقائق، وتوصيات المراجعة الدورية لحقوق الإنسان في
جنيف، ورغم تأكيدها تنفيذ الكثير من هذه التوصيات؛ فإن المواطن لا يرى ما
تمَّ إنجازه من هذه التعهدات حتى الآن، وأولها محاسبة المسئولين عن حالات
القتل والتعذيب خارج القانون.

فإن كانت الجمعيات القريبة من السلطة
تضع شرط إيقاف العنف في الشارع قبل الدخول في أي حوار سياسي؛ فإن من
مسئولية هذه الجمعيات؛ مطالبة السلطة بوقف عنف سلطات الأمن ووقف جميع أشكال
انتهاكات حقوق الإنسان، سواءً عند اعتقال المحتجين أو المشاركين في
المسيرات السلمية أو في مراكز الشرطة، لكي يكون لها الحق في المشاركة في
الحوار.

وفي حين أصدرت الجمعيات السياسية وثيقة نبذ العنف، والتي
تعهّدت من خلالها باتباع الأسلوب السلمي في عملها؛ فإن الجمعيات القريبة من
السلطة لم تصدر ولا حتى بياناً واحداً يدين العنف المستخدم من قبل رجال
الأمن مع المتظاهرين، أو الاستخدام الواسع للغازات المسيلة للدموع على
الأحياء السكنية والقرى، فضلاً عن استخدامها طلقات الشوزن المحرّمة
دوليّاً؛ هذا العنف الذي تم توثيقه بالصوت والصورة وانتشر عبر وسائل
الاتصال، استدعى وزارة الداخلية إصدار العديد من البيانات التي تؤكد فيها
تحويل المتورطين من رجال الشرطة في هذه القضايا إلى التحقيق، فهل أدانت
الجمعيات السياسية الموالية ذلك ولو لمرةٍ واحدة؟

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

كم من الموت للفلسطيني



كم
من البقع العربية سيلاحق فيها الموت الإنسان الفلسطيني، فالفلسطيني الذي
يحسب أنه نجا، بقدرة قادر، من الموت في بقعة سيذهل حين يرى هذا الموت
يلاحقه في بقعة عربية أخرى، وإن لم يكن الموت هو القدر، فالتشرد والمخيم
المؤقت الذي ما أكثر ما استطال ليصبح دائماً . خرج الفلسطينيون من بلادهم
مُكرهين أكثر من مرة، ليتوزعوا على المنافي العربية وغير العربية، لكن
الموت لم يكف يسعى إليهم حتى وهم في شتاتهم . 


وما
أكثر ما وجدت أنظمة الاستبداد العربي في الفلسطيني هدفاً لها . في إحدى
نزواته ألقى القذافي بالفلسطينيين العاملين في ليبيا في الصحراء على
الحدود، لأن وجودهم في بلادٍ يحكمها يعيق قيام دولة فلسطين، وحين اجتاح
صدام حسين الكويت دفع الفلسطينيون المقيمون فيها الثمن مضاعفاً، وحين
اجتاحت القوات الأمريكية العراق وجد الفلسطينيون أنفسهم في خيام على الحدود
مع الأردن، لأنه لم يعد لهم مكان في العراق المحتل .


وفي
لبنان: كم من الحصارات والموت واجه الفلسطينيون ببنادق ودبابات العدو
والشقيق، منذ ملحمة تل الزعتر، مروراً بمجازر صبرا وشاتيلا، فضلاً عن حروب
المخيمات المتكررة التي كانت أجساد الفلسطينيين فيها حقل تجارب للموت
العبثي المجاني في لعبة السياسة المقيتة .


وأخيراً
أتى دور الفلسطينيين في سوريا، ها هو طيران وقذائف المتقاتلين هناك تحصدهم
في مخيماتهم في اليرموك وسواها، وهم الذين نأوا بأنفسهم منذ بداية الأزمة
عن التورط فيها .


عشرات
من المثقفين الفلسطينيين بعثوا برسالة إلى قيادتهم في رام الله، تحدثوا
فيها عن الأوقات العصيبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون بسوريا حيث قام
النظام السوري بقصف منطقة سكنية في قلب مخيم اليرموك راح ضحيتها العشرات من
القتلى والجرحى، مطالبين برفع الغطاء عن الفصائل التي تحاول جر
الفلسطينيين الى معركةٍ ليست لهم، وحاثين المنظمات الدولية على فرض الحماية
على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا .


في
نهاية رواية “نجران تحت الصفر” ليحيى يخلف التي تدور أحداثها على الحدود
السعودية اليمنية، فترة الحرب الأهلية في اليمن بين الملكيين والجمهوريين
في ستينات القرن العشرين، يموت، خطأ، في قصف للطيران معلم فلسطيني لاجىء من
بلاده، أتى ليعلم التلاميذ في تلك المنطقة العربية النائية مبادىء الحساب
وحروف الأبجدية .


ختم الراوي الرواية بالقول:


“مضى الزمن الذي يموتُ فيه الفلسطيني بالخطأ” . لقد أصبح الفلسطيني هدفاً للموت .
اقرأ المزيد

إلى أين ذاهبون؟




إزدادت الأجواء الأمنية تفاقماً على خلفية الاحتجاجات
السلمية، وزاد إيغال الأجهزة الأمنية في استخدام العنف ضد الحركات الاحتجاجية
الشبابية السلمية، باستخدام الضرب بالهراوات والقنابل الصوتية والمسيَِلة للدموع
والرصاص المطاطي، وأصبحت الاعتقالات والملاحقات السياسية أمر اعتيادي، إذ ذكرت
صحيفة القبس في عددها الصادر يوم الأحد 16 ديسمبر الجاري، أن عدد المحالين إلى
النيابة في قضايا التظاهرات عام 2012م قد بلغ491 شخصاً، وهو حسب علمي رقم قياسي
وغير مسبوق في تاريخ الأمن والاعتقالات في الكويت خلال عام واحد، هذا عدا عن
القائمة التي تنتظر الاستدعاء أو الضبط والإحضار، إذ ما زالت المباحث تستدعي
للتحقيق حتى الآن من شارك في تجمهر 15 أكتوبر الماضي، وهذا يعني أن قائمة
الاستدعاءات لمن شارك في المسيرات الأربع ل”كرامة وطن” السلمية ولمن
شارك في المظاهرات الليلية بمختلف المناطق، هذه القائمة ستكون طويلة جداً، ناهيك
عن مظاهرات الكويتيين البدون المطالبين بحقوقهم الإنسانية، وقضايا الشباب
المغردين.



والمقلق هو أن إجراءات التحقيق والتهم الموجهة للمعتقلين
تشي وكأن الكويت تتحول إلى دولة بوليسية، فهناك تهم جاهزة ومعلبة مثل التعدي على
مسند الإمارة أو العيب بالذات الأميرية والاعتداء على رجال الأمن ورفض الامتثال
لأوامرهم والخروج في مظاهرات غير مرخصة وغيرها من التهم.



وقد استنكرت منظمات حقوقية دولية وعربية هذه الإجراءات
البوليسية ضد التعبير عن حرية الرأي والتظاهر السلمي في دولة يفترض أن تكون ذات
نظام ديموقراطي، ومنها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهيومان رايتس ووتش
وغيرها العديد من المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان والتي استنكرت انحراف الحكومة
الكويتية عن نهجها الديموقراطي والقانوني في التعامل مع قضايا الرأي، ولجوئها إلى
الحلول الأمنية والتعسف باستخدام القوانين واعتماد نهج الملاحقات السياسية
للمعارضين لسياستها، بل إن الأنباء التي تأتي من داخل غرف التحقيق تشير بأن الشباب
المعتقلين يتعرضون للأذى البدني والنفسي، وهو ما دعا بعض المواطنين لتسجيل إثبات
حالة ورفع قضية ضد رجال المباحث حيث أقر بعض هؤلاء لأهالي المعتقلين وبشكل
استفزازي بتعرض أبناءهم لجريمة الضرب والتعذيب والمعاملة السيئة.



بل أن الأحداث الموثقة في وسائل الإعلام تشير إن من يبدأ
العنف هم رجال الأمن، وعندما يتم التعامل برقي وإنسانية مع المتظاهرين، تظل
المسيرات سلمية وتنفض بسلام دون أحداث عنف، مثلما حدث في الجهراء وما حدث في مسيرتي
كرامة وطن 3 و4 الحاشدتين.



كما ثبت أن الشباب يذهبون طوعاً للتحقيق عند استدعائهم، بينما
تعمد اعتقال الشباب بطريقة وحشية واستعراض أمني ستثير غضب المواطنين، خاصة أن كل
ما يحدث من تفاصيل مسجل بالصوت والصورة، وينتشر بسرعة البرق في وسائط الاتصال
الالكترونية.



لقد أثبتت الشواهد التاريخية القريبة في الدول العربية
أن عنف الحكومات ضد معارضيها من أجل فرض هيبتها، لن يأتي إلا بعنف مضاد وسيزيد الغضب
الشعبي ويدفع بالمزيد من الناس إلى الشارع، وستفقد الحكومات هيبتها، وفي هذه
الحالة ستكون الكويت هي الخاسر الأكبر.



اقرأ المزيد

الربيع العربي… جزءٌ من حراك إنساني عالمي

المنطقة العربية تشهد متغيرات على ساحتها الشعبية المطالبة بتغييرات في
أنظمتها السياسية، وهذه المتغيرات أشد وطاة في بعض البلدان التي تسعى
لإجهاض حراك المجتمع وتغييب الفئات المهمشة والشباب والنساء.

إن ما
أحدثه حراك الشارع العربي الذي أطلق عليه مسمى «الربيع العربي» يُعَدُّ
جزءاً من حراك إنساني عالمي له مطالب إنسانية بحتة لا تحمل سمة الهوية
الاثنية أو العرقية أو الدينية حتى لو حاول البعض حرف المسار في هذا البلد
أو ذاك نحو اتجاهات تفرق المجتمع عن بعضه البعض. إن مطالب الربيع العربي
تنصبُّ في إطار حقوق إنسان، وهي تتمثل في معاني الحرية والعدالة والكرامة،
وهذا الحراك العربي لايزال في مرحلة انتقالية لم تكتمل بعد. إن ما حدث أمس
الأول (الإثنين) في تونس، مثلاً، وتحديداً في مدينة سيدي بوزيد عندما رشق
متظاهرون بالحجارة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفى بن
جعفر اللذين زارا المدينة في الذكرى الثانية للثورة التي أطلقت «شرارة
الربيع العربي»، مطالبين بإسقاط الحكومة المنتخبة لأنها لم تحل مشكلة
البطالة ولم تحقق مطالبهم الإنسانية يوضح نوعية التحديات التي تواجه كل
الحكومات حتى تلك التي جاءت بعد انتصار الربيع العربي، وهو ما يضع الحكومات
في مصر وتونس وليبيا في وضع صعب؛ لأنها تحتاج إلى وقت لإنهاء إرث طويل من
الزمن للممارسات وللسياسات الخاطئة، إضافة إلى قلة التجربة مع الممارسة في
جو مفتوح وديمقراطي لم تعتد عليه شعوب المنطقة.

إن كل ذلك يدفع إلى
القول بأن الشوارع العربية أصبحت تنبض بالحياة السياسية الرافضة للخضوع. إن
حالة الاحتقان في المجتمعات العربية تعود في جانب منها إلى نسبة الشباب
الكبيرة التي لا توجد لها استراتيجيات صحيحة لتوفير العيش بكرامة.

لقد
غابت الإستراتيجيات الصحيحة عن مجتمعاتنا فترات طويلة وحلت مكانها أوهام
الحلم السريع للجاه والشهرة التي تسوق لها برامج بحجة احتضان المواهب أو
برامج المسابقات أو الاتصال السريع على شاشات الفضائيات، وهذه تذكرنا بأن
الشباب العربي يعيش خللاً حقيقياً ومستقبله غامض.

إن أي تغيير في
مصر، مثلاً، ستكون له انعكاسات إقليمية ودولية وسيعيد خلط الأوراق وخصوصاً
في ملف الصراع في الشرق الأوسط، والربيع العربي يرفض تغليب الحسابات
السياسية المرتبطة بالمصالح على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن ما
حدث في المنطقة انطلق بطاقات شبابية من أجل كف النظم المستبدة عن
الانتهاكات ومن أجل زيادة هامش الحريات الأساسية الذي يساهم في التطور
والانفتاح وهو أفضل وسيلة لتفادي التعصب وانعدام التسامح وعدم احترام
القانون والانتقام… إن الشباب العربي أصبح جيلاً للثورات والاحتجاجات وهو
اليوم ليس كالأمس، وهو مقتنع بأن الإصلاح والتغيير أصبح هوية جديدة تتناسب
مع تطلعاته وطموحاته.

إن الربيع العربي أصبح جزءاً من حراك إنساني
عالمي، ويرتبط بأفضل ما يتوافر في كل المجتمعات من معان إنسانية خالدة تقدس
كرامة الإنسان وتجعلها الهدف والغاية في كل ما ينتج عن اتفاق الناس في
كيفية إدارة شئونهم.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد