المنشور

أدمغة للعلم . . أدمغة للفن



لم يكن أينشتاين، الذي يعد أعظم علماء وعباقرة عصره فيزيائياً ورياضياً بدماغ محشو بالأرقام والمعادلات، بل إن سجلاته الدراسية تشير إلى أنه رسب في الرياضيات المدرسية، وكاد أن يطرد من الكلية بسبب أحلام اليقظة، وحسب أقواله هو نفسه فإنه لم يكتشف نظريته النسبية وهو جالس وراء مكتبه، إنما وهو مستلق على تلة خضراء في يوم صيفي جميل، حين كان ينظر بعينين نصف مغمضتين إلى الشمس التي تراقصت عبر رموشه متكسرة إلى آلاف الأشعة الشمسية الصغيرة .


ساعتها فكّر بالقيام برحلة عبر العالم على متن شعاع شمسي، ونتيجة لتأثره بهذه الرحلة الخيالية عاد إلى لوحه ومعادلاته منطلقاً من قناعاته بأن خياله أكثر صحة من تعليمه الرسمي، فتوصل إلى رياضيات جديدة تفسّر صدق ما أخبره به عقله .


هذه بيانات يوردها توني بوزان وهو يبحث “الاستخدام الأقصى لطاقات الدماغ العقلية” في الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه وترجمته إلى العربية الهام الخوري، مذكراً إيانا بأن الدماغ ينقسم إلى قسمين: أيمن وأيسر، وأنه إذا ما حدث تلف في الجانب الأيسر من الدماغ فإن الجانب الأيمن من الجسم قد يصاب بالشلل، والعكس صحيح، وينقل الكتاب عن العلماء أن تحفيز الجانب الأضعف من الدماغ وتشجيعه على التعاون مع الجانب الأقوى يؤدي إلى زيادة كبرى في القدرة العامة للدماغ وفاعليته، على نحو ما حدث لأينشتاين وهو يتأمل مستلقياً على التلة الخضراء، لأنه كان يستخدم جانبي عقله بدرجة استثنائية، حيث ينتج الجانب الأيمن من الدماغ الرحلة الجميلة المتخيلة، ويطور الجانب الأيسر الفيزياء والرياضيات الحديثة ليزود الصورة الجميلة التي خلقها بإطار رسمي، وهذا التوافق الخلاق زود الإنسانية بإحدى أهم النظريات على مر العصور، أي نظرية النسبية .


تبيّن دراسة حياة فنانين عظام أنهم لم يكونوا مجرد راشقي ألوان عفويين، فدراسة دفاتر ملاحظاتهم برهنت أن عقولهم رياضية وهندسية، مما يبدد التقسيم الدارج بين العقول “الفنية” والعقول “العلمية”، حين يجري الحديث عن عظماء المشاهير والعباقرة، لأن أدمغة هؤلاء كانت تجمع الفن والعلم معاً .


ينطبق هذا على سيزين وبيكاسو، وينطبق خاصة على ليوناردو ديفنشي الذي يعدّ صاحب أعظم العقول على مدى العصور، حيث عرف بجمعه بين التفوق في الملكات الرياضية والمنطقية والتحليلية، والتفوق في التخيل واستخدام اللون والشكل .
اقرأ المزيد

حقوق بحرينية وإخفاقات بريطانية

بواسطة:        Nicholas McGeehan

 


واقعة شهدها اليوم العالمي لحرية
الصحافة – 3 مايو/أيار – هذا العام، أثارت تساؤلات جدّية حول سياسة الحكومة
البريطانية إزاء البحرين. إذ احتفت السفارة البريطانية في المنامة باليوم
العالمي فنشرت على موقعها الإلكتروني مقالين ضد حرية التعبير، فيهما تشويه لجماعات حقوق الإنسان البحرينية، وتبرير للقمع الحكومي لبعض قطاعات المجتمع. 

أحد المقالين، وقد كتبه ممثل لمجموعة موالية للحكومة هي
“مواطنون من أجل البحرين”، أشاد فيه بالملك حمد على إتيانه بـ “حرية
الصحافة الحقيقية” إلى البحرين، في حين حذّر “الذين لا يفهمون المسؤولية
التي تواكب هذه الحرية”. المقال الآخر الذي كتبه أنور عبد الرحمن، رئيس
تحرير صحيفة أخبار الخليج الموالية للحكومة، يزعم أن “منظمات حقوق الإنسان
المزعومة” هذه “يديرها في الأغلب مؤدلجون سابقون بل وحتى إرهابيون” وأضاف:
“مثلما لا يمكن ترك الوحوش البريّة تجول في حرية، فمن الواجب إخضاع حرية
العناصر الضالة في المجتمع الإنساني للسيطرة”. 

في واقع الأمر، هناك توثيق جيّد لوجود مشكلات عميقة في سجل
البحرين الخاص بحرية التعبير، والأمر آخذ في التدهور. حكمت المحاكم على
نشطاء سلميين بالسجن المؤبد لمجرد أنهم مارسوا حقهم في حرية التعبير وفي
حرية التجمع، وفي أبريل/نيسان 2013 زادت الحكومة من العقوبة القصوى لإهانة
الملك من السجن عامين إلى خمس سنوات. 

في أبريل/نيسان 2012 رفضت وزارة حقوق الإنسان والتنمية
الاجتماعية منح تصاريح سفر لممثلين عن لجنة حماية الصحفيين ومراسلين بلا
حدود ومؤشر الرقابة ومنظمة القلم الدولية (بن إنترناشيونال). في رسالة
مشتركة إلى حكومة البحرين، وصفت هذه المنظمات القرار بأنه “محاولة متعمدة
لتقويض التغطية الشفافة من المراقبين المستقلين للأحداث وللحد من قدرتهم
على دخول البحرين”. 

في حالة المقالين على موقع السفارة، هناك ملحوظة على موقع
الحكومة البريطانية تعلن أن المقالين لا يعبران عن رأي الحكومة البريطانية،
وفيما بعد أصدر مكتب الخارجية والكومنولث توضيحين بنفس الغرض على حسابه
على تويتر. الحق أن من خلال منطق حرية التعبير الذي لا يتجزأ، فإن حتى من
يدعون إلى فرض قيود على المبدأ يجب أن تُسمع أصواتهم وتُعلن جهراً. لكن
الإخفاق في عرض آراء مضادة للآراء المعارضة لحرية التعبير – مصحوباً بقول
الحكومة البريطانية أنها “لا تتفق قطعاً مع هذه الآراء” – يعني أن السفارة
البريطانية في المنامة قد فتحت الباب أمام تعرضها للانتقاد، كونها تولي
أهمية أقل لتعزيز حرية التعبير في البحرين مما تولي من اهتمام للتقارب مع
حكومة البحرين القمعية. 

بغض النظر عن هذه التعليقات على الإنترنت، لم تبذل الحكومة
البريطانية أدنى جهد يُذكر للضغط على البحرين فيما يخص قضايا حرية التعبير.
بعد كل شيء فإن البحرين مصنفة رقم 165 من بين 179 دولة في طبعة عام 2013
من مؤشر حرية الصحافة العالمي (من إعداد مراسلين بلا حدود). ولقد وقع
مواطنون بريطانيون بأنفسهم ضحايا لقيود البحرين على حرية التعبير. في
الفترة من 17 فبراير/شباط 2011 إلى أبريل/نيسان 2013، هناك 38 صحفياً على
الأقل – بينهم صحفيين بريطانيين من الـ بي بي سي وفاينانشيال تايمز والقناة
الرابعة وسكاي نيوز – حرموا من تأشيرات دخول للبحرين ومنعوا من الدخول لدى
وصولهم إلى البحرين ورحلوا. أعرب وزير الخارجية البريطانية ويليام هاغ عن
القلق إزاء الاحتجاز المؤقت لصحفيين من القناة الرابعة، لكن على حد علمنا
فإن لا السفارة في المنامة أو وزارة الخارجية فعلا أكثر من هذا. 

في الوقت نفسه، فإن الصلات الأمنية بين البلدين ما زالت قوية.
في 29 أبريل/نيسان تقابل ريتشارد بينيغويان – رئيس منظمة التجارة
والاستثمار في الدفاع والأمن – والكومودور كريستوفر موراي – الملحق العسكري
البريطاني – بوزير الدفاع البحريني، الدكتور الشيخ محمد بن عبد الله آل
خليفة، في المنامة من أجل مناقشة “التعاون العسكري الثنائي” بين البلدين.
هل تمت مناقشة أية قضايا متعلقة بحقوق الإنسان أثناء الاجتماع؟ لا أعتقد. 

في أعقاب “واقعة” موقع السفارة البريطانية، أشار الخبير
المعني بالخليج كريستوفر ديفدسون أنه بينما قد تؤدي السياسة البريطانية إلى
“مزايا اقتصادية قصيرة الأجل”، فإن التقليل من الاهتمام بانتهاكات حقوق
الإنسان وغض الطرف عنها ليس ضمن ما يصب في المصالح الاستراتيجية لبريطانيا.
فهذا المنهج من شأنه أن “يؤدي إلى ضرر طويل الأجل يلحق بسمعة بريطانيا” في
نظر أعداد الشباب الغفيرة في المنطقة العربية. 

ولقد أعرب بعض أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان
البريطاني – التي تجري تحقيقاً في سياسة الخارجية البريطانية إزاء البحرين
والسعودية – عن ارتياب في قدرة بريطانيا على التأثير على مجريات الأحداث في
الخليج، لا سيما ما يتعلق بحقوق الإنسان. لكن من خلال التجارة
والاستثمارات والعلاقات الأمنية، فإن لدى بريطانيا نفوذ على عائلة آل خليفة
الحاكمة، ويجب أن تحضر لاستخدام هذه القدرة بشكل قوي فيما يخص الدفاع عن
حرية التعبير وغيرها من حقوق الإنسان. قام ولي العهد البحريني في
ديسمبر/كانون الأول 2012 بالإشادة ببريطانيا على دعمها، إذ قال: “لقد وقفتم
معنا وقفة أعلى وأكبر من الجميع” دون أي ذكر للولايات المتحدة. 

إذا كانت الحكومة البريطانية جادّة في دفاعها عن حرية التعبير
وحقوق الإنسان في البحرين، فعليها أن تدعو علناً وبقوة إلى الإفراج الفوري
عن جميع النشطاء البحرينيين السلميين الذين يقبعون وراء القضبان جراء
ممارستهم لحقهم في حرية التعبير ولحقهم في حرية التجمع، وأن تدعو إلى الرفع
الفوري للقيود المفروضة على ممارسة هذه الحريات الأساسية.

اقرأ المزيد

رزق الهبل على المجانين

في حين تؤكد الدولة بأن ليس لديها أي تعداد سكاني حسب الطوائف في
البحرين وأنها لم تقم في يوم من الأيام بإجراء مثل هذا المسح، تنشر إحدى
الصحف المحلية دراسة أكاديمية أجريت بجامعة «متروبوليتان» بالعاصمة
التشيكية براغ تحت عنوان «جماعات المعارضة كاذبون… لا تمييز اقتصادي أو
وظيفي بين الشيعة والسنة في البحرين».

بداية لا أعرف القيمة العلمية
أو لنِقُل الفتح العلمي العالمي الذي يستدعي أن تُجري جامعة أجنبية، لا
تربطنا بها أي صلة كانت، مثل هذه الدراسة لتثبت أن المعارضة لدينا تكذب
وأنه لا يوجد تمييز بين الطوائف في البحرين، كما لا يمكنني استيعاب كيف
يمكن أن يخصص أكاديمي بمرتبة رئيس قسم العلاقات الدولية والدراسات
الأوروبية في هذه الجامعة أكثر من 18 شهراً من وقته الثمين لإجراء هذه
الدراسة التي لن تعني له شيئاً البتة كما أنها لن تعني شيئاً لجمهورية
التشيك، ما لم يقبض نقداً ثمن وقته وجهده بالعملة الصعبة.

الدراسة
المزعومة، والتي أفردت لها صفحة كاملة من هذه الصحيفة، تستعرض نسبة الشيعة
والسنة في أكبر ست وزارات في البحرين بجانب نسبتهم في أكبر عشر شركات وأكبر
خمسة بنوك وأكبر خمس مؤسسات حكومية في الدولة ليستخلص في النهاية أن نسبة
الطائفة الشيعية أكبر من نسبة الطائفة السنية في هذه الوزارات والمؤسسات،
ما يعني في النهاية أنه ليس هناك تمييز وظيفي في البحرين.

كما أسلفنا
سابقاً فإن الدولة تؤكد أن ليس هناك حتى الآن تعداد سكاني حسب الطوائف في
البحرين، كما أن البحرين مثلها مثل جميع الدول التي تمارس التمييز بين
سكانها تفتقر للمؤسسات المختصة بإجراء البحوث والدراسات المجتمعية، ولذلك
يمكن القول بأن ليس هناك مرجع يمكن الاعتماد عليه لإجراء مثل هذه الدراسة
وبالتالي التوصل لنتائج محددة، ولهذا فإن الدراسة المزعومة لا تذكر أبداً
ما هو مصدر معلوماتها ومن أين أتت بالأرقام التي أوردتها بالدراسة كما لا
تشير من قريب أو بعيد لأي مرجع، وهل قامت بالدراسة عن طريق بحث ميداني زارت
خلاله البحرين أثناء إجراء الدراسة.

الأمر لا يقتصر على عدم ذكر
المصادر وإنما اكتفت الدراسة بذكر النسب دون ذكر الأرقام فمثلاً حددت نسبة
الطائفة السنية في وزارة الصحة بـ17 في المئة وفي شركة طيران الخليج بـ45
في المئة دون أن تذكر العدد الفعلي للعاملين في هذه المؤسسات، ما يعني أن
الأمر لا يتعدى محاولة خداع لا تنطلي حتى على طلبة الثاني الإعدادي.

الأدهى
أن الدراسة تزعم أنها تعرف نسب العاملين من الشيعة والسنة في مختلف
القطاعات ذات الدخول العالية مثل تقنية المعلومات، الصيدلة، الهندسة،
الموارد البشرية، التمويل والمحاسبة، الكيمياء والفيزياء والإحصاء، علم
النفس والاجتماع، الإدارة والإشراف… وغيرها، وبالطبع لا يمكن علمياً
معرفة هذه النسب ما لم تكن هناك إحصائيات موثقة ودقيقة في جميع الشركات في
البحرين الخاصة والعامة تحدد نسب الطائفة الشيعية والسنية فيها وأن
القائمين على هذه الدراسة استطاعوا الوصول إلى هذه المعلومات وتصنيفها حسب
كل قطاع على حدة.

كذبة كبرى أريد لنا تصديقها في حين أن الأمر لا
يعدوا وبكل بساطة، أن شركات العلاقات العامة الأجنبية والتي تصرف لها
الملايين من الدولارات لتلميع صورة البحرين في الخارج، استطاعت أن تخدع
البعض من خلال إجراء دراسة وهمية، وعلى من يهمه الأمر أن يدفع مقابل ذلك
مبلغاً وقدره…! وكما يقال رزق الهبل على المجانين.

اقرأ المزيد

غطرسة التقدم



لو راقبنا رسوم طفل لم تشوهه بعد المدرسة الابتدائية التي تحد من ذكاء الأطفال عموماً، لرأينا أنها تشبه إلى حدٍ غريب لوحات “جان ميرو” أو “مارك شاغال”، والأول رسام إسباني سريالي توفي عام ،1983 والثاني رسام فرنسي ولد في روسيا، توفي عام 1985 وكان من أوائل من بشروا بالسريالية .


أما العبارة الساخرة أعلاه فتعود للروائي والرسام الأرجنتيني إرنستو ساباتو في معرض نفيه لفكرة أن الفن يتقدم التي يراها فكرة بائسة روجتها المدارس الفلسفية التفاؤلية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وظلت محتفظة بقوة الدفع التي كانت عليها حتى القرن العشرين .


يقول ساباتو إنه وجد في مجلة ألمانية فنية حديثة رسماً لديك، كان من رسمه يدعى مولر، ويبدو، حسب الكاتب، أنه انتحله من بيكاسو . إلى هنا يبدو الأمر منطقياً، لكن الرجل يذهب إلى ما هو أبعد حين يقول إن بيكاسو نفسه كان قد انتحله وادعاه لنفسه، بينما كان من إبداع أحد السود المساكين في إفريقيا الوسطى، وهو الوحيد الذي لم يكسب دولارات من المسألة .


ومن هذه الفكرة ينطلق ساباتو للقول إن جزءاً كبيراً من فن عصرنا هو عودة إلى فن الشعوب التي يدعونها بدائية وحتى “متوحشة”: “ما الذي يشبه رسم فنان كبير من هذا العصر أكثر من تلك الرسوم السحرية التي تظهر في كهوف “التاميرا” التي تقع في شمال إسبانيا واكتشفت في القرن التاسع عشر، وهي مزينة برسوم جدارية صخرية مزخرفة بألوان عدة، تمثل صوراً واقعية لحيوانات كالغزال والحصان” .


في الفكر الخالص وفي العلوم هناك دائماً تقدم . إن رياضيات “آينشتاين” تتفوق على رياضيات أرخميدس . لكن الشخصيات الروائية اليوم ليست بالضرورة متقدمة على شخصيات الملاحم القديمة . ليس الموسيقيون الذين أتوا بعد بيتهوفن هم بالضرورة أكثر تقدماً منه، لأنهم أتوا بعده . هذا الفهم، يرى أرنستو ساباتو نفسه، ينطبق على تمثال من عصر رمسيس الثاني، من تلك التماثيل الجامدة، الغامضة، الهائلة . 


وهو هنا يسخر من “الغطرسة الأوروبية التقدمية”، فالمصريون، مثلاً، وعلى خلاف ما يذهب الأوروبيون كانوا ينحتون فراعنتهم الأموات بهذا الشكل الهندسي والمجرد، لأن الواقع الحقيقي بالنسبة إليهم، لم يكن هذا العالم العابر، عالم الأنهار والأحصنة التي تجري، وأجسامنا التي تهرم وتموت، وإنما واقع ما بعد الموت، ولذا بلغ فنهم ذلك الشأو الذي بلغه والذي لا يتكرر .
اقرأ المزيد

نـشـيــدُ السـواعــد….! (لآيـــارُ الـنـضــال)


أقام المنبر التقدمي إحتفالا مميزا بيوم التضامن الاممي مع العمال والشغيلة في العالم وذلك مساء الاحد 12 مايو، جرى فيه عزف مقطوعات للفنان الراحل مجيد مرهون عزفها الفنان أحمد الغانم على آلة الفلوت والقى فيه الشاعر عبدالصمد الليث قصيدة نشيد السواعد هذا نصها 
 

 




نـشـيــدُ السـواعــد….!



