المنشور

هل فات أوان المصالحة؟

في ضوء المجريات الراهنة، والمشهد الداخلي في البلد، ليس من قبيل
المبالغة القول إن حالة الجمود التي تطبع هذا المشهد؛ تجعل الجميع يدور في
حلقة مفرغة وقاسية، بحيث لا أحد يعرف إلى أين سوف تقودنا هذه الأوضاع التي
تقف على مفترق طرق سياسيّاً واجتماعيّاً وأمنيّاً. فكلما تضاءلت فرص الحلول
السياسية؛ كان ذلك مدعاةً لمزيد من الخلافات وتعمقها بين السلطات وبين
القوى السياسية المطالبة بالتغيير والإصلاحات من جهة، وبين القوى والأطراف
السياسية على اختلاف مواقفها وتوجهاتها من جهة ثانية.

ومعنى ذلك
استمرار الحراك الشعبي وتصاعده، وأيضاً استمرار اعتماد الدولة على الخيارات
الأمنية في التعامل مع هذا الحراك، وهو ما يعني تعمق المأزق الراهن،
وتزايد حالات التوتر والتجاذب السياسي، والاحتقان الطائفي. وهكذا سوف يجد
الكل نفسه أمام حالة معقدة تختلط فيها الأسباب بالنتائج، وتتحول معها
البلاد إلى بيئة صانعة للأزمات وطاردة للاستقرار، وكلما أراد البلد تفكيك
خيوط أزمة معينة والبحث عن حلول لها وجد نفسه غارقاً في أزمة جديدة.

لكل
هذه الأسباب؛ فإنه لا سبيل لوقف هذا التناسل للأزمات، والاندفاع نحو
المجهول، سوى كسر حالة الجمود الراهنة، وهذه مسئولية الدولة في المقام
الأول؛ لأنها تملك القدرة والقرار على تقديم مبادرة سياسية ترتكز على
إصلاحات جوهرية، من شأنها أن تسهم في تغيير المعادلة السياسية وتستجيب
للمطالب وللمظالم الشعبية، السياسية منها والاجتماعية.

أما مسئولية
القوى السياسية؛ فإنها مطالبة بقراءة الوضع الراهن قراءة صحيحة وبعناية
للتوصل إلى الاستنتاج الصحيح والموقف الوطني الصائب والمسئول، وهو الموقف
الذي يجب أن ينطلق أساساً من المصلحة العامة، والحرص على ترميم أوضاع البلد
بعد التصدع الذي تعرض له وحمايته من الانتكاسات والعواصف الإقليمية
المتوقعة.

والشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤمّن حائط صدٍّ للبلد من هذه
المخاطر؛ هو إنجاز تسوية سياسية تأريخية بين كل شركاء الوطن، والاستعداد
لتقديم تنازلات متبادلة مهما تكن مؤلمة، ويمكن للدولة من خلال مبادرتها أن
توفر مظلة وطنية جامعة وتؤمن فرص نجاح المصالحة الوطنية المطلوبة.

فلم
يعد خافياً أن الوضع الإقليمي يغلب عليه اليوم مناخ الصراعات وأجواء الفتن
الطائفية، والتي يراد لها أن تكون صراعاً «سنيّاً شيعيّاً»، والذي تعمل
قوى إقليمية ودولية على تأجيجه وتوظيفه لخدمة مصالحها ومشاريعها بأدوات
محلية في هذه الدولة أو تلك. وهو نزاع تشهده المنطقة للمرة الأولى بهذه
القسوة والشراسة، وكان من نتائجه المؤسفة بعض الخصومات السياسية الاجتماعية
التي بلغت حد الفجور.

وهذه حقائق قائمة يجب علينا عدم إنكارها أو
تجاهلها، والاختباء خلف بعض الشعارات والعبارات الجميلة البراقة مثل «قيم
التعايش» و»المجتمع الواحد»، فالواقع أن هذه الوحدة قد ضربت في مقتل، وإن
قيم وأسس التعايش قد مسها «قرح» شديد.

وفي ضوء هذه الوقائع المريرة،
والظروف الموجعة؛ فإن كل ما نتمناه أن يكون تحرك كل الأطراف إيجابيّاً
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن نجد أنفسنا ومعنا البلد كله، غارقين في
«فائض» الصراعات الطائفية المشتعلة في العديد من الأقطار العربية، والتي
تأخذ أبعاداً خطيرة باتت تهدد وحدة ووجود هذه الأقطار، وعندها سوف تجد جميع
الأطراف المتصارعة نفسها وقد تحوّلت إلى مجرد أوراق في هذه الصراعات
الإقليمية ولعبة المساومات فيها.

ولم يعد هناك مجال للشك في أن مثل
هذه المناخات هي التي توفر البيئة الحاضنة للفئات والعناصر المتطرفة، وتسهل
اختراقها لبعض المجالات والمواقع في الساحة الوطنية، وتمكنها بالتالي من
فرض أفكارها الظلامية وسياساتها الظالمة. وما حصل في البحرين في أعقاب تفجر
الأزمة السياسية يمثل نموذجاً صارخاً ومفجعاً لهذه الحالة، وقد رأينا مع
بدء طأفنة الصراع السياسي، كيف طالت تلك السياسات والقرارات المجحفة أرزاق
وحياة ومستقبل الكثير من المواطنين، بعد أن أطلقت تلك القوى المتطرفة
العنان لغرائزها الانتقامية وأحقادها الطائفية، وبعد أن أسقطت من حساباتها
كل قيم التعايش الأخوي وداست بأقدامها كل المبادئ الإنسانية، وراحت تبتلع
الدولة بكل مؤسساتها ومفاصلها غير عابئةٍ بكل التداعيات الخطيرة لمثل هذه
السياسة.

وعلى رغم كل هذه الجراح الغائرة والصورة القاتمة؛ فإننا لم
نفقد الأمل يوماً في إيجاد مخرج لهذه الأزمة المستعصية، بل كنا نرى أن
البحرين باستطاعتها دوماً تقديم نموذج بالضد من هذا المناخ المتأزم
سياسيّاً والمحتقن طائفيّاً، وإن أبواب الحل لم توصد، وإن طريق المصالحة
سيبقى سالكاً متى ما سمح للعقل والحكمة أن يتغلبا على «الجنون السياسي»
و»السعير الطائفي»، اللذين يتحكمان بقرارات وحسابات بعض القوى السياسية.

نقول
ذلك وليس لدينا أوهام حول مدى وعمق الخلافات التي هي اليوم سبب هذا
الانقسام والتباعد في المواقف بين القوى السياسية والخروج من المتاهة
الطائفية، كما ندرك جيداً أن بعض هذه القوى ليس بمقدورها تغيير مواقفها بين
ليلة وضحاها بعد أن عبأت الشارع بصورةٍ انفعالية، وشحنته بهستيريا طائفية
لم يعتدها مجتمعنا من قبل، عندما قامت بصب الزيت لتسعير الصراع المذهبي،
وراحت تكرّس خطابها الإعلامي بوحي من هذه الغرائز المنفلتة والمدمرة، التي
كان من نتائجها مزيدٌ من التباعد واتساع الخنادق، ورفض الأيدي الممدودة
للحوار والمصالحة. لذلك فإن أي تراجع أو مراجعة لمثل هذه المواقف المتصلبة
من جانب هذه القوى سوف تبدو وكأنها تنازل للطرف الآخر.

وهذه النظرة
القاصرة التي تفتقر إلى الأفق السياسي الرحب والشجاع، هي التي تفسر غياب
هذه القوى على مستوى الفعل السياسي الحقيقي واقتصار حضورها على صعيد ردود
الفعل فقط، فهي عاجزة عن تقديم أية مبادرة سياسية تحدّد فيها رؤيتها للحل،
لكنها تقيم الدنيا ولا تقعدها لمجرد أن القضاء خفف بعض أحكام المعتقلين
السياسيين، ولا تجد أية غضاضةٍ في اتهام القضاء بـ «عدم النزاهة» و«خضوعه
للضغوط السياسية»، عندما تخالف أحكامه أهواءها الطائفية.

مع كل هذه
الوقائع التي باتت واضحة للقاصي والداني، لا يجب علينا الاستسلام، وكأن ما
هو قائم اليوم قدر محتوم لا سبيل للفكاك منه، بل على العكس، يجب أن يكون
حافزاً لنا ودافعاً لمضاعفة الجهود والتحرك في اتجاه كل الأطراف للبحث عما
يجمع أو يكون عاملاً مساعداً يمكن الانطلاق منه لتحريك المياه الراكدة
وإنعاش الضمائر النائمة، لأن الركون إلى السلبية والتفرج على ما يحصل؛
معناه ترك الوطن في انقساماته العميقة، بانتظار الفتنة. ومعناه ترك الساحة
لحطابي المحرقة يزيدونها اشتعالاً، لنصحو يوماً نبحث عن وطن أو بعض وطن فلا
نجده.

لذلك سنبقى دائماً، على رغم قتامة المشهد، نعوّل على المواقف
الوطنية العاقلة والموزونة، وسوف نستمر في مطالبتنا للدولة بإعادة النظر في
سياساتها الراهنة، والشروع في اتخاذ الخطوات الصحيحة والجريئة وفتح أبواب
الحلول السياسية.

أما القوى والأطراف التي تجد نفسها أسيرةً لمواقفها
السلبية، وأسيرة للعناد والمكابرة، عليها أن تعي أن التسلط السياسي
والطائفي والتمسك بالنهج الإقصائي لا يمكن الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية.
وعليها أن تدرك أيضاً أن سياسات العزل والاستحواذ التي سمحت بها بعض الظروف
غير المتوازنة وغير العادلة، لم تعد ممكنة أو نافعة بعد اليوم في ظل
المتغيرات والتوجهات السائدة في المنطقة والعالم، مع تشكل واقع سياسي
واجتماعي جديد ضاغط في اتجاه الحريات والحقوق السياسية والاجتماعية، ونشوء
مستويات عالية من الوعي السياسي والحقوقي والاجتماعي عند المواطنين، وسقوط
حاجز الخوف لديهم، ما يعني استحالة العودة إلى الماضي المثقل بالقيود
والتجاوزات والمظالم، حتى لو تم الذهاب بالخيارات الأمنية إلى أبعد مداها.

لذلك؛
فإن أقصر الطرق وأسهلها لوقف حالة الاستنزاف التي يعاني منها البلد
حاليّاً، هو التجاوب مع حقوق الناس، وليس من سبيل إلى هذا الطريق سوى صعود
القطار المتجه إلى المستقبل، والدخول إلى عالم المواطنة والديمقراطية التي
تحترم كل الأطياف والمكونات وتعترف بحقوقها، وهذا يتطلب إعادة التوازن
المفقود إلى المعادلة السياسية والاجتماعية القائمة، وتهيئة سبل المصالحة
الوطنية عن طرق الحوار. نعم، الحوار الحقيقي والصادق والشفاف، وليس الزفّات
أو الحفلات الإعلامية التي تقرع فيها الدفوف ويحرق فيها البخور وحصليتها
تقارب العدم.

محمود القصاب
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

التابع والمتبوع



لتقريب
صورة البلد التابع للبلد المتبوع يُشبّه الدكتور جلال أمين الأمر بحال شخص
يجلس في مقعد القيادة في هيكل قديم لسيارة خالية من المُحرك، وقد ربطت
بحبل بسيارة حقيقية في المقدمة، متسائلاً ما الذي يستطيع أن يفعله هذا
الشخص سوى أن يرجو ويتمنى أن يقوده سائق السيارة الحقيقية في الطريق
المنشود .


لا
حاجة إلى الشرح أن من يقود السيارة الحقيقية هو الدول الكبرى التي تجر
وراءها حشداً من الدول التابعة التي لا تملك السيطرة على مصيرها، حيث جل ما
تستطيعه هو التمني، إذا ارتضت البقاء في حالة التبعية، والتمني غير
التخطيط، ففي الحالة الأولى تكون في موقف المتفرج مكتوف اليدين، أما في حال
التخطيط للمستقبل فأنت الفاعل الحقيقي الذي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي
في تشكيل هذا المستقبل .


ما
أكثر ما يثار تساؤل عن مدى صدقية الحديث عن التبعية أمام طوفان العولمة
التي هَدّت الكثير من الأسوار والحواجز، حيث لم تعد الهيمنة تنحصر، كما
كانت في مراحل سابقة، في صيغة الاستعمار بمفهومه التقليدي، من حيث هو
مصادرة للقرار الوطني المستقل للبلدان الخاضعة له، وإخضاعها بالقوة في
معناها العسكري المباشر .


مع
نهاية الثنائية القطبية راجت نظريات تُبشر بما دعته أفول السيادة، حيث لم
يعد من الجائز الحديث عن استقلال الدول في عالم قائم على الاعتماد المتبادل
بين أطرافه المختلفة . وإذا ما وضعنا النوايا الحسنة جانباً، لأنها نوايا
لا يُعتدّ بها في عالم السياسة الدولية، فإننا يمكن أن نقرأ في هذه
الأطروحات تسويغاً للأشكال الجديدة للهيمنة، فحدود العلاقات الدولية مازالت
تُرسم لا على قواعد التكافؤ، وإنما وفق قواعد إخضاع الضعيف من قبل القوي .


يتحدث
مؤلفا كتاب “ما العولمة” عن مفهوم مُبتكر بعض الشيء، يُطلقان عليه
“السيادة الجديدة”، رغبة منهما في الذود عن مفهوم السيادة وعدم التنازل عنه
أمام طغيان ما هو عالمي، من خلال إعطاء الدولة أدواراً جديدة .


ثمة
شروط لذلك يضعانها، بينها واحد أحسب أنه يعنينا نحن العرب كثيراً، فحواه
أن الدولة إذا كانت على درجة صادقة من الديمقراطية، تمتلك، بموجبها، شرعية
تمثيل المواطنين فيها، بما يقوي الجبهة الداخلية للبلد المعني، فإنها تكون
محُصّنة بوجه الاختراقات الماثلة التي قد تبلغ حد تفكيك الأوطان، وإعادة
رسم حدودها، على نحو ما رأينا وما قد نرى .
اقرأ المزيد

العمال والطائفية: وحدةُ المصنع


تتكرس الوحدة الوطنية ليس في الشوارع بل في المصانع أساساً.





المصانعُ هي الخلية الرئيسية لإنتاج الوحدة الوطنية والعقلانية السياسية.





العلاقات الصراعية بين الرأسماليين والعمال تؤدي تاريخياً لتأطيرها ضمن
الوحدة الصراعية، وبدونها تتعرض المجتمعات والتجارب السياسية للتمزق والفشل
والعودة مجدداً إليها.






إن أرباب العمل لا تدفعهم إلى المشروع الصناعي نزعاتٌ خيرية بل البحث عن أرباح متصاعدة وسريعة لو أمكن.





إن أوضاعَ السوق والمتاح المفيد من المشروعات هي المحركات السريعة
للمخاطرة برأسمالهم، وهذا الوعي المباشر النفعي هو ما يتكرس غالباً وطويلا
في الفهم التجاري السائد، وكلما كانت دورةُ رأسِ المال سريعةً ومفيدة
وخالية من المخاطر الاجتماعية والسياسية كان ذلك هو الأفضل.






أما تغيير
الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاهتمام بطبيعة العمال الفكرية والوطنية
فهي خارج الوعي النفعي المباشر، ولكن تلك الأوضاع وطبيعة العمال الوطنية هي
أمور جوهرية تؤثر في مصائر المصنع والحياة الاقتصادية عامة.






ورب العمل
الكائن الاقتصادي النفعي المباشر يتطور ويفهم الأوضاع التاريخية التي تؤدي
لازدهارِ بنية اقتصادية معينة وانهيار بنية اقتصادية أخرى.






فالعمال
ليسوا كمّاً بشرياً بل هم طبقةٌ شديدة الأهمية والضرورة للمصنع، وبدونها
وبدون تطورها وإعادة إنتاجها في الأجيال القادمة، لا آفاق تاريخية له.






تفجرت الأزماتُ الوطنيةُ والتاريخية في البلدان المختلفة حين تفجرت الأزمات
في المصانع بدايةً، فعملياتُ التسريحِ الواسعة، أو الاعتماد الكثيف على
العمال الأجانب بدون خطط للتطور الوطني، كانت هي المصادر الأساسية للأزمات
السياسية الطاحنة عبر العقود.






أرباب العمل في تسريحهم للعمال أو في تفضيلهم للعمال ذوي الأجور الشديدة الانخفاض الأجانب كانوا يلغون الوحدةَ الوطنية في المصنع.





هذه الأوضاع أدت للقلاقل الاجتماعية السياسية الطويلة وغالباً ما يرون
الربيع العربي بدون هذه السببيات الجوهرية. فقد اختلت الوحداتُ الوطنية على
مستويات المعامل والمناجم والممتلكات الحكومية الاقتصادية أساساً وفاضت
على المجتمعات.






المنجمُ يقدم مواد ثمينة للشركة الحكومية ويقدم أجوراً
شديدة الانخفاض للعمال وتقوم القوى الوسيطة: المقاولون والإدارات الحكومية
والبنوك الحكومية والخاصة، بالاستفادة الكبرى من الفوائض الاقتصادية، بحيث
تتحول المنطقة المنجمية أو الصناعية، إلى حزامِ فقرٍ وحين يتكاثر الأبناءُ
بدون قدرة على الدخول في المناجم والمصانع والاشتغال في مهن هامشية كما حدث
لبوعزيزي، فيؤدي ذلك لقيام قوى غير منتجة خاصة الأحزاب باستغلال الأزمة
والصعود للسلطات، ولكن المنجم يُتركُ في فقرهِ ولعدمِ تغيير العلاقات داخله
ويُطلب منه الاستمرار في الانتاج داخل نفس الخريطة الاقتصادية الاجتماعية
المتخلفة!






وذلك لأن عمالَ المنجم وأرباب العمل لم يتفاوضوا هم ويشكلوا
وحدةً سياسية وطنية ويحددوا دور المصنع أو المنجم في الحياة الاقتصادية
السياسية المشتركة وكيفية تطور الشبكة الصناعية العمالية التعليمية في
النطاق الوطني بأسره بحيث لا تعتمد على الوسطاء الطفيليين وبحيث تتكاثر
المصانعُ من خلال الفوائض النقدية ويتم تطويرها التقني المواكب للعصر.






الوحدة الوطنية هي من خلال هذا الصراع التوحيدي الرأسمالي العمالي فيقوم
انقسام الجماعاتِ على أساس موقعها في الانتاج وليس على أساس عقيدتها
الدينية، وعلى اختلاف مفاهيمها في كيفية توزيع الفوائض الاقتصادية، وكيفية
تطوير القواعد الاقتصادية الوطنية، ومحاربة البطالة والفقر وضعف المدارس
الصناعية وعادات البذخ والكسل والإدمان الجماهيرية، فثمة نقاط مشتركة وثمة
اختلافات، وهذا يجري عن طريق تيارات سياسية تبلور هذه الاختلافات وتعمل
أعمالاً مشتركة أو أعمالاً فردية في ظل الاختلاف الوطني التعاوني تحت قبة
البرلمان.






الوعي النفعي المباشر للطبقات يظهر من خلال النزعات العفوية
الصراعية المؤثرة على تطور المنتجين، وعبر تركِ قوى سياسية تستغللا هذه
الصراعات لمصالحها الذاتية، ولهذا فإن حزبي أرباب العمل والعمال يكونان
مهمين في حضورهما التاريخي القائم على إنتاج المعرفة الاقتصادية السياسية
الاجتماعية لكلا الجانبين، ولوجودِ المصانع ومستقبلها الاجتماعي والتقني
وعلاقاتها بالأسواق وبالمواد الخام المتجددة وعلاقاتها بالعلوم الطبيعية
والعلوم الاجتماعية وبتطور القوى المنتجة، وعبر الارتفاع عن هذا الوعي
النفعي المباشر لكلا الفريقين، هذا يهتم بأرباحه لأقصى درجة وذاك يهتم
بأجوره لأقصى درجة.


اقرأ المزيد

أي فريقٍ تُشجعون؟



سألتُ
سيدةً عربية متزوجة من عربي آخر، من غير جنسية بلدها، ماذا يكون موقفها في
حال تقابل فريقا بلدها وبلد زوجها لكرة القدم في مباراة فاصلة أو حتى غير
فاصلة؟ مع أي فريق ستكون مشاعر التأييد لديها، هل ستميل بحكم زواجها
وانتماء أبنائها إلى جنسية والدهم لمصلحة فريق بلد الزوج متمنية فوزه، أو
أن مشاعر الانتماء إلى وطنها الأم ستكون أقوى، وستعبر عن تشجيعها لفريق
بلدها وتتمنى فوزه؟ ولم تتردد هذه السيدة في الإجابة، بل قالت على الفور
وبمنتهى العفوية: سأشجع فريق بلدي الأصلي طبعاً .


خطر
في ذهني توجيه هذا السؤال للسيدة العربية بعد مطالعتي رؤية وردت في كتاب
يعالج مسألة الهويات، قدَّمها أحد لوردات بريطانيا يدعى اللورد تيبيت
المُصنف بأنه من المحافظين الذين لا يروق لهم ما تشهده بريطانيا من تنوع في
الهويات ناجم عن هجرة بعض الجاليات، خاصة الآسيوية إليها وإقامتهم الطويلة
فيها، وبالتالي تمتعهم بحقوق المواطنة كاملة .


وعُرفت
هذه الرؤية ب”اختبار الكريكيت”، وحسب اللورد المذكور فإن آية المهاجر
المندمج في النسيج والثقافة البريطانيين هي أن يشجع فريق الكريكيت
البريطاني في حال تواجه مع فريق البلد الذي أتى منه المهاجر: الباكستان
مثلاً، ويترتب على هذا الاختبار نتائج مهمة، فمن يثبت من المهاجرين تأييده
للفريق البريطاني يعامل كمواطن بريطاني مندمج، فيما سيكون الخيار قاسياً
أمام المهاجر الآخر الذي غالبتهُ نزعته الوطنية الأصلية فوجد نفسه مشجعاً
للفريق الآتي من البلد الذي إليه ينتسب هو أو والداه من قبله .


ما
يغفل عنه هذا اللورد هو أنه مضى الوقت الذي يمكن التعامل فيه مع أي مجتمع،
في أوروبا أو في غيرها، على أنه مجتمع صافٍ، فالهوية الشاملة للمجتمعات
تغتني بروافد جديدة، يمكن أن يسميها بعض المتعصبين دخيلة، ولكنها مع الوقت
باتت عنصراً مكوناً للنسيج الثقافي للمجتمع، الذي يشمل كافة أشكال التعبير،
بما فيها المطبخ المحلي، الذي اغتنى بطبخات ووجبات جلبها المهاجرون معهم،
ولكنها سرعان ما دخلت في المطبخ الوطني للبلد المعني، ومن ذلك أن هيئة
السياحة البريطانية ضمت الكاري الهندي مثلاً إلى قائمة المأكولات
البريطانية الأصلية .


الهُجنة،
من حيث هي تداخل الأجناس واختلاط الأنساب والدماء، وتفاعل واغتناء
الثقافات بعناصر بعضها بعضاً، ليست أمراً جديداَ في التاريخ الإنساني، لكن
المؤكد أن العولمة سرعت وتائرها بشكل غير مسبوق .
اقرأ المزيد

ماذا نعرف عن عمالنا الأجانب؟



يقودنا الحريق الذي وقع في حي المخارقة بالمنامة، وأدى
إلى وفاة وإصابة نحو عشرين عاملاً، إلى التبصر في أحوال ومعاناة العمال الأجانب
المقيمين بين ظهرانينا، ويشاركونا العيش والعمل على هذه الأرض، وقد كُتب وقيل
الكثير عن أمر التركيبات السكانية في مجتمعات الخليج، وآثار هذه الفسيفساء البشرية
من الأعراق والأديان واللغات في تكوين صورة المدينة الخليجية المعاصرة التي تبدو
في حالة “انتقالية” دائمة بسبب وتائر التحولات الديموغرافية والعمرانية
في شكلها الخارجي والحراك في نسيجها الاجتماعي، وهي حالة تبدو استثنائية في إطار
التحولات في وجه المدينة العربية عامة في العقود القليلة الماضية.  


لكن ما لم يجر التمعن والتمحيص فيه كفاية هي
“العوالم” الخاصة للجاليات غير العربية، الآسيوية خاصة، المقيمة في
بلدان الخليج والتي تشكل النسبة الأعلى من الكثافة البشرية في هذه البلدان: كيف
تفكر وكيف تعيش وكيف تتواصل وكيف تنظر لأهالي المنطقة أو للجاليات الأخرى المقيمة،
بما فيها الجاليات العربية، وما هي ضوابط أو معايير العلاقة بين هذه الجاليات،
وهذه كلها عناصر مهمة جديرة بالبحث والتقصي من قبل الباحثين والمهتمين. 


 ويلاحظ أن
الإعلام الذي يهتم بأمر هذه الجاليات هو إعلام ناطق أو مكتوب بغير العربية، إنه
إعلام من داخل هذه الجاليات بلغاتها ولهجاتها، ويعكس تراثها الثقافي واللغوي
والديني.  


صحيح أن الجرائد الإنجليزية الصادرة في بلداننا الخليجية
والموجهة هي الأخرى لهذه الجاليات أو لشرائحها المتعلمة والقارئة، تُولي عناية
أكير لقضايا هذه الجاليات وثقافاتها، لكن يبقى القارئ العربي، مواطنا خليجياً  كان أو مقيماً من الأشقاء العرب، في جهل مطبق
بهذه القضايا والثقافات، وتبقى هذه الجاليات أشبه ما تكون “بالغيتوهات”
البشرية المغلقة على نفسها في أصداف صلبة. 


وهذا القول لا يتناقض البتة مع ما نكرره دوما عن
التأثيرات السلبية الجانبية للكثافة العددية الهائلة للعمال الآسيويين في بلدان
الخليج، خاصة على الناشئة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العدد الهائل من الخدم
والمربيات وكذلك الزيجات المختلطة خاصة من قبل الكهول وكبار السن. 


ولكي نستوعب هذه التأثيرات ونحتويها ووضع استراتيجيات
سكانية مستقبلية في بلدان المنطقة، تضع بعين الاعتبار الحاجات التنموية لهذه البلدان
من جهة، والمفاعيل الاجتماعية والثقافية، والسياسية أيضاً لوجود هذه الجاليات
الكبيرة بيننا من جهة ثانية، فنحن بحاجة لمعرفة هذه “العوالم” المغلقة
التي تعيش بيننا، أعني معرفتها من داخلها. 


وهذا يطرح أمراً محيراً بالفعل، فكيف تستكين مجتمعات
بكاملها إلى ظاهرة بحجم العمالة الأجنبية بين ظهرانيها، دون أن تكون على معرفة
بالخصائص النفسية والثقافية والدينية وسواها لأفراد هذه الجاليات، وأكثر من ذلك
تغفل عن المعاناة المريرة لأفراد هذه الجاليات، وما يتعرضون له من اضطهاد وسوء
معاملة لا تليق بكرامة الإنسان، وتتناقض مع المعايير الدولية المرعية في العلاقة
مع العمالة المهاجرة، وهو ملف لا سبيل لتفادي طرح حيثياته بصراحة ووضوح، والتعامل
معه بمسؤولية وجدية قبل فوات الأوان. 
  


د. حسن مدن

    
 
اقرأ المزيد

حين يفشل السياسيون

كلما استمر التوتر السياسي دون مخارج كلما تأكد فشل القوى الفاعلة في
الحراك القائم وعجزها عن طرح البديل من الشعار والممارسة لتفكيك الأزمة على
اساس من معطيات الواقع ولإعادة الثقة في المجتمع وسحب الذرائع من قوى
الشدّ المضادة للديمقراطية بما تمثله من تخندق طائفي وضلوع في الفساد أيا
كان انتماؤها الطائفي. نخاطب هذه القوى كونها بدأت الحراك ولم تضمن إنحراف
الشعارات أو السيطرة على العنف أو تحقيق أي مطلب، بل وأعادتنا إلى شعارات
ما قبل الميثاق حول المعتقلين والمحكومين والتي تم تجاوزها بالمكاسب
الدستورية التي نقلت البلاد الى مرحلة جديدة وهو ما يصر البعض على إنكارها
ويبني خطه السياسي على هذا الإنكار فيرفع سقف المطالب ويستمر في التصعيد
وكأنه ملكَ الواقع والشارع وكل مفاتيح الدعم الداخلي والخارجي.
حين يفشل السياسيون في الارتقاء بالعمل السياسي الوطني لتوحيد الشعب وتحقيق
طموحاته المشتركة سِلماً ومن واقع المجتمع وإمكاناته وتوازن قواه والوضع
الاقليمي والدولي وبما يحقق وحدته الوطنية ويراكم إنجازاته الديمقراطية،
تتعرض هذه الانجازات الى الانتكاسة التي تتجسد اليوم في الشحن الطائفي
والشرخ الذي أصاب المجتمع، وحجم المعاناة الوطنية على المستويات كافة.
يستسهل البعض واقعنا المؤلم، ولعل الأمر قد راق لهم حيث الاصطياد في المياه
الآسنة أسهل. نخاطب هنا كل من روى أرض الوطن بفعل وطني بأي قدر وفي أي
مجال والمثقفيين والإعلاميين بوجه خاص، أن يوظفوا أقلامهم لوحدة الكلمة
وتهدئة النفوس، ومن المؤلم هذا التصادم الذي نعيشه بين ممثلي هذه الشريحة
الواعية من المجتمع وتخندقهم على ضفتي الواقع المجتمعي من وحي عقلية
الإسقاط ورفض الآخر. نحن نختلف في الطرح، وكلٌ يسعى أو يدّعي أنه يسعى
لخدمة الوطن، فلتكن إذن للكلمة الجامعة مساحة، وليكن الرأي والرأي الآخر.
كتاب ومثقفون يرفضون الحوار في مجتمعنا الذي لا يملك رصيدا غير وحدته
الوطنية، يتعاملون مع قضايا الوطن من حساسيات طائفية وفئوية ومصلحية ،
وآخرون يضعون الشروط، ويركبون المطالب الإصلاحية العامة من المنطلقات
ذاتها. هناك ما يثير الريبة من أن هناك حبل السرّ بين الطرفين رغم أنهما
يشدان في اتجاهين يبدوان متعاكسين، ولكنهما بلتقيان في النهاية بما يعبر عن
قصر نظر ولا مبالاة والرغبة في تحقيق مكاسب آنية.. ألا يمكن للمثقفين
والإعلاميين العودة الى الجوهر الإنساني المبدع الجميل والكاشف بأبعاده
التنويرية الإنسانية، بصفتهم حملة لقضايا الوطن وحقوق الإنسان وهمومه
وطموحاته ومستقبل أجياله؟
إن الدور الإنساني لحملة القلم ورؤيتهم الثاقبة تؤهلهم ليتصدوا لمهمة تصويب
الخلل الذي أصاب المجتمع، حيث عجز السياسيون المتخندقون وراء شعاراتهم
وطوائفهم وتنظيماتهم عن بلورة مواقف جديدة تسهم في إعادة الثقة في المجتمع
وتعيد الأطراف كافة إلى طاولة الحوار الوطني المنشود.
الزمن الذي نحياه اليوم يتغير وحركة المجتمع تتدفق كالسيل في العالم أجمع،
ولا بد من الاستماع الى وقع هذا الحراك الصاخب. ليس بإمكان أي جهة أو طرف
أن يقرر عن الآخرين كيفية التغيير ووقعه ومداه, التغيير ضرورة للمجتمع
والدولة، لكنه لن يتأتي إلا بالتوافق الذي يعي شروط التغيير الذاتية
والموضوعية، ويرمي إلى تعزيز مسيرة البلاد على طريق الديمقراطية والعدالة
والتحرر الاجتماعي.
اقرأ المزيد

في الذكرى الثانية لثورة تونس

قبل عامين، في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، انتصرت «ثورة الياسمين»
التونسية بسرعة البرق، وأشعلت معها «الربيع العربي». قبيل هروبه، قال
المستبد زين العابدين بن علي «الآن فهمتكم»… وهو قول ليس بعيداً عما قاله
فرعون عندما أدركه الغرق «قالَ آمنتُ أنَّه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو
إسرائيل وأنا مِنَ المُسلمين، آلآن وقد عصيتَ قبلُ وكنتَ مِنَ المُفسدِين»
(يونس: 90، 91).

انقضى عامان منذ انطلاق موجة الاحتجاجات والانتفاضات
والثورات العربية المطالبة بالديمقراطية، وشهدنا الكثير من الأحداث
الجسام، كما شهدنا موجة مضادة للربيع العربي تتبنى الطائفية منهجاً وسلوكاً
وهدفاً، وقد تبنت الأنظمة هذه الموجة لحرف مسار الربيع العربي الذي انطلق
على أيدي شعوب المنطقة التي يئست من واقع فرضته القوى الخارجية قبل مئة
عام، ومن ثم تولت أنظمة استبدادية إدامة البؤس والشقاء.

التحديات
الماثلة أمام تلك الدول التي انتصر فيها الربيع العربي، مثل تونس، كبيرة
جدّاً. فهناك تحديات سياسية تتمثل في مدى قدرة الإسلاميين الذين وصلوا إلى
الحكم على الوفاء لمبادئ الديمقراطية والتعددية، وتداول السلطة المنتخبة،
واعتماد نهج تصالحي مع الجميع، كما أن هناك تحديات اقتصادية تتمثل في إيجاد
فرص عمل مجزية للشباب، وفي قيادة عملية تنموية حقيقية كما حدث في دول
ناجحة مثل عدد غير قليل من دول شرق آسيا. وهناك تحديات أخرى تتمثل في قدرة
هذه الأنظمة على حماية السيادة الوطنية، والابتعاد عن العنف وحفظ الأمن من
دون الإضرار بحقوق الإنسان، ومنع استشراء الفساد في النخب الجديدة التي
تتولى مهمات الدولة.

التاريخ سيحدد لاحقاً ما إذا كان الربيع العربي
موجة تاريخية تغييرية في بنية المنطقة نحو الحرية والكرامة والديمقراطية،
لكن إذا كانت هناك دولة ستنجح في تحقيق نتائج تاريخية؛ فإنها ستكون تونس،
هذه البلاد التي تمتلك أكبر طبقة متوسطة في العالم العربي، وهي البلاد التي
يمكن أن تحدث توافقا بين الإسلاميين المعتدلين الذين يمثلون الهوية
الحضارية لشعوب المنطقة، وبين الحداثيين الذين لا يعادون هوية مجتمعهم،
ويرتبطون في الوقت ذاته بالعصر الحالي بكل آفاقه الإنسانية الرحبة.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

كل عام والفساد بألف خير يا بحرين! – عيسى سيّار

لقد مضى على مشروع الإصلاح السياسي في البحرين أكثر من عقد من الزمان،
بدأ بالتصويت على ميثاق العمل الوطني، وانتهى بحراك 14 فبراير/شباط، شهد
الكثير من التحولات الكمية والنوعية والأحداث السياسية والاقتصادية
المفصلية بالبلاد، ولعل أهمها دستور 2002 والانتخابات البرلمانية والبلدية
وتحقيق نوع من المصالحة الوطنية من خلال رجوع المعارضين والمبعدين والعفو
عن المعتقلين السياسيين وتشكيل هيئات وأجهزة للتنظيم الإداري والرقابة.
واستبشرت البلاد والعباد خيراً بأن مثل هذه الإجراءات والخطوات غير
المسبوقة ستعمل على تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي من جهة،
ورفع مستوى الشفافية والنزاهة في كافة مؤسسات الدولة والرقابة الصارمة على
استخدام المال العام من جهة أخرى.

والتساؤل المحوري الذي سنطرحه هنا
ويدور على لسان معظم أهل البحرين: إلى أي مدى استطاعت تلك التحولات التي
شهدتها الساحة البحرينية وما واكبها من قيام مؤسسات دولة القانون في الحد
من الفساد المتمثل في إهدار المال العام أو التربح غير المشروع والاستيلاء
غير القانوني على المال العام السائل والعيني؟!

لقد واكب تدشين
المشروع الإصلاحي إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية، والذي أصدر على
مدار السنوات التسع الماضية تسعة تقارير عتيدة أظهرت وبالأدلة التي لا يرقى
إليها الشك، تورط العديد من المسئولين في الأجهزة الحكومية وبمستويات
إدارية مختلفة، وزير- وكيل- وكيل مساعد- مدير عام- مدير….إلخ، في ارتكاب
مخالفات قانونية وتجاوزات إدارية ومالية يرقى بعضها إلى الجناية.

والغريب
في الأمر أن السلطة التنفيذية تعترف بما ورد في تلك التقارير من حقائق حول
المخالفات والتجاوزات وتقدم الوعود تلو الوعود باتخاذ الإجراءات اللازمة
تجاه الملاحظات التي تتضمنها تقارير ديوان الرقابة، إلا أن تلك الوعود
تتبخر مباشرة بعد التصريح بها، وآخر تلك الوعود بعد صدور التقرير التاسع
العتيد، حيث صرحت السلطة التنفيذية بتشكيل لجان متخصصة لمتابعة الملاحظات
التي تسميها السلطة التنفيذية «ملاحظات»، ولكن هي في الحقيقة مخالفات
قانونية وتجاوزات إدارية ومالية، ولكن بعد مرور ما يقارب الشهرين على صدور
التقرير لم نسمع عن تلك اللجان وما قامت به من تحقيق! وما هي النتائج التي
توصلت إليها حتى الآن؟ إن مثل هذه المخالفات والتجاوزات يا سادة يا كرام لا
تحتاج إلى عمل خارق للوصول إلى من قام بها، فالتقرير واضحٌ وضوح الشمس وقد
وضع النقاط على الحروف، وما ينبغي على السلطة التنفيذية القيام به هو
اتخاذ القرارات الصارمة بحق من تلاعب وأهدر واستولى على المال العام.

ونتمنى
أن تخرج علينا الحكومة بتصريح أو بيان تقول لنا فيه ما هي نتائج التحقيقات
التي قامت بها تلك اللجان المتخصصة لمتابعة ملاحظات تقرير ديوان الرقابة!

أما
السلطة التشريعية، وهي صاحبة الحق الأصيل في الرقابة والتشريع، فحدّث ولا
حرج، فتقارير ديوان الرقابة تمر على نوابها الأشاوس مرور الكرام!

ويقتصر
دورهم فقط على البكاء والعويل على اللبن المسكوب دون أي عمل أو إجراء
وقائي أو محاسبة من شأنه تفعيل أدواتهم الرقابية في محاسبة من أهدر المال
العام ومن استولى عليه من غير وجه حق.

بالله عليكم أفيدونا أفادكم
الله، هل عجز كل النواب على مدى عقد من عمر مجلس النواب المديد ومع توفر
الكم الهائل من الأدلة المادية حتى في أن يحاسب موظفاً في مكتب أي وزير؟!
هل دور كل النواب يقتصر فقط على استلام تقرير ديوان الرقابة وحفظه في
الأرشيف؟ هل أصبح نواب الشعب موظفي أرشيف أو مراسلين دورهم فقط يقتصر على
الاستلام والحفظ؟ أم هم نواب انتخبهم الشعب للدفاع عن حقوقه وحماية مصالحه؟
وإذا تطرقنا إلى تقارير ديوان الرقابة لابد أن نتساءل عن دور النيابة
العامة، وهي الجهة الموكول إليها الدفاع عن الحق العام. وإهدار المال
العام والاستيلاء عليه بشكل غير مشروع هو حق عام ويجب التصدي له والدفاع
عنه والتحرك لمحاسبة المسئولين عن التلاعب والاستيلاء الجائر على أموال
الشعب.

إن النيابة العامة تقع على عاتقها مسئولية كبيرة في تحويل
التجاوزات والمخالفات الواردة في تقارير ديوان الرقابة المالية إلى دعاوى
قضائية تتم من خلالها ملاحقة المتلاعبين بالمال العام، ولكن هذا لم يحدث
على الإطلاق، وكأن لسان حالها يقول إنني انتظر توجيهاً أو إشارةً ما من
مكان ما، لتفعيل توصيات وملاحظات تقارير ديوان الرقابة، وكأننا لازلنا نعيش
في بلد التوجيهات والمكرمات وليس دولة القانون والمؤسسات!

وأخيراً
لابد أن نعرج على صحافتنا المحلية العتيدة، التي تدعي الشفافية والموضوعية
والحيادية وكشف مواطن الخلل والفساد في المجتمع، وهنا يحق للمواطن أن يوجه
تساؤلاً محدداً للصحافة: أين أنتم من قضايا المخالفات والتجاوزات الإدارية
والمالية التي تتصدر تقارير ديوان الرقابة؟ هل دوركم يقتصر فقط على نشرها
حالها حال الإعلانات مدفوعة الأجر، أم دوركم وأمانتكم الصحافية تقتضي
القيام بتحقيقات صحافية معمقة لملاحقة المتلاعبين بالمال العام وكشفهم أمام
الرأي العام وبالتالي تضييق الخناق عليهم؟ فكم من الصحف والصحافيين في دول
عدة وضعوا مسئولين وراء القضبان من خلال التحقيقات التي قاموا بها، والتي
أجبرت أجهزة الدولة ومؤسساتها للتحرك من أجل حماية المال العام من الهدر
والاستيلاء الجائر وغير المشروع.

وحتى نثبت للقاصي والداني بأن
مؤسسات الدولة تقول للفساد كل عام وأنت بخير، وحتى لا نتهم وكالعادة من
أطراف عدة، بأننا محرضون ومغرضون ولا نتصف بالحياد، دعونا نعود بالذاكرة
إلى قضيتي فساد شغلتا الرأي العام وشكلت لهما لجان حكومية وبرلمانية، وتوعد
من توعد وحلف اليمين من حلف من المسئولين والبرلمانين بأن يكون الحساب
عسيراً لمن تجاوز وخالف.

القضية الأولى: الاستيلاء غير القانوني
والجائر على أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً من المخزون الاستراتيجي لأراضي
البحرين وتوزيعها على عدد محدود من المتنفذين، هذا الفعل غير القانوني وغير
الإنساني الذي يتنافي مع أبسط مبادئ الإصلاح ودولة القانون والمؤسسات،
أصبح نسياً منسياً. لقد تم التوصل إلى تلك الحقائق من خلال لجنة تحقيق
برلمانية تم تشكيلها العام 2009-2010، والتساؤل هنا ما هو مصير تلك الأراضي
التي تقدر قيمتها بمليارات الدنانير؟ وأين نتائج التحقيق الذي قامت به
لجنة وزارية رفيعة المستوى؟ ألم أقل لكم الفساد يعيش ويترعرع في بلدي بألف
خير وخير.

القضية الثانية: لقد أثبتت التحقيقات أن الفساد ضرب أطنابه
في كل ناحية في مستشفى الملك حمد الجامعي حتى المواسير (البيبات) والأسلاك
لم تسلم منه! حيث كانت تكلفة المشروع 18 مليون دينار ووصلت بفعل فاعل إلى
120 مليون دينار، وعلى إثر ذلك تم إعفاء وزير الأشغال آنذاك من منصبه في
إجراء يلفه الغموض حتى الآن! وكالعادة شكلت لجان وزارية وبرلمانية…إلخ،
وأنتم تعرفون باقي (الحدوته)! وذهبت كل تلك اللجان والعويل في مهب الريح،
وكانت زوبعة في فنجان، وتنعّم المسئولون الفاسدون بما غنموه من أموال
الشعب، وكل ذلك يحدث في دولة المؤسسات!

إن كنّا حقاً نعيش في دولة
المؤسسات والقانون نريد مسئولاً واحداً يخرج علينا ويقول لنا، ما هو مصير
المخالفات القانونية والتجاوزات الإدارية والمالية في تلك القضيتين وغيرها
من قضايا الفساد التي تحتاج إلى مجلدت لتوثيقها؟ وما هي نتائج تحقيقات
اللجان العتيدة، هذا إن كانت هناك تحقيقات في الأصل!

إن ما ذكرناه هو
قطرة من بحر من قضايا تنمو وتترعرع في بيئة حاضنة للفساد في ظل غياب
الإجراءات المحاسبية والعقابية. لقد أصبح الفساد يا سادة ظاهرة في مملكتنا
وليس مشكلة؛ فالفساد أصبح ثقافة تنتشر بين أروقة الوزارات وأجهزة الدولة
المختلفة، بحيث إذا أردت أن تحرّك معاملةً أو تنجز مصلحةً، ما عليك إلا أن
تدفع المعلوم ثم تحصل على المطلوب.

إننا لا نطالب بالقيام بمعجزة من
أجل مكافحة الفساد، وإنما نطالب بتوفر الإرادة السياسية الصادقة والتطبيق
الأمين للقوانين والأنظمة والأدوات الرقابية والمحاسبية المتوافرة، كما
نطالب بتطبيق أمين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها
البحرين العام 2010، كما نطالب مؤسسات الدولة وبالذات التشريعية منها
مراجعة التشريعات الحالية وتوفيقها مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد،
ومن ثم العمل على إصدار التشريعات التي تحرّم وتجرّم الفساد وتلحق بمرتكبيه
أشد وأقسى العقوبات… فمن يرفع الشراع؟

عيسى سيار
صحيفة الوسط البحرينية 
اقرأ المزيد

“صوملة” سوريا



شاهدتُ
أحد قادة المعارضة السورية يرد منفعلاً حد الصراخ على مذيعة إحدى
الفضائيات حين طلبت منه التعليق على تحذير الأخضر الإبراهيمي من أن تذهب
سوريا نحو “الصوملة” إن لم يجرِ بلوغ حل سياسي لأزمتها، ولا أعرف كيف انصرف
ذهن الرجل إلى أن في مفردة “الصوملة” حطاً من شأن سوريا وشعبها، قائلاً ما
معناه: “سوريا ليست الصومال، فمع احترامنا للصومال فإن سوريا بلد متحضر،
له تراث ثقافي وحضاري كبير” .


والرجل
على حق في أن لسوريا وشعبها مجداً حضارياً وثقافياً ليس موضع شك، فهي أعطت
العرب والعالم الكثير من الأسماء العملاقة في مجالات الإبداع والفن
والثقافة، هذا عدا تاريخها الثري الممتد عميقاً في التاريخ، وبالتأكيد بوسع
الصوماليين، شأنهم شأن أي شعب آخر، أن يتحدثوا، هم أيضاً، باعتزاز عن
تاريخهم وثقافتهم .


لا
شأن لمفردة الصوملة بما إذا كان للبلد شأن حضاري كبير أو صغير، فهي
استوحيت مما آل إليه الصومال من انهيار للدولة وتفكك لمؤسساتها، ودخولها في
نفق من الصراعات الأهلية الدامية، فلقد جرى تفكيك يوغسلافيا الأوروبية
المتقدمة إلى مجموعة دويلات بعد حروب من التطهير العرقي الدموي، ولم تشفع
الثقافة والحضارة هنا شيئاً في إيقاف المذابح التي هزت الضمائر في العالم .


وضع
سوريا الدامي اليوم ينطوي على احتمالات لا تقل خطراً عن “الصوملة” بسبب
تعنت النظام من جهة، وهو تعنت لولاه ما كانت الأزمة استفحلت إلى الحد الذي
بلغته اليوم، وبسبب التدخلات الخارجية في الشأن السوري الداخلي من قبل دول
وجماعات، بينها تنظيم “القاعدة”، مما دفع ويدفع البلد نحو المجهول المخيف،
الذي قد يؤدي إلى تفكك الكيان الوطني السوري إلى كانتونات مذهبية وطائفية،
وإلى ساحة تصفية حسابات إقليمية وربما دولية على نحو ما جرى في لبنان
والعراق وسواهما .


لم
يكن الأخضر الإبراهيمي، الدبلوماسي المخضرم المحنك، يرجم بالغيب أو يطلق
بالونات تخويف واختبار حين أطلق تحذيره من “صوملة” سوريا، وإنما كان ينطلق
من واقع تجربته السياسية الطويلة ومن حصيلة إحاطته بالخيوط المتشابكة
للأزمة السورية، هو الذي يتولى ملف الوساطة فيها بتفويض عربي ودولي، حيث
يدرك الرجل أنها ليست خيوطاً محلية فحسب، وإنما لها علاقة بمستقبل التجليس
العام المقبل للوضع في المنطقة برمتها، الذي تتكشف، أكثر فأكثر، خطوطه
يوماً عن يوم .
اقرأ المزيد

بصراحة مع الإعلام

في هذا المكان، ولكن في مقام آخر، كتبت أن الإعلام الرسمي، في أي مكان في
الدنيا، يُفترض أن يكون لإطلاع الناس على كل ما يحدث، إذ ليست هناك
«حقائق»، وهذا الاطلاع هو واجب على الإعلام الرسمي لأنه يُرعى من الأموال
العامة، والناس هم من يملك الأموال العامة ومن له الحق فيها، وبالتالي فلهم
الحق أن يعرفوا ما يجري، ومن حقهم بالتالي أن يقرروا الصواب من الخطأ في
كل موقف. ولا يمكن أن يستمر أي جهاز إعلامي رسمي في تغذية الناس بالملعقة
ما يجب عليهم أن يعرفوه، ويتولى هو إفهامهم ما يريدهم أن يفهموه، على
اعتبار أن الحكومة هي الأب أو ولي أمر الناس، وبالتالي فهي أعلم بمصلحة
أبنائها. هذا التغير في طبيعة التعاطي من شأنه أن يخلق طريقاً متعاكس
الاتجاهات يوصل رأي الحكومة للناس، ورأي الناس للحكومة، وعلى هذا الأساس،
أي عندما يفهم أو يتفهم كل طرف ما هو بصدده، وما عليه من واجبات، وما له من
حقوق، وما يفكر به سواء على المستوى العام، أو ما يفكر به تجاه الآخر،
يمكن حينئذ أن يتم قدراً كبيراً من التفاهم، إن لم نقل الاستقرار، ولهذا
الأمر شروط لا أود التطرق لها هنا للضيق النسبي للمساحة، ولأن الكتابة هنا
تذهب إلى الإعلام الرسمي الذي تتولاه اليوم زميلة إعلامية وينتظر منها أن
تعرف هذه المنطلقات التي عانت منها هي نفسها ذات يوم.


إن قدر «الإعلام» في البحرين أن يتولى أمره عدد من الرجال والنساء، لم
يكونوا إعلاميين بالمعنى الحرفي والاحترافي للكلمة. ففيما عدا نبيل الحمر
الذي درس الصحافة، وعمل في «هنا البحرين»، وأسس «وكالة أنباء الخليج»، وأسس
صحيفة «الأيام»، والآن هو مستشار جلالة الملك، لم يمرّ على الإعلام
إعلاميّ يشتغل وينشغل به تماماً، إذ أن التعيينات السياسية في هذا المنصب
لا تعني الإدارة فقط، ولكن المعرفة العميقة للإعلام من حيث التأثير،
والرسائل، والإدارة، والمعارف الأولية لكيفية إنتاج الخبر، فالصحيفة،
والبرنامج الإذاعي، والبرنامج التلفزيوني، وكيف يمكن أن يكون البرنامج
مؤثراً، وكيف يمكن أن تمرر من خلاله الرسائل المراد تمريرها على المستوى
المحلي والخارجي، من دون إفراط أو تفريط، أي من دون تضييق الهدف، أو
«تزغيط» (كما يقول المصريون) المتلقي بالرسائل بفجاجة ومباشرة تجعله ينفر،
بل يهرب بعيداً إلى باحثين آخرين أكثر لطفاً في تعاطيهم معه، بحيث لا ينفر
من تشرب الرسائل الأخرى حتى تسري في عروقه مسرى الدم، وهو سعيد بها.


أقول هذا الكلام وأنا من تعاون مع جهازي الإذاعة والتلفزيون بشكل متقطع منذ
1989، وهي شهادة ناقصة وأولية جداً، لأنني كنت في أغلب الحالات متعاوناً
خارجياً، ولست بقريب من آليات الآنتاج، ولكنها على أية حال شهادة أرجو
استكمالها من قبل الذين عملوا بشكل أكثر انغماساً في هذا الجهاز العظيم
والخطير في آن، وذلك إن أردنا إعلاماً متجاوزاً حاله اليوم الذي لا أعتقد
أنه سارّ لأحد، ولا للعاملين فيه أيضاً.


أولى المشاكل التي تصادف الإعلام الرسمي، هي المشاكل ذاتها التي تواجه
الوزارات والمؤسسات الحكومية في دوائر الاتصال (العلاقات العامة سابقاً)،
إذ أن قوانين وهياكل ديوان الخدمة المدنية لا يسمح لها إلا التوظيف بأقل
الرواتب والامتيازات، وبالتالي تحصل هذه الجهات على كفاءات حديثة العهد
بالعمل الإعلامي، وقد تقود الاعتبارات الأخرى إلى توظيف من ليست لهم علاقة
بالإعلام إلا المعرفة بالاسم. ومطلوب من هذا الموظف ذي المؤهلات والخبرات
الاعتيادية أن يقود سفينة المؤسسة إعلامياً ويرد على التساؤلات والهجوم
والشكاوى في بحر لجيّ متلاطم… وأنّى له ذلك؟


الأمر نفسه في الجهازين المرئي والمسموع، فاستقطاب الكفاءات لا يعني
شرائها، ولكن تنبيتها من هذه الأرض ليتم الاستثمار فيها، وتكون ذات
مصداقية. وحسنٌ أن تطعم الكوادر الإعلامية المحلية بالخبرات الخارجية، لا
أن تطعم الخبرات العربية والأجنبية بعناصر بحرينية. وهذا يحتاج إلى إيمان
بأهمية الإعلام ودوره الحيوي، وبالتالي رفع رواتب الجيدين فيه الآن، وإعادة
تأهيل جاد ومحسوب للعناصر الأخرى لكي لا تبقى خاملة وعالة على الجهازين.


والأمر الآخر، هو وضوح الرؤية. فلا يمكن لحكومة أن تمنح أية وزارة فيها
موازنة أعلى من السنوات الماضية ما لم تقدم خطة علمية وممكنة التحقق. فلو
سئل المواطنون عن برامج تلفزيونهم، لقال البعض منهم: صباح الخير يا بحرين..
هنا البحرين.. باب البحرين.. أنا البحرين (يا لها من قدرات إبداعية في
اختيار عناوين البرامج)، وجميعها ذات طوابع متقاربة بأشكال وأساليب عفا
عليها الزمن وما عادت كثيرة الإغراء وتحتاج إلى «نفض». فإذا ما تحدثنا عن
زيادة رواتب وتدريب، فلا بد من الحديث عن أعمال موازية تشير إلى أن هذه
الموازنة هي للاستثمار وليست للهدر أو إعاشة مجموعة من الأسر.


ومنذ أن تابع الناس في نهايات الستينات من القرن الماضي نزول الإنسان على
القمر عبر التلفزيون، حُكم عليهم أن يتخذوه سيدهم وقائدهم ومغير أفكارهم،
فكم أصبح عظيما هذا الجهاز حتى لو انتقل العالم إلى الشبكة العنكبوتية، فإن
شروط الإنتاج هي نفسها، ولكن دعونا نرصد تلفزيوننا لمدة أسبوع، وكم
البرامج التي أنتجها، وكم البرامج التي اشتراها، وما عمر هذه البرامج
المشتراة، ولماذا أنتج واشترى، وتحت أي خطة واسعة وعريضة تتلاقى خيوطها
لترسم صورة ذهنية لدى المشاهد؟ ستكون الإجابات في الغالب مرتبكة لأن
الاحتكام هنا لموازنة البرامج والأعمال الدرامية والأفلام التي لاكتها
القنوات الأخرى حتى استحلبت خير ما فيها، ولما بصقتها أتت المحطات الأخرى
لتأخذ العصرات التالية منها!
الأمر نفسه ينطبق على الإذاعة منذ عشرين عاماً أو يزيد، حيث لا توجد خريطة
برامجية تفصيلية تعرف ما الذي سيجري بثه، وما إذا كان المبثوث يخدم الأهداف
العليا للدولة، أم أنه مجرد يسد خانة، وينتفع بفتاته المعدون والمخرجون.


إذا كان الكاتب هنا لا يطمع أو يطمح في الحصول على منصب إعلامي، فإنني
أتمنى أن يُقرأ ما تقدم بشيء من المصارحة، لأن هناك ما هو أكثر صراحة
وعمقاً من هذا.
اقرأ المزيد