المنشور

الانتهازية السياسية في خدمة الفتنة الطائفية – د. علي فخرو

أن ينجح أمثال المستشرق الصهيوني برنارد لويس في إقناع الدول
الاستعمارية الغربية بالعمل الدؤوب لتأجيج الصّراع المذهبي العبثي السنّي –
الشيعي، فهذا أمر مفهوم ومنطقي. فمن خلال استبدال الصراع العربي –
الصهيوني بالصراع الطائفي في داخل الإسلام، يعيش الاستعمار الصهيوني في
فلسطين المحتلة في سلام وأمن، ويزداد قوةً وتركيزاً في التربة العربية.

ومن
خلاله أيضاَ ينشغل العرب عن المؤامرة الاستعمارية للاستيلاء على ثرواتهم
والتواجد العسكري والسياسي في أرضهم. وهكذا تكتمل حلقة إبقاء العرب في حالة
ضعف وتخلُّف وتمزُّق، وإبعادهم عن مشاريع الوحدة العربية والاستقلال
القومي والوطني، وبناء تنمية إنسانية شاملة بالاعتماد على قواهم الذاتية.

لكن
أن يمتدّ ذلك الفكر الاستشراقي الخبيث وذلك المنطلق الخطر إلى أن يتبنّاه
بعض المسئولين العرب، وبعض السَّاسة والمفكرين في مؤسسات المجتمعات
المدنية، وأن تنفخ في تأجيجه باستمرار، فوق منابر المساجد والفضائيات
التلفزيونية، أشكال من القوى السلفية المتزمتة دأبت منذ قيامها على تكفير
من يخالف مدرستها الفقهية ومن تعتقد أنه لا ينتمي لجماعتها… أن يمتدّ
بهذه الصورة المفجعة التي نراها ماثلة أمامنا وبهذا الانتشار الواسع، فإنه
يصبح كارثةً دينيةً وقوميةً وأخلاقيةً.

لنتذكر أن الغرب لديه تجربة
تاريخية غنيّة في حقل الصراعات الدينية والمذهبية بين مختلف كنائسه
المسيحية، وعلى الأخص بين الأتباع الكاثوليك والبروتستانت. لقد استمر ذلك
الصراع عندهم سنين طويلة وقاد إلى موت الملايين وأكل الأخضر واليابس وأفقر
الأوطان والعباد. تلك التجربة هي التي يُراد إحياؤها اليوم في أرض العرب
والمسلمين.

نحن إذن أمام مخطّط لحروب طائفية إسلامية تخدم أغراضاً
سياسية واقتصادية بحتة، تشترك في رسمه قوى خارجية امبريالية وقوى إقليمية
طامعة أو موتورة، وقوى داخلية لا تخاف الله ولا يردعها ضميرٌ ولا تؤمن بأي
التزام وطني أو قومي أو إسلامي. وكنتيجة منطقية لذلك الصراع الطائفي سنكون
أمام هدف مزدوج استعماري – رجعي للقضاء على كل ما هو وطني ديمقراطي حداثي
وقومي ووحدوي تحرري من جهة، ولإدخال الإقليم العربي والإسلامي في الشرق
الأوسط على الأخص في حروب إعلامية ومنافسات عبثية على امتلاك النفوذ
والسيطرة على المنطقة. ولعلّ أكبر الأخطار تكمن في استطاعة القائمين على
ذلك المشروع الشيطاني التغرير بالجماهير التابعة لكلا المذهبين، للانخراط
في هذه اللعبة الطائفية التي ليست أكثر من ستار تكمن وراءه انتهازية سياسية
داخلية وحبكة خارجية لتمزيق المجتمعات وتفتيت الأوطان.

إن
الانتهازية السياسية تبدو في أفضل تجلياتها عندما تدافع نفس الجهة عن
السنّة في مكان وتخذلهم في مكان آخر، أو تدافع عن الشيعة في جبهة وتحاربهم
في جبهة أخرى. فالوقوف مع تابعي هذا المذهب أو ذاك ليس له دخل على الإطلاق
بالاجتهادات الفقهية وبالجانب الاعتقادي، وإنما بالصراعات السياسية
الإقليمية، وبمدى العمالة للقوى الامبريالية الخارجية. ومما يزيد في خطورة
هذه الانتهازية السياسية دخول أعداد متنامية من علماء الدين الإسلامي في
هذه اللعبة، بل وانغماسهم الدّعوي والإعلامي اليومي في التأجيج السياسي
الطائفي.

إن هؤلاء العلماء، بوعي أو من دون وعي، يساهمون في نقل
الخلافات المذهبية من حقلي الفقه والثقافة المتجذّرين في التاريخ واللّذين
لا ضرر كبير فيهما إلى حقل التسييس، خصوصاً في بعض الأقطار العربية التي
أصبحت مسرحاً للعنف السياسي الطائفي الدموي الذي يمهّد لقيام حروب أهلية في
المستقبل القريب.

ما يؤكّد الدور الكبير للانتهازية السياسية التي
تقبع وراء التأجيج المذهبي الطائفي الجديد، والذي لم تعهده الأرض العربية
والإسلامية بهذه البشاعة والخطورة، هو السكوت المريب عن بحث أو مواجهة
ظاهرة الطائفية في كل المؤسسات الإقليمية العربية والإسلامية المشتركة.
لكأن المسئولين في تلك المؤسسات يباركون وجود هذه الظاهرة أو حتى يستفيدون
من بقائها. كان الإنسان ينتظر أن تعقد قمم عربية وقمم إسلامية لمواجهة هذه
الظاهرة التي تمثّل بالفعل إحدى أكبر الأخطار التي يواجهها العرب
والمسلمون. لكن السبب واضح: بعض من أولئك القادة ضالع في هذه اللعبة
الشيطانية ولا يريد إخماد حريقها.

من هنا أهمية التوجّه نحو مؤسسات
وأشخاص المجتمع المدني لتحمّل مسئوليتهم. فهناك حاجةٌ لجهد مكثف كبير
لتفكيك الطائفية فكرياً ونظرياً، لمنع تناميها كثقافة سياسية. وهناك ضرورةٌ
لامتناع مؤسسات المجتمع المدني من الانزلاق في نفس اللعبة، ولعلّ أخطر ما
في ذلك الانزلاق تأسيس الأحزاب السياسية القائمة على أساس حماية الحقوق
الطائفية أو الدفاع عن هذه الطائفة أو تلك.

لكن الأمل في ثورات
وحراكات الربيع العربي، وعلى الأخص في شبابها، في أن تبني في المستقبل
القريب الدولة العربية الديمقراطية القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية في
الحقوق والواجبات والفرص الحياتية، الدولة البالغة الحساسية تجاه العدالة
والقسط والميزان. عند ذاك فقط سترتدّ المؤامرة الخارجية – الداخلية التي
وصفنا إلى نحور موقظي وموقدي الفتنة الكبرى التي تعصف اليوم بهذه الأمة،
بعد أن نامت أربعة عشر قرناً.

اقرأ المزيد

لمن لا يستفيد من التجارب… يكفي النظر للشارع

في العام 2010 طالبت بعض الأصوات الحكم بإعطاء بعض المكاسب للمعارضة في
داخل البرلمان من أجل أن تثبت لجماهيرها، أن قرارها بالمشاركة في العملية
السياسية قرار صائب ويمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية حتى وإن كان البرلمان
البحريني يعاني من إعاقة شبه كاملة.

هذه الأصوات حتى وإن كانت محسوبة
على الحكم فإنها تنبهت للمأزق الذي وصلت إليه البحرين، بفرض حالة من
الديمقراطية المنقوصة، (قولوا ما تشاءون ونفعل ما نشاء)، فالكثير من
الملفات المفصلية لم يتم حلها، أو حتى مناقشتها بشيء من الجدية، ما يؤكد
عدم استعداد الحكم لتقديم أي تنازلات حتى وإن كانت بسيطة.

فعلى رغم
مرور 6 سنوات – في ذلك الوقت – على بدء التجربة النيابية فإنها لم تستطع أن
تقدم للناس شيئا يذكر، ليس من الناحية السياسية فقط، وإنما من جميع
النواحي الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.

هذه الأصوات تنبهت وحذرت
من أن عدم الاستمرار في الإصلاحات يمكن أن يحرج القوى المعارضة المشاركة في
العملية السياسية أي الجمعيات السياسية المعتدلة، ما يبعد الشارع عنها
ويهيئ لظهور قوى سياسية أكثر تشددا وتطرفا، ولكن أحدا في السلطة لم يأخذ
ذلك على محمل الجد.

فملفات، كملف أملاك الدولة التي تم نهبها في وضح
النهار، حيث بينت لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة أن هناك أكثر من
65 كيلومترا مربعا قد تم نهبها من الدولة وتحولت إلى أملاك خاصة، وملف
التجنيس السياسي، الذي غير من التركيبة الديمغرافية في البلد وخلق مشاكل
عديدة، وملف الإصلاحات الدستورية، والدوائر الانتخابية العادلة، وملف
الإسكان الذي وصل عدد قائمة الانتظار فيه إلى أكثر من 52 ألف أسرة بحرينية،
وتدني المستوى المعيشي للغالبية العظمى من المجتمع، كلها ملفات ظلت عالقة
ومغفلة ولم يتم حلها.

وذلك ما أدى إلى خروج الناس إلى الشارع في
فبراير/ شباط من العام 2011، ساخطين ليس فقط على الحكومة وإنما على القوى
المعارضة أيضا التي لم تستطع أن تقدم لهم شيئا.

الوضع يتكرر الآن مع
بداية حوار التوافق الوطني، وكأن الجميع لم يستفد من التجربة السابقة في
إغفال المطالب الشعبية، ومحاولة التحايل عليها، والإصرار على عدم تقديم أي
مخرج من الأزمة، فمحاولة تعطيل الحوار، ووضع العراقيل، والاستمرار في لعبة
التخوين، لن يحرج فقط القوى المعارضة الداخلة في عملية الحوار، وإنما سيعمق
من الأزمة الدائرة ويزيدها اشتعالا، ولربما يدخلها في مرحلة أكثر خطورة إن
فشل الحوار في الوصول إلى حلول ترضي طموح الناس، وليس توافقات لذر الرماد
في العيون.

إن من يراهن على عامل الوقت لتمييع المطالب الشعبية، لابد
أنه واهم، ولا يقرأ الوضع السياسي في البحرين قراءة صحيحة، ويكفي النظر
لما حصل في الشارع البحريني أمس وتجارب الدول الأخرى.

اقرأ المزيد

انهيار الصين برسم توقعات فوكوياما



عاد
الأكاديمي الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما إلى تنبؤاته
المستقبلية عن النظم الاقتصادية/ الاجتماعية التي سيكتب لها البقاء والأخرى
المحكوم عليها بالفناء القريب بسبب انسداد أفقها على حد تكهناته .


فبعد
نظريته الشهيرة عن نهاية التاريخ والتي توقع فيها أن تكون الرأسمالية
(بنسختها الأمريكية الراهنة، النيوليبرالية) هي خاتم النظم الاقتصادية/
الاجتماعية في الحياة الحاضرة والمستقبلية للمجتمعات البشرية المتوزعة على
امتداد كوكبنا الأرضي، تحول اهتمامه شرقاً، والهدف هذه المرة هو الصين التي
باتت تشكل الهاجس الأعظم للطبقة السياسية الأمريكية الحاكمة ومشيختها
الفكرية .


ففي
حديث لوكالة أنباء “فرانس برس” نُشر أواسط شهر ديسمبر/ كانون الأول
الماضي، توقع فوكوياما أن ينهار النظام الصيني بسبب فقدان قنوات الاتصال
بين قمة الهرم السياسي والقاعدة الجماهيرية، وذلك نتيجة لغياب حرية الإعلام
وعدم إجراء انتخابات محلية .


وإذ
يقر فوكوياما أن الصين “كدولة مركزية قوية تاريخياً” استطاعت أن تقود
نمواً اقتصادياً متصاعداً – وهو ينسب فضل هذه الخاصية الصينية إلى ما أسماه
أداءها الرائع في السنوات الثلاثين الماضية – إلا أنه سرعان ما يستدرك
ليقرر أن غياب آليات المحاسبة، رغم ذلك الأداء الباهر، يجعل البلاد معرضة
لما أسماه “مشكلة الإمبراطور السيئ” .


قد
يقول البعض إن توقعات فوكوياما، التقريرية وليست الاحتمالية، بشأن الصين،
يفترض ألا تؤخذ على محمل الجد باعتبارها أحاديث صحفية مرسلة أدلى بها دون
تحضير أو تفكير متعمق . هذا احتمال لأعذار يمكن قبولها لولا أن هناك
احتمالاً آخر غير مستبعد هو الآخر، وهو أن هذه الآراء الصحفية التي قد تبدو
مرسلة، هي خلاصات مؤسسة على دراسة أو بحث (أو أكثر) أجراه فوكوياما عن
الصين .


ربما
أدرج البعض من مراقبي الوضع الدولي، لاسيما الراصدين للتغيرات المرئية
وغير المرئية الحاصلة في ميزان القوى الدولي، خصوصاً بين القوى العظمى في
العالم، أدرج تكهنات فوكوياما الصينية، ضمن حملة الحرب الإعلامية والنفسية
التي تستهدف الصين بطريقة غير محسوسة من جانب الأمريكيين والأوروبيين
باعتبارها وسيلة يعولون عليها لأن تكون ناجعة وفاعلة في التشويش على الأداء
الاقتصادي القوي والمتماسك للاقتصاد الصيني وتصاعد النفوذ الصيني في
العالم وارتياده مناطق لم يكن للصين فيها نفوذ صريح قبلاً، وذلك بعد أن
أدركوا، على ما يبدو، أن مزاحمتها بوسائل المنافسة الاقتصادية التقليدية،
لم تعد مجدية نتيجة لاستمرار احتفاظ الصين بأرجحية في مكونات تنافسيتها
الاقتصادية .


هذا
احتمال وارد، خصوصاً إذا ما أُخذ في الاعتبار أن عدداً متزايداً من
الخبراء الأمريكيين والأكاديميين والأوروبيين من أصول يابانية صاروا
يتبرعون للانخراط في حملة النقد والتقريع والتشكيك في مستقبل الصين
واقتصادها القومي، وذلك بدفع من فزعتهم القومية للوطن الأم “اليابان” التي
تشهد حالة من نهوض العصبية القومية اليابانية قبالة الصين بسبب نزاع
البلدين على خمس جزر غير مأهولة تقع في بحر الصين كانت قد استولت عليها
اليابان في حرب العام ،1895 بين البلدين والتي تسميها الصين جزر “ودياويو”
بينما تسميها اليابان “جزر سنكاكو” .


ومهما
يكن من أمر فإن تنبؤات فوكوياما الخاصة بالصين ليست كلها تخرصات كيدية .
قد يكون ادعاؤه بشأن فقدان قنوات الاتصال بين قمة الهرم السياسي والقاعدة
الجماهيرية، أقرب إلى القول المرسل غير المؤسس فكرياً بصورة وافية منه إلى
التقرير الرصين الحصيف لظاهرة كيفية إتمام عملية الربط بين القمة والقاعدة
في الأنظمة السياسية المركزية الشمولية . وخصوصاً أنه سارع بهذا الزعم
لخلاصته المستهدفة أصلاً وهي غياب حرية الإعلام وعدم إجراء انتخابات محلية .


إنما
ملاحظته الخاصة بغياب آليات المحاسبة، رغم الأداء الباهر للاقتصاد الصيني،
تبدو أقوى وأكثر تماسكاً، ولا غبار عليها على الإطلاق . فمهما بلغ
الانضباط الحزبي لطاقم القيادة الصينية، أي أعضاء المكتب السياسي واللجنة
المركزية . . ومهما كانت فعالية آلية الرقابة الحزبية الداخلية وأدوات
ردعها المشددة، فإنها تبقى عاجزة، في ظل الإدارة الشمولية، عن ملاحقة وتتبع
“فيروس” الفساد الباحث عن مثل هذه البيئة المثالية للازدهار .


مما
لاشك فيه أن القيادة السياسية الصينية والحزب الشيوعي الصيني الحاكم
تحديداً قد أدخل في مؤتمراته الحزبية الأخيرة لاسيما المؤتمر الثامن عشر
للحزب الذي عقد مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الكثير من السياسات
والتشريعات والضوابط من أجل ترشيد أداة الإدارة الكلية المجتمعية للبلاد
وإطلاق ديناميات لقطاعات جديدة لتأمين استمرار عطاء الحراك المجتمعي،
خصوصاً على صعيده الاقتصادي، بنفس الزخم . ولكن العمل البيروقراطي الموازي
الذي تؤديه الحكومة للسيطرة على المجتمع وعدّ أنفاسه وآخره تشديد الرقابة
على شبكة الإنترنت، يعمل بدوره على مفاقمة تقيّحات وصديد هذا الاستبداد
الشمولي ويعزز مصادر ومواقع الفساد، فلا يحول، ترتيباً، دون ترنح المؤسسة
الضخمة في نهاية المطاف .
اقرأ المزيد

دعماً لتحرك “المجموعة البيضاء”



تقدمت مؤسسات المجتمع المدني في البحرين التي تتحرك في إطار مشترك أطلقت
عليه إسم “المجموعة البيضاء” بتعديلات على نحو أربعين مادة في مشروع
قانون المنظمات والمؤسسات الأهلية (قانون الجمعيات) المحال من الحكومة للمؤسسة التشريعية،
كما أنها اقترحت استحداث عدد من المواد الأخرى على القانون، ومن يطلع على
التعديلات المقترحة أو اقتراحات الإضافة ويقارنها بمشروع القانون المقدم من
الحكومة، سيدرك فداحة القيود التي تريد الدولة أن تضعها على نشاط هذه المؤسسات،
ومصادرة الإرادة الحرة لأعضائها، ويبدو صحيحاً القول أن هذا المشروع يعد الأسوأ من
نوعه في تاريخ تقنين نشاط المجتمع المدني البحريني، الذي إنبثق من قلب التحولات
الاجتماعية والسياسية والثقافية في البلاد، كما يليق بأي مجتمع مدني حقيقي أن يكون
ولم يكن صنيعة الدولة، وهو أمر كان موضع فخر وتقدير للبحرين ونخبها الناشطة في
حقول العمل التطوعي الاجتماعي والثقافي منذ عقود. 
  
من سمات
الشمولية العربية هيمنة الحكومات على مؤسسات المجتمع المدني، والتي فقدت بحكم هذه
الهيمنة صفتها التمثيلية للقطاعات التي تنطق باسمها، فكانت النقابات والاتحادات
النسائية والشبابية والطلابية أو سواها تدار مباشرة من الحزب الحاكم في هذا البلد
العربي أو ذاك، أو خاضعة للبيرواقراطية الحكومية التي تتحكم في سياسات هذه
المؤسسات وتخضعها لها كلية، فلا تعود سوى صدى للخطاب الحكومي. 


لكن يُحسب لمؤسسات المجتمع المدني في البحرين انها نبعت من قلب الحراك المجتمعي
المستقل عن الدولة، وليس القصد هنا أنها نشأت لمغالبة الدولة، وإنما لتتوفر على
أهم شرط من شروط المجتمع المدني وهو الاستقلالية، وفي المحافل العربية والدولية
ذات الصلة كان ينظر للجمعيات والاتحادات البحرينية الأهلية بهذه الصورة، سواء تعلق
الأمر بالحركة النقابية العمالية، أو بالجمعيات المهنية، كجمعيات المحامين
والأطباء والمهندسين، وكذلك بالمؤسسات الممثلة للمبدعين والفنانين. 


المجتمع كان أسبق من الدولة في تنظيم نفسه في هيئات معبرة عنه، ومجسدة لمصالح
وتطلعات قطاعاته المختلفة، ويعود الفضل في ذلك للشرائح الحديثة من الكفاءات
المهنية والثقافية التي تلقت خبراتها الأولى في العمل النقابي في صفوف الحركة
الوطنية والتقدمية البحرينية، واستطاعت أن تضع مداميك المجتمع المدني البحريني
الحديث، مُستوحية في ذلك تراث الحركة الوطنية المناهض للطائفية والمعبر عن كافة
فئات المجتمع، والمتجاوزة لآثام التخندق الطائفي البغيض. 
  
صحيح ان
هذه التجربة لم تخلُ من أخطاء لا سبيل لنكرانها في بعض الحالات، مثل غُلبة السياسي
على المهني، أو انتقال عدوى المنافسات الحزبية الى بعض هذه المؤسسات، ولكنها أخطاء
من النوع الذي يمكن التغلب عليه مع تعمق التجربة ونضجها، ولا يصح وضعها في سياق
يعطيها أكبر من حجمها، لو قارنا الأمر بما بات يتهدد استقلالية مؤسسات المجتمع
المدني في الفترة الأخيرة، وسبق أن تحدثنا هنا عن أثر ما اعترى المجتمع من انقسام
طائفي عميق وبغيض، محزن ومقلق ومخيف، على وحدة ودور هذه المؤسسات، لكن الأخطر من
هذا هو الفهم الضيق لدى أجهزة الدولة لدور مؤسسات المجتمع المدني، وهوأدى وسيؤدي
أكثر في حال استمراره، إلى مصادرة الفضاء الأهلي، وهذا ما تدل عليه النوايا وراء مشروع
القانون الذي تتحرك ضده الآن مؤسسات المجتمع المدني تحت راية “المجموعة  البيضاء” التي يجب دعم جهودها ومؤازرة
مسعاها لصون استقلالية مؤسسات مجتمعنا المدني. 
 
اقرأ المزيد

لماذا يُحبون شافيز؟


بالنسبة لخصوم هوغو شافيز، العرب منهم بشكلٍ خاص، الذين أكثروا من وصفه بالديكتاتور، وقالوا إنه بنى لنفسه صيتاً في الخارج منطلقاً من عدائه للغرب، فيما هو لا يتمتع بالشعبية داخل بلاده وبين أبناء شعبه، فإن رحيله وضع هؤلاء أمام تحدٍ أخلاقي كبير، لأن فقراء فنزويلا الذين حملوه إلى الرئاسة بأصواتهم انتابتهم حالة من الذهول والحزن الحقيقي على رحيله، فنحن بصدد حالة من الشعور باليتم تعم أولئك المعدمين والبسطاء من الناس الذين منحهم الأمل، وأحسوا بالكرامة بفضل إجراءاته لمحاربة الفقر والنهوض بأوضاعهم، وهو الذي نجح في أن يعيد إلى الحاضر أحلام وأفكار سيمون بوليفار، الرجل الذي وهبته فنزويلا للقارة الأمريكية اللاتينية، ليقود مقاومتها للاحتلال الإسباني، ويحررها منه .

لقد رأى وهو لما يزل شاباً في نهاية الثلاثينات من عمره أن بالإمكان اختصار طريق النضال الطويل بالوثوب إلى السلطة عبر انقلاب عسكري على الديكتاتورية . وحين أخفق في مسعاه خرج لهنيهات على شاشة التلفزيون ليقول للناس: “لقد فشلنا هذه المرة” . بعدها ذهب للسجن عامين .

قال فشلنا هذه المرة، ولم يقل فشلنا . كان يحمل وعداً للناس، وكأنه تعلم الدرس، فزمن الانقلابات كان قد ولى حينها، وبعد خروجه من السجن أسس حزباً خاض به الانتخابات فأتى محمولاً إلى الرئاسة بالإرادة الشعبية الساحقة .

 لم يكن شافيز ملاكاً ولا معصوماً من الخطأ، له ما للبشر من أخطاء ونقاط ضعف، ولأنه آت من بيئة شعبية معدمة في بلد تابع مثل فنزويلا، فإنه حمل سمات القادة الشعبويين الذين تفرزهم مثل هذه البلدان، الإيجابي منها والسلبي، حيث يطغى ما لهم من كاريزما وتأثير في صفوف الناس على العوامل الأخرى اللازمة، لا لبناء الدولة فحسب، وإنما لحماية المكتسبات التي يحققونها لهؤلاء الناس .

وحين يلتبس الطموح الشخصي بنبل الأهداف فإن الزعيم لا يعد يرى سوى شخصه ضمانة للثورة، فيما الضمانة الحقيقية هي الإرادة الحرة للشعب، وهنا مكمن سقطته الكبرى حين طوع الدستور ليضمن بقاءه رئيساً مدى الحياة، لكن الحياة، مهما طالت قصيرة، فها هو شافيز يرحل، مخلفاً لدى جماهير شعبه، الذي أحبه وآمن به، حسرة حقيقية، ومثيلتها لدى شعوب مقهورة، بينها شعوبنا العربية التي رأت فيه عنواناً للكرامة، ورجلاً للمواقف الصعبة في الأوقات التي عز فيها الرجال .

اقرأ المزيد

«المدعو» بسيوني متهم بنشر أخبار كاذبة!

كثيراً ما يتحدث كبار المسئولين في البلد عن مفردة واحدة وهي أنه «لا يوجد سجناء سياسيون في البحرين»، وهذه العبارة وهذه التأكيدات التي ما فتئ المسئولون من تكرارها في مختلف المحافل، هي من أجل تفنيد مزاعم «المدعو» محمود شريف بسيوني رئيس ما يسمى بـ «لجنة تقصي الحقائق» الذي نشر تقريراً مكوناً من أكثر من 600 صفحة عن البحرين، اعتماداً على تقارير ومعلومات مغلوطة ومن قبل منظمات مشبوهة، محلية ودولية، ولأهداف وأجندات خارجية معروفة.

هذه الادعاءات التي بثها بسيوني عبر تقريره «المشبوه»، استُخدمت وتُستخدم من قبل القلة المغرضة والمعارضة «الفئوية» الطائفية العميلة لـ «الإمبريالية العالمية» و «الصفوية المجوسية»، بشكل يسيء لسمعة مملكة البحرين.

وعلى رغم تأكيدات المسئولين المتكررة في مختلف المحافل الدولية، والاجتماعات العالمية، وفي الصحف والمقابلات والبرامج والجلسات عن عدم وجود أي سجين سياسي في البحرين، إلا أن البعض مازال يروّج عكس ذلك، ما قد يخلق بلبلةً، ويعرّض سمعة البحرين للتشويه، والمسّ بمكانتها العالمية، والتعدّي على ما وصلت إليه من آفاق الديمقراطية المتقدمة.

إننا من موقعنا كمواطنين مخلصين لهذا الوطن وترابه، نطالب السلطة أولاً بمنع تداول ذلك التقرير المشبوه (تقرير لجنة تقصي الحقائق) والسعي للحد من انتشاره، والعمل الجاد على تنظيف كل المواقع الإلكترونية منه، وأولها المواقع الرسمية، وإصدار تقريرٍ موازٍ يفنّد كل ما جاء من مزاعم مغلوطة، والعمل الجاد على ترجمته بجميع اللغات العالمية، وحتى لغات الأقليات والجاليات لتتضح الصورة لكل من يسكن على هذه الكرة الأرضية من أنه «لا يوجد سجناء سياسيون في البحرين»!

وعلى السلطة ألا تكتفي بشركات العلاقات العامة في بريطانيا وأميركا فقط، بل عليها التعاقد مع شركات عابرة للحدود، يمكنها الوصول إلى كل دول العالم، ووقف أي أخبار أو تقارير يمكن أن تنشر في صحفها بأية وسيلة ممكنة، حتى وإن اضطررنا إلى التهديد بقطع العلاقات مع أي بلدٍ يحاول النيل مما وصلنا إليه من رقي وازدهار لا مثيل لهما في أي مكان.

يجب على الدولة أن تسعى جاهدةً لوضع اسم المدعو بسيوني ضمن قائمة المطلوبين دولياً ومن عمل معه، ويجب أن تسعى الدولة جاهدةً من أجل القبض عليهم ومحاكمتهم وفقاً للمادة (165) من قانون العقوبات التي نصّت على أنه «يعاقب بالحبس من حرّض بإحدى طرق العلانية على كراهية نظام الحكم أو الازدراء به».

لقد اتهم المدعو بسيوني في تقريره، السلطة بأنها استغلت تلك المادة القانونية في «انتهاك حرية الرأي وحرية التعبير، إذ أقصت من النقاش العام الآراء التي تعبر عن معارضة نظام الحكم القائم في البحرين والآراء التي تدعو لأي تغيير سلمي في بنية الحكم أو نظامه أو تدعو إلى تغيير النظام».

والمادة (168) التي نصّت على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بثّ دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك اضطراب الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».

والمادة (169) من قانون العقوبات التي تنص على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تتجاوز مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر بإحدى الطرق العلانية أخباراً كاذبة أو أوراقاً مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذباً إلى الغير إذا كان من شأنها اضطراب السلم العام أو الإضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة».

وهي المواد التي حاول بسيوني من خلالها إثبات وجود سوء استخدام لها من قبل السلطة لمعاقبة المعارضة عندما قال في الفقرة (1279) من تقريره «المشبوه»: «جرى متابعة الكثير من الأشخاص أمام محاكم السلامة الوطنية وسجنوا لانتهاكهم أحكام المواد 165، 168، 169، 179، و180 من قانون العقوبات البحريني إبان أحداث شهري فبراير ومارس. وترى اللجنة أن حكومة البحرين استخدمت هذه المواد لمعاقبة المعارضة وردع المعارضة السياسية».

«المدعو» بسيوني قد يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بتقريره «المشبوه» وترويجه للإشاعات الكاذبة والمغرضة عن البحرين، والتي مازالت آثارها وتداعياتها العالمية مستمرة حتى الآن.

في الجانب الآخر، يجب أن تسعى السلطة أيضاً للقبض على عضو الوفد البرلماني الأوروبي «المدعو» ريتشارد هويت الذي زار البحرين وكشف عبر موقع «تويتر»، عن جوانب خفية – على حد زعمه – للقاءات الوفد مع المسئولين بالبحرين، وكيف كانت إجاباتهم عن أسئلته. فقد زعم أن وزير العدل البحريني اعترف بوجود سجناء رأي، وهرب من سؤال محاسبة المنتهكين على رغم تكرار السؤال ثلاث مرات عليه، وأن وزير الخارجية البحريني يرفض الحوار مع المعارضة «المتشدّدة»، كما اعترف وزير الداخلية باستخدام الذخيرة الحية.

نعلم جميعاً أن ما قاله «المدعو» ريتشارد هويت، هو محض افتراءات، ويجب محاسبته عليها، إلا أننا في الوقت ذاته نستغرب عدم الرد عليه من قبل الوزراء الثلاثة، وتكذيب ما قاله على رغم نشره في الصحف المحلية!

في الختام لا يصح إلا الصحيح، ونقولها لكل هؤلاء المغرضين: «إذا لم تكن البحرين بلد الإنسانية، فأين تكون الإنسانية؟».

اقرأ المزيد

سجناء الرأي في البحرين – أحمد جويد


تقتضي
مجريات العدالة عدم معاقبة من لم يقترف جرماً، وهذا أمر بديهي لم يختلف
عليه فقهاء القانون أو العقلاء أو من يشرع بإتباع نهجاً إصلاحياً لبناء
دولة مؤسسات تتبنى مبدأ الفصل بين السلطات بحيث لا تخضع أي سلطة لهيمنة
أخرى، ويكون خضوعها الوحيد لسلطة القانون وقواعد العدالة فقط، غير إننا نرى
في مرحلة ما تمقت فيها الدول والشعوب الحرة والمنظمات الحقوقية والإنسانية
كافة أنواع التعسف والاضطهاد ضد أبناء الجنس البشري، نرى البعض يستمر في
انتهاك الحقوق الإنسانية دونما وجه حق أو اقتراف ذنب يمكن أن ينطبق عليه
مفهوم الجريمة بكافة أنواعها أو مقاييسها القانونية أو الشرعية.


هناك مجموعة من القوانين والدولية وآراء منظمات ذات الإهتمام الكبير بحقوق
الإنسان تفرق بين من يتم إعتقاله وسجنه وهو لم يقترف ذنب سوى أنه عَبَرَ
عن رأيه أو أظهر معتقده وبين من يتم إعتقاله وسجنه وهو يتبنى برنامجاً
سياسياً، وبذلك نكون أمام حالتين مختلفتين هما حالة؛ سجين الرأي والسجين
السياسي.
ومع كون الحالتين لا يمكن أن يرتقيا إلى مستوى الجريمة – بحسب القوانين
والمواثيق الدولية- إلا إننا يمكن أن نميز بينهما لمعرفة مدى قانونية ما
تفعله حكومات المنطقة من أفعال بحق شعوبها وتحديداً في دولة البحرين،
فالتعريف المعاصر لمصطلح (سجناء الرأي) هو احتجاز الأشخاص أو تقييد حريتهم
في الحركة بسبب معتقداتهم السياسية أو الدينية، أو أصلهم العرقي أو جنسهم
أو ميولهم الجنسية، أو لون بشرتهم ولغتهم، والذين لم يقوموا باستعمال العنف
أو التحريض على العنف، والذي تدعو جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية
ومنها منظمة العفو الدولية بالإفراج عنهم دون أي شروط.
اليوم لدينا مجموعة من الوثائق والتقارير تشير بل، وتؤكد على إن أغلب
الذين تم إعتقالهم وسجنهم في البحرين هم سجناء رأي، تم زجهم في المعتقلات
وتعذيبهم والحكم عليهم بالسجن من قبل السلطات على خلفيات طائفية ومعتقدات
دينية ومعظمهم لم يلجأ إلى العنف كاسلوب للمطالبة بالإصلاحات المدنية
والقانونية التي تكفل لهم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
هناك أكثر من (450) معتقل بحريني تم إعتقالهم على هذا الأساس، فهم أما أن
يكونوا نشطاء في منظمات المجتمع المدني كـ(عبد الهادي الخواجة) وآخرين غيره
تم سجنهم وتعذيبهم، أو أنهم طالبوا بعدالة اجتماعية تلغي الفوارق التي
تضعها السلطات البحرينية على أسس مذهبية وطائفية، وأما النسبة القلية جداً
من المعتقلين هم من لديهم برامج سياسية مشروعة ويطالبون بإجراء إصلاحات
سياسية وعدت بها السلطات البحرينية في وقت سابق.
يقبع بعض هؤلاء المعتقلون في السجن بلا محاكمة مع تعرضهم للتعذيب الجسدي
والنفسي، والبعض الآخر أنهى فترة حكمه ولم يفرج عنه، ومن أفرج عنه فصل من
وظيفته، أو فرضت عليه إقامة جبرية، أو حتى منع من السفر، كما قامت السلطات
بإحتجاز جثة لأحد ضحايا التعذيب لمدة (12) يوم قبل تسليمها لذويه، وذلك
وحده يُعَدّ انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان.
بعض الذين تم إطلاق سراحهم من الموقوفين في سجن الحوض الجاف (المحرق)
يروون ظروف اعتقالهم وما تعرضوا له من الضرب المبرح منذ دخولهم إلى سيارة
الأمن حتى وصولهم أماكن التحقيق، إذ كانت هناك محاولات لصعقهم بالكهرباء،
فيما لوحظت عليهم آثار الكدمات في أجزاء كثيرة من أجسامهم، كما إنهم لم
يتمكنوا من معرفة إلى أين هم متجهون فيما يتعرضون للضرب المبرح والتعذيب
وهم معصوبو الأعين.
بالإضافة إلى السب والشتم والتهديد بإيذاء العائلة أو اعتقال أفرادها، فقد
تم استغلال الأهالي من قبل المحققين للضغط على المعتقلين، واعتقال احد
أفراد العائلة (الزوجة، الوالدة، الوالد، الأخوة)، إن اتفاقية جنيف الرابعة
تحرم المساس بعائلات المعتقلين، كما ينص قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة رقم(43-173)الصادر في كانون الأول عام 1988والذي يتعلق بحماية جميع
الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن وبشكل محدد
المبدأ رقم(21) حيث يحظر استغلال حالة الشخص المحتجز أو المسجون استغلالا
غير لائق لغرض انتزاع اعتراف منه أو إرغامه على تجريم نفسه بأية طريقة أخرى
أو الشهادة ضد أي شخص آخر.
وبذلك فالعدل يقتضي أن تسعى السلطات الحاكمة في دولة البحرين للإسراع في إتخاذ ما يلزم من:
أولاً: إطلاق سراح جميع المعتقلين من سجناء الرأي دون أية شروط أو ضمانات
كي يمثل ذلك جزء من إحترام القوانين الدولية والإنسانية، وإستجابة
للمطالبات التي وجهتها المنظمات الحقوقية والإنسانية.
ثانياً: الإفراج عن السجناء والمعتقلين السياسيين كبادرة حسن نية للتوجه في
طريق الإصلاحات السياسية التي خرج من أجلها هؤلاء المعتقلين.
ثالثاً: إعادة جميع المطلق سراحهم إلى وظائفهم السابقة وإعادة جميع حقوقهم
المالية وإمتيازاتهم الوظيفية إليهم، لأن الوظيفة حق مكفول مادام الشخص لم
يرتكب جرماً مهنياً يؤدي بالإخلال بأخلاقيات الوظيفة أو التقصير بأداء
مهامه الوظيفية، ولكونها لا تخص الموظف المفصول وحدة بل، تؤدي إلى قطع مصدر
العيش لعائلة الموظف المفصول.
رابعاً: تقديم تعويضات تتناسب وحجم الأذى النفسي والجسدي الذي تعرض له المعتقلون (سجناء الرأي).
خامساً: عدم التعرض لدور العبادة وممارسة الطقوس العبادية من قبل الأجهزة
الأمنية أو أية جهات أخرى تفرض وصايتها على معتقدات الناس، لأن القوانين
الدولية والشرائع السماوية تكفل الحرية للجميع في ممارسة معتقداتهم، وإن
هذا العمل بالذات كان أحد أسباب الاحتجاجات التي خرجت في البحرين منذ أكثر
من عامين.
إن أرواح الناس وحفظ حرماتهم ومعتقداتهم هي أهم بكثير من التمسك بالسلطة
أو ببعض الامتيازات التي تؤخذ منها، فلا سلطان للحاكم على آراء الناس في
التعبير عن كل ما يعتقدون به من إعتناق لدين أو مذهب أو فكر معين أو إختيار
طريقة يراها الإنسان تتناسب والحفاظ على حرياته وكرامته الإنسانية مادام
ذلك الإنسان لم ينتهج العنف للتعبير عن رأيه، وهذا مقتضى العدالة في عالم
يتطلع للأمن والحرية والسلام. 
* عضو الفريق القانوني في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات




اقرأ المزيد

الروح البونابرتية



بعد
الحملة الفرنسية على ساحل العاج، وبعد الحملة الفرنسية التالية في ليبيا،
ها قد جاء الدور على جمهورية مالي التي تحدها من الشمال الجزائر ومن الغرب
موريتانيا ومن الشرق النيجر . ماذا دهى الساسة الفرنسيين؟ لكأنما حنوا إلى
زمن الحملات البونابرتية .


كان
الاعتقاد بعد خروج نيكولا ساركوزي من الإليزيه أن خليفته فرانسوا هولاند
سوف يكبح الاندفاعة الحربية الفرنسية نحو الخارج، في ضوء ما طرحه من عناوين
في برنامجه الانتخابي والاتجاهات العامة لخطابه السياسي . فإذا به يتصرف
عكس ذلك .


إنه
لأمر غريب حقاً، كيف لقائد وصل إلى سدة الحكم في بلاده بوعد إنقاذ الموقف
المالي لبلاده وتجنيبها الهبوط الارتطامي في القاع، من خلال زيادة غلة
الجباية الضريبية باللجوء إلى إجراءات ظلت الرأسماليات الغربية تتحاشى
الاضطرار للاستعانة بها مثل فرض ضريبة على العمليات المالية، وزيادة نسب
الضرائب المفروضة على الأثرياء وأصحاب المداخيل العالية – يقوم في الوقت
ذاته بالانخراط في حروب بذرائع جاهزة، رغم ما تنطوي عليه من فتح اعتمادات
جديدة في بند المصروفات بموازنة الدولة هو من أسوأ بنود الإنفاق لمصممي
السياسة المالية ولمديري مخصصاتها الإنفاقية عبر الموازنة العامة . والقصد
ينصرف تحديداً وبطبيعة الحال إلى الحرب التي قررت فرنسا أخذ زمام المبادرة
لخوضها في مالي ضد الجماعات الإرهابية التي قررت اختطاف وابتلاع هذا البلد
الإفريقي بأكمله .


فما
الذي يجعل السياسة الخارجية الفرنسية نشطة إلى هذا الحد؟ لحد استخدام كل
فروع قواتها المسلحة في البلدان التي تشهد نزاعات واضطرابات وأعمال تمرد
واسعة النطاق، كما هي الحال في جمهورية مالي؟


كثيرة هي التأويلات التي تحاول تفسير هذا المنحى الحربي – إن جاز التعبير -  في
السياسة الخارجية الفرنسية، لعل أقربها للمنطق الموضوعي، ذلك الذي يذهب
إلى أن الانخراط النشط للآلة العسكرية الفرنسية في الشؤون الدولية،
وتحديداً في القارة الإفريقية التي تشكل مسرح عمليات هذا الانخراط، مرده
الانزعاج الفرنسي من التمدد التوغلي للنفوذ الصيني والنفوذ الروسي في
القارة السمراء، حتى ولو اقتصر حتى الآن على الجوانب الاقتصادية . صحيح أن
فرنسا، شأنها شأن بقية الدول الاستعمارية، قد أنهت عهدها الاستعماري البغيض
في القارة السمراء، إلا أنها لم تتنازل مطلقاً عن نفوذها وحضورها الطاغي
في الحياة الاقتصادية والثقافية والأمنية لمستعمراتها الإفريقية السابقة .
وجمهورية مالي التي تتوفر على بعض الموارد الطبيعية النوعية مثل الذهب
واليورانيوم والنحاس والبوكسيت والمغنسيوم، كانت مستعمرة فرنسية منذ أن
استولت عليها فرنسا أواخر القرن التاسع عشر حتى نيل استقلالها في عام ،1959
وبديهياً فإن فرنسا لن تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي وهي ترى مصالحها في
القارة السمراء وقد أصبحت نهباً لجحافل “الإرهاب الصحراوي” الذي راح يتمدد
تحت أسماء فرعية مختلفة للتنظيم الأممي “القاعدة”، مهدداً باكتساح تلك
المصالح .


هذا
“الرئيس العادي”، وهي اللازمة التي رافقت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند
إبان حملته الانتخابية، الذي مازال وفياً لعهده بأن يكون رئيساً عادياً
قريباً من الناس، غير منعزل في قصر الإليزيه الذي يستخدمه “كمكتب” وليس
كمقر رئاسي، حيث يعود كل مساء إلى بيته الكائن في حي عادي بالدائرة الخامسة
عشرة بباريس، ويبتاع حاجيات البيت بنفسه، ويستخدم القطار في تنقلاته
الداخلية، ويتوقف عند الإشارات الضوئية الحمراء، على عكس سلفه سركوزي صديق
الأثرياء والنافذين -  إن هذا
“الرئيس العادي” أظهر عزماً أكيداً في توجهه لمحاولة طي صفحة ماضي بلاده
الاستعماري مع الجزائر، وفي تنفيذه لوعده الذي قطعه على نفسه إبان حملته
الانتخابية بزيادة حصة الأثرياء في حصة الجباية الضريبية على المستوى
الوطني (75% على المداخيل السنوية التي تزيد على مليون يورو) . كما بدا
حازماً وهو يبادر لإرسال جيش بلاده لمقاتلة الإرهابيين في مالي ودحرهم
وإنهاء سيطرتهم على معظم أراضي البلاد البالغة مساحتها مليون و240 ألف
كيلومتر مربع التي كانوا احتلوها في غضون الأسابيع القليلة الماضية، من دون
الانتظار لدعم حلفائه في حلف شمال الأطلسي (ناتو) .


قد
يعتبر البعض هذا الصعود اللافت للعسكرتاريا في السياسة الخارجية الفرنسية
ضرباً من الحنين للبونابرتية، بما يعنيه ذلك من نزوغ للمغامرة سواء في
الداخل أو الخارج . . في الداخل حيث استدعت مصادقة الرئيس هولاند على قانون
رفع الضرائب على الأثرياء ردود فعل غاضبة حتى من أوساط الفنانين الفرنسيين
الكبار مثل الممثل الكبير جيرار ديبارديو الذي منحه الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين الجنسية الروسية، بعد أن قرر ترك بلاده والعيش في موسكو
التي لا تزيد الضريبة فيها على الأثرياء على 13% مقارنة ب 75% في بلاده،
وكذلك بريجيت باردو التي قد تحذو حذوه . وفي الخارج يبدو تجلي الروح
البونابرتية أكثر سطوعاً كأنها تعيد إنتاج النسخة “البوشية” (نسبة إلى
الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش) من العسكرتاريا .


نعم،
على فرنسا هولاند أن تبطئ من اندفاعها العسكرتاري المغامر في العلاقات
الدولية، وإلا ستجد نفسها غائصه في متاهات مآزقها، ناهيك عن المأزق الأكبر
والأخطر وهو وهو المأزق الاقتصادي .
اقرأ المزيد

اليسار البحريني والحراك الشعبي… بين انتفاضتين

من يقرأ التاريخ البحريني جيداً، يدرك أن القوى اليسارية والقومية كانت
تشكّل العصب الأساسي للانتفاضات الشعبية والنضال الوطني في البحرين سواءً
أيام الاستعمار البريطاني أو بعد ذلك.

ولم يتراجع هذا الدور إلا بعد
المد الثوري الإسلامي نتيجة نجاح الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979،
ولكن حتى بعد ذلك لم تغب القوى اليسارية عن الشارع تماماً، فقد شاركت
بقوةٍ في بداية أحداث التسعينيات عبر العريضة الشعبية والعريضة النخبوية
اللتين مثلتا مطالب الشعب البحريني في المزيد من الحرية والديمقراطية
وإنهاء حالة القمع وإرهاب الدولة بتسليط سيف «قانون أمن الدولة» سيئ الصيت،
والذي يتيح لقوات الأمن اعتقال وسجن أي شخص لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة،
حيث حظيت العريضة الشعبية بتوقيع أكثر من 23 ألف مواطن، في حين تم توقيع
العريضة النخبوية من قبل الشخصيات السياسية الفاعلة في المجتمع آنذاك، ومن
بينها العديد من الشخصيات اليسارية والوطنية والدينية. كما كان من بين
الموقّعين على هذه العريضة رئيس تجمع الوحدة الوطنية حالياً عبداللطيف
المحمود والذي سحب توقيعه لاحقاً بعد اعتقاله لمدة أسبوعين.

لقد عانى
اليساريون مثل غيرهم من القوى السياسية المعارضة، من هذا القانون الذي
فُرض على الشعب البحريني بعد حلّ المجلس الوطني في العام 1975، ولذلك اضطرت
قياداتهم للهجرة واللجوء السياسي خارج البحرين. كما تم اعتقال العديد من
كوادرهم وتعذيبهم في داخل السجون، ما أدى إلى استشهاد عددٍ منهم كسعيد
العويناتي، ومحمد غلوم، والدكتور هاشم العلوي، ومحمد بونفور، أحد قياديي
الانتفاضة الشعبية التي حدثت في مارس/ اذار من العام 1965، وعمّت جميع
أرجاء البحرين أجواء تشبه كثيراً ما حدث في فبراير/ شباط 2011.

فكما
اندلعت انتفاضة العام 1965 بشكل عفوي، بعد أن أقدمت شركة نفط البحرين
«بابكو» على طرد ما يقرب من 500 عامل بحريني من عملهم في الشركة، وأرادت
طرد 1000 عامل آخر، ما أدى إلى تضامن جميع العمال والطلبة في البحرين مع
المفصولين، كذلك اندلعت انتفاضة 2011 بشكل عفوي عندما اعتصمت الجماهير في
دوار اللؤلؤة للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية والمعيشية.

وكما
قمعت القوات البريطانية انتفاضة 65 حيث سقط خمسة شهداء وعشرات الجرحى
أثناء فض التظاهرات من قبل قوات الأمن التي كانت بقيادة الضباط الانجليز،
كذلك تم قمع انتفاضة 2011.

ومع ذلك، فإن هناك اختلافاً جوهرياً بين
الحركتين، وهو مشاركة جميع أبناء الشعب البحريني بمختلف طوائفهم
وانتماءاتهم السياسية وشرائحهم الاجتماعية في الانتفاضة الأولى، في حين
فضّل البعضُ أن يقف بشكلٍ معادٍ لتطلعات أبناء وطنه في الانتفاضة الثانية،
ولكن التيار الديمقراطي والجمعيات السياسية اليسارية والعلمانية يحق لها أن
تفخر بوقوفها إلى جانب الجماهير المطالبة بالإصلاح في كلا الانتفاضتين.

وكما
كتبنا بفخرٍ عن موقف آبائنا في الستينيات من القرن الماضي، سيكتب أبناؤنا
التاريخ الذي نعيشه اليوم، ولكن بكثيرٍ من الأسف على من رقص على جراح أبناء
شعبه.

اقرأ المزيد

درس مارس الذي لا يٌنسى



في كل عام، في مثل هذا الوقت، نقف أمام ذكرى انتفاضة مارس 1965، لاعادة
بسط الأفكار حول الأهمية الكبرى التي ترتديها هذه الانتفاضة في التاريخ النضالي لشعبنا،
من حيث كونها حملت في مضمونها وتوجهاتها البُعدين الوطني والاجتماعي.  فهي من جهة انتفاضة وجهت ضد الحماية البريطانية
على وطننا، ومصادرة الإرادة الوطنية المستقلة لشعبنا، وإحكام قبضة المستعمر
البريطاني على مقدرات البلاد، وهي من الجهة الأخرى حملت بُعدا اجتماعيا – طبقيا
كونها عبرت عن احتجاج الطبقة العاملة البحرينية، خاصة في شركة النفط، ومجمل
الجماهير الكادحة على أوجه الاستغلال الذي كانت الشركات الاحتكارية تمارسه ضدها. 


في أحد جوانبها الرئيسية بدت انتفاضة مارس تجسيداً للمنجز الرئيسي الذي
استطاعت حركة هيئة الاتحاد الوطني إحرازه، وهو وأد الفتنة الطائفية التي أطلت
برأسها في الخمسينات، وتوحيد جهود الشعب تحت قيادة رموزه الوطنية من قادة الهيئة، سنة
وشيعة، في النضال من أجل الديمقراطية والإصلاحات السياسية وإطلاق حرية العمل النقابي.
كانت انتفاضة مارس ٥٦٩١ انتفاضة للشعب كله من مختلف المناطق، بدءا من المحرق مرورا
بالعاصمة المنامة وجزيرة ستره وانتهاء ببقية قرى البحرين. والشهداء الذين قدمهم
الشعب في تلك الانتفاضة قربانا لقضية الحرية والديمقراطية يتحدرون من مختلف تكوينات
الشعب، ولم يقتصروا على طائفة بعينها. 


وإذا كانت هيئة الاتحاد الوطني قد قِيدت من قبل الشخصيات الوطنية التي
تميزت بدرجة عالية من المهابة والكاريزما السياسية والمقدرة على التأثير في الجماهير
وتحشيدها في النضال الوطني، فان “نجاح” سلطات الحماية البريطانية في تصفية
الحركة باعتقال، ومن ثم نفي وسجن قادتها، أدى إلى نشوء فراغ سياسي في البلد، كان يمكن
له أن يطول لولا أن التنظيمات الوطنية السرية التي تشكلت في منتصف الخمسينات مثل
جبهة التحرير الوطني والتنظيمات القومية، وبعضها تشكل في قلب حركة الهيئة، قد نهضت
بعبء قيادة الانتفاضة، وتحويلها من حركة عفوية في بداية اندلاعها إلى حركة منظمة، تجلت
فيها كل مظاهر الانتفاضة في شروطها المعروفة، وكانت لافتةً المشاركة الواسعة
والمشرفة للمرأة البحرينية في تلك الانتفاضة، حيث كان للنساء دور مشهود في فعالياتها
المختلفة، وهو الأمر الذي اظهر ومنذ وقت مبكر استعداد نساء بلادنا وحماسهن لأن يكن
دوما في قلب الكفاح لا من اجل حقوقهن كنساء فحسب، وانما من أجل مجمل أهداف النضال
الوطني الديمقراطي. 


إن الآثار العميقة لهذه الانتفاضة
ستمتد لاحقاً وستظهر في بنية وأداء الحركة الوطنية البحرينية وفي خبراتها النضالية
والتنظيمية وفي تعزيز خطابها السياسي والفكري وازديادها نضجاً. وانعكست روح
انتفاضة مارس ودروسها في مجمل المسيرة الوطنية اللاحقة لشعب البحرين، وهي الروح
التي خبت اليوم، وما أحوجنا اليها في ظروف الانقسام والتشرذم الطائفي المقيت
والمستشري، في أن يعود لروح هذه الانتفاضة ودرسها الأكبر، في أن الأهداف الوطنية
والديمقراطية والإصلاحية، لاتتحقق إلا بوحدة مكونات الشعب.
اقرأ المزيد