(لآيـــارُ الـنـضــال) 

  
  

 
لقد غيضَ ماءُ الصمتِ في شَفةِ الحِمى   
             وقد فيضَ بحرُالصوتِ من ديَمِ الدِما


فقد آن للجُرحِ المُقيمِ على الأسى 
            بأن يعلنَ الشكوى وأن يتبرما


وأن يسرجَ الحرفُ المعذّبُ نزفََه 
            وأن يحملَ الهمّ المعتّق ملهمًا


وأن يصطلي من لاهبِ العشقِ خائضاً 
            غمارَ الأماني واثباً متقحِّما   


وماذا يخاف اليوم والعمرُ مشرفٌ 
            على شمعةِ السبعين إرثاً ومَعلَما


أذا كان في شرخ الشباب مُوَلَّهاً 
            فأولى بإسعادِ السنينِ تراكُما


فما زالَ رغمَ الشيبِ يدوي شبابُه 
            وما زالَ عودُ القلبِ غَضّاً مُتيّما


مشوقٌ أنا يا ناسُ فيكم ومنكمُ 
            فكلّ نجومِ الحبِّ أنتم لها سما


فمن أرضِكم أصلي ومن أرخبيلكم 
            سنيناً تعلّمتُ النشيدَ مُنغَّما


وبادرني وعيُ المطارق يافعاً 
            لأنهلَ مِن فكرِ الحقيقةِ دائما


فكانت (جتوبُ)الحزب والبيت والرؤى 
            ومنهلَ إيثارٍ وما زال مُفعما


أضأنا معاً في حالكِ الدربِ قبسةً 
            لتطلق إصرارَ الحِذارِ وتُـفِهما


و دسّت يدُ الملحانِ في نبضِ مهجتي 
            فعولَ مناشيرِ الرفاقِ تكَرُّما


و حطّت على عشِّ الفؤاد نوارسٌ 
            فصار نشيدُ المهرجانِ مُحَتّما


فعشت يقينَ الشمسِ في جوفِ ضيمِنا 
            وفي موج رفضِ الكدحِ صرتُ مُعَوَّما 


وكانت لنا (ألبا) الكفاحِ و صنُوها… 
            (نـقـابـةُ عـمـّالِ البـنــاءِ) لـتـرسما


و عاضدها في (الكهرباءِ) و(صحة)… 
            سواعــدُ مَـن يـبـنـونَ لـلخيـرِ عالما


وجايلتُ أيجابَ الثقاتِ ودأبَهم 
            وسلبَ خطاهم إذ يرون تزاحُما


ولكنهم عند الشدائدِ ثُلَّةٌ 
            تماهت بحبِ الأرخبيلِ تجَشُّما


فكم غالبوا قيدَ العذاباتِ واكتووا 
            بنارِ الرزايا والمنايا ومن رَمى


فباتوا عُطاشى والخليجُ بِمَدِّهِ 
            وغرثى ويغفوسارقُ القوتِ مُتخما


وأمسوا طعاماً للسياطِ وصابروا 
            وكم غيَّبت تلك الزنازينُ أنجما


وكم أبحرت صوبَ الوداعِ سفائنٌ 
            بأشرعة أنّت بفقدٍ تلاطَما


ونحوهمُ ترنو قلوبُ أحبَّةٍ 
            تعيش على الذكرى وتحتاج بلسما


وأبصرتُ في بعض الموانئ أرسماً 
            تـشـحُّ بـإيـــثـارٍ وتــدثـرُ أرســمــا


تبيع سماواتِ الحياءِ وتشتري 
            فتركعُ ديناراً وتسجد درهما


ومن زخرفِ القولِ القميءِ وفعلِها 
            تعيد صدى تـنعابهـا مـتـشائـمـا


وطوردت اللاءاتُ في كلِّ موردٍ 
            فجابت جهات الكونِ ظلماً ومَغرَما   


ومن كمدٍ يقضي هضيمٌ ونابهٌ 
            ليطوي على جمرٍ وينظر مجرما


لآلئَ رباتِ البيوتِ تدوسها 
            سنابكُ حقدٍ لا تعاف مُحرّما


و مزّق أعشاشَ الطفولةِ صائدٌ 
            برصدِ ثـقوبٍ تُلقمُ الموتَ  مَطعما


وفي عرسِ أقمارِ الشبيبةِ أفجعت 
            زغاريدَ عَبرى والصمودُ تكلَّما


وديست رموزُ الناسِ والدارِ والنُهى 
            و لؤلؤةٌ عادت هشيماً مُحَطّما   


و بحَّ هديرُ الماءِ من خُدَعِ الصدى 
            بفيءٍ لنا في جيبِ أعدائنا نما   


خذوا حِذركم قلنا وليس بمُسمعٍ 
            إذا كان من يسعى أصمّاً وأبكما


(تراءى لبعض الظامئين بقيعةٍ 
            سرابٌ فنادوا: ماء غوثٍ توهُّما   


تراءى لهم أن الندى يملأ المدى 
            فقالوا:بأن الديك قد باض رُبّما


تراءت لهم من زُخرفِ القولِ طيبةٌ 
            فكالوا مديحاً جبَّ للحالِ مأثما   


تراءى..تراءت والمصاديقُ صخرةٌ 
            على فعلِها المصداقِ تنكسرُ الدُمى)*   


(ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً)** 
            كم قالها(ابن العبد طرفة)عالما   


سيجلو سنا الإشراقِ ديجورَ فتنةٍ 
            وينسج إيلافُ القلوبِ تلاحُما


ستأتلق البحرينُ ـ بحرُ ونخلةٌ ـ 
            تـقـرُّ بها عينُ النهارِ وتَسلمـا 


أحباي هذا يومُكم فتوحّدوا 
            بكم وطنٌ يزهو عزيزاً مُعَظَّما


و طوبى لمن حازَ المكارمَ صامداً 
            و بيومِـنا الطـبـقيِّ صارَ مُكَرَّمـا 


 




* من قصيدتي”تراءى”
** من معلقة طرفة بن العبد
 

قصيدة للشاعر عبدالصمد الليث
12 مايو 2013
 


 


اقرأ المزيد

في اليوم العالمي للتمريض… التمريض ليس بخير في البحرين – رولا الصفار

هكذا يمر اليوم العالمي للتمريض على البحرين، ومازال ممرضونا مغيبين في
غياهب السجون. في مثل هذا اليوم الذي يصادف 12 مايو/ ايار تم الحكم على حسن
معتوق بالسجن ثلاث سنوات بجرمين: أولهما كونه أحد الكوادر الطبية الذي عمل
في قسم الطوارئ بمركز السلمانية الطبي، وثانيهما هوايته للتصوير. ممرض نشط
في مساعدة الجرحى ومصور عدسته دارت في الأزمة في وقت كانت كل العيون
كاميرات، حاله في ذلك حال زميلي أمين سر جمعية التمريض البحرينية الممرض
الدولي إبراهيم الدمستاني الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لكون ضميره
نابضاً، فسعى لإسعاف الجرحى وتأهب بكامل جهوزيته لهم، وأراد أن يرى العالم
ما جرى لأهل البحرين ولولده الشهيد علي.

