المنشور

نشاط استكشافي نفطي مكثف له دلالاته




في
ظل تكدس التقارير المختلفة والمتضاربة القراءات والتوقعات والاستنتاجات،
يبرز تكثف أنشطة الاستكشاف النفطي والغازي، البري والبحري، في غير بقعة من
العالم، كإحدى السمات التي تميز الصناعة النفطية العالمية هذه الأيام .




فبعد
جولة مناقصة قواطعها البحرية التي أجريت في شهر فبراير/شباط الماضي والتي
حققت فيها شركة كوبالت انترناشيونال انيرجي الأمريكية المتخصصة في التنقيب
عن النفط والغاز في المياه العميقة في كل من خليج المكسيك والغابون، نجاحاً
في القطاعين رقمي 9 و21 اللذين تمت ترسية مناقصتهما عليها، حيث تقدر
الشركة حجم الاكتشافات النفطية التي عثرت عليها بحوالي 5 .1 مليون برميل .
مع أن الشركة تعتبر حديثة حيث يعود تاريخ إنشائها إلى عام 2005 إلا أنها
تحظى بدعم مجموعة جولدمان ساخس الأمريكية المصرفية الاستثمارية بعد تلك
الجولة من ترسية مناقصات وعقود الاستكشاف، تخطط الحكومة الأنغولية لطرح
حقوق استكشاف جديدة على اليابسة هذه المرة تقريباً في نفس الحوض الذي نجحت
كوبالت في جهود استكشافاتها، حيث تنوي أنغولا مضاعفة إنتاجها النفطي من 8
.1 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي إلى 5 .3 مليون برميل بحلول عام
2020 .




روسيا
التي تصدرت السباق الأسبق في شهر (أغسطس 2012) كأكبر منتج للنفط في العالم
(38 .10 مليون برميل يومياً تلتها السعودية ب 7 .9 مليون برميل يومياً)،
تسعى لتكثيف عملياتها الاستكشافية بارتياد مناطق غير اعتيادية كمنطقة القطب
الشمالي الروسية، حيث يتجه الكرملين لاستبدال صيغة إعطاء حصة لشركات النفط
العالمية الرئيسة في حقول هذه المنطقة، وذلك بالتركيز عوضاً عنها على صيغة
إنشاء شركات نفطية روسية أجنبية صغيرة مشتركة لأعمال الاستكشاف والإنتاج
للقيام بأعمال الاستكشاف البحرية في منطقة القطب الشمالي تحديداً، وذلك في
إطار سياسة أكثر انفتاحاً على إصدار تراخيص الاستكشاف والتنقيب البحرية،
وجعل النظام الضريبي المعمول به في هذا القطاع أكثر مرونة .




وفي
إطار هذا التوجه الجديد للصناعة النفطية الروسية عموماً ولأنشطة الاستكشاف
والخدمات البترولية المرافقة، لربما شهدنا قريباً أيضاً عودة جزئية لما
تُسمى باتفاقيات خدمات الإنتاج التي أثيرت مؤخراً خصوصاً في ما يتصل بتكثيف
أنشطة الاستكشاف النفطي الروسية في منطقة القطب الشمالي . حيث صار واضحاً
أن روسيا عازمة على تطوير صناعتها الخاصة بخدمات البئر والبنى التحتية
الأخرى المتصلة بالصناعة النفطية . ولسوف تمنح عقود اتفاقيات خدمات الإنتاج
إلى الشركات الروسية ما لم تظهر الشركات الأجنبية أفضلية تجارية . ويعترف
التشريع الروسي الجديد في مجال الهيدروكربون، بالدور الإيجابي الذي تلعبه
الشركات الأجنبية العاملة مع الشركات الروسية في تطوير الثروات النفطية
الروسية في القطب الشمالي، ولم يعد يُنظر إلى حصة ملكيتها كتهديد للسيادة
الوطنية .




ومن
الواضح أن الحكومة الروسية ما كانت لتقدم على هذه الإجراءات التيسيرية
للاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية، لولا تيقن شركات النفط الوطنية
الروسية وشركات النفط العالمة من عدم كفاية البيانات الجيولوجية والبنية
التحتية في القسم الروسي من القطب الشمالي، والذي يهدد بشكل جدي أعمال
الاستكشاف التي يقوم بها ائتلاف إكسون الأمريكية وروس نفت الروسية في جنوب
بحر كارا، والحاجة، بالتالي، إلى نظام ضريبي يشجع الاستثمار في جمع
البيانات وتحليلها .




ومع
أنه إدراك متأخر لشركات القطاع النفطي الروسي لأهمية قيام روسيا بتطوير
قدراتها الذاتية في مجال ما يسمى خدمات البئر، وهي من أهم الخدمات
البترولية المرافقة للقطاع النفطي بشقيه العمودي والأفقي من أجل ارتياد
الأسواق العالمية، فإن هذه الخطوة سوف تقرب شركات النفط الروسية من عقد
شراكات مع شركائها في السوق الروسية مثل إكسون الأمريكية وغيرها من الشركات
الغربية للعمل معاً خارج نطاق دول الكومنولث المستقلة (الدول التي كانت
تنتظم الاتحاد السوفييتي السابق)، حيث ستمكن الشركات الروسية من خلق
كوادرها الفنية في مناطق الشمال الروسي للاستكشافات البترولية .




ولكن
قبل ذلك سوف يتعين على الحكومة الروسية توفيق مصالح شركات النفط الروسية
المتنافسة على الأراضي الروسية للفوز بأكبر حصة امتيازات من أعمال
الاستكشاف عن النفط والغاز، وتحديداً شركات غاز بروم، وروس نفت، ونوفاتك،
ولوك أويل، وإذا ما حدث ذلك وتمكنت هذه الشركات من التوصل إلى صيغة تكاملية
للعمل في مجال الخدمات البترولية بشكل عام بالتعاون مع شركات النفط
العالمية، فإن ذلك يمكن أن يشكل نموذجاً للعمل المشترك بين شركات النفط
العالمية وشركات النفط الوطنية في القرن الحادي والعشرين .

اقرأ المزيد

لوركا البحرين

تمر اليوم 12 ديسمبر 2012 الذكرى السادسة والثلاثون لاستشهاد الشاعر والمناضل البحريني سعيد العويناتي عام 1976م على يد جهاز أمن الدولة بقيادة رئيس جهاز الأمن السابق سيئ الذكر إيان هندرسون، حين شن هذا الجهاز حملة اعتقالات واسعة ضمن سريان قانون أمن الدولة، حيث شملت الهجمة القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية البحرينية عام 1975م، بعد أن تم حل المجلس الوطني (البرلمان) واعتقال وتعذيب عدد من المناضلين السياسيين، والتي أدت إلى استشهاد المناضل محمد غلوم بوجيري في الثاني من ديسمبر عام 1976 والمناضل الشاعر سعيد العويناتي في الثاني عشر من ديسمبر من العام نفسه.

سُمي سعيد العويناتي «لوركا البحرين» لتشابه مصيره بمصير الشاعر الإسباني العظيم فريدريكو لوركا الذي أعدم إبان الحرب الأهلية الإسبانية، وبعيد انقلاب الجنرال الفاشي فرانكو في يوليو 1936م، وأيضاً لتشابه الشاعرين في الرقة والدماثة، كما يشتركان كذلك بشعر يحمل العمق والسحر والفتنة، إلا أن لوركا دُفن في مكان مجهول ولا يُعرف مكان جثته حتى الآن.

لم أتشرف بلقاء سعيد العويناتي، بيد أني قرأت ديوانه الوحيد «إليك أيها الوطن… إليك أيتها الحبيبة» عندما صدر عام 1976م عن «دار الغد» في البحرين التي كان يديرها الشاعر علي عبدالله خليفة عندما كنت طالباً في القاهرة في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، وأعجبني في شعره امتزاج القوة بالرقة.

وقد قال الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف عن سعيد العويناتي: «أسررتُ لصديق برغبتي في التقاء الشاعر الشاب، ولم تمر أيام عدة حتى التقيته»، وأضاف واصفاً لقاءه الأول: «كان ذا صوت خفيض وعينين مستقرتين وتواضع مكتمل، تحدثنا عن الشعر في البحرين».

يشار هنا إلى أن سعيد العويناتي هو من خريجي قسم الصحافة في جامعة بغداد عام 1974م، وقد عمل في الصحافة مديراً لتحرير مجلة «الحياة التجارية» الشهرية، ومحرراً في صحف ومجلات بحرينية عدة مثل «صدى الأسبوع» و«الأضواء»، بالإضافة إلى إشرافه على الصفحة الأدبية في مجلة «مواقف».

ومضى سعدي يوسف واصفاً مجريات اللقاء الأخير بالعويناتي والذي سبق استشهاده، وكشف عن أنه سأل الشهيد الذي قرر السفر: «إلى أين؟ للدراسة؟» رد سعيد: «نعم لكني سأزور البحرين زورة قصيرة، أرى فيها الأهل والأصدقاء، وبعدها أذهب إلى حيث الدراسة»، وتابع سعدي مردداً لازمة أشبه بالمرثية: «سعيد العويناتي أطال المكث في وطنه، سعيد قتل في 12 ديسمبر 1976م بتهشيم رأسه ».

وفي مثل هذا اليوم نستذكر مآسي ومصير شهداء الفن والأدب في التاريخ البشري، ونتساءل ونحن في القرن الواحد والعشرين: لماذا يتم التعامل بوحشية مع كائنات رقيقة ؟ وما الخطر الكبير على دول قوية الذي يمكن أن تسببه قصيدة شعر أو لوحة فنان أو قصة قاص؟ بل لماذا يقتل الإنسان ويقمع لمجرد أن لديه رأيا يقوله؟

جريدة الرأي
 وليد الرجيب
osbohatw@gmail.com

  
 

اقرأ المزيد

الشباب العربي يريد ديمقراطية وكرامة

موجة ثورات الربيع العربي انطلقت بطاقات شبابية مع مطلع العام 2011 من
أجل تحقيق عدالة وكرامة… هذه الموجة دخلت في ملامح جديدة مع تمدد موجة
أخرى لصحوة ديمقراطية تلامس واقع الشوارع العربية الغاضبة على أنظمتها
السياسية، ولاسيما في بلدان لم تشهد تغييراً حقيقياً يواكب منطق وتطورات
العصر الحديث فيما يتعلق بالسياسة والشأن العام.

إننا نشهد وصول
الموجة إلى شوارع خليجية يطالب شبابها بتحقيق مكاسب ديمقراطية عادلة تتمثل
في عدم إقصاء الآخر، وبرلمانات ذات فعالية حقيقية لا تعمل بصورة فئوية أو
صورية، تصحّح من مسار العملية السياسية بشكل يحقق العدالة الاجتماعية تحت
مظلة تفعيل حقوق المواطنة المدنية والسياسية.

لكن في مقابل ذلك نجد
حكومات تقاوم ربيع الاحتجاجات بعقلية أمنية لا تريد فهم متغيرات الزمن،
وهذه العقلية تسعى لتفعيل سياسات قديمة أكل عليها الدهر وشرب، والسبب يعود
إلى عدم تقبل فكرة التعددية أو الشراكة في العمل السياسي الذي لا يمكن أن
يكون لفئة واحدة في المجتمع. وهو أمر كان معمولاً به منذ مراحل طويلة، لكن
المرحلة الحالية تختلف تماماً.

إن ما يحدث مثلاً في مصر مع رئيسها
المنتخب محمد مرسي، يعكس إصراراًً كبيراً من الشارع المصري على الانتصار
لمبدأ الديمقراطية، وهذا يوضح أن حالة الاحتقان في الشوارع العربية ستستمر
مادامت الأنظمة تدير ظهرها لمطالب المجتمعات، مستخدمةً في ذلك الحل الأمني
بدلاً من الحل السياسي.

لقد دخل الشباب العربي في تجارب غنية في
الانتقال نحو الديمقراطية، كما أن هناك بلداناً غير عربية وهي تشبه في
ظروفها الكثير من بلدان المنطقة، انتقلت إلى نظام تعددي من خلال دستور يقوم
على إرادة الشعب والانتخابات التعددية.

إن شباب المنطقة العربية
يريد الديمقراطية، ولكن الأنظمة تحول دون تحقيق ذلك، وربما لو قرأنا تاريخ
المنطقة لوجدنا أنه منذ سقوط الامبراطورية العثمانية في بداية العشرينات من
القرن الماضي، فقد قسم العالم العربي إلى دول صغيرة يحكمها الاستعمار،
وبعد الاستقلال حكمت الدول بواسطة أنظمة دفعت بكثير من مواطنيها إلى
السجون. وبسبب تدني الحالة الاقتصادية وانخفاض سقف الحريات اضطرت بعض
العقول للهجرة إلى خارج المنطقة العربية. ولهذا فإن المرحلة الحالية هي
مرحلة في شدة الخطورة، لأنها تتشكل فيها ملامح المستقبل، فإمّا أن ترفع من
قدر الشاب العربي أو تحط من قيمته في بلدان للأسف مازالت لا تعترف
بالديمقراطية خياراً ولا بقيمة الإنسان أولاً.

وفي مصر، شارك شباب
عرب مؤخراً في المؤتمر الإقليمي حول تحديات الانتقال للديمقراطية، و«وجهوا
التحية إلى شهداء الربيع العربي في كل مكان وإلى كل من ضحى بروحه في سبيل
حرية وكرامة شعبه»، وطرح الشباب المشاركون «عدة تساؤلات تتعلق بمفاهيم
عديدة واكبت ثورات الربيع العربي، وتركزت التساؤلات حول مفاهيم
الديمقراطية والمواطنة وحكم الأكثرية وموقع الأقلية في عملية صنع القرار»،
وأكدوا تضامنهم الكامل مع الشعب العربي في كل الدول العربية لتحقيق مطالبهم
العادلة في الديمقراطية والحرية… «متسائلين في الوقت ذاته عن دور
المفكرين العرب خلال المرحلة الانتقالية التي يعيشها عدد من الدول العربية
في مساعدة الشباب لتحقيق رؤية الشباب العربي في إحداث تغيير حقيقي».

إن
الشباب العربي يريد ديمقراطية وكرامة، والأحداث الجسيمة في مختلف البلدان
العربية إنما هي مخاض نحتاج إليه لتثبيت حالة الوعي نحو مستقبل أفضل.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

مكتشفو أمريكا الجُدد



حين كانت القوات الأمريكية تتقدم نحو بغداد لتحكم الخناق عليها، قبل سنوات
من الآن، كانت شوارع العواصم والمدن في العالم كله تكتظ بالمحتجين على ذلك الغزو
من المناضلين الأممين من القوى اليسارية والديمقراطية وحماة البيئة ومحبي السلم
والحرية في العالم والرافضين لمنطق القوة والغطرسة ، كما شهدت عواصم ومدن العالم
العربي نفسه، ومن ضمنه وطننا البحرين مظاهرات احتجاجية مشابهة، يومها تعالت أصوات
البعض ضد هذه المسيرات معتبرة إياها إنتصاراً لديكتاتورية صدام، ولم يروا فيها ما
هو أبعد وأعمق، من أن هذا الغزو كان يرسي قواعد الشرق الأوسط الجديد المفتت طائفيا
ومذهبياً، ويجعل منابع النفط تحت الهيمنة العسكرية الأمريكية المباشرة. 


 ونفس هذه الأصوات استهجنت خروجنا
في مسيرة احتجاجية بالقرب من السفارة الأمريكية في البحرين منذ سنوات احتجاجا على
زيارة الرئيس الأمريكي يومها جورج بوش الإبن للبحرين، لإيضاح موقف الشعب البحريني
من السياسة الأمريكية في المنطقة، وموقفها الداعم للعدوان الصهيوني على الشعب
الفلسطيني وبقية الشعوب العربية. 


أصحاب هذه الأصوات يبدون كمن يعيد اكتشاف أمريكا اليوم، بعد أن اتضحت معالم
التفتيت المذهبي لمنطقتنا، ووصلت نذره إلى عقر الدار، فصاروا يريدون تعليمنا ما هي
الامبريالية ويلقون على الناس دروساً ومحاضرات في السياسة العدوانية للولايات
المتحدة، هم الذين بشرونا بأن الحداثة والديمقراطية آتية على الدبابات الأمريكية،
التي ستقتلع الأصولية الإسلامية من جذروها، فإذا بهذه الأصولية تنتعش ويستشري
نفوذها بمباركة أمريكا وحمايتها و”تشبيكاتها” هنا وهناك، من أجل تمكينها
في مصر وتونس وغزة وفي الخليج العربي، وفي بقاعٍ عربية أخرى. 


لم يأت الوطنيون والتقدميون بباطل في مطالبتهم بالمزيد من الإصلاحات
والحقوق السياسية والدستورية، كسبيل لدرء الأوطان من التدخلات الخارجية، ومن
تدخلات الولايات المتحدة وغيرها تحديداً التي يعرفونها حق المعرفة، ووقفوا ضدها
بالأمس ويقفون ضدها اليوم أيضاً وسيفعلون ذلك في المستقبل اتساقاً مع مبادئهم
وتربيتهم السياسية والفكرية المعادية بطبيعتها للامبريالية والمنتصرة لمبادئ
السيادة والاستقلال الوطني. 


لقد كان هؤلاء الوطنيون والتقدميون في الموقع نفسه، وسيظلون، موقع المطالبة
بالمزيد من الحقوق الديمقراطية وصون الحريات العامة، وفي موقع مناهضة السياسات
العدوانية والتدخلية للقوى الخارجية في شؤون أوطاننا، وهي سياسات يعرفونها حق
المعرفة، ولم يدافعوا عنها يوماً أو يبرروها ويروا فيها ملاذاً أو مخرجاً أو رافعة
للحداثة والتقدم، كما فعل في السابق من يحذرون منها اليوم لأنهم “نطوا”
من ضفة إلى أخرى، ويحسبون أن ذاكرة الناس قصيرة، وأنها نسوا مواقف الأمس حتى تُباع
عليهم مواقف اليوم. 
 
اقرأ المزيد

الشهيدان “محمد بوجيري وسعيد العويناتي”

 




 




 

 



  
             الشهيدان
“محمد بوجيري وسعيد العويناتي”




 


قرونٌ مضت والأرضُ تحيي المواكبا
قرونٌ خلت والرفضُ ما زال واهبا
أتت هبّة الغواص من مجد سالفٍ
الى هيئة الخمسين والوعي ما خبا
الى وثبة الستين حيث تلاحمت
قوى شعبِنا قِدماً لتُبدي المطالبا
وعبرَعقودِ العتمِ والدربُ سالكٌ
تضم سماواتُ النضالِ كواكبا
تُراكِم أنواراً وتُعطي مآثراً
وتُثبت أدواراً لتطوي سباسبا
تمر سنون القهر والليلُ حالكٌ
وجرحُ الذي يهوى نديّاً وشاخبا
وقارعةٌ من رحمِ اخرى تناسلت
وضيمٌ على نهش الهضيم تكالبا
ومادت بنا الأيامُ بالقسر حينما
تمادت بما تأتي مَخوفاً و راعبا
وهبّت على الإبحار ريحُ كريهةٍ
و في بحرنا اللجّي  أقصت مراكبا
هنا .. ترك الأسفارَ للبرِّ واهماً
أخو غفلةٍ ظنّ الفتاتَ مكاسبا
هنا… فَرَكَ التأريخُ معدنَ بعضِهم
فبان دعيّا مائلَ الجذرِ كاذبا
هنا.. بَرَكَ الخنّاسُ يجمع سحتَه
يقدم إسفافاً ويجني مراتبا
هنا..عَرَكََ الدهرَ الخؤونَ مناضلٌ
تدرّع بالقلبِ الجسورِ وما كَبا
فغودر بالرصدِ المميتِ مكافحٌ
وغَيّبت الجدرانُ حيّاً مُطالبا
رمى القحطُ آلافَ الغصونِ بعسفه
ومال على الأغصان يَحطِم ما رَبا
فكم بدرُ تمٍّ يخسف الظلمُ وجهَه
يُزفُّ الى عرسِ المنيّةِ مُترَبا
فديسَ ذمامٌ واستُبيحت محارمٌ
وغالَ حِمامٌ من حرائرِنا سبى
وجاعت بطونُ الأجودين بفصلِهم
وفاضت عيونٌ بالجمارِ تَلَهُّبا
وحال ستارٌ بين درسٍ و دارسٍ
وصارت صفوفُ العلمِ للجهلِ مَلعبا
وسِيقَت الى جُبِّ المطاميرِ ثلّةٌ
من البسلاءِ الغرِّ ضَمَّت كواعبا
وما زادنا إلا إسىً ما تحققوا
فأقصت لجانٌ للتقصّي عواقبا
ومما يزيد الهمَّ نزفاً وحرقةً
قلوبٌ بدت شتّى ولم تصغِ للإبا
فخذ مثلاً مما نعيش شتاتَه
بتيّارنا الأبهى و قد صار شاحبا
كفانا..كفى قلنا مراراً وكرّرت
حناجرُنا صدقَ النداءِ تأدُّبا
فلا(وعدُ)نا أو (متُّ)نا قد أجابتا
بفعلٍ صدوقٍ يجعل العودَ أصلبا
ففي بعضِ أيامٍ من العامِ نحتفي
بذكرى عزيزٍ نستعيد مناقبا
وننقض غزلَ الأمسِ من بَعدِ قُوّةٍ
ملومين محسورين نبكي سواكبا
فيا قادةَ الفعلِ المؤجّلِ دونكم
مضاءُ النوايا واستعيدوا مواظبا
هلمّوا بنا نصطفُّ قَلباً وقالباً
كفانا على ذاتِ العذارِ تقلّبا
ألا فليكن تأبينُ عرسِ محمدٍ
وحفلُ سعيدٍ محوَ ما كان مَثلبا
لتبقى دماءُ الفرقدينِ منارةً
ومدعاةَ إيلاف ٍتعمّقُ صائبا
فقد ضحّيا من أجل شعبٍ وموطنٍ
وأمسى لزاماً أن نفعِّلَ واجبا
رفاقي..ويا جمعَ المروءةِ والنهى
وأنتم مدار العشقِ شرقاً ومغربا
أحباي..هذا يومُكم فتوحّدوا
ليثمرَ في البحرين ما بات مُجدبا

  


عبدالصمد الليــث


12 ديسمبر 2012
 

اقرأ المزيد

التاريخ ليس ما نرغب



التاريخ
ليس ما نشتهي أو نرغب، بل إنه ما حدث . وفي قراءة التاريخ غواية من نوعٍ
ما، لأن أحداثه محرضة على المقارنة والُممَاثلة بين الأشياء والأسماء
والوقائع، وحين يُكتب هذا التاريخ بعيداً عن الأهواء يقدم الأمور عاريةً أو
مجردةً من الحسابات التي يُروى بها الحاضر، لكن المعضلة تنشأ حين يجري
النظر إلى التاريخ بوصفه حاضراً، أي حين يجري لي عنقه ليوائم حسابات الحاضر
.


مع
ذلك فإن المشتغلين على التاريخ والمنشغلين به محظوظون، إذا ما كانوا
شغوفين بعملهم أو مأخوذين به، ذلك أن هذا الشغف يمنحهم فرصة ثمينة لرؤية
جذور الوقائع ومسبباتها وبواعثها الأصلية، والتيقن من أن الحياة في حالة
حركة لا في حالة سكون .


الحدث
الآني، أو الراهن، حين تنظر إليه معزولاً عن سياقه التاريخي يبدو لحظة
ساكنة، جامدة، لكنه في سياق التاريخ يبدو متحركاً له ماضٍ مثلما له مستقبل .


علامة
الباحث الجاد في العلوم الاجتماعية على تنوع فروعها هي إحاطته بمحطات
التاريخ، على الأقل الأساسية والفاصلة منها، فهذا يُعينه على اكتساب
المَلكَة المنهجية في البحث، هي تلك التي يمكن أن ندعوها الوعي التاريخي .


هناك
صلة وطيدة بين التاريخ والسيرة الذاتية أو المذكرات، آتية، بدرجةٍ أولى،
من أن الحقل الذي تعالجه هذه المذكرات أو السير هو نفسه الحقل الذي يبحثه
المؤرخ، والفارق الأساس هو أن المؤرخ راصد ومحلل للواقعة التاريخية، أما
كاتب السيرة الذاتية فانه ليس مجرد راوٍ للتاريخ، إنما هو صانع، أو شريك في
صنع هذه الوقائع .


 وهذا
الأخير إذ يقدم المادة التاريخية الخام التي يمكن أن يعود إليها المؤرخ
والباحث والمهتم، فإنه غالباً ما يعمقها بآرائه واجتهاداته التي تُشكل
جزءاً من التقييم الموضوعي للحدث، لأنها تمنح المؤرخ تصوراً عن الطريقة
التي يفكر بها صاحب المذكرات .


كي
نفهم الحاضر جيداً علينا أن نفهم التاريخ، والسير الذاتية أداة من أدوات
هذا الفهم، لكن للأسف فإن غالبية الساسة والمفكرين وصناع القرار العرب لم
يتركوا لنا مذكرات تعين في فهم  هذا التاريخ، إما لأن الموت يعاجلهم، أو أنهم في نهايات حياتهم يؤثرون الانزواء والعزلة، ويصاحب ذلك تكتم على حياتهم وأدوارهم .


يبدو ذلك مفهوماً لأن مجتمعاتنا لم تتدرب بعد على قول وقبول الفكرة حرة من الرتوش، أو من المونتاج، وتفضلها مُزَوقة أو مبتورة . 
اقرأ المزيد

لماذا خرجوا؟ – بدر الديحاني

مسيرات شعبية “مظاهرات” حاشدة تحت شعار “كرامة وطن” لم يسبق لها مثيل في
الكويت سواء من ناحية أعدادها الضخمة جداً، أو من ناحية تنوع المشارب
الاجتماعية والسياسية والفئات العمرية للمشاركين فيها، والتي تعتبر
انعكاساً صادقاً لمكونات مجتمعنا كافة، أَضف إلى ذلك المسيرات الليلية
“المظاهرات” التي شملت عدة مناطق، واشترك فيها فئات عمرية مختلفة يغلب
عليها العنصر الشبابي. مسيرتا كرامة وطن الأولى والثانية تعرضتا للقمع، أما
الثالثة والرابعة فقد سارتا بهدوء بعد أن التزمت قوى الأمن بدورها
الدستوري، أما المظاهرات الليلية فإنها، على ما يبدو، ما زالت مستمرة رغم
استخدام قوات الأمن للقنابل الدخانية والصوتية ومسيل الدموع، ورغم انتهاك
حرمات المنازل والاعتقالات العشوائية التي طالت حتى الأحداث وصغار السن،
وهنا تبرز أسئلة مهمة مثل: ترى لماذا يخرج الناس إلى الشوارع والساحات
العامة بأعداد ضخمة كماً ونوعاً؟ ولماذا يصر الشباب- يعتبر مجتمعنا من
المجتمعات الفتية، فإن 84% من الكويتيين دون سن 44 عاما حسب إحصائية هيئة
المعلومات المدنية عام 2009- على المظاهرات الليلة في الشوارع والساحات
العامة القريبة من المناطق السكنية رغم معرفتهم باحتمال تعرضهم للضرب
والاعتقالات والغازات المضرة بالصحة؟


الجواب عن هذه الأسئلة يحتاج لبحث موضوعي في الأسباب الحقيقية التي أدت إلى
هذا الغضب الشعبي المتنامي، أي عدم التركيز فقط على النتائج التي نرى
بعضها أمامنا الآن والمبالغة في تضخيم بعض التصرفات الفردية التلقائية التي
من الممكن أن تحدث في أي مظاهرات ضخمة.


من هذا المنطلق فإن من السذاجة السياسية القول إن هذه الأعداد البشرية
الضخمة ذات الخلفيات الاجتماعية والسياسية المتنوعة، قد خرجت إلى الساحات
العامة واشتركت في المظاهرات سواء مسيرات “كرامة وطن” أو المسيرات الليلية
استجابة لرغبة وتوجيه أغلبية مجلس 2012 المبطل من المحكمة الدستورية، أو أن
الناس قد خرجوا رفضا لمرسوم تعديل النظام الانتخابي فقط الذي يعتبر مجرد
القشة التي فجرت الغضب الشعبي، رغم أن المطالبة الآن بإسقاط المجلس الذي
أتى بناء عليه وقاطعه أغلبية الشعب، تعتبر على رأس أولويات المطالب
الشعبية، والتي في ظننا لن تتوقف عند هذا الحد، حيث من المرجح جدا أن
تتصاعد قريبا، خصوصا إذا ما قامت الحكومة بالتقليل من شأنها واستمرت بعدم
الاستجابة لها نتيجة تحليل خاطئ أو سطحي قصير المدى يرتكز على معلومات غير
دقيقة ومضللة تسوقها مع الأسف بعض الصحف اليومية، وبعض الفضائيات الخاصة،
من ضمنها أن الحراك السياسي والشعبي الحالي، وبالذات المسيرات الليلية،
ليست سوى مجموعة من المراهقين المغرر بهم! وهو الأمر الذي قد يفسر حملة
الاعتقالات العشوائية لعدد من صغار السن “الأحداث”.


والآن هل تستطيع الحكومة قراءة النبض الشعبي بشكل سياسي صحيح، فتستجيب
بسرعة لمطالبه، أم أنها ستستمر في تجاهله مما سيؤدي إلى عدم الاستقرار
السياسي من ناحية وارتفاع سقف المطالب الشعبية من الناحية الأخرى؟ هذا ما
ستجيب عنه الأسابيع القليلة القادمة.

د. بدر الديحاني

منقول عن جريدة الجريدة تاريخ 10122012

اقرأ المزيد

“مصر لن تسمح لهم” قوى مصر الحية



تطرح التطورات العاصفة في العالم العربي راهناً
قضايا عديدة على محك النقاش والاختبار، من بينها مفهوم الديمقراطية ذاتها، بصفتها
أفقاً منشوداً للشعوب وللنخب السياسية والفكرية على حدٍ سواء، ويمكننا بسط عشرات التعريفات
حين نسعى للرد على سؤال: ما المقصود بالديمقراطية. بدءاً من التعريف الدارج الذي يردها
إلى أصلها الإغريقي القديم، أي حكم الشعب للشعب، أو حكم الشعب لنفسه، وانتهاء بالتعريفات
الحديثة التي تقيم تفريعات عدة لمفهوم الديمقراطية. ولكن على سبيل الاختصار سنورد
هنا، بشيء من التصرف، تعريفاً للأستاذ جورج طرابيشي، نجده الأقرب إلى المعاينة
الملموسة لواقعنا الراهن. 


يقول هذا التعريف بأن الديمقراطية “هي شكل الحياة
السياسية الذي يعطي أكبر الحرية لأكبر عدد، مع حمايته وإنتاجه في الوقت نفسه لأكبر
تنوع ممكن. وليس كافياً القول أن الديمقراطية هي سيادة الأغلبية ومن دون التنكر لهذه
السياسة، فأن الديمقراطية هي بالأحرى سياسة الاعتراف بالآخر، فلا ديمقراطية  خارج نطاق الاعتراف بتنوع الأصول والاعتقادات والآراء
والمشاريع”. وقوام الديمقراطية إنما هو احترام المشاريع الفردية والجماعية التي
تجمع بين تأكيد الحرية الشخصية وحق الانتماء إلى جماعة قومية أو دينية أو سياسية. والديمقراطية
لا تقوم على قوانين فقط، وإنما على الأخص على ثقافة سياسية، والثقافة الديمقراطية هي
في منطلقها الأول ثقافة مساواة. 


يكون المجتمع ديمقراطياً بقدر ما يؤلف بين حرية الأفراد
واحترام الاختلافات والتنظيم العقلاني للحياة الجماعية عن طريق القوانين والآليات التي
تحقق ذلك. والثقافة الديمقراطية هي بدورها نتاج مجهود للتركيب بين الوحدة والتنوع،
بين الحرية والاندماج بين قواعد مؤسسية مشتركة ومصالح وثقافات خاصة. 


التعقيدات المرافقة للتحولات الجارية الآن في
أكثر من مكان في العالم العربي، والتي تتخذ في بعض الحالات طابعاً دامياً، يجب ألا
تقود إلى تبرير الواقع السابق لهذه التحولات، فلولا فساد الطغمة السياسية التي
حكمت العالم العربي وطغيانها، وقمعها للحريات السياسة وإهدارها لكرامة المواطنين،
لما كان للانفجار الذي جرى أن يأخذ هذا الطابع الواسع، وما ترتب عليه من تشظيات،
ولو أنها سارت على نهج الإصلاح، وتمكين المجتمع المدني والقوى السياسية في أن تكون
شريكاً في إدارة الدولة والمجتمع، لما بلغنا الحال الراهن، ولما انتعشت القوى غير
الحداثية التي وجدت لها في الأوضاع السابقة للتغيير بيئة خصبة لنموها واستشراء
نفوذها، فبراغماتية الأنظمة العربية في محاباة هذه القوى وتمكينها، لقطع الطريق
بوجه القوى التقدمية والديمقراطية، مسؤولة إلى حد بعيد عن التعقيد الراهن. 


ما أظهرته القوى الحية في مصر اليوم من رباطة
جاش وتصميم  في مواجهة مساعي الإخوان
المسلمين للتسلط على المجتمع والاستحواذ على مفاصله، دليل على أن المخاض
الديمقراطي طويل ومعقد، والمجتمع الذي تحرر من الهيمنة القديمة لن يقبل أن تفرض
عليه هيمنة جديدة تحت أي مسمى كانت. هذا هو الدرس الذي توجهه مصر العظيمة بشبابها
ومناضليها ومثقفيها وبعمقها الحضاري والثقافي، وهو درس لكل الذين يهابون التغيير،
ويُخوفون الناس منه لأن هذا التغيير نقيض أنانيتهم وتمسكهم بمصالحهم التي تكونت
بالطرق الحرام.
اقرأ المزيد

محمد السيد يوسف مناضـلاً تقـدميـاً


يقول المفكر محمود أمين العالم: الإنسان هو أروع ثمار الحياة، عقلها الواعي، وقلبها المشتاق أو حسها الفنان وإرادتها الفعالة. والإنسان في جوهره موقف، إنه ليس مجرد إشباع لرغبة، او استجابة لمؤثر.. وانما هو كذلك – وفي الجوهر – إضافة عبقرية خلاقة إلى الحياة، تاريخ يتدفق صاعداً. ويعمل ويعاني، ويكتشف ويتخطى ويجدد ويبدع».
 
هكذا كان المناضل التقدمي الأممي محمد السيد «أبو سلام» كان ماركسياً مخلصاً لليسار ولثقافة التنوير ومدافعاً حقيقياً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. كان مناضلاً أعطى للوطن الكثير وأعطى للجماهير نضالاً طويلاً بين صفوفها وما أكثر المناضلين الشرفاء الذين قدموا التضحيات في مسيرة الوطن التحريرية والوطنية من أجل الاستقلال الوطني والعدالة والمساواة والديمقراطية والحداثة والتنوير ولأن محمد السيد أحد العلامات البارزة في النضال التقدمي البحريني والعربي كان تطوره الفكري والسياسي يستند وهو أحد رموز جبهة التحرير والنضال الطويل إلى رؤية تقدمية لوطن تنتصر فيه حقوق العمال والمرأة والمهمشين.. كانت أولوياته الفكرية والسياسية الحفاظ على هوية اليسار وتلاحم القوى الديمقراطية.
 
نعم هكذا كان محمد السيد.. هكذا كان كفاحه في صفوف الحركة الوطنية والتقدمية ومن محطات هذا الكفاح انتفاضة مارس عام 1965 التي شارك فيها العمال والطلاب وكل الجماهير الكادحة من أجل تحسين الظروف المعيشية التي كانت تعاني منها غالبية الجماهير وكذلك التصدي لمشروع شركة النفط الأمريكية «بابكو» بطرد ألف وخمسمائة عامل من خدمتها.
 
في حينها قامت جبهة التحرير والقوى الوطنية الأخرى بقيادة هذه الانتفاضة التي امتدت على مدة ثلاثة أشهر وشملت كافة مدن وقرى البحرين والتي استشهد فيها ستة من أبناء شعب البحرين وجرح العشرات.. وضربت الجماهير من رجال ونساء أروع الأمثلة في البطولة والصمود.. وكانت هذه الانتفاضة نقطة تحول في سير الحركة الوطنية حيث استلمت الطبقة العاملة والجماهير المحرومة قيادة الحركة الوطنية وانتهى دور البرجوازية الوطنية «التجارية» القيادي.
 
في تلك الفترة كان محمد السيد القيادي في جبهة التحرير والمسؤول عن منطقة المحرق ممثلاً عن الجبهة في لجنة قيادة الانتفاضة التي تحدث عنها في كتابه «يوميات من انتفاضة مارس 1965.. حيث قال: إن هذه الانتفاضة كانت ثورة ولكن من نوع خاص ثورة قوامها العمال وعمادها الجماهير الكادحة من جميع فئات شعب البحرين المسحوقة وقد سالت على جوانبها الدماء لكن دماء أناس بعينهم تضامنوا بمحض إرادتهم واختيارهم مع جماهير شعبهم تلك الجماهير التي لم تكن مظللة ولا مخدوعة ولم تسير بأوامر من أحد.. بل كان اندفاعها وتضامنها من أجل الخلاص من سطوة الظلم والانعتاق من نير الاستعمار الغاشم وأعوانه. تلك دماء سالت بحسرة وغزارة من قلوب أناس لم يحملوا السلاح ضد أحد ولم يهددوا حياة أحد، ولم يعتدوا على أموال وممتلكات أحد..
 
 نقول إنها دماء أناس بعينهم وذلك لأن الفرز الطبقي الاجتماعي كان واضحاً وكان ذلك الفرز نتاج تطورات وتحولات اجتماعية واقتصادية حصلت أو بدأت أن تحصل مباشرة بعد قمع وتصفية حركة هيئة الاتحاد الوطني عام 1956 وعلى ضوء تلك التحولات حصل تفاوت طبقي سحيق في بنية المجتمع البحريني وبين شرائحه وطبقاته ومن جملة تلك الشرائح والطبقات الاجتماعية الكادحة جاءت الانتفاضة عفوية تلقائية حيث كان قد اختزلها الجور والجوع ودفع بها التعسف وفاجأت القوى الوطنية السياسية العاملة في سرية تامة في ذلك الوقت «قومية كانت تقدمية» حيث وجدت نفسها في خضم الأحداث وتفاعلت معها بسرعة وتولت قيادتها لكن ثبت عدم جاهزيتها وعدم استعدادها منها عدم إدخار هذه القوى للمواد الآنية والمستقبلية التي قد تحتاجها الانتفاضة وعدم توفير مساعدات مالية لتلبية احتياجات الجماهير الفقيرة لضمان استمرارية الانتفاضة وانتصارها مما ساهم سلباً في النتائج التي تمخضت عنها».
 
 وفي مسيرة حياته النضالية ثمة محطات أخرى مليئة بالعمل النقابي والعمال والاجتماعي والحقوقي. لسنا هنا – بالطبع – في مجال الوقوف على مجمل كل هذه المحطات، ولكن كل ما نود قوله بحق هذا المناضل هو لم يثنه القمع والملاحقات البوليسية بعد الانتفاضة ولا عذابات السجون إبان قانون أمن الدولة الرجعي السيئ الصيت بل ظل أميناً ووفياً لمبادئ اليسار والتقدم والحداثة.
 
 لقد كان محمد السيد بحق معلماً تتعلم منه فن الإصغاء ومهما اختلفت معه في الرأي أو الموقف فإنه يحترم الرأي الآخر وهو في الحقيقة واسع الاطلاع والمعرفة شفافاً متفائلاً عاشقاً لرفيقة دربه أمينة وللبحرين في ظل مشروعها الإصلاحي.. لم يكن نرجسياً ولا مصاباً بداء الغرور والازدواجية بل كان نموذجاً رائعاً للبساطة وحب الناس وما أكثر الخصال المضيئة في شخصه.
 
كل التعازي للإنسانة الجميلة أمينة ولأبنائه وأسرته ورفاق الدرب وسيبقى اسمه نبراساً مضيئاً لنا.
 
الأيام 8 ديسمبر 2012

اقرأ المزيد

ثقافــــة الاســـتقالــــة..!


قال فولتير: «حتى الخطأ له قيمة».. وعندما يخطئ من هو في موقع مسؤولية فإن الاستقالة لها قيمة ولها اعتبار، وقد تكون الشيء المشرف الوحيد الذي يمكن للمسؤول القيام به، هذا ما قاله بالضبط مدير عام ورئيس تحرير الـ «بي بي سي البريطانية»، حين استقال مؤخرا على خلفية نشر خبر غير صحيح عن فضيحة جنسية لمسؤول سابق.. مع ملاحظة انه ليس المسؤول المباشر عن الخطأ..!!
 
يا ترى كم من المسؤولين عندنا بحاجة الى شجاعة مع الذات والاقدام على الشيء الوحيد المشرف؟ وهناك الكثير مما يمكن استحضاره والتذكير به من النوع الذي يجعل تلك الخطوة تستحق التفكير حقا، يكفي ما يرد في تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، ففيه ما يثبت ان هناك من يرتكب اخطاء تلو اخطاء، وتجاوزات تلو تجاوزات تفرض المساءلة القانونية والسياسية ولو عند حدها الادنى..!!، ولكن لا شيء يتحرك، ويبقى كل شيء على حاله ولا احد يستقيل او يقال..! تقرير ديوان الرقابة المفجع في تفاصيله، والمعلومة اصداؤه، وردود الافعال الرتيبة حياله وعلى كل المستويات، وبالوقائع والحيثيات المذهلة التي لا يخرج اي مسؤول عنها بسلام في تلك الدول التي تؤمن بأن المسؤولية تكليف وليس تشريفا، ويتحمل فيها المسؤول نتائج ما يفعل.. هناك لا ينتظر المسؤول المخطئ تعليمات من فوق او سلطة لا يرد لها امر لكي يستقيل اذا اخطأ او اخفق او اهمل او فشل، هو مسؤول حتى ان لم يكن ظالعا بشكل مباشر، لذا نراه يقوم من تلقاء نفسه بالشيء الوحيد المشرف، يستقيل احتراما للناس، واحتراما للمسؤولية، واحتراما للرأي العام حيث له قيمة ومكانة واعتبار ويعمل له الف حساب. في تلك الدول التي نعنيها والتي تكون فيها الاستقالة شيء مشرف، وجدنا وزير داخلية بلجيكا يقدم على استقالته متحملا بجرأة المسؤولية الادبية والسياسية عقب مصرع سيدة نيجيرية اثناء محاولة الشرطة ترحيلها بالقوة لمخالفتها قانون الاقامة، وفي اليابان وجدنا مسؤولا رفيعا استقال بعد ان اكتشف انه يركب القطار مجانا..! وفي سنغافورة اعفى وزير العمل من منصبه ووضعت صورته في متحف مكافحة الفساد لكي يكون عبرة لغيره، تخيلوا التهمة، فسعادة الوزير وهو المعني بالسياحة حصل على كوبونات مجانية لقضاء ليلتين في احد المنتجعات السياحية!! وفي كوريا الجنوبية وجدنا وزيرا غادر منصبه بعد ان كشفت لجنة مراجعة حكومية ان الوزارة منحته معاملة تفضيلية لابنته بتعينها في وظيفة، وفي فرنسا دفعت الصحافة هناك مسؤولين فرنسيين الى تقديم استقاليتهما اثر انتقادات لهما باساءة استخدام المال العام، وليس «هبر» المال العام، وفي المانيا وجدنا رئيس المانيا الرابع عشر كريستيان فولف، وليس غيره قد استقال في فبراير الماضي بتهم ليست من نوع التربح بالمليارات او استغلال مرافق واراضي الدولة وهدر مواردها، هو استقال لان التهمة الموجهة ضده كانت و” قبل ” توليه الرئاسة، عندما كان حاكم ولاية، انه اخذ قرضا بنسبة مخفضة لبناء منزل له، وبتهمة قضائه بضعة ايام في فندق كهدية، وذلك في العرف الالماني استغلال منصب..! تلك عينة ليس الا.. وبوسعنا ان نستمر في اطلاق الامثلة الى ما لا نهاية لما يحدث في البلدان التي لا مجال للمساومة فيها على قيمة المساءلة وتفرض حضورها في الوعي العام، وتجعل كل مخطئ او متجاوز، او فاسد مهما علا شأنه ومقامه خاضعا دون تردد او تلكؤ للمحاسبة.
 
صحيح انه لا يخطر على بالنا ان يحدث عندنا ما يحدث في تلك الدول التي فيها القانون سيد الموقف، ويسدون بالقانون المنافذ التي تمنع تعارض المصالح، ويقوون نظم الرقابة الداخلية ويتخذون الاجراءات التي تضمن المساءلة من خلال عمليات التدقيق الداخلي والكشف عن الذمة المالية للمسؤولين، ويحمون المبلغين عن الفساد، ويلزمون بالشفافية الحقيقية والفعلية وليست الصورية في المشتريات والمناقصات وفي التعينات والترقيات واللوائح والاجراءات ويدرجون نشر مكافحة الفساد ضمن مناهجهم التعليمية. في تلك الدول يتم قدر الامكان سد تلك الابواب التي تقوم على التسلق والانتهازية والمحسوبية و «هذا ولدنا» «وهذا من جماعتنا»، وكل ما يخل بموازين الفرص ومعايير الكفاءة، وهناك لا يجد المسؤول المخطئ صاحب قرار «اجوديا» يعطيه جرعة تطمينات او يشمله بالعطف والرضا ليخرجه من اي مأزق «كالشعرة من العجين» ويعفيه من اي سؤال او حساب، فالمسؤولية تعني ضمن ما تعنيه ان يكون المسؤول صالحا للمؤاخذة على اعماله وملزما بتبعاتها وباستحقاقاتها، ومن ضمنها الاستقالة فهي ضمن مجمل القيم الحاضرة دوما في ساحة الاداء العام وفي كل الميادين.
 
من يقرأ حالات القصور والخلل والاخطاء ومظاهر الفساد التي رصدها ديوان الرقابة المالية والادارية يندهش من هذا «التطنيش» وهذه اللامبالاة في اهدار قيمة المساءلة، وتغييب ثقافة الاستقالة، كل هذا الكم من التجاوزات والمخالفات التي يكشفها الديوان في تقاريره سنويا لم تدفع وزيرا او مسؤولا الى الاستقالة او حتى التلويح بها، بل لم تدفع احدا ممن يفترض انه معني بالتجاوزات الى اي نوع من المساءلة، والأدهى والأمّر اننا نشهد اشارات وتبريرات تصب في مجرى تمرير هذه التجاوزات في هدوء..!! .. يكفي متابعة اصداء تقارير الديوان على مدى تسع سنوات للتيقن من ذلك.
 
السؤال: متى تتحرك الدولة بعيدا عن الهزل والتمويه والاجراءات ذات الطابع المسرحي، والتي لا تزال بلا شك ماثلة على عدة مستويات وفي اكثر من ملف وفي مقدمتها ملف مشروع مستشفى حمد الجامعي، وملف تقارير الرقابة، والمخزون والمكنون في هذه الملفات وفي غيرها يجعل من ثقافة المساءلة، وثقافة الاستقالة مطلب الساعة، وهو مطلب لا نراه يحتاج الى معجزة من السماء..!
بقي ان لا ننسى ان الاصلاح ومكافحة الفساد وجهان لعملة واحدة.
 
 
حرر في 30 نوفمبر 2012
 

اقرأ المزيد