المنشور

الجـرح النـازف..!


لسنا بحاجة الى دليل أو إثبات حتى نيتقن بأن هناك من يمعن في التعامل مع بعض الملفات المهمة التي شكلت قضايا رأي عام، بصورة لا تفتقر الى الجدية فحسب، بل يغلب عليها طابع المجاملات والتمويه تارة، والطابع الكاريكاتوري او الهزلي تارة اخرى، ولا يسع المرء وقد نفدت قدرته على الاستغراب إلا ان يشعر حيال هذا التعاطي بالاحباط من جهة وبأن ثمة ازدراء لذكائه من جهة اخرى.
 
عينة من هذه الملفات، ملف تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، ملف اداء المجالس البلدية، ملف التجاوزات في كلية البولتكنيك، ملف المخالفات والخلافات والاختلافات في البلديات، ملف الفساد في ألبا واخيرا وليس آخراً ملف التجاوزات في مستشفى الملك حمد. تلك عينة ليس إلا.. ودعونا هذه المرة تحديدا نتوقف امام الملف الاخير فهو بيت القصيد، ففيه كما في غيره ما يغري بالعودة مرارا.
 
اول ما ينبغي ملاحظته والتذكير به بالنسبة لهذا الملف هو تلك الضجة والاصداء اللافتة للنظر والضمير التي أثيرت قبل شهور على خلفية التجاوزات والمخالفات الفاقعة التي رافقت سير مشروع المستشفى والتي كانت قد اخذت مساحة واسعة من اهتمامات ومتابعات الصحف والمنتديات والمجالس والمؤسسات الاهلية، وكان من جرائها ان انتشى الرأي العام بوعود أغدقت عليه من مسؤولين ونواب وعدوا بالحزم والحزم وبنهج قوامه المساءلة والمحاسبة وتحريك وابل من الملاحقات بمادة الفساد لأطراف عدة. ربما في سياق هذه الضجة من المفيد التذكير بشيء مما قيل ونشر من النوع الذي يستشف منه بخلاصة غير قابلة لأي تأويل، يكفي هنا ان نتوقف عند تصريح مهم لرئيس لجنة التحقيق البرلمانية التي نظرت في تلك التجاوزات، والذي سنظل نذّكر به مرارا، فاللجنة التي سبرت غور هذا الملف وحققت في ملابساته، خلصت الى ان المكتشف من التجاوزات فاق التوقعات..! وهذا ما أكده رئيس اللجنة النائب حسن الدوسري في تصريح مشهود له، فيما صرح نائب آخر بأن الباب في هذا الملف مشرّع لاحتمالات ومفاجآت عديدة قد تصب في اكثر من اتجاه، ونائب ثالث لوح بعريضة شعبية لمحاكمة المتورطين بالتجاوزات، ومضى نواب كثر على النغمة ذاتها. ولكن وفي ظل المطالبات بان يأخذ القانون مجراه بمنتهى الحزم والحسم والردع وبعد عدة شهور على الضجة، تظهر لنا وزارة الاشغال مؤخرا لتفجر مفاجأة هي بحق من العيار الثقيل، حيث نشرت رداً يفهم منه بان كل ما أثير من ضجة ضخمة، وكل الخلاصات التي توصلت اليها لجنة التحقيق، وكل الاتهامات والاستنتاجات و«النقاط الساخنة» التي أثيرت، كلها لم يكن لها اساس، وكل التحليلات والتفسيرات في شأن هذا الملف والتي لا تحصى، علينا ان نتعامل معها من الآن من زاوية كأن شيئا لم يكن..!!
 
هل هذا معقول؟! هل يمكن ان يكون كل ذلك في ذمة الماضي؟!، هل يمكن ان يطوى الملف هكذا فجأة لان وزارة الاشغال ردت اخيرا وقالت «بان جميع ما اتخذ من اجراءات في شأن التعاقد مع الاستشاريين والمقاولين تم وفقا للقوانين واللوائح..! وبأن السبب في كلفة المشروع يعود الى الاضافات الانشائية وارتفاع اسعار مواد البناء»..! وهل من المنطقي والمعقول ان تصمت الوزارة في حينه ثم تأتي اليوم بعد شهور كاملة بامتدادها وطولها وعرضها من تلك الضجة لتعلن «بانها سوف تقوم باتخاذ الاجراءات القانونية ضد المتسببين في التأخير الذي حصل في المشروع طبقا لبنود العقد..»، الا يعني هذا ان الوزارة بعد مدة طويلة من إثارة هذا الملف والضجة التي رافقته لم تتخذ الاجراءات القانونية حتى الآن..!! وكل ما استطاعت القيام به هو «إحالة موظف كان مسؤولا على الاشراف على جزء من المشروع الى النيابة العامة بعد وقفه عن العمل» ثم اليس من المنطقى ان يكون الرد من جهة رقابية وقانونية محايدة وليس الجهة التي ينطبق عليها القول «انت الخصم وانت الحكم» ..!!
 
ذلك خلاصة رد الوزارة، وهو رد يمكن للمرء حياله ان يطلق لمخيلته العنان من ارتياب لا سيما وهو يلحظ اسرافا في التصريحات الداعية الى احترام القانون ولقيم المساءلة والمحاسبة التي بات المواطن يتعطش اليها رغم ان هناك من يصر على ان تسلك هذه القيم الطريق الى المجهول..!!
 
هل طوي هذا الملف..؟ّ! ربما يكون كذلك من منظور الوزارة، ولكنه لم يطوَ بالنسبة للرأي العام، فمازالت هناك اسئلة تبحث عن اجابات، ونقاط تحتاج الى ايضاحات، وهذا ما تقتضيه الف باء المسؤولية. اما بالنسبة للنواب الذين «فاجأونا» مرتين، مرة وهم يستهلون دور انعقاد دورتهم الجديدة، حينما اطلقوا تلك التصريحات التي توحي بانهم عاقدون العزم على الجدية المفترضة في التعامل مع هذا الملف وبقية الملفات التي تفعّل دورهم في الرقابة والمساءلة، ومرة اخرى حين ناقشوا رد وزارة الاشغال على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، (6 نوفمبر 2012)، فلا ينبغي ان يغرب عن بالنا رفضهم إحالة « كبش فداء» لمسؤولين كبار الى النيابة، وتأكيدهم بان ثمة وزارات اخرى معنية بهذا الملف المثقل بالتجاوزات وهي المالية والصحة بجانب الاشغال، حيث كل وزارة معنية ببعض مسارات المشروع. وعلى اي حال، يستحسن تذكير النواب بانه بدون اضفاء المصداقية على دورهم في الرقابة والمساءلة الحقة التي لا تدع مجالا للالتباس والخروج من دائرة الاساليب الفاشلة المتبعة، سيغدو هذا الدور شكلا من اشكال التهريج..! او نوعا من انواع العبث.
 
 واخيرا لا مناص من ان نتوقف برهة لنتساءل اذا كانت الاجواء السائدة من سياسية ونفسية واجتماعية واقتصادية من شأنها ان تبقي هذا العبث، وهذا الجرح النازف الى ما لانهاية؟! سؤال لا نملك الاجابة عليه.


حرر في 22 نوفمبر 2012
 

اقرأ المزيد

التعقل هو المطلوب




قالت وكالة رويترز:”
أن ولي عهد مملكة البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة جدد الدعوة للحوار مع
المعارضة في البلاد، مضيفة إن المحادثات قد تعالج الأزمة في هذا البلد الخليجي
الذي يشهد اضطرابات”.



وكانت مملكة البحرين قد
لجأت للأحكام العرفية لإخماد الاحتجاجات في مارس من العام الماضي ولكن أعمال العنف
تجددت، بل تقع اشتباكات شبه يومية بين المحتجين والشرطة في البحرين التي شهدت عدداً
من التفجيرات هذا العام مع حظر التظاهرات في البحرين.



وأضافت رويترز: أن
الأمير سلمان الذي يُعتقد أنه فقد نفوذه لصالح الجناح المتشدد في الأسرة الحاكمة
إبان الاحتجاجات الحاشدة العام الماضى قال مساء الجمعة الماضي:” إنه ينبغي
للمملكة مواصلة الاصلاحات السياسية والقضائية التي ترى المعارضة أنها غير كافية”
وهو ما رحبت به المعارضة البحرينية ببيان صادر لها قائلة:” أنها تتفق مع ولي
العهد في ضرورة الاستماع إلى صوت الغالبية العظمى من الشعب البحريني المتعايش مع
بعضه البعض ويهمه أمنه ومستقبله ومشاركته في إدارة شؤونه كمصدر للسلطات على أسس
ديموقراطية حديثة ومتحضرة، فسماع صوت الشعب والإستجابة له هو الحكمة المفقودة في
البلاد”.



وإزاء هذا الموقف
المتعقل أصبح من الواضح أن عناد وتشدد الأنظمة واستخدامها الحلول الأمنية يُزيد
النار أوارا، وأن العنف لا يأتي إلا بعنف مضاد بينما التعقل والحكمة في معالجة
الأمور قد تأتي بنتائج إيجابية، وهذا ما لاحظناه في أحداث الأيام الأخيرة
والاحتجاجات التي خرجت في مناطق مختلفة في الكويت، فعندما تعامل مدير أمن الجهراء اللواء
إبراهيم الطراح مع المتظاهرين برقي ووعدهم بعدم تدخل القوات الخاصة تحولت المسيرة
إلى سلمية ثم انفضت بسلام، بينما كان التعامل الأمني عنيفاً في مناطق أخرى مثل
الصباحية وصباح الناصر بسبب تعنت رجال الأمن، مما جعل ردة فعل شباب المسيرة عنف
مضاد، والمشكلة أن العنف لا يتوقف عند حدود معينة بل أنه دائماً مؤهل للتصاعد، فلا
أحد يتنبأ بردة فعل الجماهير في لحظات مثل هذه، وأيضاً لاحظنا في المسيرة السلمية
(كرامة وطن 4) يوم السبت الماضي والتي لم تتعرض إلى عنف أمني إلى أنها انتهت بسلام.



آن الأوان لأن تستجيب
الأنظمة للإصلاحات التي تطالب بها شعوبها، بدلا من التشدد والعناد الذي لا يؤدي
إلاَ إلى الأذى وربما يفضي إلى القتل والعداء بين مكونات المجتمع، فالشعوب لن
تتوقف عن المطالبة بحقوقها في أي مكان في العالم.



ومن جانب آخر يجب على القوى
والشخصيات الوطنية والديموقراطية عدم إتهام بعضها بالارتماء في أحضان القوى
الرجعية وقوى التشدد الديني أو الاصطفاف مع الحكومة، وعليها أن تلتفت إلى قضيتها الوطنية
الأساسية وعدم التشرذم بسبب خلافات جانبية مما يعزلها عن شعبها، وعليها كذلك دعوة
الحكومة إلى التوقف عن الملاحقات والإعتقالات السياسية وضرورة إطلاق سراح جميع
المعتقلين.


 


اقرأ المزيد

سعيد العويناتي شاعر النخلة صوت الكادحين – سوسن دهنيم

أطلت ذكرى استشهاد الشاعر البحريني سعيد العويناتي هذا العام في فترة
حرجة تعاني منها البلاد كثيراً ويعاني فيها أهل البلاد أكثر، فما القصص
التي نسمعها عن المعتقلين السياسيين وعن التعذيب إلا إحالات لماضٍ لم ينتهِ
بل ظل مستمراً متجدداً مع اختلاف الشخوص والرموز.

سعيد العويناتي
الذي قرأته في «إليك أيها الوطن إليك أيتها الحبيبة» والذي عرفته من خلال
أصدقائه الذين عاصروا عذاباته وأحلامه وطموحاته وانشغالاته من خلال عملي في
الصحافة، حيث أفردتُ له ملحقاً كاملاً في إحدى الصحف التي كنت أعمل بها
سابقاً، وخلال هذا العمل التقيت الكثير من أصدقاء حلمه، بعضهم استمر في
نضاله ضد كل ما من شأنه أن يحط من كرامة المرء وصورة الوطن، وبعضهم الآخر
تراجع عن هذا الحلم وبات رقماً في معادلة هذا الهدر لكرامة الإنسان والأرض.

سعيد
العويناتي الشاعر الذي شكل الفقر والمعاناة محوراً مهماً في شخصيته ونضاله
وكتاباته الشعرية، فكان صوتاً شعرياً متميزاً في الحركة الشعرية الجديدة
آنذاك، فهو الذي كتب عن الريف ليفتح صفحاته المطوية في ذهن الإنسان وصفحات
التاريخ، وليواصل ما بدأه الشاعر يوسف حسن قبله، إذ كتب عن معاناة الفلاحين
والفقراء والبسطاء من أبناء القرى من خلال الواقع الذي عاشه فأراد التمرد
عليه باستخدام النضال السياسي الذي غيبه عن الشعر قبل أن تتبلور تجربته
وتتنقح وتنمو في طريق النجاح.

في شعره كما في حياته وممارساته، كان
العويناتي يحلم بالوطن الحر الذي يحتضن أبناءه وصلته الكلمة إلى عمق
الإحساس بها فتبناها وعاشها، وكيف لا وهي التي كانت رسوله إلى الناس ورسول
صوته إلى الآخر المتشبث بالقمع والظلم.

لقد اتسم شعر العويناتي
بالمشاعر الفياضة وبأحاسيس الحزن الشديد، والسوداوية، فهل تراه كان يرثي
نفسه قبل أن يرثيه غيره، وهو الشاعر الذي عانى النسيان والتجاهل من قبل
المسئولين والنقاد إلا من عاصره في الاهتمامات النضالية، أو من السياسيين
الذين مازالوا يقيمون له حفلات التأبين مقدرين إبداعه ونضاله. هل كان يعرف
أن الموت سيختطفه شاباً معذباً في السجون، ولهذا كتب كل ذلك الهم من الحزن
واللوعة حتى يشعر به من يقرأ نتاجه في فترات لاحقة؟

سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

أينكِ يا فرقة أجراس؟! – مريم الشروقي

في الحقيقة، كنت أنوي الكتابة عن فرقة «أجراس» البحرينية الأصيلة،
الأسبوع المقبل، ولكن رؤية إحدى عضواتها تمر من أمامنا، جعلت الاشتياق
قويّاً جداً، ولم يستطع القلم إلاّ المثول أمام الفؤاد، ليعبّر عن جزيل
الشكر والامتنان والفخر لهذه الفرقة البحرينية، التي اختفت فجأةً عن الساحة
الفنّية، وما عدنا نسمع صوتها الشجي الحنون الوطني الغيور. فأينكِ يا فرقة
أجراس؟!

لن نعدّد أسماء أسرة هذه الفرقة، فالجميع كان على قدر
الإبداع والصوت القوي الجميل، لقد غرّدوا منذ 12 يوليو/تمّوز 1982، وكانت
تغريداتهم قبل ظهور المغرّدين الإلكترونيين، فزادوا من اللحمة الوطنية،
وشجّعوا على حب هذه الأرض الطاهرة، بلا طائفية ولا تمثيل لفئة معيّنة.

وعندما
صمت تغريدهم، لم نجد أحداً يطالبهم بالرجوع، ولم نعلم بأي توجّه من وزارة
الإعلام إلى دعم هذه الفرقة من أجل مواصلة الركب، بل وجدنا الإهمال الشنيع
من قبل الجميع، وشاهدنا الفرقة تتعثّر وتتبعثر يوماً بعد يوم، حتى وهن
عظمها، واشتدّت مشكلاتها، وصمتت لسنواتٍ عدّة. ما يؤسفنا حقّاً عندما نجد
فئة متميّزة مبدعة كفرقة أجراس تندثر كما اندثر بعض التراث البحريني، فهي
معلم من معالم وطننا، نتشرّف بها كلّما حلّقنا خارج البحرين، حتى أنّ أهل
الخليج يسألوننا عنها، ويذكّروننا بأغانيها، كأغنية «بابل» التي لاقت صدى
قويّاً لدى الجمهور العربي، وأغنية «ليلى العدنية» و»أم الجدايل» وغيرها من
الأغاني الرائعة.

دمعت العين اليوم على عدم تواجد هذه الفرقة من أجل
المشاركة في إرجاع اللحمة الوطنية، ونحن ندين وزارة الإعلام قبل غيرها على
عدم مناصرة الفرقة عندما صدعت وتشقّقت جدرانها، ولم نجد أحدهم يقوّيها،
فالفرقة تحتاج الكثير، فأين هو ذلك المموّل أو شركة الإنتاج الذي سيسعى من
أجلها؟ لا أحد سمعنا به حاول مد يده إلى فرقة أجراس.

وإذ إنّنا نشهد
وجود صرح الثقافة المتمثّل في مسرح البحرين الوطني، نتمنّى سماع صوت فرقة
أجراس داخل معقله، حتى تدوي تلك الكلمات المطالبة باللحمة الوطنية والحرّية
وغيرها من الكلمات، لتدخل القلوب وتترك أثراً فيها ولا تخرج منها أبداً.

لكم
قلوبنا يا فرقة أجراس، ولكم مناصرة شعب البحرين بطوائفه، وإنّنا نحتاجكم
الآن أكثر من السابق، فغناؤكم وكلماتكم بل و«كلّكم» من أولوياتنا، ووجب
الاهتمام بكم، لأنّكم ذخر البحرين وذخيرتها الباقية في تاريخنا العظيم.

فليتذكّر أهل البحرين كلمات أغنية من أغنيات الفرقة التي وحّدت ولم تفرّق، أغنية «بابل» من كلمات سميح القاسم، وألحان علي الديري:

يا بلاداً بلّلت كل صدى…وصداها لم يرد إلا سرابا

يا بلادي نحن ما زلنا على … قسم الفدية شوقاً وارتقابا

يا بلادى قبل ميعاد الضحى…موعد ينضو عن النور حجابا

نكبة التيه التي أودت بنا…فطرقنا في الدجى باباً فبابا

عمّقت سكّينها في جرحنا…وجرت في دمنا سمعاً وصابا

وتهاوينا على أنقاضنا…فخراباً ضمّ في البؤس خرابا

ومن الأعماق من تربتنا…هتف التاريخ والمجد أهابا

فإذا أيامنا مشرقة…بدم من لونه أعطى الترابا

مريم الشروقي
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

الصراع العبثي بين الإسلاميين وخصومهم – د.علي محمد فخرو

متى سيعرف قادة المجتمع المدني السياسي في بلاد العرب الفرق بين
المنافسة والعداوة؟ فالأولى مقبولة وأحياناً ضرورية وخصوصاً إذا كانت تسابق
إلى/ وفي الخيرات، أما الثانية فهي تدمير أو إقصاء للآخر. نذكَّر بتلك
البديهية بمناسبة ما نشاهده من معارك معيبة وما نسمعه من هتافات جارحة في
ساحات التجمعات الجماهيرية في مدن أقطار ثورات وحركات الربيع العربي.

جماهير
أنصار الأحزاب السياسية الإسلامية يصمون الجبهة المقابلة لهم من خليط
الليبرالية – القومية – اليسارية بتهمة العلمانية الموحية عند العامة
بالكفر والإلحاد، بينما جماهير الجبهة المقابلة تصم الإسلاميين بالظّلامية
والتخلف. وشيئاً فشيئاً نعود القهقرى إلى الخمسينيات من القرن الماضي عندما
مورست العداوة الدموية المتعصّبة بين مختلف الايديولوجيات في أرض العرب،
فكانت وبالا على الجميع وساهمت إلى حدٍّ كبير في تخلُف الحياة السياسية
العربية عن الانتقال إلى رحاب الديمقراطية المتسامحة.

ما يوجع في هذا
المشهد شعور الإحباط عند الذين عملوا عبر العقود الثلاثة الماضية لتقريب
وجهات النظر بين فكر الإسلام السياسي وفكر الحركات القومية العربية على
الأخص، ونجحوا في تكوين المؤتمر القومي – الإسلامي الذي يضمّ ممثّلي
الجهتين ويجتمع دورياً لمناقشة قضايا الأمة ويخرج بتصورات مشتركة عن تشخيص
وعلاج تلك القضايا. والسؤال: ما هو هذا المرض الذي لا تريد القوى السياسية
العربية أن تتعافى منه؟ مرض عدم القدرة على التعايش والتسامح في أجواء
التنافس الشريف العفيف بدلاً من الإصرار على قلب كل خلاف في وجهة النظر إلى
عداوة كريهة وإلى حروب داحس والغبراء.

وإلا، أين ذهبت السّاحة
الفكرية والايديولوجية المشتركة فيما بين الفريقين، والتي كانت أكبر بكثير
من ساحة الاختلاف والتباين؟ يشاهد الإنسان هذه المعارك والصّراعات العبثية
على الأخص في مصر وتونس والعراق وليبيا واليمن والخليج العربي فيسأل نفسه:
هل الاستيطان الاستعماري الصهيوني الذي يبتلع أرض فلسطين يومياً ويتجذر في
الأرض العربية كعلاقات اقتصادية واتفاقيات سياسية وأمنية وكعلاقات حميمية
مع الكثير من مسئولي الأنظمة العربية، وهل الرّجوع المقتحم للنفوذ وللوجود
الاستعماري الأميركي في كل أرجاء الوطن العربي وصولات وجولات ساسته وعساكره
وجواسيسه وصانعي الرأي فيه، وهل المحاولات المستميتة لفلول الثورات
المضادة وأزلام الاستبداد والاستغلال في السياسة والاقتصاد، وهل ضعف
الجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية أمام إملاءات أميركا المتناسقة مع
المصالح الصهيونية إلى حدود الابتذال والحقارة… هل هذه القضايا لا تستدعي
اعتبارها أولويات قصوى في حياة الأمة تفرض على القوى السياسية الإسلامية
والقوى الليبرالية – القومية – اليسارية محاولة الوصول إلى حلول وسط بشأن
الأمور الدستورية وأمور إدارة دفة الحكم إبَّان هذه الفترة الانتقالية من
حياة الأمَة؟ ما يحيّر أنه إبّان المعارك ضدّ الاستبداد الداخلي لا تجتمع
الجهتان لإسقاطه، وعندما تنجح جماهير الأمة بعفويةٍ وبحسّ الغضب لانتزاع
الكرامة والحرية والعدالة ولكنها تواجه الثورات المضادة في الداخل
والتدخُّلات الخارجية لاحتواء وإغواء ما حقّقته تلك الجماهير، فان الجهتين
تفشلان أيضاً في التعاون فيما بينهما لإنقاذ ما حققه الشهداء والمناضلون،
ولا تستطيعان التعايش والتعاون أثناء فترة انتقالية محدودة.

يستطيع
الشعب العربي أن يتفهَّم وجود تنافس على السّلطة فيما بين الأحزاب
السياسية، فهذا جزء من الحياة السياسية الديمقراطية في كل مجتمعات العالم
الديمقراطية، ولكن ما لا يمكن تفهُّمه هو قلب كل اختلاف في وجهة النظر، وكل
اختلاف بشأن ممارسة الحكم، إلى صراع عبثي يضيع الأولويات ويعطي فرصة
للاستبداد الداخلي والنفوذ الخارجي لكي يدمّرا ما ضحّى الناس من أجله.

الفترة
الانتقالية العربية الحالية تستدعي وجود قيادات سياسية مدنية ناضجة وعميقة
الإدراك لحقائق العمل السياسي ولحقائق ممارسة الحكم المعقَدة، وخصوصاً في
أرض عاشت أربعة عشر قرناً من الاستبداد والاستغلال.

على الذين لا
يستطيعون الارتفاع إلى ذلك المستوى أن يتنحّوا ويتركوا السّاحة لغيرهم، إذ
يكفي الأمة ما عاشته من آلام وأحزان منذ أن فرض عليها الملك العضوض والظّلم
التاريخي الذي تريد أن تنهيه.

دعنا نذكّر من يؤمنون بالإسلام
كعقيدة، ومن يتبنُّونه كثقافة، بهذه الآية الكريمة: «ولا تستوي الحسنة ولا
السَّيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليٌّ حميم»
(فصلت: 34). القوى السياسية العربية المتصارعة تحتاج أن تعيش حكمتها في
هذه الفترة المبهرة من حياة الأمة.

علي محمد فخرو
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

انقسام مصر!



بالأمس
القريب كان أكثر من تحليل قد خلص الى أن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي ارتكب
مغامرة غير محسوبة حين اعتقد ان انشغال العالم بافتتاح الدورة الأولمبية في بكين
يشكل فرصة سانحة له لالتهام أوسيتيا الجنوبية، فاذا به يلحق بجيش بلاده وممتلكاتها
كارثة نتيجة للرد الصاعق الذي تلقته جورجيا من الجيش الروسي. وهناك من الأتراك
وغير الأتراك من بدأ ينظر الى محاولة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لبعث
الروح العثمانية التوسعية في تركيا، استغلالا للظرف الاقليمي البالغ السيولة
راهنا، باعتبارها مغامرة غير محسوبة، حتى وان اعتقد ان الظروف الجيوسياسية أكثر من
ملائمة الآن لتركيا لانفاذ وانجاح هذا المبتغى. وقبل أيام أيضا كنا على موعد مع
مغامر آخر لا يخفي مطلقا نزعاته المغامراتية وهو رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين
نتنياهو الذي قرر فجأة الذهاب الى غزة في “نزهة عسكرية قصيرة” لتأمين
الرصيد البنكي الانتخابي المحجوز لحكم صندوق الاقتراع في 22 يناير/كانون ثاني 2013،
فلم يحصد سوى الخيبة! 


ويبدو
اننا نعيش موسم ازدهار المغامرات السياسية، فلقد تراءى للاخوان المسلمين في مصر
الذين باتوا يسيطرون على سلطة الرئاسة وعلى سلطة التشريع (مجلس الشعب المنحل – من
خلال المراسيم الرئاسية – ومجلس الشورى)، انهم وبعد أن نالوا استحسان طرفي الحرب
الاخيرة في غزة، اسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، وكذلك استحسان الادارة
الامريكية على جهودهم في انهاء جولة الحرب الجديدة باتفاق الهدنة المعروف، أن
اللحظة الجماهيرية والنفسية والسياسية، صارت أكثر من مناسبة لاطباقهم على بقية
مواقع صنع القرار في مصر والانفراد بحكم مصر بصورة شمولية مطلقة. 


اذ
يبدو ان مقاربة الصدمة  (Shock approach) التي اهتدت اليها الدائرة الضيقة داخل جماعة الاخوان التي تدير دفة
السياسة الداخلية والخارجية لمصر، قد راقت لها بعد النجاح الذي أصابته في مفاجأة
رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعفائهم من مناصبهم وتنصيب آخرين
مكانهم. فقرروا اعادة الكَرّة من خلال الاعلان الدستوري الجديد والمفاجىء الذي
أصدره رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي الخميس 23 نوفمبر/تشرين ثاني 2013 والذي
تضمن 7 مواد أبرزها وأكثرها اثارة للجدل والغضب المادة الثانية التي تنص على “الاعلانات
الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه
السلطة في 30 يونيو/حزيران 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد، تكون
نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز
التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الالغاء، وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها
والمنظورة أمام أية جهة قضائية”. كما تضمن الاعلان اعفاء النائب العام عبدالمجيد
محمود وتعيين المستشار طلعت ابراهيم محله، وتحصين الجمعية التأسيسية التي تتولى
اعداد مشروع الدستور المصري الجديد ضد أي طعون أو دعاوى قضائية، علما بأن القراءات
الأولية لبعض مواد مسودة الدستور الجديد التي تم “سلقها سلقا” في
اللحظات الأخيرة وتمريرها من قبل أعضاء اللجنة التي أضحت اخوانية فاقعة بعد انسحاب
21% من أعضائها (انسحب 21 عضوا من أعضائها المائة)، تؤسس لانتكاسة محققة للدولة
المدنية المصرية المعاصرة، مثل المواد (7) و (10) و (11) التي تسمح للمجتمع
والأفراد بالتدخل لحماية الأعراض والآداب العامة وتكريس الأحادية الثقافية. 


وكان من الطبيعي جدا أن تستدعي هذه المباغتة السياسية
الشمولية ردود أفعال واسعة وغاضبة من قبل كافة ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في
مصر ضد المحاولة الجديدة “لتسلل” حركة الاخوان المسلمين الحاكمة الى
“القلب النابض” لعرش مصر. حيث خرجت جموع غفيرة من الجماهير في تظاهرات
مليونية تطالب بالغاء الاعلان الدستوري، يتقدمها رموز أقطاب المعارضة والحركات
والمكونات السياسية المصرية، وحيث استعاد ميدان التحرير رمزيته المكانية التي
انطلقت منها ثورة 25 يناير، ولكأننا أصبحنا اليوم أمام ثورة في الثورة. 


لقد أخطأ الرئيس الدكتور محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين
التقدير، فعوضا عن توجه الرئيس باعتباره ممثلا للشعب وليس لجماعة، الى ميدان
التحرير لمخاطبة الجميع، فقد توجه عوضا عن ذلك الى شرفة قصر الاتحادية ليلقي خطابا
حماسيا مليئاً بالتحدي أمام أنصاره من الاخوان المسلمين الذين تجمعوا أمام القصر
للهتاف باسمه وباسم الاعلان الدستوري. أيضا كان بامكانه أن يستفيد من تجربة اقالته
السابقة للنائب العام عبدالمجيد محمود قبل أن يضطر تحت الضغط للتراجع عن قراره،
بأن يعالج هذا الموضوع بطريقة شفافة وديمقراطية بالتفاهم مع مجلس القضاء الأعلى
بدلا من اللجوء ثانيةَ الى نفس اسلوب حكم الفرد التعسفي. ولأن الخطأ يجر الخطأ،
فلقد استبق الرئيس صدور حكم محكمة المحكمة الدستورية العليا الذي كان مقررا له يوم
الأحد 2 ديسمبر/كانون أول 2012 بشأن مدى دستورية اللجنة التأسيسية المكلفة اعداد
الدستور ومدى شرعية مجلس الشورى الذي يهيمن عليه الاخوان، وكذلك تحديد محكمة
القضاء الاداري يوم الثلاثاء 4 ديسمبر/كانون أول لعقد أولى جلسات دعوى قضائية
تطالب بوقف الرئيس المصري محمد مرسي عن العمل وتعيين رئيس المحكمة الدستورية
العليا رئيسا مؤقتا للبلاد الى حين اجراء انتخابات رئاسية جديدة – باستعجال
الانتهاء من اقرار مواد الدستور بسرعة مذهلة في اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور
لكي يتمكن من اقراره وطرحه بسرعة على الاستفتاء العام، وهو التدبير الذي اعتقد
الاخوان انه سيزيل عنهم الحرج الذي سببه لهم الاعلان الدستوري ويمكن بالتالي أن
ينزع فتيل الأزمة السياسية التي أدخلوا البلاد فيها. 


الذي حدث هو العكس تماما، وما كان متوقعا على أية حال حتى
من طلاب السنة الدراسية الأولى للعلوم السياسية. فلقد أدت اجراءات انشاء حالة
الأمر الواقع، الى مزيد من تصعيد الموقف والى استقطاب بالغ الحدة بين الاخوان
وجماهيرهم من جهة وبين بقية مكونات وفئات الشعب المصري من جهة ثانية – أدت الى
اعادة انتاج “طبيعية” لحالة الانقسام التي ظهر عليها المجتمع المصري
ابان لحظات حبس الانفاس التي سبقت اعلان الفائز بمنصب الرئاسة في الانتخابات
الرئاسية الأخيرة والتي جاءت نتيجتها فوز مرشح الاخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي
على أحمد شفيق الوزير السابق في عهد مبارك ورئيس الوزراء الانتقالي ابان الثورة.
ولكنه كان فوزا بطعم الانقسام، حيث تقاسم المرشحان تقريبا نسبة الأصوات المقترعة
مع فارق ضئيل جدا لصالح الدكتور محمد مرسي. 


بهذا المعنى فلقد كان حرىٌ بالدكتور محمد مرسي أن يضع هذه
الحقيقة نصب عينيه، وهي انه لم يحصل سوى على أصوات نصف المصريين المقترعين وانه
بالتالي لا يمثل سوى نسبة الخمسين في المئة تقريبا التي حصل عليها، وأن يتصرف على
هذا الأساس، بما يثبت للمصريين انه فعلا يمثلهم جميعا، كما كان تعهد بذلك، لا أن
يجيء تصرفه ليثبت به انه يمثل ارادة جماعة حصرية معينة هي جماعة الاخوان المسلمين
التي ينتمي اليها، وأن يواجه الواقع على الأرض لا أن يعتمد سياسة الهروب الى
الأمام. 


ثم ان الاستعجال الذي أظهره الرئيس ومن خلفه الدائرة الضيقة
في جماعة الاخوان التي تقدم له المشورة والتوجيهات، للاسراع في الاطباق على مواقع
السلطة بصورة متهافتة فاقعة، لم تترك أي فرصة للمتشككين في نوايا الاخوان لمراجعة
شكوكهم! 


اقرأ المزيد

اليسار وأولوية خوض المعارك الفكرية من أجل الديمقراطية و العلمانية والثورة الشعبية – غازي الصوراني


(1)


العلمانية بالنسبة لنا تعني على الصعيد النضال
الديمقراطي الثوري والمعرفي، تحرير العقل من المسبقات، والمطلقات، وتحرير
الفكر من كل الأوهام والخرافات وكل مظاهر ورواسب التخلف، وتحرير الإنسان
من العبودية والاستبداد والاستغلال، العلمانية ليست ضد الدين، لكنها ضد
الوثنية الدينية وضد سلطة رجال الدين وتدخلهم في حياة الانسان، إنها عملية
تاريخية او صيرورة تقدم في التاريخ والمعرفة، فالعلمانية لغوياً مشتقة
من العالم الدنيوي أو عالم البشر الذي يصنعون تاريخهم بأنفسهم، وهي بذلك
تقيم سلطة العقل والمنطق، وتعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها، وذلك هو
جوهر الحداثة التي لا ننكر أنها منظومة معقدة ومتشعبة، لابد من وعي جوهر
حركتها اللانهائية.
(2)
بالرغم من نضالنا من أجل تكريس الحريات
الفردية والحريات العامة والديمقراطية السياسية ، إلى جانب إيماننا العميق
بأولوية العلمانية في سياق التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في
مجتمعاتنا العربية، إلا أننا نرفض الوقوف عند حدود الديمقراطية السياسية ،
بمثل ما نرفض استخدام العلمانية بدون الديمقراطية ببعديها السياسي
والاجتماعي معاً، فالعلمانية والديمقراطية، بالنسبة لكافة قوى اليسار، هما
مفهومان مترابطان لا يجوز فصل أحدهما عن الآخر، لان استخدام العلمانية
وحدها يفتح الأبواب مشرعة أمام الاستبداد والتفرد بالحكم، وبالتالي فإن
التطبيق الإكراهي للعلمانية ، لا يعدو كونه مظهراً بشعاً من مظاهر
الاستبداد الدكتاتوري الفردي والشمولي ، من هنا يمكن تفسير فشل الأنظمة
الشمولية ذات الحزب الواحد ، وتفسير كراهية وحقد وتمرد جماهير شعوبنا على
أنظمة الاستبداد وعبادة الفرد أو الزعيم ، ومشاركتها في الانتفاضات الشعبية
العربية تحت شعار الحرية والعدالة والكرامة، بعيداً عن قيود الحاكم الفرد
المطلق أو الزعيم أو الحزب الواحد ، وبعيداً عن الفكرة الواحدة والشعارات
النمطية الواحدة التي قتلت روح الإبداع والحريات الفردية والعامة . 
كما أن استخدام الديمقراطية بدون ربطها بالعلمانية والقضايا الاجتماعية،
يعني إتاحة كل الفرص أمام قوى الثورة المضادة، وقوى التبعية والتخلف
والإسلام السياسي، لاستغلال عفوية الجماهير الشعبية الفقيرة وتوجيهها لحساب
الرؤى والسياسات الاقتصادية الرأسمالية التابعة بصورة ديماغوجية .
(3)
على
الرغم من التجربة القصيرة لحركات الاسلام السياسي في مصر وتونس ، إلا أن
القوى العلمانية الديمقراطية و اليسارية وقسم كبير من الجماهير الشعبية
اكتشفت زيفها وحقيقتها الطبقية والسياسية التي لا تختلف في جوهرها عن نظام
حسني مبارك وزين العابدين ، وزيف ما يسمى بـــــــ “الربيع العربي
“وبالتالي كان طبيعيا أن تشتعل ثورة الشباب وجماهير الفقراء من جديد .
فقد
بات من الواضح أن حركات الاسلام السياسي وكافة القوى الرجعية والبورجوازية
الرثة ( المدعومة من الامبريالية الامريكية)يتحركون في بلادنا داخل حلقة
دائرية تعيد انتاج التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتجدده، في محاولة
منهم التهرب من تحدي الحداثة والنهضة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية
الثورية والتقدم بالعودة إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات الأصولية
إعادة زراعته وإنتاجه باسم وأوهام ما يسمى بـــــــــ” الربيع العربي “
عبر شكل ” جديد “من أنظمة الاستبداد والتبعية والعمالة والتخلف والاستغلال
الطبقي ، في قلب عفوية الجماهير الشعبية، ما يؤكد على أن الأساس في هذه
الحركات هو دعوتها إلى معالجة القضايا المعاصرة، الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية والثقافية ، عبر منطق تراجعي، من خلال الدعوة للعودة، بحسب ادعاء
هذه الحركات، إلى الماضي بذريعة العودة إلى أصول الإيمان والاعتقاد.
وهنا
بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تستدعي من القوى اليسارية الثورية في
كل بلد عربي، تركيز أهدافها ومهماتها النضالية، السياسية والمجتمعية،
باتجاه تغيير وتجاوز هذا الواقع ، وان تتحمل مسؤولياتها الكبرى، في كونها
تشكل في هذه المرحلة طليعة الحامل السياسي الاجتماعي الديمقراطي لعملية
التغيير الثوري ، من أجل تغيير الواقع الراهن وتجاوزه وتحقيق تطلعات وأهداف
جماهير الفقراء من العمال والفلاحين وكل المظلومين والمضطهدين .
(4)
الثورات الشعبية العربية تشتعل من جديد لتصنع ربيعها……
ما
يسمى بالربيع العربي لم يجلب للجماهير الشعبية العربية سوى مزيد من
الاستبداد والاستغلال والتخلف ، والمزيد من تأثير القوى اليمينية
الليبرالية الرثة وقوى الإسلام السياسي والسلفيين خصوصاً، ما يعني عودة
ادوات الظلم والظلام بلباس جديد لاعادة تشكيل بلدان النظام العربي في إطار
أشكال جديدة من التبعية للسياسات الأمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من
خلال القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة ، الجيش ورجال
الأعمال والكومبرادور وبقية اشكال الراسمالية الطفيلية المعادية لتطلعات
الشباب الثوري و جماهير الفقراء من العمال والفلاحين وكل المضطهدين، وهو
أمر غير مستغرب عبر قراءتنا لدورها السياسي ومصالحها الطبقية ، وهو دور
مرتبط بوظيفتها الخاصة، الذي نلخصه في ابقاء حالة التخلف والتبعية للنظام
الامبريالي ، إذ أن هذه القوى الطبقية كانت وستظل حريصة على إعاقة ربيع
الثورة وتعطيل و تبهيت الصراع الطبقي ، وهي بالتالي تعمل دوماً على إرجاع
مسيرة الثورة الشعبية إلى الوراء، فهي ضد التنوير وضد الحداثة وضد
الديمقراطية وضد الاشتراكية والصراع الطبقي الثوري ، انطلاقاً من
ارتباطاتها التاريخية بالإقطاع والأنظمة الملكية والبورجوازية التابعة بكل
أنواعها ، ما يؤكد استعداداها لمهادنة الامبريالية والتعاطي معها …لكن
صيرورة الثورة الشعبية لن تنطفىء ، بل ستشتعل من جديد معلنة بداية ربيعها
الثوري الديمقراطي القادم لا محالة .
(5)
الحراك الثوري العربي في اللحظة الراهنة 
في
ضوء متغيرات الوضع العربي الراهن ، وخاصة تزايد الحراك الثوري الديمقراطي
ضد انظمة الاسلام السياسي ، من المهم ان ندرك ، بصورة واضحة، طبيعة الفرق
الجوهري بين نشأة »الرأسمالية« في العالم الثالث، والرأسمالية في البلدان
الغربية. ففي الغرب، بنت الرأسمالية قوتها الاقتصادية أولاً، ثم استولت على
السلطة السياسية. أما في دول العالم الثالث، فالاستيلاء على السلطة يتم
أولاً ثم يجري الحديث عن »بناء القوة الاقتصادية«، بما يعزز القاعدة
المتبعة والمتداولة في العالم الثالث التي تقول أن السلطة مصدر الثروة ،
وبالتالي فإن الفجوة بين الإطار الضيق لأصحاب السلطة المستبدة التي فقدت
وعيها الوطني وسقطت رموزها أو طرابيشها ) حسني مبارك / زين العابدين بن علي
/ القذافي وغيرهم على الطريق ) دون ان تتغير الفجوة من جهة، والإطار
الواسع للجماهير الشعبية الفقيرة من جهة أخرى، ظاهرة قابلة للتزايد
والاتساع في مشهد الاسلام السياسي عبر إعادة إنتاج الاستبداد في سياق
التراكم المتصاعد للثروة -ذات الطابع الطفيلي عموما ، مما أدى إلى تزايد
أعداد الجماهير الفقيرة المقموعة والمضطهدة تاريخياً،والتي تتعرض اليوم إلى
مواجهة أوضاع لا تحتمل، وبالتالي فان قطاعات منها تصبح مهيأة للثورة من
جديد، مع بروز أشكال حادة من الصراعات التي قد تتخذ طابعا عنيفا و دمويا
سواء ضد أنظمة الاسلام السياسي أو مع ما تبقى من أنظمة الاستبداد والتخلف ،
ما يعني بوضوح شديد استنهاض الثورة من جديد رغم التضحيات الجسام … لكن
الآمال العظيمة في تحقيق الديمقراطية ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية
الثورية بآفاقها الاشتراكية لن تتحقق إلا من خلال التضحيات العظيمة.                                     


اقرأ المزيد

مصر أكبر



زعيم الحزب هو من يكتفي بمخاطبة حشد من أعضاء حزبه وأنصاره، فيصفقون له، ما شاء له أو لهم التصفيق، وأن يشقوا بحناجرهم عنان السماء وهم يرددون اسمه صارخين: يعيش . . يعيش، أو حسب الشعار العربي الأثير: بالروح . . بالدم نفديك .


أما حين تحمل صناديق الاقتراع الزعيم الحزبي إلى رئاسة الدولة، فإنه يكف، أو يجب أن يكف، عن أن يكون مجرد زعيم لحزب أو جماعة، وإنما يتحول إلى زعيم للأمة بمختلف أحزابها وميولها واتجاهاتها . حين انهزم المرشح الجمهوري الأمريكي أمام باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قال: إن أمتنا اختارت أوباما رئيساً، ودعا الأمة إلى إعادة التوحد حول الرئيس الفائز، ومثله فعل أوباما الفائز الذي خاطب الأمة كلها بصفته رئيساً لها كلها .


لقد تحدث عن الأمة، لا عن الحزب ولا عن العشيرة على نحو ما فعل الرئيس مرسي، الذي أدخل إلى القاموس السياسي المصري، بمفردة العشيرة، تعبيراً نافراً عليه، غريباً عن مصر وتقاليدها، هي التي حولها جمال عبدالناصر إلى أمة من المواطنين، .


الإخوان المسلمون في مصر يريدون أن يقزموا مصر الكبيرة العظيمة على مقاس حزبهم . في البلدان غير الديمقراطية حين يريد الحاكم تعطيل الدستور وحكم القانون فإنه يصدر مراسيم بقوانين، لكن الإخوان أتوا بسابقة بزوا بها كل من سبقهم ومن سيليهم: إعلان دستوري بكامله، حصنوا بموجبه قراراتهم التي أصدرها الرئيس بوجه أي مساءلة، وتطاولوا على القضاء، وهو في مصر قضاء مشهود له باستقلالية لا مثيل لها في عالمنا العربي، وأوشكوا أن يطبقوا على كامل مفاصل المجتمع، لا الدولة وحدها .


صحفية مصرية شابة كتبت على صفحتها على “الفيسبوك” تقول: “فقط 25% من أصوات المصريين حصل عليها الدكتور مرسي في المرحلة الأولى من الانتخابات، وهذه ملايين تستطيع أن تملأ بها الساحات، لكنها ليست مصر، أضيف إليها أصوات السلفيين الذين يقبلونه وإن كانوا يفضلون رئيساً أكثر تشدداً، لكن مجموعهم معاً لم يضمن أغلبية رغم أنهم ملايين، فكانت الاستعانة ببعض قوى الثورة التي أخذت تعهدات مكتوبة على الرئيس بمشاركة الجميع ومدنية الدولة وتحقيق أهداف الثورة، وكل هؤلاء لم يضمنوا فوزاً ساحقاً، كل هؤلاء لم يكونوا مصر . مصر أكبر” .
اقرأ المزيد

وجها مراكش



حثتني مراكش على أن أعود لقراءة ما كتبه عنها جورج أوريل الذي أتاها في نهاية ثلاثينات القرن العشرين، متفرغاً لكتابة إحدى رواياته . 