ممرضونا قدّموا الكثير من
العمل المضني خلال أزمة 2011 مع زملائهم الأطباء، مثل علي العكري المحكوم
بخمس سنوات، والصيدلاني أحمد المشتت المحكوم بسنتين، والذي سنفرح ونحتفل
بخروجه يوم 17 مايو الجاري.

في هذا اليوم نستذكر ممرضي وممرضات
الطوارئ والقلب والولادة والعناية القصوى، وما وقع عليهم من ظلم، فتم فصلهم
وإهانتهم، وبعد إرجاعهم لأعمالهم، نقلوا إلى وظائف مختلفة عن تخصصاتهم بل
ومتدنية، وهو ما يدل على الخذلان الكبير من أصحاب القرار بـ «الصحة» الذين
عمّقوا الجراح بدلاً من توفير الأمان الوظيفي لممرضي البحرين. فهل يعقل أن
يُهان هذا الممرض الذي تعب على بناء نفسه في دراسته وتخصصه، فيُنقل إلى
مكان غير تخصصه واستبداله بشخص غير ملم وغير كفوء في أماكن حساسة تحتاج إلى
تخصص ومهارة وخبرة مثل الطوارئ والقلب والعمليات الجراحية؟ ألهكذا مستويات
تسلم أرواح الناس؟

رغم قسوة السجن لمجموعة من ممرضي وممرضات ومساعدي
تمريض، إلا أنهم لم يبكِهم التعذيب الذي لاقوه ولا التحقيق الذي تعرضوا
له، ولم تؤلمهم الألفاظ القبيحة التي صدرت من معذبيهم، بقدر ما آلمهم تصرف
زملائهم الذين وشوا بهم وهللوا وزغردوا عندما تم القبض عليهم من مكان العمل
وأمام أعينهم.

حتى طلبة التمريض وطلبة الكليات الأخرى الذين تم جرهم
من مقاعد الدارسة بسبب وشاية زملائهم منزوعي الضمير والإنسانية. لقد تم
جرّهم إلى الكابينات المتواجدة في حرم الكلية والمستشفى لتعذيبهم وضربهم
وشتمهم وشتم معتقداتهم من غير أي ذنب اقترفوه سوى مطالبتهم بحياة كريمة
عادلة لهم ولأولادهم وللجيل القادم من البحرينيين.

سقطت المواثيق
وأهين القسم الطبي حيث لم يقف لا أستاذ ولا عميد في وجه الظلم الذي حاق
بزملائهم من الكادر الطبي، فما جدوى شهاداتكم ومواثيقكم التي لم تنحز
للإنسانية. كيف تعرف التمريض في نظر الناس والعرف الطبي أليس صفة إنسانية؟
أليس دوره في هذا الظرف العصيب؟ ما ذنب طلبة التمريض الذين تم سجنهم
واعتقالهم لأشهرٍ، ومنعهم من إكمال دراستهم لحين آخر، وبعد تخرج بعضهم يتم
الاتفاق على عدم توظيفهم في أيّ مستشفى!

إحدى الشخصيات التمريضية
تتبجح بالقول: «لن نتمكن من تشغيلكم لعدم خبرتكم في مجال التمريض»، وهي
تعلم أنهم ممرضو وخريجو الكلية نفسها التي تخرج منها هذا الطالب المنبوذ من
الوظيفة بل على العكس من ذلك، إنهم خريجو بكالوريوس تمريض، وقد تخرّجوا
أولاً بدبلوم وبعدها بسنوات التحقوا ببرنامج البكالوريوس!

كم هو أمر
محزن أن نرى ممرّضين يظلمون زملاءهم لأسباب شخصية وكيدية من أجل الوصول إلى
رتب عليا، وليس عن جدارة وكفاءة! أونسيتم هكذا وبسهولة ميثاق أخلاقيات
المهنة؟ أم ترونها مجرد مادةٍ تُدرّس فقط لا غير؟

أود أن أذكر بمن
كانوا وكيف وصلوا لأعلى الرتب، إن ذلك ليس نتيجة تعب وجدارة، بل عن جدارة
في التطبيل المستمر لفلان وعلان! مهنة التمريض يا سادة تتبرأ من كل طبّال
في هذه المهنة الشريفة! مهنة التمريض هي مهنة الضمير الحيّ النابض وخير
مثال هنا هما حسن معتوق وإبراهيم الدمستاني.

لدينا الآن ما يقارب
الـ500 ممرض وممرضة عاطلين عن العمل نظراً للكراهية والطائفية المغروسة في
قلوبٍ لم تعرف المصداقية يوماً ما. إن هؤلاء عارٌ على مهنة التمريض الذي
سيسمح لجيل التمريض القادم أن يضيع في الشارع، في حين أن هناك شحّاً في
الممرضين! ولن يعي هؤلاء لما يجري الآن إلا بعد أن يهرم أحدهم ويرى تدني
الرعاية الصحية له، يرى نفسه مقعداً محتاجاً إلى رعاية من هذا الجيل
المظلوم في بلده.

لم تعد تملكني الشجاعة ولا القلب أن أقف ثانيةً على
منصة ساحة الحرية في المقشع للاحتفال بيوم التمريض العالمي إلا بوجود
المعتوق والدمستاني والعكري، جنباً إلى جنب. أذكر هؤلاء بالذات، هذه
الشخصيات بالذات لما لاقوه من ظلم جارٍ عليهم منذ العام 2011.

لن
ننسى زملاءنا من الكوادر الطبية في هذا اليوم الذين اعتقلوا من غير ذنب،
كحليمة الصباغ، مساعد طبيب أسنان، والسيدسعيد العلوي مساعد ممرض، وشريفة
سلمان مساعد تنظيف، جميعهم يعملون في وزارة الصحة! العار لكل من وشى بكم
وتلوّث بظلمكم، وثقوا أن الحرية لكم أيها الشرفاء وسنكون حتماً بانتظاركم.

الحرية لممرضي البحرين ولكل أرض ذاقت مرارة الحرب وسياسة الكراهية.

اقرأ المزيد

وحش العسكرة الكاسر



لدقة
الموضوع وخطورته، سوف تبدو شروحات مقدماته ضرباً من السفسطة المذمومة .
وهذا ما يدعونا إلى الولوج فيه مباشرة، مبتدئين بالتحذير من أن شبح وحش
العسكرة الكاسر الذي طالما حذرنا من إطلالة رأسه المرعبة، يكاد اليوم يطبق
بالكامل على مصائر عديد مجتمعاتنا العربية بعد أن “نجح” في اجتياز “بوابات”
مدنها الآمنة، وراح يتنقل بحرية وفي رابعة النهار بين أحيائها وأزقتها
معلناً عن نفسه كحقيقة واقعة ليس ممكناً بعد اليوم، وإلى أمد غير معلوم،
تجاهلها حين التفكير في النفق المظلم الذي أُدخلت تلك المجتمعات العربية
فيه وكيفية إخراجها منه .


“بروفة”
العسكرة انطلقت من الجزائر على أيدي جبهة الإنقاذ الوطني الجزائرية (إخوان
مسلمين)، بزعامة عباسي مدني ونائبه علي بالحاج وحلفائها من الجماعات
الإسلامية السلفية التكفيرية، حيث تحولت الجزائر منذ عام 1992 وعلى مدى
أكثر من خمسة عشر عاماً إلى مسلخ لا يكاد يمر يوم منها من دون ذبح وقتل
همجي . ولكن الجيش الجزائري ظل متماسكاً خلال حربه ضد المجموعات الإرهابية،
وتمكن بفضل ريوع النفط والغاز من الصمود في حرب الاستنزاف التي أراد
الإرهابيون بواسطتها تدمير بنية البلاد الأساسية وكل ما ينتمي فيها إلى
الحضارة المعاصرة، وإعادتها إلى “أحضان” العصر الجاهلي الطالباني .


“سنعيد
العراق إلى العصر الحجري” عبارة تفوه بها جيمس بيكر وزير الخارجية
الأمريكية إبان ولاية جورج بوش الأب في تلك البرهة الزمنية القصيرة في
القاعة الضيقة لأحد فنادق جنيف حين التقى طارق عزيز وزير خارجية العراق
آنذاك، وسلّمه رسالة الإنذار الشهيرة التي تركها الوزير العراقي ملقاة على
الطاولة . وكان ذلك عشية انطلاق الطائرات والصواريخ الأمريكية والأطلسية
لتدمر العراق فجر السادس عشر من يناير/كانون ثاني 1991 . فكانت الفوضى
وكانت العسكرة أداتي تأمين هذا الهدف .


واليوم
فإن العسكرة هي الحقيقة الأكثر نصاعة والأكثر حضوراً – وطغياناً إن شئتم-
في المجتمعات التي أصابها “الربيع العربي”، من تونس إلى مصر . . إلى ليبيا .
. إلى سوريا . . إلى اليمن . فلقد تحول السلاح إلى أداة “القول الفصل” في
فض الاحتراب الذي نشب بين أفرقاء بقايا الأنظمة المُطاحة، التي عرفت كيف
“تبعثر تخندقها البديع” داخل مفاصل الدولة، وبين “العشوائيات” الحزبية التي
رفعها القدر فجأة إلى سدة الحكم، وأفرقاء عملية التغيير أنفسهم بالإجمال .
. بعد أن تم إسقاط كل الروادع الدينية والأخلاقية والإنسانية والمناقبيات
الوطنية والحضارية المتكرسة على مدى التاريخ .


والغريب
أن هذا الارتداد الحضاري المريع، بحسبان التدمير الهائل للنسل والحرث
والحجر الذي أحدثته وتحدثه العسكرة، يحظى برعاية كاملة وتشجيع ودعم قوى
الحضارة الغربية، ونواتها المركزية تحديداً، التي لم تجد غضاضة إطلاقاً في
الدفع المحموم والعلني بخيار العسكرة وتوفير السلاح والعتاد لقوى العسكرة .


وهنا
مكمن الخطورة، “فانفجار”الهويات والعصبيات على النحو المخيف وغير المسبوق
في التاريخ العربي الحديث، والذي وجد الطريق معبدةً أمامه في الداخل العربي
. . من بيئة حاضنة، وتشكيلات تحزبية مؤطرة وشبه مؤطرة مهيأة للتحول في أية
لحظة من فضائها التنظيري التكفيري والإلغائي إلى فضاء ترجمة هذا النظر إلى
واقع، عوضاً عن أن يجد في الفضاء الدولي ما يكبحه، فإنه وجد في هذا الفضاء
للأسف الشديد التشجيع والدعم السياسي والمادي . فلطالما كان الاقتتال
الأهلي مقاربةً مثالية للقوى الغربية للدخول على خطوط أزماتنا والتدخل في
شؤوننا بما يحقق مراميها ومصالحها .


ولما
كان انفجار- أو بالأحرى تفجير- الهويات والعصبيات عامّاً وشاملاً، فإن
العسكرة لم تقتصر على بلدان “الربيع العربي”، فها هو لبنان يتدحرج على
برميل بارود قابل للاشتعال في أية لحظة . ولعله النموذج الأسطع لملابسات
ظاهرة “النشوء والارتقاء” لحالة العسكرة من شكلها الجنيني البدائي إلى
شكلها الميليشياوي المجهز تسليحياً ومالياً وتدريباً رفيعاً . . وهي عسكرة
لا يبدو أن هناك من مخزون العقل والحكمة ما يكفي لتجنبها وتجنب الكارثة
اللائحة في الأفق المتلبد بغيومها السود، والتي تتحرق “إسرائيل” إلى لحظة
“كهربتها” وانجلاء غيثها عن حالة لا تُبقي حجراً على حجر في الوطن اللبناني
.


إنها
العسكرة المجنونة التي تبدو الرهانات فيها على العقل الوازن الذي تمثله
نسبة ال 50% من غير الأميين والجهلة، ساذجة إلى حد كبير، وذلك أخذاً بعين
الاعتبار أنها لا تعدو أن تكون كتلة صامتة متشظية ومتوزعة على طوائف
وقوميات وأعراق غير آمنة على مستقبلها في ضوء الاستهدافات الواضحة والفادحة
لها ولحرماتها الدينية وممتلكاتها من جانب العسكرة المتوحشة .


هل هو طور تاريخي مرحلي فرضته الظروف الموضوعية والذاتية لا مناص أمام المجتمعات العربية سوى عبوره وتجرع آلام نتائجه الكارثية؟
اقرأ المزيد

سيكولوجيا الديكتاتور



في عام 1804 قال نابليون لأحد أقرب المقربين إليه: “إن السلطة هي خليلتي أو رفيقتي، لقد بذلتُ جهوداً فائقة في هذه الفتوحات تجعلني لا أسمح لأحد أن يأخذها مني أو يبعدها عني أو حتى يرنو إليها أو يشتهيها” . يُنسب إليه أيضاً قوله: “إني أحب السلطة كما يحب الموسيقي كمانه” . وقال أيضاً: “إنني لا أعيش إلا للأجيال القادمة” .


لقد استحوذت عليه فكرة المجد، ولكي يظهر قوته وقسوته وصلابته قال: “أنا لا أحب أحداً، إنني حتى لا أحب أخوتي . أعلم جيداً أنه لا أصدقاء حقيقيين لي، فطالما أني مستمر على ما أنا عليه، فإنه يمكنني أن أحتفظ بعدد كبير من الأصدقاء الظاهريين كما أشتهي . دع رقة الشعور للنساء فتلك مهمتهن، لكن الرجال يجب أن يكونوا رابطي الجأش ذوي أهداف محددة، وإلا تخلوا عن أهدافهم في الحرب والحكم” .


هذه مؤشرات وأقوال قد تسعف الدارس لنفسية وسلوك الديكتاتور، أي ديكتاتور في العالم، لأن نابليون على خلاف الكثير من الطغاة، كان صريحاً وصادقاً وهو يشرح ما يؤمن به أو يحسه ويقدم توصيفاً لشخصيته .


يقول المؤرخون إنه أرهق نفسه كما أرهق غيره، فقد كانت طاقته أقوى من بدنه . فملأ في عشرين سنة أحداثاً تكفي لقرن، لأنه كان يكثف عمل الأسبوع ليجعله في يوم واحد، كان يأتي إلى مكتبه في نحو السابعة صباحاً ويتوقع أن يكون سكرتيره مستعداً للحضور في أي وقت . كان يعطي الأوامر:”كن هنا في الساعة الواحدة ليلاً، أو في الرابعة صباحاً” .


يوصف بأنه حاد الحواس إلى الدرجة التي كان يعاني فيها من هذه الحدة . كانت له أذنان تلتقطان كل شاردة وواردة، وكانت حاسة الشم عنده مرهفة، وله نظرة حادة تخترق ما هو ظاهر من الأشياء . وإلى ذلك كان مسكوناً بالفضول والدقة: يحب الاستطلاع ويوجه الأسئلة الدقيقة، وقرأ مئات الكتب ودرس التواريخ والخرائط، وقد انعكس ذلك على حكمه للأشخاص، فلم تكن المظاهر والمجاملات تخدعه: “شخصية المرء لا تظهر على وجهه إلا إذا صار كبير السن”، هكذا كان يقول، واعتمد ذلك قاعدة في تعامله مع محيطه .


أحد خصومه قال عنه: “ليس هناك أبداً عقل مثل عقله من حيث التنظيم والانضباط”، أما غوته فقد ذهب إلى الحد الذي لا يخطر على البال حين قال: “إن عقل نابليون هو أعظم عقل أنجبته البشرية”.
اقرأ المزيد

مجلس النواب يقف مع التمييز بين المواطنين

في اجتماعها الأخير يوم الاثنين الماضي رفضت لجنة الشئون الخارجية
والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب اقتراحاً بقانون بشأن حماية الوحدة
الوطنية.

الاقتراح «يحظر التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات
العامة بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الانتماء
الطائفي أو المذهبي»، ويعاقب بالحبس كل من يخالف ذلك أو يحرّض بطريق من
الطرق العلانية على بغض طائفة من الناس أو على الازدراء بها إن كان من شأن
هذا التعرض المساس بالوحدة الوطنية أو إثارة الفتن الطائفية.

ومن
المضحك أن اللجنة أرجعت رفض هذا المقترح بسبب وجود بعض المواد المخالفة
للدستور في هذا المقترح، وفي حين رأت أن مواد أخرى متحققة وموجودة في
قوانين أخرى.

لا نعرف بالضبط ما هي المواد المخالفة للدستور التي تحظر التمييز بين الناس عموماً والمواطنين خصوصاً، كما أن اللجنة لم توضّح ذلك.

وللعلم
فقط فإن مجلس النواب أسقط مقترحاً نيابياً في العام 2008 بتشكيل لجنة
تحقيق برلمانية في ما سمي بـ «التمييز الوظيفي في البحرين في الوزارات
والمؤسسات الحكومية» فيما أسقط قانوناً لتجريم التمييز في العام 2010.

لا
يمكن لأي إنسان محايد أن يتجاهل مدى التمييز الحاصل بين طائفة وأخرى في
البحرين، ويكفي النظر للوظائف العليا في البلاد من وزراء ووكلاء وزارات
ومدراء وسفراء وضباط ليتبين حجم التمييز.

في أحد المؤتمرات الصحافية
أشار قيادي في جمعية الوفاق إلى أن الجمعية قامت بحصر المراسيم والقرارات
التي نشرت في الجريدة الرسمية والتي صدرت خلال الفترة من 14 فبراير/ شباط
2011 إلى 15 أغسطس/ آب 2012 لشغل المناصب العليا في البلاد. وذكر أن عدد
القرارات بلغ 108 قرارات، وعدد المراسيم الملكية بلغ 79 مرسوماً، في حين أن
عدد الأوامر الملكية بلغت 11 أمراً، بما مجموعه 198 مرسوماً ملكياً
وقراراً وزارياً.

وقال: «من خلال الأرقام والتعيينات نجد أن من 14
فبراير 2011 إلى 15 أغسطس 2012 تم تقليد 296 شخصاً في مناصب كبرى، منهم 254
من الطائفة السنية الكريمة، و42 من الطائفة الشيعية. بما نسبته 14 في
المئة للشيعة، و86 في المئة للسنة».

وبعيداً عن ما تعانيه طائفة
معينة من التمييز في الوظائف العليا وعدم السماح لأبنائها في التوظيف في
بعض الوزارات (الخاصة)، فإن ما ينشر يومياً من خلال وسائل الإعلام من تخوين
وسب علني ما يعد تحريضاً علنياً على «بغض طائفة من الناس والازدراء بها»
يعد سبباً كافياً لإصدار مثل هذا القانون.

اقرأ المزيد

لأنني لم أكن يسارياً تقدمياً – د. فواز فرحان

قبل سنوات، لأنني لم أكن يسارياً تقدميا
كنت حانقاً وغاضباً من الوضع العام المرتبك سواء على المستوى الوطني أو
الإقليمي أو العالمي وكان اليأس من إصلاح هذا الوضع وتغييره هو المسيطر على
شعوري ونظرتي للمستقبل.

لأنني لم أكن يسارياً تقدمياً كنت أعتقد بأن أساس مشاكل مجتمعنا هو
موروثه الذي وصل إليه عبر أجيال سبقته وثقافته التي لم يكن له ذنب مباشر
بتبنيها، وكنت أعتقد بأن تغيير هذا الموروث وهذه الثقافة هو مفتاح كل تغيير
وكل إصلاح في مختلف جوانب حياة هذا المجتمع، غير ملمٍّ بتواريخ الشعوب
والتي لم يكن الاستهداف المباشر لموروثاتها وثقافتها هو مفتاح تطورها
وتغيير وجهة مسيرتها وغيرَ مستوعب بأن انتصار الطبقات المُستغَلة على
الطبقات المُستغِلة كان هو مفتاح تغيير النمط الاقتصادي وبالتالي النظام
السياسي والذي انعكس لاحقاً على موروثات وثقافات المجتمعات، ولا أخفيكم
خبراً بأنني كنت قاسياً وشديداً في نقد موروث وثقافة المجتمع بهدف (تثقيفه)
وتلقينه ما أعتقد به من أفكار مما تسبب بحالة اليأس الشديد عندي غير
مستوعب بأن تلقين المجتمع بهدف تغيير ثقافته هو ضرب من المستحيلات سينتهي
به الأمر داخل البروج العاجية لمن يسمون مثقفين وفي حدود المقاهي التي يقضي
بها الناس أوقات الفراغ.

لأنني لم أكن يسارياً تقدمياً كنت أعتقد بأن مشكلة الكويت تكمن في وجود
تيارات دينية سيطرت على مفاصل المجتمع وعرقلت تطوره ديمقراطياً متناسياً
وجود سلطة سعت بكل ما تملك من وسائل (ومن ضمنها تقوية التيارات الدينية على
حساب التيارات الوطنية والتقدمية) لتقويض هامش الديمقراطية الذي منحنا
إياه دستور الحد الأدنى، بل كنت مقتنعاً بأن السلطة مستنيرة أكثر من الشعب
وبأن نيتها خالصة لتطوير البلد وليس من أولوياتها السيطرة عليه لنهب
ثرواته.

لأنني لم أكن يسارياً تقدمياً كنت أعتقد بأن أميركا هي قبلة الحرية
والديمقراطية والعدالة الاجتماعية مستسلماً لما تبثه وسائل إعلامها ووسائل
إعلام السلطات العربية التابعة لسياستها، ولم يلفت انتباهي مئات الآلاف أو
ربما الملايين من الطبقات المسحوقة والفقيرة فيها ولا ظاهرة المشردين (أو
الهوملس) داخل مجتمعها، بل كنت أعتقد بأن هاري ترومان -على سبيل المثال-
ليس مجرماً حتى مع علمي بضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية! وكنت
أعتقد بأن أميركا وُجدت لتبشّر بالحرية وبالسلام ومن مظاهر ذلك احتلالها
لأفغانستان وللعراق والذي كنت أعتبره تحريراً وفتحاً عظيما!

لأنني لم أكن يسارياً تقدمياً لم أكن أعتقد بأن الكيان الصهيوني (والذي
كنت أسميه بدولة إسرائيل) كيان عنصري مستزرع من قبل القوى العالمية وعلى
رأسها أميركا وكنت أعتقد بأنه كيان ديمقراطي وعلماني رغم عشرات المناظر من
القتل والتشريد بحق الشعب الفلسطيني والتي كنت أراها يومياً بالتلفاز، بل
أشد من ذلك كنت مقتنعاً بحق هذا الكيان الدفاع عن نفسه ضد الحركات الثورية
التي تمارس الكفاح المسلح ضده والتي كنت أعتبرها معتدية! كنت لا أستسيغ
فكرة بأن هذا الكيان ما هو إلا شوكة في خاصرة منطقتنا بهدف تثبيت قدم القوى
الإمپريالية فيها.

وعلى سيرة الإمپريالية، لأنني لم أكن يسارياً تقدمياً كنت أعتقد بأن هذا
المصطلح لا قيمة واقعية له وليس إلا هذياناً كان يتردد على ألسنة طغاة
أمثال صدام والقذافي، غير فاهم لتعريفه العلمي والذي يوصّف الحالة العالمية
لطغيان الأنظمة الرأسمالية بهدف السيطرة على الأسواق خارج نطاق حدودها بكل
الوسائل ومن ضمنها العسكرية.

وختاماً، كدت أفقد إنسانيتي لأنني كنت أحمل الفقراء والمحتاجين في دول
العالم مسؤولية وضعهم مدعياً بأن كسلهم وعدم رغبتهم بالإنتاج هي سبب ما
وصلوا إليه وبأنهم يستحقون نتيجة عملهم، غير واعٍ لاستغلال الشركات الكبرى
للطبقات العاملة وللفئات المعدمة وغير مستوعبٍ بأن طبيعة النظام الرأسمالي
تؤدي -حتماً- لاتساع الهوة بين الطبقات ولغلاء الأسعار وللأزمات الاقتصادية
المتتالية والتي تؤدي إلى مزيد من الفقر.

بعد حسم أمر توجهي نحو اليسار والتقدمية تغيرت كل رؤيتي للأمثلة التي
ذكرتها تماماً وبتُّ متفائلاً بسبب لمسي لأساس المشكلة ولوضوح رؤيتي تجاه
الحلول العلمية والمنطقية لها وركبت الطريق نحو تحقيق شعار (وطن حر وشعب
سعيد)..

د. فواز فرحان

عضو في التيار التقدمي الكويتي

اقرأ المزيد