هناك كتب مقالته “مراكش 1939”، التي لم يصف فيها الوجه الجميل للمدينة، وإنما اختار أن يتحدث عن أزقتها الخلفية حيث المقابر والمتسولون والباعة المتجولون والذباب والسحرة الذين يفترشون ساحة جامع الفناء الشهيرة في قلب المدينة العتيقة، وآلاف الفقراء الذين لا يملكون سوى أسمالهم، وعن يهود المدينة المتوشحين في ثياب طويلة وقلنسوات ضيقة سوداء اللون، يعملون في مقصورات معتمة وموبوءة بالذباب  تتراءى ككهوف . 


أكان أوريل، وهو يكتب عن المدينة، خالياً من نزعة الاستعلاء الاستشراقي الغربي، أم أنه كان يصف بصدق ما يراه، حين أخفق في الإفلات من المقارنة بين شمال أوروبا حين تقترن صورة الحقل بالفلاح الذي يحرث فيه، وبين أي مكان جنوب جبل طارق، حيث ترى كل شيء إلا البشر، وحيث لون بشرة الفلاح هو لون الأرض نفسه . 


ماذا تعني المغرب لفرنسي، يتساءل أوريل: “بستان برتقال أو عمل في سلك الخدمة الحكومي، أو ماذا تعني لإنجليزي: جَمال وقلاع وشجر النخيل  وأعضاء فيالق أجنبية وصواني النحاسيين وقطاع الطرق . بإمكان المرء على الأرجح العيش هنا لسنوات من دون أن ينتبه أنه بالنسبة لتسعة أعشار من الشعب واقع الحياة هو صراع لا ينتهي وكاسر للظهر في استخلاص قليل من الطعام من تربة متآكلة” .


هناك وجه المدينة الآخر الذي لم يَره أوريل أو لم يشأ، فهي المدينة التي يعشقها أثرياء فرنسا الذين جعلوا منها مدينة إقامتهم بعد أن يتحولوا إلى المعاش، والمنتجع الذي يقضون فيه عطل أعياد الميلاد ورأس السنة وأيام نهاية الأسبوع، وعليها  تتوافد كبار الشخصيات السياسية والمالية الفرنسية، الذين يملكون في أحيائها الراقية الفلل الفاخرة والرياض الغناء والضيعات الشاسعة، فيما تعج أطراف مراكش بالفئات المحرومة من الحقوق والرعاية . 


في مراكش، كما في كل مدن المغرب، فاز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية، مستفيدين من فوز نظرائهم في مصر وتونس، لكن برأي مؤلفي كتاب جديد عنوانه: “باريس مراكش  المغرب آخر مستعمرة فرنسية”، هما  علي عمار وجان بيير توكوا، فإن هذا الفوز محدود ولن يؤثر في الطبيعة المنفتحة للمجتمع، ثم إن الإسلاميين أظهروا أنهم براغماتيون بما فيه الكفاية .
اقرأ المزيد

لن نلزمكم إلا بما ألزمتم به أنفسكم

حسناً، لن نطلب منكم الكثير لتثبتوا أنكم الوطنيون الأكثر غيرة على
الوطن وأبنائه، وأنكم المعارضة الرشيدة التي تضع المصلحة الوطنية والحفاظ
على مقدرات الشعب وثرواته على سلم أولوياتها، وأنكم تؤمنون بأن الحق يقضي
بالتوزيع العادل للثروة، وأن المواطن يجب أن يحظى بجميع الحقوق التي ضمنها
له دستور البلاد من أن يعيش بحرية وكرامة وأن يحظى بمسكن لائق، وعمل يكفيه
وأسرته حاجة السؤال، وأن يحظى هو وأبناؤه برعاية صحية وتعليم مناسب.

لن
نطلب منكم الكثير لتثبتوا أن جميع القوى المعارضة في البحرين، بما فيها
القوى اليسارية والعلمانية، ما هي إلا جمعيات وشخصيات طائفية، خانت وطنها
وأصبحت عميلة لقوى أجنبية، وأن دعوتها للاحتجاج على الوضع الراهن، ما هو
إلا مشروع لضرب الاقتصاد الوطني.

لن نطلب منكم الكثير، وأنتم تمتلكون
الآن جميع الإمكانيات والمؤسسات الرسمية والأهلية والأدوات الدستورية
والقانونية. ولديكم عدداً لا بأس به من الوزراء. وأغلب أعضاء مجلسي الشورى
والنواب أعضاءٌ في جمعياتكم. وجميع وسائل الإعلام من صحافة وتلفزيون
وإذاعة. ولديكم منابركم الدينية. وتملكون نقاباتكم واتحادكم العمالي.
وتتبعكم جمعيات سياسية وأهلية، استوليتم عليها كغنائم حرب.

لن نطلب
من جمعياتكم السياسية أن تطرح مشروعاً للمصالحة الوطنية. لن نطلب من
برلمانكم أن يشكل لجاناً للتحقيق ومحاسبة من تسبب بالانتهاكات التي وثقها
تقرير بسيوني. لن نطلب من كتَّابكم الدعوة للقضاء على الطائفية. لن نطلب من
منابركم الدينية قول كلمة الحق، ولن نطلب من إعلامكم التوقف عن شتم وتسقيط
الناس.

لن نلزمكم إلا بما ألزمتم به أنفسكم، لقد هددتم وتوعدتم
باستجواب أربعة وزراء تكررت مخالفات وزاراتهم وتجاوزاتها للأمانة والمال
العام، حسب ما أورده تقرير الرقابة المالية والإدارية، والذي أشار إلى أن
مجموع مبالغ المخالفات التي رصدها الديوان في تقريره للعام 2011 بلغت أكثر
من 141 مليون دينار، وقلتم بأن أغلب الوزارات قد تكررت مخالفاتها، وإنكم
جادون في استجواب وزرائها، هذه المخالفات وغيرها قُدمت لكم على طبق من ذهب،
وكل ما استطعتم فعله هو رفع أصواتكم بالتنديد والوعيد في حين أهدرتم
الكثير من الفرص، فحتى الآن لم يستجوب مسئول واحد حول المخالفات التي
تضمنها تقرير ديوان الرقابة للعام 2010، حتى أن نوابكم لم يستطيعوا إنهاء
مناقشته حتى الآن.

فإن استطعتم استجواب، ولو وزير واحد فقط من هؤلاء
الوزراء الأربعة، ونقول استجوابه فقط، وليس إدانته أو سحب الثقة منه،
فعندها سنقول إنكم صادقون مع أنفسكم وشارعكم، وأنكم بالفعل معارضة رشيدة
تغلّب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد